هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين ومحمد وآله الطيبين والطاهرين ولعنة الله على اعدآئهم اجمعين الى يوم الدين.

وبعد فيقول العبد المذنب المفتقر الى رحمة ربه الغنى حيدر على المدرسى اذا فرغ من تأليف الجزء الاول بعون الله تعالى وفضله ولطفه وقع هذا الكتاب مطلوبا عند الفضلاء فامروا علىّ بتأليف الجزء الثاني إن شاء الله اكتب امتثالا لامرهم الجزء الثانى من كتاب هداية الاصول من افادات الاستاد المحقق العلامة الشيخ صدرا (قدس‌سره العالى) نسئل الله جل شأنه ان يتجاوز عنّا وعن آبائنا وامهاتنا وأتوجه اليه لا اله الا هو بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ان يوفقنى لاتمام هذا الكتاب وان ينفعنى به يوم الدين وان يجعله تذكرة للعالمين وتبصيرة للمتعلمين هو حسبنا ونعم الوكيل.

فاقول ومنه التوفيق قد بين في آخر الجزء الاول الامر الثالث في تقسيمات الواجب منها تقسيمه الى المطلق والمشروط ومنها تقسيمه الى المطلق والمنجز فيشرع هنا الجزء الثاني انشاء الله من

قوله ومنها تقسيمه الى النفسى والغيرى وحيث كان طلب الشىء وايجابه لا يكاد يكون بلا داع الخ.

٣

واعلم ان الواجبات على القسمين اي الواجبات النفسية والغيرية فلابد لكل منهما من تعريف الجامع فيحتاج الواجب النفسى الى التعريق الذى يجمع جميع افراده وكذا الواجب الغيرى قد ذكرى في التقريرات الواجب النفسى ما امر به لنفسه والواجب الغيرى ما امر به لغيره وأورد عليه بعدم العكس في الاول وبعدم الطرد في الثاني توضيح الاشكال ان تعريف الواجب النفسى لم يكن منعكسا وجامعا لعدم شمول هذا التعريف جل الواجبات النفسية اي يخرج من هذا التعريف الواجبات النفسية الا معرفة الله فقط وتخرج الواجبات النفسية القطعية وتفصيل عدم انعكاس هذا التعريف انه عرف الواجب النفسى ما امر به لاجل نفسه لا يكون هذا التعريف جامعا لخروج الواجبات النفسية عن هذا التعريف على المذهب العدلية قد ظهر ان الاحكام تابعة للمصالح والمفاسد على المذهب العدلية وان الاحكام لا توجد بدون المصالح والمفاسد وقد صرح بعض المصالح في الشرعيات مثلا الصوم جنة من النار والصلاة معراج المؤمن لكن لا تنحصر المصالح فيما ذكر بل تكون للصلاة والصوم المصالح الاخرى ولم نعلمها فعلم ان ايجاب الصلاة والصوم عن الشارع لم يكن من دون المصلحة لكن يبحث في كون هذه المصلحة علة تامة أو تكون معدة فظهر ممّا ذكر ان كل الواجبات النفسية يكون ايجابها لغيرها الا وجوب معرفة الله فيشمل تعريف الواجب النفسى المعرفة فقط قد بين عدم شمول هذا التعريف الواجبات النفسية القطعية ولم يكن منعكسا

وأما عدم اطراد تعريف الواجب الغيرى لدخول الواجب النفسى

٤

فيه بعبارة اخرى ان تعريف الواجب الغيرى لم يكن مانعا لانه عرف الواجب الغيرى بما امر لاجل غيره وعلم ان جل الواجبات النفسية يكون ايجابها لاجل الغير أي المصلحة كما ذكر في اكثر الكتب ان السمعيات الطاف فى اللفظيات اعنى السمعيات تدرك بالالفاظ فتكون لايجاد السمعيات لكن اختلف في كون الالفاظ علة تامة أو معدا للسمعيات.

وكذا فيما نحن فيه قد اختلف ان الاتيان بالواجبات هل يكون علة تامة لايجاد جميع المصالح أو يكون معدا قال شيخنا الاستاد ان فعل الواجب لا يكون علة تامة في تمام الموارد بل يكون فعل الواجب في اكثر الموارد معدا كما ذكر في الرواية ان الاعمال يرفع الى السماء لكن بعض اعمالنا يرجع من السماء الينا لعدم المصالح المطلوبة فيه وكذا ثبت في الرواية ان اعمال المؤمنين في كل ليلة الجمعة تصل بتوسط الملك عند امام العصر (عجل الله فرجه) فيسرّ (ع) عند رؤية بعض الاعمال لوجود المصالح فيه ويحزن (ع) لرؤية بعضها لعدم وجود المصالح فيه ولا يخفى ان الغرض من نقل الروايات توضيح الاشكال الذى ورد في تعريف الواجب النفسى والغيرى أي لا يكون تعريف الواجب النفسى منعكسا لان اكثر الواجبات النفسية يكون ايجابها لاجل الغير أي المصلحة.

والاشكال في تعريف الواجب الغيرى هو عدم اطراده لدخول واجب النفسى في هذا التعريف.

فلما اشكل على التعريف الذى ذكر في التقريرات عدل المصنف الى التعريف الاخر فقال الواجب الغيرى هو الذى طلب لاجل التوصل

٥

الى الغير واما الواجب النفسى فلا يكون طلبه لاجل توصل الى الغير بل يكون طلب الواجب النفسى لاجل نفسه لكن الداعى قد يكون محبوبية الواجب لاجل نفسه كالمعرفة بالله وقد يكون الداعى الى الواجب محبوبيته بماله من الفائدة الحاصل ان الداعى الى الواجب النفسى المحبوبية الفرق بين التعريف الاول والثانى هو انه جعل تعريف الواجب النفسى والغيرى كلاهما وجوديا.

واما تعريف الثاني فجعل تعريف الواجب الغيرى وجوديا لانه عرفه بأن الواجب الغيرى طلب لاجل التوصل الى الغير لكن جعل تعريف الواجب النفسى عدميا أي الواجب النفسى لا يكون طلبه لاجل التوصل الى الغير ولا يخفى ان الاشكال المذكور يرد على التعريف الثاني ايضا لانه جعل تعريف الواجب الغيرى وجوديا فيشمل هذا التعريف الواجب النفسى لانه طلب لاجل المحبوبية فلا يكون تعريف الواجب النفسى منعكسا وكذا يشكل على تعريف الواجب الغيرى لانه لا يكون مطردا.

قوله : فان قلت نعم وان كان وجودها محبوبا لزوما الخ.

اراد هذا القائل ان يصحح التعريف المذكور توضيح كلامه سلمنا ان الواجب النفسى يكون لاجل المصلحة لكن لا تكون هذه المصلحة بقدرتنا واختيارنا.

اما الواجب الغيرى فيكون لاجل التوصل الى الواجب الاخر وكان هذا الواجب مقدورا لنا مثل الوضوء واجب لاجل التوصل الى الصلاة وكانت الصلاة مقدورة لنا الحاصل ان الواجب الغيرى طلب لاجل التوصل الى الغير بشرط ان يكون هذا الغير مقدورا لنا

٦

فلا يشمل هذا التعريف الواجب النفسى لانه طلب لاجل المصلحة ولا تكون مقدورة لنا.

قوله : قلت بل هى داخلة تحت القدرة لدخول اسبابها تحتها الخ.

هذا جواب لقوله ان قلت حاصل الجواب انا لا نسلم ان المصلحة لم تكن مقدورة لنا لان المقدور على القسمين الاول ما يكون مقدورا لنفسه. والثاني ما يكون مقدورا بالواسطة ولا يخفى ان القدرة على السبب قدرة على المسبب فتكون الاسباب مقدورة لنا هذا ظاهر مثلا التطهير والتمليك والتزويج مقدورة لنالان اسبابها مقدورة لنا الحاصل ان التطهير مقدور لان استعمال الماء مقدور وكذا التمليك مقدور لان سببه أي العقد مقدور وكذا الزوجية مقدور لان الايجاب والقبول مقدور فيعود الاشكال المذكور على التعريف الواجب النفسى فيصح قولهم انّ السمعيات الطاف في اللفظيات أي تكون الالفاظ علة تامة كما ذكر شرحه آنفا.

قال شيخنا الاستاد بالفارسية اين بحث مذكور شاهكارى دارد از شاهكارهاى مصنف اين است كه فعل را علت تامه قرار داده است ، بناء على مذهب عدلية كما ذكره فى الواجب التعبدى والتوصلى انّ الفعل علة تامة للمصلحة وقال ايضا ان الاحتياط فى الافعال يكون لاجل تحصيل المصلحة وكذا فى ما نحن فيه ان الفعل علة تامة ويكون ايجابه لتحصيل المصلحة وهذا اشكال على الشيخ الاعظم لانه قال ان الفعل لا يكون علة تامة بل يكون معدا.

وقد اجيب عن الاشكال بأنّ المراد من الواجب الغيرى ما يكون

٧

الغير مقدورا واما في الواجب النفسى فيكون طلبه لاجل المصلحة ولا تكون المصلحة مقدورة لنا وردّ هذا الجواب بان القدرة على السبب قدرة على المسبب ولا يخفى انّ هذا تكرار لما سبق.

واجاب المصنف عن الاشكال الذي ورد على الواجب النفسى والغيرى.

بقوله : فالاولى ان يقال ان الاثر المترتب عليه وان كان لازما الخ.

حاصل الجواب سلمنا ان الفعل علة تامة لتحصيل المصلحة لكن يكون هذا الفعل معنونا بعنوان الحسن أيضا فان أتيت الفعل بهذا العنوان فهو نفسي بعبارة اخرى ان كان اتيان الواجب باعتبار انّه حسن فهو الواجب النفسي واما ان كان اتيان فعل الواجب لاجل توصل الى المصلحة فهو الواجب الغيري واما اذا لم يطلب الفعل لاجل توصل الى الغير وان كان علة تامة لتحصيل الغير فهو واجب نفسي لانّه طلب لاجل العنوان الحسن واما الواجب الغيرى فهو ما يكون لاجل التوصل الى الغير فدفع بهذا الجواب الاشكال عن الواجب النفسى والغيرى.

حاصل الجواب انّ الواجب الغيري ما يتوقف عليه الغير واما الواجب النفسى فهو ما لا يتوقف عليه الغير وقد ثبت للفعل عنوان الحسن وعنوان التوصل الى الغير فاذا كان اتيان الفعل لاجل عنوان الحسن فهو واجب نفسى واما اذا كان اتيان الفعل لاجل التوصل الى الغير فهو واجب غيري فصح تعريف الواجب النفسي ودفع اشكال السابق بانّه لا يكون الواجب النفسى الا المعرفة فالمعرفة واجب نفسي عقلا أي يكون وجوبه لدفع ضرر المحتمل او لان

٨

شكر المنعم واجب.

واعلم انّ الداعى الى الفعل اما يكون الغرض وآما ان يكون الفائدة بعبارة اخرى اما يترتب على الفعل الغرض واما يترتب عليه الفائدة والفرق بينهما ان الغرض ما يكون داعيا الى الفعل بعبارة اخرى انّ الغرض ما يكون علة لايجاد الفعل واما الفائدة فلا تكون داعية وعلة لايجاد الفعل بل الفائدة تثبت بعد الفعل اشكل الشيخ بانّ الفائدة مترتبة على الفعل فالفائدة واجبة فيجب الفعل لاجلها اذا كان الامر كذلك يكون كل الواجب واجبا غيريا فلا يكون عندنا الواجب النفسى فاجاب المصنف بنحو ان قلت حاصل الجواب انّ الفائدة لا تكون واجبة فظهر الفرق بين الفائدة والغرض وثبت ان الغرض ما يكون داعيا وعلة الى الفعل وذكر هنا من باب الكلام يجر الكلام انّ فعل الله تعالى لا يكون معللا بالاغراض وان لم يكن فعله خاليا عن الفائدة والدليل على هذا انه لو كان فعل الله معللا بالاغراض لكان هذا الغرض علة غائية لهذا الفعل مع ان العلة للفعل هو الله تعالى فان كان فعله تعالى معللا بالاغراض يكون الغرض علة لايجاد الفعل فيجعل هذا الغرض شريكا لله تعالى فى ايجاد الفعل اي يوجد الفعل بالعلتين احديهما الله تعالى وثانيتهما الغرض.

واعلم انّ الفرق بين الفائدة والغرض ذكر هنا لتوضيح دفع الاشكال عن الواجب النفسى حاصل الدفع انّ الواجب النفسي يكون لاجل الفائدة التى تترتب عليه ولا يكون طلب الواجب لاجل التوصل الى الغير لان وجود الفائدة انما يكون بعد وجود الفعل.

٩

قوله ثم انه لا اشكال فيما إذا علم باحد القسمين واما اذا شك في واجب انه نفسى او غيرى الخ.

قد علم فى قوله ومنها تقسيمه الى النفسى والغيري تعريفهما فاذا علم انّ هذا الواجب النفسي أو الغيري فلا اشكال هنا واما اذا لم يعلم ان هذا واجب نفسى او غيري فهذا محل للبحث والنزاع فيبحث هل يكون هنا دليل اجتهادي لاثبات الواجب بانه نفسي أو غيرى قال صاحب الكفاية انه يتمسك باطلاق الهيئة للواجب النفسي أي الدليل الاجتهادى موجود لاثبات الواجب النفسي كما مرّ فى الاوامر في المبحث السادس ان اطلاق الصيغة يقتضى كون الواجب نفسيا وعينيا واما الشيخ فيتمسك باطلاق المادة للواجب النفسي.

توضيح هذا البحث انه ان كان هناك اطلاق فى كلا طرفي الواجب كما اذا كان دليل الصلاة مطلقا لم يؤخذ الوضوء قيدا لها وكذا كان دليل ايجاب الوضوء مطلقا لم يقيد وجوبه بالصلاة كما فى قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الخ هذا دليل للمنفى حيث انه قيّد وجوب الوضوء بالقيام الى الصلاة.

فلا اشكال فى صحة التمسك بكل من الاطلاقين وتكون النتيجة هو الوجوب النفسي للوضوء وعدم كونه قيدا وجوديا للصلاة فان اطلاق دليل الوضوء يقتضى كون وجوبه نفسيا ولا يخفى انّ تقييد وجوب الوضوء بالقيام الى الصلاة يضرّ للتمسك بالاطلاق لاثبات الوجوب النفسي.

فيتمسك الشيخ باطلاق المادة لاثبات الوجوب النفسي والمراد هو الاطلاق الاحوالي ولا يجوز عنده التمسك الى اطلاق الهيئة

١٠

لانّ الحروف وما يلحق بها لا تكون قابلة للتقييد وقد ثبت فى محله ان الهيئة من ملحقات الحروف والدليل على عدم تقييدها انّ المعنى الحرفي غير مستقل أو انّه جزئي ويعلم من كلامه انّ الهيئة لا تقبل التقييد وان كان المعنى الحرفي كليا.

تترتب هنا مقدمتان المقدمة الاولى انّ مطلوبية الشيء يثبت بعد الامر اذا لم يؤمر على الشيء فلم يكن مطلوبا.

المقدمة الثانية انّ كون الشيء مطلوبا بعد الامر يحتاج الى ارادة الحقيقية وصفات النفسانية أي بعد الامر يصدق كون الشيء مطلوبا اذا وجدت الارادة الحقيقية والصفات النفسانية ولا يخفى ان المراد من الصفات النفسانية هي الارادة الحقيقية والظاهر انّ الشيء الذي كان صفة للنفس جزئي لان نفسك جزئى وكذا الشيء الذي هو صفة لنفسك جزئي ايضا فثبت باعتبار هاتين المقدمتين انّ معنى الهيئة جزئي لا يكون قابلا للتقييد اذا لم يكن الشيء قابلا التقييد فلم يكن قابلا للاطلاق فثبت هنا قول الشيخ انّ الهيئة لا تكون قابلا للاطلاق والتقييد فلا يتمسك باطلاق الهيئة قال صاحب الكفاية فى السابق ان المعنى الحرفى كلى ولكن لم يقل انّ معنى الهيئة قابل للتقييد اما فيما نحن فيه فصرح ان معنى الهيئة قابل للتقييد كان هذا التصريح لاجل مخالفته للشيخ.

ويذكر هنا تفصيل وتوضيح المقدمتين ويذكر أيضا توضيح ارادة الحقيقية والطلب الانشائي قد ظهر انّ المطلوب لا يحصل الا بعد الطلب والارادة الحقيقية والصفة النفسانية اذا كان الامر كذلك تصير هذه الصفات القائمة جزئية لانّ نفسك جزئي والصفة

١١

القائمة بها جزئي أيضا فان كشف الارادة علم ان مفهوم الهيئة جزئي ولا يخفى ان كشف ارادة الحقيقية والصفة القائمة بالنفس انما يكون بالطلب ويمكن ان تكون الارادة الحقيقية قائمة فى النفس لكن لا يمكن اظهارها بصيغة افعل فثبت هنا الصفة القائمة في النفس من دون الطلب الانشائى ويوجد فى بعض المورد الطلب الانشائى من دون الارادة الحقيقية كالتهديد والتعجيز فانه لم يكن هنا الطلب الجدي واعلم ان بين الارادة الحقيقية والطلب الانشائي من النسب الاربع العموم من وجه فالمادة الاجتماع فيما اتصف بالارادة والصفات النفسانية وكذا وجد فيه الطلب الانشائي والمادة الافتراق من جانب الارادة الحقيقية مثلا كانت الارادة الحقيقية والصفات النفسانية لكن لم تظهرها فلا يكون هنا طلب الانشائى والمادة الافتراق من جانب الطلب الانشائي مثلا تطلب انشاء الشيء للتهديد والتعجيز فلا تكون هنا الارادة الحقيقية والصفات النفسانية لانه لم تكن الارادة الجدية من المتكلم في هذا المورد.

قد ثبت الى هنا قول الشيخ انّ معنى الهيئة لا يكون قابلا للاطلاق والتقييد ويبيّن بعده مذهب صاحب الكفاية قد ذكر سابقا انّه يتمسك في المقام الى اطلاق الهيئة توضيح كلامه انّ معنى الهيئة مطلوب بالطلب الانشائي ولا يكون الطلب الحقيقي والارادة الحقيقية قابلا للانشاء ويذكر وجه عدم قابليته بعد سطور فيكون مفهوم الطلب قابلا للانشاء وان لم يكن بعض المفاهيم قابلا للانشاء لكن مفهوم الطلب قابل للانشاء لانه كلى فيكشف بالبرهان الانى الطلب النفسي أي يعلم من اطلاق المفهوم اطلاق الطلب وليتمسك باطلاقه الى الوجوب النفسي وخلط بعضهم بين المفهوم

١٢

والمصداق قال انّ معنى الهيئة لا يكون قابلا للاطلاق والتقييد فيقال له انّ مصداق الطلب لا يكون قابلا للاطلاق والتقييد ومفهوم الهيئة قابل للانشاء ولا يكون مصداقها قابلا للانشاء.

الحاصل ان الارادة الحقيقية والصفات النفسانية لا تكون قابلة للانشاء لانه لها اسباب خاصة اي ايجاد الصفات النفسانية يكون بالاسباب الخاصة والمراد منها المقدمات الخمسة هي عبارة من تصور الشيء وميل اليه والتصديق بفائدته والعزم والجزم فيحصل بعد هذه الاسباب الطلب النفساني ولا يخفى انه عبارة من الارادة الحقيقية فتكون هذه الارادة من الخارجيات ولا خلاف انّ الشيء الخارجي لا يكون قابلا للانشاء.

ان قلت لم تكون الارادة الحقيقية والصفات النفسانية من الخارجيات قلت كل شيء قائم بالخارجيات فهو من الخارجيات توضيحه النفس من الخارجيات قد ذكر فى محله انّ النفس والعقل من الخارجيات اذا كان الامر كذلك فكل صفة قائمة بالنفس أيضا تكون من الخارجيات عبارة شيخنا الاستاد بالفارسية هكذا هر شيء كه قائم بخارجيات باشد آن شيء از خارجيات است پس آن صفات كه قائم بنفس است نيز از خارجيات است شىء خارجى قابل انشاء نيست.

هذا ما وعدناه سابقا من انّ الصفات القائمة بالنفس لا تكون قابلة للانشاء لانها من الخارجيات فظهر وجه عدم انشاء هذه الصفات ووعدت سابقا انّ وجه عدم انشاء الصفات القائمة في النفس يجيء فيما بعد وهذا محل لما وعدته سابقا.

١٣

ولا يخفى انّ بيان وجه خارجية هذه الصفات بهذا النحو يكون مختصا بافادة شيخنا الاستاد.

الحاصل انه يصح التمسك باطلاق الهيئة على كون الواجب نفسيا على مذهب المصنف والظاهر ان مذهب المصنف مخالف للشيخ وصرح مخالفته على الشيخ لانه قائل ان اطلاق الهيئة يقتضى كون الواجب نفسيا لكن الشيخ يتمسك باطلاق المادة.

فاعلم انّ المقدمات الحكمة تكون في المورد الذى يفيد العموم أي الاطلاق والتقييد قد علم انه اذا لم يكن الشيء قابلا للتقييد فلم يكن قابلا للاطلاق والمراد من مقدمات الحكمة الاولى ان يكون التكلم في مقام البيان والثانية لم يكن قدر المتيقن في مقام التخاطب الثالثة امكان الاطلاق والتقييد الرابعة لم ينصب القرينة على خلافه الخامسة ان يكون فى مقام العزم والجزم ولم يكن المانع من بيان المراد اذا تمت هذه المقدمات يتمسك بالاطلاق.

قال شيخنا الاستاد انّ ما ذكر من كون القيد للمادة على مذهب الشيخ هذا مأخوذ من تقريرات بحثه فيمكن ان المؤلف لم يدرك مراده بوجه الاحسن توضيحه ان الشيخ قائل بصحة رجوع القيد الى المادة لان مراده من المادة هي المادة منتسبة أي مادة منتسبة الى الهيئة لان الهيئة بنفسها لا تكون قابلة للتقييد لكن تقبل التقييد باعتبار المادة كما ذكر نظير هذا في اول كتاب القوانين عند قوله فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا قال صاحب القوانين هنا انّ الحرف لا يتصف بالصفة أي لا يكون قابلا للتقييد لكن باعتبار متعلقه قابل للتقييد من يقتضى توضيحه فليرجع الى القوانين.

١٤

واما في مقام البحث فتكون الهيئة قابلة للتقييد باعتبار المادة لا تقبل الهيئة التقييد باعتبار نفسها على مذهب الشيخ.

قوله : ولا يكاد يكون فرد الطلب الحقيقى والذى يكون بحمل شايع طلبا الخ.

واعلم ان المراد من الفرد والافراد في عبارة المصنف هى الصفات النفسانية لانها جزئي وعبّر عن الجزئي بالفرد والافراد حاصل عبارة المصنف ما ذكرناه من ان يراد من الهيئة المفهوم لا المصداق والفرد الخارجى لانه لا يكون قابلا للانشاء بعبارة اخرى لا يصح ان يراد من لفظ الطلب الفرد الخارجي والمصداق الخارجي أي لا يراد من الطلب الصفة القائمة بالنفس وان كانت طلبا بحمل الشايع الذى يعتبر فيه الاتحاد فى المصداق بل يراد من الطلب المفهوم قد ذكر في الشرح مفصلا.

قوله هذا اذا كان هناك اطلاق واما اذا لم يكن فلابدمن الاتيان به قد بيّن المورد الذى شك فيه انّ الواجب نفسى أو غيرى قال صاحب الكفاية اطلاق الهيئة يقتضى كونه نفسيا واما اذا لم يكن في هذا المورد الدليل اللفظي أو لم تتم المقدمات الحكمة فلا يكون الاطلاق في المقام ويرجع الفقيه الى الاصول العملية كالبراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب فتكون هذه الاصول في جانب الامارة فانّ المكلف انما يرجع الى الاصول اذا فقدت الامارة أي اذا لم تقم عنده الحجة على الحكم الشرعي الواقعي بعبارة شيخنا الاستاد اگر فقيه دستش از دليل اجتهادى كوته شود رجوع نمايد بسوى اصل عملى.

١٥

الحاصل انه يتصور صورتان فيما نحن فيه أي تجرى القاعدة الاشتغال في مورد وتجرى البراءة في المورد الاخر توضيح ما ذكر بالمثال العرفى مثلا امر المولى بنصب السلم لم يعلم انّه وجوب نفسي أي نصب سلم واجب نفسى أو غيرى والمراد من الواجب الغيرى انّه ينصب للصعود على السطح فنعلم تارة انّ نصب السلم واجب نفسي أو غيرى لا نزاع فيه ونعلم مرة اخرى اجمالا انّه واجب اي لا نعرف جهة الوجوب من كونه نفسيا أو غيريا هذا محل النزاع.

الظاهر انه تجرى في الشك البدوي اصالة البراءة مثلا اذا لم يدخل وقت الصلاة فلا تكون واجبة واما اذا كان عليه الغسل ولم يدخل وقت الصلاة فيشك فيه أي هل يكون له الوجوب النفسى اولا فتجرى هنا اصالة البراءة لان الشك فيه بدوى فيكون هذا الشك موردا للاصالة البراءة فلا يكون الوجوب النفسى للغسل فى هذا الوقت.

واما اذا كان العلم الاجمالى في وجوب الغسل فتجرى هنا القاعدة الاشتغال مثلا نعلم ان الغسل واجب اما لنفسه واما بغيره فكان هذا موردا للقاعدة الاشتغال لان الاشتغال اليقينى يقتضى البراءة اليقينية لكن في الشك البدوي ما لم يكن مسبوقا بالعلم الاجمالى مثلا نعلم ان الغسل لا يكون واجبا غيريا لكن نشك في انه واجب نفسى ام لا فيسمى هذا الشك بدويا تجرى في مورد هذا الشك اصالة البراءة.

١٦

البحث فى استحقاق الثواب على امتثال الامر الغيرى

قوله تذنيبان الاول لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الامر النفسى.

فيبحث في تذنيب الاول ان هذه المسئلة كلامية فتتولد منها المسئلة الفقهية والمراد من المسئلة الكلامية ما يبحث فيه من الذات الواجب الوجود وافعاله والمراد من المسئلة الفقهية ما يبحث فيه من الوجوب والحرمة اي يبحث فيها من الاحكام الخمسة والمراد من المسئلة الاصولية ما تقع نتيجتها فى طريق استنباط الاحكام والظاهر ان البحث من الثواب أو العقاب أي استحقاقهما مسئلة كلامية قال صاحب الكفاية لا ريب في استحقاق الثواب على امتثال الامر النفسى واستحقاق العقاب على عصيانه أي انّ المطيع مستحق للثواب والعاصى مستحق للعقاب فتكون هذه المسئلة كلامية عقلية فيسئل عن الواجب الغيرى هل يكون امتثال الامر الغيرى مستحقا للثواب ومخالفته مستحقا للعقاب.

ويبيّن اولا معنى الثواب والعقاب ولا يخفى انه لم يبيّن معنى هما مثل ما بيّن شيخنا الاستاد فيعرفان اولا ثم يبحث انّ الشخص يستحق الثواب على امتثال الامر الغيرى ويستحق العقاب على عصيانه ام لا.

والثواب الشيء الذى هو عوض عن العمل على نحو الاجلال والاكرام والعقاب هو الشىء الذى هو عوض عن العمل على نحو الاهانة والتحقير مثلا كان عبد لك فان اطاعك تعطيه العوض بنحو الاجلال وان عصاك فتعطيه العوض على نحو الاهانة مثلا تضربه

١٧

بعبارة شيخنا الاستاد مولى آن عبد عاصى را سيلى مى زند اين هم عوض مى باشد.

والمراد من الاستحقاق اعطاء العوض أو يجب على المولى اعطاء العوض لكن لا يصح هذا المعنى بالنسبة الى المنعم الحقيقى أي لا يصح ان يقال انه يجب على الله تعالى اعطاء العوض لان كل النعم يكون من جانب المنعم الحقيقى كما تقول بحوله وقوته اقوم واقعد روى عن الموسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام الهى كيف اشكرك لانّ نفس الشكر نعمة ايضا توضيحه ان الله تعالى اعطانا اللسان والعقل والقدرة على التكلم هذه كلها نعمة فشكره تعالى نعمة ايضا.

قال الشهيد الاول فى خطبة كتابه في اللمعة الحمد فضله اشارة الى العجز عن القيام بحق النعمة لان الحمد اذا كان من جملة فضله فيستحق على مقابله حمدا وشكرا فلا ينقضى ما يستحقه من المحامد لعدم تناهى نعمة فثبت ان الشكر والحمد من فضله وكل ما اعطاه الله تعالى لنا فهو من فضله ولطفه الحاصل انّ المعنى الثانى للاستحقاق لا يصح بالنسبة الى المنعم الحقيقى قد ذكر ان المعنى الثانى أي يجب على المولى اعطاء العوض فلا يصح هذا المعنى بالنسبة الى المولى الحقيقى اعنى الله ورسوله فلا يكون اعطاء العوض عن الله تعالى من باب الاستحقاق العقلى بل يكون الاستحقاق من باب لطف الله تعالى على عباده قال شيخنا الاستاد يصح المعنى الثانى فى جانب العقاب يجب على المولى الحقيقى ان يعطى العوض.

اذا ظهر معنى الثواب والعقاب والاستحقاق نرجع الى اصل

١٨

البحث وهو انّ امتثال الامر الغيرى لا يكون مقتضيا للثواب وكذا مخالفته لا يكون مقتضيا للعقاب.

فيقال ما الدليل على هذا والجواب الدليل الضرورة أي الدليل في عدم استحقاق الثواب والعقاب في الواجب الغيرى هى الضرورة واعلم ان الاشياء بعضها ضرورى وبعضها نظرى فيكتسب النظرى من الضرورى ان كان الاشياء كلها ضروريا لما جهلنا شيئا وان كان الاشياء كلها نظريا لما علمنا شيئا فلابد ان يكون بعض الاشياء ضروريا وبعضها نظريا ليكتسب النظرى من الضرورى فالدليل على عدم اقتضاء الامر الغيرى الثواب والعقاب هى الضرورة مثلا من امتثل الواجب النفسى مع مقدماته فله ثواب واحد ومن ترك الواجب النفسى مع مقدماته فله عقاب واحد وكذا من ترك الواجب النفسى مع المقدمتين فله عقاب واحد ايضا فيكشف من هذه الضرورة وحدة العقاب وعدم العقاب لعصيان الواجب الغيرى بعبارة اخرى يكشف بالدليل الانى اى وحدة العقاب انه لا يكون العقاب بعصيان الواجب الغيرى وكذا لا يكون الثواب بامتثال الامر الغيرى قد ظهر ان المراد من الضرورة هو اتيان الواجب مع عشر مقدمات واعطاء ثواب واحد فيمقابلها وكذا اذا عصى شخص الواجب النفسى مع عشر مقدمات فله عقاب واحد فتدل هذه الضرورة فى عدم الثواب والعقاب على الامتثال والعصيان فى الواجب الغيرى.

فان قلت ان الاخبار تدل فى استحقاق الثواب على امتثال الواجب الغيرى أي تضمنت الروايات من الثواب على المقدمات فى موارد منها ما ورد فى زيارة سيد الوصيين مولانا امير المؤمنين

١٩

عليه افضل الصلاة المصلين كخبر الحسين بن اسماعيل الصيمرى عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال من زار امير المؤمنين عليه‌السلام ماشيا كتب الله بكل خطوة حجة وعمرة فان رجع ماشيا كتب الله بكل خطوة حجتين وعمرتين.

ومنها ما ورد فى زيارة مولانا أبى عبد الله الحسين عليه‌السلام من انّ لكل قدم ثواب عتق عبد من اولاد اسماعيل عليه‌السلام فتدل هذه الروايات في اعطاء الثواب على المقدمات فيقال ان الاخبار تفسر على الوجهين ليحفظ الحكم العقلى.

الاول ان العقل يحكم على انّ احب الاعمال احمزها واشقها والوجه في زيادة الثواب حينئذ هو زيادة انقياد فى نظر العقل فيزيد الثواب بازدياد مناطه الذى هو التسليم والانقياد لصيرورة العمل مع كثرة مقدماته اشق الاعمال أي يزيد الثواب لذى المقدمة ويوزع هذا الثواب على المقدمات ولا يكون اصل الثواب لاجل المقدمات.

الوجه الثاني لتفسير الاخبار ان الثواب فى المقدمات يكون من باب التفضل أي يستند هذا الثواب الى فضل الرب الكريم فان الفضل بيده يؤتيه من يشاء الحاصل ان الثواب فى الموارد المذكورة يكون على طريق المانع الخلوّ اى اما يكون الاجل المشقة على ذي المقدمة واما يكون من باب التفضل.

قد ذكر صاحب الكفاية هذين الوجهين في قوله نعم لا بأس باستحقاق العقوبة على المخالفة عند ترك المقدمة وزيادة المثوبة على الموافقة أي يكون الثواب لاجل المشقة على ذى المقدمة وأما استحقاق العقوبة فهو لاجل مخالفة الامر النفسى من حين مخالفة

٢٠