هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٤

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: مطبعة سيد الشهداء عليه السلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٦٣

هذا الحكم فى الشريعة الاسلامية استصحب عدم نسخه.

ومثال آخر ما ذكر فى قضية اليعقوب عليه‌السلام اذا فقد جام السلطنة قيل لبنيه من كفيلكم فعينوا شخصا للكفالة وكان هذا من كفالة ما لم يجب اى كان ضمان ما لم يجب فى الشرائع السابقة فان شك فى نسخه فى الشريعة الاسلامية استصحب عدمه والمراد من هذا الضمان مثلا لم يكن فى ذمة زيد شىء وكفل عمرو عنه من دون الموجب.

وكان هذا النوع من الضمانة فى الشرائع السابقة فصح استصحاب عدم النسخ فى هذه الشريعة اذا شك عند الشيخ وصاحب الكفاية «قدس‌سرهما» وخالف فيه صاحب الشرائع والقوانين والفصول «قدس سرّهم»

فاشكل المانعون باشكالين الاول انه لم تتم اركان الاستصحاب فى هذا المورد لعدم اليقين على الحدوث اى يكون هذا الحكم مختصا للشرائع السابقة ولم يكن الحكم المذكور لنا فيكون الاشكال من ناحية الشك فى المقتضى اى الشك فى حدوث هذه الاحكام لنا.

الثانى اى الاشكال الثانى انه لا يتصور الشك فى البقاء لانه فرع اليقين على الحدوث ولم يكن فى المقام اليقين على الحدوث ولو سلم الركن الاول اى اليقين على الثبوت لانتفى الركن الثانى اى لم يكن الشك فى البقاء بل كان اليقين بارتفاع الاحكام السابقة بالنسخ فيكون الاشكال من جهة المانع اى نسخ الشرائع السابقة مانع جريان الاستصحاب.

والجواب عن الاشكال الاول انه قد علم فى المنطق ان

١٤١

القضية حقيقية وخارجية والمراد من الثانى ما ثبت الحكم فيه للافراد الموجودة فى الخارج والمراد من الاول اى القضية الحقيقية ما ثبت الحكم فيه للافراد المحققة والمقدرة والاشكال يرد اذا كانت الشرائع السابقة على نحو القضية الخارجية اى يكون الحكم للموجودين فى ذلك الزمان وليس هذا الحكم لنا.

واما اذا كان الحكم فى الشرائع السابقة على نحو القضية الحقيقية فلا يرد الاشكال لان الحكم شامل للافراد الموجودة اى اهل الشرائع السابقة وللافراد المقدرة اى اهل هذه الشريعة الاسلامية مثلا كل فاعل مرفوع سواء كان موجودا فعلا ام يجد فى الزمان البعدى

وكذا الحكم فى مقام البحث اى كان الحكم فى الشرائع السابقة على نحو القضية الحقيقية فيشمل لهم ولنا فاذا شك فى حكم الشرائع المذكورة فهو كالشك فى حكم شرعنا اى اذا شك فى نسخه وعدمه استصحب عدمه قال شيخنا الاستاد ان الحكم فى الشرائع السابقة كان للعنوان اى المكلف الذى وجد او يجد فى المستقبل هذا جواب عن الاشكال الاول.

واما الجواب عن الاشكال الثانى اى قد اشكل ان الشرائع السابقة نسخت بعد مجىء شرعنا فالنسخ مانع عن جريان الاستصحاب اى قد علمنا ان الشرائع المذكورة نسخت فلا مجال لاستصحابها هذا حاصل الاشكال الثانى واما الجواب فنقول ان الشرع اللاحق لا يكون موجبا لنسخ الشرع السابق والدليل له انه قال العيسوى ان عيسى عليه‌السلام جاء لتكميل الشرع السابق اى شرع موسى (ع) وكذا يقول لنا ان محمدا «ص» لم يجيء لنسخ الشرائع السابقة بل جاء لتكميلها.

١٤٢

واجاب المصنف عن الاشكال المذكور بانا سلمنا النسخ ولكن لم ينسخ جميع احكامها فيجرى الاستصحاب فيما شك فى نسخه فليس مقتضى النسخ ارتفاع تمام احكام الشريعة السابقة بل مراد من نسخ الشريعة هو نسخ بعض احكامها.

قوله والعلم اجمالا بارتفاع بعضها انما يمنع عن استصحاب ما شك الخ.

هذه اشارة الى دليل آخر عن المنكرين لحجية استصحاب عدم نسخ حكم من احكام الشرائع السابقة ومرجعه الى ان علم الاجمالى بوجود النسخ يمنع عن استصحاب عدم النسخ مثلا اذا علمنا النسخ خمسين حكما من احكام الشرائع السابقة اجمالا ولم نعرف موارد هذه الاحكام المنسوخة تفصيلا فهذا العلم الاجمالى يمنع من استصحاب عدم النسخ لتقدمه على الاستصحاب هذا اشكال عن المنكرين لحجية استصحاب عدم النسخ.

واجاب المصنف عن هذا الاشكال بان العلم الاجمالى ينحل الى العلم التفصيلى اى لم يكن المورد المشكوك من اطرافه مثلا نعلم اجمالا بنسخ جملة من احكام الشرائع السابقة وايضا نعلم ان المورد المشكوك ليس منها فثبت انحلال العلم الاجمالى بالنسبة الى هذا الفرد المشكوك بان نعلم ان هذا ليس من اطرافه فيصح استصحاب عدم النسخ فى هذا الفرد المشكوك.

قال شيخنا الاستاد ان هذا البحث لم يكن كثير الجدوى اى لا نحتاج الى استصحاب عدم نسخ احكام الشرائع السابقة لكون نبينا اشرف الانبياء ولو كان الانبياء السابقة موجودين فى زمان رسالة نبينا لعملوا بهذه الشريعة اى بعد مجىء الشريعة

١٤٣

الاسلامية ليس لنا الاحتياج الى الشرائع السابقة فارسل نبينا مع جميع الاحكام الشرعية فلو استصحب احكام الشرع السابق للزم متابعته للشرائع السابقة وسلم قول العيسوى اى يقولون ان محمدا (ص) جاء لتكميل الشرائع السابقة فان استصحب احكام الشرع السابق يلزم تصديق القول العيسوي.

الحاصل انه ليس الجدوى لاستصحاب ما ذكر وقد جعل جميع. الاحكام فى هذه الشريعة اى اما جعل مثل الاحكام السابقة واما جعل ضدها فلا نحتاج الى استصحاب احكام الشريعة السابقة.

قوله ثم لا يخفى انه يمكن ارجاع ما افاد شيخنا العلامة اعلى الله فى الجنان مقامه الخ.

اى اجاب الشيخ عن الاشكال الاول على استصحاب عدم النسخ والمراد من هذا الاشكال هو تغاير الموضوع لان الموضوع فى القضية المتيقنة هو اهل الشرائع السابقة والموضوع فى القضية المشكوكة هو اهل هذه الشريعة هذا حاصل الاشكال.

فاجاب الشيخ عن هذا الاشكال بالجوابين وكان الجواب الثانى ذا احتمالين اى اجاب عن الاشكال بان الموضوع كلي ولا مدخلية للافراد فان كان مراده عدم مدخلية الافراد المحققة والخارجية وهذا موافق للجواب الذى ذكرناه من ان الاحكام للشرائع السابقة كانت بنحو القضية الحقيقية اى سواء كانت الافراد محققة ام مقدرة.

واما ان كان مراد ان الموضوع هو الكلى من حيث هو هو ولا مدخلية للافراد مثلا مالك الزكاة هو الكلي ولا مدخلية

١٤٤

للاشخاص وكذا وقف العام فانه للكلي ولا مدخل فيه للاشخاص لكن اشكل بان الكلى من حيث هو كلى لا وجود له فلا يصلح المالكية للزكاة وقال الشيخ ان الكلى يصلح لها اى عنوان الفقر مالك وليس شخص الفقير مالكا لها ولذا لا يجوز اخذه الزكاة بيده لان المالك هو النوع.

الحاصل ان جواب الشيخ ذو احتمالين احدهما موافق لجواب المصنف ان الموضوع لاحكام الشرائع السابقة هو الكلى لا مدخلية للافراد الخاصة واما ان كان المراد ان الموضوع هو الكلى من حيث هو هو فلا يتفق هذا الاحتمال لمذهب المصنف قد بين الى هنا الجواب الثانى عن الشيخ فى الاشكال الذى على استصحاب عدم نسخ الشرائع السابقة.

قوله واما ما افاده من الوجه الاول الخ.

اى هو الجواب الاول عن الشيخ عن اشكال صاحب الفصول على استصحاب عدم النسخ اى اجاب عن هذا الاشكال بانّا نفرض الشخص الواحد مدركا للشريعتين فاذا ثبت فى حقه حكم فى الشريعة السابقة وشك فى بقائه فى الشر اللاحقة فلا مانع من استصحاب عدم نسخ حكم الشريعة السابقة فى حقه.

فاعترض على هذا الجواب بانه اخص من المدعى وهو حجية استصحاب عدم النسخ مطلقا اى فى حق الجميع لا خصوص مدرك الشريعتين واما الجواب فهو مختص لمدرك الشريعتين كالسليمان عليه‌السلام فاستصحاب عدم النسخ مختص فى حقه والمدعى هو حجية عدم النسخ مطلقا اى لجميع المكلفين.

١٤٥

وقال الشيخ ان الحكم يشمل غير المدركين لاشتراك الملة الواحدة فى التكليف مثلا سليمان عليه‌السلام مدرك الشريعتين واما غيره فهو شريك معه فيصح استصحاب عدم النسخ فى الجميع من باب اشتراك فى التكليف.

وقال صاحب الكفاية انه لا تجرى فى المقام قاعدة الاشتراك فى التكليف لان هذه القاعدة مشروطة بوحدة الموضوع فمع انتفاء هذا الشرط لا تجرى قاعدة اشتراك فى التكليف فى حق المعدومين فهذا الشرط منتف فى مقام البحث لان حدوث الحكم لمدرك الشريعتين متيقن ولم يكن متيقنا فى حق غيره اى بعض الاحكام مختص لمدرك الشريعتين فيكون اليقين بحدوثه له ولكن لم يكن حدوثه لغيره متيقنا حتى يجرى استصحاب عدم النسخ فى حقه.

وبعبارة اخرى سلمنا الاشتراك فى التكليف واما الاستصحاب فانما يجرى فى كل حكم تيقن فى حدوثه فشك اى ان مقتضى الاشتراك ليس الا ان الاستصحاب حكم المتيقن والشاك : ولا ان الاستصحاب حكم الكل ولو من لم يكن متيقنا وشاكا فيصح الاستصحاب فى حق من كان متيقنا فى الحدوث فحصل له الشك فى البقاء اى يشترط فى الاستصحاب ان يكون المتيقن والشاك شخصا واحدا.

ويذكر لتوضيح ما نحن فيه جملة معترضة قد ذكر فى العروة الوثقى لفظة ختام فى باب الصلاة وذكرت مرة اخرى فى باب الزكاة بعبارة شيخنا الاستاد عروة الوثقى يك ختام در باب صلاة دارد ويك ختام ديگر در باب زكاة دارد.

١٤٦

وقد ذكر فى هذا الختام مسئلة الاستصحاب وهى مات شخص وشك وارثه فى اخراج الزكاة فلا يصح استصحاب عدم اخراجها من الوارث مثلا مات الاب وشك ولده فى اخراج الزكاة فلا يصح استصحابهم عدم اخراجها لان مورد الاستصحاب هو شك الاب لا شك الوارث وقد كانت الزكاة فى ذمته فلا بد ان يكون الشك منه اى من الاب لاشتراط وحدة الموضوع فى القضية المتيقنة والمشكوكة اى يشترط كون المتيقن والشاك شخصا واحدا.

وايضا ذكر فى العروة الوثقى لفظة خامسة فى باب النجاسات وكانت هنا مسئلة فى الاستصحاب وهى ان يدنا المرطوبة وصلت الى الشيء المتنجس وشك فى تطهيره بعد كونه متنجسا فشك فى تنجيس اليد فتستصحب نجاستها لان ملاقاتها للشيء المتنجس قطعى وشرط المذكور اى وحدة الموضوع موجود فى المسألة المذكورة لان المتيقن والشاك شخص واحد.

اذا تمت الجملة المعترضة رجع الى مقام البحث وهو ان الاستصحاب يصح لمدرك الشريعتين ولا يصح لنا توضيحه ان مدرك الشريعتين اذا شك فى بقاء حكم الشريعة السابقة جاز له استصحاب عدم نسخ الحكم السابق ولا يجوز هذا للمعدومين وغير مدركي الشريعة السابقة فيصح الاستصحاب فيما كان الموضوع فيه باقيا وان تغير فلا يجوز ولا يخفى ان مدرك الشريعتين موضوع للحكم السابق واما غير المدركين فهو موضوع آخر وانما تجرى قاعدة الاشتراك مع وحدة الموضوع ولا تجرى مع تغيّره.

١٤٧

قوله السابع لا شبهة فى ان قضية اخبار الباب هو انشاء حكم مماثل الخ.

الغرض من عقد هذا التنبيه هو البحث عن حجية الاصل المثبت اى هل يثبت بالاستصحاب اللوازم العقلية والعادية وكذا هل يثبت به الآثار الشرعية التى كانت بتوسط الآثار العادية بعبارة اخرى هل تكون الاصول المثبتة حجة ام لا.

ويبحث اولا ان العمدة فى حجية هى الاخبار فليرجع اليها وليتأمل فيها فلا بد ان يتصور فى قوله (ع) لا تنقض اليقين بالشك ولا يخفى ان متعلق النهى هو الشيء المبغوض ومتعلق الامر هو الشيء المحبوب فيبحث فى المقام من كلمة لا تنقض اى هل يكون متعلقها الشيء المبغوض ام يكون شيئا آخرا فيسأل عن الداعى اى ما الداعى الى النهى وهل يكون الداعى مبغوضية المتعلق ام يكون شيئا آخرا قال المصنف ان الداعى هو الحكم المماثل فالداعى الى قوله (ع) لا تنقض اليقين هو الحكم المماثل اى اثباته للمستصحب او يكون الداعى حجية اليقين فى مرتبة البقاء وكان حجيته فى المرتبة الاولى ذاتية وكانت فى المرتبة الثانية مجعولة بجعل الشارع اى اذا الشك فى البقاء فيقول الشارع لا تنقض اليقين اى انه حجة.

وقال شيخنا الاستاد ان كون الداعي حجية اليقين هو اولى من ان يكون اثبات الحكم المماثل لان المستصحب ان كان موضوعا فلم يكن قابلا للجعل ولكن المراد من لا تنقض على قول الشيخ وقول صاحب الكفاية «قدس‌سرهما» هو جعل الحكم

١٤٨

المماثل مثلا كان الشيء واجبا وشك فى الزمان الثانى فيه فاستصحاب الوجوب اثبات الحكم المماثل واما ان يكون المستصحب موضوعا فيجعل مثل حكم هذا الموضوع اى لا يجعل نفس الحكم السابق.

واعلم ان المستصحب فى مقام الثبوت يتصور على ثلاثة اقسام الاول ان يكون المستصحب مجعولا شرعيا بلا واسطة كاستصحاب الوجوب او الحرمة.

الثانى ان يستصحب المجعول الشرعي بتوسط اللازم العقلى او العادى ومثال اللازم العقلى كملاقاة الثوب المتنجس للماء الذى شك فى بقاء كريته فالمستصحب هو كرية الماء واللازم العقلى هو ملاقاة الثوب له فى حال الكرية ويترتب على هذا اللازم العقلى طهارة الثوب التى هى اثر شرعى.

ومثال اللازم العادى للمستصحب كنبت اللحية الذى هو لازم عادى لهذا الشخص الغالب اذا جرى استصحاب حياته فهذا مستلزم عادة لنبت لحيته فهل يثبت باستصحاب هذا اللازم العادى الآثار الشرعية من حرمة حلقها واستحباب تصريحها.

الثالث ان يكون المترتب طبيعة الاثر اى القسم الثالث من الاقسام المتصورة ان ينزل اثر الواسطة منزلة اثر المستصحب لاجل ان اثر الاثر اثر مثلا طبخ المرق كان اثر حرارة الماء وحرارته اثر للنار فطبخ المرق اثر لها وكذا فى المقام مثلا نبت اللحية اثر الحياة والسرح اثر له فاثر الاثر اثر وهذه الاقسام المذكورة ثابتة فى مقام الثبوت.

واما فى مقام الاثبات فالصحيح هو القسم الاول اى ترتب

١٤٩

الحكم المماثل للمستصحب بلا واسطة وقد ذكر ان المراد من لا تنقض هو اثبات الحكم المماثل اى دليل حجية الاستصحاب راجع الى قدر المتيقن ولم يكن الاطلاق لادلة الاستصحاب كأدلة الامارات فيراد فى صورة الاجمال القدر المتيقن واثبات الحكم المماثل للمستصحب بلا واسطة.

ولا يصح فى مقام الاثبات القسم الثانى وهو ما كان للمستصحب اللازم العقلى او العادى وكان من لازم هذا اللازم الحكم الشرعي مثلا كانت النار موجودة فشك فيها فاستصحب وثبت اللازم العقلى اى الحرارة ولا يثبت لازم هذا اللازم اى الضمان الذى هو اثر شرعى.

فلا يصح هذا القسم الثانى لان ادلة الاستصحاب لا تشمله قد ذكر ان الشرط فى المستصحب ان يكون متيقنا فى السابق فلا يكون هذا الاثر العقلى متيقنا بل كان القطع بعدمه سابقا فكذا الاثر الشرعي الذى كان لازما له وشرط الاستصحاب ان يكون المستصحب متيقنا وكذا لازمه وكذا يشترط ان يكون المستصحب حكما شرعيا او موضوعا ذا اثر شرعى وان لم يكن كذلك فالاستصحاب لغو.

فثبت من البيان المذكور ان المستصحب ان كان من القسم الاول اى تنزيل المستصحب بلحاظ الاثر الشرعي الذى رتب عليه وقد ذكر ان القدر المتيقن هذا القسم اى وان لم يكن القسم الثانى والثالث موجودين فالقسم الاول موجود وان كانا موجودين فهو موجود ايضا وهذا بيان لكون القسم الاول قدرا متيقنا.

ولا يصح القسم الثانى والثالث لكونهما من الاصول المثبتة

١٥٠

قد ذكر ان الاصول العملية لم تكن مثبتاتها حجة وايضا ذكر ان المراد من اصل المثبت هو الذى يثبت به الاثر الشرعي الذى هو اثر اللازم العقلى او العادى واما وجه التسمية هذا الاصل بالاصل المثبت فهو الاصطلاح عندهم والا قد يستصحب عدم اللوازم العقلى وعدم اللوازم العادى ويستلزم هذا لعدم الحكم الشرعي لان هذا الحكم كان لازما للازم العقلى فمع عدم هذا اللازم يعدم هذا الاثر الشرعي فيسمى هذا ايضا الاصل المثبت مع عدم اثبات الحكم فى هذا المورد.

قوله نعم لا يبعد ترتيب خصوص ما كان منها محسوسا بنظر العرف الخ.

هذا اشارة الى المورد الذى استثنى من عدم حجية الاصل المثبت قد ذكر ان الشرط فى المستصحب ان يكون حكما شرعيا او موضوعا ذا اثر شرعى واما اذا كان المستصحب ذا لازم عقلى وثبت لهذا اللازم اثر شرعى فلم يكن هذا الاستصحاب حجة لانه الاصل المثبت.

ولكن استثنى من عدم الحجية المورد الذى كانت الواسطة فيه فى غاية الخفاء بحيث يعد اثرها اثر النفس المستصحب عرفا بلا واسطة كاستصحاب الثوب الذى القاه الريح على الارض المتنجسة الجافة فان نجاسة الثوب ليست اثرا بلا واسطة لرطوبة الثوب الملاقى للارض بل هى اثر لسراية النجاسة من المتنجس الى ملاقيه بواسطة الرطوبة والسراية واسطة عقلية بين المستصحب وهى الرطوبة وبين النجاسة التى هى اثر السراية

١٥١

لكنه يترتب مع ذلك نجاسة باستصحاب بقاء الرطوبة فى الثوب الملاقى للارض المتنجسة بدعوى خفاء الواسطة وهى السراية بحيث يرى العرف نجاسة الثوب من آثار ملاقاته مع رطوبة للارض لا من آثار السراية.

ويذكر هنا المثال الآخر لخفاء الواسطة مثلا كان الذباب على العذرة الرطبة ثم جلس على يدنا او على ثوبنا تستصحب النجاسة يتوسط الملاقاة ويجعل الاثر لنفس المستصحب اى العذرة المذكورة.

ولكن قد اشكل على المثال المذكور بان الذباب لا تسرى اليه الرطوبة ولو جلس على الماء فلا يصح جعله واسطة فى النجاسة.

ويذكر هنا المثال الآخر لخفاء الواسطة قد ذكر فى اثبات الهلال ويعلم شهر رمضان بمضى ثلاثين يوما من شعبان اى اذا لم يثبت رؤية الهلال فكاف فى ثبوته مضى ثلاثين يوما من الشهر السابق وكذا يثبت الآثار الشرعية مثلا يثبت احياء ليلة القدر بتوسط ثبوت رمضان بمضى المقدار المذكور من شعبان هذا اثر شرعى واما الواسطة اى كون هذه الليلة ليلة القدر خفى لانه اثر عقلى.

وكذا يثبت شوال بمضى ثلاثين يوما من رمضان فيترتب الاثر الشرعي اى صلاة عيد واما الواسطة وهى ثبوت هلال شوال فهى خفية لانها اثر عقلى.

قوله فافهم.

اشارة الى الاشكال حاصله ان العرف معتبر بالنسبة الى

١٥٢

تفهيم الالفاظ واما بالنسبة الى تطبيقها فلا مدخل للعرف فيها فلا فائدة للمسامحة العرفية فى المقام بان يقال ان الواسطة خفية فهى بمنزلة المعدوم.

قوله كما لا يبعد ترتيب ما كان بواسطة ما لا يمكن التفكيك عرفا الخ.

هذا اشارة الى المورد الثانى من الموارد التى استثنيت من عدم حجية الاصل المثبت اى قد ذكر انه اذا كانت الواسطة خفية جعل الاثر الشرعي اثرا لنفس المستصحب وكذا اذا كانت الواسطة جلية بحيث لا يتصور الانفكاك بينها وبين ذيها فيجعل فى هذه الصورة الاثر الشرعي اثر المستصحب.

بعبارة اخرى كان تنزيل احدهما دليلا على تنزيل الآخر كما هو كذلك فى المتضايفين لان الظاهر ان تنزيل ابوة زيد لعمرو يلازم تنزيل بنوة عمرو له فلا ينفك احدهما عن الآخر فى المثال المذكور وكذا استصحاب عدم ابوة زيد لا ينفك عن عدم بنوة عمرو وكذا الفوقية والتحتية اى استصحاب الفوقية لا ينفك عن كون الشيء الذى له التحتية اى لا تفكيك بين المتضايفين واقعا.

قوله او بواسطة ما لاجل وضوح لزومه له الخ.

هذا اشارة الى المورد الثالث من الموارد التى استثنيت من عدم حجية الاصل المثبت اى قد ذكر سابقا ان القسم الثالث من الاقسام المتصورة هو ان يكون اثر الواسطة اثرا للمستصحب اى ان الواسطة فى هذا القسم الثالث جلية ولكن نزل اثر الواسطة منزلة اثر المستصحب لاجل ان اثر الاثر اثر اى الواسطة اثر

١٥٣

للمستصحب فاثرها ايضا اثر له مثلا ضوء الشمس لازم لطلوعها وطهارة الارض والحصر والبوارى اثر لضوئها فان استصحاب بقاء الشمس ملازم لبقاء ضوئها الموجب لترتيب اثره الشرعي وهو طهارة الارض كما ذكر فى باب المطهرات وتطهر الشمس ما جففته باشراقها عليه وزالت عين النجاسة عنه وهو كالأرض والحصر والبوارى.

وكذا صورة الملازمة بين الشيئين قد ذكر ان هذا القسم كالمتضايفين فان استصحاب ابوة زيد لعمرو يلازم استصحاب بنوة عمرو له فعمر واجب نفقته على زيد وكذا العكس.

الحاصل ان الموارد التى استثنيت من عدم حجية الاصل المثبت ثلاثة اقسام : الاول أن تكون الواسطة خفية بحيث ان يجعل اهل العرف اثرها المستصحب قد ذكرت امثلة خفاء الواسطة : الثانى لم تكن الواسطة خفية بل تكون جلية ولكن لا تنفك هذه الواسطة من المستصحب فيجعل الاثر الشرعي اثرا له : الثالث ان ينزل نفس الاثر اى ينزل اثر اللازم منزلة اثر المستصحب.

قال صاحب كفاية عد اثره اثرا لهما اى للواسطة والمستصحب فان لم يترتب فى الاقسام المذكورة اثر الواسطة على المستصحب لزم نقض اليقين بالشك فثبت حجية الاصل المثبت فى الموارد المذكورة لانها مستثناة من عدم حجية الاصل المثبت واما فى غير هذه المستثناة فلم يكن حجة لكن المهم معرفة وجه عدم حجيته وبينه المصنف بقوله ثم لا يخفى وضوح الفرق بين

١٥٤

الاستصحاب وسائر الاصول تعبدية الخ.

قد ذكر ان الاصول العملية لم تكن مثبتاتها حجة واما مثبتات الطرق والامارات فهى حجة اى اللوازم العقلى والعادى حجة فى باب الطرق والامارات اذا كان لها الاثر الشرعي دون الاصول فما الفرق بينهما وما الوجه فى عدم حجية مثبتات الاصول فيفرق هنا أوّلا بين الامارات والطرق وثانيا بينهما وبين الاصول ولا يخفى ان الفرق بين الطرق والامارات انما كان نسبيا مثلا اذا كان خبر الواحد لاثبات الاحكام الكلية والشرعية فهو يسمى طريقا واما اذا كان لاثبات الموضوعات الخارجية فيسمى امارة وهذا الفرق انما يكون اصطلاحا.

ولا يخفى ان خبر الواحد حجة فى الاحكام الكلية وكذا فى الموضوعات الخارجية الا فى الموضوعات التى تقتضى البينة كمسألة اثبات الحقوق والسرقة وغيرهما قد بيّن الى هنا فرق الطرق والامارات فيفرق الاصول وهما قال صاحب الكفاية ان الفرق بين الاصول والامارات واضح ولا يخفى ان الطرق والامارات جعلتا فى هذا الفرق مقابل الاصول فيبين الفرق بين الاصول والامارات. قد ذكرت ثلاثة اوجه للفرق بين الاصول والامارات

الاول ان يقال فلينظر الى ما فهم من دليل الامارات هذا يحتاج الى ترتيب مقدمة وهى ان حجية القطع ذاتية وقد سبق فى اول الكتاب فى المقصد السادس تفصيلها واما الامارات فجعلت منزلة العلم فى الحجية اى هو هوية اعتبارية بين العلم والامارات فلم تكن علما ذاتا وما يقال ان الامارات علم فهو اعتبارى وكذا

١٥٥

لا يحصل العلم من البينة الا ان يعطى الشارع اعتبارا لها وكذا القرطاس لم يكن ذهبا لكن ثابت بينهما هو هوية اعتبارية مثلا يقال للقرطاس المعين هذا دينار فهذا يصح باعتبار المعتبر.

ولا يخفى ان مالية بعض الاشياء ذاتية كالحنطة والشعير وغيرهما وكذا الذهب والفضة فانهما من المعدن اى استخرجا من الارض اى جعل الله هذه المذكورات كذلك فيصح اطلاق المالية الذاتية عليها واما المالية الاعتبارية فهى بيد من له الاعتبار وقد تمت الى هنا المقدمة.

فيشرع فى فرق الاصول والامارات من حيث الحجية فلينظر الى ما يفهم من دليل حجيتهما قد ذكر فى المقدمة ما يفهم من دليل حجية الامارات اى جعلت الامارات منزلة العلم من حيث الاعتبار فثبت بينهما هو هوية اعتبارية اى الامارة علم من حيث اعتبار المعتبر مثلا زيد اسد هذا اعتبارى والا حقيقة فهو الحيوان المفترس اى من بيده الاعتبار اعتبر هذا فثبت من البيان المذكور ان الامارات علم من حيث الاعتبار اى بينهما هو هوية اعتبارية وكذا ان حجية العلم ذاتية فكان العلم بالملزوم علم بلازمه وكذا العلم باحد المتلازمين علم بالآخر.

واذا صارت الامارات منزلة العلم اعتبارا فلا فرق فى حجية الامارات بالنسبة الى الملزوم واللازم مثل خبر الثقة مفيد للظن فلا فرق فيه بين الملزوم واللازم اى الظن بلازم العقلى او العادى حجة لانه جعل منزلة العلم اعتبارا واما البحث فى مقدار اعتبار الامارات والطرق.

١٥٦

بعبارة شيخنا الاستاد آيا امارات منزلة علم قرار داده شده تا گاو : وماهى فجعلها بعض منزلة العلم بالغاء احتمال الخلاف لكن اشكل عليه بان الغائه اما حقيقي واما شرعى فان كان المراد هو الاول فهو لا يصح لان الغاء احتمال الخلاف حقيقة انما يكون فى نفس العلم فتصير الامارات علما فى الفرض المذكور واما اذا كان المراد الغاء احتمال الخلاف شرعا فهذا غير مفيد لانه باق حقيقة وان ألغي شرعا ولا يخفى ان ذكر الفروعات المذكورة انما يكون لتوضيح ما نحن فيه اى لتوضيح عدم حجية مثبتات الاصول.

فيقال ان الاصول العملية لم تجعل منزلة العلم بل كانت لجعل الحكم المماثل وذكر ان دليل الاستصحاب اى لا تنقض اليقين بالشك دال على اثبات الحكم المماثل للمستصحب ولم يجعل منزلة العلم وكذا البراءة والاحتياط والتخيير اى لم تجعل هذه المذكورات منزلة العلم قد تم الى هنا الوجه الاول من وجوه الفرق بين الاصول والامارات.

الوجه الثانى ان الامارات كاشفة عن الواقع اى الفرق الثانى بين الاصول والامارات هو ثبوت الكاشفية والطريقية للامارات دون الاصول اى كانت الكاشفية الناقصة للامارات قبل جعلها منزلة العلم والفرق بين هذا والوجه الاول ان الوجه الاول يقول ان الشارع جعل الامارات منزلة العلم لانه كان الاعتبار بيده.

واما الوجه الثانى فيقول انه ثبت الكاشفية للامارات من دون جعل الشارع لكن كاشفيتها ناقصة فتحكى الامارات عن

١٥٧

المدلول ولازمه مثلا اذا اخبر بحياة زيد فمدلولها ثلاثة اشياء اى اخبار عن حيوة زيد واخبار عن اللازم اى نبت اللحية فيدل هذا الخبر على المعنى المطابقى والالتزامى والتضمينى واما الاصول فليس فيها الكاشفية والطريقية فلا تحكى عن المدلول المطابقى والالتزامى.

الوجه الثالث ان الامارات حجة من باب الظن النوعى والفرق بين الظن النوعى والشخصى والمراد من الاول هو ان يقول الشارع ان الامارة مفيدة للظن والظن حجة نوعا اى وان لم يحصل الظن للشخص الخاص واما المراد من الظن الشخصى هو ما يحصل لكل شخص وان لم يحصل فلم يكن الظن اى وان كان الخبر بالنسبة الى الغير مفيد الظن ولم يكن مفيد الظن لهذا الشخص فلم يكن له الظن.

الحاصل ان المراد من الوجه الثالث هو ان الامارات حجة من باب الظن النوعى فلا فرق فيه بالنسبة الى اللازم والملزوم مثلا اذا حصل الظن النوعى بحياة زيد حصل هذا الظن بنبت اللحية له واما الاصول فلم تكن حجة كذلك مثلا لا تنقض دليل لحجية الاستصحاب فيثبت الملازمة بين الظن بالحدوث والبقاء والمراد ظن شخصى قد تمت الى هنا وجوه الفرق بين الامارات والاصول.

قال المصنف حيث إنّه كما يحكى عن المؤدى اى امارات تحكى عن المدلول المطابقى وكذلك تحكى عن اطرافه اى المعنى الالتزامى يعنى ان المخبر اخبر ثلاث مرات اى الملزوم واللازم

١٥٨

والاثر الذى ثابت للازم واما الاصول فلا تحكى عن ما ذكر فانها تابعة لدليل الحجية كما ذكر فى مسئلة الاستصحاب.

قوله : الثامن انه لا تفاوت فى الاثر المترتب بين ان يكون مترتبا عليه بلا واسطة شىء الخ.

ويكون انعقاد هذا التنبيه لدفع التوهم الذى كان عن استاد المصنف اى الشيخ الاعظم «قدس‌سرهما» فجعل المصنف ضابطة يعرف بها مورد الاصل المثبت وغيره والمراد من التوهم انه يلزم الاصل المثبت بجريان الاستصحاب فى الموارد التى تذكر بعدا ودفع صاحب الكفاية هذا التوهم بجعل الضابطة.

وتوضيحها ان ثبوت الحكم الواقعى لموضوع انما يكون بلا واسطة وكذا فى باب الاستصحاب اى يكون اثبات الحكم الظاهرى للمستصحب بلا واسطة اذا ثبت معها فهو الاصل المثبت قد ذكر شيخنا الاستاد امثلة لثبوت الحكم الواقعى بلا واسطة المثال الاول ما ذكر فى باب النكاح وهو : يحرم على الذكر بالنسب تسعة اصناف من الاناث وذكر بعده ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب اى يثبت الحكم الواقعى لهذا العنوان بلا واسطة مثلا يثبت لعنوان الرضاع بلا واسطة فلا يثبت الحكم الواقعى له مع الواسطة.

مثلا اذا تزوج شخص بامرأة مات زوجها وكانت لها بنت من الزوج السابق وكان لهذا الشخص ابن من الزوجة السابقة فلم يثبت الحكم اى حرمة النكاح بينهما لعدم صدق عنوان الرضاع بينهما بلا واسطة وان صدق مع الواسطة اى كانت

١٥٩

لهذه الزوجة بنت من الزوج الثانى وهى واسطة لصدق العنوان اى كان هذا الابن اخا لتلك البنت بتوسط البنت التى كانت لأبه من الزوجة الثانية هذا مثال لعدم ثبوت الحكم الواقعى مع الواسطة.

المثال الثانى اذا عقد شخص امرأة بالعقد الفضولى ولا يخفى ان الاجازة فيه من اجزاء العقد وهى اما ناقلة واما كاشفة وايضا الكشف اما حقيقي واما حكمى ولا كلام فى الكشف الحقيقي واما اذا كان حكيما فهو محل بحث وقد ذكر فى محله ان المراد من الكشف هو كشف حكمى لان العقد الفضولى خلاف القاعدة والمراد منه ان يترتب آثار الزوجية من حين العقد اى الآثار التى تترتب بلا واسطة كوجوب النفقة وعدم الجمع بينها وبين اختها وحرمة امها ابدا.

واما اذا زنى شخص بهذه المرأة هل يصدق عليه الزنا بذات البعل ام لا؟ اى تصير محرمة عليه حراما مؤبدا فيقال لم يكن هذا زناء بذات البعل لان هذا الحكم يثبت مع الواسطة لان الاجازة جعلت كاشفا حكميا فهذه الاجازة ثابتة للزوجية وبعد هذه الواسطة يترتب الزناء بذات البعل فلا اعتبار بهذا الحكم لان الحكم الواقعى ما يترتب بلا واسطة ولكن الحكم المذكور انما يترتب بتوسط كون الاجازة كاشفا حكيما قد ثبت الى هنا ان الحكم الواقعى ما يثبت للشيء بلا واسطة.

وكذا فى باب الاستصحاب فان المراد فيه هو اثبات الحكم الظاهرى للمستصحب بلا واسطة وقد علم انه يصح فى بعض الموارد استصحاب الشخص وكذا يصح استصحاب الكلى والظاهر ان الحكم يجيء على العنوان الكلى مثلا الحرمة تجىء على

١٦٠