هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٢

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٩

قال صاحب الكفاية لا يصح جريان هذا القسم من الاستصحاب فيما نحن فيه لانه اذا نسخ الوجوب رفع المنع من الترك الذى وهو فصل وأيضا رفع الجواز الذى هو جنس له فشك في اقامة الفرد الاخر مقام هذا الفرد.

واما اذا كان الحادث المشكوك من المراتب القوية أو الضعيفة المتصلة بالمرتفع بحيث عدّ عرفا انه باق صح استصحاب الكلى هنا اى قد استثنى من هذا القسم الثالث ما يتسامح به العرف فيعدون الفرد اللاحق المشكوك الحدوث مع الفرد السابق كالمستمر الواحد مثل ما لو علم البياض الشديد في محل وشك في ارتفاعه اصلا أو تبدله بالبياض الا ضعف فانه في مثله حكم الجميع بجريان الاستصحاب.

والظاهر ان استصحاب الجواز بعد نسخ الوجوب ليس الحادث المشكوك من المراتب القوية او الضعيفة بل يكون هذا الاستصحاب من نحو ان يكون الشك في بقاء الكلى من جهة الشك في وجود الفرد الاخر مقام الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه بعبارة اخرى ان الشك في بقاء الكلي مستند الى احتمال وجود فرد ثان غير الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه فلا يجرى الاستصحاب في هذا القسم.

قوله ومن المعلوم ان كل واحد من الاحكام مع الاخر عقلا وعرفا من المباينات الخ.

الغرض من هذا الكلام ان المقام ليس من الصورة التي يجرى فيها القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلى لمباينة الاحكام عقلا وعرفا حيث ان وجود الطبيعى اى الجواز الذي هو في ضمن الوجوب

١٦١

مغاير للجواز الذي هو في ضمن الاستحباب او الكراهة أى لا يكون وجود الجواز في ضمن الوجوب المنسوخ من مراتب الجواز الموجود في ضمن الاستحباب او الكراهة فلا يصحّ استصحابه.

نعم الاستحباب يكون من مراتب الوجوب عقلا لكن لا يجرى فيه الاستصحاب ايضا لعدم صدق الشك في البقاء عرفا لتضاد الوجوب والاستحباب بنظر العرف الذي هو المدار في جريان الاستصحاب.

الكلام في الوجوب التخييرى

فصل اذا تعلق الامر باحد الشيئين او الاشياء ففى وجوب كل واحد على التخيير الخ.

البحث في الواجب التخييري قد ذكر له معان الاول ما لا يجوز تركه الا الى بدل وعدل والثانى الواجب هو الواحد لا بعينه.

والثالث الواجب هو كل منهما مع سقوطه بفعل احدهما والرابع الواجب التخييري ما يكون معيّنا عند الله لا عندنا.

وزاد بعضهم معنى خامسا وهو ان المراد من الواجب التخييرى ما يكون بارادة المكلف.

قوله والتحقيق ان يقال انه ان كان الامر باحد الشيئين بملاك انه هناك غرض واحد يقوم بكل واحد منهما الخ.

توضيح هذا المقام انّ ما ذكر من اقسام الاربعة يتصور في مقام الاثبات فليبحث هنا مقام الثبوت ان الغرض من الامر بحسب الثبوت اما واحد او متعدد وايضا اذا كان الغرض متعددا فاما يمكن

١٦٢

اجتماع هذه الاغراض المتعددة واما لا يمكن اجتماعها والاول كالصلاة في اوقات الخمسة فانه يمكن اجتماع الاغراض التي كانت في هذه الصلوات واما ما لا يمكن اجتماع الاغراض متعددة فيه كالصلاة والصوم والحج هكذا فان الاغراض المتعددة في هذه المذكورات لا يمكن اجتماعها والظاهر انه اذا كانت الاغراض متعددة تقتضي العلل المتعددة.

واما اذا كان الغرض واحدا اقتضى العلة الواحدة بعبارة اخرى المعلول الواحد يقتضى العلة الواحدة ذكر نظير هذه المسئلة في الادبيات في باب التنازع كما قال ابن مالك ان عاملان اقتضيا في اسم عمل : قبل فللواحد منهما العمل.

أي ان تنازع عاملان المعمول الواحد فلا يجوز العمل لهما لهذا المعمول الواحد للزوم تعدد العلة على معلول واحد.

واعلم ان الغرض فيما نحن فيه أي الواجب التخييرى واحد فلا يمكن ان يكون لهذا الغرض الواحد العلل المتعددة فظهر مما ذكر انّ مقام الثبوت ما كان الغرض فيه واحدا فيلزم من هذا ان يكون الواجب واحدا ايضا فالواجب فيما نحن فيه هو الجامع مثلا الصلاة جامع وكلى ولها افراد طولية وعرضية وكذا يطلب في العرفيات الجامع بين الافراد لان تطبيق هذا الجامع على افراده تخييرا عقليا.

الحاصل ان التخيير عقلي وشرعي توضيحهما ان اطراف الواجب التخييري ان كان بينها جامع يمكن التعبير عنه بلفظ واحد فانه يمكن ان يكون البعث في مقام الطلب نحو هذا الجامع فاذا وقع الطلب كذلك فان التخيير حينئذ بين الاطراف يسمى عقليا

١٦٣

أي طلب الشارع الجامع ويكون المكلف مخيرا عقلا بين افراده ولا يخفى ان كلى واجب تعييني وتخيير بين افراده عقلي.

اذا عرفت التخيير العقلي فاعلم انه اذا لم يكن الجامع بين الافراد كما في خصال كفارة الافطار في شهر رمضان طلب الشارع العتق وصيام الشهرين واطعام الستين مسكينا بعبارة اخرى فان البعث يكون نحو كل واحد منها مستقلا لكن مع العطف ب «او» مثلا صم او اطعم او اعتق ويسمى التخيير بين الاطراف حينئذ (شرعيا).

قال صاحب الكفاية وكان التخيير بين الاطراف بحسب الواقع عقليا لا شرعيا لان التخيير الشرعي مستلزم لتعدد الواجب وهو فرع تعدد الغرض مع ان الغرض في المقام واحد مثلا الواجب في التخيير الشرعي هو العتق والصيام والاطعام تكون هذه الواجبات الثلاثة عللا لغرض الواحد فيلزم استناد الواحد الى الكثير وهو غير جائز وبعبارة اخرى يلزم صدور الواحد من الكثير اي صدور الغرض الواحد من الواجبات المتعددة.

فالمراد من التخيير في المقام التخيير العقلى ويكون البعث في المقام نحو هذا الجامع فيصدر الغرض الواحد من العلة الواحدة هو الجامع ولا يخفى ان السنخية معتبرة بين العلة والمعلول والا لاثر كل شيء في كل شيء ولا تتصور السنخية بين الملل المتعدد والمعلول الواحد.

واعلم ان سدّ الصغور هو الجامع فالبعث من المولى كان نحوه لكن لا يمكن للمكلف تطبيق هذا الجامع على مصادقه فبيّن الشارع المصداق لعدم قدرة المكلف في تطبيق الجامع عليه أي ليست

١٦٤

القدرة لنا في تطبيق الجامع على مصادقه والشارع انما وجب الجامع لكن تطبيق هذا الجامع على مصادقه مشكل لذا بيّن الشارع المصادق وانما يكون التخيير الشرعى اسما لا واقعا لاجل عدم قدرتك فبيّن الشارع المصداق والا واقعا التخيير عقلي.

فائدة قد ذكر الحكما قاعدتين احدهما لا يصدر من الواحد الا الواحد وثانيهما الواحد لا يصدر الا من الواحد بعبارة شيخنا الاستاد يك قاعده اين است كه علت بايد معلولش واحد باشد ويك قاعده ديگر اين است كه معلول نه مى شود مال دو تا علت باشد اگر در مورد علت دو تا باشد بايد جامع موجود باشد استاد فرمود در اين قاعده كه علت واحد باشد معلول او نيز بايد واحد باشد داد وبداد است اى نقض وابرام زياد است واما قاعده دوم كه از براى معلول واحد بايد علت واحده باشد تا يك مقدار مورد قبول مى باشد.

فعلم من البيان المذكور ان الواجب هو الجامع وكان الملاك الذى هو موجود في الجامع فهو موجود في مصادقه أي كان المصادق علة للغرض واذا حصل الغرض مع احد المصادق فلم يحصل هذا الغرض مع غيره لان الغرض واحد فقد حصل وكان كل واحد من الافراد واجبا بنحو التخيير ويستكشف تبعات ولوازم كل الافراد الواجب من عدم جواز ترك هذا الفرد الا الى الاخر.

قوله وبقى الكلام في انه هل يمكن التخيير عقلا أو شرعا بين الاقل والاكثر الخ.

قد بيّن انه يمكن التخيير الشرعى كخصال الكفارة وعلم أيضا

١٦٥

ان التخيير في مقام الثبوت على قسمين احدهما ما كان الغرض واحدا وطلب المولى الطبيعة واذا كان متعلق الاوامر الطبيعة من حيث الوجود لا من حيث جميع الوجودات فالتخيير بين الافراد عقلى واما التخيير الشرعى قد يكون ظاهرا وقد يكون واقعا والمراد من التخيير الشرعى الظاهرى ان المولى طلب الجامع وكان الغرض واحدا اما ليست قدرة لنا في التطبيق على المصادق فطلب المولى منا المصادق هذا التخيير شرعى ظاهرا واسما.

واما المراد من التخيير الشرعى الواقعى فيكون الغرض فيه متعددا ويكون بعث نحو المصادق لا الجامع هذا التخيير شرعى واقعى واعلم انّ ما ذكر من البحث مربوط في الدرس السابق ذكرت هنا تبعا لشيخنا الاستاد الان يشرع البحث عن التخيير بين الاقل والاكثر.

واعلم ان الاقل كان دائما في ضمن الاكثر ولم يكن الوجود للاقل مستقلا فليست المبائنة بين الاقل والاكثر اذا لم تكن المبائنة بين شيئين فلم يمكن التخيير بينهما.

قال البعض ان التخيير بين الاقل والاكثر كان باعتبار القصد أى كان المكلف قبل الاتيان مخيرا بين قصد الاقل او الاكثر مثلا مخير قبل الاتيان بين قصد تسبيح الواحد وبين قصد تكرير هذا التسبيح ثلاثا والجواب انه لا ينفع القصد في الواجب التخييرى لان التخيير في هذا الواجب متعلق في وجود الشيئين المتبائنين لا في قصدهما واعلم ان الاقل والاكثر اما دفعى واما تدريجى مثلا اعطاء درهم أو درهمين دفعى لانه يمكن اعطاء درهم أو اعطاء درهمين دفعة والمراد من الاقل والاكثر التدريجى

١٦٦

كالتسبيحة واحدة أو تسبيحات ثلاث فان الاقل والاكثر في هذه التسبيحات تدريجى ولا يمكن اتيان تسبيحات ثلاث دفعة لان المكلف اذا قرأ تسبيحة بقيت التسبيحتان وكذا اذا قرأ المكلف الثانية بقيت الثالثة.

الحاصل انه يشكل جريان التخييرى في كل قسم منهما واجاب صاحب الكفاية عن الاشكال بقوله لكنه ليس كذلك فانه اذا فرض ان محصل الغرض فيما اذا وجد الاكثر هو الاكثر الخ.

اعلم انه اذا وجد الاقل كان هو الواجب أى وجود الاقل مقدم على الاكثر اذا اريد وجود الاكثر فلا بد اولا من الاقل اذا وجد الاقل حصل الغرض فلم نحتاج الى الاكثر ولم يصح التخيير ولكن يصح التخيير في الاقل والاكثر اذا كانا الدفعى مثلا كنا مخيرا اولا في اعطاء درهم او درهمين واما في الاقل والاكثر التدرجي فلا يصحّ التخيير كما ذكر وجهه آنفا هذا اشكال على التخيير بين الاقل والاكثر.

اجاب صاحب الكفاية عن هذا الاشكال بانه لا يرد واقعا توضيح هذا الجواب ان التخيير بين الاقل والاكثر صحيح لان المراد من الاقل في المقام ما كان بشرط لا أي بشرط عدم الانضمام والمراد من الاكثر ما كان بشرط شيء أي بشرط انضمام ولا يخفى ان بشرط لا مع بشرط الشيء متبائنان فجعلنا المولى مخيرا بين المتبائنين.

فائدة يتصور هنا ثلاثة اشياء الاول لا بشرط مقسمى كان هذا مقسما للاقسام الثلاثة أي بشرط الشىء وبشرط لا ولا بشرط قسمى والفرق بين لا بشرط مقسمى وقسمى ان لا بشرط مقسمى

١٦٧

كان خاليا عن القيد حتى لا بشرط لا يكون قيدا له واما لا بشرط قسمى فكان لا بشرط قيدا له أي كان لا بشرط قسمى قسما من الاقسام الثلاثة واما لا بشرط مقسمي فهو مقسم للاقسام الثلاثة ولا يخفى ان تقسيم الحيوان الى الناطق وغيره كان المراد حيوآنا لا بشرط مقسمى.

اذا علمت هذا فاعلم انّ الاقل مراد بوجوده الخاص لا بوجوه في ضمن الاكثر وايضا ان الاكثر مراد بالوجود الخاص أي الاكثر الذي انضمّ الاقل اليه.

قوله فصل في الوجوب الكفائى والتحقيق انه سنخ من الوجوب الخ.

واعلم ان الواجب الكفائى مقابل للواجب العينى والمراد من الواجب العينى ما يتعلق بكل مكلف ولا يسقط بفعل الغير واما الواجب الكفائي فهو المطلوب فيه وجوب الفعل من أي مكلف كان فهو يجب على جميع المكلفين ولكن يكتفى بفعل بعضهم فيسقط عن الاخرين وامثلة الواجب الكفائي كثيرة في الشرعيات ومنها تجهيز الميت وللصلاة عليه ومنها انقاذ الغريق ومنها ازالة النجاسة عن المسجد.

ولا يخفى انه اذا ترك المكلفون الواجب الكفائى جميعا من دون ان يقوم به واحد فالجميع يستحقون العقاب واما اذا اشتركوا في فعله فهل يقسّم الثواب الواحد عليهم او كان لكل واحد منهم ثواب مستقل نقول في الجواب ان كان الثواب في مقابل الغرض فالثواب واحد لانّه يعطى في مقابل غرض واحد ثواب واحد ويقسّم

١٦٨

عليهم واما اذا كان الثواب في مقابل الاطاعة فالجميع منهم يستحقون الثواب والحق ان الثواب كان في مقابل الاطاعة فيستحقون كلهم ثوابا مستقلا.

قوله : وذلك لانه قضية ما اذا كان غرض واحد حصل بفعل واحد صادر عن كل او بعض الخ.

هذا تعليل لاستحقاق الجميع للعقاب لو خالفوا واستحقاق الجميع الثواب لو فعلوا جميعا قال شيخنا الاستاد ان فعل في قوله بفعل واحد كان بالتنوين لا بالاضافة أي كان من حيث الاعراب واحد صفة للفعل لا المضاف اليه توضيحه ان كان فعل مضافا الى واحد صار المعنى انّه اذا اتى شخص واحد الفعل فيعطى الثواب كل المكلفين هذا باطل.

واما اذا كان فعل واحد على نحو الصفة والموصوف صار المعنى هكذا ان الفعل الذي كان واحدا سواء صدر عن الكل أم البعض يثاب لكل من صدر عنه الفعل ويعاقب في تركه جميع هم.

قوله : كما هو قضية توارد العلل المتعددة على معلول واحد.

قد ذكر سابقا انّه لا يجوز توارد العلل المتعدد على معلول واحد فيرد هذا الاشكال في الوجوب الكفائى اذا صدر الفعل عن الكل لان الغرض واحد قد فرض حصول هذا الغرض بفعل الجميع.

والجواب عن الاشكال المذكور ان فعل الكل لم يكن علة مستقلة لسقوط الغرض بل كان فعل كل واحد منهم جزء العلة لكن هذا الجواب يصحّ بالنسبة الى تغسيل الميت ودفنه وانقاذ الغريق واما

١٦٩

بالنسبة الى صلاة الميت لا يصح الجواب المذكور لان الصلاة عليه من كل واحد منهم علة مستقلة لسقوط الغرض فيلزم توارد العلل المتعددة على معلول واحد وقال بعضهم ان المؤثر في حصول الغرض هو الجامع بين الافعال المتعددة.

الكلام في الواجب الموقت

قوله فصل لا يخفى انه وان كان الزمان مما لا بد منه عقلا في الواجب الا انه تارة مما له دخل فيه شرعا الخ.

ينقسم الواجب باعتبار الوقت الى قسمين اى موقت وغير موقت ثم الموقت ينقسم الى موسّع ومضيّق وينقسم غير الموقت الى فوري وغير فوري والمراد من الفورى هو ما لا يجوز تأخيره عن اول ازمنة الامكان كازالة النجاسة عن المسجد وردّ السلام والامر بالمعروف وغير فوري هو ما يجوز تأخيره عن اول ازمنة الامكان كالصلاة على الميت وقضاء الصلاة الفائتة.

واعلم ان كل الفعل لا يخلو عقلا من زمن التي تكون ظرفا له لانّا وقعنا تحت زمان فكنّا زمانيا وهذا مستلزم لكون افعالنا زمنيا أيضا ولا اشكال في كوننا وافعالنا زمانيا لكن انّ الزمان تارة مما له دخل في الواجب شرعا أي جعل الشارع الزمان قيدا للواجب فيسمّى موقتا كالصلاة اليومية والصوم والحج وغيرها واخرى لا دخل للزمان في الواجب أي لا يكون الزمان قيدا للواجب فيسمّى غير موقت كالصلاة الايات.

١٧٠

الحاصل ان الواجب الموقت ما اعتبر فيه وقت مخصوص والواجب غير الموقت ما لم يعتبر فيه وقت مخصوص وان كان كل فعل لا يخلو عقلا من الزمان لان وجود كل فعل محتاج الى الظرف الزماني.

يتصور الواجب الموقت عقلا على وجوه ثلاثة : اما ان يكون فعله زائدا على وقته المعيّن له او مساويا له او ناقصا عنه.

والاول ممتنع لانّه من التكليف بما لا يطاق.

والثاني لا ينبغي الاشكال في امكانه ووقوعه وهو المسمى المضيق كالصوم اذ فعله ينطبق على وقته بلا زيادة ولا نقصان من طلوع الفجر الى الغروب.

والثالث هو المسمى بالموسّع لان فيه توسعة على المكلف في اول الوقت وفي اثنائه وآخره كالصلاة اليومية فانه لا يجوز تركها في جميع الوقت ويكتفى بفعله مرة واحدة في ضمن الوقت المحدود له والظاهر انّ المقصود في الواجبات الوجودية هي الطبيعة وكان وجودها في ضمن الفرد واما في الباب النواهى فالمقصود هو ترك الطبيعة ولا يحصل هذا الترك الا بترك جميع الافراد قال صاحب الكفاية ولا يذهب عليك ان الموسع كلى وكان المقصود منه الكلى الطبيعى والتخيير في الواجب الموسع بين الاوقات الموسعة عقلى لانّ الشارع لم يحكم بالتخيير بين افراد هذا الكلي.

الحاصل انه تكون الطبيعة بملاحظة ذاتها واجبة لا يجوز تركها وكان لها افراد طولية تدرجية كالصلاة في اول الوقت وثانيه وثالثه الى آخره كذا قال صاحب المعالم والحق تساوي جميع اجزاء الوقت في الوجوب بمعنى ان للمكلف الاتيان به في اول الوقت ووسطه

١٧١

وآخره وأي جزء اتفق ايقاعه كان واجبا.

وأيضا كان لهذه الطبيعة الافراد العرضية كالصلاة في هذا المكان أو المكان الاخر وهكذا فالمكلف مخيّر بين هذه الافراد عقلا.

قال صاحب الكفاية كان التخيير بين افراد تدريجية كالتخيير بين افراد الطبيعة الدفعية.

قد اشكل شيخنا الاستاد عليه بان التخيير لا يمكن في الافراد الدفعيّة لان وجودها دفعي فكان التعبير بالافراد العرضيّة اولى.

قد انكر قوم الواجب الموسّع لظنّهم انه يؤدى الى جواز ترك الواجب يقال في جوابهم انه اذا بقى من الوقت في صلاة الظهر مقدار اربع ركعات صار هذا الواجب مضيّقا فلم يكن التخيير بين اجزاء الوقت مستلزما ومؤديا الى جواز ترك الواجب.

قوله ثم انه لا دلالة لامر بالموقت بوجه على الامر به في الخارج.

قد اختلف الاصوليون ان وجوب القضاء هل هو بمقتضى القاعدة بمعنى ان الامر بنفس الموقت يدل على وجوب قضائه اذا فات في وقته فيكون وجوب القضاء بنفس دليل الاداء او ان القاعدة لا تقتضى ذلك بل وجوب القضاء يحتاج الى دليل خاص غير نفس دليل الاداء قال صاحب الكفاية انه لا دلالة للامر بالموقت بوجه على الامر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت لان دليل التوقيّة كان بنحو الغاية فيدل بالصراحة على عدم وجوب الواجب الموقت اذا فات في الوقت فيجرى اصالة البرائة في هذا المورد لانه كان من نحو الشك في التكليف.

١٧٢

الحاصل انّه اذا فات الامتثال في الوقت فلا بدّ من فرض امر جديد للقضاء بالاتيان بالفعل خارج الوقت لان دليل التوقيّة كان له لسان واحد أي اتيان الموقت في وقته.

ثم اعلم انّ دليل التوقيت تارة يكون متصلا كان يقول صل فيما بين دلوك الشمس وغروبها واخرى يكون بدليل منفصل كان يقول اغتسل ثم يقول اغتسل في يوم الجمعة اذا كان التوقيت بدليل منفصل فيتصور على اربعة اقسام الاول ثبوت الاطلاق لكل من دليلي الواجب والتقييد مثلا قال المولى صل ثم قال صل بين دلوك الشمس وغروبها والظاهر ان المراد من الاطلاق فيما كان المولى في مقام البيان لا الاجمال والاهمال والمراد من الاهمال فيما كان المولى في مقام الاجمال والاهمال.

والثاني انّه لا يكون الاطلاق لشيء من الدليلين أي لا يكون الاطلاق لدليل الواجب ولا لدليل التقييد بان كانا مهملين بمعنى ان المولى لا يكون في مقام البيان بل كان في مقام الاجمال والاهمال.

الثالث ان يكون دليل الواجب مهملا مثلا قال المولى صل ولم يكن في مقام البيان بل كان في مقام الاهمال واما دليل التوقيّت فكان مطلقا مثلا قال المولى صلّ في الوقت الفلان هذا مقيد ونعلم انّه كان في مقام البيان بالنسبة الى الوقت الرابع آن يكون دليل الواجب مطلقا مثلا قال المولى صم هذا مطلق لان المولى كان في مقام البيان ويقول بعد ذلك اجعل صومك يوم الجمعة ان تمكنت هذا مقيد اذا تم تصور الاقسام الاربعة لدليل التوقيّت المنفصل رجع الى ما نحن فيه.

فنقول انه اذا كان التوقيت بالدليل المتصل مثلا قال المولى

١٧٣

صلّ من حين الزوال الى الغروب كان الظاهر من التقييد ان القيد ركن في المطلوب فلا يفهم منه الا مطلوب واحد لغرض واحد وهو خصوص الصلاة في الوقت المعلوم فظهر ان التقييد هنا كان لتضييق المطلق هذا اذا كان دليل تقييد متصلا واما في مورد دليل التوقيت المنفصل فايضا كذلك.

توضيحه انه اذا كان الدليل المنفصل القسم الاول من الاقسام الاربعة المذكورة فهذا من باب المطلق والمقيد أي اذا كان التوقيت بدليل منفصل وكان الدليل الواجب والتقييد مطلقين بمعنى ان المولى كان في مقام البيان فهذا من باب المطلق والمقيد مثلا قال المولى صم ثم قال اجعل صومك يوم الجمعة فيجب فيه حمل المطلق على المقيد ومعنى حمل المطلق على المقيد هو تقييد اصل المطلوب الاول فيكشف ذلك التقييد عن ان المراد بالمطلق واقعا من اول الامر خصوص المقيد لان دليل التقييد مقدم وحاكم على دليل الاطلاق وهذا معروف عندهم.

فثبت انه لا دلالة للامر بالموقت بوجه على الامر به في خارج الوقت بعد فوته في الوقت.

وكذا الحكم في القسم الثاني والثالث من اقسام التقييد المنفصل مثلا اذا كان القيد منفصلا وكان دليل الواجب ودليل التقييد كلاهما مهملين أي لم يكن المولى في مقام البيان فلا دلالة للامر بالموقت على اتيان المأمور به في خارج الوقت هذا القسم الثاني وكذا القسم الثالث وهو ما كان دليل الواجب مهملا أي لم يكن المولى في مقام البيان والدليل التقييد مطلقا أي كان المولى في مقام البيان فلا دلالة في هذا القسم أيضا على اتيان المأمور به

١٧٤

في خارج الوقت الحاصل انه تجري اصل البرائة في هذه الاقسام الثلاثة أي اصالة البرائة تقتضى عدم وجوب المأمور به في خارج الوقت والظاهر ان اصالة البرائة تجري في القسم الاول والثاني والثالث من اقسام الاربعة المتصورة لكن لا تجري اصالة البرائة في القسم الرابع بل تجري فيه اصالة الاطلاق كما اشار اليه صاحب الكفاية.

بقوله نعم لو كان توقيت بدليل منفصل لم يكن له اطلاق على التقييد بالوقت الخ.

توضيحه ان القسم الرابع من الاقسام المتصورة ما كان دليل التقييد مقيد قد ذكر مثاله اذا قال مولى صم فهذا الدليل مطلق لان المولى في مقام البيان ثم قال اجعل صومك يوم الجمعة ان تمكنت وهذا الدليل مقيد بالتمكن فانه يمكن في هذا الفرض التمسك باطلاق دليل الواجب لاثبات وجوب الفعل خارج الوقت لان دليل التوقيت غير صالح لتقييد الدليل الواجب لان دليل التقييد مقيّد بالتمكين كان مفاد هذا التقييد صالحا لتقييد دليل الواجب في الوقت المذكور في صورة التمكن واما مع الاضطرار الى ترك الفعل في الوقت فيبقى دليل الواجب على اطلاقه أي يقتضى اطلاق دليل الواجب ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت.

قوله وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا اصله الخ.

وكون التقييد معطوف على قوله ثبوت الوجوب يعني اذا كان لدليل الواجب اطلاق فقضيّته ثبوت الوجوب بعد الوقت وكذا قضيّة اطلاق دليل الواجب كون التقييد بالوقت بنحو تعدد المطلوب لا وحدته.

١٧٥

والظاهر انّ منشأ النزاع في المسئلة يرجع الى أن المستفاد من التوقيت هو وحدة المطلوب او تعدده أي انّ في الموقت مطلوبا واحدا وهو الفعل المقيد بالوقت بما هو مقيد او مطلوبين وهما ذات الفعل وكونه واقعا في وقت معيّن.

فعلى الاول اذا فات الامتثال في الوقت لم يبق طلب بنفس الذات فلابد من فرض امر جديد للقضاء بالاتيان بالفعل خارج الوقت.

وعلى الثاني فاذا فات الامتثال في الوقت فانما فات امتثال احد الطلبين وهو طلبه في الوقت المعين واما الطلب بذات الفعل فباق على حاله ولذا ذهب بعضهم الى تفصيل المذكور باعتبار ان المستفاد من دليل التوقيت في المتصل وحدة المطلوب فيحتاج القضاء الى امر جديد والمستفاد في المنفصل تعدد المطلوب فلا يحتاج القضاء الى امر جديد ويكون تابعا للاداء.

نذكر هنا مثالا عن الخارج لتوضيح تعدد المطلوب مثلا طلب المولى الماء فيمكن تعدد المطلوب أي اصل المطلوب وكمال المطلوب والمراد من اصل المطلوب هو ايجاد الماء والمراد من كمال المطلوب هو كون الماء في الظرف المخصوص وكونه من عين او من بحر ولا يخفى انه في كل المستحبات تعدد المطلوب قد علم ان المراد من تعدد المطلوب هو اصل المطلوب وكمال المطلوب.

قال شيخنا الاستاد الحق ان اطلاق دليل التوقيت دخيل في اصل المطلوب فكان دليل التوقيت لتضييق دليل الواجب لانه اذا قال المولى صل في الوقت فعلم من اطلاق هذا القيد انّه كان لاصل المطلوب لا لتمام المطلوب وكماله.

١٧٦

قوله ولا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت اى هل يجرى استصحاب في بقاء الواجب الموقت بعد انقضاء وقته قال صاحب الكفاية لا مجال لاستصحاب وجوب الموقت بعد انقضاء الوقت لان الشرط في جريان الاستصحاب هو حالة سابقة متيقنة وليس هذا الشرط في المقام لان الحالة السابقة كانت مقيدة بالوقت وقد انتفيت ان قلت ان الاتحاد العرفى كاف في وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة قلت هذا صحيح اذا كان الزمان ظرف الواجب الحاصل ان استصحاب الوجوب الموقت بعد انقضاء الوقت يصح في صورة ان يكون الزمان ظرف الواجب لوجود الوحدة العرفية بين القضية المتيقنة والمشكوكة.

واما اذا كان الزمان قيدا للواجب فلا مجال لاستصحاب وجوب الموقت لعدم الوحدة بين القضيتين عرفا بل تصير القضية المتيقنة والمشكوكة قضيتين مختلفتين فمقام بحثنا كان من هذا القبيل أي كان الزمان قيد للواجب سواء كان متصلا او منفصلا.

قوله فصل الامر بالامر بشىء امر به لو كان الغرض حصوله الخ.

ويبحث في هذا الفصل انه اذا امر المولى لشخص بان يأمر شخصا ثالثا فهل كان هذا الامر واجبا للاطاعة.

فيتصور في مقام الثبوت على ثلاثة اوجه الاول ان يكون غرض المولى تحصيل الفعل لكن جعل المخاطب واسطة في ايصال الامر الى المأمور فيكون الفعل في هذه الصورة عباديا.

الثانى ان يكون الغرض في نفس الامر لا في المأمور به مثلا

١٧٧

اذا امر السلطان ابنه بان يأمر شخصا لايجاد فعل كان غرضه تعليم وتمرين الامر لابنه.

بعبارة شيخنا الاستاد مثل سلطان پسر خود را امر مى كند كه امر نمايد فلان را از جهت انجام كار پس مقصود سلطان اين است كه پسر او امر كردن را ياد گيرد فلم يكن المقصود في هذه الصورة الفعل العبادي بل كان المقصود تعليم الامر.

الثالث ان يكون غرض المولى تحصيل الفعل لكن بعد امر الواسطة مثلا اذا امر زيد عمرا بان يأمر بكرا باتيان الصلاة كان المقصود ايجاب الفعل بتوسط امر عمرو أي ما لم يأمر عمرو لم يجب الفعل فالمقصود هو الفعل العبادى لكن بعد ثبوت الامر من الواسطة وأما اذا لم يصل الامر من الواسطة أى عمرو في المثال المذكور الى بكر لكن علم الشخص الثالث من الخارج بان المولى امر على عمرو بان يأمره على اتيان الفعل وفعل هذا الشخص الثالث الفعل من غير امر الواسطة فلم يكن هذا الفعل عباديا لان الواسط لم يأمر بعد على هذا الشخص مع انه يكون امره من قبيل شرط الوجوب.

قوله قد انقدح بذلك انه لا دلالة بمجرد الامر بالامر بالامر على كونه امر به الخ.

اذا علمت ان الامر بالامر بالشىء ثلاثة اقسام في مقام الثبوت والواقع فلم يكن مقام الاثبات الا في قسم واحد أي في القسم الاول وهو ما كان غرض المولى الفعل لكن جعل المخاطب واسطة بشرط ان تكون القرينة لغرض المولى ولو كانت ظهورا لفظيا فيصح هنا

١٧٨

فى المقام الاثبات بان الامر بالامر بالشىء امر به.

وقوله : قد انقدح الخ.

اشارة الى انه لم يكن مقام الاثبات لهذا القول الا في قسم واحد مع وجود القرينة بان غرض المولى هو الفعل

قوله : فصل اذا ورد امر بالشىء بعد الامر به قبل امتثاله الخ.

البحث في هذا الفصل ان المولى اذا امر ثانيا بعد امره اولا قبل امتثال الامر الاول أى امر المولى بالفعل الذى امر به اولا وكان هذا الامر الثانى قبل امتثال الامر الاول مثلا قال مولى اسقنى وقال أيضا اسقنى قبل امتثال الامر الاول فهل يكون الثانى تأسيسا حتى يجب السقى مرتين ام يكون تأكيدا للاول فكان المراد فى صورة تأسيس الوجودين.

واما في صورة تأكيد فكان المراد وجودا واحدا واما اذا كان الامر الثانى بعد امتثال الامر الاول فلا شك في كون الامر الثانى تأسيسا.

واعلم انّه اذا كان الامران متبائنين باعتبار المأمور به فلا شك ان الامر الثانى تأسيس لا التأكيد وكذا اذا كان بين الامرين اعم من وجه مثلا اذا قال المولى اعط درهما فقيرا قال ثانيا اعط فقيرا عالما فلا شك هنا في كون الامر الثانى تأسيسا.

واما اذا كان الامران متساويين مثلا اذا قال المولى اعتق رقبة مؤمنة وقال أيضا بعد ذلك امتثال الامر الاول اعتق رقبة مؤمنة فاطلاق المادة مقتض بان الثانى تأكيد للاول لا التأسيس لان حمل امر الثانى للتأسيس مستلزم للمحال وهو اجتماع المثلين ضرورة

١٧٩

ان صرف الوجود الذى هو عتق لا يتكرر أى كان المقصود صرف وجود العتق هو حاصل بالوجود الاول فكان الوجود الثانى لغوا ولا يخفى ان وجود المثلين كوجود الضدين محال والظاهر ان اجتماع المثلين أى اجتماع الوجوبين محال كاجتماع العرضين متقابلين أى اجتماع الضدين.

قوله : ان الظاهر هو انسباق التأكيد عنها فيما كانت مسبوقة بمثلها الخ.

قال صاحب الكفاية قضية اطلاق المادة هو التأكيد لان الطلب لا يكاد يتعلق بطبيعة واحدة مرتين لان هذا مستلزم لاجتماع المثلين وان كان مقتضى الهيئة هو التأسيس لان ظاهرها كون الانشاء بداعى المستقل الا ان الظاهر هو انسباق التأكيد عن الهيئة اذا كانت مسبوقة بمثلها.

توضيحه ان ما ذكر يتصور على اقسام الاول ان يذكر لكل واحد من امرين سبب واحد نحو ان جائك زيد فاعطه وان جائك زيد فاعطه.

الثانى ان لا يذكر سبب اصلا نحو اعطه زيدا اعط زيدا ففى هذين القسمين يرفع اليد عن ظهور الامر لبناء العرف عليه أى يحكم العرف بان الامر الثانى تأكيد للاول لانه بتكرير الامر الاول.

الثالث ان يذكر لكل واحد سبب عليحدة نحو ان ظاهرت فاعتق رقبة وان قتلت فاعتق رقبة ولا اشكال هنا في تقدم ظهور الهيئة على ظهور المادة ان المطلوب في كل واحد فرد غير ما فى الاخر والعرف عليه.

١٨٠