هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

حكم كان مجعولا شرعا فهو حكم تكليفى فالصحة فيما نحن فيه ليست مجعولة شرعا بنفسها ولا بتبع التكليف ويبحث هنا من الصحة والفساد أى هل يكونان من الامور التكوينية أو يكونان من المجعول الشرعى أو الانتزاعى أو الاعتبارى قال صاحب الكفاية ان الصحة والفساد عند المتكلم وصفان اعتباريا ينتزعان من مطابقة الماتى به مع المأمور به.

والمراد من المأتى به هو الموجود الخارجى والمراد من المأمور به هو الكلي الذى تعلق فيه الامر مثلا الصلاة التي اوجدها المكلف في الخارج فهى مأتى بها واذا قال المولى صل هذه الصلاة مأمور بها توضيح ما ذكر بالمثال الاخر ان عتق الرقبة بعد وجوده في الخارج هو المأتى به اذا قال المولى اعتق رقبة هذا مأمور به أى المراد من المأمور به هو الكلى اذا علم المأتى به والمأمور به فالصحة عند المتكلم تنتزع من مطابقة المأتى به للمأمور به كانتزاع الزوجية من الاربعة يمكن ان يقال ان الصحة من الامور الاعتبارية أى يعتبر الصحة من مطابقة المأتى به للمأمور به بعبارة اخرى ان الصحة تعتبر بعد مطابقة المأتى به للمأمور به لذا يقال ان الصحة عند المتكلم من الامور الاعتبارية وموطن هذا الامر الاعتبارى هو العقل ثبت الى هنا ان الصحة عند المتكلم امر انتزاعى اما الصحة عند الفقهاء فتتصور على وجهين أى تجعل تارة من الامور الانتزاعية وتارة اخرى من المجعولات الشرعية توضيحه ان الصحة عند الفقهاء هى ما كان موجبا لسقوط القضاء والاعادة اذا اتى المكلف المأمور به بالامر الواقعى صارت الصحة من اللوازم المأمور به بالامر الواقعى فيصير هذا من الامور

٣٠١

العقلية المحضة لان العقل يحكم باسقاط القضاء والاعادة لان الاتيان ثانيا مستلزم لتحصيل الحاصل والامتثال بعد الامتثال قد ثبت ان اتيان المأمور به بالامر الواقعى مما يستقل به العقل باسقاط القضاء والاعادة.

واما اذا كان اتيان المأمور به بالامر الظاهر أو الثانوى كان السقوط مجعولا شرعيا أى كان سقوط القضاء والاعادة بامضاء الشارع من باب المنة على العباد والتخفيف عليها وان كان المقتضى للقضاء أو الاعادة موجودا مثلا اتى المكلف الصلاة مع التيمم لعذر فاذا ارتفع عذره في الوقت حكم الشارع بعدم وجوب الاعادة من باب المنة. الحاصل انه اذا اتى المكلف في باب العبادات بالمأمور به بالامر الواقعى كان سقوط القضاء أو الاعادة مجعولا عقليا واما اذا كان اتيان المأمور به بالامر الظاهرى أو الثانوى كان سقوط القضاء أو الاعادة مجعولا شرعيا من باب المنة.

قوله اما الصحة في المعاملات فهى تكون مجعولة الخ.

أى الصحة في المعاملات مجعولة شرعية وكذا الفساد لان المعاملات كلها امضائية وايضا المجعول الشرعى ابتدائى وهو الذى اوجده الشارع ابتداء وامضائي وهو الذى ثبت قبل امضاء الشارع بعبارة اخرى هو الذى ثبت قبل الاسلام فثبت من البيان المذكور ان المعاملات مجعولة شرعا بنحو الامضاء.

واعلم ان المجعول هو الاحكام التكليفية الكلية مثلا مأمور به هو الحكم الشرعى الكلى فما تقول في الجزئيات والجواب ان الجزئيات مجعولة بالعرض وبالتبع أى اذا جعل الكلى فتجعل الجزئيات وقال بعض ان الجزئيات مجعولة بالذات لان وجود الكلى

٣٠٢

عين وجود الافراد اما المصنف فيقول ان الجزئيات مجعولة بالعرض.

قوله ضرورة ان اتصاف المأتى به بالوجوب أو الحرمة ليس الا لانطباقه مع ما هو الواجب.

أى انما الواجب انطباق الكلى على الفرد لا الفرد والجزئى مثلا اذا اتى المكلف الصلاة فالواجب هو انطباق كلى الصلاة على هذا الفرد واما اذا قصد ان الواجب هذا الجزئى ففيه اشكال قد سبق ان الامر يتعلق بالطبائع لا الافراد قد ثبت ان صحة المعاملات الجزئية والشخصية كانت من باب الانطباق على الكلى مثلا البيع الذى وجد في الخارج ان طابق على المجعول الشرعى الكلى فهو صحيح والا فلا اذا قال الشارع ان المكيل والموزون فليبع بالكيل والوزن فلم يصح الذى لم يطابق على هذا المجعول الكلى فظهر مما ذكر ان المعاملات مجعولة شرعا لانه مع عدم الجعل يجرى اصالة الفساد.

قوله السابع لا يخفى انه لا اصل في المسئلة يعول عليه لو شك في دلالة النهى على الفساد الخ.

قد ذكر في المجلد الاول ان المسئلة الاصولية ما تقع في طريق استنباط بعبارة اخرى ما تقع في جواب لم مثلا اذا قيل هذا الشيء فاسد يسئل السائل لم فاسد يقال في الجواب لما نهى عنه والنهى دال على الفساد فهذه المسئلة أى النهى دال على الفساد مسئلة اصولية.

اذا شك ان النهى دال على الفساد أم لا فلم تثبت هذه المسئلة

٣٠٣

بالاصل لان المراد من الاصل هو الاستصحاب فيشترط فيه الحالة السابقة المتيقنة لكن لم يوجد لهذه المسئلة الحالة السابقة بعبارة اخرى نشك ان النهى مستلزم للفساد ام لا فلم يكن هنا اصل لاثبات الملازمة وعدمها لعدم الحالة السابقة.

واما المسئلة الفرعية كالمعاملات فاصالة الفساد جارية أى اذا شك في المعاملات فيجرى عدم ترتب الاثر فيها ولا يخفى ان اصالة الفساد تجرى في المعاملات لو لم يكن هناك الاطلاق أو العموم الذى يقتضى الصحة في المعاملات واذا كان الاطلاق أو العموم فلا شك في تقديم الاصول اللفظية على الاصول العملية واما العبادات فان كان لها امر من دون النهى فلم تكن موردا للبحث لكن اذا لم يكن لها امر وعلم ملاك الصحة فالعبادة فاسدة على قول من جعل الملاك في صحة العبادة الامر أى يقدم النهى على ملاك الصحة والمحبوبية فيزول ملاك الامر الحاصل انه اذا وجد ملاك الامر والنهى في العبادات فلم يكن الامر ولا ملاكه فالعبادة فاسدة لتقدم النهى على الامر وملاكه هذا على القول بالامتناع.

قوله الثامن ان متعلق النهى اما ان كون نفس العبادة أو جزئها أو شرطها الخارج الخ.

أى ينهى تارة عن ذات العبادة كالنهى عن الصلاة وتارة ينهى عن جزئها كالنهى عن قرائة العزيمة وقد ينهى عن الشرط كالنهى عن الوضوء بالماء المغصوب أو المتنجس والشرط قد يكون واجبا توصليا كالنهى عن تطهير الثوب بالماء المغصوب

٣٠٤

وقد يكون تعبديا كالنهى عن الوضوء به وقد ينهى عن وصفها الملازم لها كالجهر والاخفات للقرائة أى ينهى عن الجهر في القرائة أو اخفاتها فلم ينفك الجهر أو الاخفات عن القرائة وقد ينهى عن وصف غير الملازم فهذا الوصف قد يتحد مع العبادة مثلا كون الغصب متحدا مع الصلاة على القول بامتناع اجتماع الامر والنهى.

وقد لا يتحد وصف غير الملازم مع العبادة وأيضا هذا كالغصب فان الغصب لا يتحد مع العبادة على القول بجواز اجتماع الامر والنهى فيقول القائل بالاجتماع ان تعدد العنوان موجب لتعدد المعنون. الحاصل ان الجزء ما كان داخلا في الشيء والشرط لم يكن داخلا فيه وايضا الشرط اما عبادة كالوضوء واما غيرها كتطهير البدن واللباس. والوصف اما ملازم واما غير ملازم والمراد من وصف الملازم ما ينتفى الموصوف بانتفائه وأما وصف غير الملازم فهو ما لا ينتفى الموصوف بانتفائه.

قد ذكر الى هنا اقسام متعلق النهى وقال اذا كان متعلق النهى نفس العبادة أو جزءها فهما داخلان في محل النزاع وقال اذا كان متعلق النهى الشرط فهو خارج عن محل النزاع لان حرمت الشرط والنهى عنه لم يكن موجبا لفساد العبادة الا اذا كان الشرط عبادة أى يوجب فساد الشرط فساد المشروط اذا كان الشرط عبادة كالوضوء قد ذكر أيضا انه اذا كان متعلق النهى وصف العبادة فهو اما ملازم واما غير ملازم فالنهى وصف ملازم كالنهى عن الجهر والاخفات هو مساو للنهى عن العبادة واما النهى عن وصف غير ملازم فهو اما متحد مع الموصوف كالنهى عن الغصب على

٣٠٥

القول بامتناع اجتماع الامر والنهى والظاهر انه اذا كان الوصف غير الملازم متحدا مع الموصوف فيسرى النهى الى الموصوف واما اذا لم يكن الوصف متحدا مع الموصوف كالغصب على القول بجواز اجتماع الامر والنهى فلم يسر النهى الى الموصوف لان متعلق الامر والنهى متعدد بتعدد العنوان على القول بالجواز واعلم ان هذه الاقسام الخمسة ذكرت اولا تفصيلا وذكر حاصل هذه الاقسام ثانيا وكان هذا التكرار تبعا لشيخنا الاستاد (قدس‌سره) واعلم ان البحث الى هنا كان في تعلق النهى على نفس الوصف والنهى عنه ويبحث الان عن النهى في العبادة بسبب الوصف.

قوله واما النهى عن العبادة لاجل احد هذه الامور فحاله حال النهى عن احدها الخ.

يبحث هنا من تعلق النهى في العبادات بتوسط الجزء أو الشرط أو الوصف وكان بحث السابق في تعلق النهى في الجزء أو الشرط أو الوصف لكن يبحث الان من تعلق النهى في العبادات بتوسط الوصف أو الشرط فكان هذا البحث من قبيل وصف الشيء بحال متعلقه نحو زيد عالم ابوه أى كان عالم وصفا لزيد باعتبار ابيه كذا في مقام البحث مثلا النهى يتعلق على الصلاة بتوسط وصفها أو شرطها قال صاحب الكفاية ان حال هذا القسم حال النهى الذى يتعلق بنفس الجزء أو الشرط أو الوصف قد سبق تعلق النهى باحد هذه الامور.

ولا يخفى ان تعلق النهى على العبادة اذا كان بتوسط الجزء

٣٠٦

أو الوصف كان النهى عن العبادة من قبيل واسطة في العروض فاستدرك صاحب الكفاية.

بقوله : الا انه من قبيل واسطة في الثبوت لا لعروض الخ.

اى ليس الوصف واسطة في العروض بل كان الوصف من قبيل واسطة في الثبوت اذا كان الوصف كذلك كان النهى عن العبادة حقيقة مثلا لا تصل في جلد غير المأكول فكان النهى عن الصلاة وكان الجلد غير المأكول واسطة في الثبوت فان قلت من اين يعلم ان هذه الكبريات واسطة في الثبوت او العروض قلت لا يلزم اتصاف الواسطة بالعارض اذا كانت في الثبوت مثلا غسل الثوب في ضوء الشمس واسطة لبياض الثوب اما نفس ضوء الشمس فلم يكن متصفا بالبياض لانه لم يكن من الالوان.

الحاصل ان النهى عن العبادة بتوسط الجزء او شرط او الوصف اما يكون من قبيل واسطة في الثبوت أو العروض فان كان من هذا القبيل يجرى البحث الذى ذكر في السابق اى الوصف اما كان ملازما او غير ملازم اما كان متحدا مع الموصوف او غير متحد قد سبق توضيح هذا البحث واما اذا كان الوصف واسطة في الثبوت فيكون النهى من نفس العبادة مثلا لا تصلّ في جلد غير المأكول كان النهى عن الصلاة حقيقة وجلد غير المأكول واسطة فى الثبوت ولم يشترط ان يكون العارض والمحمول للواسطة أيضا مثلا لم يثبت الحرمة لجلد غير المأكول في حال غير الصلاة فظهر الفرق بين واسطة في العروض والثبوت وكان ثبوت العارض والمحمول في واسطة في العروض لنفس الواسطة واما واسطة فى الثبوت فلم يلزم فيها ثبوت العارض والمحمول للواسطة.

٣٠٧

قوله : مما ذكرنا في اقسام النهى في العبادة يظهر حال الاقسام في المعاملة الخ.

اذا علمت تعلق النهى في العبادة وفي جزئها ووصفها فيظهر لك حال الاقسام في المعاملة مثلا ان النهى قد يتعلق في نفس المعاملة يتعلق في شرطها او وصفها وايضا ان الواسطة فيها اما واسطة في الثبوت واما واسطة في العروض قد كثرت الاقوال في دلالة النهى على الفساد وعدم دلالته عليه ربما تزيد على العشرة على ما قيل الاول ان النهى دال على الفساد مطلقا اى في العبادة والمعاملات. الثانى انه لا يدل على الفساد مطلقا. الثالث قائل بالتفصيل اى يدل على الفساد في العبادة لا في المعاملة فليرجع فى تفصيل هذه الاقوال الى القوانين.

قوله : ولا بد في تحقيقه على نحو يظهر الحال في الاقوال في مقامين الاول في العبادات الخ.

قد بين سابقا ان النهى من العبادة واما كان من جزئها او وصفها وكذا المعاملات قال مصنف لا حاجة الى التفصيل جميع الاقوال بل يذكر المورد الذى يدل النهى فيه على الفساد بلا خلاف قد ذكر فيما نحن فيه العقد الايجابى والسلبى والمراد من الايجابى ان النهى المتعلق بنفس العبادات او بجزئها بما هو عبادة يقتضى الفساد والمراد من الجزء سلبى ان النهى اذا تعلق بوصف العبادة أو شرطها فلا يدل على الفساد ولا يخفى ان المصنف لم يذكر العقد السلبى.

واعلم ان الصحيح واجد للاثر وكذا الفاسد وأيضا الاثار على اقسام اى اثر العبادة عند المتكلمين عبارة عن موافقة الامر

٣٠٨

والشريعة وهو عند الفقهاء عبارة عن سقوط القضاء والاعادة اذا تعلق النهى على شىء علم عدم تعلق الامر فيه لعدم جواز اجتماع الامر والنهى في شىء واحد والظاهر ان اتيان العبادة مع عدم الامر لم يصدق عليه موافقة الامر اى لم يوجد اثر لهذه العبادة ولا شك ان عدم الاثر عبارة عن الفساد هذا عند المتكلمين وكذلك عند الفقهاء اى لم يوجد الاثر مع عدم الامر.

توضيحه ان الاثر عند الفقيه مركب عن شيئين احدهما قصد التقرب وثانيهما ان تكون العبادة صالحة للتقرب واما اذا كانت العبادة المنهى عنها فلا تصلح المتقرب ولم تكن الاثار الفقهى فيها الحاصل ان العبادة اذا كانت المنهى عنها فلم توجد الاثار لها لان المراد من النهى في العبادات هو النهى المولوى وهو المقتضى الفساد. واما المعاملات فالنهى فيها ارشادى في اكثر الموارد وكان النهى المولوى في بعض المعاملات كالنهى عن الميسر والبيع الربوى والنهى الارشادى لا يدل على الفساد.

قوله : لا يقال هذا لو كان النهى عنها دالا على الحرمة الذاتية الخ.

هنا اشكال في دلالة النهى على الفساد حاصله ان الدلالة النهى على الفساد تصحّ لو كان النهى عن العبادة دالا على الحرمة الذاتية لكن لا تتصف العبادات والمعاملات بها بل تتصفا بالحرمة التشريعية مثلا صوم العيدين وصلاة الحائض لا تتصفان بالحرمة الذاتية بل الحرمة فيهما تشريعية اى اذا قصد بالصوم العيدين وصلاة الحائض التقرب والامتثال فيهما ثبت الحرمة التشريعية فيهما واما اذا اتي ما ذكر بدون قصد القربة فلا حرمة فيه ولا وجه

٣٠٩

لدلالة النهى على الفساد فليطلب المورد الذى وجد فيه كون الشىء المنهى عنه والمحرم بالحرمة الذاتية حتى يثبت اجتماع الضدين واما العبادات فلم تثبت فيها الحرمة الذاتية لان العبادة المذكورة بعد قصد التقرب تثبت فيها الحرمة التشريعية اذا ثبت الحرمة التشريعية في العبادات فلا تتصف بالحرمة الذاتية لامتناع اجتماع المثلين بعبارة اخرى لا محل للحرمة الذاتية في الشىء بعد اتصافه بالحرمة التشريعية للزوم اجتماع المثلين والمراد من الحرمة التشريعية ادخال ما لم يكن من الدين في الدين. بعبارة اخرى ادخال ما لم يعلم انه من الدين في الدين مثلا اذا شك المكلف في كون الشىء من الدين ام لا فان اتيان هذا المشكوك بقصد امتثال امر المولى تشريع محرم واما اتيان هذا المشكوك بقصد الرجاء فيجوز.

الحاصل ان نحو صلاة الحائض وصوم العيدين مع قصد التقرب تشريع محرم فلا يبقى المحل للحرمة الذاتية للزوم اجتماع المثلين

قوله : فانه يقال لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة الخ.

قد اجيب عن الاشكال المذكور بالاجوبة الثلاثة. اولها انا لا نسلم عدم الحرمة الذاتية في نحو صلاة الحائض وصوم العدين توضيحه ان صلاة الحائض عبادة تعليقية اى عبادية ما ذكر فرضية مثلا بفرض تعلق الامر صلاة الحائض عبادة وكذا صوم العيدين بعبارة اخرى لو امر بما ذكر لكان عبادة واما مع عدم تعلق الامر فعلا فيصدق على ما ذكر الحرمة الذاتية.

يذكر هنا الجملة المتعرضة لتوضيح جواب الاشكال المذكور

٣١٠

واعلم ان الامر مولوى وارشادى وكذا النهى والمراد من الامر المولوى ما يدل على الوجوب والامر الارشادى لا يدل على الوجوب بل هو تابع للمرشد اليه والمراد من النهى المولوى ما يدل على الحرمة والنهى الارشادى تابع للمرشد اليه وايضا الواجب ينقسم الى الشرطى وغيره مثلا يجب في الصلاة الستر العورة فالواجب في الحقيقة واحد اى الصلاة واما ستر العورة فالواجب الشرطى أى بشرط اتيان الصلاة ومثال آخر للواجب الشرطى ما يقال في تطهير البئر ويطهر البئر بنزح جميعه للبعير والثور والخمر فنزح جميع ماء البئر في الصور المذكورة واجب شرطى اى بشرط الشرب او تطهير الشىء قد ظهر من هذا الجملة المعترضة ان صلاة الحائض واجب شرطى اى هذه الصلاة واجب شرطى وكذا صوم العيدين فثبت الى هنا ان حرمة صلاة الحائض ذاتية لعدم صلاحية التقرب بهذه الصلاة ولو ثبت الحرمة الشرعية للزم اجتماع المثلين الجواب الثانى عن الاشكال انه لا اشكال في ثبوت الحرمة التشريعية والذاتية معا بعبادة واحدة.

قد اشكل المستشكل ان حرمة صلاة الحائض تشريعية فقط لانه لو ثبتت الحرمة الذاتية ايضا للزم اجتماع المثلين فاجاب المجيب بعدم لزوم اجتماع المثلين وان قلنا باجتماع الحرمة التشريعية والذاتية توضيح هذا الجواب ان الحرمة التشريعية تعلقت على الفعل القلبى والجوانحى واما الحرمة الذآتية فقد تعلقت على الفعل الخارجى فتعدد موضوعهما اى موضوع الحرمة الذاتية هو الفعل الخارجي كالصلاة والصوم مثلا واما موضوع الحرمة التشريعية فهو الفعل القلبى مثلا يقصد المكلف امتثال امر

٣١١

المولى مع عدم الامر اعلم ان الفعل القلبى كالفعل الخارجى في ثبوت الاحكام الخمسة لكن قال الشيخ الاعظم في الرسائل ان الاحكام الخمسة لا تثبت للفعل القلبى بل الاحكام الخمسة تثبت للفعل الخارجى قال بعد ذلك بلفظ فافهم اشارة الى ان الحرمة التشريعية ثابتة لتأكيد الحرمة الذاتية فنرجع الى محل النزاع أى ان الموضوع في الحرمة التشريعية هو الفعل القلبى والجوانحى كالموضوع التجرى والانقياد فان موضوعهما هو الفعل القلبى قد سبق تعريف التجرى والانقياد وقد تكرر هنا تبعا للاستاد وان الاعادة خير من الحوالة.

واعلم ان الاطاعة والمخالفة يتصور ان على اربعة اقسام أى الاطاعة والعصيان والتجرى والانقياد والمراد من الاطاعة هو اتيان الواجب الواقعى أو ترك الحرام الواقعى والمراد من العصيان هو ترك الواجب الواقعى أو اتيان الحرام الواقعى والمراد من الانقياد هو ترك ما اعتقدت حرمته وان لم يكن حراما في الواقع أو اتيان ما اعتقدت وجوبه وان لم يكن واجبا في الواقع والمراد من التجرى ترك امتثال ما اعتقدت وجوبه وان لم يكن واجبا في الواقع أو اتيان ما اعتقدت حرمته وان لم يكن حراما في الواقع قد ظهر مما ذكر ان التجرى والانقياد كانا من الافعال القلبية وكذا الامر في قصد الامتثال فانه من الافعال القلبية أى اذا قصد امتثال الامر مع عدمه ثبت حينئذ الحرمة التشريعية قد ذكر ان الحرمة الذاتية كانت في الافعال الخارجية مثلا الصلاة الموجودة في الخارج محرمة للحائض.

والجواب الثالث عن الاشكال المذكور ان الحرمة التشريعية

٣١٢

كافية في الدلالة على الفساد لا حاجة الى الحرمة الذاتية أى عدم الامر كاف في فساد الشيء ذكر هذا الجواب الثالث صاحب الكفاية بقوله هذا مع انه لو لم يكن النهى فيها دالا على الحرمة لكان دالا على الفساد لدلالته على الحرمة التشريعية.

يذكر هنا الجواب الرابع عن الاشكال وهو انه يمكن اتصاف شيء واحد بالحرمة التشريعية والذاتية ولا يلزم من هذا اجتماع المثلين لان اجتماع المثلين يلزم اذا كان كل الحرمتين على حده وبنفسه واما اذا كان احدى الحرمتين مندكة في الاخرى أى كانت سببا لتقوية الاخرى فلا يلزم اجتماع المثلين قد سبق نظير هذا المسئلة في مسئلة الطلب والارادة مثلا اذا جمعت الارادة أى اراد المولى شيئا واحدا مكررا جعل كلها ارادة واحدة.

الحاصل ان النهى اذا تعلق على العبادات فيدل على الفساد لان العمومات لا تشمل هذا المورد مثلا لا يشمل الامر المورد الذى نهى عنه واما اذا كان النهى بالعرض فلم يدل على الفساد قد سبق فى مبحث الملازمات العقلية أى يقتضى الامر بالشيء النهى عن الضد العام اما من باب المقدمية واما من باب الملازمة العقلية مثلا الامر بالازالة هو بالاصالة والنهى عن الصلاة بالعرض قد ذكر فى محله ان النهى بالعرض لم يكن مخصصا للعمومات ومقيدا للاطلاقات.

بعبارة اخرى ان الامر بالازالة مقتضى النهى عن الصلاة وكان هذا النهى من باب الملازمة وبالعرض فلم يكن مخصصا للامر بالصلاة أى لم يكن مخصصا لعموم الامر لان المأمور به هنا اقوى من المنهى عنه فيشمل الامر هذا المورد وتصح الصلاة.

٣١٣

قوله المقام الثانى في المعاملات ونخبة القول ان النهى الدال على حرمتها لا يقتضى الفساد الخ.

أى المقام الثانى البحث في المعاملات ولا يخفى ان النهى تارة يكون من ذاتها وتارة اخرى من جزئها واعلم ان النهى اذا تعلق بنفس المعاملة فهو متعلق بما هو فعل بالمباشرة واما اذا تعلق النهى بمضمون المعاملة فهو متعلق بما هو فعل بالتسبيب أو بالتسبب توضيح ما ذكر ان المراد من النهى عن فعل المباشر هو النهى عن الفاظ العقود بعبارة اخرى النهى عن الايجاب والقبول.

واما النهى عن الفعل بالتسبيب كالنهى عن التمليك والانتقال فان التمليك والانتقال لم يكونا فعلا بالمباشر بل كان فعلا بالتسبيب لان المكلف فعل سبب الملك والانتقال بالمباشرة أى فعل الفاظ العقود بالمباشرة والمراد من النهى عن التسبب كالنهى عن البيع الربوى فانه يمنع عن المعاملة التي تكون بمضمون الخاص أى منعت في البيع الربوى عن الزيادة اذا كانت بعنوان البيع وبسببه لكن اخذ هذه الزيادة بطريق آخر لا اشكال فيه كالتمليك والهبة واما اذا كان اعطاء هذه الزيادة بسبب البيع فهو فاسد وان رضى المعطى.

الحاصل ان المعاملة الربوية فاسدة بتوسط النهى عن التسبب واذا جعل سبب الزيادة البيع واما الزيادة عن طريق آخر فلم ينهى عنها المثال الاخر للنهى عن التسبب في العرفيات كامر الشخص فى دخول شخص في مكان معين ولكن يقول لم ارض الدخول فيه

٣١٤

عن فلان طريق فهذا نهى عن التسبب أى لا يجعل هذا الطريق المخصوص سببا.

واعلم ان النهى عن المعاملات على اربعة اقسام أى النهى عن السبب والمسبب والتسبب فلا يدل النهى عن هذه الثلاثة على الحرمة والفساد. القسم الرابع هو النهى عن الثمن او المثمن فالنهى في هذا القسم يدل على الفساد مثلا النهى عن بيع الخمر أو النهى عن جعله ثمنا يدل على كون هذا محرما شرعا فالحرمة مستلزمة للفساد.

قوله نعم لا يبعد دعوى ظهور النهى عن المعاملات في الارشاد الى فسادها الخ.

أى النهى في المعاملات ظاهر في الارشاد الى الفساد قد ذكر ان النهى الارشادى تابع للمرشد اليه وكذا الامر الارشادى ولا يخفى ان المراد من المعاملات التي يكون النهى فيها ارشاديا وهى العقود والايقاعات لا المعاملات بالمعنى الاعم المقابل للعبادات أى المعاملات بمعنى الاعم يشمل التوصليات ولم يكن ظهور النهى فيها في الارشاد.

قوله نعم ربما يتوهم استتباعها له شرعا من جهة دلالة الاخبار الخ.

قد ذكر آنفا ان النهى عن المعاملات على اربعة اقسام ويدل على الفساد قسم واحد وهو القسم الرابع أى النهى عن الثمن أو المثمن ولا يخفى ان النهى عن المعاملات يدل على الفساد شرعا لا لغة وعرفا قد بيّن صاحب الكفاية هذا بقوله قد عرفت ان

٣١٥

الحرمة غير مستتبعة للفساد لا لغة ولا عرفا لكن يدل شرعا على الفساد والدليل على هذا هو الاخبار منها ما رواه في الكافى عن زرارة عن الباقر (عليه‌السلام) سئل عنه (ع) عن المملوك الذى تزوج بغير اذن سيده فقال (ع) فى الجواب يصح هذا باذن سيده أى كان هذا التزويج بيد سيده ان شاء اجاز وان شاء فرق بينهما فقال سائل انّ حكم ابن عتيبة وابراهيم النخعى واصحابهما يقولون ان اصل النكاح فاسد فلا يصح باجازة السيد له فقال ابو جعفر عليه‌السلام فانه لم يعص الله انما عصى سيده فاذا اجاز فهو جائز له.

الحاصل ان هذه الرواية تدل بظاهرها ان النكاح لو كان من معصية الله كان فاسدا والظاهر ان نكاح العبد لم يكن معصية لله بعبارة اخرى ان النكاح ليس مما لم يمضه الله فظهر مما ذكر ان نكاح العبد كان مشروعا.

واعلم انّ محل النزاع هو الحرمة التشريعية لا لذاتية فان العبد لم يفعل فعلا محرما شرعا ولم يكن هذا التزويج مخالفا لامضاء الشارع واما التزويج المحرم فهو الذى لم يمضه الشارع بعبارة اخرى لم يكن تشريعة من الشارع كتزويج المحارم وكتزويج المرأة التي كانت في عدة الغير

ويمكن ان يجاب عن هذا الاستدلال أى قد استدل في الرواية المذكورة بدلالة النهى على الفساد الحاصل ان مخالفة النهى اذا كانت معصية الله فالفعل الذى كان مخالفا للنهى فاسد.

لكن تزويج العبد بغير اذن سيده لم يكن معصية الله فيمكن ان يجاب عن هذا الاستدلال بان مخالفة المولى العرفى مخالفة الله فعلم

٣١٦

من هذا عدم دلالة النهى على الفساد وعدم صحة الاستدلال بالرواية المذكورة والجواب الاخر عن هذا الاستدلال هو احتمال مخالفة النهى المولى أى المراد من المعصية هى مخالفة النهى المولى بل هذا لمعنى ظاهر ومع التنزل عن هذا الظهور فيحتمل ان يكون المراد من العصيان مخالفة نهى الله وايضا يحتمل ان يكون المراد من العصيان مخالفة نهى المولى فوجد هنا احتمالان اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال بالرواية المذكورة اشار الى هذا الجواب صاحب الكفاية بقوله ولا بأس باطلاق المعصية على العمل الذى لم يمضه الشارع ولم يأذن به كما اطلق عليه بمجرد عدم اذن السيد فيه انه معصية الخ.

قوله تذنيب حكى عن ابى حنيفة دلالة النهى على الصحة الخ.

أى يبحث عن دلالة النهى على الصحة أى قال ابو حنيفة ان النهى لا يدل على الفساد بل يدل على الصحة والدليل له انه يشرط ان يكون متعلق الامر والنهى مقدورا اذا تعلق النهى على شيء فعلم انه مقدور وصحيح لان الشيء اذا لم يكن مقدورا فلم يتعلق النهى عليه.

قال بعض ان هذا صحيح بالنسبة الى المعاملات اذا كان النهى فيها عن المسبب أو عن التسبيب فتدل النهى فيهما على الصحة.

قد ذكر هنا ما ذكر في المبحث الصحيحى والاعمى لتوضيح محل النزاع حاصل هذا المبحث ان المعاملات اهى اسام موضوعة للمعانى الصحيحة أو للاعم منها ومن الفاسدة وذكر هناك انه لا يجرى هذا النزاع في المعاملات بمعنى المسببات أى اذا كانت

٣١٧

الفاظ المعاملات موضوعة للمسببات فلم يجر النزاع الصحيحى والاعمى وان كانت موضوعة للاسباب كانشاء العقد والايقاع فالنزاع المتقدم يصح في المعاملات أيضا توضيحه ان كانت موضوعة للمسببات نعنى بها نفس الملكية والزوجية والفراق والحرية وعلى هذا فلا يصح النزاع الصحيحى والاعمى في المعاملات بل تتصف هذه المسببات بالوجود تارة وبالعدم اخرى بعبارة اخرى انما يصح النزاع المتقدم اذا وجد للشيء فردان واما معاملات اذا كانت موضوعة للمسببات فليس لها الافرد واحد اى يدور امرها بين الوجود والعدم لانها توجد عند صحة العقد ولا توجد عند فساده.

واما اذا كانت المعاملات موضوعة للاسباب فيصح النزاع المتقدم فيها أى يصح ان نفرض في الفاظ المعاملات من كونها موضوعة لخصوص الصحيحة اعنى تام الاجزاء والشرائط المؤثرة فى المسبب أو من كونها موضوعة للاعم من الصحة والفاسدة والمراد من الفاسدة ما لا يؤثر في المسبب اما لفقدان جزء أو شرط اذا عرف البحث في الصحيحى والاعمى فنرجع الى ما نحن فيه اى النهى يدل على الصحة على ما حكى عن ابى حنيفة ولا يخفى ان هذا يصح اذا كان النهى عن المسبب لان النهى يتعلق على شيء مقدور أى النهى يتعلق على شيء موجود فيعبر عن المسبب بعد الوجود بالصحة هذا دليل من قال ان النهى يدل على الصحة أى اذا كان النهى عن المسبب فهذا مشروط بكونه مقدورا وموجودا فعبر عن هذا بالصحة.

واما اذا نهى عن السبب فهو متصور على قسمين فاما يكون صحيحا أى يكون واجدا لجميع الاجزاء والشرئط واما يكون

٣١٨

فاسدا أى لم يكن واجدا لجميع الاجزاء والشرائط فلا يصح في هذه الصورة دلالة النهى على الصحة لان السبب اما ان يكون صحيحا واما ان يكون فاسدا.

قوله واما العبادات فما كان منها عبادة ذاتية كالسجود والركوع الخ.

النهى عن العبادة يتصور على قسمين أى عبادة ذاتية وعبادة باعتبار الامر فما كان منها عبادة ذاتية كاسجود والركوع والخضوع فيكون مقدورا مع النهى عنه بعبارة اخرى يكون النهى عن هذه العبادات بعد وجودها وصحتها واما ما كان منها عبادة لاعتبار قصد الامر أى ما كان منها عبادة بتوسط امر المولى فلا يدل النهى فيه على الصحة ولا يكون النهى عنه مقدورا لان العبادة حاصلة بالامر وان تعلق النهى فيها فيلزم اجتماع الامر والنهى هذا محال على القول بالامتناع واما على القول بالاجتماع مع وحدة العنوان فهذا محال ايضا.

قوله قد عرفت ان النهى في هذا القسم انما يكون نهيا عن العبادة الخ.

هذا دفع الاشكال عن العبادة التي كانت باعتبار الامر أى لا يصح تعلق النهى بهذا القسم من العبادة للزوم اجتماع الامر والنهى فيلزم اجتماع الضدين هذا حاصل الاشكال الذى تقدم ذكره.

والجواب عن هذا الاشكال ان العبادة اذا كانت باعتبار الامر وتعلق النهى بها فلم يلزم اجتماع الامر والنهى لان العبادة حينئذ

٣١٩

تعليقية أى لو امر بهذا الشيء لكان عبادة فيدل النهى في هذا المورد أيضا على الصحة لان هذه العبادة موجودة بوجود التقديرى والتعليقى.

فى تعريف المفهوم

قوله المقصد الثالث في المفاهيم مقدمة الخ.

قد ذكر ان هذا الكتاب مشتمل على ثمانية مقاصد ويبحث من الخمسة في مباحث الالفاظ ويبحث من الثلاثة الاخرى في المجلد الثانى أي يبحث فيه من القطع والظن والاصول العملية والبحث فى هذا المقصد الثالث من المفاهيم واعلم ان المفهوم لغوى واصطلاحى والمراد منه في محل البحث هو المفهوم في اصطلاح الاصوليين أى ما هو مقابل المنطوق لكن المراد من المفهوم في اللغة هو ما فهم من اللفظ ويعبر عنه بالفهوم والمقصود والمدلول ولم يكن هذا المعنى اللغوى محلا للبحث هنا.

قد ذكر تعريف المفهوم الاصطلاحي بالعبارات المختلفة ولم يكن لهذه التعارف الطرد والعكس ولا نحتاج الى النقص والابرام لان هذا التعريف من التعارف اللفظية بعبارة اخرى كان هذا التعريف من قبيل شرح الاسم لا التعريف الحقيقى وهو اما بحد او رسم وقد ذكر للمفهوم التعارف الثلاثة والصحيح منها ما يقال انّ المفهوم انما هو حكم غير مذكور والمنطوق حكم مذكور هذا التعريف صحيح واما من عرف ان المفهوم حكم لغير المذكور والمنطوق حكم للمذكور فلم يصح نذكر اولا مثالا لتوضيح صحة التعريف

٣٢٠