هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

١
٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على آلائه والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين واللعن على اعدائهم اجمعين

واما بعد فهذا هو الجزء الرابع من كتاب هداية الاصول فيقول العبد المذنب الراجى الى فضل ربه حيدر على المدرسى لما فرغ من تأليف الجزء الثالث من كتاب هداية الاصول ويشرع إن شاء الله بعونه وفضله فى تأليف الجزء الرابع من باب الاستصحاب.

قوله : فصل فى الاستصحاب وفى حجيته اثباتا ونفيا اقوال للاصحاب الخ.

وكلمة الاستصحاب مأخوذة فى اصل اشتقاقها من كلمة الصحبة من باب الاستفعال فتقول استصحبت هذا الشيء اى حملته معك قال الشيخ (قده) هو لغة اخذ الشيء مصاحبا.

واما تعريفه عند الاصوليين فانما كان بعبارات المختلفة :

الاول ما عن الشيخ البهائى (قده) من انه اثبات الحكم فى الزمان الثانى تعويلا على ثبوته فى الزمان السابق.

الثانى ما عن الفاضل التونى (قده) من انه التمسك بثبوت ما ثبت فى وقت او حال على بقائه فيما بعد ذلك الوقت.

٣

الثالث ما عن صاحب القوانين (قده) من انه كون حكم يقيني الحصول او وصف يقيني الحصول فى الزمان السابق مشكوك البقاء فى الآن اللاحق.

الرابع ما عن صاحب الفصول (قده) من انه ابقاء ما علم ثبوته فى الزمان السابق فيما يحتمل بقائه فى الزمان اللاحق وكذا عرف بعبارات اخرى لكن لا حاجة الى ذكرها قال صاحب الكفاية الا انها تشير الى مفهوم واحد اى ان التعارف الواردة فى كتب القوم تشير الى مفهوم واحد ومعنى فارد وهو الحكم ببقاء حكم او موضوع.

واعلم ان الاقوال فى الاستصحاب تشعب الى تشعبات كثيرة يصعب حصرها ويذكر هنا بعض الاقوال : الاول القول بالحجيّة مطلقا : الثانى عدمها مطلقا : الثالث التفصيل بين الوجودى والعدمى : الرابع التفصيل بين الامور الخارجية وبين الحكم الشرعى فلا يصح فى الاول : الخامس التفصيل بين الحكم الشرعى الكلي وغيره فلا يعتبر فى الاول : السادس التفصيل بين الاحكام الشرعية والوضعية : السابع التفصيل بين الشك فى المقتضى والرافع : الثامن التفصيل مع اختصاص الشك بوجود الغاية اى العلة الغائية لا الرافع.

واما صاحب الكفاية فذهب الى القول الاول اى كون الاستصحاب حجة مطلقا اى بالنسبة الى الحكم التكليفى والوضعى فقال وهو الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم اما من جهة بناء العقلاء على ذلك الخ.

أى لا شك فى ان العقلاء من الناس على اختلاف مشاربهم

٤

واذواقهم جرت سيرتهم فى عملهم وفى سلوكهم العملي الاخذ بالمتيقن السابق عند الشك اللاحق فى بقائه أى جرت سيرة العقلاء على الحكم بالبقاء فى احكامهم العرفية مطلقا يعنى فى جميع الموارد أى سواء كان الشك فى المقتضى ام الرافع وسواء كان المستصحب حكما كليا ام جزئيا او جرت سيرة العقلاء فى الجملة اى اعتبر الاستصحاب بناء العقلاء فى بعض الموارد كالعمل به فى الشك فى الرافع لا المقتضى.

ولا يخفى ان بناء العقلاء على الحكم بالبقاء اما يكون تعبدا أى ولو لم يحصل الظن الشخصي ولا النوعي ببقاء الحالة السابقة المتيقنة يعنى ان بناؤهم كان رجاء او احتياطا أى الحكم بالبقاء اما يكون تعبدا واما يكون للظن به الناشى عن ملاحظة ثبوته سابقا يعنى ان بناؤهم على بقاء ما كان اما يكون للظن به الحاصل لملاحظة وجوده فى السابق.

قوله ولا يخفى ان هذا المعنى هو القابل لان يقع فيه النزاع والخلاف الخ.

واعلم ان النزاع اما لفظي واما معنوى مثلا اذا قال شخص ان زيدا عالم ويقول الشخص الآخر ان زيدا ليس بعالم فهو يتصور على القسمين اما ان يكون المراد شخصا واحدا. واما ان يكون المراد الشخصين المسميين بزيد فان كان هذا المورد من القسم الاول فيصير النزاع معنويا اى يصير من قبيل تقابل الايجاب والسلب.

واما ان كان المورد من القسم الثانى فيصير النزاع لفظيا

٥

حيث إنّه من يقول ان زيدا عالم يريد ابن بكر ومن يقول ان زيدا ليس بعالم يريد ابن خالد فهذا النزاع لفظي.

اذا عرفت هذا الجملة المعترضة فاعلم ان النزاع فى ما نحن فيه انما يصير معنويا اذا قلنا ان الاستصحاب هو الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم وقال المصنف : ولا يخفى ان هذا المعنى هو القابل لان يقع فيه النزاع.

توضيحه انه لا ريب فى كون الاستصحاب من الامور المبحوث عنها من القدماء فاثبته قوم ونفاه آخرون ومن المعلوم ان اختلاف الاصحاب فيه معنوى لعدم استحقاق النزاع اللفظى للبحث اذ لا فائدة بالبحث عن هذا النزاع.

الحاصل ان النزاع فى اصل اعتبار الاستصحاب وعدمه معنوى لتوارد النفى والاثبات حينئذ على مفهوم واحد فالقائل باعتبار الاستصحاب يدعى حجيته بالتعريف المذكور اى الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم واما النافى فينكر نفس هذا المعنى فيصير من قبيل زيد قائم وزيد ليس بقائم ويكون هذا من تقابل الايجاب والسلب فيرجع النزاع فى ما نحن فيه الى ان الاستصحاب بناء على التعريف المذكور كان معتبرا ولم يكن معتبرا فهذا النزاع معنوى.

واما اذا عرف الاستصحاب بانه التمسك بثبوت ما ثبت فى وقت بعد ذلك الوقت فانه يكون على هذا التعريف نفس بناء العقلاء اى ان الاستصحاب هو نفس البناء العملي على الحالة السابقة فيصير النزاع بناء على هذا التعريف لفظيا لتعدد مورد النفى والاثبات اى لم يكن النزاع فى اعتبار الاستصحاب فانه

٦

مسلم عند الطرفين لكن النزاع الذى بينهما فهو لفظى فيقول هذا الشخص ان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء.

واما النافى فيقول انه لم يكن نفس بنائها بل الاستصحاب ما به تمسك بثبوت ما ثبت فى وقت او حال على بقائه فلا يكون النزاع بين الطرفين فى اعتبار الاستصحاب بل النزاع بينهما فى نفس التعريف فعرف احدهما ان الاستصحاب هو التمسك بثبوت ما ثبت فى وقت بعد ذلك الوقت وعرف الآخر ان الاستصحاب ما بسببه يتمسك على ثبوت ما ثبت بعد ذلك الوقت.

فظهر ان النزاع انما يكون فى تعريف الاستصحاب لا فى نفسه كما قال صاحب الكفاية : ضرورة انه لو كان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء لما تقابل فيه الاقوال ولما كان النفى والاثبات واردين على مورد واحد بل موردين.

قوله وتعريفه بما ينطبق على بعضها وان كان ربما يوهم ان لا يكون هو الحكم بالبقاء الخ.

هذا جواب عن السؤال المقدر تقدره هكذا قال المصنف ولا يخفى ان عباراتهم فى تعريفه وان كانت شتى الا انها تشير الى مفهوم واحد وهو الحكم ببقاء حكم او موضوع فلا يصح هذا بالنسبة الى بعض الاقوال فى تعريف الاستصحاب مثلا عرفه الفاضل التونى فى الوافية بقوله انه التمسك بثبوت ما ثبت فى وقت او حال على بقائه فيفهم من هذا التعريف ان الاستصحاب هو نفس التمسك بثبوت ما ثبت لكن ليس الامر كذلك لانه ما به يتمسك لاثبات ما ثبت لان الاستصحاب بناء على حجيته من باب

٧

الظن هو الظن بالبقاء او الظن بالملازمة بين الثبوت والبقاء فيتمسك بالظن بثبوت ما ثبت.

فظهر من البيان المذكور ان التعريف المذكور لم يكن منعكسا اى لم يكن جامعا للاقوال الآخرين قد ذكر الى هنا محصل السؤال.

واما الجواب فقد رتبت او لا مقدمة وهى ان التعريف اما ان يكون بحد او رسم واما يكون بتبديل لفظ الى لفظ آخر لشرح مدلوله ويقال بتعبير آخر ان ما كان مطلوبا بما الشارحية فهو تعريف الشرح الاسمى كقولنا ما العنقاء فيطلب بما الكشف عن معناه دون ماهيته لان العنقاء ليست بموجودة حتى يسأل عن ماهيتها فتعريف العنقاء تعريف لفظي واما ما كان مطلوبا بما الحقيقية فهو تعريف حقيقى اى فيطلب بما الحقيقية ماهية الشىء وحقيقته فتعريف هذا الشىء تعريف حقيقى كتعريف انسان بحيوان ناطق.

فيشرع بعد توضيح المقدمة المذكورة فى بيان ما نحن فيه فيقال ان تعريف الاستصحاب تعريف لفظى وانه كان مطلوبا بما الشارحية فليست تعارف الاستصحاب فى مقام بيان حقيقته حتى يصير اختلاف الحدود كاشفا عن اختلاف ماهية المحدود بل كان تعريف الاستصحاب تعريفا لفظيا للكشف عن معناه دون ماهية.

قوله وان كان ربما يوهم ان لا يكون هو الحكم بالبقاء بل ذلك الوجه.

هذا اشارة الى ان تعريف الاستصحاب تعريف لفظي اى ربما يوهم ان لا يعرف بكونه الحكم بالبقاء بل يحتمل ان يكون المراد

٨

منه ذاك الوجه اى الوجه المذكور عن الفاضل التونى من انه نفس التمسك بثبوت ما ثبت لكن لم يشترط فى هذا التعريف الانعكاس والاطراد لكونه تعريفا لفظيا.

قوله ثم لا يخفى ان البحث فى حجيته مسئلة اصولية الخ.

اى كان البحث عن حجية الاستصحاب مسئلة اصولية لا المسألة الفقهية ويبين هنا لاجل توضيح ما نحن فيه الفرق بين المسألة الاصولية والفقهية والظاهر ان المسألة الاصولية ما تقع فى طريق استنباط الاحكام وعلى قول شيخنا الاستاد ان المسألة الاصولية ما تقع نتيجتها فى جواب لم : عند سؤال سائل.

واما المسألة الفقهية فهى ما تستنبط بها الاحكام الشرعية ابتداء كقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وكذا كل شرط مخالف للكتاب والسنة باطل وكذا كل حكم ضررى او حرجى مرفوع فهذه المسألة كالمسألة الاصولية من حيث استنباط الاحكام الفرعية لكن المسألة الفقهية تتعلق اولا بالاحكام الشرعية كما ذكر.

واما المسألة الاصولية فتقع نتيجتها اولا فى جواب السائل بلم : فيثبت الحكم الشرعى بتوسط هذا الجواب مثلا تقال صلاة الجمعة واجبة فيسأل السائل لم : واجبة فيقال فى الجواب ان خبر الواحد قام على وجوبها وخبر الواحد حجة فيتنجز وجوبها بعد هذا الجواب.

فائدة الفرق بين القاعدة الفقهية والمسألة الفقهية ان القاعدة الفقهية تتعلق بالاحكام الكلية واما المسألة الفقهية

٩

تتعلق بالاحكام الجزئية كحكم الخمر والخل كوجوب الصلاة والصوم اى تكون هذه المسألة نتيجة للمسألة الاصولية اما القاعدة الفقهية فتتعلق بالاحكام الكلية كقاعدة لا ضرر ولا حرج تتعلق على العبادات والمعاملات.

قوله وليس مفادها حكم العمل بلا واسطة الخ.

هذا بيان لكون الاستصحاب مسئلة اصولية اى ليس مفاد حجية الاستصحاب حكم العمل بلا واسطة يعنى ان الاستصحاب لا يتعلق على العمل بلا واسطة ويؤكد هذا بقوله كيف وربما لا يكون مجرى الاستصحاب الا حكما اصوليا الخ.

اى كيف استفهام تقريرى والمقصود من هذه الجملة ان الاستصحاب الجارى فى المسألة الاصولية كالحجية فكونه من مسائل علم الاصول اظهر اذ ليس مجراه حكما فرعيا.

قوله وكيف كان فقد ظهر مما ذكرنا فى تعريفه اعتبار امرين فى مورده الخ.

اى قال المصنف فى تعريف الاستصحاب بقوله فى ما سبق ولا يخفى ان عباراتهم فى تعريفه وان كانت شتى الا انها تشير الى مفهوم واحد وهو الحكم ببقاء حكم او موضوع ذى حكم شك فى بقائه.

فيستفاد من هذا التعريف امران : احدهما اليقين بثبوت شيء وهو يستفاد من قوله شك فى بقائه اذ الشك فى بقاء الشيء انما يكون بعد حدوثه : وثانيهما الشك فى البقاء.

ولا يخفى ان الشك فى البقاء الذى هو احد ركنى الاستصحاب

١٠

متقوم باتحاد القضية المتيقنة والمشكوة بحسب الموضوع والمحمول اذ مع عدم اتحادهما لا يكون من الشك فى البقاء بل من الشك فى الحدوث لان البقاء هو الوجود الاستمرارى للموجود السابق.

فثبت من البيان المذكور اشتراط اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة من حيث الموضوع والمحمول فلا غبار فى اتحاد القضيتين فى الموضوعات الخارجية

قوله واما الاحكام الشرعية سواء كان مدركها العقل ام النقل الخ.

اى ذكر انه اشترط اتحاد القضيتين فى جربان الاستصحاب وقال بعد ذاك انه لا غبار فى وجود هذا الشرط فى الموضوعات الخارجية.

لكن يشكل احرازه فى استصحاب الاحكام الشرعية وجه الاشكال ان الشك فى بقاء الحكم الشرعى انما يوجد فى هذا المقام لاجل احتمال زوال وصف من اوصاف الموضوع مما يحتمل دخله فيه أو يحتمل وجود ما يحتمل ان يكون عدمه شرطا فى الموضوع فيصير هذا الاحتمال المذكور سببا لرجوع الشك فى بقاء الحكم الى الشك فى بقاء موضوعه فلا يحرز فى هذه الصورة بقاء الموضوع حتى يصح استصحاب الحكم.

فيذكر المثال لتوضيح ما ذكر نحو اذا ثبتت النجاسة للماء المتغير بوصف التغير ووجوب صلاة الجمعة فى زمان حضور الامام

١١

عليه‌السلام ثم زال تغير الماء وكذا اذا غاب الامام عليه‌السلام فان الشك فى بقاء النجاسة ووجوب صلاة الجمعة حينئذ يستند الى الشك فى بقاء الموضوع لاحتمال دخل التغيّر والحضور فى موضوع نجاسة الماء ووجوب صلاة الجمعة فلا يحرز وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة.

الحاصل انه اذا شك فى الحكم لاجل الشك فى بقاء موضوعه بسبب تغير ما احتمل دخله فيه حدوثا أو بقاء فلم يحرز وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة قد ذكر فيما تقدم انه اذا ثبتت النجاسة للماء المتغير بوصف التغير ثم زال تغير الماء فالشك فى بقاء النجاسة يستند الى الشك فى بقاء الموضوع لاحتمال دخل التغير فى موضوع النجاسة حدوثا وبقاء فالشك فى الموضوع موجب لعدم وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة.

قال صاحب الكفاية : والا لا يتخلف الحكم عن موضوعه الا بنحو البداء.

أى ثبت من البيان المذكور ان اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة مما لا شك فيه فى استصحاب الموضوعات الخارجية فى الجملة أى فى أكثرها واما اتحاد قضية المتيقنة والمشكوكة فى استصحاب الاحكام الشرعية فيشكل حصول اتحاد القضيتين وقد ذكر وجه الاشكال مفصلا أى لا يكاد يشك فى بقاء الحكم الا من جهة الشك فى بقاء موضوعه ولا يخفى انه مع العلم ببقاء الموضوع لا وجه للشك فى الحكم لانه لا يتخلف عن موضوعه قد ذكر فى محله ان الموضوع علة للحكم والاشكال المذكور وارد

١٢

فى الصورة التى كان الشك فى الحكم فيها ناشئا من الشك فى بقاء الموضوع.

واما اذا كان الموضوع معلوم البقاء فلم يتصور الشك حينئذ فى بقاء الحكم لعدم تخلفه عن موضوعه لان الموضوع كالعلة له فلا ينفك المعلول عن العلة لكن يتصور تخلف الحكم عن موضوعه بنحو البداء بالمعنى المستحيل فى حقه تعالى وان لم يكن مستحيلا فى حق الممكن لانه يتخيل حسن الشىء الى الابد فيجعل الحكم مطلقا ثم تبين له انه ليس له الحسن الا فى الماضى فينسخه لكن هذا المعنى مستحيل فى حقه تعالى.

الحاصل ان المراد من البداء هو اظهار شىء بعد خفائه هذا المعنى مستحيل فى حقه تعالى لانه مستلزم للجهل ولذا كان النسخ بحسب الحقيقة دفعا لا رفعا والمراد بالدفع ان الحكم من اول الامر كان محدودا بهذا الحد وتأخر بيان هذا الحد لمصلحة لا ان هذا الحكم شرع الى الابد ثم نسخ فى هذا الزمان فانه مستحيل فى حقه تعالى لانه مستلزم للجهل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

قوله : ويندفع هذا الاشكال بان الاتحاد فى القضيتين بحسبهما وان كان مما لا محيص عنه الخ.

أى قد ذكر فى ما سبق انه يرد الاشكال فى جريان الاستصحاب فى الاحكام الشرعية على نحو القضية المنفصلة أى اما ان يشك فى بقاء الموضوع بسبب تغير بعض مما احتمل دخله فيه حدوثا أو بقاء فلا يحرز فى هذه الصورة وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة واما ان لا يكون الشك فى الحكم ناشئا من الشك فى

١٣

بقاء الموضوع بل كان متحقق البقاء فلا يتصور حينئذ الشك فى بقاء الحكم لعدم تخلفه عن موضوعه.

فاجاب المصنف عن الاشكال المذكور بقوله ويندفع هذا الاشكال الخ.

اى سلمنا الشك فى بقاء موضوع الحكم بسبب تغيّر بعض ما احتمل دخله فيه لكن هذا لا يضر على وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة من حيث النظر العرفى.

حاصل دفع الاشكال ان وحدة الموضوع وان كانت مما لا بد منه فى جريان الاستصحاب الا ان المدار فى الاتحاد هو النظر العرفى لا العقلى أى يسهل الامر فى احراز وحدة القضيتين فى استصحاب الاحكام.

واما اذا اختل بعض اوصاف مما لا يكون بنظر العرف مقوما له فهذا لم يضر فى وحدة الموضوع فى القضيتين وان كان هذا الوصف بالنظر الدقى العقلى دخيلا فى الموضوع مثلا فى وجوب الصلاة الجمعة لا يكون حضور الامام عليه‌السلام مقوما للموضوع بنظر العرف بل من حالاته وعوارضه وكذا ثبوت النجاسة للماء المتغير فان التغير وصف للماء ولا يكون مقوما له بالنظر العرفى ولا يضر زواله بوحدة الموضوع عرفا.

قوله : ضرورة صحة امكان دعوى بناء العقلاء على البقاء تعبدا أو لكونه مظنونا الخ.

اى هذا اشارة الى دفع ما يتوهم من ان كون الموضوع عرفيا الذى هو الملاك فى اندفاع الاشكال منحصر فيما كان المدرك هو

١٤

الاخبار أى قد ذكر ان الموضوع فى القضية المتيقنة والمشكوكة واحد بالنظر العرفى واذا كان مدرك الاستصحاب هو الاخبار فالوحدة العرفية كافية فى القضية المتيقنة والمشكوكة.

واما اذا كان مدرك الاستصحاب سيرة العقلاء او الاجماع فلم يتم الجواب عن الاشكالان الموضوع على فرض تغير وصفه لم يكن واحدا بالدقة العقلية.

والجواب عن هذا التوهم انه يمكن الزام العقلاء فى الموضوع بلحاظ العرف أى بناء العقلاء ناظر الى هذا الموضوع العرفى كالاخبار فظهر من البيان المذكور ان المتبع فى تشخيص الموضوع وصدق الشك فى البقاء هو النظر العرفى وكذا ظهر دفع التوهم لان التزام العقلاء وكذا الاجماع والظن انما يكون بلحاظ الموضوع العرفى.

ولا يخفى ان بناء العقلاء مدرك للاستصحاب مطلقا أى سواء كان بنائهم على البقاء تعبدا وان لا يحصل الظن به أم كان بنائهم عليه لحصول الظن به أى بالبقاء كما بينه المصنف بقوله ضرورة صحة امكان دعوى الخ ولا فرق فى الظن بين الظن الشخصى والنوعى.

قوله : بلا تفاوت فى ذلك بين كون دليل الحكم نقلا أو عقلا الخ

هذا الكلام اشارة الى دفع ما ذكره الشيخ (قدس‌سره) أى فصل بين كون دليل الحكم عقليا ونقليا بعدم جريان الاستصحاب فى الاول يعنى فى ما كان دليل الحكم الذى استصحب عقليا مثلا

١٥

اذا حكم العقل بحرمة التصرف فى مال الغير عدوانا ثم عرض الاضطرار الى التصرف فيه وكذا اذا حكم العقل بوجوب رد الامانة ثم عرض احتمال الخوف من الرد وشك فى الحكم السابق أى شك فى حرمة التصرف بعد عروض الاضطرار وكذا شك فى وجوب رد الامانة بعد عروض الخوف منه فلم يصح استصحاب الحكم السابق فى المثالين المذكورين لان دليل الحكم عقلى.

ولا يخفى ان المناط فى حكم العقل هو التحسين والتقبيح العقلى ولا يدر كان بعد عروض عارض كالاضطرار والخوف فى المثالين المذكورين فلا يصح استصحاب الحكم العقلى السابق لانتفاء حكم العقل بعدم ادراك ملاكه قد فصل الى هنا المورد الذى كان دليل الحكم فيه عقليا.

واما اذا كان دليل الحكم الذى استصحب نقليا فيصح استصحاب الحكم السابق بعد عروض الشك لان الدليل الشرعى للحكم السابق لم يتغير حاله بعد عروض عارض هذا ما فصل الشيخ (قده) بين دليل كون الحكم عقليا ونقليا ولكن صاحب الكفاية (قدس‌سره) قد دفع هذا التفصيل بقوله بلا تفاوت فى ذلك بين كون دليل الحكم نقلا او عقلا توضيح الدفع انه ان كنا قائلين فى موضوع الاستصحاب بالدقة العقلية فلازمه عدم جريان الاستصحاب مطلقا سواء كان دليل الحكم المستصحب عقليا ام نقليا.

واما اذا قلنا ان كون الموضوع العرفى كافيا فى جريان الاستصحاب فيصح استصحاب الحكم السابق سواء كان دليله عقليا

١٦

ام نقليا قد مر تفصيل الموضوع العرفى واشار الى ما ذكر المصنف.

بقوله : اما الاول فواضح.

أى اذا كان دليل الحكم نقليا فجريان الاستصحاب واضح فى صورة اعتبار وحدة الموضوع بالنظر العرفى لان الدليل الشرعى ناظر الى هذا الموضوع العرفى.

واما الثانى اى فى صورة كون دليل الحكم عقليا فايضا يصح استصحاب الحكم السابق لان الموضوع لم يكن مشكوك البقاء عرفا لان انتفاء ما احتمل دخله فى الموضوع لا يضر فى بقاء الموضوع عرفا ولم يكن ما انتفى مقوما للموضوع عرفا وان كان لا حكم للعقل بدونه قطعا لان الموضوع لم يكن باقيا بدقة العقلية بعد انتفاء ما يحتمل دخله فى الموضوع لانه كان مقوما للموضوع بدقة العقلية لكن يكشف الحكم الشرعى بالاستصحاب باعتبار بقاء الموضوع عرفا فيصح استصحاب الحكم الشرعى باعتبار وحدة الموضوع عرفا فثبت استصحاب الحكم الشرعى اذا كان الموضوع باقيا عرفا سواء كان دليل الحكم عقليا او نقليا قد بين الى هنا توضيح دفع كلام الشيخ من التفصيل بين كون دليل الحكم نقليا وعقليا.

قوله : ان قلت كيف هذا مع الملازمة بين الحكمين.

أى ذكر آنفا ان يستصحب الحكم الشرعى فى صورة انتفاء دخل ما احتمل فى موضوعه لان الموضوع باق بنظر العرف والجزء المنفى لم يكن مقوما للموضوع.

واما الموضوع فى الفرض المذبور لم يكن باقيا عند العقل

١٧

فلا حكم له عند انتفاء ما احتمل دخله فى الموضوع لانه مقوم الموضوع عند العقل فثبت الانفكاك بين الحكم العقلى والشرعى واشكل عليه.

بقوله : ان قلت كيف هذا الخ.

أى كيف يتصور التفكيك بين حكم العقل والشرع بجعل الاول مقطوع الانتفاء عند زوال بعض القيود والثانى مشكوك البقاء أى يجعل الحكم الشرعى بعد زوال القيود مشكوك البقاء ويحكم ببقائه بالاستصحاب تعبدا توضيح الاشكال ان الملازمة بين الحكم العقلى والشرعى تقتضى عدم انفكاكهما اى اذا انتفى الحكم العقلى فالقاعدة الملازمة تقتضى انتفاء الحكم الشرعى أيضا ولا يصح بقاء الحكم الشرعى مع انتفاء الحكم العقلى.

قوله : قلت ذلك لان الملازمة انما تكون فى مقام الاثبات الخ.

أى يقال فى الجواب عن التفكيك المذكور ان الملازمة بين حكم العقل والشرع انما تكون فى مقام الاثبات والاستكشاف لا فى مقام الثبوت أى اذا استدل بالعقل لاثبات والاستكشاف الحكم الشرعى وحصل العلم بالحكم وخطاب الشارع ثبت فى هذا المورد الملازمة بين الحكمين.

بعبارة اخرى ان المراد من الملازمة فى القضية الملازمة الاثباتية بمعنى دوران الحكم الشرعى مدار الحكم العقلى الفعلى فى مقام الاثبات وجودا لا عدما أى اذا انتفى الحكم العقلى فلم يلزم انتفائه انتفاء الحكم الشرعى فلا ينافى دلالة الطريق الآخر على وجوده كادلة الاستصحاب فى المقام اذ لا دليل على انحصار علية

١٨

العقل للحكم الشرعى فلا يصح القول انه لو لم يكن للعقل حكم لم يكن للشرع حكم أيضا.

فظهر ان الملازمة بين حكم العقلى والشرعى اثباتى لا الثبوتى اى لم تكن الملازمة بينهما وجود او عدما واما هذه الملازمة الثبوتية فانما هى بين الحكم الشرعى وملاكه الواقعى اى الملازمة فى مقام الثبوت انما هى دائرة بين الحكم الشرعى وملاكه وجودا اعنى حكم الشرع انما يتبع ما هو ملاك حكم العقل واقعا لا ما هو مناط حكمه فعلا أى لم يكن المناط للحكم العقلى فعلا لانتفاء قيد من قيود موضوعه قد بين مورد انتفاء موضوع حكم العقل مفصلا.

قوله : فعدم استقلال الا فى حال غير ملازم لعدم حكم الشرع فى تلك الحال الخ.

ذكر فى الحاشية المشكيني ان هذه العبارة تحتاج الى الاصلاح وايده بعض آخر ولا يخفى ان الاصلاح يكون بزيادة كلمة الا وكون كلمة لانحصار بدل كلمة لعدم فتصير العبارة المذكورة على هذا النحو أى فعدم استقلال العقل فى حال غير ملازم لانحصار حكم الشرعى فى تلك الحال الخ اى قد ذكر ان دوران الحكم الشرعى مدار الحكم العقلى الفعلى انما يكون فى مقام الاثبات وجودا لا عدما اى اذا عدم الحكم العقلى لانتفاء موضوعه بانتفاء بعض قيوده فلم ينتف الحكم الشرعى بل يكون الحكم منحصرا فى الحكم الشرعى فى تلك الحال أى حال عدم الحكم العقلى لانتفاء موضوعه بانتفاء بعض قيوده.

١٩

قد ذكر ان الملازمة بين الحكم العقلى والشرعى انما تكون فى مقام الاثبات لا فى مقام العدم أى لم تكن الملازمة بين عدم الحكم العقلى وعدم الحكم الشرعى فيكون ملاك حكم الشرع باقيا على حاله فى كلتا الحالتين أى فى حالة بقاء حكم العقل وانتفائه اعنى المصلحة أو المفسدة التى هى ملاك حكم العقل كان على حاله فى الواقع لاحتمال عدم دخل تلك الحال فى الملاك الواقعى أى عدم دخل انتفاء موضوع الحكم العقلى فى الملاك أو احتمال ملاك آخر مع الحكم الشرعى ولا دخل لاحتمال انتفاء موضوع الحكم العقلى فى هذا الملاك الآخر ولكن كان مدخل لهذه الحالة فى انتفاء الملاك الذى هو معلوم عند العقل.

توضيح ما ذكر ان ملاك الحكم الشرعى باق عند انتفاء الحكم العقلي بانتفاء موضوعه مثلا المصلحة أو المفسدة التى هي ملاك لحكم العقل فهو باق واقعا عند الانتفاء الحكم العقلى بانتفاء موضوعه فيصير هذا الملاك ملاكا للحكم الشرعي وايضا يحتمل ان يكون للحكم الشرعي ملاك آخر اى كانت المصلحة او المفسدة الاخرى التى هي ملاك للحكم الشرعي اى صارت المصلحة او المفسدة ذات قسمين.

احدهما ما هو مدرك عند العقل فهو منتف بعد انتفاء الحكم العقل.

وثانيهما ما هو مدرك عند الشرع يعنى المصلحة او المفسدة التى كانت مدركة شرعا فهى باقية الحاصل ان استصحاب الحكم الشرعي يصح بعد انتفاء الحكم العقلي لان حكم الشرع باق باعتبار بقاء ملاكه.

٢٠