هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

طبيعة الخمر لا على فرده ولكن اذا اخذ الموضوع من الخارج وثبت الحكم له فليس هذا اصلا مثبتا مثلا جعل زيد موضوعا وثبت حكم الانسان له فلا اشكال فيه اى اذا شك فى كون زيد فى الدار استصحب وجوده فيها فيحمل آثار الانسان عليه ولا يخفى ان هذا لم يكن اصلا مثبتا لان هذا استصحاب كلى باعتبار الوجود اى وجود الكلى انما يكون باعتبار وجود الشخص فان لم يكن للشخص اثر فالاثر مختص للكلى لكن يحمل على الفرد الخارجى لان وجود الكلى عين وجوده.

واعلم ان الكلى اما ذاتى واما عرضى والاول على ثلاثة أقسام اى الجنس والنوع والفصل مثلا اذا استصحب الشخص وحمل عليه اثر الجنس او النوع فلم يكن هذا اصلا مثبتا لعدم وجود المستقل لهذه المذكورات بل وجودها عين وجود الاشخاص كما قال صاحب القوانين «قدس‌سره» مثلا زيد قد يلاحظ مع البقر والغنم فينتزع عنه الحيوانية وقد يلاحظ مع الشجر فينتزع عنه النامية وقد يلاحظ مع الحجر فينتزع عنه الجسمية فظهر ان وجود الكلى انما يكون بوجود اشخاصه هذا بيان للكلى الذاتى.

واما ان يكون الكلى عرضيا وهو قسمان اى الاعراض الخاصة والعامة مثلا استصحب شخص ويحمل عليه اثر العنوان العرضى أى اثر الكاتبية والضاحكية وايضا ان العنوان العرضى على القسمين اى خارج المحمول والمحمول بالضميمة والفرق بينهما ان خارج المحمول لم يكن بحذائه شىء فى الخارج الا منشأ انتزاعه اى هو خارج عن الذات ويحمل عليها واذا كان الاثر لهذا العنوان العرضى

١٦١

ورتب على الفرد فهذا صحيح ولم يكن الاصل المثبت لعدم وجود المستقل للخارج المحمول بل يكون وجود هذا العنوان بوجود اشخاصه.

وقد عرف الى هنا الخارج المحمول الآن يبين المحمول بالضميمة قال شيخنا الاستاد ان تسمية هما بالاسمين محض اصطلاح والاكل منهما خارج عن الذات وكان الكلام فى الفرق بينهما وعرف الخارج المحمول واما المحمول بالضميمة فهو ما كان مبدأ اشتقاقه موجودا فى الخارج.

وتوضيحه ان السواد والبياض منشأ الاشتقاق وكان لهما وجود مستقل ويحملان مع ضميمة فاذا كان لهما اثر فلم يصح اثباته للفرد لكونه اصلا مثبتا اى اذا كان للواسطة وجود مستقل فترتب اثرها للمستصحب من الاصل المثبت وقال بعض ان المحمول بالضميمة هو الاسود والابيض فلا يصح لان وجودهما ليس مستقلا.

وكذا يلزم الاصل المثبت اذا كان المستصحب والواسطة متبائنين مثلا اذا تعلق العلم الاجمالى بنجاسة احد الظرفين واستصحب طهارة احدهما فلم يثبت حكم النجاسة للآخر لان وجوده مستقل بل كان فيه الشك البدوى فتجرى اصالة الطهارة فان قلت ان قضية العلم الاجمالى نجاسة احدهما فكيف تجرى اصالة الطهارة فيه قلت انه ينحل لخروج احد الطرفين بالاستصحاب وخرج الطرف الآخر عن محل الابتلاء.

الحاصل ان التنبيه الثامن كان لدفع التوهم الناشي عن الشيخ والمراد منه ان ثلاثة موارد الاصل المثبت على مذهبه

١٦٢

ولكن المصنف جعل الاصل المثبت موردا واحدا توضيحه ان الاثر : اما ان يكون للعنوان الذاتى اى الكلى الذى كان وجوده عين وجود اشخاصه : واما ان يكون الاثر للعنوان العرضى وهذا اما ان يكون الخارج المحمول واما ان يكون المحمول بالضميمة.

فقال الشيخ انه لا يصح اثبات الاثر للمستصحب بتوسط هذه العناوين لانه مستلزم للاصل المثبت واما المصنف فدفع هذا التوهم بان الاصل المثبت انما يكون فى مورد واحد وهو ما كان العنوان العرضى فيه محمولا بالضميمة وكذا المصنف جعل الضّابطة لمعرفة الاصل المثبت اى اذا كان الاثر للشيء الذى كان له الوجود المستقل فاثبات هذا الاثر للمستصحب اصل مثبت واما اذا كان الاثر للشيء الذى لم يكن له وجود مستقل فاثبات هذا الاثر للمستصحب لم يكن اصلا مثبتا.

قوله كذا لا تفاوت فى الاثر المستصحب او المترتب عليه الخ.

كان الكلام فى اول التنبيه الثامن مع الشيخ (قده) واجاب المصنف عن توهمه اى قد توهم الشيخ ان ثلاثة موارد اصل مثبت واجاب المصنف بان الاصل المثبت انما يكون فى المورد الواحد اى فى المورد الذى كان العنوان العرضى محمولا بالضميمة الآن يبحث من المورد الثانى من الموارد التى توهم كون الاصل فيها مثبتا كاستصحاب الجزئية والشرطية فاجاب المصنف عن هذا التوهم بقوله وكذا لا تفاوت فى الاثر المستصحب الخ. والظاهر ان المستصحب اما ان يكون حكما كاستصحاب الوجوب

١٦٣

او الحرمة واما ان يكون موضوعا ذا اثر شرعى كاستصحاب الاستطاعة فى مسئلة الحج فيترتب عليه وجوب الحج وكاستصحاب حيوة زيد فيترتب عليه وجوب نفقة زوجته.

وكذا يصح الاستصحاب اذا كان المستصحب من الاحكام الوضعية كالقضاوة والولاية والوكالة فهذه الاحكام مجعولة بجعل الشارع مثلا اذا شك فى القضاوة فاستصحابها صحيح اى كان الشخص قاضيا فشك فيه فيستصحب قضاوته لوجود اليقين السابق والشك اللاحق وكذا يصح استصحاب الوكالة والولاية فلا اشكال فى هذه المذكورات لكونها مجعولة بالجعل الاستقلالى.

واما اذا كان الحكم الوضعي مجعولا بالتبع وبمنشإ انتزاعه كالجزئية والشرطية والمانعية فتوهم بعض انها ليست من الآثار الشرعية فلا يصح استصحابها ولكن المصنف يقول لا تفاوت بين ان يكون مجعولا شرعا بنفسه كالحكم التكليفي وبعض انحاء الحكم الوضعي كالقضاوة والولاية.

وكذا لا تفاوت فى المستصحب ان يكون مجعولا بمنشإ انتزاعه اى لا يضر فى الاستصحاب ان يكون المستصحب مجعولا بالتبع مثلا الطهارة مجعولة شرعا فينتزع منها الشرطية اى ينتزع من الطهارة الحدثية والخبثية الشرطية والطهارة من الحدث من الامور الواقعية بالجعل الشارع واما الطهارة من الخبث فهى من الامور الظاهرية مثلا اذا كان الشخص متيقنا بالطهارة وشك فى الزمان الثانى فيها استصحب بقاء الطهارة.

وكذا يصح استصحاب الشرطية لكونها مجعولة بمنشإ انتزاعها اى الطهارة وكذا يصح استصحاب الجزئية مثلا جعل

١٦٤

المركب مأمورا به كالصلاة فهى مركبة من الفاتحة والسورة والركوع والسجود اى كان المركب كالمعجون فيجعل الجزئية لكل هذه الاجزاء لكن المجعول اولا نفس المركب اى الامر تعلق على الصلاة لكن السورة مجعولة بالتبع فيصح استصحابها.

وكذا المانعية والرافعية فانهما مجعولتان بالتبع والفرق بينهما ان الحدث ان كان اولا فهو مانع عن الصلاة وان وقع فى بينها فهو رافع فاستصحاب الطاهرة او المانع كنجاسة الخبثية لترتب الآثار الشرطية وهى جواز الدخول فى الصلاة وترتيب آثار المانعية وهى عدم جواز الدخول فيها ليس بمثبت اى استصحابهما ليس مثبتا لكون الشرطية والمانعية مجعولتين شرعا بجعل منشأ انتزاعهما مثلا الطهارة مجعولة والشرطية منتزعة عنها وكذا ازالة النجاسة شرط فى الصلاة والمانعية منتزعة عنها اى عن النجاسة.

وقد ذكر فى اول باب الاستصحاب عند قوله ومنها ما يمكن فيه الجعل استقلالا بانشائه وتبعا للتكليف بكونه منشئا لانتزاعه قد ذكر اولا البحث السببية والشرطية والمانعية وذكر ثانيا البحث الجزئية والشرطية والمانعية والقاطعية فان هذه المذكورات تنتزع من المستصحب مثلا ينتزع من استصحاب الطهارة الشرطية فيصح استصحاب ذات الشرط وذات مانع وكذا يصح استصحاب العنوان المنتزع.

والفرق بينهما ان المراد من ذات الشرط اى الطهارة وذات المانع اى الحدث والنجاسة والمراد من العنوان المنتزع هو

١٦٥

الوصف العنوانى كالشرطية والجزئية والمانعية فاستصحاب هذا العنوان لم يكن اصلا مثبتا لانها مجعولة بالتبع وان توهم الشيخ ان استصحابها الاصل المثبت.

قوله فافهم.

اشارة الى ان المستصحب انما يكون ذات الشرط والمانع ولا يصح استصحاب الوصف العنوانى اى هذا تأييد لقول الشيخ.

قوله وكذا لا تفاوت فى المستصحب او المترتب بين ان يكون بثبوت الاثر ووجوده الخ.

هذا اشارة الى المقام الثالث اى ان الشيخ توهم بعدم صحة الاستصحاب فى الموارد الثلاثة قد ذكر المورد ان منها مع دفع توهمه الآن يذكر المورد الثالث اى ذكر سابقا ان المستصحب حكم شرعى او موضوع ذو اثر شرعى فلا اشكال فيه واما اذا استصحب عدم وجوب الشيء او عدم حرمته فهذا شىء عدمى فلا يصح استصحابه لان العدم لم يكن مجعولا شرعيا والمستصحب اما ان يكون حكما شرعيا او موضوعا ذا اثر شرعى.

فاجاب المصنف عن هذا التوهم بقوله وكذا لا تفاوت فى المستصحب اى لا فرق فى الاستصحاب بين الشيء الوجودى والعدمى لان المراد من المستصحب ما كان وضعه ورفعه بيد الشارع فاستصحاب العدم كان الرفع بيد الشارع وهذا يكفى فى كون المستصحب ذا اثر شرعى وسلمنا ان العدم ليس حكما شرعيا لكن لما كان رفعه ووضعه بيد الشارع فهذا المقدار كاف فى مقام الاستصحاب وكذا لا تنقض اليقين بالشك يشمل صورة

١٦٦

اثبات التكليف وصورة نفيه فيصح استصحاب عدم الوجوب وعدم الحرمة. واما الشيخ فقال فى الرسائل فلا وجه للاستصحاب عدم التكليف لان المستصحب ما كان له اثر شرعى وليس اثر لنفى التكليف ولو فرض الاثر لعدم الفعل وعدم الحرمة فهو عدم استحقاق العقاب والظاهر ان هذا الاثر عقلى.

فاجاب المصنف عن هذا الاشكال بان عدم التكليف وضعه ورفعه بيد الشارع فهذا كاف فى مقام الاستصحاب وقال المصنف. ايضا انه يمكن ان يكون عدم استحقاق العقاب اثرا شرعيا لانه اثر عقلى بالنسبة الى الواقع واما اذا كان اعم من الظاهر والواقع فيمكن ان يقال ان عدم استحقاق العقاب اثر لعدم المنع فى الظاهر فهذا اثر تعبدى.

قوله فتأمل.

هذا اشارة الى قول الشيخ اى يقول ان عدم استحقاق العقوبة لا يحتاج الى استصحاب عدم المنع من الفعل لان عدم العلم بالمنع من الفعل كاف فى عدم استحقاق العقاب اى الشك فى المنع من الفعل كاف فيه.

بعبارة شيخنا الاستاد ان مقصود الشيخ فى المقام ابو حكم واحد اى يبحث ان الموضوع لعدم استحقاق هو هل العلم بعدم التكليف ام هو عدم العلم به فقال الشيخ ان الموضوع فى المقام هو عدم العلم بالفعل اى ابو حكم واحد ولم يكن الموضوع العلم بعدم التكليف.

ولا يخفى ان بعض الاشياء ابو الحكمين اى فى صورة العلم

١٦٧

له حكم وفى صورة عدم العلم له حكم آخر اى مقام البحث ابو الحكمين على مذهب صاحب الكفاية ففى صورة العلم بعدم التكليف يحكم بعدم استحقاق العقوبة فى اتيان الفعل او تركه واما فى صورة عدم العلم بالمنع فلا يجوز اتيان الفعل ولا يحكم بعدم استحقاق العقوبة فنحتاج الى استصحاب عدم المنع او عدم امر.

واما على قول الشيخ فالمقام ابو حكم واحد اى فى صورة عدم العلم بالتكليف يحكم بعدم استحقاق العقوبة ولا حاجة الى استصحاب عدم المنع.

فائدة ان المراد من الاصل المثبت ما يثبت الاثر الشرعي بواسطة اثر عقلى واما اذا كان للمستصحب اثر عقلى من دون ان يترتب عليه اثر شرعى فلا يطلق عليه الاصل المثبت.

واشكل هنا شيخنا الاستاد على المصنف حاصله قد ذكر انه يصح استصحاب الجزئية والشرطية والمانعية فهذا لا يصح بالنسبة الى الجزئية لانها اما ان يعطى الوجود لها واما ان لا يعطى اى ليس الوجود الخارجى للجزئية فلا حاجة الى الاستصحاب فى اثبات الجزئية بل يستصحب فيه نفس الامر واما استصحاب الشرطية والمانعية فهو صحيح لوجودهما فى الخارج.

قوله التاسع انه لا يذهب عليك ان عدم ترتب الاثر الغير الشرعي الخ.

ولا يخفى ان الامر الثامن والتاسع والعاشر من متممات الامر السابع لكن جعل المصنف كل منها امرا مستقلا لئلا يخالط ما

١٦٨

هو مقصود من هذه الامور قد علمت فى الامر السابع ان مثبتات الاستصحاب لم تكن حجة لان قاعدة الاستصحاب هى استصحاب حكم شرعى او استصحاب موضوع ذى اثر شرعى واما الاثر الشرعي الذى يترتب على المستصحب بتوسط اللازم العقلى فهو الاصل المثبت وقد ذكر ان ثلاثة موارد محل الاختلاف بين الشيخ وصاحب الكفاية «قدهما» وتوهم الشيخ انها الاصل المثبت ودفع المصنف هذا التوهم.

وقد علم ان المراد من هذه الموارد الثلاثة الاول : ما يكون المستصحب فيه كليا. والثانى ما يكون المستصحب فيه عرضيا وهذا على قسمين اى اما أن يكون خارج المحمول واما ان يكون محمولا بالضميمة قد عرف شرحهما وايضا ذكر ان المجعول اعم من ان يكون بالاستقلال كالقضاوة والوكالة او بالتبع كالجزئية والشرطية وايضا علم ان استصحاب عدم الفعل وعدم الحرمة صحيح ايضا.

فبين المصنف فى الامر التاسع ان الموارد المذكورة لم تكن اصلا مثبتا قد ذكر سابقا ان المستصحب ما يكون وضعه ورفعه بيد الشارع من حيث إنّه شارع لا من حيث إنّه مكون فاذا لم يكن المستصحب حكما شرعيا ولا موضوعا ذا اثر شرعى فهذا الاصل المثبت اى هو ما ثبت فيه اللازم الشرعي بتوسط اللازم العقلى واما اذا لم يكن الاثر الشرعي بل كان المقصود اثبات اللازم العقلى فقط فليس هنا الاصل المثبت ويقال انه لم يكن اثر شرعى فى هذا المورد والظاهر انه اذا استصحب الوجوب ترتبت الآثار العقلية والشرعية.

١٦٩

وقد ذكر سابقا ان بعد الاستصحاب يجعل الحكم المماثل اى كان اعم من الحكم الواقعى والظاهرى فلا فرق بين القطع والظن والاستصحاب فى اثبات الحكم اى دليل الاستصحاب دال على ترتب الآثار العقلية والشرعية على المستصحب وايضا ذكر ان الدليل دال على جعل الحجية للاستصحاب اى لا تنقض اليقين بالشك كان هذا الدليل بمنزلة لا تنقض الحجة.

فيبحث فى باب الاستصحاب للمناسبة من الملازمة بين الحكم العقل والشرع قد علم هذا البحث فى باب مقدمة الواجب اى هل تجب المقدمة بوجوب ذى المقدمة ام لا ولا يخفى ان المقدمة واجبة عقلا ولا نزاع فيه والبحث انما يكون فى الوجوب الشرعي للمقدمة اى هل يتولد من ارادة ذى المقدمة ارادة اخرى الى ـ المقدمة بعبارة اخرى هل يتعدى الوجوب من ذى المقدمة الى المقدمة.

ومن باب المناسبة يذكر هنا الجملة المعترضة قال شيخنا الاستاد ان السيد الجوادى كان مقبرته فى صحن امير المؤمنين عليه‌السلام وكان عالما ومتكلما وسافر لتبليغ الاحكام الاسلامية الى الكاظمين وذهب الى كليسا اى المعبد المسيحى وجاء العالم المسيحى سئل عنه ما تدريسكم فى النجف قال فى الجواب ان دروسنا الفقه والاصول وايضا سئل ما الفقه وما الاصول فقال فى الجواب الفقه ما يبحث فيه من العبادات والمعاملات الى الحدود والقصاص والديات واما الاصول فهو مقدمة للفقه.

وقد ذكر هذه الجملة المعترضة لتوضيح المقدمة فيرجع

١٧٠

الى المقصود اى ان الملازمة بين المقدمة وذى المقدمة عقلية مثلا يجب نصب السلم عقلا واما ترشح الوجوب عنه اليها فهو محل البحث مثلا الحج واجب ولكن يبحث فى وجوب مقدمته شرعا فاذا استصحب وجوب ذى المقدمة فهل استصحب وجوب المقدمة شرعا اى هل تثبت الملازمة بين حكم العقل والشرع فى وجوبها مثل اذا استصحب ذو المقدمة يترتب عليه وجوب المقدمة عقلا فهل يثبت وجوب المقدمة شرعا من باب الملازمة بين حكم العقل والشرع.

قوله فان آثاره شرعية كانت او غيرها تترتب عليه الخ.

واعلم ان الاقسام المتصورة فى هذا المقام على عشرة اقسام ويحتمل أن تكون هذه الاقسام من الاصل المثبت واستثنى اربعة اقسام من الاحتمال المذكور ولكن لا يظهر ان هذا الاستثناء متصل او منقطع اى هذه الاقسام الاربعة لم تكن اصلا مثبتا على مذهب المصنف.

وتوضيح هذه الاقسام : الاول ما استصحب الحكم بتوسط الاثر العقلى الذى كان اعم من الظاهرى والواقعى فيترتب حينئذ الاثر الشرعي الذى كان لازما للاثر العقلى. والثانى : ما استصحب الموضوع وكان له الاثر العقلى الذى اعم من الظاهرى والواقعى فان كان له الاثر الشرعي صح ترتبه. الثالث : ما استصحب الموضوع الذى كان له الاثر الشرعي بتوسط اثر عقلى اعم من الظاهر والواقع. الرابع : ما استصحب الموضوع الذى كان مجعولا شرعيا ويترتب عليه الاثر الشرعي بتوسط

١٧١

الاثر العقلى الذى كان اعم من الظاهرى والواقعى.

فيصح ترتب الاثر الشرعي والعقلى فى هذه الموارد الاربعة لتحقق الموضوع بتوسط اثر عقلى اعم من الظاهرى والواقعى.

واما الصور التى لا يصح الاستصحاب فيها فهى ستة : والاول ما يترتب فيه اللازم العقلى على الموضوع الخارجى الذى كان غير مجعول : والثانى ان يترتب الاثر العقلى على الموضوع الخارجى كان مجعولا ولكن كان هذا الاثر مختصا للواقع : والثالث ان يستصحب موضوع الحكم الذى كان له اثر شرعى بتوسط الاثر العقلى الواقعى : والرابع ان يستصحب الموضوع الخارجى الذى كان له اثر شرعى بتوسط الاثر العقلى الواقعى : والخامس ان يستصحب الشيء الذى كان له الاثر العقلى الواقعى : والسادس ان يترتب الحكم العقلى على وجود الحكم الواقعى الذى استصحب.

فلا يصح هذه الصور المذكورة لانها الاصل المثبت ولا يخفى ان الآثار العقلية فى هذه الموارد انما تكون للموضوع الواقعى فلا تترتب بالاستصحاب مثلا اذا نذر شخص باعطاء درهم للفقير ان كان زيد حيّا مع انبات اللحية فهو مختص بالواقع اى فليكون انباتها فى الواقع فلا يترتب الحكم الشرعي اى وجوب اعطاء الدرهم فى هذه الصورة لعدم ثبوته فى الواقع اى لا يثبت هذا بالاستصحاب

قوله : العاشر انه قد ظهر مما مر لزوم ان يكون المستصحب حكما شرعيا الخ.

قد ذكر ان المستصحب اما حكم واما موضوع ذو حكم

١٧٢

فيسأل هل يعتبر هذا فى حال الثبوت والبقاء ام يكفى ما ذكر فى حال البقاء وقال المتوهم ان المعتبر كون المستصحب حكما او موضوعا ذا حكم فى حال الثبوت والبقاء فدفع هذا التوهم اى يكفى ما ذكر فى حال البقاء

ولا يخفى ان النسبة بين الحالتين هى العموم والخصوص من وجه اى يمكن ان يكون المستصحب حكما شرعيا فى مرحلة الثبوت والبقاء وكذا يمكن ان يكون حكما شرعيا فى مرحلة الثبوت فقط وايضا يمكن ان يكون حكما شرعيا فى مرحلة البقاء فحسب والظاهر انما يكفى هذا فى صورة اثبات الحكم المماثل واما ان قلنا انما يثبت بالاستصحاب نفس الحكم السابق فلا بد ان يكون المستصحب حكما فى مقام الثبوت فهذا دال على صحة قول المتوهم اى يعتبر ثبوت حكم او موضوع ذى حكم فى مرحلة الثبوت.

واما صاحب الكفاية فيقول ان المعتبر هو ثبوت حكم او موضوع ذى حكم فى مرحلة البقاء واما ان كان الحكم فى مرحلة الثبوت ايضا فهو نور على نور بعبارة شيخنا الاستاد اگر حكم ويا موضوع صاحب حكم هم در مرحلة ثبوت باشد وهم در مرحلة بقاء باشد اين شيرين تر مى شود.

وقد بيّن هنا الموارد التى كان الحكم موجودا فيها فى مرحلة البقاء وان لم يكن كذلك فى مرحلة الثبوت اى كان الحكم موجودا بقاء فى اربعة موارد.

الاول ما استصحب فيه عدم التكليف لانه حادث بل كل موجود حادث وقد ذكر الشيخ فى الرسائل ان العالم حادث اى ذكر

١٧٣

هناك فى باب القطع : وكلما حصل القطع من دليل نقلى مثل القطع الحاصل من اجماع جميع الشرائع على حدوث العالم زمانا فلا يجوز ان يحصل القطع على خلافه من دليل عقلى اى قال ان النقل مقدم على العقل فالعالم حادث وهذا ضرورى عند كل ملل ونحل.

فثبت حدوث التكليف بالبيان المذكور واذا شك فى الاحكام التكليفية استصحب عدمها فهذا المستصحب لم يكن بحكم مجعول فى الازل اى هو عدم ازلى وكذا يقال له هو عدمى فى لم يزل فهما اى ازل ولم يزل عبارة من الماضى والمراد من ازلى اى لا اول له وابدى اى لا آخر له وسرمدى اى لا اول ولا آخر له ولا يخفى ان ما ذكر من اوصافه تعالى ولم يزل اخذ من مادة زال واما ازل فاخذ من مادة اخرى.

فيرجع الى ما نحن فيه اى لم يكن الحكم فى الازل وفى لم يزل ولكن كان الحكم فى لا يزال اى المستقبل والظاهر ان استصحاب عدم التكليف مجعول فيما لا يزال وهو عبارة من المستقبل فيصح استصحاب عدم الحكم لان الرفع والدفع انما يكون بيد الشارع من حيث إنّه شارع لا من حيث إنّه مكون فاذا كان رفع الشيء ودفعه بيد الشارع من حيث إنّه مكون فهذا خارج عن محل البحث.

والظاهر ان نسبة القدرة الى الوجود والعدم مساوية واذا كان وجود الشيء بيد الشارع فعدمه بيده ايضا فظهر ان عدم التكليف لم يكن مجعولا فى الازل ومقام الثبوت واما فى مقام البقاء فيصح ان يكون مجعولا قد ذكر الى هنا المورد الاول وهو

١٧٤

ما لم يكن حكما اصلا كما فى استصحاب العدم الازلى للاحكام.

الثانى ما كان كذلك اى كان حكم للشيء ولكن لم يكن فعليا كما فى استصحاب الحرمة المعلقة فى مسئلة الزبيب.

الثالث ما كان موضوعا لا حكم له كاستصحاب عدم القرشية حين عدم وجود المرأة فانه لا اثر له وانما هو بعد وجودها اى كان الاثر فى مرتبة البقاء بعد وجود المرأة فاذا شك فى قرشيتها استصحب عدم قرشية واما فى مرتبة الثبوت فالموضوع هو العدم الازلى اى لم يكن فى الازل المرأة حتى تكون قرشية.

الرابع ما له حكم غير فعلى اى كان الموضوع ذا حكم ولم يكن هذا الحكم فعليا فى مرتبة الثبوت ولكن كان الحكم الفعلى لهذا الموضوع فى مرتبة البقاء مثلا اذا أتيت الصلاة غفلة فليس لها حكم فى هذا الحال ولكن يصح استصحاب الوجوب بعدا.

فتمت الى هنا الموارد الاربعة التى لا يقبل الخصم استصحابا فيها بان يقول لا حكم فى هذه الموارد فى مرتبة الثبوت اى لم يكن المستصحب فى هذه الموارد حكما ولا موضوع ذا حكم فى مقام الثبوت.

واما صاحب الكفاية فيقول ان الاستصحاب صحيح فى هذه الموارد باعتبار مرتبة البقاء اى ان كان الحكم فى مرحلة البقاء او كان موضوع ذو حكم فيها فهذا كاف فى صحة الاستصحاب وقد ذكر ان استصحاب عدم قرشية لا اثر له فى مقام الثبوت لان هذا عدم ازلى اى لم تكن المرأة موجودة حتى يترتب عليها عدم قرشية واما فى مقام البقاء اى بعد وجود المرأة فيصح استصحاب عدم قرشيتها وكذا اتيان الصلاة غفلة اى لم يكن الحكم الفعلى

١٧٥

لهذه الصلاة واما فى مرتبة البقاء فلها حكم فعلى لانها واجبة فاذا شك فى وجوبها استصحب وكذا استصحاب حياة زيد الى زمان موت والده مثلا سافر زيد الى مكان بعيد فشك فى حياته فلا اثر لاستصحاب الحياة بالنسبة الى الارث من الاب لكونه معلقا على موته ولكن كان الاثر الفعلى لهذا الاستصحاب فى مرتبة البقاء اى بعد موت والده.

وكذا لا حكم فى عدم التكليف فى الازل اى لا حكم فيه حتى يقال انه بيد الشارع واما فى مرحلة البقاء اى بعد جعل القانون فكان الحكم الذى هو بيد الشارع وقد ذكر ان نسبة القدرة مساوية الى الوجود والعدم فاستصحاب عدم التكليف حينئذ صحيح لان رفعه ودفعه فى يده كوجوده والظاهر ان اثبات حكم مماثل انما يكون فى المورد الذى كان دفعه بيد الشارع.

ولا يخفى ان الجعل الذى كان عن الله تعالى على قسمين اى تكوينى وتشريعى والمراد من الجعل التشريعي اى تشريع القانون والقواعد التى يعمل بها فكان البحث فيه اى اذا شك فى هذه القواعد استصحب عدمها لان الشارع من حيث إنّه شارع كان الرفع والدفع بيده ولا بحث فى هذا المقام من حيث إنّه مكون لانه انما يكون فى مقام التشريع.

قوله : الحادى عشر لا اشكال فى الاستصحاب فيما كان الشك فى اصل التحقق حكم او موضوع الخ.

اى فيجرى استصحاب عدم الحكم وعدم الموضوع من غير الفرق بين ان يكون الاثر مترتبا على نفس العدم او على الوجود

١٧٦

ولا يخفى ان اصل وضع التنبيه الحادى عشر انما يكون لبيان ما هو معروف فى الالسنة من اصالة تأخر الحادث اى هل يصح هذا ام لا؟ فقال ان هذا صحيح وقال بعض انه لا يصح جريان هذا الاصل وقال بعض آخر ان التفصيل حسن اى ان كان هذا الحادث بسيطا فلا يجرى الاصل واما ان كان مركبا فيجرى ويجيء تفصيل هذا.

ورتبت هنا مقدمة لتوضيح ما نحن فيه وهى ان التقدم والتأخر كانا من المتضايفين اى لا يمكن تعقل كل منهما الا بالقياس الى تعقل الآخر مثلا لا يتعقل مفهوم التقدم الا بتعقل مفهوم التأخر فالمراد من التقدم هو عبارة عن وجود الشيء قبل وجود شىء آخر ولا فرق فى ذلك بين الزمان والزمانى مثلا لم يكن هذا فى يوم السبت فلم يكن فى يوم الاحد هذا مثال تقدم الزمان واما تقدم وتأخر زمانى فكتقديم اب على ابن.

ولا يخفى ان التقدم امر بسيط وعنوان منتزع مثلا اذا وجد شىء قبل شىء آخر انتزع عن هذا التقدم وكذا التأخر فانه امر بسيط انتزاعى مثلا اذا وجد الشيء بعد شىء آخر انتزع عنه التأخر هذا بيان للتقدم والتأخر البسيطين.

واما اذا قلنا ان التقدم والتأخر مركبان فالتقدم عبارة عن وجود الشيء قبل وجود شىء آخر والتأخر هو وجود الشيء بعد الشيء السابق اى كان وجود اللاحق بعد وجود الشيء السابق وكذا العدم اى ما كان معدوما فى السابق فوجد فى اللاحق وقد بين الى هنا معنى التقدم والتأخر.

واما الحدوث فهو فى مقابل القدم فهو نحو من الوجود

١٧٧

الخاص اى اول وجود فى مقابل القديم او البقاء فالحدوث امر بسيط انتزاعى اى ينتزع من اول وجود فى الوقت المعين ويحتمل ان يكون الحدوث مركبا من العدم السابق والوجود اللاحق اى اول وجود.

واذا تمت المقدمة فيرجع الى ما نحن فيه اى اذا كان الشك فى تقدمه بعد القطع بتحققه وحدوثه فى زمان فهل يثبت الحكم او الموضوع فى هذا المورد بالاستصحاب ام لا مثلا ثبت الكرية ولكن لا يعلم انها كانت فى يوم الجمعة او فى يوم السبت واذا استصحب عدمها فى يوم الجمعة فلم يثبت التأخر اى لم يثبت وجود الكرية فى يوم السبت لان هذا اصل مثبت.

ويذكر هنا مثال آخر لتوضيح ما نحن فيه قد ذكر فى الفقه انه لا يجوز للراهن التصرف فى العين المرهونة الا باذن المرتهن ومع اذنه يجوز تصرفه فيها ولكن اذا رجع عن اذنه فلا يجوز التصرف واذا شك ان هذا الرجوع هل كان فى يوم الخميس ام فى يوم الجمعة فاذا استصحب عدمه فى يوم جمعة فلم يثبت انه كان فى يوم الخميس حتى يصح بيع العين المرهونة فى يوم الجمعة وكذا الكرية لا تثبت بالاصل مثلا اذا استصحب عدمها فى يوم الجمعة فلم يثبت انها كانت فى يوم السبت.

فظهر ان التقدم والتأخر عنوان انتزاعى بسيط فلا يثبت بالاصل واما اذا كانا مركبين صح اثباتهما بالاصل اى فى صورة التركيب يثبت احد الجزءين بالاصل والآخر بالوجدان والمراد من المركب هو ان يكون التقدم مركبا من الوجود والعدم مثلا يقال ان التقدم عبارة من الوجود بان لم يكن قبل هذا فيصح ان

١٧٨

يقال ان الاصل عدم التقدم الطهارة فلازمه تأخرها ولكن تأخرها ذو اثر ويترتب هذا الاثر لعدم التقدم لان الواسطة اى تأخر الطهارة خفية وكذا يصح ترتب الاثر فى صورة عدم التفكيك بين اصالة عدم التقدم الطهارة وبين الاثر الذى كان لتأخرها

واما الحدوث ففى صورة كونه بسيطا لا يثبت بالاصل اى اذا استصحب عدم الشيء فى يوم الخميس فلم يثبت حدوثه فى الجمعة واما اذا قلنا ان الحدوث مركب من الوجود والعدم فهو ثابت بالاصل اى يثبت احد الجزءين بالاصل والآخر بالوجدان مثلا العدم فى الخميس يثبت بالاصل واما وجوده فى يوم الجمعة فيثبت بالوجدان.

قد ذكر الى هنا مطلبان الاول ما ذكر المصنف بقوله لا اشكال فى الاستصحاب فيما كان الشك فى اصل تحقق حكم او موضوع اى اذ شك فى تحقق حكم او موضوع ذى حكم استصحب عدهما ولا فرق بين استصحاب الوجود والعدم ولا يخفى ان العدم اما ان يكون الاثر لنفسه كعدم ازلى اى كان اثر لنفسه لان رفعه ودفعه بيد الشارع واما ان يكون الاثر للمضاف اليه كاستصحاب عدم الوجوب اى كان الاثر للمضاف الذى هو الوجوب فيصح استصحاب عدم ترتب اثر الوجوب.

المطلب الثانى اى اذا كان الشك فى التقدم والتأخر فى الزمان مثلا اذا شك فى كرية الماء فهل كانت فى يوم الجمعة ام فى يوم السبت قد ذكر انه اذا استصحب عدم الكرية فى يوم الجمعة فلم يثبت تأخر فى يوم السبت.

١٧٩

واما اذا قلنا ان التقدم مركب من الوجود والعدم فيصح ترتيب اثر التأخر لعدم التقدم اى كان ترتب هذا الاثر اما من باب عدم التفكيك بين هذا الاثر وبين عدم التقدم واما يترتب اثر التأخر لعدم التقدم من جهة خفاء الواسطة والمراد منها التأخر الذى هو لازم لعدم التقدم وكذا الحدوث اى هو كالتقدم اذا قلنا إنّه مركب من الوجود والعدم فيصح اثباته بالاصل اى يثبت الجزء العدمى بالاصل والجزء الوجودى بالوجدان.

وبعبارة اخرى يثبت اثر الحدوث المتأخر لعدم تقدمه اما من باب عدم انفكاك بين عدم الحدوث فيما تقدم وبين الاثر المتأخر واما يثبت هذا الاثر لخفاء الواسطة اى تأخر الحدوث خفى عند العرف قد كرر هذان المطلبان تبعا لشيخنا الاستاد.

قوله نعم لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب.

اى هذا بيان لجواز ترتيب آثار حدوث الحادث فى يوم الجمعة باستصحاب عدم حدوثه يوم الخميس بناء على كون الحدوث من الموضوع المركب وقد بين وجه تركبه وقد كان البحث اولا فى اصل الحدوث اى اذا شك فى حدوث حكم او موضوع فالاصل عدمه وايضا ذكر ان الاثر اما يكون لنفس العدم واما يكون لما اضيف اليه وذكر ثانيا ان الموضوع متحقق واما الشك فى زمانه ويذكر هنا المورد الثالث بقوله وان لوحظ بالاضافة الى حادث آخر علم بحدوثه ايضا الخ.

هذا معطوف على قوله فان لوحظ بالاضافة الى اجزاء الزمان والبحث هنا فى الحادثين الذين علم حدوثهما والشك انما يكون

١٨٠