هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

واما اذا كان حجية الظن فى حال الانسداد من باب الكشف فهذا الظن يمكن ان يكون لمعرفة احكامنا اى ما استنبطه هذا المجتهد بتوسط هذا الظن ولكن ليس هذا الظن حجة لنا لان دليل الانسداد يقول ان حجية هذا الظن مختصة بمن جرت مقدمات الانسداد فى حقه اى كان هذا الظن مختصا بالمجتهد الانسدادى ولا يكون هذا الظن حجة لنا.

قوله فتأمل هذا اشارة الى ان خبر الواحد حجة لكل من المجتهد والمقلد وكذا فى حال الانسداد فان الظن الحاصل من مقدمات الانسداد فهو حجة للمجتهد الانسدادى ولنا.

قوله : ان قلت حجية الشيء شرعا مطلقا لا توجب القطع بما ادى اليه من الحكم ولو ظاهرا الخ.

قد ذكر انقسام الاجتهاد الى المطلق والتجزى فاشكل على وقوع الاجتهاد المطلق بعدم وقوع المجتهد المطلق عندنا قد مر تفصيل الاشكال فاجيب بان التردد من الاعلام فى بعض المسائل انما هو بالنسبة الى الحكم الواقعى واما بالنسبة الى الحكم الظاهرى فليس التردد منهم.

فاشكل على هذا الجواب بالاشكالين الاول يسأل عن حجية الامارة اى هل يجعل بها الحكم المماثل ام لا قد ذكر انه لا يجعل الحكم بالامارة لاستلزامه لاجتماع المثلين او الضدين مثلا اذا كان الشيء فى الواقع واجبا فان حكم الامارة بوجوبه ايضا فهو اجتماع المثلين واما فى الفرض المذبور فان حكم الامارة على

٤٠١

حرمة هذا الشيء فهو اجتماع الضدين.

فالامارة انما تكون حجة من باب المنجزية والمعذرية اى ان طابقت الامارة الحكم الواقعى فيصير هذا الحكم منجزا وان خالفت مع الحكم الواقعى فيحكم على كون الشخص المكلف معذورا.

فيشكل هنا بان حجية الشيء شرعا لا توجب القطع بالحكم الشرعي لان حجية الامارة على ما ذكر لم تكن لجعل الحكم ولو ظاهرا بل كانت حجيتها من باب المنجزية والمعذرية اى تنجز الواقع مع الاصابة وكان المكلف معذورا مع عدمها فيحكم على هذا المجتهد الانفتاحى بانه جاهل بالحكم الشرعي اى ليس له القطع به لا واقعا ولا ظاهرا فان رجع الغير اليه فهو رجوع الى الجاهل وقد ظهر الى هنا الاشكال الاول على جواب القائلين بالاجتهاد المطلق واجيب.

بقوله : قلت نعم الا انه عالم بموارد قيام الحجة الشرعية الخ.

اى قلت ان الرجوع الى العالم اعم من ان يكون عالما بالحكم الشرعي الفرعى او الاصولى فان كان الشخص عالما بالحكم الشرعي الاصولى فقط فهو كاف فى رجوع الغير اليه.

الحاصل ان الرجوع الى العالم اعم من ان يكون الشخص عالما بالاحكام الشرعية الفرعية او كان عالما بالمسألة الاصولية كان يكون عالما بحجية الامارة فقد علم الى هنا الاشكال الاول على القائلين بالاجتهاد المطلق وكذا علم جوابه الآن يشرع على الاشكال الثانى عليهم.

٤٠٢

بقوله ان قلت رجوعه اليه فى موارد فقد الامارة المعتبرة الخ.

أى اذا لم يكن للمجتهد الانفتاحى القطع بالحكم الشرعي الفرعى ولا بالحكم الشرعي الاصولى اى لم يكن عنده الامارة المعتبرة فهو يرجع بعد الفحص واليأس الى الاصول العقلية كالتخيير العقلى والبراءة العقلية فلم يكن هذا المجتهد عالما بالحكم الشرعي ولا بالاصول الشرعية لان المرجع له هو الاصول العقلية فان رجع الغير الى هذا لمجتهد كان الرجوع الى الجاهل بالحكم الشرعي هذا اشكال ثان على القائلين بالاجتهاد المطلق.

قوله : قلت رجوعه اليه فيها انما هو لاجل اطلاعه على عدم الامارة الشرعية الخ.

اى قلت ان الرجوع الى المجتهد الانفتاحى فى هذه الصورة انما هو لاجل المسألة الاصولية.

توضيحه ان الرجوع الى المجتهد فى الحكم الشرعي الاصولى قد يكون وجودا وقد يكون عدما اى قد يرجع الى المجتهد الانفتاحى فى المسألة الاصولية الشرعية لاجل تحصيل العلم بالامارة المعتبرة لان المجتهد عالم بها فالرجوع اليه فى هذه المسألة الاصولية الشرعية مستلزم للرجوع فى المسألة الشرعية الفرعية وهذا الرجوع كان لاجل اطلاع على وجود الامارة الشرعية.

وقد يكون الرجوع الى المجتهد فى المسألة الشرعية الاصولية عدميا اى هذا الشخص لم يعلم عدم الامارة واما المجتهد فهو عالم بعدم الامارة الغير المعتبرة فيكون رجوع الغير اليه لاجل

٤٠٣

تحصيل العلم بعدم الامارة المعتبرة فهذا رجوع الجاهل الى العالم فلا فرق فى الرجوع الى المجتهد فى المسألة الاصولية الشرعية من حيث تحصيل وجودها او عدمها فالرجوع اليه فى هذا المورد انما يكون فى هذه المسألة من حيث تحصيل عدمها.

فظهر من البيان المذكور ان الرجوع الى المجتهد لم يكن للتخيير او البراءة بل كان الرجوع اليه فى المسألة الاصولية الشرعية لكن عدما : فاذا ثبت لهذا المقلد عدم الامارة الشرعية فالمرجع له هو حكم العقل من البراءة او التخيير او الاحتياط فيحكم هذا المقلد بما استقل به عقله ولو كان على خلاف ما ذهب اليه مجتهده.

قوله : ولا اشكال فى نفوذ حكم المجتهد المطلق اذا كان باب العلم او العلمى مفتوحا الخ.

قد تقدم البحث فى عمل المجتهد المطلق باجتهاده وكذا رجوع الغير اليه الآن يبحث فى قضاوته.

واعلم ان الاصل عدم ثبوت منصب القضاء الا للنبى (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والامام (عليه‌السلام).

واما قضاوة حاكم الشرع انما يثبت بروايتين إحداهما حسنة ابى خديجة وفيها اجعلوا بينكم رجلا وقد عرف حلالنا وحرامنا فانى قد جعلته عليكم قاضيا وثانيتهما مقبولة ابن حنظلة وفيها انظروا الى رجل منكم ممن قد روى حديثنا ونظر حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضوا به حكما فانى قد جعلته حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل فانما بحكم الله استخف.

٤٠٤

فهاتان الروايتان تدلان على قضاوة المجتهد المطلق اذا كان باب العلم او العلمى له مفتوحا لان الحسنة تقول اجعلوا بينكم رجلا وقد عرف حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فانى قد جعلته عليكم قاضيا فهذه الرواية تدل على قضاوة المجتهد المطلق فى حال انفتاح باب العلمى او العلمى.

واما اذا انسد عليه بابهما فلا تدل هذه الرواية على قضاوة المجتهد الانسدادى لان دليل الانسداد على تقرير الحكومة لم يكن لجعل الحكم بل يثبت هذا الدليل المنجزية والمعذرية فليس هذا المجتهد الانسدادى ممن يعرف الاحكام مع ان معرفتها معتبرة فى الحاكم فالروايتان المذكورتان تدلان على اعتبار معرفة الاحكام فى القاضى.

واما المجتهد الانسدادى فلم يكن عالما بالاحكام لان حجية الظن من مقدمات الانسداد انما تكون من باب الحكومة وقيل يثبت القضاوة للمجتهد الانسداد من باب عدم القول بالفصل فيقال ان هذا لم يكن مفيدا لعدم الفصل وانما المفيد هو القول بعدم الفصل اى القول بعدم الفصل حجة لعدم الفصل لا عدم القول بالفصل.

قوله : الا ان يقال بكفاية انفتاح باب العلم فى موارد الاجماعات والضروريات من الدين الخ.

أى ثبت القضاوة للمجتهد المطلق فى حال الانفتاح واما اذا انسد باب العلم والعلمى فاثبات قضاوة لهذا المجتهد الانسدادى مشكل فيقال فى جواب الاشكال ان باب العلم لهذا المجتهد مفتوح بالنسبة الى موارد الاجماعات والضروريات من الدين او المذهب

٤٠٥

والمتواترات فانه يصدق على هذا المجتهد حينئذ انه ممن روى حديثهم (ع) ونظر فى حلالهم وحرامهم عليهم‌السلام ويقال له عرفا انه عارف باحكامهم (ع).

قوله : واما قوله فى المقبولة فاذا حكم بحكمنا فالمراد ان مثله الخ.

هذا دفع لما قد يتوهم من ان ظاهره كون الحكم الذى حكم به القاضى هو حكم الامام (ع) اى قال الامام عليه‌السلام فى المقبولة ان الحكم الذى حكم به القاضى هو حكمنا فهذا مناف لادراج القاضى الانسدادى بل هذا مناف لادراج القاضى الانفتاحى ايضا : اى ليس جميع حكم القاضى حكم الامام (ع) مثلا اذا كان حكمه طبق الامارة او الاصل فليس هذا حكمه عليه‌السلام اى ليس كل حكم القاضى حكم الامام (ع) بل كان الحكم فى باب المرافعة مؤدى الامارة او الاصل فلا يصدق فى القاضى قوله (ع) فاذا حكم بحكمنا لان جميع الاحكام فى باب المرافعة ليس من الامام (ع) لما عرفت آنفا.

وجواب التوهم ان اضافة الحكم اليهم (ع) انما يكون من باب المجاز فى الاسناد كنهاره صائم ويا هامان ابن لى صرحا اى اسناد صيام الى النهار مجاز وتعلق البناء على هامان مجاز وكذا فى المقام فان حكم القاضى حكمهم (ع) لانه منصوب من قبلهم (ع).

فظهر ان الحكم فى باب المرافعة غالبا من الامور التى صدرت عن القاضى ولكن نسبت اليهم لكونها من احكام منصوبهم (ع) ولا يخفى ان النبى (ص) والامام (ع) لا يحكمون بالجزئيات بل

٤٠٦

حكمهم كان فى الكليات مثلا حكم القاضى ان الدار ملك زيد فليس هذا حكم الامام لكن نسب هذا الحكم اليه (ع) من باب المجاز فى الاسناد لان الامام (ع) يعطى الاعتبار للقاضى فكان حكمه حكم الامام (ع).

قوله : واما التجزى فى الاجتهاد ففيه مواضع من الكلام الخ.

اى يبحث هنا من المجتهد المتجزى فقد اختلف فى امكانه وعدم امكانه واستدل على امكانه بوجهين الاول حكم الوجدان بذلك بواسطة ملاحظة كون بعض المسائل اسهل مدركا من الآخر وكون بعضها مبنيا على العقليات والآخر على النقليات واختلاف مهارة الشخص فيهما إذ رب انسان ماهر فى احدهما دون الآخر.

والثانى حكم العقل بمسبوقية المجتهد المطلق بالتجزى والا للزم الطفرة وهى محال عادى ولمراد منها ان يصل انسان الى مكان بعيد من دون طى المسافة وكذا فى المقام ان المراد منها ان يصير المجتهد مطلقا من دون طى مرتبة التجزى.

الحاصل ان الادلة العقلية جعلت بابا مستقلا ومثلها الادلة النقلية وايضا مهارة فيهما مختلفة اى بعض الانسان ماهر فى الدليل اللفظى وبعض آخر ماهر فى الدليل العقلى فيمكن ان يكون الشخص مجتهدا بالنسبة الى ما هو دليله لفظى دون ما هو دليله عقلى ويمكن ان يكون شخص آخر بالعكس فكان ما ذكر دليلا للتجزى فى الاجتهاد هو الدليل الاول له.

والدليل الثانى هو حكم العقل بمسبوقية اجتهاد المطلق بالتجزى والا للزم الطفرة وهى محال عادة كطى الارض والمراد

٤٠٧

منه مثلا ان الامام (ع) يأخذ يد شخص فى الشام ويرى هذا الشخص نفسه بعد الدقائق فى المكة المعظمة فالطفرة وطى الارض من المحالات العادية هو الدليل الثانى لامكان التجزى.

قوله : وبساطة الملكة وعدم قبولها التجزية لا تمنع من حصولها بالنسبة الى بعض الابواب الخ.

قد ذكر دليل المانعين للتجزى سابقا على النحو المختصر ويذكر هنا على النحو المفصل اى استدل المانعون للتجزى بوجهين.

الاول ان الاجتهاد فى المسألة يتوقف على النظر فى جميع ادلة الفقه مثلا الاجتهاد فى باب الصلاة والصوم مرتبط بالاجتهاد على جميع ابواب الفقه اى من باب الطهارة الى الديات واجيب هذا الاستدلال بان كل باب من ابواب الفقه باب مستقل ومختلف مدركا.

الوجه الثانى لمانعي التجزى انه لو امكن التجزى للزم تجزى الملكة وهو محال فالمقدم مثله اى التجزى فى الاجتهاد محال ايضا : وبيان الملازمة ان الملكة من مقولة الكيف وقد قرر فى محله انها لا تقبل القسمة والجواب اى جواب هذا الاستدلال الثانى انا نمنع الملازمة بين تجزى الاجتهاد والملكة لان التجزى فيها انما يكون فى متعلقها لا فى نفسها فلا بأس بحصول ملكة النحو دون الصرف وهو واضح واما الاجتهاد فنفسه قابل للتجزى.

٤٠٨

قوله : الثانى فى حجية ما يؤدى اليه على ما اتصف به وهو ايضا محل الخلاف الخ.

اى يبحث فى المورد الثانى عن حجية قول المجتهد المتجزى لنفسه فاختلف فيها ايضا : واما المصنف فيقول ان قضية المدارك حجية قول هذا المجتهد لنفسه لانه عالم بالنسبة الى ما ادركه ولم تكن هذه الحجية مختصة بالمجتهد المطلق مثلا ان بناء العقلاء على حجية الظواهر مطلق وكذا دليل حجية الخبر الواحد اى الدليل يقول ان الظواهر حجة مطلقا وكذا الخبر الواحد حجة مطلقا اى لا فرق بين المجتهد المطلق والمتجزى فقول المجتهد المطلق حجة لنفسه وكذا قول المجتهد المتجزى الثالث فى جواز رجوع غير المتصف به اليه فى كل مسئلة اجتهد فيها وهو ايضا محل الكلام الخ.

يبحث فى الموضع الثالث من رجوع الغير الى هذا المجتهد المتجزى وهو ايضا محل اشكال فقال بعض انه يجوز رجوع الغير اليه لانه رجوع الجاهل الى العالم فتعمه ادلة جواز التقليد وقال بعض آخر انه لا يجوز رجوع الغير اليه لعدم اطلاق الادلة اى لا يحرز من بناء العقلاء او السيرة المتشرعة جواز الرجوع الى المجتهد المتجزى ويقول المصنف وستعرف إن شاء الله تعالى ما هو قضية الادلة اى فليرجع الى ادلة جواز التقليد فان افادت هذه الادلة الاطلاق والعموم جاز رجوع الغير الى هذا المجتهد والا فلا وتجىء هذه الادلة فى فصل التقليد إن شاء الله.

قوله واما جواز حكومته ونفوذ فصل خصومته الخ.

فيبحث من قضاوة المجتهد المتجزى قال المصنف لا يبعد

٤٠٩

نفوذ حكمه اذا عرف جملة معتدة بها بحيث يصدق فى حقه عرفا انه ممن عرف احكامهم (ع) وقد مر نظير هذه المسألة فى مسئلة المجتهد المطلق المنسد عليه باب العلم والعلمى اى ذكر هناك صحة قضاوة المجتهد الانسدادى اذا صدق عليه عرفا انه عرف احكامهم «عليهم‌السلام».

قوله فصل لا يخفى احتياج الاجتهاد الى معرفة العلوم العربية فى الجملة الخ.

قد عرف الاجتهاد بانه استفراغ الوسع فى تحصيل الحكم الشرعي الفرعى وايضا عرف بانه ملكة يقتدر بها على الاستنباط الحكم الشرعي فيحتاج الاجتهاد بالتعريفين المذكورين الى العلوم الخمسة اى الصرف والنحو واللغة والتفسير وعلم الاصول.

واما احتياجه الى الثلاثة الاولى فهو ظاهر لانه محتاج الى المدارك الاربعة اى الكتاب والسنة والاجماع والعقل فان الكتاب والسنة الفاظ عربية ففهمها محتاج الى العلوم الثلاثة اى الصرف والنحو واللغة ولا يخفى ان القول اللغوى وان لم يكن حجة ولكن المجتهد محتاج الى فهم المعنى اللغوى.

وايضا الاجتهاد يحتاج الى معرفة التفسير لان ظواهر الكتاب انما تكون حجة بعد الفحص من تفسير اهل الذكر لدفع احتمال الخلاف فثبت احتياج الاجتهاد الى معرفة تفسير القرآن.

واما احتياج الاجتهاد الى علم الاصول لان استنباط الاحكام يحتاج الى قواعد برهن عليها فى الاصول اى يبحث فى المسألة الاصولية مستقلا وكذا يبحث فيها مقدمة فى نفس المسألة

٤١٠

الفرعية اى يبحث عن المسألة الاصولية فى ضمن المسألة الفرعية مثلا يقال ان صلاة الجمعة واجبة لقيام خبر الواحد على وجوبها وهو حجة.

واشار الى هذين الوجهين المصنف بقوله برهن عليها فى الاصول اى برهن على القواعد فى الاصول على نحو الاستقلال او برهن عليها مقدمة فى نفس المسألة الفرعية كما هو طريقة الاخبارى اى يبحث عن المسألة الاصولية من باب المقدمة فى نفس المسألة الفرعية فلم يكن البحث عن القواعد الاصولية بحثا مستقلا كما يقول الاخبارى ان البحث عن المسألة الاصولية انما يكون فى تحت المسألة الفرعية اذ لو كانت تلك القواعد مستقلة للزم كونها بدعة اى كان كتابة هذا البحث بدعة عند الاخبارى لان هذا البحث لم يكن فى عصر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وعصر الائمة عليهم‌السلام

فاجاب المصنف هذا الاشكال بقوله وعدم تدوينها فى زمانهم (ع) لا يوجب البدعة والا كان تدوين الفقه والنحو والصرف بدعة مع عدم هذه العلوم بدعة عند الاخبارى وايضا يقال فى الجواب ان البدعة تحتاج الى الدليل وعدم كون الشيء فى زمان النبى (ص) لم يكن موجبا للبدعة المحرمة.

ولا يخفى ان علم اصول الفقه كان موجودا فى عصر النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة (ع) ولكن كان مختصرا مثلا يقال ان الامر للوجوب والنهى للحرمة الحاصل انه لا يمكن استنباط الاحكام الشرعية الا بالرجوع الى ما بنى عليه فى المسائل الاصولية فكل مجتهد اى سواء كان اصوليا ام اخباريا لا يتمكن

٤١١

استنباط له الا بالرجوع الى المسائل الاصولية.

واما الا اخبارى فيبحثون عن المسائل الاصولية فى ضمن المسائل الفرعية وكذا بعض الاصولى كصاحب المعالم فانه كتب كتابا فى الفقه وجعل معالم الاصول مقدمة له وعرف فى اول كتاب المعالم : الفقه مع ان المناسب هو تعريف اصول الفقه وانما تصدى لتعريف الفقه دون اصول الفقه لان المقصود بالذات فى هذا الكتاب علم الفقه وانما ذكر علم الاصول من باب المبادى فلا تغفل «سلطان قدس‌سره» اى كان البحث من علم الاصول فى هذا الكتاب فى ضمن علم الفقه وقد ذكر صاحب المعالم التعريف المذكور فى اول الكتاب عند قوله الفقه فى اللغة الفهم وفى الاصطلاح هو العلم بالاحكام الشرعية الفرعية.

قوله نعم يختلف الاحتياج اليها بحسب اختلاف المسائل الخ.

قد ذكر آنفا ان المسألة الاصولية كانت فى عصر النبى (ص) والأئمة (ع) ولكن كان البحث منها فى العصر المذكور على نحو الاختصار واما الاحتياج الى المسألة الاصولية فيختلف باختلاف الازمنة والمسائل والاشخاص.

قوله فصل اتفقت الكلمة على التخطئة فى العقليات واختلف فى الشرعيات الخ.

يبحث فى هذا الفصل من التخطئة والتصويب فاختلف بين الطائفة الخاصة والعامة فى الامور الشرعية فالخاصة مخطئة والعامة مصوبة واما فى الامور العقلية فاتفقت الكلمة على

٤١٢

التخطئة بين الطائفتين وقد بين فى محله ان الضروريات والعقليات من اليقينيات.

وايضا قيل فى محله ان اليقينيات على ستة انواع بحكم الاستقراء : الاوليات والمشاهدات والتجريبيات والمتواترات والحدسيات والفطريات فالاوليات من الامور العقلية وهذه الاوليات منها ما هو جلى عند الجميع فهذا القسم منها خارج عن محل البحث.

ومنها ما هو خفى عند بعض فيقع بحث الصواب والخطاء فى هذا القسم من الامور العقلية مثلا يقول بعض ان اعادة المعدوم ممكنة بعينه ويقول آخر ان اعادته لم تكن ممكنة بعينه بل تكون بمثله فكان احد الفكرين خطاء اى ان قلنا باصابة كل منهما للواقع فيلزم اجتماع الضدين وكذا صفاته تعالى فيقول بعض ان صفاته تعالى الثبوتية عين ذاته تعالى ويقول بعض آخر ان هذه الصفات زائدة عن ذاته تعالى فاحد هذين القولين خطاء لان اجتماع الزيادة مع عدمها اجتماع النقيضين.

واما فى الشرعيات فالخاصة يقولون ان المجتهد فى مقام الاستنباط اما ان يكون حكمه صوابا واما ان يكون خطاء واما العامة فلم يقولوا بخطائه اى يقولون كل مجتهد مصيب اى يقولون بالتصويب.

واعلم ان التصويب على القسمين اى التصويب الاشعرى والمعتزلى وايضا التصويب الاشعرى على ثلاثة اقسام :

الاول ان الله تعالى علام الغيوب فجعل الحكم قبل حصول الظن للمجتهدين بعدد آرائهم.

٤١٣

الثانى اى الثانى من اقسام التصويب ما هو على النحو القضية الخارجية بان يلتزم بانشاء الاحكام على وفق آراء الاعلام بعد الاجتهاد بعبارة اخرى ان ظن المجتهد يتعلق على المظنون الخارجى وكذا علمه يتعلق على المعلوم الخارجى فجعل هذا المعلوم حكم الله تعالى.

الثالث اى القسم الثالث من التصويب هو حدوث المصلحة فيما ادى اليه ظن المجتهد بان يكون الظن حجة من باب السببية والموضوعية فهذه الاقسام الثلاثة المذكورة تصويب اشعرى. واما التصويب المعتزلى فهو ما ذكر فى الرسائل مثلا اذا قام الدليل على وجوب الشيء وقام دليل آخر على حرمته فحكم الله تعالى هو الثانى فهذا تصويب معتزلى.

ولا يخفى ان جميع اقسام التصويب الاشعرى باطل واما وجه بطلان القسم الاول منه فان الاجماع قام على بطلانه وكذا الاخبار المتواترة دالة على بطلانه فتقول هذه الاخبار ان الحكم الواقعى عن الله تعالى مشترك بين العالم والجاهل.

واما وجه بطلان القسم الثانى من التصويب الاشعرى فهو لزوم الدور لان الحكم حسب الفرض موقوف على الظن به وهو ايضا موقوف على وجود الحكم واقعا بعبارة اخرى ان الظن موقوف على الموجود الخارجى وهو موقوف على الظن فهذا القسم الثانى من المحال عقلا لاجل لزوم الدور كما قال المصنف فهو مما لا يكاد يعقل ونظير هذا ما يقال ان العلم بالحكم لا يؤخذ فى موضوعه مثلا نقول الشيء المعلوم حرام فالعلم من حيث إنّه اخذ فى الموضوع فهو موقوف عليه واما من حيث اخذه فى الحكم فهو

٤١٤

موقوف ولا يخفى ان كون شىء واحد موقوفا عليه وموقوفا به دور.

وقال شيخنا الاستاد ان امتناع القسم الثانى من التصويب الاشعرى لم يكن لاجل الدور بل امتناعه عقلا انما يكون بوجه آخر توضيحه يسأل اولا عن متعلق العلم والظن اى هل يكون العلم والظن موقوفين على وجود خارجى المعلوم والمظنون ام كانا موقوفين على وجود ذهنيهما.

والجواب ان العلم والظن موقوفين على وجود ذهنى المعلوم والمظنون لا على وجود خارجيهما فلم يكن توقف العلم والظن على الموجود الذهنى مستلزما للدور اى لم يكونا متوقفين على القضية الخارجية حتى يلزم وبعبارة اخرى ان العلم والظن كانا من لازم الماهية لا من لازم الوجود الخارجى كما يقال ان العلم صفات نفسانية وكذا معلومه فثبت ان الظن موقوف على المعلوم الذهنى لا الخارجى.

وايضا ذكر فى المنطق ان اللازم على قسمين الاول لازم الماهية كالزوجية للاربع الثانى لازم الوجود الخارجى كالحرارة للنار فكان العلم والظن لازم الماهية وايضا ان العلم والمعلوم شىء واحد فيسمى علما من حيث الوجود ويسمى معلوما من حيث كونه موجودا ذهنيا.

وقد ذكر الى هنا ان القسم الاول من التصويب الاشعرى كان معقولا ولكن قام الاجماع والاخبار المتواترة على بطلانه واما القسم الثانى منه فهو غير معقول لكونه مستلزما للدور.

فيرجع الى ما قرره شيخنا الاستاد اى قال ان بطلان القسم الثانى من التصويب الاشعرى لم يكن لاجل لزوم الدور بعبارة

٤١٥

اخرى ان الظن موقوف على وجود ذهنى المعلوم وهذا الوجود الذهنى لم يكن موقوفا على الظن فلم يكن هذا القسم من التصويب مستلزما للدور فغير معقوليته انما يكون بوجه آخر من اجتماع النقضين او الضدين كالقطع بوجود الشيء وعدمه او القطع بوجوده والظن بعدمه او بالعكس اى الظن بوجوده والقطع بعدمه فغير معقولية القسم الثانى من التصويب الاشعرى من هذه الجهة اى الظن بالوجود مع القطع بالعدم محال عقلا للزوم اجتماع النقيضين توضيح هذا المحال ان الحكم ينشأ بالظن مع القطع بعدمه فى الخارج ويعلم ما ذكر من قول المصنف فهو مما لا يكاد يعقل فكيف يتفحص عما لا يكون له عين ولا اثر الخ.

اى هذا القسم الثانى من اقسام التصويب الاشعرى مما لا يكاد يعقل لعدم امكان التفحص عما لا يكون له عين ولا اثر اى لا يمكن التفحص عن الحكم الذى هو مقطوع العدم فان التزمنا بانشاء الاحكام على وفق آراء المجتهدين مع القطع بعدمها فهو اجتماع النقيضين.

واما الجواب عن القسم الثالث من التصويب الاشعرى فيقال ان حجية الامارات انما تكون من باب الطريقية لا السببية فلا يجعل الحكم بها فكان حجيتها من باب المنجزية والمعذرية فكان الحكم الواقعى مشتركا بين العالم والجاهل.

قوله الا ان يراد التصويب بالنسبة الى الحكم الفعلى الخ.

قد علم ان الالتزام بانشاء الاحكام على وفق آراء المجتهدين لا يعقل لانه تصويب باطل الآن اراد المصنف ان يتصور التصويب

٤١٦

على وجه آخر وقد ذكر هذا الوجه الشيخ (قده) فى الرسائل فى باب حجية امارات الغير العلمية.

توضيحه ان التصويب انما يكون بالنسبة الى الحكم الفعلى لا الحكم الواقعى مثلا اذا كانت الصلاة الظهر واجبة فى الواقع ولكن قامت الامارة عند المجتهد بوجوب صلاة الجمعة فوجد فيها مصلحة راجحة على المفسدة الواقعية.

ولا يخفى ان بعد اخبار العادل بوجوبها يضمحل المفسدة الواقعية لعروض المصلحة الراجحة باخبار العادل بوجوب صلاة الجمعة فيكون اطلاق الحرام الواقعى عليها حينئذ بمعنى انها حرام لو لا الاخبار بوجوبها واما بعد الاخبار بوجوبها فهى واجبة بالفعل فالموجود بالفعل فى الفرض المزبور انما هو الوجوب فالحكم الفعلى ما ادى اليه اجتهاد المجتهد وهو مما يختلف باختلاف الآراء ولا يشترك فيه الجاهل والعالم والمشترك بينهما هو الحكم الواقعى وهو باق فى مرتبة الانشاء واشار اليه صاحب الكفاية بقوله وما يشترك العالم والجاهل فيه ليس بحكم حقيقة بل انشاء فلا استحالة فى التصويب بهذا المعنى.

وقال الشيخ فى الرسائل فى باب حجية الظن بقوله والتصويب وان لم ينحصر بهذا المعنى الا ان الظاهر بطلانه أيضا كما اعترف به العلامة فى النهاية فى مسئلة التصويب واشار صاحب المعالم الى بطلان هذا القسم من التصويب فى مقام تعريف الفقه.

توضيحه ان صاحب المعالم عرف علم الفقه بقوله الفقه فى اللغة الفهم وفى الاصطلاح هو العلم بالاحكام الشرعية الفرعية فاشكل على هذا التعريف بان الفقه اكثره من باب الظن فلا يكون

٤١٧

هذا التعريف منعكسا لخروج اكثر ابواب الفقه من هذا التعريف.

فاجاب صاحب المعالم هذا الاشكال بقوله واما الجواب عن سؤال الظن فبحمل العلم على معناه الاعم اعنى ترجيح احد الطرفين وان لم يمنع من النقيض فيعم التعريف العلم والظن.

وايضا اجاب العلامة عن هذا الاشكال بان ظنية الطريق لا ينافى قطعية الحكم اى ان الظن انما يكون فى طريق الحكم لا فى نفسه فاشكل صاحب المعالم على هذا الجواب بقوله فضعفه ظاهر عندنا أى هذا الجواب مستلزم للتصويب وهو باطل عندنا ويصح هذا الجواب عند المصوبة ولكن تبعهم فيه من لا يوافقهم فى التصويب أى اجاب هذا الجواب المذكور العلامة (قد) مع أنّه من المخطئة والتصويب باطل عنده ولكن فى جواب الاشكال وافق المصوبة غفلة عن حقيقة الحال الحاصل يقول صاحب الكفاية فلا استحالة فى التصويب بهذا المعنى المذكور ولكن صاحب المعالم يقول هذا القسم من التصويب باطل ايضا.

قوله : فصل اذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبدل الرأى الاول بالآخر الخ.

ويذكر هنا من باب المناسبة ما هو مذكور فى اول العروة الوثقى وهو ان شخصا كان مقلدا لمجتهد فمات هذا المجتهد فقلد هذا الشخص من الحيّ الذى يفتى على خلاف قول المجتهد الميت فهل تصح الاعمال الماضية التى أتاها هذا الشخص على وفق فتوى المجتهد الذى مات ام لا وكذا اذا قلد مجتهدا وعمل برأيه مدة فتبدل رأى هذا المجتهد فهل تصح اعماله الماضية ام لا مثلا

٤١٨

اذا افتى المجتهد جواز عقد النكاح بالفارسية او افتى جواز تقديم القبول على الايجاب فتبدل رأى هذا المجتهد فى هاتين المسألتين فهل تصح الاعمال الماضية التى أتاها هذا المجتهد ومقلده على وفق رأى سابقه.

والجواب ان ما مضى من الاعمال فهو صحيح وقال بعض انه اذا تبدل رأى المجتهد فلم يصح ما اوتى على وفق رأيه السابق وحكى ان العلامة اعاد الاعمال الماضية لتبدل الرأى مرات عديدة وقيل إنّه اعادها مرتين لذلك.

قد توهم متوهم بان هذا البحث تكرار لما سبق فى مباحث الالفاظ اى بحث اضمحلال الاجتهاد هو عين تبديل الرأى فيبحث عن اجزاء عمل السابق وعدم اجزائه وقد سبق هذا البحث فى مبحث الاوامر الاضطرارية.

والجواب عن التوهم المذكور ان النسبة بين هذين البحثين العموم والخصوص من وجه فمادة الافتراق بينهما ان البحث عن الاوامر الاضطرارية هو بحث عن الحكم الواقعى الثانوى.

واما مبحث الاضمحلال وتبديل الرأى انما يكون فى الاوامر الظاهرية وبعبارة اخرى انه لم يكن تبديل الرأى فى الاوامر الاضطرارية اى الرأى هو الرأى الذى كان قبل زمان الاضطرار واما اضمحلال الاجتهاد انما يكون بتبديل الرأى.

وايضا ان البحث فى السابق كان من الامر الاضطرارى واما البحث فى هذا المقام فانما يكون من اضمحلال الاجتهاد فيشمل المعاملات فلم يكن البحث فيها من البحث فى الامر المذكور واما

٤١٩

مادة الاجتماع بين المبحثين فهو وجود التنافى بين الحكم الاول والثانى.

فيرجع بعد بيان التوهم وجوابه الى ما نحن فيه اى اذا اضمحل الاجتهاد السابق بتبديل الرأى فهل كان اعماله السابقة مجزية ام لا.

فيقال فى الجواب ان القاعدة الاولية تقتضى بطلان الاعمال السابقة لوجود الخلل فيها بحسب الاجتهاد اللاحق اى لم تكن الاعمال السابقة موافقة لحكم الله تعالى بل كان حكمه تعالى ما هو موافق للاجتهاد الثانى مثلا اذا اتى المجتهد صلاة الجمعة عشر سنوات وحصل له بعد هذه المدة القطع بوجوب صلاة الظهر او قامت الامارة على وجوبها فصلاة الجمعة باطلة بحسب القاعدة الاولية لعدم جعل الحكم بالقطع او باقامة الامارة.

وبعبارة اخرى ان القطع بالشىء لا يكون موجبا لايجاد المصلحة ولا يخفى ان حجية الامارة فى هذا المورد انما تكون من باب الطريقية لا السببية فان كانت حجيتها من باب السببية فيلزم التصويب الباطل لجعل الحكم على طبقها واما فى صورة القطع بالشىء او اقامة الامارة من باب الطريقية فلا يجعل الحكم ولكن الحكم الاولى فهو محفوظ فلا بد من اعادة الاعمال السابقة بمقتضى القاعدة الاولية اى تقول هذه القاعدة بعدم صحة الاعمال السابقة لعدم جعل الحكم وعدم ايجاد المصلحة.

واما القاعدة الثانوية فتدل على صحة الاعمال السابقة التى اوتيت على وفق الاجتهاد الاول مثلا لا تعاد الصلاة الا فى الخمسة اى لا تعاد الصلاة الواقعة على وفق الاجتهاد الاول وان اختل

٤٢٠