هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

فيها ما اعتبر فى صحتها بحسب الاجتهاد الثانى.

ولا يخفى ان حديث لا تعاد يدل على بطلان الصلاة فى الموارد الخمسة : الاول الذى صلى من دون الطهارة : الثانى الذى صلى قبل الوقت : الثالث الذى ترك الركوع او زاده : الرابع الذى ترك سجدتين او زادهما : الخامس المستدبر وهو الذى صلى الى ما يقابل سمت القبلة فيعلم من لا تعاد الصلاة ان الصلاة لا تعاد الا فى الموارد الخمسة المذكورة.

واما اذا تبدل رأى المجتهد فلا اعادة للصلاة مثلا قال المجتهد ان جلسة الاستراحة لم تكن واجبة ولكن حصل له تبدل رأى فقال ان جلسة الاستراحة واجبة فلا يدل حديث لا تعاد على الاعادة فى صورة تبدل الرأى بل انحصرت اعادة الصلاة فى الموارد الخمسة.

وكذا حديث الرفع اى رفع ما لا يعلمون يدل على عدم اعادة اعمال السابقة فى صورة تبدل الرأى ولا يخفى ان حديث لا تعاد مختص بالصلاة واما حديث الرفع فيعمها وغيرها وبعبارة اخرى ان حديث الرفع يشمل الحكم التكليفي والوضعي وكذا الاجماع يدل على صحة الاعمال السابقة والظاهر ان القواعد الاولية تدل على اعادة الاعمال السابقة بعد تبدل الرأى بعبارة اخرى ان القاعدة الاولية تدل على بطلان الاعمال فى صورة تبدل رأى اول المجتهد الى رأى آخر.

ولا يخفى ان الاجتهاد الاول اما ان يكون بحصول القطع بالحكم واما ان يكون ثبوت الحكم بالامارة المعتبرة فى صورة حجيتها من باب الطريقية فيبطل الاجتهاد الاول بعد تبدل الرأى

٤٢١

فى هاتين الصورتين وجه البطلان هو عدم جعل الحكم اى لا يجعل الحكم بتوسط القطع به وكذا لا يجعل الحكم بالامارة اذا كانت حجيتها من باب الطريقية.

واما اذا كانت حجيتها من باب السببية والموضوعية فيجعل الحكم بتوسط الامارة فلا يبطل الاجتهاد الاول فى هذه الصورة واما الحق عند المصنف فالحجية الامارة انما تكون من باب الطريقية فلا يجعل الحكم فى مقابلها.

وتذكر هنا الجملة المعترضة من تقرير شيخنا الاستاد وهى ان ابن قبه اى محمد بن عبد الرحمن بن قبه كان قديما من المعتزلة وتبصر فاختار المذهب الجعفرى وقال انى اخترت هذا المذهب لمعالجة الامراض وقال لاهل الخاصة ارجو منكم اصلاح اموركم اى كان مقصوده من اصلاح الامور تشخيص ما كان حجة لاستنباط الاحكام ولا يخفى ان المحكيّ عن ابن قبه هو استحالة العمل بالخبر الواحد فاستدل على مذهبه بان العمل به موجب لتحليل الحرام وتحريم الحلال اذ لا يؤمن ان يكون ما اخبر بحليته حراما وبالعكس.

والغرض من نقل هذه الجملة المعترضة هو عدم جعل الحكم باقامة الامارة الظنية اى لم تكن حجية الامارة من باب السببية والموضوعية بل كانت حجيتها من باب الطريقية ولا فرق فى هذه الصورة بين ان يكون الطريقية من دون انشاء الحكم وبين ان ينشأ الحكم بنفس الطريقية اى لا فائدة فى هذا الحكم الطريقى.

قوله : ضرورة ان كيفية اعتبارها فيهما على نهج واحد ولم يعلم الوجه للتفصيل بينهما كما فى الفصول الخ.

ويقول المصنف انه لا فرق فى تبدل الرأى بين الاحكام

٤٢٢

ومتعلقاتها والمراد من المتعلقات هى عبارة اخرى للموضوعات اى يحصل تبدل رأى فى الاحكام والموضوعات مثلا كون السورة جزء للصلاة ام لا وكذا كون العربية فى عقد البيع شرطا ام لا مثلا افتى المجتهد او لا بان السورة لم تكن جزء للصلاة وحصل له بعد هذا انها جزء للصلاة وهذا من تبدل الرأى فى الموضوعات بل يقال ان الخطاء فى الموضوعات يعود الى الخطاء فى الاحكام.

فاعلم ان الاحكام والموضوعات كلاهما قابلان للاجتهادين لكن فى الاحكام يمكن التصويب واما فى الموضوعات فلا يمكن مثلا لا يمكن ان يصير الصابون جبنا اى حصل القطع اولا انه صابون فتبدل قطعه الى كون هذا الشيء جبنا فلا يمكن فى الفرض المزبور ان تبدل الصابون الى الجبن.

توضيح ما ذكر ان صاحب الكفاية يقول يجوز الاجتهاد ان فى كل من الاحكام والموضوعات ومثل للموضوعات بان المجتهد افتى بعدم جزئية السورة للصلاة وافتى هذا المجتهد ثانيا بجزئيتها لها وهذا مثال لتبدل الرأى فى الموضوعات.

واما صاحب الفصول ففرق بين الاحكام والموضوعات وقال ان الموضوعات لا تتحمل اجتهادين وانما يكون فيها اجتهاد واحد مثلا افتى المجتهد اولا ان عقد النكاح صح بالعقد الفارسى وافتى ثانيا ان عقد النكاح يصح بالعقد العربى لا الفارسى فالصحيح هو الاجتهاد الاول.

واستدل صاحب الفصول على عدم صحة الاجتهادين فى الموضوعات بلزوم العسر والهرج والمرج المخل بالنظام مثلا افتى المجتهد اولا ان الطلاق يصح بالصيغة الفارسية وافتى ثانيا ان

٤٢٣

الطلاق لا يصح بها فاذا طلق شخص زوجته على وفق الاجتهاد الاول فتزوجت هذه المرأة بعد انقضاء العدة فلم يصح طلاقها بناء على الاجتهاد الثانى فلا بد أن تكون هذه المرأة زوجة للزوج الاول وهذا مستلزم للهرج والمرج والفتنة واختلاط المياه فالصحيح فى الموضوعات هو الاجتهاد الاول فلا يصح فيها الاجتهاد الثانى.

الحاصل ان صاحب الفصول استدل على عدم صحة الاجتهاد الثانى فى الموضوعات بالادلة الثلاثة الاول ان الموضوعات لا تتحمل اجتهادين : والثانى ان تبدل الرأى فى المتعلقات والموضوعات مستلزم للعسر والحرج والثالث ان تبدل الرأى فيها مستلزم للهرج والمرج والفتنة.

واما صاحب الكفاية فيقول انه لا فرق بين الاحكام والموضوعات فيصح الاجتهاد الثانى فيهما واجاب عن دليله الاول بانه مصادرة اى جعل صاحب الفصول عين المدعى دليلا والظاهر ان المدعى هو ان تتحمل الموضوعات اجتهادين وصاحب الفصول يقول ان الموضوعات لا تتحمل اجتهادين فهذا عين المدعى.

والجواب عن الدليل الثانى اى قال صاحب الفصول ان تحمل الاجتهادين فى الموضوعات مستلزم للعسر والحرج فيجاب عن هذا الاستدلال اولا بالجواب النقضي وهو ان تحمل الاجتهادين فى الاحكام ايضا مستلزم للعسر والحرج مثلا كان رأى المجتهد اولا ان صلاة الجمعة واجبة فتبدل ثانيا الى وجوب صلاة الظهر فهذا مستلزم لبطلان الصلاة السابقة.

٤٢٤

واما الجواب الحلى فان العسر والحرج فى هذا المورد شخصى لا النوعى مثلا اتيان الصلاة قائما مستلزم للعسر والحرج بالنسبة الى شخص دون شخص آخر فتبدل الرأى فى الموضوعات انما كان مستلزما للعسر والحرج بالنسبة الى بعض ولم يكن تبدل الرأى المذكور مستلزما لهما بالنسبة الى بعض آخر فلا يصح قول من يقول ان تبدل الرأى فى الموضوعات مستلزم للعسر والحرج على النحو الكلى.

والجواب عن الثالث اى قال صاحب الفصول ان الاجتهاد الثانى فى الموضوعات مستلزم للهرج والمرج والجواب عن هذا الاستدلال الثالث ان باب الهرج والمرج ينسد بالحكومة وفصل الخصومة اى يرفع هذه الخصومة والفتنة بتوسط الحاكم والقاضى.

الحاصل ان المصنف يقول انه لا فرق فى تحمل الاجتهادين اى يقول وبالجملة لا يكون التفاوت بين الاحكام ومتعلقاتها بتحمل الاجتهادين اى ان صح الاجتهاد ان فيصح فيهما وكذا لا تفاوت بعدم التحمل فيهما فقال المصنف لا يكون التفاوت بين الاحكام والمتعلقات بتحمل الاجتهادين وعدم تحملهما بينا ولا مبينا اى لا يكون التفاوت بينهما بديهيا وكذا لا يكون الدليل على التفاوت بينهما.

واما على قول صاحب الفصول فلا يصح تحمل الاجتهادين فى الموضوعات ويعلم من كلامه ان مرور الزمان موجب لعدم صحة الاجتهاد الثانى اى لم يكن انطباق الزمانى باقيا مع أنّه شرط فى تأثير تبدل الرأى فليرجع الى الفصول ولا يخفى ان الكلام يفسر

٤٢٥

الكلام مثلا كان الكلام الاول مجملا والثانى مفصلا فالثانى مفسر للاول.

وقال صاحب المعالم ان المتكلم ما دام مشتغلا بالتكلم له حق ان يلحق بكلامه كلاما آخرا وهذا الحق انما يكون بالنسبة الينا واما بالنسبة الى الائمة عليهم‌السلام فيمكن ان يلحق بكلامهم الى سنة وهذا دليل على صحة الاجتهاد الاول دون الثانى لوجود الانفصال الزمانى بينهما.

والظاهر ان بعض الاشياء مما يمر عليه الزمان وبعضها مما لا يمر عليه الزمان واما الاول فلا يصح فيه الاجتهاد الثانى واما الثانى اى ما لا يمر عليه فيصح فيه الاجتهاد الثانى مثلا اذا ذبح الحيوان بآلة غير حديد فافتى المجتهد بصحة الذبح على وفق اجتهاده الاول واما كان هذا الحيوان المذبوح موجودا فافتى ثانيا بعدم صحة الذبح بآلة غير حديد اى افتى بحرمة اكل لحم هذا الحيوان لاشتراطه فى آلة الذبح أن تكون حديدا فيمكن فى هذا المورد ان يكون الاجتهاد الثانى صحيحا لبقاء الموضوع.

قوله واما بناء على اعتبارها من باب السببية فلا محيص عن القول بصحة العمل الخ.

اى كان اصل البحث فى اضمحلال الاجتهاد وتبدل الاجتهاد الاول الى الاجتهاد الثانى وايضا ذكر ان الاعمال السابقة باطلة بناء على القاعدة الاولية لان الاجتهاد الاولى اما ان يكون للقطع بالحكم فتبدل هذا القطع الى قطع آخر واما ان يكون هذا الاجتهاد لاقامة الامارة من باب الطريقية فلم يجعل الحكم فى صورة القطع

٤٢٦

به وكذا فى صورة حجية الامارة من باب الطريقية اى لم يجعل الحكم على طبقها فلا يتدارك المصلحة الواقعية بالاجتهاد الاول فتحكم القاعدة الاولية على بطلان الاعمال السابقة.

واما القاعدة الثانوية كحديث لا تعاد الصلاة وحديث الرفع فتدل على صحة الاعمال السابقة.

ولا يخفى ان ما ذكر تكرار لما سبق فيرجع الى اعتبار الامارة من باب السببية قد ذكر ان الحق هو حجية الامارة من باب الطريقية واما العامة فيقولون ان حجيتها من باب السببية فيجعل الحكم المماثل فيتصور جعل هذا الحكم على ثلاثة اقسام :

الاول يتدارك تمام المصلحة الواقعية بتوسط جعل الحكم المماثل فتصح الاعمال السابقة اى لا قضاء فيها ولا اعادة.

الثانى يتدارك بتوسط جعل الحكم المذكور مقدار كثير من المصلحة الواقعية ويبقى منها المقدار الذى لا يجب تداركه ولكن يستحب تدارك ما بقى من المصلحة الواقعية فتصح الاعمال السابقة فى هذه الصورة ايضا.

الثالث يتدارك بتوسط جعل الحكم المماثل مقدار من المصلحة الواقعية ويبقى منها المقدار الذى يجب تداركه فلا تصح الاعمال السابقة فى هذه الصورة.

فقال المصنف واما بناء على اعتبار الامارة الخ فتصح الاعمال السابقة اى اتى المصنف الدليلين لصحة الاعمال السابقة : الاول ما بيّنه بقوله واما بناء على اعتبار الامارة من باب السببية فيجعل الحكم المماثل فتصح الاعمال السابقة : الثانى اى الدليل الثانى

٤٢٧

لصحة الاعمال السابقة ما ذكره بقوله وكذا الحال اذا كان بحسب الاجتهاد الاول مجرى الاستصحاب او البراءة النقلية الخ.

اى اذا كان الاجتهاد الاول بتوسط استصحاب الحكم السابق او بتوسط البراءة النقلية فظفر فى الاجتهاد الثانى على خلاف الاجتهاد الاول فالاعمال السابقة صحيحة اى الاجتهاد الاول صحيح وذكر نظيره فى مسئلة الاجزاء اى اذا ثبت حلية الشيء بتوسط كل شىء لك حلال فثبت الحكم المذكور وان كشف خلافه وكذا اذا ثبت الحكم بالاستصحاب وكشف خلافه فالحكم السابق صحيح.

ولا يخفى ان صحة الحكم السابق فيما ذكر انما يكون اذا ثبت الحكومة الواقعية لكل شىء لك حلال وكذا الاستصحاب اعنى اذا ثبت الحلية بهما فيحكم ان هذا الشيء حلال ولا يضر كشف الخلاف اى يكفى اثبات الحلية بكل شىء لك حلال وكذا بالاستصحاب وان لم يكن هذا الشيء فى الواقع حلالا فهذا مراد من الحكومة الواقعية للاستصحاب ولكل شىء لك حلال ولا يخفى ان التعبير المذكور كان من تقرير شيخنا الاستاد.

فثبت انه اذا كان الاجتهاد الاول باقامة الامارة من باب السببية والموضوعية او كان بتوسط الاستصحاب او البراءة النقلية فلا شك فى صحة الاعمال السابقة على وفق الاجتهاد الاول.

قوله فصل فى التقليد وهو اخذ قول الغير ورأيه للعمل به الخ.

وذكر سابقا واما الخاتمة فى الاجتهاد والتقليد وقد علم

٤٢٨

ما هو للاجتهاد وكذا نحتاج الى معرفة ما هو التقليد اى فليعرف فى كل علم ثلاثة اشياء : الاول ما هو : الثانى هل هو : الثالث لم هو : والمراد من ما هو تعريف الشيء : والمراد من هل هو احكام الشيء : والمراد من لم هو الغاية والغرض للشيء وعلمت الاشياء الثلاثة فى الاجتهاد الآن يشرع فى بيان التقليد فليتكلم فى ـ تعريفه لغة وعرفا والمراد من العرف هو العرف العام.

والظاهر ان التقليد فى اللغة هو جعل القلادة فى العنق مثلا يقال ان زيدا قلد السيف اى جعله قلادة له وكذا يقال ان الامير جعل السيف قلادة ولا يخفى ان اطلاق اللبس على الخاتم صحيح دون السيف بل يطلق عليه التقليد.

ودليل آخر على كون التقليد لغة هو القلادة ما ذكر فى مسئلة الهدى فى حج القران اى قال هناك ويشترط فى القران ما ذكر فى الافراد ويزيد عقده لاحرامه بسياق الهدى واشعاره بشق سنامه من جانب الايمن ولطخه بدمه ان كان بدنة وتقليده ان كان الهدى غير البدنة بان يعلق فى رقبته نعلا قد صلى السابق فيه اى يجعل النعل قلادة فى الهدى فى حج القران فثبت ان التقليد لغة هو القلادة فى العنق وكذا ما يقال ان على عليه‌السلام قلد الخلافة

ولا يخفى ان التقليد وان لم يكن من افعال القلوب ولكن يتعدى الى المفعولين مثل اعطى وكسى وايضا قد يذكر كلا المفعولين مثلا قلد على (ع) الجهاد قلادة اى جعله قلادة وقد يحذف احد المفعولين للمعلومية مثلا يقال قلد على (ع) الجهاد وهذا بيان التقليد من حيث المعنى اللغوي وقال بعض ان الظاهر كون التقليد

٤٢٩

فى اللغة والعرف بمعنى واحد مثلا يقال قلد زيد المجتهد اى فتواه قلادة فى عنقه.

واما المصنف فيقول ان التقليد هو اخذ قول الغير ورأيه للعمل به وهذا ناظر الى المعنى الاصطلاحى اى التقليد اصطلاحا هو اخذ قول الغير للعمل فى الفرعيات واما اصول العقائد فنهى التقليد فيها ولكن يجوز اخذ قول الغير للالتزام به فى الاعتقاديات تعبدا لحصول القطع فلا يجوز التقليد فى الاصول من حيث هل هو اى يفرق من حيث الحكم بين الفرعيات والاعتقاديات.

ويقول بعض ان التقليد عبارة من العمل بقول الغير اى لا يصح من دون العمل وقال بعض آخر ان التقليد هو الاخذ بقول الغير والعمل انما يكون بعد التقليد والمذكور فى العروة الوثقى ان التقليد هو الالتزام بقول الغير كاخذ رسالة عمليته.

ولا يخفى ان التقليد من حيث ما هو يرجع الى الاقوال الثلاثة : الاول هو العمل بقول الغير : الثانى هو اخذ قول الغير : الثالث هو الالتزام بقول الغير واما المصنف فيقول ان التقليد هو الاخذ بقول الغير لا العمل به وهو انما يكون بعد التقليد اى ان التقليد مقدم على العمل والا لزم كونه بلا تقليد.

قوله فافهم.

هذا اشارة الى طلب الدليل من المصنف اى ما الدليل من الكتاب والسنة على كون العمل بعد التقليد اعنى ليس لنا الدليل على ما ذكر منهما ولكن ما يظهر لنا هو كون العمل على وفق قول الغير

٤٣٠

وقال شيخنا الاستاد ان التقليد هو العمل بقول الغير فالتقليد هو العنوان الثانوى للعمل فظهر ان التقليد هو العمل بقول المجتهد مثلا عمل شخص عشر سنين من دون التقليد فان كان عمله مطابقا لفتوى المجتهد فهو صحيح فالحق ان التقليد هو العمل بقول الغير ولم يكن مقدما رتبة على العمل وكان الكلام الى هنا فى ما هو وتعريف التقليد الآن يشرع فى بيان حكمه.

قوله ثم إنّه لا يذهب عليك ان جواز التقليد ورجوع الجاهل الى العالم فى الجملة يكون بديهيا جبليا فطريا الخ.

هذا بيان لحكم التقليد اى جواز التقليد ورجوع الجاهل الى العالم فى الجملة يكون بديهيا قوله فى الجملة اشارة الى خروج الافراد الغير الجامع لشرائط الافتاء اعنى رجوع الجاهل الى العالم الجامع للشرائط من البديهيات فهى على ستة اقسام بحكم الاستقراء : اوليات : ومشاهدات : وتجربيات : ومتواترات : وحدسيات : وفطريات.

والمراد من الفطريات ما تكون قياساتها معها اى لا يغيب حد الوسط عن الذهن مثلا الاربعة زوج فحد الوسط فى هذا المثال هو المنقسم بالمتساويين فهذا الوسط ليس مما يذهب عن الذهن حتى يحتاج الى الطلب الفكر فكلما احضر الشخص الزوجية فى الذهن حضر التصديق بها لحضور الوسط اى المنقسم بالمتساويين فى الذهن.

فيرجع الى كلام المصنف اعنى ان رجوع الجاهل الى العالم يكون بديهيا جبليا فطريا ولا يخفى ان الفطرى والجبلى على

٤٣١

قسمين اى هما منطقى واصولى فالفطرى والجبلى على رأى اهل المنطق ما يحتاج الى حد الوسط ولكن حد الوسط لا يغيب عن الذهن وبعبارة اخرى فهذا الوسط ليس مما يذهب عن الذهن حتى يحتاج الى الطلب والفكر.

واما المراد من الفطرى والجبلى عند الاصولى ـ ما هو داخل فى اصل الخلقة اى لا يحتاجان الى حد الوسط.

فالدليل الاول لجواز التقليد هو ان رجوع الجاهل الى الغير فطرى وجبلى فلا يحتاج الى الدليل وإلا لزم سد باب العلم به على العامى وجه هذا اللزوم هو عدم امكان الاستدلال للعامى اى لا يكون اهلا لفهم الكتاب والسنة حتى يستدل على جواز التقليد بهما.

وايضا لا يجوز التقليد فى جوازه لانه مستلزم للدور او التسلسل والمراد من الدور هو نتيجته ولم يكن المراد منه الدور المصطلح اى توقف الشيء على ما يتوقف عليه والمراد من نتيجة الدور ما كان جهة وسببا لبطلان الدور اى لزوم تقدم الشيء على نفسه مثلا إن ثبت التقليد بالتقليد بان يقلد الغير فى جواز التقليد فيلزم تقدمه على نفسه اى يلزم توقف جواز التقليد على جوازه فلا يجوز التقليد فى هذه المسألة للزوم الدور او التسلسل وقد بين وجه لزوم الدور.

واما وجه لزوم التسلسل فهو إن ثبت التقليد بالمسألة الاخرى بان يتوقف جواز التقليد على جوازه فى مسئلة اخرى فيتوقف جوازه فى هذه المسألة على مسئلة اخرى وكذا يتوقف جواز التقليد فى هذه المسألة على جوازه فى مسئلة اخرى وهكذا فهذا تسلسل فثبت عدم صحة التقليد فى نفس جوازه كما كتب فى

٤٣٢

بعض الرسائل ان اصل جواز التقليد لم يكن تقليديا.

فظهر ان العمدة فى ادلة جواز التقليد هى كونه فطريا وجبليا وايضا استدل على جواز التقليد بالاجماع والسيرة وآية النفر والسؤال.

فاعلم ان العمدة فى ادلة جواز التقليد هى ان يكون فطريا واما الاجماع فهو مدركى فلا يصح الاستدلال به وكذا لا يصح الاستدلال على سيرة المتدينين لان هذه المسألة من الفطريات.

واما الاستدلال بالآيات فالعمدة فيها آيتان الاولى آية النفر والثانية آية السؤال والظاهر ان هاتين الآيتين كانتا فى مورد تحصيل العلم اى سؤال من اهل الذكر انما يكون لتحصيل العلم والتقليد هو الاخذ بقول الغير تعبدا وايضا ان المراد من اهل الذكر هو اهل العصمة الاطهار وكذا فسر ان اهل الذكر هو علماء اهل الكتاب اى فليسأل اهل الكتاب من علمائهم عن مسئلة النبوة فهذه الآية انما تكون فى بيان اصول العقائد ولا دخل لها فى مسئلة التقليد لانه انما يكون فى الفروعات.

وكذا آية النفر انما تكون فى مورد اثبات حجية الخبر الواحد ولا تكون هذه الآية فى بيان جواز التقليد.

قوله : نعم لا بأس بدلالة الاخبار عليه بالمطابقة او الملازمة الخ.

وقد بين ان جواز التقليد يكون بديهيا وأيضا ذكر ان الاجماع لا يكون دليلا لجوازه لان هذا الاجماع مدركى اى يكون الاجماع لاجل كون التقليد من الامور الفطرية وكذا السيرة مدركية أيضا

٤٣٣

أى اخذ هذه السيرة لاجل فطرية التقليد وكذا الآيات اى لا تدل على جواز التقليد وقد استدل بهذه الآيات على حجية الخبر الواحد وقال المصنف هناك انه لا يصح الاستدلال بالآيات المذكورة على حجية الخبر.

واشكل شيخنا الاستاد عليه بان المصنف يقول هنا ان الآيات المذكورة لا تدل على جواز التقليد ولكن قال فى مسئلة حجية الخبر ان هذه الآيات لا تدل على حجية الخبر بل تدل على جواز التقليد فكان قول المصنف هنا على عكس قوله فى السابق فى مسئلة حجية الخبر.

واما الاخبار فيصح الاستدلال بها على جواز التقليد فبعضها يدل عليه بالمطابقة كما فى التوقيع واما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة احاديثنا وقد يكون دلالة الخبر على النحو الشخصى نحو قوله (ع) فارجعوا الى ذكريا ابن آدم لانه ثقة هذا الخبر شخصى ولكن لم يكن المدخلية للشخصية لان هذا الخبر معلل بكون المفتى ثقة اى يجوز الرجوع الى الثقة واما التوقيع المذكور فهو على النحو الكلى فما ذكر دال على جواز التقليد بالمطابقة.

واما بعض الاخبار فهو دال على جواز التقليد بالالتزام كقوله (ع) انا احب ان يفتى الاصحاب بالحلال والحرام فالملازمة ظاهرة بين جواز الفتوى وجواز التقليد واما الدلالة المفهومية فهى مثل ما دل على المنع عن الفتوى بغير علم فيدل هذا بمفهومه على جواز الافتاء مع العلم اى يدل ما ذكر بمفهومه المخالف على

٤٣٤

جواز التقليد.

الحاصل ان بعض الاخبار دال على جواز التقليد بالمطابقة او بالالتزام وكذا يدل بعضها عليه منطوقا وبعضها مفهوما ولكن اشكل على ما يدل على جواز التقليد بالالتزام مثلا يمنع (ع) من الافتاء بغير علم فيدل هذا بمفهومه على جواز التقليد مع العلم لان الفتوى يجوز مع العلم فالملازمة ثابتة بين جواز الفتوى وجواز التقليد.

ولكن اشكل عليه بانا لا نسلم الملازمة بين جواز الفتوى وبين رجوع الغير اليه اى يمكن ان يجوز الافتاء مع العلم وان لا يجوز تقليد الغير منه وقد سبق نظيره فى مسئلة حجية الخبر الواحد اى استدل على حجية الخبر بآية حرمة الكتمان وجه الاستدلال ان هناك ملازمة عقلية بين حرمة الكتمان ووجوب الاظهار ووجوب القبول.

فاشكل هناك بانه ليست الملازمة بين وجوب الاظهار ووجوب القبول فيمكن ان يكون الاظهار واجبا وان لا يكون القبول واجبا وكذا فى المقام فيمكن جواز الفتوى وعدم جواز رجوع الغير اليه واشار الى هذا الاشكال المصنف.

بقوله : لا يقال ان مجرد اظهار الفتوى للغير لا يدل على جواز اخذه واتباعه.

اى هذا بيان لعدم صحة دلالة الاخبار بالملازمة على جواز التقليد وقد ذكر نظير هذه المسألة فى حجية خبر الواحد بآية

٤٣٥

حرمة الكتمان اى قال فيما سبق ان الملازمة بين حرمة الكتمان وجوب الاظهار ووجوب القبول تدل على حجية الخبر فاشكل هناك انه ليست الملازمة بينهما وكذا الحكم فيما نحن فيه اى استدل على جواز التقليد لاجل الملازمة بين جواز الافتاء وجواز التقليد

واشكل على هذا الاستدلال بقوله لا يقال ان مجرد اظهار الفتوى الخ. حاصل الاشكال انه ليست الملازمة بين جواز الفتوى وجواز التقليد مثل ما سبق فى حجية خبر الواحد اى استدل هناك على حجية الخبر بواسطة الملازمة بين وجوب الاظهار ووجوب القبول فاشكل هناك انه ليست الملازمة بينهما.

قوله : فانه يقال ان الملازمة العرفية بين جواز الافتاء وجواز اتباعه واضحة الخ.

هذا جواب الاشكال حاصله انه سلمنا عدم الملازمة بين حرمة الكتمان ووجوب القبول اى يمكن ان يكون الكتمان حراما وان لا يكون القبول واجبا وبعبارة اخرى يمكن ان يكون اظهار الحق واجبا وان لا يكون القبول واجبا تعبدا واما فى مقام البحث فالملازمة العرفية بين جواز الافتاء وجواز الاتباع واضحة فظهر ان الاخبار تدل على جواز التقليد.

فاشكل على المصنف ان الآيات تدل على عدم جوازه كقوله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) قال شيخنا الاستاد ان المخاطب فى هذه الآية هو النبى لكونه (ص) فى المرأى والمسمع واما المقصود فهو غيره اى لا يجوز لكل الناس العمل بغير علم ونظير هذا الخطاب كثير فى العرف مثلا تقول امرأة لبنتها انت فاسقة وكان المقصود زوجة ابنها اى العروسة وبعبارة شيخنا الاستاد آن زن مى گويد دختر تو را

٤٣٦

مى گويم عروس تو بشنو.

الحاصل ان النهى فى الآية يدل على عدم جواز التقليد لكونه العمل بغير علم وكذا قوله تعالى (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) اى كان النبى (ص) دعا الناس الى الله تعالى وطلب منهم ترك تقليد آبائهم اى ذم مشركون على تقليد آبائهم فيظهر من هذا الذم عدم جواز التقليد.

والدليل الآخر على عدم جواز التقليد هو قياس المسائل الفرعية على المسائل الاصولية والاعتقادية اى ان المسألة الاصولية مع غموضها لا يجوز فيها التقليد فالمسألة الفرعية مع سهولتها فلا يجوز فيها التقليد بالطريق الاولى.

واما الجواب عن ادلة الثلاثة التى استدل فيها على منع اتباع غير العلم وذم التقليد فنقول ان الآيات تدل على منع اتباع الظن انما تكون تلك الدلالة على نحو العموم والاطلاق لكن كل مطلق قابل للتقييد وكذا كل عام قابل للتخصيص.

فالاخبار التى تدل على اتباع الظن وجواز التقليد مخصصة لتلك الاطلاقات اى تقول هذه الاخبار انه لا يجوز التقليد الا فى المسائل الفرعية وكذا ما يدل على ذم التقليد فالمراد من التقليد المذموم هو تقليد الجاهل من الجاهل واما تقليد الجاهل من العالم فلم يكن مذموما.

واما الجواب عن قياس المسألة الفرعية فى المسألة الاصولية فنقول ان هذا القياس قياس مع الفارق لان المراد من القياس هو ان يثبت بتوسط شىء الحكم لشيء آخر مثلا فيما نحن يقاس حكم التقليد فى المسألة الفرعية على المسألة الاصولية

٤٣٧

لكن رد هذا القياس لكونه مع الفارق اى ان الفرق بين المسألتين واضح فيدرك كل احد المسألة الاصولية بحسب عقله ويوجد المعرفة الى الله تعالى لكل واحد من الناس بحسب حكم العقل.

هنا قضية معروفة وهى سئل شخص من امرأة ضعيفة هل تعرفين الله تعالى قالت نعم فسئل ما الدليل لك على معرفته تعالى فقالت فى الجواب الدليل هو الآلة التى اسوى الخيط من الصوف فان هذه الآلة محتاجة الى المحرك وانا محركها فسير الشمس والقمر والنجوم محتاج الى المنظم والمحرك وهو الله تعالى.

والحاصل انه لا يصح قياس المسألة الفرعية على المسألة الاصولية لان الاصول الاعتقادية قليلة بالنسبة الى الاحكام الفرعية فانها مما لا تعد ولا تحصى ولا يكاد يتيسر من الاجتهاد فيها الا للاوحدى من الناس فقياس الشيء الكثير على القليل قياس مع الفارق.

قوله فصل اذا علم المقلد اختلاف الاحياء فى الفتوى مع اختلافهم فى العلم والفقاهة الخ.

ويبحث فى هذا الفصل من تقليد الاعلم اى هل يجب تقليده ام لا وكان هذا البحث من القديم واما المصنف فقد زاد فيدين آخرين بقوله اذا علم المقلد اختلاف المجتهدين فى الفتوى مع اختلافهم فى العلم والفقاهة فيجعل تقليد الاعلم مورد البحث مع وجود هذين القيدين فلا بد من رجوع الجاهل الى الافضل لان الشخص الجاهل معتقد بالله تعالى وايضا معتقد بصدور الاحكام منه تعالى الى العباد فلا بد من رجوع الجاهل الى الاعلم بحجية قوله.

٤٣٨

واما اذا كان المجتهدان مشتركين فى الفتوى ولم يكن الاختلاف بينهم فيه فيجوز التقليد من كل منهما بلا اشكال فلا حاجة الى تقليد الاعلم فى هذه المسائل المشتركة وقد ذكر سابقا ان المراد من التقليد هو اخذ قول الغير ولكن هل يجوز فى صورة التعدد تقليد كل منهم من دون تعيين الاعلم ام لا.

فيقال ان قلت ان التقليد فى هذه الصورة يجوز من دون التعيين فهذا صحيح بالنظر الى اشتراك المجتهدين فى الفتوى وان قلت انه لا يجوز التقليد فى هذه الصورة من دون التعيين فهذا صحيح ايضا اى هذا ناظر الى اختلافهم فى الفتوى فيجب فى هذه الصورة تقليد الاعلم.

الحاصل انه اذا علم المقلد اختلاف المجتهدين فى الفتوى مع اختلافهم فى العلم والفقاهة فهذا محل البحث ويبحث هنا على النحوين فتارة يبحث ان تقليد الاعلم هل يجب ام لا ويبحث تارة اخرى انه اذا كنت انا وعقلى وجب تقليد الاعلم ووجه وجوبه ان تقليد غيره مشكوك.

وقد ذكر سابقا فى مبحث حجية خبر الواحد ان الشك فى حجية الشيء كاف فى عدم حجيته وايضا سبق فى المبحث المذكور ان العقل قد يكون ابا الحكم الواحد وقد يكون ابا الحكمين اى العقل فى مورد القطع بعدم حجية الشيء والشك فيها ابو الحكم الواحد وهو عدم حجية الشيء فى هذين الموردين بحكم العقل وكذا فى المقام اى العقل فى صورة القطع بعدم حجية قول غير الاعلم والشك فيها ابو الحكم الواحد اعنى عدم حجية قوله فى الصورتين.

٤٣٩

وبعبارة اخرى ان العقل يحكم فى الموردين بملاك واحد وهو عدم القطع بحجية الشيء.

والحاصل ان العقل فى الموردين المذكورين انما يكون ابا الحكم الواحد واما ان كان العقل فيما ذكر ابا الحكمين فيحكم بعدم حجية الشيء فى صورة القطع به ويحكم بحجيته فى صورة الشك فيها وقد ثبت ان العقل فى مثل هذه المورد ابو الحكم الواحد.

قال المصنف ولا وجه لرجوعه الى الغير فى تقليده الا على نحو دائر.

اى لا يجوز ان يرجع فى تقليد غير الاعلم الى الاعلم لكونه مستلزما للدور اى يتوقف جواز تقليد غير الاعلم على جواز الرجوع فيه الى الاعلم وايضا يتوقف الرجوع اليه على جواز تقليد غير الاعلم فيلزم تقديم الشيء على نفسه.

ويقول بعد هذا بقوله نعم لا باس برجوعه الى الغير الخ. اى ان رجع الجاهل الى الاعلم فاجازه فى الرجوع الى الغير فلا بأس الرجوع اليه لان هذا تقليد من الاعلم فى الواقع اعنى افتى الاعلم بجواز تقليد غير الاعلم فلا اشكال فى تقليده فى هذه الصورة.

ولكن ذكر فى العروة الوثقى عدم جواز افتاء الاعلم بالرجوع الى غيره اى لا يصح للاعلم ان يقول ان تقليد غير الاعلم جائز لكم فما ذكر هنا متناف لما ذكر فى العروة

وكذا يجوز الرجوع الى غيره اذا استقل عقل المقلد بالتساوى فى الرجوع الى الاعلم وغيره ولا يخفى ان العقل يحكم فى صورة

٤٤٠