هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

قوله فانه يقال ذلك انما هو لاجل انه لا محذور فى الاخذ بدليلها الخ.

هذا جواب الاشكال اى لا يجوز العمل فى هذا المورد بكلا دليلى الامارة والاستصحاب لان صدق العادل مطلق ولم يزاحمه شىء بعبارة اخرى ان الدليل الامارة اى صدق العادل مطلق ولم يكن مقيدا بمورد خاص فيسقط هذا دليل الاستصحاب اى فكان اطلاق دليل الامارة مسقط دليل الاستصحاب اعنى لا تنقض اليقين بالشك.

توضيحه ان حجية الاستصحاب موقوفة على تخصيص دليل الامارة اى صدق العادل والتخصيص محتاج الى المخصص لانه بدونه لا وجه له فان جعل دليل الاستصحاب مخصصا لدليل الامارة فهذا مستلزم للدور لان كون دليله مخصصا لدليلها متوقف على حجيته وهى متوقف على كون دليله اى الاستصحاب مخصصا لدليل الامارة.

وبعبارة اخرى ان صدق العادل مطلق اى سواء كانت الحالة السابقة ام لا وجب تصديقه واما دليل الاستصحاب فلم يكن مطلقا لان دليله يقول لا تنقض اليقين بالشك اى لا يجوز نقض اليقين السابق به فان عمل بالاستصحاب فهذا يحتاج الى تخصيص دليل الامارة وهذا محتاج الى مخصص فان كان هذا المخصص دليل الاستصحاب فهو متوقف على حجية الاستصحاب وايضا حجيته موقوفة على كون دليله مخصصا لدليل الامارة هذا دور مصرح.

الحاصل انه اذا كان دليل الامارة ودليل الاستصحاب متوافقين فلا محذور فى تقديم دليلها على دليله والمحذورية انما تكون

٢٤١

فى تقديم دليل الاستصحاب على دليلها لعدم الوجه فى تقديمه او لكون تقديم دليله على دليل الامارة مستلزما للدور المذكور.

قوله واما حديث الحكومة فلا اصل له اصلا الخ.

قد ذكر ان تقديم الامارة على الاصول انما يكون من باب الورود لا الحكومة وايضا ذكر ان الورود ما كان الوارد فيه موجبا لسقوط موضوع المورود واما الحكومة فهى ما كان فيها دليل الحاكم شارحا لدليل المحكوم وهذا الفرق بينهما انما يكون على مذهب صاحب الكفاية.

واما استاد المصنف اى الشيخ (قدهما) فقال ان تقديم الامارة على نحو الورود او الحكومة كلا منهما موجبان لسقوط موضوع الاصول واما الدليل الوارد فيرفع موضوع الدليل المورود بالوجدان ولكن الدليل الحاكم فهو رافع موضوع الدليل المحكوم بالتعبد الشرعي اى يقول الشيخ ان الامارات حاكمة على الاصول العملية النقلية تعبدا لان موضوع الاصول العملية اعنى لا يعلمون بعد اقامة الامارة صار يعلمون لجعل الشارع امارة منزلة العلم.

فيقول اى الشيخ واما فى الاصول العملية العقلية فالموضوع هو قبح العقاب بلا بيان واذا جاءت الامارة بعدها فهو بيان فيرفع موضوع الاصول العقلية وجدانا فكان تقديم الامارة على هذه الاصول من باب الحكومة.

وقد ذكر ان تقديم الامارات على الاصول على مذهب المصنف انما يكون من باب الورود لا الحكومة ولكن يذكر ما ذكر مكررا تبعا لشيخنا الاستاد وايضا كان التكرار لبعض الجملات

٢٤٢

التى لم تذكر فيما تقدم.

قال المصنف واما حديث الحكومة فلا اصل له والمراد من الحديث هو الكلام والبحث فيها اى قد ذكر ان تقديم الامارة على الاصول انما كان من باب ورود لا الحكومة والمراد منها ان يكون الدليل الثانى للدليل الاول منزلة اى واعنى مثلا يقال اولا اذا شككت فابن على الاكثر فيقال بعد هذا لا شك لكثير الشك ولا شك فى النافلة فكانت الجملة الثانية بمنزلة اى واعنى ولا يذكر ان صريحا الا قليلا.

وبعبارة اخرى ان يكون الدليل الثانى شارحا ومفسرا للدليل الاول واما دليل الامارة ودليل الاستصحاب فليسا كذلك اى لم يكن دليل الامارة مفسرا لدليله.

ولكن الشيخ يقول ان تقديم الامارة على الاصول ثبت من باب الحكومة اى دليل الامارة يقول ألغ احتمال الخلاف مثلا صدق العادل يقول ألغ احتماله او ألغ الشك فيصير دليلها مفسرا لدليله اذا صار الامر كذلك صح ان يكون تقديم دليل الامارة على دليل الاستصحاب من باب الحكومة.

ولم يقبل المصنف هذا ويقول لا يعلم من دليل الامارة ألغ الاحتمال ومن اين اتى هذا وليس الغاء احتمال الخلاف مذكورا فى ذيل ادلة الامارة مثلا ادلة خبر الواحد تقول ان حجية الخبر اما تكون من باب الموضوعية والسببية فيجعل الحكم المماثل واما تكون حجيته من باب الطريقية فيأتى المنجزية والمعذرية ولا يفهم من ادلة الخبر ألغ الاحتمال وقال المصنف لم ـ كرر كثيرا الشيخ هذا اى قال فى باب التعادل والتراجح فى موارد ان

٢٤٣

ادلة الامارة تقول ألغ احتمال الخلاف.

فظهر مما ذكر ان تقديم الامارات على الاصول لم يكن من باب الحكومة ولا يفهم من ادلة الامارة ما يقوله الشيخ ولكن يصح قوله فى مقام الثبوت والواقع اى مقام المفهوم لان اى مفهوم كان لدليل الامارة فيصير يجب العمل بعبارة اخرى يعبّر هذا المفهوم بيجب العمل مثلا صدق العادل اى يجب العمل بقوله وفى مقابل هذا دليل الاستصحاب فيقتضى كل من الدليلين ان يعمل بي.

فثبت احتمال الخلاف هنا لان الامارة تقول هذا حلال والاستصحاب يقول هذا حرام فان عمل بها احتمل خلافه اى العمل بالاستصحاب لكن يفهم من يجب العمل ألغ احتمال الخلاف فتصح الحكومة اى يكون الدليل الامارة مفسرا وشارحا للاستصحاب ولا يفيد هذا فى محل البحث لان ما ذكر فى مقام الثبوت وانما كان بحثنا فى مقام الاثبات ودلالة اللفظ والظاهر ان مقام الثبوت ليس من قبيل هذه الدلالة.

وايضا ان كان المراد مقام الثبوت فيجيء ألغ احتمال مع كل من دليل الامارة والاستصحاب فان رجح دليلها على دليله لاجل الغاء احتمال الخلاف لزم ترجيح بلا مرجح لكون اللازم العقلى فى كل الدليلين اى يجيء فى مقام الثبوت ألغ احتمال الخلاف فى جانب الاستصحاب ايضا.

ويرد الاشكال ايضا على الشيخ فى صورة موافقة الامارة مع الاستصحاب لعدم احتمال الخلاف فى هذا المورد حتى يقال ألغ احتمال الخلاف فلا يصدق الحكومة فى هذه الصورة مع عدم الفرق

٢٤٤

عند القائلين بها بين صورة موافقة وعدمها اى يقولون بتقدم الامارة من باب الحكومة ولا يفرقون بين أن تكون موافقة للاستصحاب او مخالفة له.

قال شيخنا الاستاد انه لا اصل للحكومة لوجهين : الاول انها لا تصح فى مقام الثبوت لان الامارة والاستصحاب فى هذا المقام يقتضيان ارتفاع موضوع آخره والثانى انها لا تصح فى صورة الموافقة.

قوله واما التوفيق فان كان بما ذكرنا فنعم الاتفاق الخ.

وكان البحث فى تقديم الامارة على الاصول اى هل يكون تقديمها عليها من باب الورود او من باب الحكومة او من باب التوفيق العرفى.

قال شيخنا الاستاد انه ليس اب ولا ام للجمع العرفى لانه قد يكون مع الورود وقد يكون مع الحكومة وقد يكون مع التخصيص بعبارة اخرى من شيخنا الاستاد بالفارسية اين توفيق عرفى بى كلا نيست يا همراه ورود مى باشد ويا همراه حكومة مى باشد ويا همراه تخصيص مى باشد واما الحكومة فلا يقبلها المصنف قد ذكر وجه عدم قبوله اياها واما التخصيص فهو محل البحث.

فيقال اذا كانت ادلة الامارة مخصصة لادلة الاستصحاب فلم يلزم نقض اليقين بالشك لكن لا يصح التخصيص هنا لانه انما يكون مع حفظ الموضوع فان قلنا ان دليل الامارة مخصصة لدليل الاستصحاب فلم يبق موضوعه ولا يكون الاخذ بدليلها مع نقض اليقين بالشك فلا يصح ان نقول انه يعمل بالامارة مع لزوم

٢٤٥

نقض اليقين بالشك فى المورد الذى يخصص دليل الاستصحاب بدليلها.

وبعبارة اخرى لا يجوز ان يقال انه لا عيب فى العمل بالامارة مع بقاء نقض اليقين فى صورة التخصيص المذكور وجه عدم الجواز ان التخصيص انما يصح مع حفظ الموضوع ومع قيام الامارة لا يبقى الشك الذى هو موضوع الاستصحاب وبيّن المصنف هذا الذى ذكر بقوله فلا وجه لما عرفت من انه لا يكون مع الاخذ به نقض اليقين بالشك الخ.

اى لا يصح تقديم الامارة على الاستصحاب بتخصيص دليله بدليلها لانه لا وجه له لعدم نقض اليقين بالشك بعد اخذ الامارة لا ان يكون هذا الاخذ غير منهى عنه مع كونه نقض اليقين بالشك.

الحاصل انه لا يصح تقديم دليل الامارة على دليل الاستصحاب من باب التخصيص لانه انما يكون مع حفظ الموضوع وانتفاء الحكم اى اذا كان دليل الامارة مخصصا لدليل الاستصحاب فليكن موضوع دليله باقيا والمراد من موضوع دليله اعنى نقض اليقين بالشك لكن بعد اقامة الامارة لم يكن الموضوع باقيا حتى نقول انه يجوز العمل بالامارة بعد تخصيص دليل الاستصحاب مع بقاء الموضوع اى نقض اليقين بالشك ونقول انه لا اشكال فى بقاء هذا الموضوع وعدم حكمه اى عدم حرمة النقص المذكور هذا بيان للمنفى.

واما بعد اقامة الامارة فلم يبق موضوع دليل الاستصحاب فلم يصح تخصيص دليله بدليل امارة واعلم انه قد سبق بحث

٢٤٦

تخصيص دليل الاستصحاب بدليل الامارة واما البحث المذكور فلم يكن مفصلا فصار عدم التفصيل سببا لتكراره.

قوله خاتمة لا بأس ببيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الاصول العملية الخ.

قد ذكر سابقا فى قوله تتمة شرطان من شرايط الاستصحاب احدهما وجودى وهو بقاء الموضوع اى اتحاد القضية المشكوكة والمتيقنة وايضا ذكر ان المراد منه الاتحاد العرفى لا العقلى وثانيهما عدمى اى الشرط الثانى من الشرطين المذكورين للاستصحاب عدمى اعنى عدم الامارة فى مقابله لا على وفاقه ولا على خلافه فقد تمت شرايط الاستصحاب فى تتمة وما يذكر هنا فى الخاتمة انما يكون من باب الكلام يجر الكلام ولم يكن من شرائطه اى يبحث من بيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الاصول العملية وبيان التعارض بين الاستصحابين فقال المصنف اما الاول فالنسبة بينه وبينها هى النسبة بين الامارة وبينه الخ.

وقد ذكر ان تقديم الامارة على الاستصحاب من باب الورود لان الامارة رافعة لموضوع الاستصحاب واما الشيخ فيقول ان تقديمها عليه من باب الحكومة والمصنف لا يقبل هذا لان المراد من الحكومة ما كان الدليل الثانى فيه شارحا ومفسرا للدليل الاول واما دليل الامارة لم يكن ناظرا الى دليل الاستصحاب فى مقام الاثبات والمراد منه هو مقام الاستدلال اى لا يفهم من صدق العادل ألغ احتمال الخلاف.

بعبارة اخرى لا تقول ادلة خبر الواحد ان كل ما قامت

٢٤٧

الامارة به فالغ الاحتمال ولو كان لسان ادلته كذلك لصحت الحكومة

فظهر مما سبق ان تقديم الامارة على الاصول انما يكون من باب الورود فكذا تقديم الاستصحاب على سائر الاصول العملية سواء كانت هذه الاصول نقلية ام عقلية كالتخيير والبراءة فيقول ان الاستصحاب يقدم على سائر الاصول العملية من باب الورود كتقديم الامارة عليه.

وقد ذكر سابقا انه لا محذور فى تقديم دليل الامارة على دليل الاستصحاب واما تقديم دليله على دليلها فيكون بلا وجه او يكون على وجه الدائر قد مر هذا البحث مفصلا وكذا الحكم هنا فانه لا محذور فى تقديم الاستصحاب واما العكس اى تقديم سائر الاصول عليه فهو مستلزم لمحذور التخصيص الا بوجه الدائر.

توضيحه انه اذا قدم الاستصحاب على سائر الاصول لا يلزم المحذور اصلا اذ لا موضوع له مع الاستصحاب لارتفاع موضوعه به واما تقديم سائر الاصول عليه فانه مستلزم للتخصيص بلا وجه او على وجه الدائر لان اعتبارها مع الاستصحاب موقوف على مخصصيتها لدليل الاستصحاب ومخصصيتها له موقوفة على اعتبارها اى تقديم سائر الاصول على الاستصحاب موقوف على كون دليله مخصصا لدليل الاستصحاب وهذا التخصيص موقوف على حجية سائر الاصول وهى موقوفة على كون دليله مخصصا بان يقول لا تنقض اليقين بالشك الا مع اقامة سائر الاصول فى مقابله اى مخصصيته موقوفة على حجيته وهى موقوفة على مخصصيته فهذا مراد من المحذور الذى يرد فى تقديم سائر

٢٤٨

الاصول على الاستصحاب.

قد ذكر الى هنا تقديم الاستصحاب على سائر الاصول بنحو الورود وايضا ذكر المحذور الذى فى تقديم الاصول الاخرى على الاستصحاب واما فى تقديمه عليها فلا محذورية مثلا يقول البراءة بالترخيص اى انت مرخص فى هذا الشيء واما الاستصحاب فيقول هذا حرام لكون القطع بحرمة هذا سابقا فيقدم على البراءة من باب الورود لان دليلها ما لا يعلمون وعدم المعرفة واما فى مورد الاستصحاب فالحكم معلوم وانما يكون الشك فى البقاء اى لم يكن ما لا يعلمون فى مورده.

وبعبارة اخرى ان موضوع الاستصحاب هو اليقين السابق واما موضوع البراءة فهو الشك اعنى موضوعها كون الحكم مجهولا واقعا وظاهرا ولكن الاستصحاب يقول ان الشك فى البقاء لا الحدوث اى لم يكن الحكم مجهولا حدوثا فدليله رافع لدليل البراءة اعنى دليل الاستصحاب يرفع موضوع البراءة لان الواقع يكشف به ولو ظاهرا وموضوعها هو كون الحكم مجهولا من جميع الجهات اى فى الواقع والظاهر.

توضيح ما ذكر بمثال آخر مثلا القرعة لكل امر مشكل واما اذا جاء الحكم الظاهرى فليس هذا مشكلا.

وكذا يقدم الاستصحاب على الاحتياط من باب الورود لان موضوع الاحتياط هو عدم المؤمّن فمجيء دليل الاستصحاب مؤمن من العقوبة وقد بين تقديم الاستصحاب على سائر الاصول النقلية اى لا محذور فى تقديمه عليها لان محذور الدور المذكور

٢٤٩

لا يلزم فيه لما مر من ان الاستصحاب رافع لموضوع سائر الاصول.

واما تقديم الاستصحاب على الاصول العقلية فانه يرفع ما هو موضوع لتلك الاصول فان موضوع البراءة العقلية هو عدم البيان اى عدم الحجة على التكليف فيرتفع بالاستصحاب الذى هو حجة وبيان وكذا الحكم فى الاحتياط العقلية اى يرتفع موضوعه بدليل الاستصحاب لان موضوع الاحتياط هو عدم المؤمّن من العقاب فبعد مجىء دليل الاستصحاب يجيء المؤمّن منه فيرتفع موضوع الاحتياط.

قوله : واما الثانى فالتعارض بين الاستصحابين الخ.

اى قال المصنف لا بأس فى الخاتمة ببيان الامرين : الاول بيان النسبة بين الاستصحاب وسائر الاصول العملية : والامر الثانى هو تعارض بين الاستصحابين وهو يتصور على ثلاثة اقسام.

الاول عدم العلم بانتفاض الحالة السابقة فى احدهما بل كانت هذه الحالة موجودة فى كل من الاستصحابين لكن القدرة منتفية لنا فى العمل بهما مثلا كان لنا درهم ونعلم ان النفقة الوالد واجبة علينا وحصل لنا الشك فى اعطائنا هذه النفقة وكذا نقطع بنذر درهم ونشك بادائه فلا يمكن خروج كل منهما من عهدتنا بعبارة اخرى لا يمكن العمل لنا بالاستصحابين لتضادهما وعدم قدرتنا فى كل منهما فكان هذا مورد التخيير فى صورة عدم كون احد الاستصحابين أهمّا والا قدم هذا.

٢٥٠

وكان هنا الحاشية منه واشكل فيها بان الاهم من اين يجيء ولا يجيء الاهمية والترجيح عن دليل الاستصحاب لان هذا الدليل يسويه لا الترجيح وجواب الاشكال المذكور ان الترجيح انما يجيء عن دليل المستصحب الذى كان دليله اقوى من الآخر فيرجح استصحاب هذا على غيره اى يسوى الترجيح من دليل المستصحبين فايهما كان دليله اقوى فيرجح استصحابه على ما ليس كذلك.

القسم الثانى من الاستصحابين المتعارضين ما كان مع العلم بانتقاض الحالة السابقة فى احدهما كالاستصحاب السببى والمسبّبي فيقدم الاول على الثانى من باب الورود لعدم المحذورية فى تقديم الاستصحاب السببى على المسببى واما تقديم استصحاب المسببى على السببى فلا وجه له او يكون على الوجه الدائر لان استصحابه متوقف على تخصيص دليل الاستصحاب السببى وهذا التخصيص متوقف على حجية الاصل المسببى وحجيته موقوفة على مخصصية لدليل الاصل السببى.

توضيحه ان تقديم الاستصحاب المسببى موقوف على كونه مخصصا لدليل الاستصحاب السببى بان يقال لا تنقض بالشك الا اذا كان فى مقابله الاصل المسببى ومخصصية لدليل الاستصحاب المذكور موقوف على حجيته وايضا هى موقوفة على مخصصيته.

ولا يخفى انه لا يختص التقديم المذكور بالاستصحاب السببى بل كل الاصل السببى يقدم على الاصل المسببى وكان البحث فى القسم الثانى من الاستصحاب المتعارضين وهذا على

٢٥١

القسمين.

الاول ما يكون المستصحب فى احدهما من الآثار الشرعية للمستصحب الآخر مثلا علمنا كرية الماء سابقا وعرض لنا الشك فيها وكذا وجد لنا الشك فى نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة اى اذا شك فى كرية الماء فبعد غسل الثوب النجس فيه يشك فى طهارته فيتعارض فى هذا المورد استصحاب طهارة الماء مع استصحاب نجاسة الثوب فيقدم ما كان مستصحبه اثرا شرعيا للمستصحب الآخر.

ففى المثال المذكور الطهارة اثر شرعى للنجاسة لان الشارع حكم بتطهير المتنجس بالماء الكر فالشك فى طهارة الماء انما يكون لاجل الشك فى الكرية فبعد استصحابها ثبتت الطهارة فالاستصحاب السببى اى طهارة الماء مقدم على الاستصحاب المسببى اى النجاسة.

فلا مانع فى تقديم الاصل السببى على المسببى ولا يكون نقض اليقين بالشك فى هذه الصورة بل يكون حينئذ نقض اليقين باليقين واما تقدم المسببى على السببى فلا وجه فيه او يكون على الوجه الدائر قد مر وجه محذورية تقدم الاصل المسببى.

قوله : وان لم يكن المستصحب فى احدهما من الآثار الآخر الخ.

كان البحث فى تعارض الاستصحابين قد ذكر انه على ثلاثة اوجه الاول انه لا علم لنا بانتفاض الحالة السابقة فى احدهما لكن لا يمكن العمل لنا لوجود التضاد بينهما مثلا اذا نذر شخص اعطاء درهم لفقير وشك فى ادائه وكذا وجب عليه نفقة الاب

٢٥٢

وشك بعد هذا فى اعطائها فيتعارض استصحاب وجوب النذر ووجوب النفقة ويكون التزاحم بينهما فى مقام العمل ولم تكن القدرة لنا فيه لان متعلق النذر والنفقة درهم واحد فيصير تعارض الاستصحابين فى هذه الصورة من باب التزاحم بين الواجبين.

والظاهر ان الاستصحاب كالعلم فى هذا الباب اى قد يكون التزاحم بين المعلومين وكذا يكون بين المستصحبين.

الوجه الثانى من تعارض الاستصحابين هو تعارض الاصل السببى والمسببى فيقدم الاستصحاب السببى فى صورة كون مستصحبه اثرا شرعيا للمستصحب الآخر قد ذكر ان الوجه الثانى على وجهين وهذا وجه اول منه واما وجه ثان منه فهو ما لم يكن المستصحب فى احدهما من الآثار للآخر هذا وجه ثالث من تعارض الاستصحابين اى ما لم يكن المستصحب فى احدهما اثرا للآخر.

توضيحه انا نعلم اجمالا ان حالة سابقة احد المستصحبين قد ارتفع مثلا كان عندنا الكأسان المتنجسان فنزل ماء المطر فى احدهما او كانا طاهرين فتنجس احدهما ففى هذا المقام ثلاثة اقوال : احدهما جواز الاستصحاب : ثانيها عدم جوازه : ثالثها التفصيل بين لزوم المخالفة القطعية وعدم لزومها فلا يجوز الاستصحاب فى صورة لزومها.

ولا يخفى ان الاقوال الثلاثة متفقون فى محل النزاع اى النزاع فى المحل الذى كان الاثر الشرعي لكلا المستصحبين

٢٥٣

وايضا ان يكون كلاهما محل الابتلاء واما اذا لم يكن لاحدهما اثرا شرعيا فلا يجرى الاستصحاب بلا خلاف فيما ليس له الاثر الشرعي وكذا لا يجرى فيما لم يكن محل الابتلاء.

وقيل إنّه لا يمكن جعل الحكم الظاهرى فى مقام الثبوت اى لا يصح الاستصحاب فيما كان الظرفان متنجسين فوصل ماء المطر فى احدهما اعنى لا يجرى استصحاب النجاسة فى هذين الظرفين للزوم اجتماع الاحرازين التعبديين مع الاحراز الوجدانى الذى كان على خلافهما فى مرحلة الثبوت والمراد من الاحراز التعبديين هو استصحاب نجاستهما اى اثبات النجاسة بالاستصحاب يسمى احرازا تعبديا والمراد من الاحراز الوجدانى هو طهارة احد الظرفين بوصول المطهر والاحراز التعبدى انما يكون فى المورد الذى لم يكن الاحراز الوجدانى على خلافه واما فى المقام فقد ثبت الاحراز المذكور فلا مورد لاحراز التعبدى.

وقال بعض انه لا يجرى الاستصحاب فى مورد العلم الاجمالى بنقض الحالة السابقة فى احد المستصحبين كالمثال المذكور اى حصل اولا العلم بنجاسة الظرفين فحصل العلم الاجمالى بطهارة احدهما بتوسط وصول المطهر فلا يصح استصحاب نجاسة الظرفين فى صورة تعلق العلم الاجمالى بطهارة احدهما.

واما وجه عدم صحته فهو لزوم التناقض بين صدر الدليل وذيله اى صدره يقول لا تنقض اليقين بالشك وذيله يقول لكن تنقض اليقين باليقين او انقضه بيقين آخر اعنى صدر الدليل يدل على السلب الكلى اى لا يجوز نقض اليقين مطلقا اى لا باليقين

٢٥٤

ولا بالشك ويقول ذيله لكن تنقضه بيقين آخر فيكون مفاد ذيل نقض اليقين باحدهما اعنى باليقين فسالبة كلية مع موجبة جزئية متناقضتان فيلزم فى هذا الاستدلال من وجود الاستصحاب عدمه.

واعلم ان الامتناع على قسمين اى ذاتى وعرضى مثلا قوله تعالى (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) فالامتناع عرضى وكذا فى المقام اعنى امتناع الاستصحاب عرضى لان الدليل يقتضى ان يسوى فلا يسوى لاجل تناقض صدر الدليل مع ذيله بعبارة اخرى هذا الامتناع امتناع بالغير والظاهر ان الامتناع الذاتى قليل.

ويذكر هنا قول الشيخ اى قال فى الرسائل ان الاستصحاب لا يجرى فى الظرفين الذين حصل القطع بنجاستهما اولا ثم حصل العلم الاجمالى بطهارة احدهما بوصول المطر وجه عدم جريانه هو انتفاء الحالة السابقة فى احدهما اعنى ان كانا نجسين فيحصل العلم الاجمالى بطهارة احدهما وكذا اذا كانا طاهرين ترشح النجاسة فى احدهما فيحصل العلم الاجمالى بنجاسة احدهما فان جريان الاستصحاب فى هذا المورد موجب للتناقض بين صدر الدليل وذيله لان صدره يقول لا تنقض اليقين مطلقا اى لا باليقين التفصيلى ولا باليقين الاجمالى ولا بالشك ولكن ذيله يقول بل تنقضه بدليل آخر اى يقين آخر اعنى اليقين الاجمالى.

واما صاحب الكفاية فيقول ان الاظهر جريان الاستصحابين

٢٥٥

فى المثال المذكور لوجود المقتضى اثباتا وفقد المانع والمراد من وجوده هو ان المقتضى لجريان كلا الاستصحابين هو دلالة الدليل فى مقام الاثبات ويقول انه لا تناقض بين صدر الدليل وذيله لان الصدر اى لا تنقض دال على عدم نقض اليقين السابق بالعلم الاجمالى واما الذيل اى لكن تنقضه فهو دال على جواز نقضه بالعلم التفصيلى.

وبعبارة اخرى لا تنقض اليقين السابق بالعلم الاجمالى فلا بأس نقضه بالعلم التفصيلى وكذا يقول الذيل بل انقضه بيقين آخر اى اليقين التفصيلى فصدر الدليل وذيله كل منهما يدلان على جواز نقض اليقين السابق باليقين التفصيلى بعبارة شيخنا الاستاد اگر كسى بگويد اين آب بالاى آب است جواب بلى آب بالاى آب است چونكه ذيل تأكيد از براى صدر است.

الحاصل ان صدر الدليل يقول لا تنقض اليقين بالعلم الاجمالى فى المثال المذكور فيدل بالالتزام على جواز نقض اليقين باليقين التفصيلى فيقول ذيل الدليل لكن تنقضه بيقين آخر فيكون الذيل تأكيدا لما يفهم من الصدر فيعبر عن هذا التأكيد بانه ماء على ماء قد مرّ تفصيل هذا بالعبارة الفارسية فلا يلزم التناقض بين صدر الدليل وذيله لان المراد من المتناقضين ما يكون متعلقهما شيئا واحدا وليس فى المقام كذلك لان متعلق النفى هو العلم الاجمالى ومتعلق الاثبات هو العلم التفصيلى وهذا جواب المصنف اولا ويقول ثانيا لو سلم انه يمنع عن شمول قوله عليه‌السلام فى صدره لا تنقض اليقين بالشك الخ.

٢٥٦

اى قال المصنف انه لا تناقض بين صدر الدليل وذيله فيقول هنا لو سلم ورود التناقض فى مورد العلم الاجمالى اى نسلم ان صدر الدليل اى لا تنقض اليقين بالشك لا يشمل لليقين والشك وبعبارة المصنف لو نسلم انه يمنع عن شمول لا تنقض اليقين بالشك لليقين والشك للزوم التناقض فى مورد العلم الاجمالى اى نقول ان صدر الدليل سالبة كلية وذيله موجبة جزئية قد ذكر فى محله انهما متناقضان.

فيقول بعد تسليم تناقض ان اشكال التناقض انما يكون فى رواية مذيّلة واما الاخبار التى لم تكن مذيلة فلا التناقض فيها فيصح الاستدلال بالرواية التى لم يكن فيها ذيل ولا يخفى ان اخبار غير مذيلة كثيرة فتكفى فى صحة استصحاب نجاسة الظرفين فى المثال المذكور.

وقد ذكر ان الاقوال فى جريان الاستصحاب فى مورد العلم الاجمالى ثلاثة ثالثها التفصيل بين المخالفة العملية والالتزامية فيقول المفصل ان المانع من جريان الاستصحابين هو المخالفة العملية واما المخالفة الالتزامية فلم تكن مانعة عن جريان الاستصحابين اى لا ضرر فيها لان الفقه انما يمنع عن المخالفة العملية وهو من الآثار العملية كالصلاة والصوم فانها من الاعمال المكلف.

واعلم ان التكليف على القسمين اى الجوارحى والجوانحى والاحكام الفرعية جوارحية واما اصول العقائد فهى جوانحية ولا يجوز فيها المخالفة الالتزامية بل يجب الالتزام فى التكليف الجوانحى ففى مقام البحث لا يضر المخالفة الالتزامية اعنى اذا

٢٥٧

لم تلزم المخالفة العملية صح جريان الاستصحاب فى اطراف العلم الاجمالى كاستصحاب النجاسة فى الظرفين فى المثال المذكور لا مانع فيه لا عقلا ولا شرعا لان استصحاب نجاسة فى المثال مخالفة التزامية لا ضير فيها.

قوله : ومنه قد انقدح عدم جريانه فى اطراف العلم بالتكليف فعلا الخ.

اى ان كان كل التكليفين فعليا وكان كلاهما محل الابتلاء فلا يجوز الاستصحاب فى هذا المورد مثلا اذا كان الظرفان طاهرين وترشحت النجاسة الى احدهما فلم يصح استصحاب الطهارة فيهما لان خطاب اجتنبت عن النجس يشملهما بعد العلم الاجمالى بنجاسة احدهما وكان كل منهما محل الابتلاء اى لا يصح استصحاب طهارتهما للزوم المخالفة القطعية فى صورة استعمالهما ولزوم مخالفة الاحتمالية فى استعمال احدهما ولا يخفى ان الواجب عقلا فى هذا المورد هو الموافقة القطعية واما بعد جريان الاستصحاب فيلزم المخالفة القطعية او الاحتمالية قد مر تفصيلهما.

الحاصل انه اذا حصل العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة ولم يكن المستصحب فى احدهما اثرا شرعيا للآخر وكان فى هذا المورد ثلاثة اقوال : احدها جواز الاستصحاب مطلقا : ثانيهما عدم جوازه مطلقا : ثالثها التفصيل اى ان كان الاستصحاب مستلزم المخالفة القطعية فلا يصح لان جريان الاستصحاب فى كلا الطرفين مستلزم للمحذور المذكور وجريان الاستصحاب فى

٢٥٨

احدهما ترجيح بلا مرجح.

واما اذا لم يكن جريان الاستصحاب مستلزما لما ذكر فيصح لوجود المقتضى فى كليهما واما الشيخ فيقول انه لا يجرى الاستصحاب فى كل من الطرفين للزوم المناقضة بين صدر الدليل وذيله اى يقول الصدر لا تنقض كل من الطرفين ويقول الذيل انقض احدهما بعبارة اخرى يقول الصدر اى السّالبة الكلية لا تنقض كل منهما واما الذيل فيقول تنقض احدهما للعلم بانتقاضه واذا تناقض الصدر والذيل لزم الخلف اى انت تريد اثبات الاستصحاب وهو لا يثبت.

واجاب صاحب الكفاية عن التناقض المذكور بان اليقين فى صدر الدليل وقع فى سياق النفى وهو مفيد العموم اعنى لا تنقض بكل اليقين اى سواء كان تفصيليا ام اجماليا ويقول ذيله انقض باليقين التفصيلى فقط وايضا ذكر جواب التناقض فيما سبق بوجه آخر فارجع هناك ولا يخفى ان تكرار هذه الاقوال انما يكون لاحتمال تضمنه لبعض النكات.

قوله : تذنيب لا يخفى ان مثل قاعدة التجاوز فى حال الاشتغال بالعمل الخ.

والظاهر ان القواعد الاصولية كالعمومات والامارات من كبريات الاحكام الشرعية وكذا الاصول العملية وهى فى شبهات الحكمية لا الموضوعية ولا يخفى ان قاعدة التجاوز وامثالها من القواعد الفقهية واما المهم فهو بيان لم : اى ما الفرق بينهما قد ذكر سابقا ان قاعدة لا ضرر ولا ضرار من القواعد الفقهية

٢٥٩

واما ذكرها فى الاصول فانما يكون لتقاضى بعض العلماء اى التمس بعض من صاحب الكفاية بان تذكر هذه القاعدة فى علم الاصول فذكر لاجابتهم قاعدة لا ضرر فى سياق القواعد الاصولية فقاعدة التجاوز ونحوها قواعد فقهية وذكرها فى علم الاصول كذكر قاعدة لا ضرر فيه.

واما الفرق بين هاتين القاعدتين فان القواعد الاصولية من الكبريات الكلية للاحكام الشرعية ولا تختص بباب دون باب وايضا ان هذه القواعد انما تكون فى الشبهات الحكمية لا الموضوعية.

واما القواعد الفقهية فهى مقررة فى الشبهات الموضوعية ومختصة فى الموارد الخاصة مثلا قاعدة التجاوز مختصة بباب الصلاة اى اذا وصل شخص الى الركوع وشك فى اتيان الشيء من ما قبله فيقال لا تعتن فى هذا الشك فنصت هذه القاعدة فى الصلاة واما قاعدة الفراغ لما كان دليلها قويا فلا تختص فى باب الصلاة بل تجرى هذه القاعدة فى باب الوضوء والغسل ايضا.

ويبحث هنا عن وحدة وتعدد القاعدتين اى هل تكون قاعدة التجاوز والفراغ واحدة ام تكونان متعددتين فان كانت قاعدة التجاوز من صغريات قاعدة الفراغ فتصيران قاعدة واحدة وتقول هذه القاعدة لا تعتنوا فى الشك بعد الفراغ واما فى وسط العمل فلا بد من اتيان المشكوك ولكن الشارع يقول ان جاوزت محل المشكوك فلا تعتن.

فان جعل كل من القاعدتين قاعدة واحدة فينزل الشارع كل جزء الصلاة بمنزلة الكل اى يقول اذا دخلتم فى الجزء اللاحق فلا

٢٦٠