هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

فلا فائدة فى ضميمة الشيء الخارجى معه فيقول المصنف ان اقوائية الشيء انما كان فى نفسه ولا تعطى المزية للشيء بالشىء الخارجى.

واما الشيخ فيقول ان الشيء الخارجى يصير سببا لايجاد المرتبة فى شىء آخر مثلا يصير الخبر مطابقا للواقع بتوسط الشهرة أى وجدت المرتبة فى نفس الخبر لاجل الشهرة ولكن المصنف لم يقبل هذا اى يقول ان الشيء الخارجى كالحجر فى جنب الانسان.

قوله : مطابقة احد الخبرين لها لا يكون لازمه الظن بوجود الخلل فى الآخر الخ.

هذا جواب عن السؤال حاصله ان الخبر الموافق للامارة الخارجية خالية عن الظن بالخلل اما الخبر المخالف للامارة الخارجية فيوجد فيه الظن بالخلل وبعبارة اخرى ان الملازمة ثابتة بين موافقة احد الخبرين للامارة الخارجية وبين الظن بوجود الخلل فى الخبر المخالف للامارة الخارجية من حيث الصدور او من حيث الجهة فيصير الخبر الموافق للامارة الخارجية اقوى من غيره ويقدم عليه.

والجواب اى جواب السؤال المذكور انه ليست الملازمة بين مطابقة احد الخبرين للامارة الخارجية وبين الظن بوجود الخلل فى الخبر المخالف للامارة الخارجية وجه عدم الملازمة ان الخبر الموافق قد اجتمع مع الخبر المخالف الذى هو قطعى الصدور اى حصل القطع بوجود جميع ما اعتبر فى حجية هذا الخبر اى نقطع ان الخبر المخالف للامارة الخارجية مطابق الواقع فلا يمكن الظن بوجود الخلل فى هذا الخبر مقطوع الصدور هذا كما اذا

٣٨١

حصل القطع فيه بوجود شرايط الحجية فلا يحصل بعد هذا القطع الظن بخلاف هذا المقطوع.

وهنا كلام آخر لترجيح الخبر الموافق وهو ان الشيخ يقول ان الخبر اذا كان موافقا للامارة الخارجية مثلا كان الخبر موافقا للشهرة حصل الظن بصدق هذا الخبر فى الواقع فيصير اقوى من غيره.

والجواب انه لا مدخلية للصدق الواقعى فى حجية الخبر وكذا لا مدخلية للكذب الواقعى فى عدم حجيته.

الحاصل ان الشيخ اراد ان يثبت الاقوائية للخبر الموافق للامارة الخارجية واستدل على اثبات الاقوائية للخبر الموافق قال المصنف ان الامارة الخارجية لم تكن موجبة للاقوائية قد ذكر كلام الشيخ والمصنف «قدس‌سرهما» مفصلا.

قوله : واما ما ليس بمعتبر بالخصوص لاجل الدليل على عدم اعتباره الخ.

هنا البحث فى القسم الثانى من المرجحات الخارجية وقد ذكر القسم الاول منها اى اذا كان احد الخبرين موافقا للشهرة فهل كانت موجبة للاقوائية هذا الخبر ام لا وقد ذكر ان الشهرة داخلة تحت القاعدة الاولية ولكن لم تقم الادلة الخاصة على عدم حجيتها.

الآن يبحث عن القسم الثانى اى اذا كان احد الخبرين موافقا للقياس فان هذا القسم داخل تحت الاصل الاولى وايضا قام الدليل الخاص على عدم حجيته اى قام الدليل الخاص على عدم حجية القياس فلم يكن موجبا لاقوائية الخبر وان قلنا ان الشهرة

٣٨٢

موجبة للاقوائية اى هذا لا ينفع فى حال القياس لورود المنع فى العمل بالقياس.

ان قلت ان النهى عن العمل بالقياس انما ورد فى المسألة الفرعية ونحن نبحث عن المسائل الاصولية فلا ضرر فى العمل بالقياس فى المسألة الاصولية فيجوز ان يكون القياس موجبا للاقوائية فى هذه المسألة.

قلت : ان الترجيح احد الخبرين بالقياس فى المسألة الاصولية خطره أكثر من ترجيحه به فى المسألة الفرعية لان ترجيح احد الخبرين بالقياس فى المسألة الفرعية موجب للفساد فى هذه المسألة الواحدة واما الترجيح بالقياس فى المسألة الاصولية فان كان هذا القياس خطاء فهو مستلزم للمفسدة الكثيرة بعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية اگر در يك مسئله اصوليه عمل بقاس شود وآن قاس خطاء باشد هزاران سر بريده مى شود.

قوله وتوهم ان حال القياس هاهنا ليس فى تحقق الاقوائية به الخ.

قد ذكر انه وان قلنا ان احد الخبرين يرجح بالقسم الاول من المرجحات الخارجية اى الشهرة لكن لا نقبل هذا الترجيح فى القسم الثانى منها اعنى لا نقبل ترجيح احد الخبرين بالقياس لقيام الدليل الخاص على المنع عن حجيته فيتعارض بين النهى عن القياس وبين الدليل الذى يدل على التعدى الى المرجحات غير المنصوصة فيقدم النهى عن القياس على دليل التعدى فلا يجوز الترجيح بالقياس.

فقال المتوهم انا سلمنا عدم جواز القياس فى الاحكام ولكن

٣٨٣

يجوز فى الموضوعات مثلا اذا اشترى شخص من الدكان شيئا فهو يشترى منه شيئا فى الزمان الثانى ايضا : فكان هذا الاشتراء لاجل القياس فى الزمان الاول فيقول المتوهم ان مورد بحثنا هو القياس فى الموضوع فلا اشكال فيه مثلا ثبت اصل حجية الخبر بالدليل واما القياس فيجيء لتنقيح الموضوع اى يسوى الاقوائية بالقياس واما حجية الخبر الموافق للقياس فثبت قبلا.

وقد ذكر فى الاصول مبحث الاستحسانات والمراد منها الادلة التى تقتضى ترجيح القياس مثلا يقال ان الاشياء غير متناهية فمحال ان يدخل غير المتناهى فى المتناهى اى الاشياء التى جاء الدليل لها هى غير متناهية واما الادلة فهى متناهية وهذا محال للزوم دخول غير المتناهى فى المتناهى فلا بد من العمل بالقياس لدفع هذا المحال ولا يخفى ان هذا قول العامة فلا يجوز القياس فى الاحكام عندنا.

واما القياس فى الموضوعات فيصح عندنا فى الموضوعات الصرفة اى لم يكن مدخل لهذه الموضوعات فى المسألة الدينية ولكن القياس فى مقام البحث لم يكن من الموضوعات الصرفة بل له مدخل فى المسألة الاصولية وان سلمنا القياس فى الموضوعات ولكن يرجع هذا القياس فى هذا المورد الى المسألة الاصولية مثلا يصير احد الخبرين بتوسط القياس حجة وقد ذكر ان خطر القياس فى المسألة الاصولية اكثر منه فى المسألة الفرعية.

فائدة القياس على ثلاثة اقسام : الاول القياس فى اللغة وهو لا يصح عند كل من العامة والخاصة الثانى : القياس فى الاحكام وهو يصح عند العامة دون الامامية. الثالث القياس فى الموضوعات

٣٨٤

وهو يصح عند العامة والخاصة مثلا اذا حصل الظن بالقياس فى موضوع فهو صحيح.

وقد سبق نظير هذا فى دليل الانسداد اى يقول القائلون بالانسداد ان الظن فى زمانه كالقطع فالقطع حجة مطلقا حتى يحصل من القياس فيسأل عن الانسدادى لم : لم يجعل الظن الحاصل من القياس حجة عندكم فيقال فى الجواب ان مرادنا من الظن الذى صار كالقطع فى زمان الانسداد هو الظن فى الموضوعات لا الاحكام فنقول فى هذا المورد ايضا : ان حصل الظن فى الموضوعات من القياس فلا اشكال فى حجية هذا الظن.

قوله واما اذا اعتضد بما كان دليلا مستقلا فى نفسه كالكتاب والسنة القطعية الخ.

كان الكلام فى الخبرين المتعارضين وقد ذكر انه اذا كان احدهما موافقا للامارة الخارجية فهى تتصور على اربعة اقسام :

الاول منها ما لم يقم الدليل الخاص على عدم حجيته وان كان داخلا تحت القاعدة الاولية مثلا اذا كان احد الخبرين موافقا للشهرة فهى صالحة للمرجحية.

الثانى منها ما قام الدليل الخاص على عدم حجيته مثلا اذا كان احد الخبرين موافقا للقياس فالدليل الخاص قام على عدم حجيته فلا يصلح للمرجحية لان الدليل يمنع عن حجية القياس.

الثالث اى القسم الثالث من المرجحات الخارجية وهو ما كان دليل مستقلا كالكتاب والسنة القطعية مثلا اذا كان احد الخبرين موافقا للكتاب او السنة المتواترة اى اذا اعتضد احد الخبرين بهما.

٣٨٥

ولا يخفى ان المصنف غيّر العنوان فى هذا القسم الثالث وقد عنون القسم الاول والثانى بعنوان طابق ووافق اى قال فصل موافقة الخبر لما يوجب الظن بمضمونه وكذا قال ومطابقة احد الخبرين للامارة فيقول فى القسم الثالث واما اذا اعتضد احد الخبرين بما كان دليلا مستقلا.

واما وجه تغيير العنوان فان القسم الاول والثانى اى الشهرة والقياس لم يكونا دليلا مستقلا لان دليل الحجية لم يشملهما فلم يكونا حجة حتى يكونا معاضدا واما الكتاب والسنة فهما دليل مستقل ويشملهما دليل الحجية فيطلق عليهما المعاضد فاذا كان احد الخبرين موافقا للكتاب او السنة المتواترة فهل يرجح هذا بهما ام لا فيقال ان هذا يتصور على ثلاثة اقسام :

الاول ان يكون من نسب الاربع بين الخبر المخالف والكتاب التباين فهو خارج عن محل البحث لعدم حجية الخبر المخالف للكتاب وقال الشيخ فى الرسائل والاخبار الواردة فى طرح الاخبار المخالفة للكتاب والسنة متواترة كثيرة اى قال ابو جعفر عليه‌السلام ما جاءكم عنا حديث فان وجدتموه موافقا للقرآن فخذوه وان لم تجدوه موافقا فردوه وقال الصادق عليه‌السلام كل شيء مردود الى كتاب الله والسنة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف اى كلام باطل.

وذكر الشيخ مثالا للخبر المخالف نحو يجب اكرام زيد العالم ويقول الخبر الآخر يحرم اكرام زيد العالم ويقول الكتاب يجب اكرام زيد العالم فلو لم يكن الخبر الموافق فى الفرض المذكور لكان الكتاب كافيا فى وجوب اكرام زيد العالم فليس المثال

٣٨٦

المزبور من باب اعتضاد الخبر الموافق بالكتاب بل كان ما ذكر من باب طرح الخبر المخالف اى كان هذا الخبر المخالف للكتاب زخرفا.

الثانى ان يكون من النسب الاربع بين الخبر والكتاب العموم والخصوص مطلقا مثلا كتاب يقول اكرم العلماء وكذا الخبر الموافق واما الخبر المخالف فيقول يحرم اكرام زيد العالم فيقال فى هذا القسم ان لم يكن المعارض للخبر المخالف فيخصص هذا الخبر المخالف عموم الكتاب قد سبق فى مباحث الالفاظ ان لم يكن الخبر مخصصا لعموم الكتاب فيشكل الامر.

واما فى هذا المورد فلم يكن الخبر المخالف مخصصا للكتاب لوجود المعارض اى الخبر الموافق للكتاب فهو معارض للخبر المخالف له فيدور الامر بين ان يرجح الخبر الموافق بالكتاب وبين ان يكون الخبر المخالف مخصصا للكتاب تعيينا او تخييرا اى يجوز تخصيص الكتاب بهذا الخبر المخالف فى صورة وجود المرجح لهذا الخبر مثلا اذا وجد الخبران اللّذان كان احدهما موافقا للكتاب والآخر مخالفا له فان وجد للخبر المخالف مرجح فهو مخصص للكتاب تعيينا.

واما اذا وجد المرجح لكل من الخبر الموافق والمخالف فالخبر المخالف مخصص للكتاب تخييرا اى يساوى الخبر المخالف مع الكتاب فى هذا المورد فالحكم بين المتساويين هو التخيير اعنى كان المكلف مخيرا بين تقديم الخبر المخالف وبين تقديم الكتاب.

ويحتمل ان يرجح الخبر الموافق فى صورة تعارض بينه وبين الخبر المخالف ولكن اشار صاحب الكفاية الى عدم كون

٣٨٧

هذا المورد من باب الترجيح بقوله الا ان الاخبار الدالة على اخذ الموافق من المتعارضين غير قاصرة عن العموم لهذه الصورة فيقال ان الاخبار العلاجية انما تكون فى مقام تمييز الحجة عن اللاحجة مثلا قال الصادق (ع) وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف وكذا الاخبار الواردة فى طرح الاخبار المخالفة للكتاب فان هذه الاخبار كانت فى مقام بيان الحجة عن لا الحجة اى تدل هذه الاخبار على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب من اصله فلا تكون هذه الاخبار فى بيان ترجيح احد الخبرين المتعارضين.

ولا يخفى ان مورد الترجيح انما يكون بعد حجية الخبرين المتعارضين فيقول صاحب الكفاية فانهما تفرغان عن لسان واحد وبعبارة شيخنا الاستاد فانهما يشربان اللبن من ضرع واحد اى مقام تعارض الخبرين فى صورة مخالفة احدهما للكتاب ومقام تعيين الحجة عن اللاحجة يشربان الماء من عين واحد.

قال المصنف فلا وجه لحمل المخالفة فى احدهما على خلاف المخالفة الاخرى.

اى اذا شرب هذان المورد ان اللبن من ضرع واحد فلا وجه لحمل المخالفة فى احدهما الخ. اى فلا وجه بان يحمل الخبر المخالف للكتاب على عدم الحجية فى باب تعيين الحجة عن اللاحجة واما فى باب تعارض الخبرين فيحمل الخبر المخالف للكتاب على المرجوحية فلعدم الفرق فى البابين يحمل الخبر المخالف فى باب تعيين الحجية على عدم الحجية وكذا يحمل الخبر المخالف للكتاب على عدم حجية من اصله فى باب تعارض الخبرين.

الحاصل ان باب تعارض الخبرين فى صورة موافقة احدهما

٣٨٨

للكتاب وباب تعيين الحجة عن اللاحجة يشربان اللبن من ضرع واحد اى الاخبار العلاجية تدل على عدم حجية الخبر المخالف للكتاب من اصله فتشمل هذه الاخبار مورد تعارض الخبرين ومورد تعيين الحجة عن اللاحجة فتقول الاخبار العلاجية ان الخبر المخالف للكتاب لم يكن حجة من اصله.

وبعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية اخبار علاجية مى گويد بايد خبر مخالف كتاب انداخته شود اى از اول اين خبر حجة نيست. فلم يكن ما ذكر موردا للترجيح لان مورده انما يكون بعد حجية الخبرين المتعارضين واما الخبر المخالف للكتاب لم يكن حجة من اصله قد كرر هذا المبحث تبعا لشيخنا الاستاد.

قوله : اللهم الا ان يقال نعم الا ان دعوى اختصاص هذه الطائفة الخ.

قد ذكر آنفا ان الاخبار العلاجية تشمل الموارد الثلاثة اى سواء كان بين الكتاب والخبر المخالف المبائنة الكلية ام العموم والخصوص مطلقا ام من وجه فتدل الاخبار المذكورة على عدم حجية الخبر المخالف فى جميع الموارد المذكورة.

واما بعد ما ذكر فيقول اللهم الا ان يقال اى يقول ان الاخبار العلاجية لا تشمل المورد الذى كان بين الكتاب والخبر المخالف العموم والخصوص مطلقا فيشمل دليل الحجية هذا الخبر ولكن يرجح الخبر الموافق على المخالف فتختص الاخبار العلاجية بما اذا كانت المخالفة بالمباينة اى تختص الاخبار المذكورة فى المورد الذى وجد التباين بين الكتاب والخبر المخالف.

٣٨٩

واما الخبر المخالف الغير المباين فيقطع بصدوره كثيرا ولكن يرجح الخبر الموافق عليه فتقول الاخبار المذكورة ما خالف قول ربنا لم اقله او زخرف او باطل واما الخبر المخالف الغير المباين فلا يصدق عليه ما خالف ربنا ولا يخفى ان مثل هذا الخبر آب عن التخصيص اى لا يصح ان يقال ان الخبر الغير المباين وان لم يكن ما خالف قولنا فهو زخرف او باطل ايضا.

ولا يخفى ان قوله غير بعيدة خبر لقوله ان دعوى اختصاص هذا الطائفة.

واعلم ان مورد استعمال اللهم انما يكون فى المورد الذى قبل فيه شخص شيئا واما بعد هذا فاستعان عن الله تعالى فى اثبات مقصوده مثلا قال المصنف هنا ان الاخبار العلاجية تشمل المورد الذى كان فيه بين الكتاب والخبر المخالف العموم والخصوص مطلقا.

واما بعد هذا فيقول اللهم الا ان يقال الخ اى لا تشمل الاخبار العلاجية المورد المذكور بل يصح ان يرجح الخبر الموافق على المخالف واما اذا كان بين الكتاب والخبر المخالف العموم والخصوص من وجه فالظاهر ان هذه الصورة كالصورة الاولى اى يثبت التباين الجزئى بين الكتاب والخبر المخالف فلم يكن هذا الخبر حجة اى يصدق على الخبر المخالف فى هذه الصورة ما خالف قول ربنا.

قوله : واما الترجيح بمثل الاستصحاب كما وقع فى كلام غير واحد من الاصحاب الخ.

اى اذا كان احد الخبرين المتعارضين موافقا للاصل فهل يرجح بتوسط هذا لاصل ام لا والمراد من الاصل فى هذا المورد

٣٩٠

هو الاستصحاب فيقول المصنف ان الاستصحاب انما يعتبر تعبدا من باب الاخبار فهو وظيفة للشاك فلا وجه لترجيح الخبر الموافق به لان الاصول انما تقع فى المرتبة الثالثة فتكون رتبة مؤخرة عن الامارات فلا يقع الشيء المؤخر مرجحا لما هو مقدم.

الحاصل ان الاستصحاب وقع فى المرتبة الثالثة واما دليل حجية الاستصحاب اى لا تنقض اليقين بالشك فوقع فى المرتبة الثانية لان هذا الدليل من الامارات وهى تقع فى المرتبة الثانية.

فان قلت ما الفرق بين الخبر الذى يقول ان هذا واجب او احرام وبين الخبر الذى يقول لا تنقض اليقين بالشك اى يدل هذا الخبر على حجية الاستصحاب فيكون هذا الخبر فى المرتبة الثانية فيصح ان يكون الاستصحاب مرجحا للخبر الموافق له.

والجواب ان الاخبار التى وقعت فى المرتبة الثانية تسوى الحكم اى درست مى كند اين اخبار نفس حكم را كه مثل وجوب وحرمة باشد. واما نحو لا تنقض اليقين بالشك انما يسوى الاصل الكلى اى يقول الاستصحاب حجة ولا يقول فلان شيء واجب او حرام اى سلمنا وقوع هذا الخبر اى لا تنقض اليقين فى المرتبة الثانية واما الاصل الكلى اى الاستصحاب فهو واقع فى المرتبة الثالثة فلا يسوى هذا الدليل الحكم بل يسويه القاعدة الكلية وهذه القاعدة فى المرتبة الثالثة فلا فائدة لها بكون دليلها فى المرتبة الثانية.

وقال المصنف فى المجلد الاول من هذا الكتاب حين الشروع فيه وبعد فقد رتبت على مقدمة والمقاصد الثمانية والخاتمة وهذا آخر بحث المقاصد المذكورة ويليه البحث فى الخاتمة إن شاء الله الحمد لله رب العالمين.

٣٩١

بسم الله الرحمن الرحيم

«واما الخاتمة فهى فيما يتعلق بالاجتهاد والتقليد»

قوله فصل الاجتهاد لغة تحمل المشقة الخ.

اى هذه الخاتمة فى بيان الاجتهاد والتقليد اى فى بيان تعريفهما ولم يكن هذا البحث فى الرسائل ولكن كتب فى تقريراته من بعض تلاميذه ويسمى البحث المذكور الخاتمة لعدم كونه من المباحث الاصولية بل كان هذا البحث من المباحث الفرعية ولا يخفى ان نفس الاجتهاد لم يكن موضوع الحكم بل موضوعه انما هو الفقيه والعارف فالبحث من الاجتهاد هو البحث من العارف اى الاجتهاد فى الاصطلاح موافق العارف واما الاجتهاد لغة تحمل المشقة اى الاجتهاد من الجهد بالضم والفتح بمعنى المشقة كما عن بعض اهل الفقه واما بناء على كونه بالضم الطاقة وبالفتح بمعنى المشقة كما عن بعض آخر فيتردد الاجتهاد بين كونه بمعنى صرف الطاقة وبين كونه تحمل المشقة «مشكينى قده».

واما الاجتهاد اصطلاحا كما عن الحاجبى والعلامة فهو استفراغ الوسع فى تحصيل الظن بالحكم الشرعي اى ينتهى الفقيه طاقته فى تحصيل الحكم الشرعي والتعريف الآخر للاجتهاد

٣٩٢

اصطلاحا هو ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعى فهل يشترط ان يكون هذا التعريف مطردا ومنعكسا والمراد من الاطراد ان المعرف بالكسر لا يشمل الا افراد المعرف بالفتح اى يمنع المعرف عن دخول الغير والمراد من الانعكاس هو ان يشمل المعرف جميع افراد المعرف «بالفتح».

وبعبارة اخرى ان المراد من كون المعرف مطردا ومنعكسا هو ان يكون المعرف (بالكسر) مساويا للمعرف (بالفتح) فى الصدق ولكن المعرف هو الاجلى فى نظر العقل فاجاب المصنف بقوله ولا يخفى ان اختلاف عباراتهم فى بيان معناه اصطلاحا الخ.

اى ولا يخفى ان اختلاف بين المعرف والمعرف فى هذا التعريف لم يكن موجبا للاختلاف فى حقيقة الاجتهاد لان هذا التعريف لم يكن تعريفا حقيقيا بل كان هذا المقام تعريفا لفظيا فلم يشترط فى هذا التعريف ان يكون المعرف (بالكسر) مساويا للمعرف بالفتح فدفع اشكال عدم الاطراد والانعكاس فان كان المراد تعريفا حقيقيا فيرد الاشكال فى كل من التعريفين المذكورين.

واما الاشكال فى تعريف العلامة «قدس‌سره» فانه لم يكن مطردا لدخول الظن الغير المعتبر فى هذا التعريف اى يشمل هذا التعريف كل قسمين من الظن مع ان تحصيل الظن الغير المعتبر لم يكن اجتهادا وكذا يشمل هذا التعريف اصول العقائد مع انها انما تجب عقلا ولا يكفى فيها تحصيل الظن.

وايضا لم يكن هذا التعريف منعكسا اى لم يكن جامعا لخروج القطع بالحكم الشرعي مع أنّه من الاجتهاد وكذا يخرج من هذا

٣٩٣

التعريف الظن الغير الفعلى واما الاشكال فى التعريف الثانى اى عرف الاجتهاد بالملكة التى يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي الفرعى من الاصل فيشمل هذا التعريف الملكة التى تحصل من الاصل غير المعتبر مع ان هذه الملكة ليست اجتهادا.

ويقال فى الجواب ان كان التعريف بالحد او الرسم فيشترط ان يكون جامع الافراد ومانع الاغيار وقد ذكر فى المنطق ان التعريف اما ان يكون بالحد واما ان يكون بالرسم وان كان المراد هذا القسم من التعريف فلا بد ان يكون جامعا ومانعا ولكن المراد من التعريف هنا هو التعريف اللفظى اى المراد تفسير مدلول اللفظ فيمكن فى هذا القسم من التعريف ان يكون المعرف (بالكسر) اعم من المعرف (بالفتح) او اخص منه فالمراد هو التعريف اللغوى كسعدانة نبت والحيوان فرس.

فيذكر هنا ما قرره شيخنا الاستاد فى هذا المقام وهو انه ليس لنا التعريف الحقيقي لان هذا التعريف انما يكون بالذاتى والذاتيات وهما مخفية لنا وان قيل فى المنطق ان الناطق ذاتى والماشى عرضى ولكن ليس الفرق بينهما.

وقد ذكر فى باب المشتق انا لا نعرف الذاتى حتى نعرف الشيء بذاتياته واما : ما يقال ان الناطق ذاتى فهو انما يكون باعتبار المعتبر اى كان هذا الاعتبار للتمرين ولا يخفى ان ما ذكر فى الفقه فى تعريف البيع والاجارة ونحوهما هو تعريف لفظى فلا مورد للبحث عن الاطراد والانعكاس فى هذا التعريف.

وايضا قال سيد شريف (قده) ان فهم حقيقة الاشياء مشكل اى

٣٩٤

قال ان الاشياء على قسمين اى اما تكون مخلوقة لله تعالى واما تكون مخلوقة لنا فما يكون مخلوقة له تعالى فمعرفته مشكل واما الموضوعات التى كانت مخلوقة لنا فمعرفتها سهل وما يقال انه لا يعلم حقيقة الاشياء الاعلام الغيوب فهو مختص بمجعولاته تعالى.

قوله فافهم هذا اشارة الى التفصيل الذى ذكر فى كلام سيد شريف اى الموضوعات التى كانت عن جانب علام الغيوب سلمنا ان درك حقيقتها مشكل واما الشيء الذى كان مجعولا لنا فيمكن ان نعرفه بالحد والرسم.

قوله وكيف كان فالاولى تبديل الظن بالحكم بالحجة عليه الخ.

اى كيف كان تعريف الاجتهاد فالاولى تبديل كلمة الظن بكلمة الحجة اى يقال ان الاجتهاد هو استفراغ الوسع فى تحصيل الحجة بالحكم الشرعي وجه الاولوية ان الاخباريين لم يقبلوا تحصيل الظن بالاحكام فيقولون ان كان المراد من الاجتهاد تحصيل الظن بالحكم الشرعي فلا فائدة فيه.

واما ان قلنا ان الاجتهاد هو استفراغ وسع فى تحصيل الحجة فلم يكن لهم الإباء والامتناع فى الاجتهاد بالنسبة الى هذا التعريف اى لم يقبل الاخباريون تحصيل الظن بالحكم الشرعي واما تحصيل الحجة بالحكم الشرعي فهو مورد قبولهم.

ولكن النزاع الصغروى موجود وان بدلنا كلمة الظن بكلمة الحجة اى يجرى النزاع فى حجية الشيء وعدم حجيته وهذا النزاع بين الاخباريين موجود ايضا اى بعضهم يقول الشيء الفلانى حجة ويقول بعض آخر منهم ان هذا الشيء لم يكن حجة

٣٩٥

واما النزاع من حيث الكبرى فلم يكن بين الاخباريين فان كون الاجتهاد بمعنى تحصيل الحجة مقبول عندهم واشار الى هذا المصنف بقوله ولذا لا شبهة فى كون استفراغ الوسع فى تحصيل غيره من افرادها الخ.

اى اذا ثبت ان المراد من الاجتهاد هو تحصيل الحجة فلا شبهة فى كون استفراغ الوسع فى غير الظن كاستفراغ الوسع فى تحصيل الحجية من العلم بالحكم او غيره اى او كانت هذه الحجة غير العلم كالشيء الذى جعل حجة من باب التعبد ولم يكن مفيدا للظن ولو نوعا اى فلا شبهة فى كون استفراغ الوسع المذكور اجتهادا وان لم يكن فى هذا المورد تحصيل الظن ولو نوعا ولا يخفى ان قوله اجتهادا ايضا خبر لقوله فى كون استفراغ الوسع الخ.

اى لا شبهة فى كون استفراغ الوسع فى تحصيل الحجة اجتهادا ايضا وان لم تكن هذه الحجة مفيدة للظن.

قوله وعن غيرهما ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي ـ فعلا او قوة قريبة الخ.

هذه الجملة مذكورة فى الصفحة ٤٢٢ واعلم ان قوله فعلا وقوة قيد لاستنباط الاحكام لا الملكة لانها لتكون فعلية ولكن استنباط الحكم الشرعي اما يكون فعلا واما يكون قوة واما اذا كان هذا الاستنباط بالقوة فلتكن قريبة لان القوة البعيدة يمكن ان تحصل لعوام الناس ايضا : ويرد هنا الاشكال فى قوله بل انما كانوا فى مقام شرح اسمه والاشارة اليه بلفظ آخر الخ.

٣٩٦

قال المصنف ان تعريف الاجتهاد لم يكن تعريفا حقيقيا اى ليس هذا التعريف بالحد او الرسم بل كان المقام من باب التعريف اللفظى والشر والشرح الاسمى.

فاشكل شيخنا الاستاد ان شرح الاسم تعريف حقيقي فيشترط فيه ان يكون جامعا ومانعا واما التعريف الحقيقي فان كان قبل الوجود فيسمى شرح الاسم وان كان بعد الوجود فيسمى الحد والرسم وقال شيخنا الاستاد فى دفع الاشكال ان العبارة المذكورة لم تكن من المصنف بل كانت هذه العبارة من الناسخ فثبت ان شرح الاسم لم يكن تعريفا لفظيا والتعبير المذكور انما كان عن الناسخ.

قوله فصل ينقسم الاجتهاد الى مطلق وتجز الخ.

وقد عرف الاجتهاد بتعريفين : الاول ان الاجتهاد هو استفراغ الوسع فى تحصيل الظن بالحكم الشرعي. والثانى : انه ملكة يقتدر بها على استنباط الحكم الشرعي ويبحث فى هذا الفصل عن اجتهاد المطلق والتجزى فالاجتهاد المطلق هو ملكة يقتدر بها فى الاستنباط فى جميع الاحكام الشرعية اى من الطهارة الى الحدود والقصاص والديات وقد ذكر فى معالم الاصول.

واما التجزى فى الاجتهاد فهو ملكة يقتدر بها فى استنباط بعض الاحكام الشرعية مثلا يقتدر فى استنباط الاحكام فى باب الصلاة والصوم ولكن اشكل عليه بان هذين البابين مرتبطا فى بقية ابواب الفقه اى كان هذان البابان مرتبطين الى آخر ابواب الفقه.

وقد ذكر هذا الاشكال المذكور فى المعالم عند قوله اما على

٣٩٧

على القول بعدم تجزى الاجتهاد فظاهر اذ لا يتصور على هذا التقدير انفكاك العلم ببعض الاحكام اى كان المراد من هذه العبارة ارتباط جميع ابواب الفقه فى استنباط الاحكام الشرعية فلم يصدق استنباط الاحكام بالنسبة الى بعض الاحكام فثبت من البيان المذكور عدم التجزى فى الاجتهاد وعدم المجتهد المتجزى.

واما الاجتهاد المطلق فاشكل عليه بعض فى امكانه من حيث الوقوع اى لا اشكال فى امكانه الذاتى وانما الاشكال فى امكانه الوقوعى فلم يقع الاجتهاد المطلق من الاعلام لانهم يقولون فى اكثر موارد وفيه تردد واشكال وفيه احوط فما ذكر دليل على عدم وقوع الاجتهاد المطلق.

والجواب ان هذا المجتهد عالم بالحكم الفعلى من حيث العلم او العلمى واما فى صورة عدمهما فيرجع الى الاصول العملية فيكشف بها الحكم الظاهرى.

واعلم ان الاحكام الثلاثة للمجتهد المطلق الاول يجوز له العمل باجتهاده ولا يجوز له تقليد غيره : الثانى انه يجوز للغير ان يقلد منه : الثالث أن تكون قضاوته نافذة فيبحث من هذه الموارد الثلاثة.

فكان البحث اولا فى تقليد المجتهد من غيره فيقال انه يحرم عليه تقليد غيره فى صورة مخالفة فتواه لفتوى غيره فيحرم لهذا المجتهد تقليد غيره فى هذه الصورة لان هذا الغير كان جاهلا بالنسبة الى هذه المسألة عنده واما فى صورة الموافقة فى الفتوى بينهما فلا معنى لرجوع هذا المجتهد الى غيره.

الحاصل انه لا اشكال فى جواز عمل المجتهد المطلق باجتهاده

٣٩٨

واما تقليد الغير من هذا المجتهد فلا اشكال فيه ايضا : اذا كان المجتهد انفتاحيا واما اذا كان انسداديا فجواز تقليد الغير عنه فى غاية الاشكال.

واعلم انه اذا كان باب العلم والعلمى عند المجتهد منسدا فالظن حجة عنده ولا يخفى ان حجية الظن حينئذ اما ان يكون من باب الحكومة واما ان يكون من باب الكشف والمراد من الحكومة ان يقول دليل الانسداد ان الامتثال الظنى واجب عليك لا الواقع اى ما وجب عليك الامتثال الواقعى واما المراد من الكشف فهو ان يكشف من مقدمات الانسداد ان الشارع جعل الظن حجة لك فى زمان انسداد بالعلم والعلمى.

فنرجع الى ما نحن فيه اى اذا كان المجتهد انسداديا فلم يجز تقليد الغير منه لان هذا المجتهد جاهل واما وجه جهله فان المراد من الاجتهاد هو استنباط الاحكام بالادلة فلا دليل للمجتهد الانسدادى.

ان قلت ان دليل الانسداد ثابت لهذا المجتهد فاقول ان مقدمات الانسداد تدل على حجية الظن لنفسه لا على غيره فيحتاج جواز تقليد الغير من هذا المجتهد الى الدليل الذى يدل على حجية هذا الظن للغير ايضا مثلا قام الاجماع على ان هذا الظن حجة للغير كحجيته للمجتهد الانسدادى او دلت مقدمات الانسداد على حجية الظن لهذا المجتهد ولمقلده ايضا.

فلا مجال لدعوى الاجماع فى هذا المورد لان مسئلة الانسداد من المستحدثات والمسألة المستحدثة ليست موردا للاجماع.

واما مقدمات الانسداد فلا تجرى فى هذا المقام بالنسبة الى مقلد هذا المجتهد لان من جملة مقدمات الانسداد بطلان التقليد

٣٩٩

وبطلان الاحتياط الكلى وهما غير باطلان فى المقام لان المجتهد غير منحصر فى هذا المجتهد الانسدادى فيمكن تقليده من المجتهد الانفتاحى والتقليد انما يكون باطلا من المجتهد الانسدادى فى صورة الانحصار واما مع عدمه وامكان المجتهد الانفتاحى فيجوز التقليد منه واما الاحتياط فلم يكن باطلا وان كان مستلزما للعسر لعدم المحذور العقلى فى العمل به.

قوله : نعم لو جرت المقدمات كذلك الخ.

اى ذكر عدم تمامية مقدمات الانسداد بالنسبة الى الغير لامكان تقليده من المجتهد الانفتاحى وامكان العمل بالاحتياط فلا يكون الظن الحاصل من مقدمات الانسداد حجة لهذا المقلد.

ولكن لو تمت مقدمات الانسداد بان انحصر المجتهد بهذا الشخص الانسدادى ولزم من العمل بالاحتياط المحذور العقلى او العسر مع اقامة الدليل على عدم وجوب الاحتياط فى هذه الحالة ـ لكانت المقدمات منتجة فى حق هذا الغير ايضا : اى كان الظن الحاصل من هذه المقدمات حجة له كما كان حجة لهذا المجتهد الانسدادى لكن دونه خرط القتاد اى تمامية هذه المقدمات مشكل اعنى انحصار الاجتهاد فى هذا الشخص الانسدادى مشكل وكذا اثبات الدليل على بطلان الاحتياط مشكل.

فبين الى هنا ان الظن الحاصل فى حال الانسداد على تقدير الحكومة هو حجة للمجتهد الانسدادى وليس هذا الظن حجة لنا لعدم معرفة احكامنا الواقعية اى يحكم العقل بان الامتثالى الظنى واجب ولا يكون هذا التقدير ناظرا الى الحكم الواقعى.

٤٠٠