منهاج الأصول - ج ١

محمّد ابراهيم الكرباسي

منهاج الأصول - ج ١

المؤلف:

محمّد ابراهيم الكرباسي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار البلاغة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٣

ينبغي ان تؤخذ في مقام الاستعمال والالتزام بذلك واضح الفساد ولكن عند التأمل في كلامه (قدس‌سره) يحمل على ان الواضع جعل اللفظ بتمامه مرآة للمعنى فمع انضمام معنى آخر اليه لم يكن اللفظ بتمامه مرآة له ، وان كان المعنى بتمامه مرئيا للفظ أو يحمل كلامه على ما ذكرنا سابقا من ان الغرض من الوضع هو الاستعمال فاذا الواضع اعتبر شيئا فى ناحية الاستعمال فقد ضيق دائرة الغرض فمع تضييقه يوجب تضييق ذى الغرض ، كما ان ما كان من شئون الوضع يكون مانعا من اطلاق الوضع فيتبعه الغرض وهو الاستعمال ، وبالجملة الاستعمال يتبع الوضع فضيق الوضع موجب لضيق دائرة الاستعمال وفي المقام لحاظ الانفراد لم يؤخذ قيدا للمستعمل فيه وانما اخذ من شئون الوضع وذلك يوجب عدم الاطلاق فيه ويتبعه الاستعمال فلا يكون اطلاقا فيه فالاستعمال فى غيره يعد غلطا ومستهجنا ، ثم ان ما ذكرنا من استحالة لحاظين آليين يقومان بلفظ واحد لا يفرق فيه بين ان يكون ذلك اللفظ مفردا أو مثنى أو جمعا. ودعوى جوازه في المثنى والجمع لكونهما بمنزلة تكرير اللفظ فكأنه فى المثنى لفظان وفي الجمع الفاظ ففيه أولا انه مع فرض تعدد اللفظ في المثنى والجمع فكل لفظ فيهما استعمل في معنى فيخرج عن محل النزاع الذي هو لفظ واحد استعمل في معنيين وثانيا ان هيئة التثنية أو الجمع تدل على ارادة المتعدد مما يراد من المدخول والظاهر ان المراد من المدخول هو طبيعة واحدة والتعدد يعتبر فى افرادها فلفظ العين في عينين يراد منها أما طبيعة الباكية أو طبيعة النابعة وأداة التثنية أو الجمع تدل على ارادة التعدد من المدخول أي تعدد نفس الطبيعة الواحدة بان يراد فردان من الباكية أو من النابعة في المثنى وافراد من الباكية أو النابعة في الجمع وان شئت توضيح ذلك فلاحظ

١٢١

تثنية اسم الجنس كرجل مثلا فتقول رجلان فيراد منها فردان من جنس الرجل وهكذا اسم الاشارة كهذا مثلا فتقول هذان أي فردان من معنى هذا وهو مفهوم مبهم من جميع الخصوصيات الا خصوصية الاشارة وبهذا المعنى يقبل الصدق على كثيرين فبدخول أداة التثنية أو الجمع فهمت خصوصية التعدد وهكذا تثنية الاسماء الموصولة والضمائر أو جمعها واما الاعلام فعند تثنيتها أو جمعها لم تستعمل في معانيها لعدم التعدد فيها وانما تستعمل فى مفهوم عام وهو المسمى فيراد من زيدان في تثنية زيد مسميان بزيد ولذا قيل بان الاعلام تثنيتها وجمعها تخرج عن التعريف ومن هنا لا تثنى الاعلام الا بمجيء لام العهد فلا تقول جاء زيدان بل تقول جاء الزيدان تداركا لما فاتها من التعريف ودعوى ان تثنية المشترك يراد منه طبيعتان أو فرد من طبيعة وفرد آخر من طبيعة أخرى فيدخل حينئذ في محل النزاع في غير محلها لأن ذلك خلاف المتفاهم العرفي فان العرف لا يفهم من لفظة عينيين الا فردان من الباكية أو فردان من النابعة مضافا الى انه لو اريد ذلك واكتفينا بتثنية الاعلام بالاتحاد في اللفظ فلا مانع من دعوى ان هيئة التثنية أو الجمع موضوعة للتعدد فيكون حالها حال اثنين أو رهط أو قوم فيخرج عن محل النزاع ويكون من قبيل استعمال لفظ واحد فى معنى واحد ومما ذكرنا ظهر انه لا وجه لما استدل على جواز استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد بان ذلك من قبيل الحكم المتعلق بالعام حيث ان العام جعل طريقا لافراده والحكم قد تعلق بكل فرد على نحو الاستقلال فلو كان استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد محالا لاستحيل مثل هذا الحكم المتعلق بكل فرد فرد وقاسه أيضا على الوضع العام والموضوع له خاص حيث انه وضع واحد تعلق بكل واحد من أفراد العام مستقلا. لأنك قد عرفت

١٢٢

ان منشأ المحالية هو قيام لحاظين آليين بلفظ واحد وهو لا يوجد فى تعلق الحكم بالافراد ولا بالوضع العام والموضوع له خاص لأن فيهما لحاظا واحدا تعلق بصورة اجمالية جعلت طريقا للافراد والحكم تعلق بكل فرد فرد فاللحاظ واحد وان كان الحكم متعددا وكذلك الوضع العام والموضوع له خاص فان الواضع لاحظ صورة اجمالية ووضع اللفظ لافراد تلك الصورة الاجمالية فاللحاظ واحد وان كان الموضوع له متعددا على انه فرق بين المقام والحكم المتعلق بالعام فان المقام من موارد الاستعمال وهو متقوم باللحاظ بخلاف الحكم فانه غير متقوم باللحاظ لحصوله بعده فهو متأخر عنه رتبة فلا يعقل ان يؤخذ اللحاظ في الحكم فاذا لم يؤخذ فيه فلا توجد فيه منشأ المحالية. وبالجملة منشأ المحالية هو لحاظان آليان يقومان بلفظ واحد وهو لا يوجد في الحكم المتعلق بالعام لوحدة اللحاظ فيه ، وتوجد في استعمال اللفظ فى اكثر من معنى واحد لقيام لحاظين بلفظ واحد في آن واحد ، ولذا قلنا ان الحق هو عدم جوازه مفردا كان أو مثنى أو جمعا ، فما يتوهم منه وقوع استعمال اللفظ في اكثر من معنى واحد في مثل قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) بتقريب ان ما الموصولة استعملت في المال والتكليف ، وكذا الايتاء استعمل في الاعطاء والاعلام ، مع انه لا جامع بين المال والتكليف ، وكذا بين الاعلام والاعطاء لعدم الجامع بين جعل ما مفعولا مطلقا وجعلها مفعولا به ، ولكن لا يخفى ما فيه فانه يمكن ان يراد من الموصول مفعولا له ، والايتاء هو التكليف بمعنى مشقة الكلفة الحاصلة من جهة الأعلام تارة والاعطاء اخرى ، وله مزيد توضيح يأتي ان شاء الله تعالى في مبحث البراءة.

١٢٣

المشتق

الأمر الثالث عشر فى المشتق اختلفوا في ان المشتق حقيقة فى خصوص ما تلبس بالمبدإ أو حقيقة في الاعم من المتلبس ومن المنقضي على أقوال بعد اتفاقهم على انه مجاز فيما يتلبس به فى المستقبل وبيان ذلك يتوقف على ذكر أمور :

الأول المراد من المشتق (١) هو ما يجري على الذات بواسطة اتصافها بامر خارج عن الذات من غير فرق بين كون الامر الخارج من الأمور المتأصلة كالسواد أو كونه أمرا اعتباريا كالزوجية والحرية وأمثالهما قال الاستاذ قدس‌سره ما لفظه (ما كان مفهومه ومعناه جاريا على الذات ومنتزعا منها بملاحظة اتصافها بعرض (٢) أو عرضي) فيدخل في محل النزاع جميع الاحكام الشرعية وضعية كانت أم تكليفية لانها تنتزع من الذات باعتبار انضمام امر اعتباري اليها ككون الصلاة واجبة أو ان السورة جزء اوان الطهارة أو الاستقبال شرط ، ويقابل ذلك ما يسمى بالجامد

__________________

(١) بين المشتق عند الاصوليين والمشتق عند اهل العربية عموم وخصوص من وجه يجتمعان في اسماء الفاعلين والمفعولين ويطلق المشتق الاصولي على ما كان جاريا على الذات بواسطة اتصافها بامر اعتباري شرعي مثل الزوجية والحرية وعند أهل العربية يعد من الجوامد ويطلق المشتق عند اهل العربية على ما لا يكون جاريا على الذات كالافعال واسماء المصادر وعند الاصولي لا يطلق عليه المشتق.

(٢) المراد من العرض هو ما كان من الامور المتأصلة كالسواد والعرضي ما كان من الامور الاعتبارية كالزوجية والرقية خلافا لاكثر اهل المعقول فان العرض عندهم ما قابل الجوهر كالسواد والعرضي هو المشتق منه كالاسود قال في المنظومة وعرضى الشيء لا كالعرض ذا كالبياض وذاك مثل الابيض.

١٢٤

والمراد به فى المقام هو ما كان منتزعا من الذات من دون اتصافها بامر خارج كانتزاع الانسانية من ذات الانسان او الذاتيات كانتزاع الحيوانية او الناطقية من اجزاء الذات فان هذه العناوين تنتزع من الذات من دون ضم أي ضميمة اليها فهي خارجة عن حريم النزاع لأن هذه العناوين تحصل من نفس الذات ومع زوالها تنعدم ولا تبقى الذات لكي يتأتى النزاع في انه حقيقة فيما تلبس أو اعم لما انقضى لعدم تصور الانقضاء فيه وبذلك تعرف الفرق بينهما. وحاصله هو انه لو سلب الوصف العنواني كما لو سلب وصف الانسانية أو الحيوانية أو الناطقية عن ذات الانسان فان انتفى انتفت الذات فيقال له ذاتي ويقال له الجامد ، وأما لو سلب الوصف العنواني وبقيت الذات كما لو سلب وصف التكلم أو الضحك أو الضرب أو القيام وأمثال ذلك فان الذات باقية فهو عرضي ويقال له المشتق وينطبق عنوان المشتق أيضا على ما انتزع من الذات بواسطة اتصافها بامر اعتباري شرعي كالزوجية المنتزعة من ذات اتصفت بكونها زوجة أو زوجا ، فمع زوال الزوجية تبقى الذات. فلذا قلنا بان ما كان من قبيل ذلك داخل فى حريم النزاع ويشهد لذلك ما ذكره فخر المحققين قدس‌سره في الايضاح ـ فيما اذا كان له زوجتان كبيرتان ارضعتا زوجته الصغيرة ـ ما لفظه : (تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرتين (١) ، وأما المرضعة الاخيرة ففي تحريمها خلاف فاختار والدي

__________________

(١) الظاهر ان المعتبر الدخول باحدى الكبيرتين ولعل فى نسخة الكفاية غلطا بالطبع. ولا يخفى ان هذه المسألة تفرض بلبن غير الزوج بان يكون لبن كل واحدة من الكبيرتين لفحل غير الزوج إذ لو فرضت المسألة بلبن الزوج فتحرم الصغيرة لكونها بنتا لا لكونها ربيبة وحينئذ لا يحتاج فى التحريم الى الدخول باحدى الكبيرتين

١٢٥

المصنف (ره) وابن ادريس تحريمها لأنه يصدق عليها أم زوجة ، لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه) ومثله ما عن المسالك من ابتناء الحكم فيها على الخلاف في المشتق والاصل في هذه المسألة رواية علي بن مهزيار عن أبي جعفر (ع) قال قيل له ان رجلا تزوج بجارية صغيرة فارضعتها امرأته ثم ارضعتها امرأة له أخرى فقال ابن شبرمة حرمت عليه الجارية وامرأتاه فقال ابو جعفر (ع) : (أخطأ ابن شبرمة تحرم عليه الجارية وامرأته التي ارضعتها أولا ، وأما الأخيرة فلم تحرم عليه لأنها ارضعت ابنته) ، ولا يخفى ان هذه الرواية فى غاية الاعتبار من حيث السند وابن ادريس (قدس‌سره) لم يعمل بها جريا على عادته من عدم العمل بخبر الآحاد ، واما العلامة (قدس‌سره) لم يعمل بها للاشكال الوارد عليها الموجب لعدم الوثوق بصدور الرواية.

بيان الاشكال هو ان الرواية لما كانت مشتملة على التعليل وهو (لأنها ارضعت ابنته) فيظهر منها انها وردت على طبق القواعد ولم تكن في مقام التعبد بمضمونها مع انه لا يمكن تطبيقها على القواعد إذ القاعدة تقتضي عدم حرمة الاولى أيضا. توضيح ذلك ان ام الزوجة النسبية تحرم مؤبدا كذلك تحرم ام الزوجة الرضاعية وان بنت الزوجة نسبا تحرم مؤبدا بشرط الدخول بامها كذلك بنت الزوجة الرضاعية فانها تحرم مؤبدا مع الدخول بامها لقوله (ع) : (لحمة الرضاع كلحمة النسب)

إذا عرفت ذلك فاعلم ان المستفاد من آية : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) تحريم ام الزوجة هو في حال كونها زوجة تحرم امها ، وأما تحريم الأمّ مع طلاق الزوجة

__________________

اذ يمكن ان تحملا بالجذب اي جذب ماء الرجل من غير دخول ولو ارضعتها حينئذ تحرم الصغيرة لكونها بنته.

١٢٦

أو موتها فمستفاد من دليل آخر كالاجماع فانه دال على تحريم عنوان من كانت ام زوجة وهذا العنوان ينطبق على موت الزوجة أو طلاقها فلا يصدق عليها ام زوجة بل كانت ام زوجة والمقام ليس من هذا القبيل بالنسبة الى المرضعة الثانية فانه امومتها فعلية والزوجية في الزمان السابق وتنطبق عليها ام من كانت زوجة وهذا ليس هو العنوان المحرم وانما المحرم هو من كانت ام زوجة فان هذا العنوان يصدق فيما كانت امومة سابقة على الزوجية لا الزوجية سابقة على الامومة وهذا هو مفاد تعليل الامام (ع) لأنها أرضعت بنته. وحاصل ما ذكرنا بالنسبة الى المرضعة الثانية هو ان العنوان المحرم المستفاد من الادلة هو عنوان من كانت ام زوجة بان تكون الامومة سابقة على الزوجة ، وأما عنوان ام من كانت زوجة بان تكون الزوجة سابقة على الامومة كما في المقام فلم يستفد من الادلة انه من العناوين المحرمة اذا عرفت ذلك في المرضعة الثانية فالكلام بعينه يجري فى المرضعة الأولى لعدم صدق عنوان المحرم بل يصدق عليها عنوان غير محرم وهو ام من كانت زوجة لأن الرضعة الأخيرة التي نشأت منها الحرمة صارت علة لشيئين وهما امومة المرضعة وبنتية المرتضعة ولا ينطبق العنوان المحرم الذي هو من كانت ام زوجة لأن هذا العنوان يتحقق مع تقدم الامومة على الزوجية ولا يتحقق مع كون الامومة فعلية والزوجية في الزمن السابق وبالجملة العنوان المحرم يصدق مع اجتماع العنوانين في آن واحد كما هو مفاد من كانت ام زوجة وأما مع عدم اجتماعهما ينطبق العنوان المحلل وهو ام من كانت زوجة وبعبارة أخرى ان الادلة التي قامت على حرمة ام الزوجة لا تبقى على ظاهرها بل لا بد لنا من التصرف فاما ان يتصرف فى المضاف اليه أي الزوجية بان تكون الامومة فعلية والزوجية

١٢٧

مطلقة أي ولو كانت سابقة فتحرم المرضعة الثانية لصدق العنوان المحرم عليها ولا يمكن الالتزام بذلك لمخالفته لتعليل الامام (ع) لعدم الحرمة بكونها ارضعت بنتا وان تصرفنا بالمضاف أي الامومة وأريد منها الامومة المطلقة أي ولو كانت في الزمن السابق أما فبالنسبة الى المرضعة الثانية ينطبق عليها العنوان المحلل وينطبق عليها تعليل الامام (ع) إلّا انه يشكل بالنسبة الى المرضعة الاولى بان ذلك جار بعينه فيها لأن الرضعة الأخيرة صارت علة لشيئين أمومة المرضعة الأولى وبنتية المرتضعة فلم يجتمعا في آن واحد لكي يصدق العنوان المحرم عليها ولعله لهذا الاشكال أفتى العلامة قدس‌سره على طبق ما يقوله ابن شبرمة لعدم وثوقه بصدور الرواية وقد أجاب عن هذا الاشكال بعض اهل النظر بما حاصله ان مرتبة المضاف اليه متقدمة على مرتبة المضاف فعليه يطلق على المرضعة الأولى العنوان المحرم الذي هو من كانت ام زوجة ولكن لا يخفى ان بين المضاف والمضاف اليه ربطا وهو انما يتحقق فيما لو كانت الامومة مع زوجيته الصغيرة يجتمعان في آن واحد والمقام ليس كذلك اذ تحقق الامومة توجب ارتفاع زوجية الاخرى فان الرضعة الاخيرة من المرضعة الأولى جعلتها أما ورفعت الزوجية من الصغيرة وجعلتها بنتا فلا اضافة حينئذ متحققة بين الأمّ والزوجة والحق في الجواب هو ان الاحكام الشرعية تنزل على المفاهيم العرفية ولا تلاحظ فيها هذه المدافة العقلية فبالنسبة الى المرضعة الأولى تنزل على فهم العرف فانهم يطلقون عليها ام زوجة ولا يلتفتون الى الدقة العقلية لبنائهم على التسامح في فهم العناوين وتنزل اطلاقات الشارع على فهم العرف وبالنسبة الى المرضعة الثانية موافقة لفهم العرف ولا ينافى موافقتها للدقة العقلية فافهم وتأمل.

١٢٨

الأمر الثاني ان المصحح لجريان النزاع فى المشتق هو بقاء الذات بعد انقضاء مبدأ الاشتقاق فلذا يشكل جريان النزاع بالنسبة الى اسم الزمان فان الذات المتصورة فيه هو نفس الزمان وبانقضاء المبدأ تنعدم الذات لأنه لم يكن من الامور القارة بل تدريج الحصول فبمجرد انقضاء المبدأ يفنى الزمان الذي كان بالنسبة اليه ذاتا له فلا يبقى حينئذ مجال للنزاع بان اسم الزمان حقيقة في خصوص المتلبس ومجاز في المنقضى أو حقيقة في الاعم منهما لعدم تصور الانقضاء فيه وقد أجاب الاستاذ قده بما حاصله ان كون المفهوم منحصرا في مصداق لا يوجب أن يكون موضوعا لذلك المصداق الخاص كلفظ واجب الوجود فانه موضوع للمعنى العام الكلي مع انه منحصر بفرد خاص (١).

ولكن لا يخفى ان هذا الجواب مبني على تسليم تصور الانقضاء في اسم الزمان مع انك قد عرفت ان تصوره غير معقول والأولى في الجواب انه لو سلمنا عدم تحقق الانقضاء في اسم الزمان فنقول ان ذلك مبني على فهم العرف فان اهل العرف يرون ان يوم العاشر من محرم هو زمان القتل لأن عادتهم على التسامح ، فالزمان الذي وقع القتل في قطعة منه يرونه ممتدا ولا اشكال في ان اهل العرف هم

__________________

(١) ان هذا يتم لو كان في مثل مقتل ومأكل ونحوهما من الالفاظ المشتركة بين اسم الزمان والمكان مما يمكن ان يدعى بانها موضوعة لمفهوم عام وهو ما كان وعاء للقتل والأكل زمانا أو مكانا وحينئذ لا ينافى انحصار الزمان في مصداق خاص وهو المتلبس. فانه لا مانع من دخول مثل ذلك في محل النزاع لعدم لغويته وأما لو قلنا بان الموضوع له اسم الزمان خصوص ما يكون وعاؤه الزمان ، فانه وان كان مفهوما كليا إلّا انه بحسب الخارج منحصر مصداقه في المتلبس فحينئذ لا ثمرة عملية لكي يقع النزاع فى ان الاستعمال حقيقة أو مجاز كما لا يخفى.

١٢٩

المرجع والمحكم في باب الالفاظ نظير تحكيمهم في استصحاب الزمان فقد استشكل بمثله على جريان استصحاب الزمان ، وحاصله ان في الاستصحاب يعتبر أن يكون المتيقن عين المشكوك ، فالطهارة المتيقنة سابقا هي بنفسها مشكوكة في الزمان اللاحق وفي استصحاب الزمان لم يكن من ذاك القبيل اذ ما تيقنت بتحققه قطعا ـ انعدم وزال وتشك فى تحقق اللاحق. واجيب بما ذكرناه سابقا ، وحاصله ان العرف يرى بقاء الزمان وان مثل ـ اليوم ، والشهر ، والسنة ، يعتبر امرا واحدا فيرى انها تحصل من أول آن وجودها حتى ينتهي ذلك اليوم ، أو الشهر ، أو السنة.

فمع الشك في بقاء اليوم أو السنة ، أو الشهر يجري استصحاب بقائه لما يراه العرف ان المشكوك عين المتيقن ، وهكذا في المقام العرف يرى ان الساعة التي صادف فيها القتل يصدق عليها التلبس بالمبدإ وبعد ساعة يصدق عليها المنقضي ويكون اليوم بتمامه من قبيل الذات الباقية المستمرة. ولكن لا يخفى انه فرق بين المقام والاستصحاب فان الاستصحاب لما كان بنفسه حكما شرعيا يترتب على موضوع فيرجع الى اهل العرف بالنسبة الى موضوعه بخلاف المقام فانه ليس من ذاك القبيل إذ لم يشك فى معنى اللفظ أو في مصداقه لكي يرجع الى العرف وانما الشك من حيث التوسعة بان يطلق اللفظ على ما يعم المعنى الحقيقي وحينئذ يكون من قبيل اطلاق الاحمر على الاصغر ولا يجب اتباع اهل العرف فى مثل هذه التطبيقات لأن العرف يرجع اليهم فيما يكون الشك في المسمى لا الشك في التطبيق بعد تعيين المسمى ، ولأجل ذلك بنى الأصحاب في الفقه على ان الفقاع خصوص ما اتخذ من الشعير لا كل ما يسمى فقاعا عرفا ، خلافا للشهيد الثاني (قدس‌سره) حيث اعتبر الفقاع بما يسمى فقاعا عرفا ، ويمكن ان يجاب بما ذكره الاستاذ (قدس‌سره) في الاستصحاب

١٣٠

بان الاشكال انما يرد لو كانت الحركة هي الحركة القطعية ، وأما لو كانت هي الحركة التوسطية فهي من الامور المستمرة فلا يرد الاشكال وسيأتي ان شاء الله له مزيد توضيح في مبحث الاستصحاب.

الأمر الثالث ـ في صيغ المشتقات ، وبيان ذلك : ان المشتق كالجامد له مادة وهيئة غاية الامر ان وضع الجوامد ـ هيئة ، ومادة ـ موضوعة بالوضع الشخصي وأما وضع المشتقات وضعا نوعيا ، وهذا مما لا اشكال فيه وانما الكلام في وضع المشتقات هل لكل من المادة أو الهيئة وضع مستقل أو ان المجموع موضوعة بالوضع النوعي وضعا واحدا. وجهان ، وبيانه يتوقف على معرفة الوضع النوعي وهو بان يجعل الواضع خصوصية بين اللفظ والمعنى بحيث لا يختص بلفظ دون لفظ مثلا الواضع يقول وضعت مادة ضرب للحدث الخاص في أي هيئة حصلت أو يقول وضعت هيئة ضرب للانتساب الى فاعل ما ، في أي مادة حصلت. هذا لو قلنا بانه لكل منهما وضعا مستقلا ، وأما لو قلنا بان المجموع لهما وضع فالمراد به انه أولا وضع المادة للمعاني وضعا شخصيا ، كضرب وأكل ، وغيرهما من المصادر ثم بعد ذلك يضع بقوانين كلية ، كأن يقول وضعت ما كان على زنة (فاعل) لكذا .. فيكون قوله ما كان على زنة (فاعل) يشير به الى مجموع المادة والهيئة لا لخصوص احدهما فحينئذ تكون المادة مع الهيئة موضوعين بوضع واحد (وكيف كان) فان وضع المشتقات يباين وضع الجوامد لما عرفت ان مجموع المادة والهيئة فيها موضوعة بوضع شخصي لا توعى.

واما الكلام في مادة المشتقات. فاعلم ان كل مادة فى عالم النطق والتعبير مقرونة بهيئة حتى لو عبرت عنها بالفاء ، والراء والباء ، مثلا كانت مقرونة بهيئة

١٣١

خاصة إذ هذا التعبير هيئة من الهيئات ولا اشكال ان طرو هذه الهيئات على تلك المادة لها معان متباينة وغير مندرجة تحت جامع واحد.

بيان ذلك ان المادة تختلف باختلاف اللحاظ والاعتبارات فان لاحظها من حيث وجودها في نفسها من دون ملاحظة جهة الاصدار والانتساب الى فاعل ما فذلك اسم المصدر ، كغسل (بضم الغين) ، وان لاحظها مقرونة بنسبة الى فاعل ما كان مصدرا كغسل (بفتح الغين) ولا يخفى ان بين الهيئتين تباينا فلا يعقل ان يكون جامع بينهما ، إذ أي جامع يؤخذ بين الواجد والفاقد وهكذا بالنسبة الى سائر الهيئات فانها غير صالحة لأن تكون مادة لسائر المشتقات لأن كل هيئة ملحوظة بلحاظ خاص ، فهيئة الفعل يلاحظ فيها انتساب الذات الى فاعل بنسبة تحققية انقضائية ، وهو مفاد فعل الماضي ، أو النسبة التلبسية التحقيقية التي هي مفاد الفعل المضارع ، أو النسبة الطلبية التي هي مفاد فعل الامر ، أو النسبة التلبسية على اختلاف انحائها من حيث الصدور والحلول والقيام والانتزاع التي هي مفاد المشتقات.

اذا عرفت ذلك فاعلم ان المادة التي تؤخذ مادة للمشتقات هي كلية طبيعية مندكة فى ضمن الهيئات المخصوصة نظير الكلي الطبيعي المندك في ضمن الوجودات الخاصة غاية الامر ان في الكلي الطبيعي يمكن احضاره فى الذهن معرى عن خصوصية من خصوصيات الوجود الخارجية ، وبالنسبة الى المادة لا يمكن تعقلها من دون هيئة من الهيئات. وبالجملة هي مندكة فى ضمن الهيئات حتى فى مقام اللحاظ والاعتبار ، ثم ان الاقرب الى المادة الكلية المندكة هو اسم المصدر لتجرده عن جميع الحيثيات والاضافات حتى حيثية التجرد إذ المراد منه هو عدم اعتبار شيء

١٣٢

من تلك الحيثيات ، لا اعتبار عدمها وكم فرق بين اعتبار العدم وعدم الاعتبار وبالجملة اسم المصدر عبارة عن ملاحظة نفس الحدث من دون ملاحظة اصداره وانتسابه الى الفاعل ولذا توهم انه اصل المشتقات ولكنك قد عرفت انه غير صالح لكونه أصلا ومادة للمشتقات لاشتماله على هيئة دالة على عدم اعتبار خصوصية من الخصوصيات وهو ينافي أن يكون مادة. وأما المصدر فمدلوله معنى حدثي ينتسب الى فاعل ما (١) وأما سائر المشتقات ففيها زيادة على المعنى المصدري وهي مختلفة حسب اختلاف الهيئات فان كانت الهيئة دالة على المعنى الحدثي المنتسب الى فاعل ما مقرونا بالسبق كان ماضيا ، أو باللحوق فمضارع أو بالحال فامرا أو نهيا ، وان كانت دالة على المعنى الحدثي مع انتسابه الى مكان أو زمان فاسمى المكان والزمان وهكذا بقية المشتقات. وبالجملة المشتقات محتوية على معنى الحدث مع الزيادة ففيها ما في اسم المصدر مع زيادة ولأجل ذلك توهم جعل اسم المصدر هو مبدأ المشتقات ثم ان المشتقات منها ما يحصل ترتب لفظي كالمضارع بالنسبة الى الماضي فان المضارع لفظ الماضي مع زيادة عليه ولذا يعد متأخرا عنه ومتفرعا عليه ومنها ما يكون بينهما ترتب بحسب المعنى كما يقال بين اسم الفاعل والفعل ترتب معنوي فان اسم الفاعل يدل على الوقوع والفعل يدل على النسبة الايقاعية ولا اشكال ان الوقوع

__________________

(١) ولا يخفى ان جهة الاصدار معتبرة في المصدر وغير معتبرة فى اسم المصدر بل الملحوظ فيه نفس وجود الحدث من دون ملاحظة الاصدار والانتساب ولذا قيل بان اسم المصدر من نتائج المصدر ويظهر الفرق فى النهي المتعلق بالبيع فان كان بمعنى اسم المصدر الذي هو نفس النقل والانتقال فيدل على الفساد لكون نفس النقل مبغوضا للشارع فينافي امضائه وان كان بمعنى المصدر فلا يدل النهي على الفساد إذ جهة الاصدار يكون مبغوضا للشارع ولا ينافي امضاء ذات الصادر.

١٣٣

متأخر عن الايقاع ولأجل ذلك قيل بان اسم الفاعل مشتق من الفعل وبهذه الاعتبارات التي ذكرناها صح ان يقال بعضها مشتق من بعض ولو لا ذلك لأمكن المناقشة فيه حيث ان كل واحد منها مشتملة على هيئة خاصة وبين الهيئات الطارئة على المادة تباين فحينئذ كيف يعقل ان يكون بعضها مادة لها وأصلا ، لما عرفت ان المادة كلي طبيعي سارية فى ضمن الافراد وتؤخذ لا بشرط حتى لا تأبى عن الاجتماع مع الخصوصيات وان اسم المصدر مفاده الإهمال لا انه معتبر لا يشرط فلا يعقل ان يكون هو المادة ، وهكذا لا يعقل ان تكون سائر المشتقات هو المادة فان كل واحد منها مشتمل على هيئة تباين بقية الهيئات فان هيئة الفعل تدل على ربط المبدأ بالذات بنحو اضافة بين المنفصلين ولذا كانت هيئة الفعل من سنخ المعاني الحرفية لدلالتها على ربط بين المتمايزين ولاجل ذلك بنيت الافعال ولم تصلح لدخول العوامل لدلالتها على لحاظ المبدأ متميزا عن الذات بخلاف هيئة المشتق فانها تدل على ربط المبدأ بالذات بنحو يرى الاتحاد بينهما ولذا عد من الاسماء المعربة لدلالته على المتحدين وبذلك صلح لأن يدخل عليه العوامل كما لا يخفى.

الأمر الرابع : فيما يتعلق بالفعل هل له دلالة على الزمان وهل هي بالتضمن أو بالالتزام الذي يظهر من ابن مالك بانه يدل بالدلالة التضمنية قال في منظومته المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كامن من أمن واكثر النحوين على دلالة الفعل على الزمان بالدلالة الالتزامية والتحقيق ان الزمان ليس مدلولا للفعل لا تضمنا ولا التزاما بيان ذلك يحتاج الى تمهيد مقدمة وهي ان المفرد كزيد مثلا ، والمركب الناقص كغلام زيد فانهما دالان على معان تصورية من دون نظر الى ما في الخارج فان من سمع زيد وكذا غلام زيد ينتقل الى معانيها المتصورة من دون نظر

١٣٤

الى وجودها وعدمها بخلاف المركبات التامة فانها تدل على النسبة التامة الحاصلة بين الطرفين وينتقل الى الوجود الخارجي وترى تلك النسبة خارجية من غير فرق بين الجملة الاسمية أو الفعلية. فالجمل الفعلية تدل على نسبة الحدث الى الفاعل ويلحظ الخارج بالنسبة الى تلك النسبة فان كان ذلك بنحو التحقق فماض أو بنحو الترقب فمضارع ولاجل ذلك توهم ان الزمان من مداليل الأفعال حيث ان لحاظ الخارج تارة يكون بنحو التحقق واخرى بنحو الترقب وهو لا يكون إلّا بالزمان ولكن لا يخفى انه لو اقتضى ملاحظة الخارج كون الزمان مدلولا للفعل فلم لا يكون مدلولا للجملة الاسمية اذ انه لا فرق بينهما من جهة الانتقال الى ما في الخارج وبالجملة الزمان غير معتبر في الجملة الفعلية لعدم دلالتها عليه باحدى الدلالات الثلاث إذ ان انتفاء المطابقة والتضمن ظاهر واما الالتزام فشرطه اللزوم الذهني وهو غير متحقق فيها نعم لا مانع من دعوى اللزوم الخارجي لأنه من لوازم كل زماني إذا تحقق في الخارج كما انه من لوازمه تحققه في مكان مع انه لا قائل بدلالة الافعال على المكان مضافا الى ان دلالة الافعال على الزمان مشروطة بامرين الأول اطلاق الكلام لا من قبيل ما كان ماضيا بالاضافة الثاني الاسناد الى الزمانيات اي ما يكون الزمان ظرفا له ولازم ذلك ان الاسناد الى غيرها كالمجردات كعلم الله أو الاسناد الى نفس الزمان كمضي امس مما ليس الزمان ظرفا له من التجوز او الاشتراك اللفظي وهو خلاف ظاهر من يقول يكون الزمان من مداليل الافعال على انه يلزم استثناء فعل الامر لعدم دلالته على الزمان وانما يدل على نفس الطلب وكيف كان انه بالنسبة الى الزمان لا فرق بين الجملة الاسمية والجملة الفعلية وان كان بينهما فرق من جهة اخرى وهو فيما ينتقل اليه فى الخارج ففي الجملة الاسمية يفهم منها الانتقال

١٣٥

فى الخارج بالنسبة الى الطرفين الى الوجود المطلق فيلزمه مطلق الزمان وفى الجملة الفعلية الانتقال في الخارج بعد تصور الطرفين الى الوجود المحدود ولازمه الزمان المحدود فالزمان بالنسبة اليهما من لوازم ما ينتقل اليه فان كان وجودا مطلقا فيلزمه مطلق للزمان وان كان ينتقل اليه وجودا محدودا فيلزمه الزمان المحدود ان كان زمانيا واذا لم يكن زمانيا فلا يلزمه ذلك والوجود المحدود ان انتزع منه السبق فماضي وان انتزع اللحوق فمضارع وهما (السبق واللحوظ) ليسا منحصرين في الزمانيات بل يتحققان في غيرها فبالنسبة اليها فالسبق واللحوق باعتبار الزمان وبالنسبة الى العلل والمعلولات السبق واللحوق الرتبي وبالنسبة الى اجزاء الزمان السبق واللحوق الذاتي كما لا يخفى.

الأمر الخامس : ان اختلاف المشتقات حسب اختلاف المبادى فقد تؤخذ حرفة واخرى صنعة وفى بعضها قوة وفى بعضها فعليا ولا يخفى ان هذه الاختلافات لا توجب تفاوتا بحسب دلالة المشتقات مثلا اطلاق العالم والتاجر على من لم يتشاغل بتحصيل العلم والتجارة ليس من باب استعمال المشتق فيما انقضى عنه بل من جهة اخذه في المبدأ سعة ككونه صنعة أو ملكة فيكون الاطلاق عليه اطلاقا على المتلبس لكونه واجدا فعلا لتلك الملكة أو الصنعة والانقضاء يصدق مع نسيان الملكة أو الصنعة لزوالهما معه فيكون الاطلاق عليه حينئذ بلحاظ من انقضى عنه إلا انه يشكل بان المادة في العالم والتاجر على نسق ما اعتبرت في سائر المشتقات مثل علم يعلم واتجر يتجر وبلا اشكال ان مثل هذه المشتقات قد اعتبرت المادة فيها على نحو الفعلية فيستكشف ان وضع المادة لخصوص الفعلية فالالتزام بكون المادة في العالم هي الملكة وفي التاجر هي الحرفة خلاف ما وضع لها المادة فلا بد حينئذ اما التجوز

١٣٦

فى الكلمة أو التجوز في امر عقلي وكلاهما خلاف الظاهر بيان ذلك ان حمل العالم على الملكة والتاجر على الصنعة ان كان من قبيل التجوز في الكلمة فهو حمل على خلاف الظاهر يحتاج في ارتكابه الى القرينة وان كان من قبيل التصرف فى أمر عقلي بان يراد من المبدأ الفعلية ويدعى بان الآنات التي لم يكن متلبسا بها حقيقة انها متلبسة بها ادعاء فيراد من الفعلية الفعلية الادعائية وهو ارتكاب خلاف الظاهر من غير دليل. نعم هذا الاشكال لا يرد بناء على ان مجموع الهيئة والمادة موضوع بوضع واحد فان وضعها كذلك يوجب ان تغاير سائر المشتقات وحينئذ لا ينافي ارادة الصنعة من مادة التأخر والملكة من مادة العالم وعدم ارادتهما من علم يعلم أو اتجر يتجر. وأما لو قلنا بان لكل من المادة والهيئة وضعا مستقلا فلا دافع لهذا الاشكال إذ الموضوع له المادة لا يختلف بطرو الهيئات والحق كما عرفت بأن لكل من المادة والهيئة وضعا مستقلا على حدة فيتجه الاشكال ولا محيص عنه (١) ثم ان مبادي المشتقات تختلف أيضا فتارة تكون آنية واخرى تكون مستمرة أما الآنية فكالقتل والزنا والسرقة ، واما الاستمرارية فكالعلم والفسق ، ويختلف حال

__________________

(١) لا يخفى ان ما ذكره لا يتم بالنسبة الى المجتهد والعادل مما اخذ فيه المبدأ بمعنى الملكة إذ لا معنى لاخذ المبدأ الحدثي فيها فليس المراد من المبدأ في كل واحد منهما إلا بمعنى ملكة الاجتهاد أو ملكة العدالة لأن اطلاق المجتهد على من ليس عنده استنباط فعلي على الحقيقة بلا تجوز فيه وان كان مبدؤهما في الافعال اخذ بنحو الفعلية. وهكذا بالنسبة الى المبادئ المأخوذة في الافعال فانها تؤخذ بنحو الفعلية كمثل اتجر أو علم أو قتل وامثالها ولا تؤخذ بنحو الملكة أو الحرفة او الصنعة لأن هيئة الفعل تدل على انتساب الحدث الى الذات ولا معنى لاخذ المبدأ فيها الملكة او الحرفة او الصنعة فان ارادتها منه ينافي المعنى الحدثي بخلاف هيئة المشتق ـ

١٣٧

المشتقات باعتبار تضمن احدهما فان تضمن المشتق المبدأ الآتي مثل القاتل اقتله فلا دلالة على مقارنة النسبة الحكمية لزمان الجري لو لم نقل بانها دالة على عدم المقارنة لأن المتبادر عند العرف في تلك المشتقات عدم المقارنة كقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما) وقوله تعالى : (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) وان تضمن المشتق المبدأ الاستمراري كاكرم العالم فانه يدل على مقارنة زمان الجري مع النسبة الحكمية إذ هو المتبادر من الاطلاق كما يتبادر ذلك من قولهم يكره البول تحت الشجرة المثمرة.

الأمر السادس ان النزاع فى ان المشتق حقيقة في خصوص من تلبس بالمبدإ أو اعم منه ومن المنقضي هل هو في تعيين مفهوم المشتق وانه ذو سعة أو ضيق أو فى صدقه وانطباقه بعد معرفة موضوعه ادعى صاحب المحجة قده ان النزاع فى الانطباق والصدق وليس النزاع في المفهوم سعة وضيقا لمعلوميته وعدم خفائه بحسب نظر العرف فان المفهوم عبارة عن عنوان ينتزع من الذات بملاحظة اتصافها بامر خارج عنها مما لا إشكال فيه ولا ريب يعتريه فكيف يكون هو محل النزاع.

وبالجملة على هذا القول يرجع النزاع فيه الى ان المنقضي عنه المبدأ هل هو من مصاديق المشتق أم لا يعد من مصاديقه ولكن لا يخفى ما فيه إذ مرجع النزاع في المصداق يرجع الى النزاع فى توسعة المفهوم وضيقه مثلا جعل الرجل الشجاع من افراد الاسد لازمه ان يكون الاسد موضوعا لمعنى يعم الرجل الشجاع لكي يكون فانها تدل على المتحدين اي اتحاد الذات مع المبدأ فلا يلحظ المعنى الحدثي مستقلا فلا مانع من ارادة الملكة او الحرفة او الصنعة في مبادئ المشتقات مع ارادتها في مبادئ الافعال الفعلية.

١٣٨

من افراده فدعوى انه من افراده ولم يعتبر في الأسد معنى يعم الشجاع ممنوعة اذ الانطباق امر تكويني فمع تحقق الفردية ينطبق قهرا ومع عدم الفردية لا يعقل الانطباق ومن الواضح أن الفردية منوطة بسعة المفهوم وعدم الفردية منوط بعدم سعته مضافا الى ان الثمرة لا تترتب لو جعل النزاع فى الانطباق والصدق مع ان المقصود من البحث في المشتق ترتب الثمرة بيان ذلك هو ان عنوان (ام الزوجة) (أو كون الشجرة مثمرة) بناء على كون المشتق حقيقة في الأعم يصدق عنوان ام الزوجة على امرأة لها بنت وقد تزوجت وطلقت أو ماتت وعلى الشجرة كانت مثمرة هذا بناء على كون النزاع في المفهوم وأما بناء على ان النزاع في الصدق والانطباق فعلى الأعم يكون مثل هذه الامرأة مصداقا ادعائيا أو كون الشجرة مثمرة ادعاء ولا يخفى ان هذا الادعاء لا فائدة فيه اذ هو ادعاء عرفي على ان الناظر لادلة القوم من التبادر وعدم صحة السلب ونحوهما يجدان النزاع في مفهوم المشتق ولم يكن فى مقام الانطباق والصدق كما لا يخفى.

الأمر السابع فى ان المراد في الحال في العنوان هل هو حال التلبس أم حال الجري أم غيرهما فنقول تارة يطلق الحال ويراد منه التلبس أي تلبس الذات بالمبدإ واخرى يطلق ويراد به التطبيق والجري وثالثة براد به تعلق الحكم ولا يخفى ان هذه المراتب بينها ترتب طولي لأن التلبس بالمبدإ كمثل ضرب زيد يحصل أولا ثم بعده يحصل الجري والتطبيق كما يقال زيد ضارب فانه يحصل بعد التلبس بالمبدإ ثم بعده يتعلق الحكم به فتقول اكرم زيدا الضارب إذا عرفت ذلك فاعلم ان الحال في محل النزاع لا يراد منه المرتبة الأخيرة لتأخرها عن المشتق لأخذه أحد طرفي النسبة فهي متأخرة عنه تأخر الحكم عن موضوعه ومع تأخرها لا معنى

١٣٩

لأن تؤخذ في مفهومه وكذلك المرتبة الثانية لما هو معلوم ان الجري والتطبيق انما يحصل من توصيف زيد بكونه ضاربا فيكون الجري والتطبيق متأخرا عن المشتق فكيف يؤخذ في مفهومه فتعين ان يراد من الحال في العنوان هو حال التلبس أي تلبس الذات بالمبدإ وليس المراد منه التلبس الخارجي لما هو معلوم ان المفرد كزيد مثلا موضوع للصورة الذهنية وليس موضوعا لما هو الموجود في الخارج ولذا يحمل العدم على زيد فتقول معدوم مع انه لو كان موضوعا لما في الخارج لما صح حمل العدم عليه للزوم التناقض والمشتق لما كان من الأسامي المفردة فهو موضوع للتلبس الذهني إلّا انه يرى خارجيا وليس موضوعا لنفس الصورة الذهنية وإلّا يلزم لغوية النزاع في انه حقيقة فيمن تلبس بالمبدإ أو يعم المنقضي وانه مجاز فيمن يتلبس لعدم تصور هذه الامور في عالم الذهن بل ليس فيه الإحالة واحدة وهي ذات متلبسة بالمبدإ ومنه يظهر عدم اخذ الزمان فى مفهومه لعدم اخذه في المعاني المفردة مضافا الى ما عرفت منا سابقا من ان المشتق مركب من مادة وهيئة المادة تدل على الحدث والهيئة تدل على نسبة الحدث الى الذات فليس فيه ما يدل على الزمان كما أنه لا اعتبار بحال النطق اذ قد يتوافق حال التلبس وحال النطق وقد يتخالفان بان يكون استعمال المشتق بلحاظ حال التلبس بالمبدإ فى الزمان الماضي فانه حقيقة فيه وان كان بالنسبة الى حال النطق منقضيا واما حال الجري فهو ملاك انتزاع عنوان المشتق من الذات باعتبار اتصافها بامر خارج عنها فمع توافقه مع حال التلبس فهو مما لا اشكال في كون اطلاق المشتق عليه بنحو الحقيقة كما انه لو اجري على الذات عنوان المشتق فعلا باعتبار تلبسها في المستقبل فهو مما اتفق على مجازيته كما في مثل زيد ضارب غدا بان يكون الغد لبيان التلبس مع ان الجري بالفعل واما لو كان

١٤٠