هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

وجوبه لان العقل لم يمتنع المقدمة بل حكم العقل ارشاد الى اتيان ما هو اقل قبحا ولا شك ان الخروج قبحه اقل من البقاء.

قوله وثانيا لو سلمنا فالساقط انما هو الخطاب فعلا الخ.

الى هنا قد اجيب بعدم سقوط الوجوب عن ذى المقدمة لكن اجيب عن الاشكال المذكور ثانيا بعد تسليم سقوط الوجوب عن ذى المقدمة أى سلمنا سقوط الوجوب عن ذى المقدمة وسلمنا ان الممتنع العقلى كالممتنع الشرعى اى بعد امتناع العقل عن المقدمة يسقط الوجوب عن ذى المقدمة لكن سقوط هذا الوجوب كان باعتبار عدم الخطاب فعلا واما الخروج لم يمتنع عن اتيانه عقلا وان كان الخروج محرما.

لكن قبحه اقل من البقاء فكان ارتكاب هذا الحرام أى الخروج لتحصيل الاهم والمراد منه ترك البقاء في المكان المغصوب أو كون الشخص في خارج الدار وان لم يكن هذا الاهم واجبا فعلا لعدم الخطاب فيه واما هذا الاهم فهو محبوب عقلا اى التخلص عن الغصب اهم عقلا بالنسبته الى حرمة الخروج بعبارة اخرى انّ التخلص عن الغصب هنا وان لم يكن فيه الوجوب الشرعى لكن كان فيه اللزوم العقلى.

قوله قد ظهر مما حققناه فساد القول بكونه مأمورا به مع اجراء حكم المعصية عليه الخ.

كان الكلام الى هنا مع الشيخ (قدس‌سره) حاصل كلامه ان الخروج واجب لانه مقدمة للواجب أى ترك البقاء عن المكان

٢٦١

المغصوب قد اجيب عنه ان الخروج حرام لانه منهى عنه بنهى السابق.

واما المصنف فهو قائل بعدم كون الخروج مأمورا به مع كونه مستلزما للعقاب قال صاحب الكفاية قد ظهر مما حققناه فساد قول صاحب الفصول وان كان صاحب الفصول شريكا مع المصنف فى كون الخروج مستلزما للعقاب واما مخالفة صاحب الفصول مع المصنف فهو قائل بكون الخروج مأمورا به مع كونه مستلزما للعقاب لكن المصنف قائل بعدم كون الخروج مأمورا به وقد حصل الجواب بان الخروج لم يكن مأمورا به لكن بقى الاشكال الذى يرد على صاحب الفصول فقط وهو يلزم على قوله كون شىء واحد مأمورا به ومنهيا عنه لان صاحب الفصول قائل بكون خروج مأمورا به ومستلزما للعقاب فلم يجز كون شىء واحد مأمورا به اذا كان معنونا بالعنوانين فضلا من ان يكون معنونا بعنوان واحد فالخروج على قول الفصول كان مأمورا به ومنهيا عنه بعنوان واحد أى المقدمية هذا لم يجز عند صاحب الفصول ايضا.

ولا يخفى ان صاحب الفصول توجه الى هذه الغائلة لكن قال ان اشكال اجتماع الامر والنهى لا يلزم في المقام توضيحه ان زمان التحريم والايجاب مختلفان لان زمان التحريم كان قبل زمان الايجاب وان كان الفعل واحدا أى كان الخروج قبل الدخول حراما لكن بعد الدخول صار واجبا.

والجواب عن هذا الاستدلال ان غائلة اجتماع الامر والنهى انما ترتفع باختلاف زمان التحريم والايجاب مع اختلاف زمان

٢٦٢

الفعل المتعلق لهما واما مع اتحاد زمان الفعل المذكور فلا يرتفع اشكال اجتماع الامر والنهى لكن اذا اختلف زمان الفعل المتعلق لهما فيرتفع اشكال اجتماع الامر والنهى وان كان زمان الايجاب والتحريم متحدا.

قد ذكر نظير هذا الاشكال في البيع الفضولى اذا كانت الاجازة كاشفة والظاهر ان شرط صحة البيع الفضولى هو اجازة المالك قد اختلف في كونها كاشفة ام ناقلة لكن الاشهر انّ الاجازة الاحقة من المالك كاشفة عن صحة العقد من حين وقوعه فيلزم على هذا اجتماع المالكين في شىء واحد في زمان واحد مثلا اذا وقع عقد البيع يوم الخميس واجاز المالك يوم الاحد فيكشف عن هذه الاجازة التي كانت كاشفة ان المبيع في ثلاثة ايام ملك للمشترى والمالك المجيز معا هذا ما ذكر من لزوم اجتماع المالكين في شيء واحد على نحو الاستقلال اى لزم في الزمان المذكور اجتماع المالكين في شىء واحد على نحو كون كل منهما مالكا بالاستقلال لا بالاشتراك.

والجواب عن الاشكال الذى ورد في البيع الفضولى ان زمان اعتبار الملكية اثنان أى زمان اعتبار الملكية للمشترى هو من حين عقد واما زمان اعتبار الملكية للمالك المجيز فهو من حين الاجازة فيدفع بهذا الاعتبار المذكور اشكال اجتماع المالكين في شىء واحد في صورة كون الاجازة كاشفة في البيع الفضولى.

فاجيب عن صاحب الفصول ان تعدد اعتبار الزمان في البيع الفضولى كاف في دفع اشكال اجتماع المالكين في شىء واحد

٢٦٣

وكذا في ما نحن فيه اختلاف زمان الايجاب والتحريم كاف في دفع اشكال اجتماع الامر والنهى في شىء واحد.

فيقال في الجواب انا سلمنا كفاية التغاير الاعتبارى في الاحكام الوضعية لكن لا يكفى التغاير الاعتبارى في الاحكام التكليفية فمقام بحثنا في مسئلة الخروج حكم تكليفى لا يكفى اعتبار اختلاف الزمان في دفع اشكال اجتماع الامر والنهى.

الحاصل ان اختلاف زمان الوجوب والحرمة لا ينفع في رفع اجتماع الضدين مثلا قلنا ان حرمة الخروج كانت قبل الدخول واما زمان وجوبه فهو بعد الدخول فهذا لا ينفع في رفع الاشكال لان الخروج حرام بعد الدخول بالنهى السابق وهو واجب للامر اللاحق فيلزم اجتماع الضدين في فعل واحد.

قوله كما لا يجدى في دفع هذه الغائلة كون النهى مطلقا الخ.

هذا اشارة الى جواب صاحب الفصول عن اشكال اجتماع الضدين حاصله ان اجتماع الضدين يلزم اذا كان الوجوب والحرمة مطلقين معا أو مشروطين معا واما في مقام البحث فلم يكن كذلك لان حرمة الدخول مطلق ووجوب الخروج مشروط بالدخول فلا يلزم اجتماع الضدين لانهما متغائران من حيث الاطلاق والتقييد.

ولم يقبل صاحب الكفاية هذا الجواب وقال لا يجد هذا الجواب فى دفع الغائلة لانه اذا كان حراما في حالتى الدخول وعدمه يجتمع مع الوجوب المشروط بالدخول بعد الدخول بعبارة شيخنا الاستاد ان المطلق يتنافى للمشروط لان المطلق ينحدر ويتنزل الى مرتبة المشروط اما المشروط فلا يرفع ولا يصعد الى مرتبة المطلق

٢٦٤

اى اگرچه مشروط بالا نمى رود اما مطلق پايين مى آيد پس جمع مى شوند مطلق ومشروط در يك مرتبة.

قد ذكر نظير هذا الاشكال في الجمع بين الحكم الواقعى والظاهر أى اذا قلنا بثبوت الحكم الواقعى والظاهرى فيلزم اجتماع الضدين اذا كان الحكم الظاهرى مخالفا للحكم الواقعى أو اجتماع المثلين اذا كان الحكم الظاهرى موافقا للحكم الواقعى قد اجيب عن هذا الاشكال ان الحكم الواقعى مطلق واما الحكم الظاهرى فهو مشروط فى وجود الشك في الحكم الواقعى فلا يلزم اجتماع الضدين أو المثلين لكن ردّ هذا الجواب بان الحكم الواقعى موجود في مرتبة الحكم الظاهرى لانّ الحكم الواقعى ينحدر ويتنزل الى مرتبة الحكم الظاهرى.

الحاصل ان اشكال اجتماع الضدين باق على حاله وان كان احدهما مطلقا والاخر مشروطا.

قوله واما القول بكونه مأمورا به ومنهيا عنه ففيه مضافا الى ما عرفت الخ.

كان الكلام مع صاحب القوانين حاصل كلامه ان الخروج مأمور به ومنهى عنه لكن العنوان متعدد أى كان الخروج منهيا عنه بعنوان الغصب وكان مأمورا به بالعنوان المقدمية لان الخروج مقدمة للواجب وهو التخلص عن الحرام فيدفع اجتماع الضدين باعتبار تعدد العنوان.

ورد هذا الاستدلال فيقال في جوابه بعد تسليم دفع اجتماع الضدين بتعدد العنوان ان هذا يصح اذا كان بين العنوانين اعم من

٢٦٥

وجه ولكن لم يكن فيما نحن فيه الا عنوان واحد وهو العنوان الغصبية اما العنوان المقدمية فلم يكن واجبا فيلزم في المقام كون الخروج مأمورا به ومنهيا عنه.

قوله ان الاجتماع هيهنا لو سلم انه لا يكون بمحال لتعدد العنوان الخ.

هذا اشكال على صاحب القوانين بعد تسليم تعدد العنوان وفرض تسليم القول الجوازى حاصله ان الاجتماع لم يكن ممتنعا بعد فرض تعدد العنوان لكن يلزم المحال من الطريق الاخر وقال صاحب الكفاية كان محالا لاجل كونه طلب المحال حيث لا مندوحة اى مع انحصار التخلص عن الحرام في الخروج فيلزم من اجتماع الوجوب والحرمة فيه طلب المحال لعدم القدرة على فعل الخروج وتركه في آن واحد.

توضيح المحال بعبارة شيخنا الاستاد ان متعلق الامر والنهى مشروط بالقدرة فلا يكون الواجب متعلقا للقدرة وكذا الممتنع لان الوجوب وجوده ضرورى والممتنع عدمه ضرورى والظاهر ان الفعل بعد وجود علته يصير ضروريا وكذا يصير عدم الفعل ضروريا لعدم وجود العلة فخرج عن القدرة لان الشرط في متعلق القدرة ان يكون ممكنا مثلا يشترط في الادارة التكوينية كون متعلقها ممكنا مثلا لا يصح ارادة الزوجية من دون وجود الاربعة كذا الارادة التشريعية التي تقتضى المريد والمراد والمراد منه فيشترط في متعلق هذه الارادة ان يكون مقدورا.

قد ذكر شيخنا الاستاد مثالا لتوضيح المحال مثلا اذا سئل هل يمكن درج

٢٦٦

الدنيا في بيضة الدجاج والطيور فيقال في الجواب هذا محال لان المحل لم يكن قابلا لهذا الحكم بعبارة اخرى ان البيضة لم تكن قابلة لهذا الحكم ولم يمكن ادراج الدنيا في هذه البيضة.

فنرجع الى ما نحن فيه ونقول ان امتناع الخروج ضرورى وخارج عن القدرة ولو كان الوجوب والامتناع بسوء الاختيار.

قوله : وما قيل ان الامتناع او الايجاب بالاختيار لا ينافى الاختيار الخ.

هذا اشارة الى التوهم وهو ان الوجوب والامتناع ان كانا بسوء الاختيار فلا يمنعان عن التكليف لما اشتهر من ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار وعليه فلا مانع من تعلق البعث والزجر بالخروج المضطر اليه بسوء الاختيار.

فيقال في دفع هذا التوهم ان قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار اجنبية عن المقام وكان مورد هذه القاعدة في مقام رد الاشاعرة فيبحث هنا ان وجود الاشياء هل يكون بالاولوية أو يكون بالوصول الى حدّ الوجوب استدل الاشاعرة للثاني بقاعدة ان الشىء ما لم يجب لم يوجد وما لم يمتنع لم يعدم فتدل هذه القاعدة على اضطرارية الافعال الارادية الصادرة عن العباد فتكون غير اختيارية بعبارة اخرى انّ الاشاعرة قائلون بالجبر استنادا الى ان الفعل مع الارادة واجب وبدونها ممتنع فيلزم الجبر وانتفاء الاختيار واجاب عن هذا الاستدلال العدلية بان وجوب الفعل وامتناعه انما يكون من قبل العلة ولا يخفى عليك ان ارادة الفاعل واختياره في تلك الافعال علة للفعل فهما ناشئان من اختياره

٢٦٧

فالايجاب والامتناع الناشئان عن الاختيار مؤكدان للاختيار الحاصل ان وجود الاشياء على مذهب الاشاعرة موقوف على وجوبها وصيرورتها الى حد الضرورة وكذا عدمها فيكون وجود الاشياء وعدمها خارجا عن الاختيار.

فيقال في جواب الاشاعرة ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار بل يؤكد الاختيار أى كان ايجاب الفعل باختيار الفاعل وكذا امتناعه اعنى ان الفاعل اوجب الفعل باختياره وكذا امتنعه باختياره توضيحه ان البحث في الامور التشريعية فيتعلق في هذه الامور اولا ارادة الواجب الوجود مثلا تعلقت ارادة الواجب الوجود على وجوب الشىء او حرمته فيتصور المكلف بعدها اى يتعلق ارادة المكلف بايجاده وامتناعه فيكون ايجاد الفعل وامتناعه باختيار المكلف اذا تعلق ارادة الشارع على ايجاد الشىء ولكن المكلف يتركه بتصوره وارادته فيكون هذا مؤكدا لاختيار المكلف وثبت الى هنا ان ما قيل ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار جواب للاشاعرة والظاهر ان هذه القاعدة اجنبية عن مقام بحثنا فلا يكون ترك الخروج فعلا باختيارنا.

قوله : فانقدح بذلك فساد الاستدلال لهذا القول بان الامر بالتخلص والنهى عن الغصب دليلان يجب اغمالهما الخ.

وكان الكلام مع صاحب القوانين حاصل كلامه ان الخروج كان مأمورا به ومنهيا عنه ولو كان بسوء الاختيار لان الامر يدل على الوجوب أى التخلص عن الغصب والنهى عن الغصب يدل على حرمة الخروج فهذان الدليلان يجب اعمالهما ان قلت يلزم هنا اجتماع الضدين فنقول لا يلزم اجتماع الضدين على القول بالجواز

٢٦٨

لان العنوان متعدد أي الامر يتعلق على العنوان المقدمية والنهى يتعلق على العنوان الغصبيّة فلا يلزم المحال من ناحية اجتماع الامر والنهى وايضا قال صاحب القوانين واما لزوم التكليف بما لا يطاق فهو ليس بمحال لان هذا التكليف مسبب عن سوء الاختيار أي اذا كان التكليف بالمحال بسوء الاختيار فهو ليس بمحال الى هنا تم كلام صاحب القوانين لكن قال صاحب الكفاية فانقدح بما ذكرنا فساد استدلال لهذا القول اى قول صاحب القوانين وقد بين وجه الفساد.

بقوله : وذلك لما عرفت من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو كان بعنوانين الخ.

هذا رد لاستدلال صاحب القوانين وبيان لفساده. توضيحه ان التقييد يلزم في احد الدليلين لاستحالة اجتماع الضدين ولو مع تعدد العنوان فلا بدّ من تقييد الامر او النهى بالاهم منهما فالخروج اما مأمور به فقط واما منهى عنه كذلك مع انه قد تقدم سابقا ان تعدد الجهة هنا مفقود لان المقدمية جهة تعليلية لا التقييدية فهى خارجة عن ذي المقدمة أى جهة تعليلية مبنية علة الحكم واما جهة التقييدية فهى توجب تعدد الشىء فيلزم في المقام اجتماع الضدين لان الخروج مأمور به ومنهى عنه.

واما التكليف بالمحال فهو قبيح على كل حال اى سواء كان بسوء الاختيار ام لا فظهر من كلام صاحب الكفاية ان استدلال صاحب القوانين لا يصحّ وانما الصحيح ما قلناه من ان الخطاب ساقط وان كان العقاب ثابتا لاجل نهى السابق والامتناع بالاختيار

٢٦٩

ينافى الاختيار خطابا ولا ينافى عقابا فهذا المضطر معاقب لا مخاطب فالخروج عن المكان المغصوب لم يكن مأمورا به وان كان مهنيا عنه لاجل نهى السابق.

قوله : ثم لا يخفى انه لا اشكال في صحة الصلاة مطلقا في الدار المغصوبة الخ.

قد بين هنا الاشكال الذي ورد على المشهور حاصل هذا الاشكال انهم افتوا بصحة الصلاة في حال الضيق وببطلانها في السعة هذا محل التأمل لانهم ان كانوا من المجوزين فلازمه الصحة مطلقا وكذا اذا قدم الامر فلازمه صحة الصلاة ايضا واما اذا قدم النهى او تساويا فاللازم هو البطلان مطلقا أي سواء كانت الصلاة في ضيق الوقت ام في سعته.

الحاصل ان الصلاة صحيحة على القول بالجواز لان الصلاة في الدار المغصوبة على هذا القول مأمور بها واما على القول بالامتناع فالصلاة في الدار المغصوبة صحيحة ايضا مع الاضطرار الى الغصب ومع عدم هذا الاضطرار بسوء الاختيار قال صاحب الكفاية بصحة الصلاة مع الاضطرار الى الغصب ولو كان بسوء الاختيار لكن هذه الصلاة وقعت في حال الخروج بناء على كون الخروج مأمورا به ورفع قبحه بالاضطرار وايضا تصح الصلاة على القول بالامتناع لاجل غلبة ملاك الامر على النهى مع ضيق الوقت.

قوله واما الصلاة فيها في سعة الوقت الخ.

قد ذكر ان الصلاة في الدار المغصوبة على القول بالامتناع صحيحة بناء على غلبة ملاك الامر مع ضيق الوقت مطلقا اي من

٢٧٠

غير الفرق بين الاضطرار وغيره لكن الصلاة في المكان المغصوب مع غلبة ملاك الامر على ملاك النهى انما تصح في سعة الوقت بشرط عدم اقتضاء الامر بالشىء للنهى عن ضده.

توضيحه ان الصلاة في الدار المغصوبة مع الصلاة التي كانت في الخارج عنها متضادتان قد اختلف ان الامر بالشىء هل يقتضى النهى عن ضده ام لا مثلا الصلاة التي تقع في خارج الدار المغصوبة كانت مأمورا بها مع خلوها عن المنقصية فهل يقتضى الامر بهذه الصلاة النهى عن الصلاة التي تقع في المكان المغصوب فان قلنا ان الامر على الصلاة التي تقع في الخارج عن الدار المغصوبة يقتضى النهى عن ضده أي يقتضى النهى عن الصلاة التي تقع في الدار المغصوبة فلا تصح الصلاة فيها لان النهى يدل على الفساد.

قال صاحب الكفاية لكنه عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه الخ.

أي قد سبق في مبحث الضد ان الامر بالشيء لا يقتضى النهي عن ضده لكن يقتضى عدم الامر بالضد فالساقط هو الامر الفعلي عن الضد دون الملاك والمحبوبية فلا مانع من فعل الضد العبادي بداعي الملاك من دون الحاجة في تصحيحه الى الامر فظهر صحة الصلاة في الدار المغصوبة مع سعة الوقت بداعى المحبوبية.

البحث في ان باب اجتماع الامر والنهى باب التزاحم

أو التعارض

قوله : الامر الثانى قد مر في بعض المقدمات انه لا تعارض

٢٧١

بين خطاب صل ولا تغصب على الامتناع الخ.

قد ذكر البحث في الامر الاول في جواز اجتماع الامر والنهى وعدمه واما في الامر الثاني فيبحث عن المطالب التي ذكر بعضها في الامر التاسع في مبحث اجتماع الامر والنهى عند قوله التاسع انه قد عرفت انّ المعتبر في هذا الباب ان يكون كل واحد من الطبيعة المأمور بها والمنهى عنها قد ذكر بحث اجتماع الامر والنهى هناك لكن الفرق القليل موجود بين ما ذكر في السابق وما ذكر هنا في هذا الامر الثاني.

بعبارة اخرى قد ذكر في هذا الامر البحثان الجديدان.

احدهما : ان مبحث اجتماع الامر والنهى لم يكن من باب التعارض بل كان من باب التزاحم.

وثانيهما : بيان الفرق بين باب التزاحم والتعارض توضيحه انّ الملاك في باب التعارض واحد واما الملاك في باب التزاحم فهو اثنان واعلم ان التزاحم اما يكون في مقام الامتثال وأما يكون في المقتضيين مثلا قوله صل وازل النجاسة عن المسجد هذا تزاحم في مقام الامتثال لان المكلف لم يقدر على امتثال هما في آن واحد وكذا فيما نحن فيه أي المكلف لم يقدر على امتثال الواجب وترك الحرام بعبارة اخرى انه لم يقدر على اتيان الواجب وترك الغصب معا فظهر ان باب اجتماع الامر والنهى كان من باب التزاحم في مقام الامتثال اى المكلف لم يقدر على امتثالهما فى هذا الان.

واما التزاحم في المقتضيين فهو في مقام جعل المقتضى أى لا يمكن جعل المقتضى لكل واحد المتزاحمين مثلا اذا قلنا

٢٧٢

بالامتناع فلا يمكن جعل مقتضى الوجوب والحرمة أى لا يمكن جعل الامر والنهى.

الحاصل انه يتصور في المقام الابواب الثلاثة : الاول باب التعارض أى تعارض الدليلين قد ذكر لهذا الباب مرجحات كترجيح ما هو الاقوى دلالة او سندا.

الثانى باب التزاحم في مقام الامتثال أى المكلف عاجز عن امتثال الحكمين ولم يكن المانع عن جعل المولى مثلا اذا امر المولى بالصلاة وازالة النجاسة عن المسجد فلا اشكال في جعل هذا الامرين لكن المكلف لم يقدر على امتثالهما.

الثالث تزاحم المقتضيين أى مقتضى الوجوب والحرمة بعبارة اخرى تزاحم المصلحة والمفسدة فقال بعض ان باب اجتماع الامر والنهى كان من باب التعارض لكن ليس هذا من باب التعارض بل كان باب اجتماع الامر والنهى من باب التزاحم المقتضيين ولا يخفى ان صاحب الكفاية جعل هذا القسم قسما مستقلا ولكن كان هذا القسم من باب تعارض المقتضيين وكان البحث فيه من الدليلين فيقدم ما هو اقوى منهما اذا ثبت كون دليل احدهما اقوى من الاخر ثبت بالبرهان الاني كون مقتضيه اقوى من مقتضى الاخر فيرجح الاقوى على غيره واما مع عدم ثبوت الاقوى فيرجع الى الاصول العملية.

قوله ثم لا يخفى ان ترجيح احد الدليلين وتخصيص الاخر به الخ.

قد ذكر هنا توضيح عبارة صاحب الكفاية بعبارة شيخنا الاستاد الحاصل انّ المقتضى موجود في مسئلة اجتماع الامر والنهى في

٢٧٣

كل منهما فكانت الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة وان قلنا بالامتناع وترجيح جانب النهى أى الصلاة صحيحة في مكان المغصوب لكن النهى يقيد بان لم يكن هذا النهى في مورد الاضطرار وأيضا لم يكن المكلف جاهلا أو ناسيا بالتحريم بعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية با ترجيح جانب نهى نيز صلاة صحيح مى شود اما نهى يك مقدارش مقراض مى شود مثلا در مورد اضطرار نباشد ونيز در مورد جهل ونسيان نباشد.

واعلم ان التخصيص في مقام اجتماع الامر والنهى في صورة التزاحم بين المقتضيين عقلى بعبارة اخرى ان وزان التخصيص في صورة التزاحم بين المقتضيين لبي وليس هذا التخصيص لفظيا والفرق بينهما لانه اذا كان المخصص لفظيا وقدم احد الطرفين فلم تكن المصلحة للطرف الاخر اصلا مثلا اكرم العلماء الا الفساق هذا تخصيص لفظى فلم تكن المصلحة في اكرام الفساق اما في باب اجتماع الامر والنهى فالتخصيص لبّي مثلا اذا اجتمع الامر والنهى وقدم النهى كانت مصلحة في جانب الامر ايضا واعلم ان ما ذكر من توضيح عبارة الكفاية كان من تقرير شيخنا الاستاد اما صاحب الكفاية فقال ثم لا يخفى ان ترجيح احد الدليلين وتخصيص الاخر به في مسئلة الاجتماع لا يوجب خروج مورد الاجتماع عن تحت الاخر مثلا الصلاة في الدار المغصوبة لا تخرج كونها مأمورا بها في صورة ترجيح جانب النهى لان التخصيص فى المقام لبّي لكن اذا كان التخصيص في غير مسئلة اجتماع الامر والنهى فهو تخصيص لفظى نحو اكرم العلماء الا لفساق فيخرج العالم الفاسق عن تحت العموم ولم تكن المصلحة في

٢٧٤

اكرامه.

الحاصل ان مسئلة اجتماع الامر والنهى كانت من باب التزاحم والقاعدة فيه هى تقديم ما هو اقوى مناطا مثلا في ما نحن فيه يقدم الوجوب لان المناط والمصلحة فيه اقوى من المفسدة التي كانت في جانب النهى ولا يعتبر الدليلان فيقدم الوجوب في هذا المقام.

والظاهر ان المقتضى للوجوب هو المصلحة والمقتضى للحرمة هو المفسدة واما المقتضى بالفتح فهو نفس الوجوب والحرمة أى المصلحة مقتضى بالكسر والوجوب مقتضى بالفتح وكذا المفسدة مقتضى بالكسر والحرمة المقتضى بالفتح.

اذا علم ما ذكر فاعلم ان دليل الحرمة هو النهى فهو الاقوى لترجيحه على الامر لكن في جانب الوجوب فالمقتضى بالفتح مقدم أى الوجوب مقدم لانه اقوى مناطا وان كان دليله اضعف من دليل الحرمة فالصلاة في الدار المغصوبة صحيحة لان مناط الوجوب هو الاقوى وأيضا ان المانع موجود عن تأثير المقتضى للنهى مثلا الاضطرار مانع عن تأثير المفسدة المقتضية للنهى فبعد ارتفاع النهى يؤثر المصلحة المقتضية للامر فمورد الاجتماع مورد للامر الفعلى أو ان المانع يمنع عن فعلية النهى.

قوله وكيف كان فلا بد في ترجيح احد الحكمين من مرجح وقد ذكروا لترجيح النهى وجوها الخ.

قد علم انه اذا قلنا بامتناع اجتماع الامر والنهى فلا بد من تقديم احدهما وقد ذكر القائلون بالامتناع وجوها لترجيح النهى.

الاول ان النهى دال على العموم الشمولى والامر دال على

٢٧٥

العموم البدلى والظاهر ان العموم الشمولى مقدم على العموم البدلى هذا وجه اول في ترجيح النهى على الامر لكن قد اورد عليه أى اشكل على هذا الوجه حاصله انا سلمنا تقديم العموم الشمولى اذا كان هذا العموم بالوضع والعموم البدلى بمقدمات الحكمة ولا يخفى ان العموم الشمولى في المقام كان بمقدمات الحكمة اذا كان كلاهما بالوضع أو بمقدمات الحكمة فلم يقدم احدهما على الاخر.

قوله قد اورد عليه بانه لو كان العموم المستفاد من النهى بالاطلاق بمقدمات الحكمة الخ.

يعنى وقد اورد على هذا الايراد بما حاصله ان دلالة النهى على العموم انما تكون من نفس النهى اذ لو كانت من مقدمات الحكمة لزم ان يكون استعمال لا تغصب في خصوص فرد من افراده على نحو الحقيقة لما تقرر في محله من اطلاق المطلق وارادة فرد من افراده يكون على نحو الحقيقة مع ان اطلاق لا تغصب على فرد خاص من افراده يكون مجازا لان لا تغصب دال على العموم الشمولى فيكون دلالة لا تغصب على العموم لان لازم وقوع الطبيعة في حيّز النفى أو النهى دال على مبغوضية وجودها.

بعبارة اخرى ان ترك الطبيعة توقف على ترك جميع افرادها فالنهى بالالتزام العقلى يدل على استعاب جميع الافراد فثبت اقوائية دلالة النهى على العموم الاستغراقى وصحة تقدمه على الامر.

٢٧٦

قوله قلت دلالتهما على العموم والاستعاب ظاهرا مما لا ينكر الخ.

هذا تأييد الايراد الاول وهو كون النهى والامر دالين على العموم بمقدمات الحكمة توضيحه انا سلمنا دلالة النفى على العموم وكذا النهى لكن استفادة العموم منوطة بكل من حكم العقل ومقدمات الحكمة اى تحتاج هذه الدلالة الى مقدمات الحكمة لان نفس اداة العموم لا تدل على استعاب جميع الافراد بل كانت هذه الدلالة بارادة الاطلاق فلا بد في اثباته من التشبث بمقدمات الحكمة مثلا اذا ورد لا تغصب لا يمكن الحكم بحرمة جميع افراد طبيعة الغصب الا بعد اثبات الاطلاق لهذه الطبيعة ومن المعلوم ان المتكفل له هو مقدمات الحكمة فبها نحكم ان المراد هو الطبيعة المطلقة اذ لو كان المراد به الطبيعة المقيدة بزمان كيوم الجمعة أو المقيد بمكان كالمسجد والحسينية مثلا يقال لا تغصب فى يوم الجمعة او في المسجد أى لو كان المقصود الطبيعة المقيدة لكان على المتكلم بيانه.

قال شيخنا الاستاد ان لا تغصب هل يفيد عموم ما انطبقت النكرة عليه أو يفيد عموم ما كان مرادا عند المتكلم مثلا اسماء النكرة واسماء الحدث موضوعة لطبيعة لا بشرط فيصح ان يراد بها بعض الافراد ان قلت ان ارادة البعض مجاز فقلت ان العموم يستفاد من مقدمات الحكمة اذا ثبت العموم بمقدمات الحكمة فلم يكن الاستعمال في المقيد مجازا بل كان من قبيل تعدد الدال والمدلول مثلا اعتق رقبة مؤمنة فيراد من الرقبة معناها وكذا المؤمنة هذا مراد من تعدد الدال والمدلول.

٢٧٧

ان قلت لا حاجة الى مقدمات الحكمة لان لا تغصب تدل على العموم وعلى ما انطبق لا تغصب عليه فثبت الاستدلال لان العموم فى لا تغصب كان بالوضع أى يدل لا تغصب على جميع ما انطبق عليه وقد يكون المراد البعض باعتبار دال آخر أى قد يكون المراد خاصا بالقرينة قلت ما ذكر من دلالة لا تغصب على المعنين صحيح لكن اثبات دلالة لا تغصب على المعنيين مشكل أى اثبات دلالة لا تغصب على استعاب جميع الافراد وعلى الخاص بالقرينة مشكل.

قوله اللهم الا ان يقال ان في دلالتهما على الاستعاب كفاية الخ.

هذا اشارة الى ما ذكر من ان لا تغصب دال على استعاب جميع الافراد فلا حاجة الى مقدمات الحكمة كما ربما يدعى ذلك في مثل كل رجل وان لفظة كل تدل على استعاب جميع افراد الرجل من غير حاجة الى ملاحظة اطلاق مدخول كل ومن غير ملاحظة قرينة الحكمة بل يكفى ارادة ما هو معنى المدخول أى يراد من المدخول الطبيعة المهملة لا بشرط الدلالة على استعاب جميع الافراد واما اذ اريد من المدخول المعنى الخاص مثلا اريد في المثال المذكور من لفظة الرجل كل الرجال العالم بالقرينة فلم يلزم المجاز في استعمال لفظة كل لانها تدل على استعاب افراد المدخول وأيضا لا يلزم المجاز فيه أى في المدخول وهو لفظ الرجل ان اريد منه الخاص بالقرينة مثلا اريد من الرجل كل الرجل العالم فتكون هذه الارادة بنحو تعدد الدال والمدلول فكان هذا المثال المذكور نحو اعتق رقبة مؤمنة فان رقبة تدل على الطبيعة لا بشرط والمؤمنة تدل على الخصوصية.

٢٧٨

الحاصل انه اذ اريد من كل الرجل الطبيعة فهو حقيقة واذا اريد من كل الرجل اى فرد فرد فهو مجاز واما اذا اريد من كل الرجل الخاص بالقرينة مثلا اريد منه كل الرجل العالم فهو حقيقة لان هذا على نحو تعدد الدال والمدلول فقد استعمل كل رجل على استعاب الافراد والخصوصية مستفادة من القرينة قال شيخنا الاستاد ان اثبات دلالة لا تغصب على استعاب جميع الافراد وكذا اريد منها الخاص بنحو تعدد الدال والمدلول هذا مشكل.

قوله ومنها ان دفع المفسده اولى من جلب المنفعة الخ.

كان البحث في ترجيح جانب النهى على الامر اذا قلنا بالامتناع قد ذكر من المرجحات عموم النهى أى ذكر ان عموم النهى شمولى وعموم الامر بدلى والظاهر ان العموم الشمولى مقدم على العموم البدلى واشكل عليه بان هذا صحيح اذا كان العموم الشمولى بالوضع والعموم البدلى بالمقدمات الحكمة لكن العموم الشمولى في المقام ثابت بمقدمات الحكمة وكذا العموم البدلى فلا يقدم احدهما على الاخر.

قد ذكر هنا الدليل الاخر لترجيح جانب النهى وهو ان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة وهذا الكبرى يشمل وجوب دفع الضرر المحتمل فيعلم ان دفع هذا الضرر يجب لان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة قال الشيخ الاعظم في الرسائل اذا دار الامر بين الوجوب والحرمة كان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة اذا كان واجدا للمصلحة والمفسدة فدفع المفسدة اولى من جلب المنفعة.

٢٧٩

واشكل على هذا الاستدلال صاحب القوانين قال سلمنا ان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة بشرط ان لا يكون في ترك الواجب المفسدة لكن البحث في الشرعيات فلا شك في وجود المفسدة فى ترك الواجب فلا يصح ان يكون في ترجيح النهى دفع المفسدة بل يلزم في ترجيح النهى ترك الواجب وهو مستلزم المفسدة.

قوله ولا يخفى ما فيه فان الواجب ولو كان معينا ليس الا لاجل ان في فعله مصلحة الخ.

هذا ردّ على صاحب القوانين حاصله ان الواجب المعين ما يكون في فعله مصلحة فقط ولا يكون في تركه المفسدة بل كان لكل الشيء حكم واحد مثلا الواجب ما يجب فعله لاجل المصلحة وليس له الحكم الاخر بان يقال ان في ترك الواجب المفسدة وكذا الحرام أى كان له حكم واحد وهو ان الحرام ما كان المفسدة فى فعله ولم يكن للحرام الحكم الاخر بان يقال ان في ترك الحرام مصلحة فثبت عدم المفسدة في ترك الواجب وصح الاستدلال المذكور بان دفع المفسدة اولى من جلب المنفعة.

قوله ولكن يرد عليه ان الاولوية مطلقا ممنوعة الخ.

هذا اشكال عن المصنف على الاستدلال المذكور فقال انّ اولوية دفع المفسدة مطلقا ممنوعة بل لا بدّ من ان تلاحظ المصلحة والمفسدة لان جلب المنفعة قد تكون اولى من دفع المفسدة بعبارة اخرى لا نسلم كلية الكبرى اى لا يكون الدليل لاولوية دفع المفسدة في جميع الموارد بل قد يكون الامر بالعكس اى قد يكون جلب المنفعة اولى اذا كان الواجب اهما أى قد تكون مصلحة الواجب

٢٨٠