منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

١

المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين المبعوث لتأسيس قواعد الدين وعلى عترته الكرام الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم ومخالفيهم من الاولين والآخرين الى قيام يوم الدين.

وبعد فيقول الراجي عفو ربه الرحيم محمد ابراهيم بن الحاج الشيخ علي الكرباسي هذا ما استفدناه من تقرير بحث الاصول لدى استاذنا الذي انتهت اليه رئاسة التدريس فى القرن الرابع عشر شيخ الفقهاء والمجتهدين آية الله فى العالمين العلامة المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي متع الله الاسلام بطول بقائه والذي شرع في اول مباحثه في شهر ذي القعدة الحرام سنة ١٣٤١ هجرية كتبناه تخليدا لذكره وحبا لانتفاع الهيئة العلمية بغرر فوائده ودرر فرائده وقد سميناه بمنهاج الاصول الاستنباط احكام آل الرسول (ص) راجيا من المولى أن يجعله خالصا لوجهه الكريم فانه الموفق والمعين.

وقد رتبته على مقدمة ومقاصد وخاتمة أما المقدمة ففي بيان امور :

الأول : أن موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ، والمراد

٢

بالعارض ما يقابل الذاتي أي مطلق الخارج عن الشيء المحمول عليه وجمعه عوارض وقد قسموا العوارض على ستة أقسام ثلاثة ذاتية وثلاثة غريبة ، اما الذاتية فالعارض اولا وبالذات كالتعجب اللاحق للانسان والعارض بواسطة أمر داخل مساو كالنطق اللاحق للانسان بواسطة الادراك والعارض بواسطة أمر خارج مساو للذات كالضحك اللاحق للانسان بواسطة التعجب.

واما الغريبة كالعارض بواسطة أمر أعم خارج أو أخص أو مباين واختلفوا فى الأمر السابع وهو العارض بواسطة امر داخل أعم كعروض الحركة على الانسان بواسطة الحيوان وبالجملة الملاك فى الذاتي الاستناد الى الذات والغريب ما لا يستند الى الذات هكذا ذكر أهل الميزان والحق كما ذهب اليه الاستاد المحقق الخراساني (قدس‌سره) من جعل المناط في الذاتي أن لا يكون في البين واسطة فى العروض (١) سواء كانت واسطة فى الثبوت كما اذا كانت الواسطة علة لعروض

__________________

(١) وهي أي الواسطة في العروض على ثلاثة أقسام اما أن تكون مع ذيها موجودتين بوجودين والاشارة الى احدهما غير الاشارة الى الآخر كالحركة بالنسبة الى الجالس في السفينة أو أن تكون الواسطة مع ذيها موجودتين بوجودين إلا ان الاشارة الى أحدهما عين الاشارة الى الآخر كبياضية البياض فانها تعرض على ذات الابيض وثانيا وبالعرض تعرض على الجسم ، فالجسم والبياض موجودان بوجودين إلا ان الاشارة الى احدهما عين الاشارة الى الآخر. وثالثها أن تكون الواسطة مع ذيها موجودتين بوجود واحد كالوجود العارض على الماهية فيقال الماهية موجودة والظاهر ان مراده (قدس‌سره) من الواسطة العروضية هو القسم الاول دون القسم الثاني والثالث فانهما يعدان من الواسطة في الثبوت ويظهر الفرق بين أهل الميزان وبين ما ذكره المحقق الخراساني (قدس‌سره) في عروض الحرارة

٣

العرض على موضوعه بحسب الأمر والواقع كالحمى العارضة على الانسان بواسطة اختلال المزاج أو في الاثبات كما اذا كانت الواسطة علة للعلم بعروض العرض على موضوعه كالاقيسة المؤدية الى حصول العلم بالنتيجة وعليه فيشكل على اهل الميزان من ان الوسائط المذكورة ان كانت واسطة في العروض فكلها غريبة حينئذ لكونها بالعرض والمجاز وان كانت واسطة في الثبوت فكلها ذاتية حتى في الأمر المباين.

توضيح ذلك هو ان نسبة المحمول الى الموضوع على قسمين قسم يكون نسبته اليه حقيقية بان ينسب الى الشيء ما من حقه أن ينسب اليه كنسبة الانبات الى الله تعالى في قوله انبت الله البقل وقسم آخر تكون النسبة اليه مجازيه كنسبة الانبات الى الربيع في قولك انبت الربيع البقل ، فالعرض الغريب داخل في هذا القسم بجميع أقسامه ، واما القسم الأول فلا يخلو ان يكون الموضوع فيه اما تمام الموضوع للمحمول أو جزئه ، اما الأول فكعروض القول المفرد على الكلمة فان الكلمة بما هي تمام الموضوع للقول المفرد ، وهذا القسم لا يخلو اما ان يكون زيادة على كونه موضوعا يكون علة تامة كعروض الاحتياج على الممكن فان الممكن زيادة على كونه تمام الموضوع هو علة تامة له ، واما ان لا يكون علة تامة بل علة نسبة المحمول للموضوع هو شيء آخر كعروض الفاعلية على الكلمة فان عنوان الكلمة ليس لها دخل في عروض الفاعلية عليها بل بواسطة جعل الجاعل ، كما ان عروض الاحكام على فعل المكلف اذا كان تمام الموضوع بناء على أن الاحكام مجعولات للشارع

__________________

على الماء بواسطة النار فانها عرض غريب على رأي أهل الميزان لكون الواسطة مباينة وذاتية على رأيه لكون النار من الوساطة الثبوتية وهناك فروق أخر ذكرناها في حاشيتنا على الكفاية.

٤

فان ذلك العنوان أي فعل المكلف ليس له دخل فى عروض الأحكام وان الذي له الدخل هو جعل الشارع. نعم اذا قلنا انها ليست مجعولات شرعية بل الشارع كشف عما هو الواقع فتكون من قبيل الأول اي كون العنوان ذا مدخلية في نفس العروض ، فهذا القسم بكلا قسمية لا اشكال في كونه ذاتيا لكون نسبة العرض الى الموضوع نسبة حقيقية ، وأما اذا لم يكن كذلك فان كان اعم او أخص أو مباينا فغريب وان كان مساويا فذاتي على خلاف فيه ، وأما الثاني وهو ما اذا كان جزء الموضوع كعروض الوجوب على الصلاة فانها مركبة من الفعل مع الموالاة ، فالوجوب عارض على الفعل الذي هو جزء من الموضوع فحينئذ لا يخلو اما ان يكون عروض الوجوب على الفعل عروضا استقلاليا فيكون عروضه عليه مجازا إذ من حقه ان ينسب الى الفعل مع الموالاة فنسبته الى الفعل وحده نسبة الى غير ما هو له فتكون النسبة مجازية فيعد من الاعراض الغريبة واما ان يكون عروضه على الفعل عروضا ضمنيا باعتبار أن عروضه على الصلاة يكون منبسطا على جميع اجزائها فلكل جزء حصة من الوجوب فيعد عرضا ذاتيا إذ على هذا الوجه ينسب الى ما هو له إلا انه لا يعد مثل هذا عرضا ذاتيا لاعتبار الاستقلال في العرض الذاتي فمن هذا يظهر لك ان العرض الذاتي يشترط فيه شيئان الاستقلال في العروض والانتساب الحقيقي فلا يكفي أحدهما دون الآخر ، ثم ان المشهور عرفوا الذاتي بانه ما يعرض للشيء لذاته أو لما يساويه فبقولهم لما يساويه أخرجوا ما كان بواسطة أمر أعم أو أخص او مباين فاشكل عليهم صاحب الفصول حيث قال ما لفظه :

(المراد بالعرض الذاتي ما يعرض الشيء لذاته أي لا بواسطة في العروض سواء احتاج الى واسطة فى الثبوت ولو إلى مباين أعم أولا أما الأول فكالاحكام

٥

الشرعية الطارئة على افعال المكلفين باعتبار وعلى الادلة باعتبار بواسطة جعل الشارع وخطابه وهو أمر مباين للافعال والادلة وان كان له نوع تعلق بهما وأعم من كل منهما لتحققه في الاخرى) ولا يخفى ان ما ذكره من الجعل الذي هو واسطة في ثبوت الأحكام للفعل مبني على كون الاحكام مجعولة للشارع.

واما بناء على انها غير مجعولة بل الشارع كشف عنها ، فعروض الاحكام على الأفعال تكون ذاتية وليست بغريبة لكون الانتساب اليها بالحقيقة فتكون من الاعراض الذاتية وبالجملة ان العرض الذاتي يعتبر فيه الانتساب الحقيقي وان يكون مستقلا فيه بان لا يكون ضمنيا ، وعليه يظهر الاشكال فيما ذكره الاستاذ في ان الموضوع نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير الكلي ومصاديقه والطبيعي وأفراده.

بيان ذلك ان العرض الذاتي هو ما يعرض على الموضوع الذي هو جامع لشتات المسائل وحاوي لمتفرقاتها مثلا الكلمة التي هي موضوع علم النحو الجامعة للفاعل في قولهم كل فاعل مرفوع ولغيره مقتضى كونها موضوعا يقتضي عروض الرفع على الكلمة عروضا ذاتيا مع انه لا يكون ذاتيا لما عرفت من أن العرض الذاتي يشترط فيه الانتساب الحقيقي والاستقلال في الانتساب مع ان الرفع في المقام عرض على الكلمة بما انها جزء لان الرفع حسب الفرض قد عرض على الكلمة مع الفاعلية ، فعروضه على الكلمة يكون عروضا ضمنيا لا استقلاليا ولأن التزمت بعروض الرفع على الكلمة عروضا استقلاليا فحينئذ انتفى الشرط الأول.

وعليه فيكون النسبة مجازية ولازم ذلك ان عروض الاعراض على الكلمة التي هي موضوع علم النحو يكون من الاعراض الغريبة فتخرج عن الاعراض الذاتية ، وقس عليه موضوع علم الفقه فان الوجوب العارض على فعل المكلف بواسطة عروضه

٦

على الصلاة يكون من العرض الغريب لان نسبته اليه بالعرض والمجاز لو كان استقلاليا ولا يكون من العرض الذاتي لو كان ضمنيا ، وهكذا في سائر العلوم فان الاعراض تعرض على الموضوعات الخاصة الذي يكون الموضوع جزء منها فيكون عروضها على الموضوع عرضا غريبا اللهم إلا ان يقال ان هذه العناوين الخاصة المأخوذة في موضوعات المسائل لم تأخذ بنحو التقييد حتى يكون الموضوع جزء منها وانما أخذت بنحو التعليل فتكون هذه العناوين من الجهات التعليلية ، فحينئذ يكون العرض العارض على نفس الموضوع عرضا حقيقيا ومستقلا في الانتساب ، فقولنا الفاعل مرفوع ليس معناه ان الرفع عرض على الكلمة مع الفاعلية وانما الرفع حقيقة واستقلالا عرض على نفس الكلمة وسبب ذلك هو كونه فاعلا ، فالفاعلية جهة تعليلية لا جهة تقييدية وهذا يجري في جميع مسائل العلوم ، فان العوارض العارضة على الموضوعات الخاصة تلك الخصوصيات لم تؤخذ بنحو التقييد وانما اخذت بنحو التعليل. وبما ذكرنا يندفع الاشكال الوارد على أهل الميزان من ان العارض على موضوع العلم بواسطة امر اخص يكون من الغريب فتخرج جميع المسائل من العلوم وحاصل الدفع أن تلك الخصوصيات انما هي جهات تعليله لا جهات تقييدية فتكون اعراضا ذاتية كعروض الضحك على الانسان بواسطة التعجب فان التعجب من الجهات التعليلية فتكون من الواسطة في الثبوت ، والعرض حينئذ يعرض على نفس موضوع العلم وليس عارضا على الاخص وعروضه على الاعم بسبب اتحاده الكلي مع افراده والطبيعي مع مصاديقه كما ادعاه الاستاذ (قدس‌سره).

وبالجملة ان الحيثية ان أخذت بنحو التقييد فالاعراض العارضة على موضوع المسألة عروضها على موضوع العلم من الاعراض الغريبة لكونها من الواسطة في العروض الذي ملاكه الانتساب الى الموضوع بالعرض والمجاز لعدم الاتحاد بين موضوع

٧

المسألة مع موضوع العلم اذ الفرد مع التشخص غير الكلي ، وان اخذت الحيثية بنحو التعليل كما هو الظاهر فتكون الاعراض العارضة على موضوع المسألة عارضة على موضوع العلم عروضا حقيقيا وتكون تلك الوسائط جهات تعليله من غير حاجة الى الاتحاد خارجا والتغاير مفهوما (١). فظهر مما ذكرنا ان المراد من الواسطة في العروض ان يكون نسبة العرض الى موضوعه بالعرض والمجاز

__________________

(١) ولكن لا يخفى ان هذا انما يتم بالنسبة الى مثل عروض الرفع والنصب والجر على الكلمة بواسطة الفاعلية والمفعولية والمضاف اليه ، واما مثل عروض الاحكام على فعل المكلف المأخوذة فيها تلك العناوين بنحو التقييد كعروض الوجوب على الصلاة ونحوه المأخوذ فيه عنوان الصلاتية جهة تقييديه ، فعروض تلك الاحكام عليه بالعرض والمجاز لو كان بنحو الاستقلال.

ودعوى ان اخذ تلك الحيثيات بنحو التقييد تفيد العينية بتقريب أن ما به الاشتراك عين ما به الامتياز فهو وان كان صحيحا في حد نفسه بان تكون تلك الجهات. موجبة لاستعداد المعروض لعروض تلك العوارض بمعنى ان الكلمة من حيث الاعراب والبناء تصير مستعدة لحمل تلك العوارض عليها إلا ان تلك الحيثيات لا تنوع الاستعداد في ناحية الموضوع بان تكون كل حيثية توجب استعدادا خاصا لكي يحمل عليها تلك العوارض بل هي صالحة لحمل العوارض الأخر في حال استعدادها لهذه العوارض فالكلمة المقيدة بحيثية الاعراب والبناء مستعدة لحمل عوارض الصحة والاعلال مضافا الى ان هذه الحيثية المأخوذة في ناحية الموضوع انما تصحح العينية اذا كانت عين الخصوصيات مع انها متباينة تباينا ذاتيا فان خصوصية الصلاتية التي هي من مقولة الفعل مع خصوصية الصيام التي هي من مقولة الترك تباينا كليا. وبالجملة اخذ الحيثية التقييدية لا يرفع الاشكال. نعم لا مانع من كونها مما يحصل بها التمايز وأخذ الحيثية التعليلية وان رفع الاشكال من جهة

٨

بنحو يصح سلبه والمراد من الواسطة في الثبوت ما يكون سببا لعروض العرض على موضوعه وتكون العوارض العارضة على الموضوع بتلك الواسطة عرضا ذاتيا سواء احتاج في عروض الواسطة على ذيها الى شيء ام لا فما فسره بعض الاعاظم (قدس‌سره) من ان المراد من الواسطة في العروض هو ما تحتاج الواسطة في عروضها الى شيء كالضحك العارض على الانسان بواسطة التعجب المحتاج في عروضه الى توسط ادراك الكليات وفسر الواسطة في الثبوت بما لا يحتاج في عروض الواسطة على ذيها الى شيء كعروض التعجب على الانسان بتوسط ادراك الكليات فان عروض التعجب على الانسان غير محتاج الى عروض ادراك الكليات عليه في غير محله اذ كما يجوز أن تكون الواسطة الاولى سببا لعروض الواسطة على الموضوع كذلك تكون سببا لعروض العرض على الموضوع فان الادراك الذي هو سبب لعروض التعجب على الانسان ايضا سبب لعروض الضحك على الانسان ولا ينافى وجود سبب آخر كالتعجب مثلا لجواز ان يكون احدهما مقتضيا والآخر شرطا اذ الواسطة في الثبوت عبارة عن كونها واقعة في مقام الثبوت مطلقا سواء كانت مقتضية ام شرطية مضافا الى انه لو سلم كون العروض بما ذكر فلا نسلم ان ذلك

__________________

إلا انه لا يطرد بالنسبة الى مثل عروض الوجوب على الصلاة ، واما الاتحاد في الوجود والتغاير مفهوما فهو رافع للاشكال عند من التزم بان موضوع العلم هو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل ، وقد عرفت أن الالتزام بذلك في مثل علم الفقه غير معقول اذ لا يعقل وجود جامع يجمع موضوعات مسائله التي تفترق مقولاتها بعضها عن بعض على ان هذا الاشكال انما نشأ من الالتزام بان موضوع كل علم كلي وان ذلك الكلي هو الجامع للمسائل أما لو لم نلتزم بذلك اصلا واكتفينا بوحدة الغرض أو وحدة الاعتبار. فلا مجال حينئذ للاشكال.

٩

موجب للغرابة مع ان الواسطتين من الجهات التعليلية الموجبة لكون الانتساب حقيقيا بنحو لا يصح سلبه الذي هو ملاك العرض الذاتي كما لا يخفى.

تمايز العلوم

ذكروا ان تمايز العلوم بحسب تمايز الموضوعات فان علم الفقه يمتاز عن علم الاصول بموضوعه فان موضوع الفقه فعل المكلف وموضوع علم الاصول هو الادلة كما انهما غير علم النحو لتغاير موضوعه عنهما وقد اشكل عليهم باتحاد موضوع علم النحو مع علم الصرف وعلم البلاغة فان الموضوع في كل منهما هو الكلمة فيلزم تداخل العلوم بعضها مع بعض واجيب عنه بان تمايز الموضوعات بالحيثيات فان الكلمة أخذت موضوعا لعلم النحو من حيث الاعراب والبناء وفي الصرف من حيث الصحة والاعلال وفي المعاني والبيان من حيث الفصاحة والبلاغة (١).

__________________

(١) ذكر بعض الاساطين من مشايخنا (قدس‌سره) بما حاصله أخذ الحيثية فى موضوعية الموضوع وبها يكون التمايز بيان ذلك يظهر بعد ذكر امور الاول ان الحيثية اما تقييدية وأما تعليلية وثالثة حيثية تكون عنوانا للموضوع كما يقال الماهية من حيث هي ليست إلا هى والمراد بها في المقام هي الحيثية التقييدية بمعنى انها داخلة بالمقيد بها بنحو توجب له استعدادا وقابلية لان يحمل عليه العرض مثلا الكلمة من حيث الاعراب والبناء معرب ومبني والكلمة من حيث الصحة والاعلال صحيحة ومعتلة والكلمة من حيث الفصاحة والبلاغة فصيحة وبليغة لا بمعنى أخذها في ناحية الموضوع وإلّا فلا معنى للحمل للزوم حمل الشيء على نفسه الثاني ان انضمام الحيثيات توجب تكثر الموضوع وتعدده بعد ما كان امرا واحدا كالكلمة فانها عنوان وحداني ولكن تتعد باعتبار انضمام الحيثيات فالكلمة من حيث الاعراب والبناء التي هي موضوع علم النحو غير الكلمة من حيث الصحة

١٠

وصاحب الفصول (قدس‌سره) لم يأخذ الحيثية في ناحية الموضوع فقال ما لفظه (فهم وان اصابوا في اعتبار الحيثية للتمايز بين العلوم لكنهم أخطئوا في اخذها قيدا للموضوع والصواب أخذها قيدا للبحث وهي عند التحقيق عنوان اجمالي المسائل الذي تقرر في العلم) والظاهر ان المراد من الحيثية المأخوذة في البحث هي منتزعة من المحمولات ولذا قال الاستاذ ولا بالمحمولات اشارة الى ما قاله صاحب الفصول على ما استظهره (قدس‌سره) منه ويرد عليه ان ذلك غير صالح للتميز به لعدم كونه مميزا في بعض العلوم كمسألة التحسين والتقبيح العقليين المبحوث

__________________

والاعلال الذي هو موضوع علم الصرف وهكذا في علم البيان اخذ في موضوعه حيثية الفصاحة والبلاغة وبالجملة انضمام الحيثيات الى الكلمة توجب تعددها الثالث ان هذه الحيثية بها جهة الاشتراك وبها جهة الامتياز فما به الاشتراك عين ما به الامتياز كالاعراض فان السواد الشديد والضعيف يشتركان في السواد وبالسواد يمتازان فالمائز بين الضعيف والشديد بالشدة وهي مرتبة من السواد وليس السواد الضعيف عبارة عن السواد وعدم الشدة بل للسواد مرتبة ضعيفة ومرتبة شديدة اذا عرفت ذلك فاعلم ان موضوع العلم يتقيد ويتحصص بالحيثية ومع كل حصة يكون موضوعا لعلم خاص وبهذه الحيثية التي قيدت الموضوع تكون جامعة لجميع المسائل وبها تنطبق على موضوعات المسائل بنحو العينية لا بنحو الكلي وفرده مثلا الكلمة لما كانت عامة وتقيدت بحيثية الاعراب والبناء وجعلت موضوعا للعلم انطبقت على موضوعات المسائل انطباقا عينيا فان البحث عن الفاعل مثلا ليس لخصوصية في نفسه من تقدم وتأخر بل بما هو معرب ومبني وهكذا في جميع ابواب النحو فانها تشترك بحيثية الاعراب والبناء وتمتاز بعضها عن بعض بهذه الحيثية فباب الفاعل مع باب المفعول او المضاف اليه يشتركان في الاعراب ويمتازان في الاعراب ايضا وقد اوضحنا ذلك في تقريراتنا لبحثه (قدس‌سره).

١١

عنها في الاصول والكلام مضافا الى ما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) ما لفظه وإلا كان كل باب بل كل مسألة من كل علم علما على حده كما هو واضح. انتهى.

ولاجل ذلك التزم الاستاذ (قدس‌سره) بان تمايز العلوم انما هو بالاغراض الداعية الى التدوين فوحدتها بوحدة الغرض وتعددها بتعدده ودعوى انه يلزم تعدد العلم الواحد لتعدد اشخاص الاغراض ممنوعة اذ الغرض الواحد مثل صون اللسان عن الخطأ في المقال يترتب على جل مسائل العلم فدخل كل مسألة في الغرض دخل جزء في الكل بخلاف موضوعات المسائل ومحمولاتها نسبتها الى موضوع العلم ومحموله نسبة الفرد لنوعه وبالجملة ليس الملحوظ شخص الغرض وانما الملحوظ نوعه وهو لا يترتب إلا على جل المسائل ولا يخفى انما ذكره (قدس‌سره) يتم بناء على ان الواحد لا يصدر منه إلا الواحد فالغرض الواحد يكشف عن مؤثر واحد كما ان الغرضين يكشفان عن مؤثرين فاذا فرض ان الغرض الواحد كاشفا عن وحدة ذي الغرض فحينئذ يكون التمايز بين العلوم بالموضوع بحسب الأمر والواقع دون مرحلة الاثبات والقوم يقصدون بالتمايز بين العلوم بحسب نفس الامر والواقع دون مرحلة الاثبات فحينئذ صح لنا دعوى ان تمايز العلوم بالموضوعات والطريق الى معرفة ذلك انما هو بالتمايز بالاغراض ومراد الاستاذ قدس‌سره بالتمايز بالاغراض انما هو في مقام الاثبات دون مرحلة الواقع فالموضوع الذي هو المؤثر يعلم اجمالا من غير حاجة الى معرفة اسمه وعنوانه الخاص بل يصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه ولو بمعرفة الغرض المترتب عليه فان ذلك معرفة له بوجه اذ معرفته باسمه وعنوانه بالخصوص ليس له دخل في موضوعيته هذا وان تم ما ذكره قدس‌سره إلا انه مبني على جريان قاعدة الواحد لا يصدر منه إلا الواحد فانه على تقدير تسليمها فانما هي في الامر البسيط لا مثل المقام الذي هو جامع عنواني يترتب على جل

١٢

المسائل ولا يستكشف منه الجامع بين موضوعات المسائل مضافا الى ان الغرض في المقام يترتب على العلم بالمسائل لانفسها ولو سلم ترتبه عليها فليس ترتبا بنحو العلية والمعلول وانما ترتبه عليها ترتب اضافة لذيها فان القواعد بتعلمها توجب استعدادا لترتب الفائدة والغرض فان نفس القواعد لا تترتب عليها هذه الفائدة مطلقا بل مع ضم تعلمها وتطبيقها على أن تصوير جامعا معنويا يجمع موضوعات المسائل بالنسبة الى بعض العلوم أمر غير معقول فان علم النحو موضوعه الكلمة والكلام والكلمة جزء من الكلام ولا يعقل وجود جامع بين الجزء والكل وتخلص بعضهم عن ذلك في ان موضوع علم العربية هو الكلام لا يرفع الاشكال اذ الكلام مركب من سنخ الالفاظ ومن سنخ المعاني كالنسبة ولا يعقل وجود جامع بين ما هو من سنخ الألفاظ وبين ما هو من سنخ المعاني كما ان علم البيان موضوعه الفصاحة والبلاغة والفصاحة جزء من البلاغة ولا يعقل جامع بين الجزء والكل وهكذا في علم المنطق فان موضوعه التصور والتصديق ولا جامع بينهما وكذا في الفقه فان فعل المكلف لا يكون جامعا بين الصلاة التي هي من مقولة الافعال والصيام الذي هو من التروك فالحق ان يقال بان الموجب لجمع المسائل يختلف باختلاف نظر المدوّن فتارة يكون نظره الى موضوع خاص ويبحث عن عوارضه واخرى يكون نظره الى محمول خاص كالنافع ويقصد البحث عما يعرض النافع عليه واخرى يكون نظره الى غرض خاص من دون نظر الى الموضوع والمحمول فعلى الأول يكون التميز بالموضوع وعلى الثاني يكون بالمحمول وعلى الثالث فالتميز بالغرض بل ربما يقال انه لا يحتاج الى ذلك اصلا بل يصح للمدوّن ان يكوّن وحدة اعتبارية فان المركب من اجزاء متمايزة تعتبر فيه وحدة اعتبارية فالمدوّن لما دوّن تلك المسائل المتمايزة اعتبرها علما واحدا فبهذا الاعتبار تعتبر

١٣

تلك المسائل علما وان ترتبت عليها اغراض عديدة فوحدته منوطة بالوحدة الاعتبارية كما لا يخفى.

موضوع علم الاصول

اختلف الاصوليون في موضوع علم الاصول بين قائل بان موضوعه الادلة الاربعة بقيد الدليلية وينسب الى صاحب القوانين قدس‌سره وبين قائل بذوات الادلة وينسب الى صاحب الفصول والفرق بين القولين يظهر في البحث عن دليليتها فانه بحث عن جزء الموضوع على الاول فيعد من المبادي وبحث عن احواله على الثاني ويعد من مسائل العلم وقول ثالث بان موضوع علم الاصول كلي ينطبق على موضوعات مسائله لا خصوص الادلة وبه قال الاستاذ قدس‌سره مستدلا عليه بان اكثر مباحث الاصول بما يعم الادلة كعمدة (١) مباحث تعادل والتراجيح ومسألة حجية خبر الواحد فان البحث عنهما ليس بحثا عن عوارض السنة ان اريد منها السنة المحكية وانما البحث عنها من عوارض الحاكي وارجاع البحث فيهما الى عوارض المحكي بان البحث فيهما عن ثبوت السنة الواقعية (٢) في غير محله فان

__________________

(١) التعبير بالعمدة لاخراج بعض المباحث غير المهمة فيها كالبحث عن تعارض الآيتين فانه من عوارض الكتاب الذي هو احد الادلة.

(٢) وقد اوضحه بعض السادة الاجلة قدس‌سره بان الثبوت اضافة بين الثابت والمثبت له فتارة النظر يكون الى الثابت فيعد من احواله وعوارضه واخرى يكون النظر الى المثبت له فيكون من عوارضه واحواله كالقطع فتارة يضاف الى القاطع فيقال السكين تقطع الخشب واخرى يضاف الى المقطوع فيقال الخشبة تنقطع بالسكين فهذا الاختلاف يوجب اختلافا في ناحية الموضوع ففى الاول في

١٤

البحث فيهما حينئذ عن ثبوت الموضوع الذي هو مفاد كان التامة فيعد من المبادي ولا يعد من مسائل العلم فانها مفاد كان الناقصة التي مفادها نسبة المحمول للموضوع بعد الفراغ عن وجوده وبعبارة اخرى السؤال تارة يقع بهل البسيطة كالسؤال عن اصل وجود الشيء واخرى يقع بهل المركبة كالسؤال عما يعرض عليه بعد الفراغ عن وجوده والجواب عن الأول يعبر عنه بمفاد كان التامة فيقال كان زيد في جواب هل وجد زيد والجواب عن الثاني يعبر عنه بمفاد كان الناقصة فيقال كان زيد قائما والبحث في مسائل العلم بحث عن عوارض الموضوع بعد الفراغ عن أصل وجوده واقعا والعلم لا يبحث عن ثبوت الموضوع واقعا فلو بحث عنه فهو يعد بحثا عن مبادي العلم وما يقال بان البحث في حجية الخبر انما هو بحث عن الثبوت التعبدى والثبوت التعبدي هو مقاد كان الناقصة فهو وان كان صحيحا إلا انه من عوارض الحاكي لا المحكي وبالجملة ان اردنا من السنة السنة المحكية أي نفس قول المعصوم أو فعله أو تقريره فالبحث عن خبر الواحد ليس بحثا عن عوارض

__________________

بيان حدة السكينة وفي الثاني في بيان صلابة الخشب وان كانت احدى الاضافتين تلازم الاخرى إلا ان جهة العروض يختلف وهكذا في المقام فان البحث في ان السنة تثبت بخبر الواحد كما تثبت بالخبر المتواتر غير البحث في ان خبر الواحد مثبت للسنة كما ان الخبر المتواتر يثبتها لتغاير الموضوع فيهما ففي الاول بحث عن عوارض السنة بخلاف الثاني فانه بحث عن عوارض الخبر فغرض الشيخ قدس‌سره من الارجاع جعل البحث في خبر الواحد من قبيل الاول ولكن لا يخفى ان ما ذكره قدس‌سره فانه صحيح في نفسه إلا انه لا يثبت إلا امكانه واما الذي يبحث عنه في خبر الواحد هو كون الاضافة الى المثبت فحينئذ يكون الموضوع هو الخبر فالبحث عنه بحث عن الحاكي للسنة الواقعية.

١٥

الموضوع وان اردنا من السنة الحاكي والمحكي فهو وان كان من عوارض السنة إلا أن البحث في غير واحد من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها اقول ما المراد من ان السنة تثبت بخبر الواحد فان كان المراد ان خبر الواحد موجد لها واقعا فهو أمر غير معقول حيث انه من سلسلة المعلولات ولا يعقل ان يكون من سلسلة العلل وان كان المراد من الثبوت الثبوت التعبدي فهو ايضا خارج عن مسائل العلم ولا يكون من قبيل مفاد كان الناقصة لان مفادها البحث عما يعرض على الموضوع بعد الفراغ عن وجوده والبحث عن الوجود التعبدي ليس بحثا عما يعرض على الشيء بعد الفراغ عن وجوده اذ الوجود التعبدي لا يلازم الوجود الواقعي مضافا الى ان الثبوت التعبدي من عوارض الحاكي اي الخبر على اطلاقه محل نظر اذ يكون من عوارض الحاكي بناء على ان دليل التنزيل فى الامارات ناظر الى جعل المؤدي منزلة الواقع فانه حينئذ من عوارض الحاكي واما بناء على انه ناظر الى ان احتمال المطابقة منزل منزلة العلم فلا يتم ما ذكره قدس‌سره من انه من عوارض الحاكي وانما هو من عوارض السنة المحكية بيان ذلك ان احتمال المطابقة لو صار علما تكوينا لزم تبدل السنة الواقعية من الصفة الاولى اي كونها محتملة الى صفة اخرى وهي كونها معلوم فالتبدل يكون من حاله الى حالة اخرى من حالات السنة الواقعية وهكذا بالنسبة الى جعل الشارع فانه لما جعل احتمال المطابقة علما معناه بدل ذلك الاحتمال الى علم تعبدي وهذا التبديل صار من احوال السنة الواقعية ولازم ذلك تبدل الصفة المحتملة الى كونها معلوم ان قلت ان اتصاف كل شىء بصفة انما يعد من الحالات بعد الفراغ من وجوده في العلم الحقيقي فضلا عن العلم الجعلي ومع فرض عدم وجوده فكيف يكون من حالاته قلنا لا يقصد من البحث عن احوال السنة إلا البحث عن حالها على تقدير وجودها واقعا في

١٦

قبال من يدعي جعل مثل هذه الحالة من حالات الخبر الحاكي لها دونها وبالجملة البحث في هذه الصفة اي الصفة المعلومية متحققة ام ليست بمتحققة بحث عن عوارض نفس السنة الواقعية المحكية واما ما ذكره أخيرا من الاستدلال على كون الموضوع فى علم الاصول هو الكلي المنطبق على جميع المسائل لا خصوص الادلة بما لفظه (إلا ان البحث في غير واحد من مسائلها كمباحث الالفاظ وجملة من غيرها لا يخص الادلة بل يعم غيرها وان كان المهم معرفة أحوال خصوصها) بتقريب أن جهة البحث في تلك المباحث مثل أن الأمر يدل على الوجوب أو المرة أو الفور وامثال ذلك المذكورة في مباحث الالفاظ وغيرها من المباحث العقلية كحسن العقاب وقبحه هي مباحث عامة لا تختص بالادلة الأربعة وان كان المهم من تلك المسائل هو الأمر الموجود في الكتاب والسنة وكون وجود هذه الامور المهمة في المسائل لا يوجب اختصاص جهة البحث وحيث ان صاحب الفصول قال بان موضوع علم الاصول الادلة الأربعة التزم بان البحث عنها باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة وقد أورد عليه بان الاعراض اللاحقة للجنس بتوسط أمر أخص من الاعراض الغريبة فيلزم من ذلك خروج جل المسائل عن العلم والجواب عنه بان اعتبار وقوعها في الكتاب والسنة ليست جهة تقييدية وانما هي من الجهات التعليلية فتلك الاعراض اللاحقة للجنس باعتبار وقوعها في الكتاب والسنة لا تعد من الأعراض الغريبة واما جهة البحث فهو وان كان عاما إلا انه لا يكون فيه جهة عموم بنحو يشمل غير الأدلة لما هو معلوم أن الغرض في كل شيء هو ما يتعلق به الارادة اولا على نحو يكون موجبا لتحصيل المقدمات فالمقدمات انما هي للتوصل الى ذيها فالارادة التوصلية تتعلق بما يوصل الى الغرض ومن هنا نقول ان دائرة ذي الغرض لا بد وأن يكون بمقدار دائرة الغرض وعليه الغرض من البحث ليس إلا

١٧

هو اعتبار وقوعها في الكتاب والسنة فسعة الغرض يوجب سعة البحث وضيقه يوجب ضيق جهة البحث فمن هنا صح لنا دعوى ان الغرض لما كان استنباط الاحكام الشرعية وانه مترتب على خصوص الأوامر والنواهي الموجودة في الكتاب والسنة لا على مطلق الامر فيستكشف منه انه لا يؤخذ قدرا جامعا ما يشمل الكتاب والسنة وغيرهما لما في الغرض من خصوصية لا تترتب على الأمر الجامع هذا غاية ما يوجه به كلام الفصول إلا انه مبني على ان نسبة الغرض الى ما يترتب عليه نسبة تأثير وتأثر فوحدته يوجب وحدة المؤثر وتعدده يوجب تعدده وقد عرفت منا سابقا ان ذلك لو سلم فانما هو فى الأمر البسيط لا مثل المقام الذي هو جامع عنواني فوحدته لا توجب وحدته هذا والذي يمكن ان يقال أن مباحث الاصول تنقسم الى ثلاثة أقسام مباحث الالفاظ كالامر للوجوب أو للفور ومثل ذلك ومداليل بنحو كان للفظ دخل فيها كاجتماع الأمر والنهي ودليلية الدليل كمباحث الحجج كمثل حجية خبر الواحد ونحو ذلك فلو قلنا بمقالة المحقق القمي القائل بان الموضوع هو الادلة بقيد الدليلية فالبحث عن الحجج تدخل في مباحث المبادي لان البحث فيها ليس من عوارض الموضوع بل بحث عن جزء من الموضوع فتخرج عن مسائل العلم وتخرج ايضا عن مباحث المداليل وكذا مباحث الالفاظ بناء على ان عوارض الجنس من العوارض الغريبة فلا يبقي لعلم الاصول مسألة يبحث عنها بل كلها تكون من المبادي واما لو قلنا بمقالة الفصول من ان الموضوع هو ذوات الادلة فلا يرد عليه الاشكال بمباحث الحجج كمباحث ظواهر الكتاب ومباحث العقل فان البحث فى تلك المباحث يكون من عوارض الموضوع ، نعم يرد عليه خروج مباحث المداليل واما بقية مباحث الحجج كمثل حجية الشهرة وحجية الاستصحاب فان تلك المباحث تخرج لان

١٨

البحث فيها ليس من عوارض الأدلة ومن هنا التزم الاستاذ قدس‌سره بان موضوع علم الاصول ما يعم هذه المسائل المتشتتة بحيث يكون ذلك الجامع هو الضابط للمسائل الاصولية ومع عدم شموله لا يعد من مسائل الاصول وقد عرفت منا سابقا عدم الالتزام باخذ جامع موضوعي او محمولي او الغرض بل يكفي لجمع تلك المسائل المتشتتة وحدة اعتبارية كما لا يخفى.

تعريف علم الاصول

عرف القوم الاصول بانه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية والاستاذ قدس‌سره جعل هذا التعريف مؤيدا لما اختاره من ان موضوع علم الاصول كلي ينطبق على موضوعات مسائله لا خصوص الادلة إذ لو كان الموضوع خصوص الادلة لقيدت القواعد في التعريف بها وانما جعله مؤيدا لا دليلا لجواز ان يكون التعريف بالاعم (١) وحيث ان هذا التعريف لا يكون جامعا لعدم شموله لحجية الظن بناء على الحكومة والاصول العملية في الشبهات الحكمية اضاف اليه قدس‌سره (او التي ينتهي اليها فى مقام العمل).

بيان ذلك أن المراد من الاستنباط ان القاعدة توجب تحصيل العلم بالواقع تعبدا فيستفاد منها الحكم الشرعي الواقعي مثلا حجية الامارة يستكشف منها الحكم

__________________

(١) مضافا الى ان هذه تعاريف لفظية لا يقصد منها إلا شرع الاسم فحينئذ لا يستكشف شيء منها بل ربما يقال ان ذكر الاحكام الشرعية يغني عن تقيد القواعد بالادلة حيث انها مستنبطة من الادلة ولكن لا يخفى ان كون الاحكام الشرعية تستخرج من الادلة لا يوجب اختصاص القواعد في التعريف بالادلة بل هي مطلقة تشمل الادلة وغيرها فافهم.

١٩

الواقعي فما لم يستكشف منه ذلك خارج عن دائرة الاستنباط كالظن بناء على الحكومة بمعنى أن منشأ حجيته حكم العقل بوجوب العمل على طبق الظن فيكون مفاده حكما ظاهريا عقليا فلم يقع في طريق الاستنباط بخلاف ما اذا قلنا بان نتيجة دليل الانسداد هي الكشف فانها يتوصل بها الى الحكم الشرعي كما يتوصل من بقية الامارات اليه وهكذا الحال بالنسبة الى الاصول العملية العقلية كالبراءة والاشتغال والتخيير الجارية في الشبهات الحكمية فانها لا يتوصل بها الى الحكم الشرعي سواء قلنا بانها عقلية او انها من باب جعل المماثل واما استفادة الحكم الشرعي منها فليس من التوصل بها اليه بل من باب تطبيق الكلي عليه واما الاصول الجارية فى الشبهات الموضوعية كالشك بان هذا المائع خمر او خل فليست من الاصول وانما هي احكام فرعية جزئية فظهر مما ذكرنا أن الظن بناء على الحكومة والاصول العملية الجارية فى الشبهات الحكمية لا تدخل تحت تعريف المشهور ومن شأنه أن يكون جامعا لجميع المسائل فلذا اضاف قدس‌سره او التي ينتهي اليها في مقام العمل اذ لا وجه لدعوى كون هذه المباحث المهمة ذكرت في الاصول استطرادا ثم أنه قدس‌سره عرف علم الاصول بانه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن ان تقع في طريق استنباط الاحكام فلم يدخل العلم في التعريف لما هو معلوم ان حقيقة كل علم مسائله فلذا يتعلق به العلم تارة والجهل اخرى فيقال عالم بالنحو وجاهل به فلو كان العلم داخلا فى حقيقة الفن فلا يتعلق العلم او الجهل به اللهم إلا ان يقال ان للشيء وجودات عديدة وجود واقعي ووجود علمي ووجود كتبي فالفن له وجود واقعي وهو نفس القواعد ووجود علمي وهو العلم بها فاخذ المشهور العلم في التعريف باعتبار وجوده العلمي واما قوله التي يمكن أن تقع فى طريق الاستنباط فقد خالف المشهور فى ذلك حيث ان ظاهر الاستنباط المأخوذ

٢٠