هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

من الاصول اللفظية ككل شىء لك حلال الخ وبين ان يكون من الاصول العملية كالاستصحاب وينتفى الشك بعد مجىء الامارة.

وبعبارة اخرى ان علم من دليل الامارة ألغ الاحتمال فيرتفع الحكم بلسان الموضوع والحكومة عبارة من رفع الحكم بلسان الموضوع مثلا ألغ احتمال الخلاف اى ألغ احتمال الحرمة بعبارة اخرى يقول ليس الحكم لاحتمالها كما يقال ليس الشك لكثير الشك اى ليس الحكم لهذا الشك بان يبنى على الاكثر وان كان نفس الشك موجودا واما المراد فهو نفى الحكم بلسان نفى الموضوع فثبت من البيان المذكور ثبوت الحكومة على النحو المذكور ان فهم من دليل الاعتبار ألغ الاحتمال.

ويذكر هنا ان قلت من تقرير شيخنا الاستاد ويتوقف توضيح عبارة الكفاية عليه وهى قوله وكيف كان ليس مفاد دليل الاعتبار هو وجوب الغاء احتمال الخلاف الى قوله : فافهم وتأمل جيدا.

حاصل ان قلت المذكور اى ان قلت ان دليل الامارة دال على الغاء احتمال الخلاف فاقول ان دليل الاصول ايضا يقول ألغ احتمال الخلاف اى اعمل بالاصول وألغ احتمال العمل بالامارة.

والجواب عن هذا الاشكال قلت نعم اى سلمنا امكان ألغ احتمال الخلاف : فى هذا المورد لكن لا فائدة فى اتيانه فى جانب الاصول لان ألغ الاحتمال فى جانبها يسوى الحكم الظاهرى اى ألغ احتمال الخلاف : فى جانب الاصول ناظر الى المرتبة السافلة بعبارة شيخنا الاستاد ألغ احتمال الخلاف نظر بشاگرد مى باشد كه الغاء احتمال الخلاف از حكم ظاهرى باشد اى ألغ احتمال الخلاف : فى طرف الاصول لم يكن ناظرا الى الحكم الواقعى لانه

٢٨١

ان كان كذلك فلا مورد للاصول لان موردها انما يكون مع احتمال الخلاف فى الحكم الواقعى فبعد الغاء هذا الاحتمال ينتفى الاصول.

فيرد الاشكال على كون الحكم رافعا لموضوعه اى لا يكون الحكم رافعا للموضوع بل الموضوع حافظ لحكمه.

فالظاهر ان ألغ احتمال الخلاف فى جانب لاصول ناظر الى الحكم الظاهرى لا الواقعى اى ان ألغي احتمال الخلاف عن الحكم الواقعى فلا مجال للاصول اعنى كل شىء طاهر : ولا تنقض اليقين بالشك لان موردهما الجهل بالحكم الواقعى.

ولا يخفى ان مورد الامارة هو الحكم الواقعى فان علم من دليلها ألغ احتمال الخلاف تصح الحكومة لان المراد من الغاء احتمال الخلاف هو الغاء احتمال الخلاف عن الحكم الواقعى واما فى جانب الاصول فهو ناظر الى الحكم الظاهرى فاحتماله بالنسبة الى الحكم الواقعى باق.

الحاصل ان علم ألغ احتمال الخلاف عن دليل الامارة فيصح تقدمها على الاصول من باب الحكومة واما اذا كان هذا عن جانب الاصول فلا فائدة فيه ان كان الغاء احتمال الخلاف ناظرا الى الحكم الظاهرى ولا يصح فى هذا المورد كونه ناظرا الى الحكم الواقعى اى ان كان ألغ احتمال الخلاف : فى جانب الاصول ناظرا الى الحكم الواقعى فيرفع الموضوع اى الاصول ويكون الحكم رافعا لموضوعه مع عدم صحته اى لا يكون الحكم رافعا لموضوعه لان الحكم عرض والموضوع جوهر فليس العرض رافعا للجوهر.

بعبارة اخرى ان علم من اعتبار دليل الاصول : ألغ احتمال الخلاف : ويراد منه الغاء احتمال الخلاف للحكم الواقعى فيلزم من

٢٨٢

وجود الاصول عدمها لان الاصول انما تكون فى مورد احتمال الخلاف فى الحكم الواقعى واما اذا لم يكن احتمال الخلاف فى الحكم الواقعى فلا مجال للاصول.

قوله فانقدح بذلك انه لا يكاد ترتفع غائلة للمطاردة والمعارضة بين الاصل والامارة الخ.

قد ذكرت فى آخر مبحث الاستصحاب ان الامارات تقدم على الاصول من باب الحكومة واما هنا فيقول ان تقديم الامارات انما يكون من باب التوفيق العرفى فكان على انحاء اى اما يكون من باب الخاص والعام واما يكون من باب الاظهرية والظاهر انه اذا سلم الدليلان فى يد اهل العرف فان زال التحير فلا تعارض هنا بل حصل التوافق.

فيقول المصنف ان التعارض انما يكون فى مقام الاثبات اى اذا وجد التحير فى هذا المقام فهذا تعارض واما اذا وجدت القرينة لتقديم احد الدليلين فلا تعارض لان العمل فى هذا المقام بالقرينة وكذا لا تعارض اذا وجدت الاظهرية بين الدليلين اى اذا لم يبق العرف متحيرا فلا تعارض وايضا لا تعارض فى صورة التنافى بين المدلولين لان العرف يتصرف فى احدهما او فى كليهما.

واعلم ان التعارض يتصور فى ستة موارد : الاول ان يكون الدليلان قطعيين. والثانى : ان يكونا الظنيين. والثالث : ان يكونا المختلفين فيصير كل هذه الصور على قسمين فيصير المجموع ستة اقسام.

توضيح هذه الاقسام ان الدليلين اما ان يكونا قطعيين من

٢٨٣

حيث السند فقط واما ان يكونا قطعيين من حيث السند والدلالة معا.

واما اذا كان الدليلان ظنيين فاما ان يكونا ظنيين من حيث السند فقط : واما ان يكونا ظنيين من حيث السند والدلالة واذا كان الدليلان مختلفين فاما ان يكون احدهما قطعيا من حيث السند والآخر ظنيا واما ان يكون احدهما قطعيا من حيث الدلالة دون الآخر اى كان الآخر ظنيا من هذه الحيثية.

فالتعارض انما يكون من حيث السند اذا كان سندهما قطعيين او الظنيين فيقدم النص والاظهر وان كان بحسب السند ظنيا وكذا كان التعارض من حيث الدلالة بان تكون دلالتهما قطعيتين او ظنيتين قد ذكر فى حجية الخبر سابقا ان يكون سنده صحيحا فمع عدم صحته لا تكون الحجية وايضا ان يكون الخبر فى مورد بيان الحكم الواقعى لا لتقية : وكذا فى مقام البحث فان التعارض بين الدليلين انما كان بعد صحة سندهما فهل كان التعارض لاجل السند فقط ام كان لاجل الظهور ام كان لاجل الامور الثلاثة اى السند : وعدم كون الدليل فى مقام تقية : وكون الظهور فى كل منهما اعنى بعد اثبات هذه الامور فى كل من الدليلين يثبت التعارض.

واما المصنف فقال ان التعارض انما يكون لاجل السند ولكن يمكن ان يكون التعارض لاجل الظهور ايضا فاعلم ان التعارض انما يكون فى المورد الذى كان الدليلان نصافيه او كانا ظاهرا فيه واما اذا كان احد الدليلين نصا والآخر ظاهرا فيقدم النص على الظاهر ولا فرق فى تقدم النص بين ان يكون قطعيا او ظنيا

٢٨٤

مثلا اذا كان النص ظنيا والظهور قطعيا قدم النص فى هذه الصورة ايضا.

فائدة ان عدم العلم مورد للامارة ليس موضوعا لها ففرق بين كون الشيء موردا للشيء وبين كونه شرطا وموضوعا له واما فى باب الاصول فالشرط والموضوع فيه هو الشك فى الحكم الواقعى اى ان رفع الشك عنه فلا مجال للاصول.

الحاصل ان التعارض انما يكون فى مقام الاثبات والحجية اذا كان المكلف متحيرا.

وايضا ذكر فى الرسائل ان حجية الخبر كانت بالجهات الثلاث الاول : جهة الصدور اى اصالة السند : الثانى تمامية الجهة اى كون الخبر فى مقام بيان الحكم الواقعى الثالث كونه ظاهرا اى يقول العرف ان هذا الكلام ظاهر فى المعنى المذكور

فالحجية مركبة من الاشياء الثلاثة : الاول جهة الصدور اى صحة السند : الثانى تمامية الجهة اى بان يكون المكلف فى مقام بيان الجدى والحكم الواقعى : الثالث جهة الدلالة اى بان تكون ظاهرة اعنى اذا كان لها الظهور حمل عليه.

فظهر من البيان المذكور ان حجية كل خبر وكل كلام متكلم متوقفة على الامور المذكورة : الاول السند : الثانى جهة السند وتماميته : الثالث جهة الدلالة اى كونها ظاهرة فاذا ثبت حجية الكلامين على النحو المذكور ثبت التعارض بينهما وايضا ذكر انه اذا امكن الجمع العرفى بينهما فلا تعارض.

فائدة قال الشيخ فى الرسائل فى باب حجية الخبر انه يبحث اولا عن سنده واما البحث من ان يكون لبيان الحكم الواقعى

٢٨٥

فلم يكن من مبحث الاصول بل كان هذا المبحث من الاصول العقلائية كاصالة عدم الخطاء واصالة عدم النسيان وكذا البحث من جهة الصحة واما اصالة الظهور فهى من المباحث الاصولية مثلا اذا كان الوضوء حرجيا فهو ظاهر فى عدم الصحة.

قوله : فصل التعارض وان كان لا يوجب الا سقوط احد المتعارضين عن الحجية رأسا الخ.

أى اذا ثبت التعارض بين الدليلين فهل يتساقطان ام يثبت البقاء على التحيّر.

فيحتاج جواب هذا الى بيان الجملة المتعرضة وهى ان الحجية الخبر هل تكون من باب الطريقية ام من باب السببية فالحق عند العدلية هو الطريقية لان السببية مستلزمة للتصويب وهو باطل عندهم ولكن غير العدلية فيقولون بالسببية واستدلوا بان دين الاسلام لم يكن جامدا بل يتغير بمقتضى الزمان كما ان لباس الناس كان سابقا من القطنة فتغير الى الكتان والحرير وكذا اهل الهيئة لم يكونوا قائلين بحركة الارض الآن يقولون بحركتها وكذا المسلمون يقبلون حركتها لان دين الاسلام لم يكن جامدا واما المسيحى فلم يقبلوا حركة الارض لان دينهم كان جامدا قد حكى ان الشخص المسيحى قبل حركتها فقتلوه واما الدين الاسلامى فلم يكن جامدا كالدين المسيحى بل يتغير لاجل المصلحة والمفسدة : فما ذكر دليل للقائلين بان حجية الخبر من باب السببية.

وقد ذكر ان حجية الخبر عند العدلية انما تكون من باب

٢٨٦

الطريقية فلما كانت الحجية من هذا الباب فيسقط كلا المتعارضين من دون الدليل الخارجى مثلا اذا كان مفاد احد الدليلين هو الوجوب ومفاد الآخر هو الحرمة فبعد التعارض لا يعلم كلاهما هذا جواب لمن سئل عن سقوط المتعارضين قد وعدنا هذا الجواب بعد بيان الجملة المعترضة.

وقال الشيخ فى هذا المقام ان الحجية كانت من باب السببية فاجتماع الدليلين على مذهبه من باب التزاحم لكن المصنف لا يقبل هذا.

قوله : نعم نفى الثالث باحدهما لبقاء على الحجية الخ.

اى هل يمكن نفى الثالث ام لا مثلا دال احد الدليلين على الوجوب والآخر على الحرمة فهل ينفى الحلية قال الشيخ بنفى الثالث بالالتزام فيسأل هل يكون هذا النفى بكلا الدليلين او باحدهما المعين او باحدهما غير المعين ومذهب الشيخ هو نفى الثالث بكليهما.

توضيحه على قول المصنف ان الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية فكذا فى المقام اى اذا تعارض الدليلان سقطا عن الحجية مطابقة فكذا يسقطان عنها التزاما مثلا فى المثال المذكور لا يدل الدليلان على نفى الثالث بالالتزام اى لا يدلان على نفى الاباحة.

واما الشيخ فيقول ان الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية فى مقام الدلالة لا فى مقام الحجية مثلا اخبر شخص ان الفلان شرب البول واخبر شخص آخر انه شرب الدم فسقط

٢٨٧

الخبران المذكوران عن الحجية مطابقة فيقول الشيخ ان هذين الخبرين باق على حجية التزاما اى ثبت من الخبرين نجاسة المشروب بالالتزام فالحجية باقية بالدلالة الالتزامية واما المصنف فيقول ان الدلالة الالتزامية تابعة للدلالة المطابقية من حيث الدلالة والحجية ففى المثال المذكور لا تثبت النجاسة لان الخبرين لم يكونا حجة بالمطابقة وكذا من حيث الدلالة الالتزامية واذا قال احد الخبرين ان هذا واجب وقال الآخر ان هذا حرام فهذا مستلزم لنفى الاباحة بتوسط احدهما لا بعينه.

واما المصنف فيقول انه لا وجود لاحدهما لا بعينه بعد التعارض فلم يكن محركا فدليل الحجية لا يشمل شيئا لا بعينه واما لا اشكال فى نفى الثالث اى شىء لا بعينه ينفى شيئا ثالثا قد ذكر ان المتعارضين تساقطان من حيث الدلالة المطابقية واما الدلالة الالتزامية فهى باقية فيهما لان دليل نفى الحجية لا يجيء فى نفى شىء ثالث وقال المصنف انه لا وجود لشيء لا بعينه فمراده انه لم يكن حجة او انه لم يكن محركا اى كل من الخبرين المتعارضين بعد سقوط احدهما لم يكن محركا ولكن لا تكون المحذورية بالنسبة الى الشيء الثالث اى ينفى بتوسط واحد لا بعينه.

ولا يخفى ان واحدا لا بعينه اما يكون واقعيا واما يكون عندنا ففى المقام المراد منه واحد لا بعينه عندنا.

الحاصل ان واحدا لا بعينه لم يكن حجة اى لم يكن محركا لكن يعرض له الشيء الاعتبارى اعنى نفى الشيء الثالث بتوسطه قد ذكر نظيره فى القسم الثانى من الاستصحاب الكلى اى قال

٢٨٨

المصنف هناك ان الاثر يترتب على الكلى وان لم يكن له الوجود الخارجى ولكن اعتبر باعتبار وجود افراده وكان البحث الى هنا فى حجية الخبرين المتعارضين من باب الطريقية الآن يبحث عن السببية.

قوله : واما بناء على حجيتها من باب السببية فكذلك الخ.

قد ذكر ان التعارض بين الخبرين اما يكون من باب الطريقية واما يكون من باب السببية فالمراد من الطريقية اى لا يتصرف فى الواقع باقامة الخبر اى الواقع باق على حاله والمراد من السببية ما تجعل المصلحة بتوسط الامارة فى مؤديها مثلا ان قامت الامارة على حرمة الشيء فتجعل المفسدة واما ان قامت على وجوب الشيء فتجعل المصلحة مثلا اذا قال احد الخبرين ان صلاة الجمعة واجبة وقال الآخر ان صلاة الظهر واجبة فتجعل المصلحة فى كل منهما.

ولا يخفى ان ظهور كل الدليل انما يكون ببناء العقلاء على اصالتى الظهور والصدور فبناء العقلاء دليل لبى لم يقبل الاطلاق والعموم بل يراد منه القدر المتيقن وهو ما لم يكن العلم بكذبه واما السند كذلك لو كان دليل اعتبار بناء العقلاء اى يراد القدر المتيقن ولكن اذا كان دليله الآيات والاخبار فهو ظاهر فيما لم يعلم كذبه لو لم نقل بظهورها بخصوص ما حصل الظن منه.

فظهر ان المراد من الدليل اللبى هو القدر المتيقن اى لا يصح ان يقال فى مورد ان الفلان يحكم على هذا النحو والفلان يحكم على خلافه والمراد من السببية هى السببية الابتدائية وهى

٢٨٩

ما لم يكن العلم بكذب احدهما فليس فى المقام الحكم على الوجوب والحرام حتى يحصل العلم بكذب احدهما فالمراد من السببية الابتدائية ما حصل اولا اى ما لم يكن العلم الاجمالى بكذبه فهو القدر المتيقن فليس هنا ملاكان حتى يتزاحما.

فظهر صحة السببية وارادة المتيقن وعدم كون المورد من المتزاحمين لثبوت العلم بكذب احدهما فلا يشمل الدليل كل من الخبرين.

قوله واما لو كان مقتضى الحجية فى كل واحد من المتعارضين الخ.

اى ذكر حجية الامارة من باب السببية وارادة القدر المتيقن ويقول هنا ان كانت السببية ولا يراد القدر المتيقن ويراد من المتعارضين ما لم يعلم كذبه فيصح التزاحم فيهما فى صورة الحكم الالزامى اى يشترط فى التزاحم ان يكون الحكم فى كل من الخبرين بنحو الالزام مثلا يقول شخص ان فعل هذا الشيء واجب ويقول شخص آخر ان تركه واجب فيصدق التزاحم فى مثل هذا المورد فان كان احد الحكمين الزاميا والآخر غير الزامى فلا تزاحم فى مثل هذا المورد.

واعلم ان فرق الحكم الالزامى وغيره واضح ولكن يذكر هذا الفرق هنا تبعا لشيخنا الاستاد : فالواجب فى فعله مصلحة وفى تركه مفسدة : والحرام فى تركه مصلحة وفى فعله مفسدة : والمستحب فى فعله مصلحة ولم يكن فى تركه مفسدة : والمكروه فى تركه مصلحة وليس فى فعله مفسدة : والمباح ما لم يكن

٢٩٠

المصلحة او المفسدة فى فعله ولا فى تركه.

فالامارة فى الاحكام الالتزامية موجبة للمصلحة والمفسدة مثلا اذا قامت الامارة على وجوب الشيء والاخرى على حرمته فهذا تزاحم بينهما واما اذا قامت الامارة على وجوب الشيء والاخرى على اباحته فلا تزاحم هنا لان الاباحة لا اقتضاء اى الامارة التى تدل على الوجوب فتجد المصلحة فى مؤداها واما الامارة التى تدل على الاباحة فهى لا اقتضاء فلا مصلحة ولا مفسدة فى مؤداها.

فالتزاحم انما يثبت اذا كان الدليلان فى مرتبة الاقتضاء كالضدين والنقيضين مثلا اذا غرق الفردان المؤمنان رفع التزاحم بينهما من حيث المقتضى واما اذا كان احد الغريقين كافرا فلا تزاحم بينهما لعدم المقتضى فى غريق كافر فلا يكون التزاحم فى صورة السببية مطلقا بل اذا دل الدليلان على الحكم الالزامى واما مع عدم هذا الحكم فيهما فلا تزاحم.

فيبحث من مورد اجتماع دليل الوجوب والاستحباب مثلا يقول احد الدليلين ان هذا الشيء واجب ويقول الآخر انه مستحب فلا تزاحم فى هذا المورد وجه عدم ورود التزاحم هو ان مصلحة الواجب عشر درجات ومصلحة المستحب خمس درجات فليس المصلحة الخمسة الزائدة فيه اى ان المستحب ناقص عن الواجب بخمس درجات.

وكذا الحرام والمكروه مثلا مفسدة الحرام عشر درجات ومفسدة المكروه خمس درجات اعنى مفسدة المكروه ناقصة عن الحرام بخمس درجات فلا تزاحم بينهما.

٢٩١

الحاصل ان الالزام انما يكون فى الاثنين من الاحكام الخمسة اى الوجوب والحرام وثلاثة منها غير الزامى اى الاستحباب والكراهة والاباحة.

فيرد الاشكال فيما نحن فيه توضيحه انه ذكر سابقا ان حجية الامارة اما تكون من باب الطريقية واما تكون من باب السببية قد علم ان الحق عند العدلية هو الطريقية فاذا كانت من باب الطريقية تساقط الخبران عند التعارض واما اذا كانت حجية الامارة من باب السببية فالخبران المتعارضان من باب التزاحم على مذهب الشيخ.

فاشكل المصنف عليه من وجهين الاول انه لا يصح التزاحم اذا كانت حجية الامارة من باب السببية لنقصان الدليل اى لا يدل على سببية كل من الخبرين المتعارضين بل يراد القدر المتيقن لان حجية الظهور انما تكون من باب بناء العقلاء وهو دليل لبى فيراد منه القدر المتيقن ولم يكن فى هذا المورد اى فى القدر المتيقن العلم الاجمالى بكذب احدهما.

الثانى اى الاشكال الثانى على الشيخ ان تنزلنا عن ما ذكر وسلمنا السببية وقلنا ان الدليل يدل على ثبوت العلم الاجمالى بكذب احدهما فيرد الاشكال الآخر فلا يصح التزاحم فى مورد لا اقتضاء مثلا اذا كان دوران الامر بين الوجوب والاباحة فهى لا اقتضاء قد ذكر عدم التزاحم بين الاقتضاء ولا اقتضاء وكذا لا يصح فى مورد عدم الحكم الالزامى اى لا يصح التزاحم بين الوجوب والاستحباب وكذا لا يصح بين الحرمة والكراهة لعدم الحكم الزامى فى جانب الاستحباب والكراهة.

٢٩٢

وقد ذكر نظير ما ذكر فى علم التجريد اى قيل هناك انه لا منافاة بين الواجب الغيرى والممكن الوجود لان الممكن يصير واجبا غيريا والمنافاة انما تكون بين الواجب الوجود والممتنع الوجود وكذا فى المقام فانه لا منافاة بين الاقتضاء ولا اقتضاء.

فان قلت ان الحكم الغير الالزامى ايضا اقتضائى مثلا الاستحباب مقتض للفعل والكراهة مقتضية للترك وان لم يكونا فى مرتبة الالزام فلا يصح قولكم بعدم التزاحم بين الوجوب والاستحباب لانه مقتض للفعل.

قلت انه لا يصح التزاحم فيما ذكر ايضا مثلا لا يلزم التزاحم المذكور بين الوجوب والاستحباب لان الوجوب واجد للمصلحة الزائدة وليست تلك المصلحة فى جانب الاستحباب.

قوله الا ان يقال بان قضية اعتبار دليل الغير الالزامى ان يكون عن اقتضاء الخ.

أى ذكر الى هنا عدم التزاحم بين وجوب والاستحباب لتقدم الوجوب عليه بزيادة المصلحة فى جانب الواجب قد مر تفصيله فيقول فى قوله الا ان يقال ان قلنا بوجود المقتضى فى الحكم الغير الإلزامي فايضا لا يلزم التزاحم.

هذا اشارة الى السؤال المقدر وجوابه توضيحه انه يمكن ان يقال بوجود المقتضى فى جانب الحكم الغير الالزامى فيرد التزاحم بين المقتضيين مثلا فى دوران الامر بين الوجوب والاباحة وقع التزاحم بين الامارة التى تدل على الوجوب والامارة التى تدل على الاباحة اى تدل هذه الامارة على ثبوت

٢٩٣

المصلحة فيها وكذا الحكم فى دوران الامر بين الوجوب والاستحباب اى وقع التزاحم بين المقتضيين.

والجواب عن السؤال المذكور فنقول ليس التزاحم فى هذا المورد ولكن يصير الجواب هذا بعكس الجواب السابق اى يقدم الاستحباب والاباحة على الوجوب مثلا اذا دار الامر بين الوجوب والاباحة فالتعارض انما يكون بين المقتضيين لا بين مقتضاهما اى تتعارض الامارتين فتتساقطان فيقدم الاباحة.

بعبارة اخرى يقدم الحكم الغير الالزامى على الحكم الالزامى على عكس ما سبق اما وجه تقدمه فانه يكفى فى ثبوت الحكم الغير الالزامى عدم المنع منه وكذا فى دوران الحكم بين الوجوب والاستحباب فان الواجب واجد لعشر درجات والمستحب واجد لخمس درجات.

فيسقط الواجب بالمستحب اى للمستحب جزء سلبى وايجابى اعنى يقول ان للمصلحة فى هذا المورد خمس درجات لا غيرها فتسقط خمس درجات الواجب بتوسط جزء سلبى المستحب لان جزء سلبية يقول ليست خمس درجات زائدة فى الواجب.

وقد ذكر ان للواجب عشر درجات فاذا سقطت الخمسة منها بتوسط جزء سلبى المستحب بقيت الخمسة فيتعارض هذه الخمسة الباقية فى الواجب مع الجزء الايجابى الذى كان فى المستحب فيتساقطا.

الحاصل انه فرض فى الواجب عشر درجات من المصلحة وفرض فى المستحب خمس درجات من المصلحة فتسقط خمس

٢٩٤

درجات الواجب لاجل معارضة مع خمس درجات من المستحب اى يعارض هذا الجزء الايجابى من المستحب مع خمس درجات من الواجب فبقى فى جانب الواجب خمس درجات فيعارض الجزء السلبى من المستحب مع هذه الخمسة.

والمراد من الجزء السلبى المذكور هو ان يقول دليل المستحب انه ليست هذه المصلحة الزائد للواجب فلما نقصت قدرة الواجب فيسقط خمس الدرجات الباقية لاجل المعارضة مع الجزء السلبى من المستحب.

بعبارة شيخنا الاستاد قوه واجب كم شده وپائين آمده پس آن اجزاء باقى مانده واجب معارضه مى كند به اجزاى سلبى مستحب پس ساقط مى شود اى يسقط مقتضى الوجوب فلا وجود له من دون المقتضى واما المستحب وان سقط مقتضيه لاجل المعارضة فيبقى لان عدم المنع فيه كاف كالاباحة.

واعلم ان هذا الجواب هو عكس الجواب السابق لان الجواب المذكور فى السابق هو سقوط المستحب وبقاء الواجب عند دوران الامر بين الوجوب والاستحباب واما الجواب الذى ذكر فى قوله الا ان يقال فيقول انه يسقط الواجب ويبقى المستصحب لان عدم المنع فى بقائه كاف.

ويذكر حاصل ما ذكر تكرارا تبعا لشيخنا الاستاد اى اذا قام دليلان فهما على قسمين اعنى اما يكونان من باب الطريقية واما يكونان من باب السببية فاذا تعارضا تساقطا فى صورة حجيتهما من باب الطريقية وكذا فى الصورة السببية على مذهب المصنف

٢٩٥

واما الشيخ فيقول انه اذا كانت حجية الامارة من باب السببية كان التزاحم بين الامارتين فى صورة تعارضهما فيحكم بالتخيير.

فاشكل المصنف عليه بالاشكالات الثلاثة : الاول انه لا تصح السببية لكل من الخبرين فى هذا المورد لان المراد منها السببية الابتدائية هى جعل الحكمين ابتداء وليس هذا الجعل صحيحا فى هذا المورد لوجود العلم الاجمالى بكذب احد الخبرين فلا تشمل ادلة الحجية كل منهما.

واشكل ثانيا بعد تسليم عمومية الادلة اى ان تنزلنا ونقول ان الادلة تشمل كل من الخبرين باعتبار عموميتها فيرد الاشكال الآخر عليه وهو ان التزاحم انما يكون فيما وجد المقتضى فى كل من الحكمين كالواجبين او كالواجب والحرام فالاقتضاء انما يكون فى الاثنين من الاحكام الخمسة اعنى الوجوب والحرمة فلا اقتضاء فى الثلاثة منها اى الاستحباب والكراهة والاباحة لعدم جعل الحكم فيها فاذا قامت الامارة على الوجوب والحرمة ثبت الاقتضاء واما اذا قامت على الاستحباب والكراهة فلا اقتضاء فى الصورة المذكورة.

الاشكال الثالث وهو ان قلنا بثبوت الاقتضاء فى الاحكام الغير الالزامية فلا يصح التزاحم ايضا لتقدم الحكم الغير الالزامى على الالزامى فى هذه الصورة قد ذكر وجه هذا التقدم مفصلا.

قوله نعم يكون باب التعارض من التزاحم مطلقا الخ.

اراد المصنف ان يرفع الاشكال عن الشيخ اى قال الشيخ اذا كانت حجية الامارة من الباب الطريقية فالحكم فى صورة التعارض

٢٩٦

هو التساقط اعنى يسقط كلاهما عن الحجية واما اذا كانت حجيتها من الباب السببية فالحكم فى هذه الصورة هو التزاحم فالنتيجة هى التخيير.

فاورد المصنف على الشيخ باربعة اشكالات فى الصورة السببية الاول ان الشرط السببية أن تكون ابتدائية واما اذا كان العلم بكذب احد الخبرين فيجرى الحكم الطريقية اى تساقطهما وايضا قال المصنف ان الدليل اما بناء العقلاء واما الآيات والاخبار فاذا لم يكن العلم بكذب احد الدليلين شمل دليل الحجية كليهما واما فى صورة العلم بكذب احدهما فلا يشمل الدليل كل من الخبرين بل يشمل القدر المتيقن ولا يخفى ان التزاحم انما يكون فى صورة شمول الدليل لكليهما.

الثانى اى الاشكال الثانى على الشيخ ان تنزلنا عما ذكر وقلنا ان دليل الحجية يشمل كليهما فى الصورة السببية ايضا فيرد الاشكال الآخر اى يصح التزاحم بين الخبرين المتضادين او المتناقضين وايضا يشترط ان يفيدا حكما اقتضائيا الزاميا كالوجوب والحرمة فيخرج عن محل البحث الاستحباب والكراهة والاباحة.

الاشكال الثالث قيل إنّه يصح التزاحم بين الوجوب والاستحباب لثبوت الاقتضاء فى كل منهما فاجاب المصنف بانه لا يلزم التزاحم فى هذه الصورة ايضا لكن الجواب هنا انما يكون بالعكس اى تنزل الحكم الالزامى عن مقامه فيقدم المستحب على الواجب قد مر تفصيل هذا الجواب. هذا تكرار لما سبق فيبين ما هو مقصود لقوله نعم يكون باب التعارض من التزاحم اى اراد

٢٩٧

المصنف ان يصلح مع الشيخ فيقول له ان التزاحم انما يصح على قولكم فى صورة اشتراط كل من الموافقة الالتزامية والعملية فيتزاحم التزام بالواجبين او بالواجب والحرام وقد ذكر فى محله انما تشترط الموافقة الالتزامية فى الاصول.

واما فى الاحكام الفرعية فقد اختلف فيها فشرط بعض العمل الجوارحى والجوانحى فيها وقال بعض آخر انه لم يشترط فى الفروعات العمل الجوانحى بل يكفى العمل الجوارحى فيها كما قال الشيخ فى الرسائل انه لم تشترط الموافقة الالتزامية فيها لعدم الدليل لاشتراطها فى الاحكام الفرعية بل يكفى فيها الموافقة العملية اى العمل الجوارحى واما الاصول فيشترط فيها العمل الجوانحى والجوارحى.

فيقول المصنف انما يصح التزاحم اذا قلنا ان الموافقة الالتزامية شرط فى الاحكام الفرعية اى يقول المصنف اولا لم نسلمها وثانيا لو سلمناها يصح التزاحم فى مورد الحكمين الالزاميين كالتزام بوجوب الشيء وحرمته فيخرج ثلاث صور الاحكام التكليفية لعدم الالزام فيها اى يخرج الاستحباب والكراهة والاباحة عن محل البحث قد ذكر الى هنا اشكالات ثلاث على الشيخ.

واما الاشكال الرابع عليه فيقال ان الشيخ قائل بالتخيير مطلقا فى صورة التزاحم الدليلين فلا يصح فى جميع الموارد مثلا اذا كان احد الحكمين معلوم الاهمية فيقدم هذا على غيره وكذا يقدم محتمل الاهمية على غيره فلا يصح التخيير فيما ذكر.

وقد ذكر نظيره فى باب الضد من تقديم معلوم الاهمية او

٢٩٨

محتمل الاهمية على غيره كما قال المصنف او محتملها فى الجملة اى قد يكون الاهمية لشدة الملاك مثلا اذا كان المجتهدان وكان احدهما اعلم من الآخر واما اذا كانا مساويين فى العلم فيقدم من كان له جهة التقدم من باب آخر كالهاشمية مثلا.

ولا يخفى ان التزاحم ثابت فى باب الضدين والنقيضين وانما الاشكال فى الحكم بالتخيير بين المتزاحمين اى لا تخيير بينهما فى صورة معلوم الاهمية او محتمل الاهمية.

واعلم ان التزاحم انما يكون بين الضدين والنقضين فى مورد عدم امكان الجمع العرفى والمراد منه ان يكون احد الضدين قرينة للآخر مثلا ان كان احد الخبرين نصا والآخر ظاهرا فيقدم النص على الظاهر كقوله لا تفعل ويقول بعد هذا لا بأس والظاهر ان لا بأس نص على الجواز ولا تفعل ظاهر على عدم اتيان الفعل فيحمل على الكراهة.

قوله فافهم هذا هو قضية القاعدة فى تعارض الامارات الخ.

كان الكلام فى الجمع بين الامارات فى صورة التعارض اى كان البحث عن امكان الجمع والامكان عرفى وعقلى والمراد من الاول هو ما يكون بيد العرف فان لم يكن العرف متحيرا فى مورد اجتماع الخبرين فهذا جمع عرفى مثلا يقال بيع العذرة سحت وايضا يقال لا بأس ببيع العذرة فيحمل الاول على عذرة الانسان والثانى على عذرة الحيوان المأكول.

والمراد من الثانى اى الامكان العقلى هو ما يكون بتصرف العقل وليس المراد منه فى مقام البحث الامكان العقلي لانه يوجد

٢٩٩

فى جميع الموارد اى امكان الجمع عقلا يوجد فى كل المتعارضين فينتفى باب التعارض ولا يبقى حجر على حجر لان العقل يحكم بالتأويل فى جميع الموارد التى يحتمل فيها التنافى فظهر ان المراد من امكان الجمع هو الامكان العرفى.

ويمكن ان يشكل عليه بان الامكان العرفى ينافى مع الحكم الذى يقول ان الجمع مهما امكن اولى من الطرح وجه المنافاة ان هذا الجمع لازم ومعين فلا يكون المعنى للاولوية والجواب عن الاشكال المذكور ان الاولوية من قبيل الاولوية فى اولى الارحام اى يكون الاولى بمعنى التعيّن.

فاشكل على الجمع العقلى بالاشكالين الاول : انه لا دليل للجمع العقلى. الثانى : ان هذا الجمع ايضا مستلزم لطرح ظهور الخبرين او لطرح احدهما قد ذكر سابقا ان الحجية تقتضى ثلاثة اشياء اى اصالة السند والظهور والجهة فينتفى اصالة الظهور فى صورة الجمع العقلى فايضا يلزم الطرح.

قوله قد عرفت ان قضية التعارض انما هو سقوط المتعارضين الخ.

اى قد علم فى السابق ان مقتضى القاعدة الاولية فى باب التعارض هو التساقط واما مقتضى الاجماع هو العمل باحد الخبرين اى بالراجح منهما ولكن مع عدم الراجح فالمقتضى فى باب التعارض هو التساقط عن الحجية اى لا يعمل بمؤدى الخبرين ولم يبق الحجية لهما وكذا لا يبقى السندان بعد التعارض اى بعد التصرف العقلى لا تبقى الحجية للخبرين وكذا لا يبقى السندان

٣٠٠