هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

وكذا ان كان بالنسبة الى الحكم الواقعى اى ان كان التحير بالنسبة الى الواقع فهو باق ايضا : ولا يخفى ان التحير بمعنى آخر لم يقع موضوعا للتخيير بل يقع موضوعا له بمعنى تعارض الخبرين.

قوله فصل هل على القول بالترجيح يقتصر فيه على المرجحات المخصوصة المنصوصة الخ.

كان البحث هنا مع فرض الترجيح فى المرجحات اى هل على القول بالترجيح يتعدى من المرجحات المنصوصة الى غيرها مثلا اصدقية واوثقية من المرجحات المنصوصة وهما من الصفات الراوى فقال بعض انه يقدمان فى مقام التعارض وقال بعض بتقديم المرجح المضموني كالاظهرية وقدم بعض آخر المرجح الجهتى مثلا قدم مخالف العامة على موافقها.

واعلم ان مرجحية ما ذكر اما أن تكون من حيث الذات واما تكون من حيث الاضافة مثلا الصداقة والوثاقة من الصفات النفسانية وهما ذات الاضافة كالعلم اى يقتضى ما ذكر شيئا آخرا فيعتبر الوثاقة بالنسبة الى المخبر به وكذا الصداقة اعنى ذات الاضافة تقتضى المضاف اليه مثلا العلم يقتضى معلوما وقادر يقتضى مقدورا.

فيبحث ان الملحوظ فى مقام الترجيح هل هو ذات ما ذكر او جهة الاضافة فان كان الملحوظ جهة الاضافة فيلاحظ جهة الاضافة الى المظنون لانه قريب الى الواقع وكذا يرجح ما اشتهر بين الاصحاب اى يلاحظ جهة الاضافة اعنى مطابقته الى الواقع اكثر من غيره لقلة الريب فيما اشتهر وكذا يلاحظ جهة الاضافة فيما امر الاخذ بخلاف القوم لان الرشد فيه قال شيخنا الاستاد ان

٣٢١

كون الرشد فى خلاف القوم هذا هو اغلبى اى كان الرشد فيه اكثر من غيره ولا يكون الرشد فيه على النحو الدائم.

الحاصل انه اذا لوحظ فى المرجحات المنصوصة جهة الاضافة من الاقربية الى الواقع اى كان الاخذ بهذه المرجحات موجبا للقرب الى الواقع ـ صح ان يتعدى من المرجحات المنصوصة الى غيرها فيقول الشيخ انه يصح التعدى المذكور لان ملاك الترجيح موجود فى المرجحات الغير المنصوصة اى ان الملاك فى الترجيح هو الاقربية الى الواقع فهذا الملاك موجود فيها فكلما وجد الملاك فيه صح تعدى الحكم اليه.

فجعل الشيخ مقدما الخبر الذى حصل العلم او الظن بتقدمه فلا فرق بين ان يكون من المرجحات المنصوصة ام لا واما المصنف فيقول انا لا اقبل المرجحات المنصوصة فضلا عن غيرها.

وتوضيح ما ذكر ان التعدى الى غير المرجحات المنصوصة يفهم من الجملات الثلاث فالاولى من باب مستنبط العلة مثلا يقال خذ اصدقهما او خذ أوثقهما فيجب اخذهما لاجل العلة والملاك فيستنبط من الجملة المذكورة ان الملاك لوجوب الاخذ هو الاقربية الى الواقع فكلما وجد فيه هذا الملاك يجب ترجيحه على غيره فظهر ان ترجيح الاصدقية والاوثقية لم يكن باعتبار ذاتهما بل كان هذا الترجيح باعتبار الملاك هذا بيان ما هو مستنبط العلة اى لم يذكر الشارع ما هو علة بل تستنبط من قوله خذ اوثقهما او اصدقهما.

واما الجملة الثانية والثالثة فهما من باب المنصوص العلة اى نص الشارع بالعلة مثلا يقال خذ ما اشتهر بين الاصحاب بان

٣٢٢

المشهور مما لا ريب فيه فعدم الريب فى قول المشهور علة لوجوب اخذ قولهم وكذا يقال خذ ما خالف العامة بان الرشد فى خلافهم فالجملة الثانية تقول ان المشهور مما لا ريب فيه اى عدم الريب علة لوجوب الاخذ ولا يخفى ان نفى الريب اما حقيقي واما اضافى والمراد هنا هو الثانى اى لم يكن الريب فى المشهور بالنسبة الى الشاذ فيتعدى الحكم الى كلما الريب فيه قليل اى كلما له مزية فهو مما لا ريب فيه بالنسبة الى ما ليس له تلك المزية والجملة الثالثة وهى ما يقال خذ ما خالف العامة لان الرشد فى خلافهم والظاهر ان فى الخبر الذى كان موافقهم احتمال التقية واما فى الخبر المخالف فاحتمالها قليل فهذه الجملات الثلاث دليل تعدى الحكم من المرجحات المنصوصة الى غيرها قد ذكر ان الجملة الاولى من الباب المستنبط العلة والجملة الثانية والثالثة من الباب المنصوص العلة وهذا الجملات دليل الشيخ لتعدى الحكم من المرجحات المنصوصة الى غيرها الآن ينتقل الكلام الى الجواب.

قوله ولا يخفى ما فى الاستدلال بها الخ.

اى رد المصنف هذه الجملات الثلاث واما رد الجملة الاولى فان الملاك فيها ظنى لاستنباطه من الجملة اى خذ اصدقهما فيصير هذا الملاك من باب القياس فليس حجة عند العدلية وقال المصنف ان حجية الشيء من باب الطريقية لا يفيد هذه الطريقية ظنا بكونها تمام الملاك بل لا اشعار فيه ويحتمل ان يكون الخصوصية فى نفس الاصدقية والاوثقية بل يحتمل ان يكون مرجحيتهما من باب التعبد الشرعي فلا يصح ان يتعدى هذا الحكم الى غيرهما

٣٢٣

وبعبارة اخرى اذا جعل الشيء حجة او مرجحا فان علم عدم مدخلية الخصوصية فى هذا الجعل فلا اشكال فيه واما اذا شك فى مدخلية شىء فهذا محل البحث مثلا نعلم ان الشيء حجة او المرجح ولكن لا نعلم انه هل لوحظ فيه الخصوصية ام لا اى نعلم ان الاقربية الى الواقع جعل سببا للترجيح ولكن نتردد ان هذه الاقربية مختصة بالاصدقية والاوثقية او لا تكون مختصة بهما بل توجد الاقربية الى الواقع فى غيرهما ايضا.

وبعبارة اخرى يحتمل أن تكون جهة الترجيح الاقربية الى الواقع وكذا يحتمل أن تكون نفس الاصدقية والاوثقية اى لا نعلم ان الاقربية الى الواقع من اين تجىء فيمكن أن تكون مختصة بالاصدقية ويمكن عدم اختصاص الاقربية بما ذكر بل توجد من شىء آخر ايضا فيقول المصنف ان نفس الاصدقية موضوع الاقربية الى الواقع فلا يتعدى الحكم الى غيرها الآن يبحث من رد الجملة الثانية.

وهى قوله ولما فى التعليل بان المشهور مما لا ريب فيه الخ.

ويبحث او لا عن حجية الشهرة من باب المناسبة قال الشيخ فى الرسائل فى باب حجية الظن ان الشهرة فى الفتوى الحاصلة بفتوى جل الفقهاء حجة فى الجملة اى ولو كانت من باب الظن المطلق والاشكال انما يكون فى كونها من الظنون الخاصة وان منشأ الاستدلال على كونها من هذه الظنون هو ان خبر الواحد حجة بلا اشكال فملاك الحجية فى الشهرة قوى اى ادلة حجية الخبر تدل على حجية الشهرة بالمفهوم الموافقة لانه ربما يحصل منها

٣٢٤

الظن الاقوى من الحاصل من الخبر العادل.

وقال الشهيد الاول انى كتبت اللمعة على طبق المشهور لحجية قولهم وايضا وقع نظير ما ذكر من الشهيد الثانى فى المسالك حيث وجه حجية الشياع الظنى بكون الظن الحاصل منه اقوى من الحاصل من شهادة العدلين فاجيب الاستدلال المذكور بان الاولوية الظنية اوهن بمراتب من الشهرة فكيف يتمسك بها فى حجيتها وايضا يقال فى الجواب ان المناط فى حجية الخبر ليس مجرد افادة الظن بل يحتمل ان يكون المناط نفس الخصوصية التى فى الخبر الواحد فيكشف من البيان المذكور جواب الجملة الاولى أى ذكر فيها ان الملاك لمرجحية الاصدقية والاوثقية هو نفس الصدق والوثاقة فبعد ذكر هذه الجملة المعترضة يشرع فى جواب الجملة الثانية اى ذكر فيها ان المشهور مما لا ريب فيه والمراد من عدم الريب هو بالاضافة الى الخبر الآخر فثبت من التعليل المذكور ان ما كان الريب فيه قليلا يجب ترجيحه على ما كان الريب فيه كثيرا فيقال فى جواب هذا الاستدلال ان «لا ريب فيه» انما تكون لفظة لا فى هذه الجملة لنفى الجنس وهذا النفى اما يكون حقيقيا واما يكون عرفيا ففى المقام تكون لفظة لا لنفى الحقيقة العرفية اى ان الشهرة تفيد نفى الريب عرفا فيجب ترجيح هذه الشهرة لانها مفيدة الاطمينان والوثوق لنفى الريب فيتعدى الحكم الى ما يفيد حصول الاطمينان على عدم الريب فظهر ان هذه المرجحية تعدى الى غير الشهرة على نحو الموجبة الجزئية اى تعدى الى ما يفيد الوثوق والاطمينان على نفى الريب ولا يصح تعدى الحكم الى كل ذى المزية فهذا الاستدلال لا يفيد لمن ادعا

٣٢٥

تعدى الترجيح الى المرجحات الغير المنصوصة على نحو الموجبة الكلية اى مدعى المستدل انما يكون تعدى الترجيح من المرجحات المنصوصة الى غيرها على نحو الموجبة الكلية واما الدليل المذكور فهو مفيد الموجبة الجزئية.

واما جواب الجملة الثالثة فقد استدل بان يأخذ ما خالف العامة بان الرشد فى خلافهم فيعلم من هذا الاستدلال ان اخذ خلافهم انما يكون لاقربيته الى الواقع فكلما كان كذلك رجح هذا على غيره هذا حاصل الاستدلال.

والجواب عنه ان الرشد انما يكون فى نفس المخالفة لا لكونها قريب الى الواقع اى كانت المصلحة فى نفس مخالفتهم فالموضوع هو المخالفة اى يرجح الخبر مخالفهم على الخبر موافقهم لان ملاك الترجيح هو نفس المخالفة لا شىء آخر.

واجيب ثانيا ان الرشد فى خلافهم انما يكون اغلبيا ولا يكون دائميا وبعبارة اخرى ان احتمال تقية فى الخبر موافقهم اغلب من الخبر مخالفهم فكان هذا الاستدلال على نحو الموجبة الجزئية اى كون الرشد فى خلافهم فى اغلب الموارد لا فى جميع الموارد على نحو الموجبة الكلية اى لا يثبت بهذا الاستدلال المدعى لانه كان على النحو الكلية قد ذكر هذا الجواب فى الجملة الثانية ايضا.

الحاصل ان الاستدلال الاول انما يكون من باب مستنبط العلة فيصير من باب القياس قد ذكر عدم حجيته عند الامامية واما الجملة الثانية والثالثة وان كانتا من باب منصوص العلة ولكن تفيدان الترجيح على نحو الموجبة الجزئية وهذا لا يفيد الشيخ لانه يقول يجوز التعدى الى كل ذى المزية.

٣٢٦

قوله : ومنه انقدح حال ما اذا كان التعليل لاجل انفتاح باب التقية فيه الخ.

اى قد ذكر ان الدليل الثانى والثالث لتعدى الترجيح الى المرجحات الغير المنصوصة انما يكون على نحو الموجبة الجزئية فلا يفيد هذا الدليل للمستدل.

ويظهر من الجواب المذكور حال الاستدلال على الاخذ بخلاف العامة اى يظهر مما ذكر الجواب الآخر لهذا الاستدلال فيعلل بهذا الاستدلال بان الخبر الموافق لهم يحتمل ان يكون للتقية واما الخبر المخالف لهم فهو قريب الى الواقع فيتعدى المرجحية الى كل ما هو قريب الى الواقع هذا حاصل الاستدلال.

واما الجواب فيقال ان الخبر الموافق يفيد الوثوق والاطمينان فى كونه صدر تقية وكذا لخبر المخالف يفيد الوثوق فى صدوره لبيان الحكم الواقعى وايضا يحصل القطع فى الصدر الاول بان صدور الخبر الموافق انما كان تقية اى لما كان فى الصدر الاول قلة الوسائط ومعرفتها وقربه الى زمان الامام (ع) فيفيد ما ذكر القطع بصدور الخبر الموافق تقية.

فظهر من البيان المذكور ان ترجيح ما كان مخالفا للعامة على الخبر موافقهم انما كان من باب الوثوق والاطمينان بان الخبر الموافق صدر تقية ويحصل القطع بما ذكر بالنسبة الى الصدر الاول فلم يكن الترجيح المذكور دليلا لترجيح كل ذى المزية.

قوله : هذا مع ما فى عدم بيان الامام (ع) للكلية الخ.

قد اجيب الى هنا عن ادلة القائلين بتعدى الحكم الى المرجحات

٣٢٧

الغير المنصوصة وكان الجواب على كل ادلة بالاستقلال.

واما هذا الجواب انما يكون على النحو العموم اى لم يكن المراد مرجحية كل ذى المزية لان الامام (ع) بين المرجحات على النحو المنصوص والمفصل ولو كان المراد هو الترجيح بكل ذى المزية لبين (ع) المرجح على النحو الكلى اى اذا لم يبيّنه على النحو الكلى ولم يقل ان كل ذى المزية يقدم على غيره فعدم البيان على النحو المذكور دال لمدخلية المرجحات المخصوصة بالترجيح اى قال الامام عليه‌السلام فى جواب السائل عن العمل بالخبرين المتعارضين ـ خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاد النادر.

وكذا قال (ع) خذ باعدلهما وافقههما فبين (ع) المرجحات المخصوصة وامر عليه‌السلام بارجاء الواقعة الى لقائه (ع) عند عدم هذه المرجحات اى قال (ع) اذا كان المخبران متساويين فى المرجحات المخصوصة فأرجئ الواقعة الى السؤال عنه (ع) فقد ذكر (ع) المرجحات على النحو الخاص وامر بالارجاء بعد فرض التساوى.

فقوله (ع) دليل على الاخذ بالمرجحات المنصوصة ولو كان المراد من المرجح كل ذى المزية لبيّنه (ع) على النحو الكلى من دون التفصيل فاتيان الامام (ع) المرجحات على النحو الخاص دال على وجود الخصوصية فى هذه المرجحات المنصوصة وايضا يدل كلامه (ع) على عدم وجود هذه الخصوصية فى كل ذى المزية.

٣٢٨

قوله : ثم إنّه بناء على التعدى حيث كان فى المزايا المنصوصة ما لا يوجب الظن بذي المزية الخ.

قال المصنف ان الحكم فى المتعارضين هو التخيير لان اطلاقاته محكمة فهو مخالف فى هذا البحث مع استاده الشيخ (قدهما) واما المصنف فهو موافق فى البحث المذكور مع الاخباريين لكن الشيخ يقول انه يجوز التعدى الى المرجحات الغير المنصوصة مثلا اذا نقل احد قول الامام (ع) بالمعنى ونقله الشخص الآخر باللفظ فيرجح الثانى اى النقل باللفظ واما المصنف فلم يقبل قول استاده واجاب عن استدلاله بالاجوبة الاربعة التى ذكرت.

فقوله : ثم إنّه بناء الخ.

ايضا كان مع الشيخ اى كان هذا البحث مع فرض وجوب الترجيح فقال المصنف ان كلام الشيخ لا يصح مع فرض وجوب الترجيح ايضا : وجه عدم صحته ان الشيخ يقول يتعدى من المنصوصات الى غيرها اذا كان غير المنصوصات مفيدة للظن او كان ذلك الغير قريبا الى الواقع لان المرجحات المنصوصة ما كانت الاقرب الى الواقع.

فاشكل المصنف عليه بان بعض المنصوصات لا يفيد الظن ولا الاقربية الى الواقع كبعض صفات الراوى مثل اورعية او افقهية فان مثلهما لا يفيد الظن بالمخبر به لان غيرهما يمكن ان ينقل الكلام على الوجه الاحسن.

بعبارة اخرى ان الذى هو وارد فى الشيطنة ينقل الكلام على وجه يقع موردا للقبول ويفيد الظن اى قال المصنف ان فرض

٣٢٩

التعدى الى المرجحات الغير المنصوصة فليكن على نحو الموجبة الكلية اعنى يجوز التعدى الى كل ذى المزية اى سواء كان مفيدا للظن ام لا واما قول الشيخ فيصح على نحو الموجبة الجزئية فيتعدى الى ما هو مفيد للظن او ما هو قريب الى الواقع واشكل عليه المصنف بما ذكر.

قوله : وتوهم ان ما يوجب الظن بصدق احد الخبرين لا يكون بمرجح الخ.

هذا اشكال عن المتوهم على المصنف والشيخ حاصله ان الخصم يقول اذا حصل الظن بصدق الخبرين المتعارضين فلم يكن هذا موردا للترجيح بل يلزم من الظن بصدق احد الخبرين كذب الآخر مثلا يقول احد الخبرين ان هذا واجب ويقول الآخر ان هذا حرام فان حصل الظن الفعلى من كل الخبرين لزم اجتماع الضدين فلا بد ان يقال ان الظن بصدق احد الخبرين مستلزم للظن بكذب الآخر اى مستلزم لعدم صدور الخبر الآخر عن الامام (ع) فينتفى حجيته وهذا خارج عن محل بحثنا لان البحث انما يكون فى ترجيح احد الخبرين على الآخر لا فى كون احدهما موهنا للآخر.

وقال شيخنا الاستاد ان هذا الاشكال يرد على المصنف وعلى الشيخ (قدهما) فاجاب المصنف بقوله وتوهم ان ما يوجب الظن بصدق احد الخبرين كان موجبا لسقوط الآخر عن الحجية فاسد وجه الفساد ان المراد من الظن هو الظن النوعى ولا يلزم فيه اجتماع الضدين وهو يلزم اذا كان المراد من الظن ـ الظن الشخصى الفعلى قد ذكر فى محله ان المراد من الظن النوعى ان الامارة تكون من

٣٣٠

شأنها ان تفيد الظن عند غالب الناس ولا يضر فى حجيتها عدم حصول الظن الفعلى لشخص.

هذا الجواب مطابق لما اجاب به الشيخ وحاصل الجواب عن الاشكال ان قول المتوهم لا يصح من حيث الكبرى اى حصول الظن بكذب احد الخبرين لا يضر فى حجيته كما ذكر ان المعتبر فى حجية خبر الواحد هو الظن النوعى فان حصل الظن الفعلى على وفقه او على خلافه فلا يضر هذا الظن فى حجية الظن المذكور وانما يضر فيها الظن بالكذب ان اعتبر فى حجية الظن عدم الظن بخلافه والظاهر انه لم يؤخذ هذا فى حجية الاخبار اى لم يؤخذ عدم الظن بالخلاف فى الاخبار من حيث السند ولا من حيث الدلالة ولا من حيث الجهة اى عدم كون الخبر من باب التقية فظهر ان الظن بكذب احد الخبرين لم يكن موجبا لسقوطه عن الحجية.

قوله : هذا مضافا الى اختصاص حصول الظن بالكذب اذا علم بكذب احدهما صدورا الخ.

هذا جواب ثان عن اشكال المتوهم اى يقول هذا الجواب ان كلام المستشكل لا يصح من حيث الصغرى وجه عدم صحته ان الظن الفعلى بصدق احد الخبرين لم يكن موجبا لكذب الآخر فيما كان الاضداد كثيرة والظاهر ان الضدين اذا لم يكن لهما الضد الثالث فاثبات احدهما مستلزم لنفى الآخر وكذا نفى احدهما مستلزم لاثبات الآخر.

واما اذا كان للضدين الضد الثالث والرابع فلم يكن اثبات احد الضدين مستلزما لنفى ضد الآخر فيقال فى مقام البحث ان

٣٣١

الظن بصدق احد الخبرين مستلزم للظن بكذب الآخر اذا لم يكن لهما الضد الثالث لكن حجية الخبر تقتضى ثلاثة اشياء اى السند والدلالة والجهة فلم يكن الظن بصدق احد الخبرين مستلزما للظن بكذب الآخر لامكان ان يكون كل من الخبرين صادقين من حيث السند والاشكال فى احد الخبرين يمكن ان يكون من حيث الظهور او الجهة اى يمكن ان يكون هذا الخبر على النحو التقية.

فظهر ان الظن بصدق احد الخبرين لم يكن مستلزما للظن بكذب الآخر اذا كان للضدين الضد الثالث واما اذا حصل العلم بصدق احد الخبرين من حيث السند وحصل العلم بكذب الآخر من هذه الحيثية فهذا العلم مستلزم لسقوطه عن الحجية.

قوله نعم لو كان وجه التعدى اندراج ذى المزية فى اقوى الدليلين الخ.

هذا موصول فى قوله كما لا يخفى اى ذكر قبل قوله وتوهم : فيوصل نعم لو كان وجه التعدى فى كما لا يخفى المذكور سابقا ولا يوصل فيما ذكر فى قربه وجه المناسبة فيما ذكر ان الشيخ يقول يجوز التعدى من المرجحات المنصوصة الى غيرها اذا كان ذلك الغير مفيدا للظن او قريبا الى الواقع.

واشكل المصنف عليه ان بعض المنصوصات لا يفيد الظن بالواقع كالاورعية والافقهية بل يحصل الظن من خبر غير الاورع والافقه لان غير ينقل الكلام على الوجه الذى يحصل منه الظن فيصح من قول الشيخ تعدى الى ما يفيد الظن او الى ما هو اقرب الى الواقع ولكن مقصوده انما هو التعدى الى كل ذى المزية.

٣٣٢

فاستدرك بقوله نعم لو كان الخ اى يقول ان قول الشيخ يصح بالنسبة الى بعض الموارد مثلا اذا قام الاجماع على الاخذ باقوى الدليلين والمراد منه ما كان اقوى من حيث السند او الدلالة او الجهة فلم يكن له الدخل فى الخارجيات والمراد من الاقوى هو ما كان الاقوى بنفسه لا ما يصير اقوى من جهة غيره.

وبعبارة شيخنا الاستاد خود شخص خوب باشد نه رفيقش فيشمل ما ذكر المرجحات الداخلية كالسند والدلالة والجهة ولا يشمل الدليل المذكور المرجحات الخارجية اى كالشهرة الفتوائية والاولوية الظنية فليس المدخلية لهذه المرجحات الخارجية فى اقوائية الدليل.

الحاصل انه اذا ثبت من الدليل اندراج ذى المزية فى اقوى الدليلين صح التعدى الى المرجحات الداخلية المذكورة فليس الملاك فى مقام الترجيح افادة الظن ولكن اشكل على ما ذكر بانه يصح على نحو الموجبة الجزئية اى يصح التعدى من المرجحات الى ما هو الاقوى من حيث السند او الدلالة او الجهة ولا يصح الى الشهرة الفتوائية وكذا لا يصح الى ما يفيد الاولوية الظنية ولا يخفى ان مقصود الشيخ هو التعدى الى كل ذى المزية على نحو الموجبة الكلية.

قوله فصل قد عرفت سابقا انه لا تعارض فى موارد الجمع والتوفيق العرفى الخ.

وقد ذكر سابقا البحث عن الاصل الاولى والثانوى فى باب التعارض وقال الشيخ ان الاصل الاولى فيه التساقط واما الاصل

٣٣٣

الثانوى فاما تخيير بالاطلاقات واما ترجيح بالمرجحات وقال صاحب الكفاية الاصل الاولى هو التساقط والاصل الثانوى هو التخيير.

فيبحث هل يجيء هذان الاصلان فى مورد الجمع العرفى فيقال فى الجواب ان الاصل الاولى لا يجيء فى مورد الجمع العرفى بلا اشكالان العمل فى مورد الجمع كان باحد الخبرين وقد ذكر ان المراد من الاصل الاولى هو سقوط احدهما رأسا اى عدم حجية احدهما لا بعينه وسقوط كل منهما من حيث المضمون اى عدم حجية كل واحدهما فى المدلول المطابقى.

فظهر عدم مجىء الاصل الاولى مع الجمع العرفى لان الحكم فى الاصل الاولى هو التساقط ولا يكون فى مورد الجمع العرفى واما البحث فانما يكون فى مورد الاصل الثانوى اى هل يجيء الاصل الثانوى مع الجمع العرفى ام لا وبعبارة اخرى هل يجتمع الاخبار العلاجية مع الجمع العرفى ام لا والمراد من هذه الاخبار هو الاصل الثانوى فقال المشهور والشيخ ان الاخبار العلاجية لا يجيء مع الجمع العرفى.

قوله وقصارى ما يقال فى وجهه ان الظاهر من الاخبار العلاجية الخ.

قال المشهور ان الاخبار العلاجية لا تكون مع الجمع العرفى وبينوا «لم» لقولهم اى الوجه واللم لعدم مجىء الاخبار العلاجية مع الجمع العرفى ان الاخبار العلاجية ظاهرة فى مورد التحيّر وعدم استفادة واما بعد حصول التوفيق فيستفاد الحكم الشرعي

٣٣٤

ويرجع الى العرف لان ما يفهم من اهل العرف هو يفهم من كلام الامام (ع) فلا يكون التحيّر بعد فهم كلامه (ع).

واما غير المشهور فيقول ان الاخبار العلاجية تجىء مع الجمع العرفى اى ليست مختصة فى مورد غير الجمع العرفى فاستدل القائلون بمجيء الاخبار العلاجية مع الجمع العرفى بالادلة الثلاثة :

الاول انا سلمنا ان مورد الاخبار العلاجية هو التحيّر فهذا التحيّر موجود فى مورد الجمع العرفى ابتداء لكن يزول عرفا بحسب المآل اى بعد الرجوع الى المحاورات العرفية يزول التحيّر واما قبل الرجوع اليها فهو موجود.

والثانى ان التحير فى مورد الجمع العرفى موجود دائما بالنسبة الى الحكم الواقعى مثلا اهل العرف يحملون المطلق على المقيد والعام على الخاص لكن انا لا نعلم انه مطابق الواقع ام لا والثالث ان الجمع العرفى موجود الى حين عدم الرادع والظاهر ان الاخبار العلاجية رادعة من الرجوع الى المحاورات العرفية وبين ما ذكر المصنف بقوله مع امكان ان يكون لاحتمال الردع شرعا عن هذه الطريقة المتعارفة.

وايضا ان جل الاخبار العلاجية لو لا كلها المأخوذة فى الاسئلة يعم هذه الاخبار موارد الجمع العرفى اى كان لنا فى الاخبار العلاجية الاخبار التى تشمل موارد التوفيق العرفى بعبارة اخرى فيشمل الجواب والسؤال اللّذان ذكرا فى الاخبار العلاجية موارد الجمع العرفى.

٣٣٥

قوله ودعوى ان المتيقن منها غيرها مجازفة.

اى ان قلت ان الاخبار العلاجية لا تشمل موارد الجمع العرفى لان المراد منها هو القدر المتيقن وان سلمنا ان الاخبار العلاجية مطلقة ولكن ذكرت الشرائط للاطلاق. الاول : ان يكون المولى فى مقام البيان. والثانى : عدم القرينة على خلافه. والثالث : عدم القدر المتيقن فى المقام ولكن فى مورد البحث يراد القدر المتيقن من هذه الاخبار اى المتيقن منها هو المورد الذى لم يكن فيه الجمع العرفى.

قلت انه لا فائدة لهذا القدر المتيقن لانه كان من الخارج قال المصنف ان ارادة هذا المتيقن مجازفة اى بلا فائدة وجه عدم الفائدة فيه ان القدر المتيقن على النوعين.

احدهما الخارجى وهو ما كان من الخارج بعد زمان التخاطب بالقرينة المتصلة او المنفصلة وان كان المراد هذا القدر المتيقن الخارجى فهو ثابت لكل المطلقات اى يمكن ان يكون لكلها القدر المتيقن بتوسط الامر الخارجى فهذا لا ينفع فى مقام البحث.

وثانيهما اى الثانى من القدر المتيقن ما كان فى مقام التخاطب والمحاورات فان كان هذا النوع الثانى منه فيصح قولكم ولكن ليس لنا القدر المتيقن فى مقام التخاطب فى هذا المورد لان الاخبار العلاجية فى هذا المقام يشمل كلّا من العام والخاص مثلا تقول هذه الاخبار خذ افقهما واورعهما اى سواء كان فى هذا المورد الجمع العرفى ام لا.

٣٣٦

قوله وبذلك ينقدح وجه القول الثانى.

اى اذا لم يثبت القدر المتيقن فى مقام التخاطب ظهر وجه القول الثانى والمراد منه ان الاصل الثانوى يجيء فى مورد الجمع العرفى فيصح ان يجتمع الاخبار العلاجية مع هذا الجمع العرفى.

واعلم انه كان البحث فى المتعارضين وقد علم ان الاصل الاولى فيهما التساقط والاصل الثانوى فيهما هو التخيير او الترجيح وقد عبر من هذا الاصل بالاخبار العلاجية فهذه الاخبار والاصل الثانوى شىء واحد وايضا يعبّر من الاخبار العلاجية بالجمع السندى ويعبّر من الجمع العرفى بالجمع الدّلالتى فيبحث فى تقديمهما اى هل يقدم الجمع السندى ام الدّلالتى وايضا ذكر البحث فى مجىء الاخبار العلاجية فى مورد الجمع العرفى.

وقال المشهور ان الاخبار العلاجية لا تجىء فى مورد الجمع العرفى ولكن يقول غيرهم ان هذه الاخبار تجىء فى مورد الجمع المذكور واستدلوا بالادلة الثلاثة على مجىء الاخبار العلاجية فى مورد الجمع العرفى مثلا اذا ورد العام والخاص فى مورد او ورد المطلق والمقيد فيه وقد امكن الجمع العرفى : فى هذه الموارد وكذا يمكن ان تجىء الاخبار العلاجية فى الموارد المذكورة كالاخذ باورعهما وافقهما فيقدم بعض الجمع السندى اى الاخبار العلاجية ويقدم بعض آخر الجمع الدّلالتى اى الجمع العرفى والمصنف يقدم الجمع العرفى على الجمع السندى.

٣٣٧

قوله اللهم الا ان يقال ان التوفيق فى مثل العام والخاص والمقيد والمطلق كان عليه السيرة القطعية الخ.

قد ذكر الادلة الثلاثة على شمول الاخبار العلاجية لمورد الجمع العرفى وذكر ان سؤال والجواب فى الاخبار المذكورة يشمل مورد الجمع العرفى اى يجيء الاخبار فى مورد التعارض سواء امكن الجمع العرفى ام لا الآن اراد المصنف العدول الى القول المشهور اى يصح القول المشهور بالادلة الثلاثة الاول انا سلمنا ان الاخبار العلاجية شاملة لمورد الجمع العرفى ولكن اطلاق هذه الاخبار خصص بالسيرة القطعية فهى جارية من زمان الائمة الى هنا فى توفيق العام والخاص والمطلق والمقيد فهذه السيرة كاشفة عن تخصيص الاخبار العلاجية فى غير المورد الجمع العرفى.

والظاهر ان المخصص اما متصل واما منفصل والمراد من المتصل هو ما يقال انه يجيء الاخبار العلاجية والاصل الثانوى الا فى مورد الجمع العرفى والمراد من المخصص المنفصل هو ما لا يذكر حين بيان العام والمطلق فالسيرة العقلائية مخصص منفصل للاخبار العلاجية فيقول هذا الدليل ان المقتضى موجود لهذه الاخبار واما المانع يمنع منه اى السيرة القطعية تمنع من مجىء الاخبار العلاجية فى مورد الجمع العرفى.

واما الدليل الثانى فيقول ان الاخبار العلاجية قاصرة من الاول اى لا تجىء ابتداء فى مورد الجمع العرفى اى يمكن دعوى اختصاص هذه الاخبار بغير موارد التوفيق العرفى والجواب والسؤال فى الاخبار العلاجية انما يكونان بصدد العلاج فى مقام

٣٣٨

التحيّر ولا يوجد التحير فى مورد الجمع العرفى.

والدليل الثالث اى يقول هذا الدليل انه لم يثبت اختصاص الاخبار العلاجية فى مورد غير الجمع العرفى فاجمالها كاف فى اختصاصها فى المورد الذى لم يكن فيه التوفيق العرفى اى الاخبار العلاجية مجملة فيراد من المجمل القدر المتيقن وهو فى هذه الاخبار المورد الذى لم يكن فيه الجمع العرفى.

ولا يخفى ان مجرد صحة السؤال عن مطلق التعارض لا توجب ظهوره فيه اى السؤال الذى ذكر فى الاخبار العلاجية وان كان مطلقا ولكن هذا لا يوجب ان يكون ذلك السؤال ظاهرا فى العموم حتى يثبت مجىء هذه الاخبار فى مورد الجمع العرفى.

وقد ذكر سابقا ان غير المشهور استدلوا بامكان أن تكون الاخبار العلاجية رادعة من الجمع العرفى فتجيء هذه الاخبار فى مورده لامكان كونها رادعة منه فيجاب عن هذا الاستدلال بان امكان الردع لا يفيد والمفيد انما هو اثبات الردع.

وذكر نظير هذا الاستدلال فى مبحث حجية خبر الواحد اى ذكر هناك ان عدم الردع عنه دليل على حجيته وبعبارة اخرى ان عدم الردع امضاء لحجيته وقيل ان الآيات الناهية رادعة عن حجية خبر الواحد فاجيب ان هذا مستلزم للدور لان حجية خبر الواحد متوقفة على عدم رادعية الآيات الناهية وعدم رادعيتها متوقف على حجية خبر الواحد فقيل بعد هذا الاشكال ان عدم القطع بالردع كاف عن عدم الردع.

وهذه الجملة المعترضة ذكرت تبعا لشيخنا الاستاد فيرجع الى محل البحث اى يقول غير المشهور ان الاخبار العلاجية رادعة

٣٣٩

من الجمع العرفى فيصح ان تجىء فى مورده فاجاب المشهور ان هذه الاخبار لم تكن رادعة من التوفيق العرفى فاذا لم تكن رادعة منه فلم يكن التحير فى هذا المورد لان الجمع العرفى يترجح الاظهر على الظاهر وكذا يترجح الخاص على العام ولا يخفى ان التحير وان كان فى المورد المذكور ابتداء ولكن بعد تصور الجمع العرفى يرفع هذا التحير والشرط فى مورد الاخبار العلاجية هو التحير الى الابد فلم يكن فى مورد الجمع العرفى هذا التحير فلا يصح ان تجىء هذه الاخبار فى مورد الجمع المذكور.

وينتج ما ذكر ان الاخبار العلاجية لم تكن فى مورد الجمع العرفى فيصح قول المشهور وقال شيخنا الاستاد ان كون السيرة دليلا على عدم الردع عن الجمع دورى لان عدم الردع متوقف على كون السيرة حجة وايضا كونها حجة متوقف على عدم الردع منه ويقال فى الجواب ان السيرة تارة تكون كاشفة من عدم الردع وتارة اخرى يتوقف حجيتها على عدم الردع واما فى المقام فيحصل القطع لاجل السيرة على عدم الردع فلم يكن المجال للتوقف لان القطع من اى سبب كان حجة فلا يتوقف هذا القطع على شىء آخر.

قوله : فتأمل.

هذا اشارة الى تأييد ما ذكر اى عدم القطع بالرادعية كاف فى عدم رادعية الاخبار العلاجية من الجمع العرفى فثبت عدم مجىء هذه الاخبار فى مورد الجمع المذكور.

٣٤٠