هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

دوران الامر بين التخيير والتعيين على التعيين فمقام البحث كان من دوران الامر بين التعيين والتخيير اى يدور الامر بين تعيين تقليد الاعلم وبين التخيير فى تقليد الاعلم وغيره فالعقل يحكم فى هذه المورد على تعيين تقليد الاعلم فكان البحث الى هنا فى بيان حكم الجاهل اى بين حكم عقله فى مورد دوران الامر بين التعيين والتخيير فظهر ان حكم العقل فى هذا المورد هو التعيين.

فيبحث الآن من حكم المجتهدين اى يبحثون بينهم من تقليد غير الاعلم فيقول بعضهم ان تقليده جائز ويقول المشهور ان تقليده لا يجوز والدليل لهم هو الاصل اى يقولون ان الاصل هو عدم جواز تقليد غير الاعلم فالاصل دليل مع عدم دليل آخر فى مقابله.

واما غير المشهور فيقولون انه يجوز تقليد غير الاعلم فاستدلوا على الادلة الاربعة :

الاول اطلاق الآيات والاخبار اى يفهم من اطلاقهما عدم الفرق بين الاعلم وغيره.

والثانى السيرة والمراد منها هو الاجماع العملي والمراد من الاجماع اصطلاحا هو الاجماع القولى.

والثالث ان وجوب تقليد الاعلم مستلزم للعسر مثلا اذا كان الاعلم فى بلدة بعيدة واما غير الاعلم حاضر عندنا فتقليد الاعلم حينئذ موجب العسر لانه ساكن فى بلدة بعيدة فاخذ المسائل منه مشكل.

والرابع ان يكون العسر فى معرفة الاعلم فلا يكون التكليف العسرى واجبا ولا يخفى ان الدليل الثالث بيان للعسر فى الكبرى

٤٤١

اى وجوب تقليد الاعلم موجب للعسر لكونه فى بلدة بعيدة واما الدليل الرابع فهو بيان للعسر فى الصغرى اى تشخيص الاعلم موجب للعسر فيقول غير المشهور انه لا يجب تقليد الاعلم بالادلة الاربعة المذكورة.

والجواب ان هذه الادلة المذكورة غير تامة واما الجواب عن الدليل الاول فنقول ان الاطلاق انما يكون فى المورد الذى كان المتكلم فيه لبيان تمام المراد اى قد لا يكون المتكلم فى مقام بيان تمام مراده مثلا يقول اشتر اللحم فلا يكون فى مقام البيان فى هذا المورد بل يكون فى مقام شراء اللحم

فحاصل الجواب الاول ان المتكلم لم يكن فى مقام بيان تمام المراد فلم يكن هنا اطلاق فان كان فى مقام البيان فليقل ان التقليد جائز من اى عالم فليس فى الآيات والروايات لفظة اى عالم فلم يكن المولى فى مقام البيان بل كان فى مقام اصل التشريع اى يقول ان التقليد شرعا جائز ولم يعلم من هذا جوازه من الاعلم وغيره.

الآن يشرع فى الجواب عن السيرة فنقول ان السيرة لم تكن موجودة فى المقام بل تقوم السيرة بلزوم الفحص فى هذا المورد اى اذا علم المقلد الاختلاف المجتهدين فى الفتوى مع اختلافهم فى العلم والفقاهة فالسيرة الفعلية على الفحص فى صورة الشك فضلا عن العلم باعلمية احدهما اجمالا فيتفحص فى هذا المورد من وجوب تقليد الاعلم والتخيير اى هل يجب تقليد الاعلم ام كان التخيير بين تقليد الاعلم وتقليد غيره فلم تجر السيرة فى مساواة تقليد الاعلم وغيره.

٤٤٢

واما الجواب عن الدليل الثالث اى العسر فى الكبرى فنقول انه ليس العسر فى وجوب تقليد الاعلم لامكان اخذ فتاويه من رسائله وكتبه وايضا الاعصار مختلفة ففى الاعصار الماضية لم تكن الوسائل للوصول الى الاعلم واما فى العصر الحاضر فالوسائل كثيرة كالسيارة والطيارة وغيرهما وكذا كثرت وسائل الطبع فيطبع المجتهد رسائل للمقلدين فيأخذون الرسالة ويعملون بها فلا عسر لهم.

وكذا الجواب عن الدليل الرابع اى العسر فى الصغرى فنقول انه لا عسر فى تشخيص الاعلم لان تشخيص الاعلمية ليس باشكل من تشخيص اصل الاجتهاد فانت تقول ان تشخيص اصل الاجتهاد واجب اى يجب ان يشخص ان الفلان مجتهد فكذا يجب تشخيص الاعلم.

قوله : قد استدل للمنع أيضا بوجوه الخ.

اى استدل المشهور على منع تقليد غير الاعلم بالادلة الثلاثة ولا يخفى ان هذه الادلة غير استدلالهم بالاصل. والاول : هو الاجماع اى ادعى الاجماع على تعيين الاعلم عند المعارضة واما عند الموافقة فلا اشكال فى الرجوع الى غير الاعلم وقد سبق هذا اى اذا اتفق الاعلم وغيره فى الفتوى اخذ الفتوى المشترك فهذا خارج عن محل بحثنا والمراد من الاجماع هو الاجماع المنقول.

الثانى الاخبار الدالة على ترجيحه مع المعارضة الخ.

اى الاخبار دالة على منع من تقليد غير الاعلم عند المعارضة مثلا رواية المقبولة ونحوها اى رواية داود ابن حصين تدلان على

٤٤٣

تقديم الافضل عند المعارضة وحاصل الروايتين انه سئل من الامام عليه‌السلام عن القاضيين الذين حكم كل منهما على خلاف آخر فقال (ع) فليؤخذ افضلهما.

وكذا دليل لاخذ الاعلم قول امير المؤمنين عليه‌السلام الى مالك الاشتر اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك.

الثالث ان قول الافضل اقرب الى الواقع من غيره الخ.

اى يترتب هنا القياس فالصغرى ان قول الافضل اقرب الى الواقع من غيره والكبرى كل اقرب الى الواقع يجب العمل به والنتيجة فالافضل يجب العمل به وقد ذكر الى هنا الادلة الثلاثة للمنع من تقليد غير الاعلم.

فالجواب عن الدليل الاول ان الدليل لوجوب تقليد الاعلم هو الاصل لا الاجماع اى لم يكن فى هذا المورد الاجماع المحصل لاختلاف الاقوال فى وجوب تقديم الاعلم وعدم وجوبه والمنقول منه فلم يكن حجة وايضا هذا الاجماع مدركى فليرجع الى مدركه والمراد من مدرك هذا الاجماع هو الاصل فلا فائدة لهذا الاجماع بل يرجع الى الاصل.

والجواب عن المقبولة وغيرها ان الروايتين كانتا فى مقام القضاوة ولا يخفى ان المقبولة تقول يؤخذ افقههما وليست لفظة افقههما فى رواية داود فقد استدل فى الروايتين على تعيين تقليد الافضل فاجيب ان الروايتين كانتا فى مقام الحكومة لاجل رفع الخصومة وكذا ما هو المنقول عن امير المؤمنين (ع) الى مالك الاشتر اى خذ للحكم الافضل فهذا فى مقام القضاوة ايضا.

٤٤٤

فيقول المشهور سلمنا ان الروايتين فى مقام القضاوة ولكن الملازمة بين القضاوة والفتوى ثابتة فيقال فى الجواب انه ليست الملازمة بينهما لان القضاوة انما تكون لاجل رفع الخصومة التى لا تكاد ترتفع الا بالافضل واما بحثنا فانما يكون فى مقام الفتوى فلا نحتاج الى الافضل.

واما الجواب عن الدليل الثالث فانه ممنوع صغرى وكبرى اى رتب القياس لتعيين الافضل على هذا النحو الافضل اقرب الى الواقع وكل اقرب الى الواقع يجب العمل به فالافضل يجب العمل به. فاشكل على هذا القياس صغرى وكبرى وقد ذكر فى محله ان الشكل الاول بديهى الانتاج ويشترط فيه ايجاب الصغرى وكلية الكبرى ولم يشترط فيه كلية الصغرى ولكن اذا كانت الصغرى موجبة جزئية فالنتيجة موجبة جزئية كما فى القياس المذكور فان الصغرى اى الافضل اقرب الى الواقع موجبة جزئية فينتج هذا القياس ان الافضل بعض الاوقات اقرب الى الواقع لا دائما لان فتوى المفضول قد يكون اقربا للواقع فلا ينتج هذا القياس ان الافضل اقرب الى الواقع دائما.

فيقال ان قطعنا النظر عن الاشكال الصغروى اى سلمنا ان الصغرى موجبة جزئية صحيحة ولا اشكال فيها فنشكل فى الكبرى اى لا نعلم ان الصغرى داخلة فى الكبرى فلا نعلم ان الملاك لوجوب اخذ الافضل هو الاقربية الى الواقع بل الملاك لوجوب اخذه هو التعبد فلا يظهر لنا الملاك فى الافضل وغيره فالملاك لوجوب تقليد الاعلم هو التعبد اى وجوب تقليده انما يكون من باب التعبد ولم يكن الملاك لوجوب تقليد الاعلم أقربيته للواقع.

٤٤٥

واعلم ان الملاك فى وجوب تقليد الاعلم ليس الاقربية لان هذا الملاك قياس والمراد منه الاولوية الظنية اى ان جعلنا الملاك لوجوب تقليد الاعلم الاقربية للواقع فهى الاولوية الظنية وليست هذه الاولوية حجة عندنا وان كانت حجة عند العامة واشكلوا علينا بان القياس حجة عندكم ايضا فلا وجه للاشكال علينا فنقول فى الجواب ان القياس الذى كان حجة للخاصة هو ما كان ملاكه قطعيا والظاهر ان هذا لم يكن قياسا لانه ما كان ملاكه ظنيا.

فنرجع الى محل البحث اى ان اشكل علينا الخصم بان قولكم هو تابعية الحكم للملاك فاذا لم يكن الملاك فلم يكن الحكم فما الملاك فى وجوب تقليد الاعلم فنقول فى الجواب انه انما يكون فى يد الجاعل اى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله واما المجتهد فهو عالم بالقانون.

ويذكر هنا ما فى تقريرات الشيخ من باب المناسبة اى سئل هناك من الاعلم فاجيب بوجوه متعددة احدها ان العلم كيف نفسانى وقابل للشدة والضعف وبعبارة اخرى ان العلم هو الانكشاف فهو قابل للشدة والضعف مثلا علمنا للذات الواجب الوجود ضعيف بالنسبة الى علم النبى (ص) لها.

فيظهر ان المراد من الاعلم من كان الكيف النفسانى والانكشاف فيه قويا.

وثانيها اى الثانى من الوجوه التى ذكرت فى جواب السؤال ان المراد من الاعلم من صار يقينه الا زيد وقد روى ان عيسى عليه‌السلام سار فى وجه الماء كوجه الارض سئل هذا من نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله قال (ص) فى الجواب ولو زاد اليقين واعتقاده لسار فى السماء.

٤٤٦

وقد ذكر نظير هذا فى گلستان سعدى ان الشيخ قد يسير فى وجه الماء كوجه الارض وقد يقرب فى هذا السير الى الغرق سئل عنه من الكيفيّة قال فى الجواب للنفس حالات متغيرة فثبت من هذا المثال ان المراد من الاعلمية زيادة اليقين والاعتقاد وقد ذكر معان أخر للاعلمية ولكن لا مجال لذكرها هنا مثلا قيل ان المراد من الاعلم من كان فى تطبيق صغريات على الكبريات قويا.

واذا عرفت معنى الاعلم وان الملاك فى تقليده هو العلم لا الاقربية للواقع فالعلم موجود فى كل من الاعلم وغيره فلا يثبت الملاك لتقدم الاعلم على غيره.

قوله : نعم لو كان تمام الملاك هو القرب الخ.

اى يقول المصنف بقوله نعم سلمنا ما ذكر ان كانت الاقربية الى الواقع تمام الملاك عقلا قد ذكر نظيره فى دليل الانسداد ان نتيجته بعد تماميته حجية الظن عقلا فلا اشكال فى حكمه وكذا فى المقام اى لو كانت الاقربية الى الواقع تمام الملاك عند العقل لتقليد الاعلم لتعين اخذ قوله باعتبار هذا الملاك.

قوله : فافهم.

اشارة الى الاشكال على قوله نعم وهو ان نعم : يقول ان كانت الاقربية الى الواقع تمام الملاك فيصح تقديم الاعلم على غيره فاشكل عليه بلفظة فافهم اى ان كانت الاقربية جزء الملاك او شرطا له فيصح أيضا تعيين تقليد الاعلم لان هذا الجزء او الشرط قد انتفى فى غير الاعلم ولا يخفى ان المركب منتف بانتفاء جزئه وكذا اذا فات الشرط فات المشروط فلا فرق بين أن تكون

٤٤٧

الاقربية تمام الملاك او جزئه او شرطه.

قوله : فصل اختلفوا فى اشتراط الحياة فى المفتى الخ.

ويبحث فى هذا الفصل من شرط آخر لمرجع التقليد اى هل يشترط فيه ان يكون حيا ام لا فيبحث تارة من جواز تقليد الميت بدوا وابتداء ويبحث تارة اخرى من الاستمرار والبقاء على تقليد الميت واما المعروف بين الاصحاب فهو اشتراط كون المفتى حيا واما العامة فيقولون انه لم يشترط الحياة فى المفتى فانسدوا باب الاجتهاد وانحصر تقليدهم من المذاهب الاربعة اى يقلدون منها بعد مضى الف سنة.

ويذكر هنا تاريخ من مذاهب العامة فلما كثر الاجتهاد بين العامة واختار كل من المجتهد مذهبا فصار هذا سببا لانسداد باب الاجتهاد على العامة ووقعت هذه القضية فى عصر السيد المرتضى «قدس‌سره» وعصر احد من الخلفاء العباسية اى لما كثرت المذاهب أمضى الخليفة اربعة مذاهب واخذ من كل مجتهد هذه المذاهب الاربعة مأتى الف دينار فقال الخليفة للسيد المرتضى (قد) اعط لى مثل ما اخذته من الدنانير من مجتهدى المذاهب الاربعة حتى امضى المذهب الجعفرى فتصير المذاهب خمسة فحضر (قد) ما عنده من بيت المال ولكن نقص عشرون الف دينار من الدنانير المقررة فلم يمض خليفة المذهب الجعفرى.

فنرجع بعد ذكر التاريخ المذكور الى ما نحن فيه اى جواز تقليد الاموات عند العامة فيقلدون من الائمة هذه المذاهب الاربعة وانسدّوا باب الاجتهاد وقد حكى عن بعض علماء العامة ان علماءنا انسدّوا باب الاجتهاد فسد الله تعالى عليهم باب العلم.

٤٤٨

ولا يخفى ان الاخباريين أيضا يجوزون تقليد الاموات وان لا يقبلون الاجتهاد التام كالاصوليين فالاخباريون يقبلون الاجتهاد فيما اخذ من الروايات وكذا يجوز تقليد الاموات بعض فقهائنا كالمحقق القمى قدس‌سره والّف جامع الشتات فقال فيه ان تقليد الاموات جائز لحصول الظن من قول المجتهد الى الواقع.

الحاصل ان بعض المجتهدين اشترطوا الحياة فى المفتى وبعض آخر لم فيه وفصل بعض آخر فى يشترطوها جواز تقليد الميت وعدم جوازه ويذكر هنا وجوه التفصيل.

الاول انه ان وجد المجتهد الحيّ فلا يجوز تقليد الميت واما فى صورة عدمه فيجوز.

والثانى ان كان فتوى المجتهد مضمون الاخبار فيجوز تقليده بعد موته اى ان كان فتوى المجتهد مضمون الاخبار لا الدقائق العقلية كفتوى الصدوقين فيجوز تقليده بعد موته فان فتواهما كالرواية لانهما نقلا الرواية بالمعنى واصل الرواية ما كان نقله باللفظ.

والثالث الفرق بين البدوى والاستمرارى اى لا يجوز تقليد الميت ابتداء ولكن البقاء على تقليده جائز وجعل محل البحث فى متن الكفاية هذا التفصيل.

واما التفصيل الاول فهو خارج عن محل البحث لان بحثنا انما يكون فى صورة وجود المجتهد الحيّ ولم يذكر المصنف هذا الوجه والسبب لعدم ذكره هو خروجه عن مقام البحث.

والوجه الثانى ايضا خارج عن محل البحث لنقل هذا المجتهد اصل الرواية فلم يكن هذا النقل اجتهادا بل نقل كلام الامام (ع)

٤٤٩

بلفظ آخر وقد ذكر عدم اشتراط نقل لفظ الرواية.

واما المصنف فيقول انه لا يجوز تقليد الميت مطلقا ويقول بعض آخر انه يجوز مطلقا فيحتاج هذه الاقوال الى الدليل واذا لم يكن الدليل لها لحقت باصوات الحيوانات فيقول المصنف انا نبحث اولا فى التقليد الابتدائى اى يقول انه لا يجوز تقليد الميت ابتداء للاصل لان تقليد الحيّ متيقن واما تقليد الميت فهو مشكوك والظاهر ان الشك فيه كاف فى عدم جوازه.

وقد ذكر سابقا ان الشيء قد يكون ابا الحكم الواحد وقد يكون ابا لحكمين اى كان له حكم فى صورة القطع وكان له حكم آخر فى صورة الشك واما فى مقام البحث فعدم جواز تقليد الميت فى صورة القطع والشك ابو الحكم الواحد وهو عدم جواز تقليد الميت فى صورة القطع بعدم جوازه والشك فيه وهذا دليل لمن منع من تقليد الميت اى اصل عدم جواز تقليد الميت.

واما المجوزون فاستدلوا على جواز تقليده بالاستصحاب اى يقول المستدل ان تقليد العلامة والمحقق والصدوق (قدس‌سرهم) كان جائزا يقينا فشك فيه بعد حياتهم فيشمل لا تنقض اليقين بالشك هذا المورد.

ولكن اشكل على هذا الاستدلال بوجهين : الاول ان الاستصحاب انما يصح بالنسبة الى الموجودين فى عصر هذه الآيات العظام واما الشخص المستصحب الموجود فى هذا الزمان فلم يكن موجودا فى عصر العلامة والصدوق والمحقق «قدس سرّهم» مثلا انا لم اكن موجودا فى العصر المذكور لان رحلة المحقق وغيره كانت فى سنة الف وستة فليس لنا اليقين بالحدوث اى حدوث جواز التقليد وشرط

٤٥٠

الاستصحاب هو اليقين بالحدوث والشك فى البقاء فكان اليقين بالحدوث للموجودين فى عصر العلامة والمحقق وليس لنا الشرط المذكور هذا دليل اول لرد استصحاب جواز تقليد الميت.

واشكل على هذا الرد اولا بان فتوى العلامة والمحقق وغيرهما من القضايا الحقيقية لا الخارجية مثلا لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا قضية حقيقية وكذا الخطابات الشفاهية كاقيموا الصلاة اى يشمل هذا الخطاب تمام المكلفين اى سواء كانوا فى مجلس الخطاب ام لا.

والمراد من القضية الحقيقية هى ما لا يشترط فيها وجود الموضوع حين الحكم كما ذكر فى المنطق ان لنا عقد الوضع وعقد الحمل ولا يخفى ان عقد الوضع انما يكون فى القضايا الحقيقية نحو كل كاتب متحرك الاصابع فاتصاف الذات بالكتابة يسمى عقد الوضع هذا قضية حقيقية واما القضية الخارجية فهى ما كان الموضوع موجودا فيها حين الحكم اى يلاحظ فيها الموضوع فى الخارج فردا فردا حين الحكم فلا يرد الاشكال فى فتوى العلامة بالنسبة الينا لكونه على نحو القضية الحقيقية.

واشكل ثانيا على رد الاستصحاب بان دليلكم اخص من المدعى اى استدلوا على رد استصحاب جواز تقليد الميت بانا لم نكن موجودا فى عصر العلامة فلم يكن لنا اليقين بحدوث جواز تقليده فلا يصح الاستصحاب لنا فيفهم من هذا الاستدلال ان الاستصحاب يصح بالنسبة الى الموجودين فى عصر العلامة مع ان المدعى عدم جواز استصحاب تقليد الميت مطلقا اى لا يجوز للاحقين والسابقين.

وايضا يشكل بان يمكن ان يكون الشخص مدركا للزمانين اى زمان

٤٥١

العلامة وزماننا مثلا كان شخص فى زمان العلامة وتيقن بان قوله حق ولكن لم يقلد منه جهلا حتى مات (قده) ثم هدى فقال انى اقلد من العلامة فيصح على قولكم تقليد هذا الشخص من العلامة فصار دليلكم اخص من المدعى اى استصحب مدرك الزمانين يقينا سابقا فيصير جواز تقليد الميت بهذا الفرض على نحو القضية الخارجية وايضا يقول المستشكل انه يصح لنا تقليد العلامة وغيره على نحو الاستصحاب التعليقى مثلا يقال العنب اذا غلى نجس وحرم اى علق نجاسته على الغليان وكذا الحكم فى المقام اعنى يصح تقليد العلامة لنا بهذا النحو اى ان كنت فى عصره كان قوله حجة لنا فكذا قوله حجة فى الزمان المتأخر ولا يخفى ان جواز تقليد العلامة لنا من باب القضية الخارجية على النحوين.

الاول ان يكون من باب الاستصحاب التنجيزى كالمدرك للزمانين قد ذكر انه من ادرك زمان العلامة ولكن لم يقلد منه فيصح له ان يقلد منه فى الزمان المتأخر باليقين السابق والشك اللاحق.

والثانى ان يجوز الاستصحاب على النحو التعليقى اى نقول لو كنا فى زمان العلامة لكان لنا اليقين على جواز تقليده فكذا الحكم فى هذا الزمان وقد استدل المجوز على جواز تقليد الميت بالاستصحاب ورد هذا الاستدلال بوجهين وذكر الى هنا الوجه الاول مع الاشكال عليه.

ويذكر الآن الوجه الثانى على رد استدلال المجوز وكان هذا من المصنف اى لا مجال لاستصحاب جواز تقليد الميت لعدم بقاء الموضوع عرفا لان الموضوع هو الرأى والفتوى فلا يبقى هذا

٤٥٢

الموضوع بعد الموت.

فان قلت ان الرأى متعلق على الروح وهو باق الى يوم القيامة فالرأى باق اليه كما قال امير المؤمنين (ع) خلق الانسان للبقاء لا للفناء فثبت بقاء الرأى ببقاء الروح.

قلت سلمنا بقاء الروح بالدقة العقلية واما عرفا فلم يكن باقيا اى يقول العرف اذا مات الانسان فات وقد ذكر فى باب الاستصحاب ان بقاء الموضوع شرط عرفا فبعد الموت لم يكن الموضوع باقيا عند العرف واما بالدقة العقلية فسلمنا ان الروح مجرد والجسم مادى والمجرد غير المادي فلا يذهب المجرد بذهاب المادي.

وقال بعض ان الروح باق بعد الموت كما ان النجاسة وجواز النظر اليه باقيان بعده مثلا مات شخص وكان بدنه نجسا قبل الموت وشك بعده فيستصحب النجاسة وكذا نظر زوجته الى بدنه كان جائزا فى حال حياته وكذا يستصحب جوازه بعد الموت.

فاجاب المصنف بانهما من عوارض الجسم فهما باقيان ببقائه واما الرأى فهو من عوارض الروح ويذهب بذهابه فالروح لم يكن باقيا عند العرف وكذا الرأى فثبت عدم بقاء الموضوع وعدم صحة الاستصحاب والظاهر ان المراد من الموضوع فى مقام البحث هو الرأى والفتوى والمراد من الحكم هو جواز تقليد الميت.

قوله لا يقال نعم الاعتقاد والرأى وان كان يزول بالموت لانعدام موضوعه الخ.

اى يقال ان حدوث الموضوع كاف فى صحة الاستصحاب

٤٥٣

وليست المدخلية لبقائه فيه فالموضوعات فى الحكم الشرعي على قسمين فبعضها ما يعتبر حدوثا وبقاء كاستطاعة بالنسبة الى الحج فتعتبر من حيث الحدوث والبقاء.

واما بعض الموضوعات ما يعتبر حدوثا لا بقاء مثلا الموضوع فى قوله اقيموا الصلاة هو الموجود فى زمان الخطاب ولكن لم يعتبر بقائه وكذا فى مقام البحث اى يعتبر الموضوع حدوثا لا بقاء فالرأى المجتهد موضوع لجواز التقليد لكن حدوثه كاف فيه ولا يضر زواله بالموت.

وايضا الاخذ بالرواية دال على جواز تقليد الميت مثلا وصل الينا رواية عن محمد بن المسلم بعد موته بواسطة الناقل فروايته حجة لنا بعد موته وكذا الحكم فى مقام البحث اى الرأى المجتهد حجة لنا بعد موته.

قوله فانه يقال لا شبهة فى انه لا بد فى جوازه من بقاء الرأى الخ.

هذا جواب عن قوله لا يقال حاصله ان الشرط فى جواز التقليد هو بقاء الرأى واذا زال رأى المجتهد بالموت فلا يجوز تقليده ولذا لو زال رأيه بالجنون والتبدل لما جاز تقليده قطعا.

وايضا يقال انه يفرق بين مقام الفتوى ومقام الرواية فان الراوى انما ينقل ما هو مسموع له فاذا مات عمل بمسموعه واما المفتى فانما ينقل رأيه فهو منتف بعد موته.

قوله واما الاستمرارى فربما يقال الخ.

وكان البحث فى مرجع التقليد اى هل يشترط ان يكون حيا

٤٥٤

ام يجوز تقليد الميت قال المصنف انه لا يجوز تقليده واما المجوزون فاستدلوا على جواز تقليد الميت بالاستصحاب واشكل المصنف على هذا الاستدلال بعدم بقاء الموضوع بعد الموت وايضا عدم جواز تقليد الميت اجماعى.

ولكن خالف المحقق القمى فى هذا الاجماع لانه انسدادى فيقول يصح تقليد الميت لحصول الظن بقوله الى الحكم الواقعى وكذا العامة فانهم يجوزون تقليد الميت وقد ذكر وجه قولهم وقال شيخنا الاستاد ان العامة فى جامع الازهر المصر اشتغلوا فى تحصيل الاجتهاد فى مقابل الخاصة وقالوا نجتهد مثل الخاصة.

الآن يبحث من البقاء فى تقليد الميت واستدل المجوزون للبقاء بالاستصحاب وقد استدل ايضا المجوز لتقليد الميت ابتداء باستصحاب بقاء الرأى ورد هذا الاستصحاب بعدم بقاء الموضوع.

واما فى مسئلة البقاء على تقليد الميت فاستدل المجوز باستصحاب بقاء الحكم مثلا افتى المجتهد فى وجوب قصر الصلاة اذا كان المسافر قاصدا للمسافة اى بان يكون الذهاب الى المقصد ثمانية فراسخ او بان يكون ذهابه ورجوعه معا ثمانية فراسخ اى افتى المجتهد فى وجوب قصر الصلاة فى الفرض المزبور ومات هذا المجتهد بعد عشر سنين فيجوز البقاء على تقليده لاستصحاب بقاء الحكم السابق وكذا افتى المجتهد على حرمة ونجاسة الخمر ومات بعد عشر سنين فيجوز البقاء على تقليده للاستصحاب وقد ذكر انه لا فرق فى الاستصحاب بين الحكم الوضعي والتكليفي.

قوله ولكنه لا يخفى انه لا يقين بالحكم السابق شرعا الخ.

هذا اشكال على من جوز تقليد الميت باستصحاب الحكم

٤٥٥

السابق فيقول المستشكل ان جواز تقليد الميت اما ان يكون عقلا واما ان يكون شرعا فلا يحصل القطع فى الحكم بهما حتى يستصحب وقد علم ان حكم العقل هو المنجزية عند الاصابة والمعذرية عند الخطاء فلا يحصل القطع على الحكم فلا يجوز الاستصحاب لان شرطه اليقين السابق فلا يثبت القطع على جواز تقليد الميت اذا كان دليله حكم العقل.

واما اذا كان جواز تقليد الميت بالامارة فايضا لا يحصل القطع على هذا الحكم توضيحه ان حجية الامارة اما تكون من باب الطريقية واما تكون من باب السببية والموضوعية فان كانت حجيتها من باب الطريقية المحضة فلا يجعل الحكم بها والمصنف يقول ان حجية الامارة هى الطريقية فلا يصح عنده استصحاب جواز تقليد الميت لعدم القطع عليه.

واما اذا كانت حجية الامارة من باب السببية فيجعل فى مقابلها الحكم المماثل اى يجعل الحكم الظاهرى بالامارة مثلا اذا قطع على الحكم بهذه الامارة فشك بعده فيصح استصحاب الحكم السابق.

واما المصنف فيقول ان الحق هو الطريقية لان حجية الامارة من باب السببية والموضوعية مستلزم لجعل الحكم فيلزم اجتماع الحكمين اى الحكم الواقعى والظاهرى مع ان حكم الله تعالى هو حكم واحد فى مورد واحد.

فثبت ان حجية الامارة عند المصنف من باب طريقية محضة فلا يجعل الحكم المماثل حتى يحصل اليقين به فلا يوجد شرط الاستصحاب لزوال احد ركنى الاستصحاب اى اليقين السابق.

٤٥٦

فائدة واعلم ان الحكم الظاهرى يجعل ايضا فى صورة حجية الامارة من باب الطريقية ولكن فرق بين الحكمين وجه الفرق ان الحكم الظاهرى فى صورة الطريقية هو وجوب العمل بالحجية واما الحكم الظاهرى فى صورة الموضوعية والسببية هو جعل الحكم المماثل اى يجعل الحكم الآخر مثل الحكم الواقعى فيصح الاستصحاب فى صورة جعل الحكم الظاهرى لتمامية اركان الاستصحاب اى اليقين السابق والشك اللاحق.

وقال شيخنا الاستاد انه لا يخلو هذه الصورة ايضا من الاشكال لان الموضوع اما مركب واما بسيط مثلا يقال ان الصلاة موضوع للوجوب فهل الموضوع نفس الصلاة ام الموضوع هى مع رأى المجتهد والظاهر انه صاحب الرأى فجعل جزء الموضوع.

وبعبارة اخرى ان الموضوع اما الصلاة وحدها واما الموضوع هو الصلاة المعنونة برأى المجتهد اى الموضوع مركب منهما فتارة نقطع بعدم بقاء الموضوع وتارة اخرى نشك فى بقائه ولا يخفى ان الشك فى بقاء الموضوع كاف فى عدم بقائه فاذا كان الموضوع مركبا وشك فى جزئه فهو كاف فى عدم بقاء الموضوع لان المركب منتف بانتفاء الجزء.

واما فى مقام البحث فاذا قلنا ان الامارة حجة من باب الموضوعية جعل الحكم الظاهرى فى مقابلها مثلا ان قامت الامارة فى المقام على جواز تقليد الميت فالموضوع اما مركب واما بسيط اى الموضوع اما تقليد الميت مع رأى المجتهد واما الموضوع هو تقليد الميت وحده فالموضوع فى مقام البحث مركب من تقليد الميت مع رأى المجتهد ولا شك فى انتفاء رأيه بعد

٤٥٧

موته فحصل لنا القطع بعدم بقاء الموضوع لان المركب منتف بانتفاء جزئه فلا يصح استصحاب جواز تقليد الميت فى هذه الصورة لزوال احد ركنى الاستصحاب اى بقاء الموضوع فيصح قول المصنف اى عدم جواز تقليد الميت ورد استدلال المجوز بالاستصحاب.

قوله ومنها اطلاق الآيات الدالة على التقليد الخ.

اى قد ذكر ان المجوزين استدلوا على جواز تقليد الميت بوجوه منها الاستصحاب وقد سبق وجه استدلال به مع الاشكال عليه.

ومنها اطلاق الآيات كاطلاق آية النفر وآية حرمة الكتمان فان اطلاقهما دال على حجية خبر الواحد وحجية فتوى المجتهد ولا يخفى ان دلالتهما على حجية قول المجتهد مطلقة اى يجوز تقليده فى حال الحياة وبعده.

فرد هذا الاستدلال اولا بان هذه الآيات لا تدل على حجية فتوى المجتهد بل تدل على حجية خبر الواحد ورد الاستدلال المذكور ثانيا بان الآيات المذكورة انما تكون لبيان اصل التشريع وجعل القانون ولا تكون لبيان اثبات الحكم للموضوع الخارجى.

وكذا استدل على جواز تقليد الميت بدليل الانسداد اى اذا انسد باب العلم والعلمى فلا بد من الرجوع الى الظن فقول المجتهد مفيد للظن بالواقع بلا تفاوت بين المجتهد الحيّ والميت ورد هذا الاستدلال بانه لا تكاد تصل النوبة الى دليل الانسداد لوجود الدليل

٤٥٨

العقلى والنقلى فى هذا المورد فيكون باب العلمى مفتوحا.

وايضا استدل بالسيرة على جواز البقاء فى تقليد الميت اى كانت سيرة اصحاب الائمة عليهم‌السلام البقاء على تقليد المفتى بعد موته.

ورد هذا الاستدلال بان الاصحاب انما كانوا يأخذون الاحكام ممن ينقلها عنهم عليهم‌السلام من دون دخل رأى الناقل اى الاصحاب لم يقلدوا من الناقل بل كان مقصودهم قول الائمة عليهم‌السلام.

اللهم وفق لنا لاطاعتهم عليهم‌السلام وقد وفق الله تعالى للعبد الفقير بمنه ولطفه وجوده وكرمه لاتمام مجلدات هداية الاصول فى شرح كفاية الاصول فى قم المقدسة ووقع الفراغ من تسويد الجزء الرابع هذا الكتاب فى اول شهر ذى الحجة سنة ثمانى عشرة واربع مائة بعد الف من الهجرة النبوية الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين المعصومين.

٤٥٩
٤٦٠