هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨

بعض المقصود من وضع المفردات ويفهم بعض الآخر المقصود من وضع المركبات.

فى علامات الحقيقة والمجاز

السابع لا يخفى ان التبادر المعنى من اللفظ وانسباقه الى الذهن من نفسه وبلا قرينة علامة كونه حقيقة فيه.

يكون الكلام فى بيان الحقيقة والمجاز واعلم انهم جعلوا للحقيقة علامات اربعة وكذا المجاز الاول التبادر الثانية عدم صحة السلب الثالثة صحة الحمل الرابعة الاطراد.

توضيح هذه العلامات المذكورة ان المراد بقولهم التبادر علامة الحقيقة والمقصود من كلمة التبادر هو انسباق المعنى من اللفظ مجردا عن كل قرينة مثلا اذا قلت رأت اسدا انسبق الى الذهن السامع الحيوان المفترس اى انسبق الى الذهن بانه الموضوع له لان التبادر معلول للوضع والوضع علة للتبادر اى التبادر دليل انى للعلم بالوضع بعبارة اخرى ان التبادر دليل فى الاثبات اى يكون التبادر سببا للعلم بالوضع قد ذكر فى محله ان الدليل الإني هو العلم من المعلول الى العلة كما في مقام البحث فانه من المعلول اى التبادر يحصل العلم بالوضع اى العلة اما علامة المجاز فهو عدم التبادر لكن بتعبير شيخنا الاستاد ان تبادر الغير علامة للمجاز مثلا اذا استعمل الاسد فى الرجل الشجاع فيتبادر من الاسد غير الرجل الشجاع اعنى الحيوان المفترس هذا علامة بان استعمال الاسد فى الرجل الشجاع يكون مجازا.

الكلام فى لزوم الدور على كون التبادر علامة للحقيقة

لا يقال كيف يكون علامة مع توقفه على العلم بانه موضوع له.

اى يعترض على كون التبادر علامة للحقيقة بان التبادر لا بد له من سبب وليس

٤١

هو الا العلم بالوضع لان من الواضح ان الانسباق لا يحصل من اللفظ لغير العالم بتلك اللغة فيتوقف التبادر على العلم بالوضع لانه اذا كان الشخص جاهلا بالوضع لم يتبادر عنده الموضوع له فثبت الى هنا توقف التبادر على العلم بالوضع فلو اردنا اثبات الحقيقة وتحصيل العلم بالوضع بسبب التبادر لزم الدور المحال لان العلم بالوضع يتوقف على التبادر وايضا التبادر يتوقف على العلم بالوضع هذا دور مصرح فلا يعقل على هذا ان يكون التبادر علامة للحقيقة ويستفاد منه العلم بالوضع.

والجواب عن الاشكال الدورى

فانه يقال الموقوف عليه غير الموقوف عليه اى علم الذى توقف على التبادر غير العلم الذى توقف التبادر عليه الحاصل ان هناك علمين احدهما يتوقف على التبادر وهو العلم التفصيلى والآخر يتوقف التبادر عليه وهو العلم الاجمالى الارتكازى.

توضيحه ان الموقوف هو العلم التفصيلى وموقوف عليه هو العلم الاجمالى اما الفرق بين العلم الاجمالى والتفصيلى فهو على قول صاحب المعالم ما اذا كان وضع اللفظ عاما والموضوع له خاصا توضيحه انه لا بد فى الوضع من تصور اللفظ والمعنى لكن تصور الشىء قد يكون بنفسه وقد يكون بوجهه اى بتصور عنوان عام ينطبق على الشىء ويشار به اليه اعنى ان يكون المتصور كليا ويكون ذلك العنوان العام مرآة وكاشفا عن الشىء فيحصل فى هذا المقام العلم بالموضوع له اجمالا وكان تعبير صاحب المعالم بالعام والخاص اى اذا كان المتصور عاما فالمراد من العام هو العلم الاجمالى واما اذا كان المتصور خاصا فالمراد من الخاص هو العلم التفصيلى.

واما الفرق بين العلم الاجمالى والتفصيلى على قول الشيخ فى الرسائل فالمراد من العلم الاجمالى ما يكون فى المورد الذى يتردد فيه المتكلم او المخاطب والمراد من العلم التفصيلى ما يكون فى المورد الذى لم يتردد فيه المتكلم.

الثالث الفرق بين العلم الاجمالى والتفصيلى ان المراد من العلم الاجمالى

٤٢

ما يكون الشخص غير الملتفت اليه كعلم الشخص باحوال اهل البلد مع عدم التفاته الى علمه بعبارة الاستاد كان العلم فى المخزن يأخذه الشخص من المخزن عند الاحتياج فصار بسبب عدم الاحتياج مجملا والمراد من العلم الاجمالى فى مقام دفع الدور هو المعنى الثالث.

الحاصل ان العلم بالموضوع له تفصيلا توقف على التبادر اما التبادر يتوقف على العلم بالموضوع له اجمالا لان الشخص لا يكون ملتفتا الى علمه عند التبادر وان كان العلم بالموضوع له موجودا فى المخزن.

قد ذكر نظير هذا الدور ودفعه فى شكل الأول فى المنطق وذكر هناك ان الشكل الاول بدهيى الانتاج فيشكل عليه بانه لا يصح كون الشكل الاول بدهيى الانتاج لانه مستلزم للدور.

توضيحه ان العلم بالنتيجة موقوف على العلم بالكبرى والعلم بالكبرى موقوف على العلم بالنتيجة فيقال فى الجواب ان العلم بالنتيجة تفصيلا موقوف على العلم بالكبرى اما العلم بالكبرى اجمالا موقوف على العلم بالنتيجة مثلا يقال فى الشكل الاولى العالم متغير كل المتغير حادث فالعالم حادث فاذا قلت كل المتغير حادث تعلم اجمالا ان العالم حادث لانك يعلم بحدوث كل متغير لكن لا تكون ملتفتا الى هذا العلم وان كان موجودا فى المخزن اما العلم بالنتيجة فهو موقوف على العلم بالكبرى تفصيلا مثلا اذا قلت فالعالم حادث فتكون ملتفتا الى ان العالم حادث داخل تحت هذا الكبرى اى كل متغير حادث.

قوله : هذا اذا كان المراد به التبادر عند المستعلم الخ.

اى يلزم الدور اذا جعل تبادر غير العالم علامة للحقيقة اى جعل تبادر الجاهل بالوضع علامة للحقيقة واما اذا كان المراد به التبادر عند اهل المحاورة فلا يلزم الدور مثلا اذا شاهد الاعجمى من اصحاب اللغة العربية انسباق اذهانهم من لفظ الماء المجرد عن القرينة الى الجسم السائل البارد بالطبع فلا بد ان يحصل له العلم بان

٤٣

هذا اللّفظ موضوع لهذا المعنى عندهم.

توضيحه اذا قال احد اصحاب اللغة العربية للآخر جئنى بالماء انسبق الى ذهنه من لفظ الماء الجسم السائل البارد بالطبع وشاهد الشخص الاعجمى هذا الانسباق الذى كان عند اصحاب اللغة العربية فانسبق الى الذهن الشخص الاعجمى ايضا ان المراد من الماء هو الجسم السائل البارد فيتوقف علم هذا الشخص بالموضوع له على التبادر الذى كان عند اصحاب اللغة العربية اما التبادر يتوقف على علم العالمين بوضع اللغة العربية فلا يلزم حينئذ الدور لان علم هذا الشخص يتوقف على التبادر الذى يتوقف على علم غيره كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله واما اذا كان المراد به التبادر عند اهل المحاورة فالتغاير اوضح من ان يخفى.

فان قلت ان التبادر يكون علامة للحقيقة بمعاونة اصالة عدم القرينة وان لم يك من نفس اللفظ قلت لا دخل لاصالة عدم القرينة فى هذا المورد لان اصالة عدم القرينة تجرى فى مورد الذى يحرز فيه المعنى الحقيقى والمجازي ولكن لم يحرز المراد المتكلم ولا تجرى اصالة عدم القرينة لاثبات المعنى الحقيقى كما قال صاحب الكفاية فلا يجدى اصالة عدم القرينة فى كون الاستناد الى اللفظ لا الى القرينة لعدم الدليل لاعتبار اصالة عدم القرينة فى هذا المورد بل يجرى اصالة عدم القرينة فى احراز المراد لا الاستناد.

العلامة الثانية للحقيقة والمجاز الصحة السلب وعدمها

قوله : ثم ان عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم الخ.

الثانى من علامات الحقيقة والمجاز عدم صحة السلب وصحة السلب اى عدم صحة السلب علامة للحقيقة وصحة السلب علامة للمجاز.

فان قلت ان المصنف جعل عدم صحة السلب علامة للحقيقة وصحة السلب علامة للمجاز لم لم يجعل فى باب التبادر عدم التبادر علامة للمجاز بل جعل تبادر الغير علامة للمجاز.

٤٤

قلت انه لا يصح فى باب التبادر ان يجعل عدم التبادر علامة للمجاز لان عدم التبادر ثابت للمعنى الحقيقى فى بعض الموارد مثلا لفظ العين وضع لسبعين معنى اذا استعمل هذا اللفظ فى الباكية مثلا مع القرينة المعينة فلم يتبادر الجارية وغيرها مع انها من المعانى الحقيقية للعين فثبت من هذا البيان ان عدم التبادر لا يكون علامة للمجاز بل يكون ثابتا للحقيقة ايضا كما ذكر.

فظهر انه يصح ان يجعل عدم صحة السلب وصحة السلب علامة للحقيقة والمجاز اما فى باب التبادر يصح ان يجعل التبادر علامة للحقيقة لكن لا يصح ان يجعل عدم التبادر علامة للمجاز لذا لم يقل المصنف هناك ان التبادر علامة للحقيقة وعدم التبادر علامة للمجاز بل قال هناك ان التبادر الغير علامة للمجاز.

واعلم ان المصنف ذكر صحة السلب وعدم صحة السلب فى اول الكتاب لانه يكونان من المبادى التصديقية لوجودهما فى مسائل العلوم.

والتفصيل ان عدم صحة سلب اللفظ عن المعنى الذى يشك فى وضعه له علامة انه حقيقة فيه وان صحة السلب علامة على انه مجاز فيه وذكروا ايضا ان صحة حمل اللفظ على ما يشك فى وضعه له علامة الحقيقة وعدم صحة الحمل علامة للمجاز وهذا ما يحتاج الى التفصيل والبيان اى تحقق الحمل وعدمه والسلب وعدمه يحتاج الى التفصيل الذى يذكر هنا ان شاء الله.

وحاصل التفصيل نجعل المعنى الذى يشك فى وضع اللفظ له موضوعا لكن نعبر عن المعنى باللفظ الذى يدل عليه لان المعنى من حيث هو لا يصلح ان يجعل موضوعا ثم نجعل اللفظ المشكوك فى وضعه لذلك المعنى محمولا بما له من المعنى الارتكازى اى يقصد من لفظ المحمول المعنى المرتكز والمخزون فى الذهن ثم نجرب ان نحمل بالحمل الاولى اللفظ بماله من المعنى المرتكز فى الذهن على ذلك اللفظ الدال على المعنى المشكوك وضع اللفظ له والحمل الاولى ملاكه

٤٥

الاتحاد فى المفهوم والتغاير بالاعتبار.

وحينئذ اذا اجرينا هذه التجربة فان وجدنا عند انفسنا صحة الحمل وعدم صحة السلب علمنا تفصيلا بان اللفظ موضوع لذلك المعنى وان وجدنا عدم صحة الحمل وصحة السلب وعلمنا انه ليس موضوعا لذلك المعنى بل يكون استعماله فيه مجازا مثلا اذا قيل البشر انسان نعرف معنى الانسان لانه مخزون فى ذهننا لكن لا نعرف معنى البشر فجعل لفظ البشر موضوعا ولفظ الانسان محمولا فنرى انه يصح حمل الانسان على البشر بالحمل الاولى ولا يصح سلب الانسان عن البشر فيعلم من هذه التجربة ان استعمال البشر فى الانسان حقيقة هذا مثال لتوضيح علامه الحقيقه.

ونذكر المثال الآخر لتوضيح علامة المجاز مثلا نعلم معنى الحمار وانه الحيوان المعروف ولم نعلم معنى البليد اى هل يصح ان يراد من البليد الحمار فنجعل البليد موضوعا والحمار محمولا فنقول البليد حمار ثم نجرب بالحمل الاولى ونعلم انه يصح سلب الحمار عن البليد ولا يصح حمله على البليد فيعلم بهذه التجربة ان استعمال البليد فى الحمار كان مجازا.

ذكر شيخنا الاستاد جملة معترضة من باب الكناية وايضا من جهة التفريح واذكر هذه الجملة تبعا له لابقاء آثاره.

وكان تعبير الاستاد بالعبارة الفارسية :

گفت شخصى از براى شخصى ديگر رويت گل بادام است آن شخص فورا گفت گل بادام چيست؟ تا هنوز من بادام را نمى دانم چه رسد از گل بادام كذا نقول فى المقام لم نعرف الحمل فضلا عن صحة الحمل وعدم صحة الحمل.

فى معنى الحمل واقسامه

واعلم ان معنى الحمل هو الاتحاد بين شيئين لان معناه ان هذا ذاك وهذا المعنى كما يطلب الاتحاد بين الشيئين يستدعى المغايرة بينهما ليكون حسب الفرض

٤٦

شيئين ولولاها لم يكن الا شىء واحد لا شيئان واذا ظهر معنى الحمل فليعلم ان الحمل على قسمين.

الاول حمل ذاتى اولى وهو ما يكون الاتحاد فى المفهوم فالمغايرة لا بد أن تكون اعتبارية ويقصد بالحمل حينئذ ان مفهوم الموضوع هو بعينه نفس مفهوم المحمول وماهيته بعد ان يلحظ المتغايرين بجهة من الجهات مثل قولنا الانسان حيوان ناطق فان مفهوم الانسان ومفهوم حيوان ناطق واحد الا ان التغاير بينهما بالاجمال والتفصيل وهذا النوع من الحمل يسمى حملا ذاتيا أوليّا لانه يصدق اولا وابتداء ويكون فى الذاتيات لكن وجود هذا القسم من الحمل قليل لان مورده الحد والمحدود فقط.

الثانى الحمل الشائع الصناعى وهو ما يكون الاتحاد فى الوجود والمصداق والمغايرة بحسب المفهوم ويرجع الحمل حينئذ الى كون الموضوع من افراد مفهوم المحمول ومصاديقه مثل قولنا الانسان حيوان فان مفهوم الانسان غير مفهوم حيوان لكن ما صدق عليه الانسان صدق عليه الحيوان وهذا النوع من الحمل يسمى الحمل الشائع الصناعى والحمل المتعارف لانه هو الشائع فى الاستعمال المتعارف فى صناعة العلوم.

اذا عرفت اقسام الحمل وان عدم صحة السلب وصحة الحمل بالحمل الاولى الذاتى علامة للحقيقة ثم نجرب عدم صحة السلب وصحة الحمل بالحمل الشائع مثلا نجعل موضوع القضية احد مصاديق المعنى المشكوك وضع اللفظ له لا نفس المعنى المذكور ثم نجرب بالحمل الشائع فان صح الحمل علم منه حال المصداق من جهة كونه احد المصاديق الحقيقة لمعنى اللفظ الموضوع له.

توضيحه بالمثال ان الصعيد المردد بين ان يكون لمطلق وجه الارض او لخصوص التراب الخالص مثلا نشك ان الحجر هل يكون من الافراد ومصاديق وجه الارض أو لا فنجرب بالحمل الاولى الذاتى اى نجعل موضع القضية مصداق المعنى المشكوك

٤٧

كالحجر فى المثال المذكور ونجعل المحمول الصعيد الذى يردد بين ان يكون لمطلق وجه الارض او لخصوص التراب الخالص ونقول الحجر صعيد فاذا وجدنا صحة الحمل وعدم صحة السلب بالقياس الى الحجر او الرمل من مصاديق الارض يعلم بالقهر تعيين وضعه لعموم الارض.

ولا يخفى انه يكشف بالحمل الاولى الذاتى الموضوع له اذا صح الحمل الاولى ثبت المعنى الحقيقى واما الحمل الشائع الصناعى فيكون لتشخيص افراد الحقيقة مثلا اذا تردد فى الماء الذى خلط بالطين هل يكون من افراد الماء حقيقة أو لا فان صح الحمل الشائع بقولنا هذا الماء المخلوط بالطين ماء فيكشف ان هذا الماء المخلوط ماء حقيقة قد عرفت ان الملاك فى الحمل الشائع هو الاتحاد فى الوجود والمصداق لكن قال صاحب الكفاية الحمل الشائع الصنائع الذى ملاكه الاتحاد وجودا بنحو من انحاء الاتحاد.

فاعلم ان الاتحاد على اربعة اقسام.

الاول الاتحاد الوجودى كاتحاد الانسان مع الحيوانية اى كلما صدق عليه الانسان صدق عليه الحيوان.

الثانى الاتحاد الحلولى كاتحاد داء مع شخص المريض.

الثالث الاتحاد الصدورى كاتحاد الضرب مع شخص الضارب.

الرابع الاتحاد العروضى كاتحاد الضحك مع شخص الضاحك الحاصل انه اذا كان ملاك الحمل الشائع الصناعى الاتحاد الوجودى فلا فرق فى اقسام الاتحاد فيصح الاتحاد الوجودى فى الحمل الشائع بسبب كل الاقسام المذكورة.

الكلام فى المجاز السكاكى

واعلم ان المجاز السكاكى لا يكون من استعمال اللفظ فى الموضوع له وان قيل إنّه الحقيقى الادعائى.

٤٨

توضيح الكلام ان المراد من الحقيقة الكلمة ثابتة فى مكانها الاصلى اى كون اللفظ ثابت فى الموضوع له والمراد من المعنى المجازي هو تجاوز الكلمة عن مكانها الاصلى اى تجاوز اللفظ عن الموضوع له لكن لا يخفى ان المجاز السكاكى يصدق عليه استعمال اللفظ فى الموضوع له لان الموضوع له على قسمين حقيقى وادعائى وقد استعمل اللفظ فى الموضوع له الادعائى ويسمى هذه الحقيقة بالمجاز السكاكى.

قال صاحب الكفاية ان المجاز السكاكى لا يكون استعمال اللفظ فى الموضوع له الحقيقى ولا استعمال اللفظ فى الافراد الحقيقية وان لم نقل ان هذا الاستعمال المجاز فى الكلمة بل نقول انه يكون من باب الحقيقة الادعائية مثلا نقول على مذهب السكاكى ان استعمال اسد فى الرجل الشجاع استعمال حقيقى اى الحقيقى الادعائي وان لم نقل انه مجاز فى الكلمة لكن نقول بصحة سلب اسد عن الرجل الشجاع ويقال الرجل الشجاع ليس باسد فالرجل الشجاع لا يكون المعنى الحقيقى لاسد ولا من احد المصاديق الحقيقية لمعنى اللفظ اى لا يكون الرجل الشجاع من مصاديق الحيوان المفترس حقيقة.

واعلم ان صحة سلب اللفظ وعدمها تكونان باعتبار المعنى لا من حيث هو اللفظ كما قال المصنف بقوله ثم ان عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز فى الذهن اجمالا قال صاحب الكفاية ان جعل صحة السلب وعدمها من علامات الحقيقة والمجاز لا يكون مستلزما للدور قد اشكل فى باب التبادر بان جعل التبادر من علامات الحقيقة مستلزم للدور لان التبادر متوقف على العلم بالوضع والعلم بالوضع ايضا متوقف على التبادر لانه جعل علامة للوضع اى للعلم بالموضوع له ويلزم الاشكال المذكور هنا ايضا اما الجواب فهو الجواب الذى ذكر هناك اى الجواب هو الجواب.

٤٩

البحث فى الاطراد وعدمه

ثم إنّه ذكر الاطراد وعدمه علامة للحقيقة والمجاز الخ.

قد اختلف الاقوال فى الاطراد :

الاول الاطراد علامة للحقيقة وعدمه علامة للمجاز.

الثانى الاطراد علامة للحقيقة لكن عدم الاطراد لا يكون علامة للمجاز.

الثالث الاطراد لا يكون علامة للحقيقة واما عدم الاطراد فيكون علامة للمجاز الرابع لا يكون الاطراد علامة للحقيقة ولا عدم الاطراد علامة للمجاز توضيح الكلام استدل من قال ان الاطراد علامة للحقيقة فى باب اللازم والملزوم اى يكون الاطراد لازما للموضوع له ويكشف باللازم الملزوم.

فاعلم ان اللازم على ثلاثة اقسام الاول اللازم الاعم الثانى اللازم المساوى الثالث اللازم الاخص واللازم الذى يكشف به الملزوم هو اللازم الاخص او المساوى اما اللازم الاعم فلا يكشف به الملزوم الخاص مثلا لا يكشف بالحرارة الملزوم الخاص يحتمل أن تكون بالنار او الشمس او الآلة الكهربائية اما اللازم المساوى او الاخص يكشف به الملزوم المعين مثلا يكشف بالضاحك الملزوم المعين اى الانسان وكذا يكشف بالتبادر الموضوع له والمعنى الحقيقى لانه لازم مساو للمعنى الموضوع له كلما ثبت التبادر ثبت الموضوع له لكن الاطراد هل يكون مثل التبادر ام لا.

فنبحث اولا عن معنى الاطراد ثم ان الاطراد من اى اقسام اللازم فمعنى الاطراد بتعبير شيخنا الاستاد كلما وجد اللفظ يتصاحب المعنى معه.

وعبر الاستاد عنه باللغة الفارسية :

مراد از اطراد هرجا لفظ باشد معنى با آن لفظ راه برود وعدم اطراد آنكه هرجا لفظ باشد معنى با آن راه نمى رود مثلا رجل شجاع با لفظ اسد راه نمى رود

٥٠

آنچه بيان شد از تعبير استاد بود ، اى المراد من عدم الاطراد كلما وجد اللفظ لا يتصاحب المعنى معه.

هل يعتبر فى المجاز نوع العلائق او شخصها

قوله : لعله بملاحظة نوع العلائق المذكورة.

اى قد ذكر ان الاطراد علامة للحقيقة وعدم الاطراد علامة للمجاز قال ان عدم الاطراد علامة للمجاز بملاحظة نوع العلائق المذكورة فى المجازات.

اما اذا لوحظ فى المجاز شخص من العلائق فيكون استعمال اللفظ فى المعنى المجازي ايضا مطردا فلا يكون عدم الاطراد علامة للمجاز.

قد ذكرت هنا قاعدة لتوضيح المرام ان العلاقة المعتبرة فى الاستعمال المجازي اما أن تكون نوع العلاقة او شخصها والمراد من نوعها كالعلاقة المشابهة مثلا اذا قلت رأيت اسدا واردت من اسد الرجل بسبب نوع العلاقة المشابهة سواء كانت بسبب الجسم او رائحة الفم او سرعة فى السير فيصح هنا جعل عدم الاطراد علامة للمجاز.

واما اذا اريد من اسد الرجل بسبب صنف العلاقة والعلاقة الخاصة فيطرد هنا المعنى المجازي مع اللفظ فيكون استعمال اللفظ فى المعنى المجازي مطردا كاستعماله فى المعنى الحقيقى مثلا اذا قصد من اسد الرجل الشجاع بالشجاعة المخصوصة فيتصاحب هذا المعنى اى الرجل الشجاع مع لفظ اسد ومن قال ان المعنى المجازي لا يكون مطردا مع اللفظ فقد لاحظ نوع العلائق المذكورة فى المجازات والّا فالمعنى المجازي مطرد مع اللفظ كالمعنى الحقيقى.

ان قلت : ان الاطراد يكون علامة الحقيقة مع زيادة القيد كان يقال ان الاطراد من غير تأويل او على وجه الحقيقة علامة الحقيقة.

قلت : ان الاطراد مع القيد المذكور وان كان علامة الحقيقة الّا انه حينئذ

٥١

يلزم الدور ولا يمكن التفصي عنه بما ذكر فى التبادر لان العلم بالموضوع تفصيلا يتوقف على الاطراد والاطراد متوقف على العلم بالموضوع له تفصيلا هذا دور مصرح ولا يمكن الدفع عنه كما قال صاحب الكفاية ولا يتأتى التفصى بما ذكرنا فى التبادر الخ.

فى تعارض الاحوال

قوله : الثامن انه للفظ احوال خمسة : وهى التجوز والاشتراك الخ.

قد ذكر هنا صاحب الكفاية تعارض الاحوال اما صاحب القوانين ذكره فى آخر الكتاب.

لكن ذكره فى اول الكتاب كان الانفع قد جعل المصنف من احوال اللفظ هذه الخمسة المذكورة ولم يجعل الحقيقة من احوال اللفظ.

توضيح الكلام ان المراد من الاحوال هى التجوز والاشتراك والتخصيص والنقل والاضمار.

واما المراد من تعارضها فانا لم نعلم ما هو مراد منها بعبارة اخرى انا نعلم المعنى الحقيقى والمجازي وكذا النقل والاضمار لكن لم نعلم المراد مثلا قوله تعالى واسأل القرية لا يعلم انه مجاز فى الكلمة او انه من باب الاضمار والمراد من المجاز فى الكلمة ان يراد من القرية اهل القرية والمراد من الاضمار ان يقدر المضاف اى اهل القرية.

وكذا اذا شك فى نقل اللفظ الى المعنى الثانى وعدمه وكذا اذا شك فى كون اللفظ مشتركا بين المعنيين فتجرى فى هذه الصورة اصالة عدم الاضمار وعدم وعدم النقل وعدم الاشتراك.

وكذا اذا ورد لفظ العام وشك فى ارادة العموم منه او الخصوص اى شك فى تخصيصه فتجرى هنا اصالة العموم وكذا اذا شك فى الاطلاق والتقييد نحو احل الله البيع فلو شك مثلا فى البيع انه هل يشترط فى صحته ان ينشأ بالفاظ عربية

٥٢

فانا نتمسك باصالة اطلاق البيع فى هذه المسألة.

قال صاحب الكفاية اذا دار الامر بين المجاز والاشتراك او النقل والاشتراك او الحقيقة والمجاز فلا وجه لترجيح بعضها على بعض الآخر لان وجوه التى ذكروها للترجيح تكون من باب القياس والاستحسانات لا اعتبار فيهما.

قال شيخنا الاستاد لا بأس فى الرجوع الى القياس والاستحسانات لان العالم يدور بهما ولان الاستحسان يكون فى مورد الذى له ظهور فيدخل فى باب الظهور ولا اشكال فى حجية الظهور واعلم ان ما ذكر يكون مختصرا من بحث تعارض الاحوال.

البحث فى الحقيقة الشرعية

التاسع انه اختلفوا فى ثبوت الحقيقة الشرعية وعدمه على اقوال.

البحث فى الحقيقة الشرعية الاول نبحث عن معناها.

فان قلت الحقيقة الشرعية ما هى.

قلت المراد منها انه قد استعمل اللفظ اولا فى المعنى اللغوى ثم استعمل ثانيا عند الشارع فى المعنى الشرعى فنبحث هل صار هذه الاستعمال حقيقة شرعية او كان استعماله فى المعنى الثانى مجازا بعبارة اخرى ان الشارع هل وضع هذه الماهية المخترعة والمستحدثة او يكون استعمال اللفظ فى هذه الماهية المخترعة مجازيا.

فقال بعضهم باثبات الحقيقة الشرعية مطلقا اى فى تمام الماهية الشرعية وانكرها بعضهم مطلقا قال بعضهم بالتفصيل وقالوا انها تصح فى بعض العبادات اى وضع الشارع بعض الفاظ العبادات للماهية المخترعة دون بعضها.

٥٣

فى معنى الوضع

وقبل الخوض فى تحقيق الحال لا بأس بتمهيد المقال.

فنرجع الى الامر الثانى قد ذكر سابقا ان الامر الثانى فى الوضع وهو نحو الاختصاص والارتباط وايضا ذكر تقسيمه الى التعيينى والتعينى باعتبار السبب اى يكون هذا التقسيم للوضع باعتبار السبب لا باعتبار نفس الوضع والمراد من سبب الوضع هو الارتباط بين اللفظ والمعنى فيقسم هذا الارتباط الى التعيينى والتعينى اما نفس الوضع فهو التخصيص لا يصح تقسيمه لانه يلزم تقسيم الشىء الى نفسه وغيره كما ذكر هناك فيكون تقسيم الوضع بسبب لازمه اى الارتباط.

الحاصل ان الوضع اما ان يكون بانشاء الواضع واما ان يكون بكثرة الاستعمال والمراد من الوضع التعيينى ما انشأ الواضع الارتباط بين اللفظ والمعنى مثلا قال وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى والمراد من الوضع التعينى ما يكون بالاستعمال مثلا يقول جئنى بالحسن او يقول هذا حسن فيصير هذا اللفظ باعتبار هذا الاستعمال وضعا تعيينيا.

واذا قال الشارع وضعت الصلاة للاركان المخصوصة فيكون هذا الوضع تعيينيا اما اذا استعمل الشارع الصلاة فى الاركان المخصوصة كثر استعمالها فيها بحيث يراد من الصلاة الاركان المخصوصة من غير القرينة فيسمى وضعا تعينيا.

واعلم ان المراد من الشارع هو النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يطلق الشارع على الأئمة عليهم‌السلام لان الاحكام الشرعية اوحيت الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله وان النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله قد اتى الاحكام الشرعية من عند الله.

اذا عرفت الشارع فاقول ان النبى لم يقل فى المجلس ومحضر العموم وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى اذ لو كان كذلك يظهر لنا وما وقع الخلاف وبعبارة اخرى لو ثبت هذا النقل الينا لما وقع الخلاف.

٥٤

ان قلت وضع الشارع اللفظ للمعنى الثانى بالوضع التعينى مثلا قال الشارع صلوا كما رأيتمونى اصلى اى صار الاستعمال حقيقة بنفس الاستعمال.

قلت لا نجد هذا الوضع ايضا لانا نرجع رجوعا قهقريا الى الزمان الشارع ونسأل من هذا الوضع اى الوضع التعينى فلا نجده.

الحاصل انا اذا رجعنا الى الزمان الشارع فلا نجد الوضع الذى كان بسبب كثرة الاستعمال فعلم انه لا وضع للمعنى الشرعى لا بالوضع التعيينى ولا تعينى.

ان قلت هل يكون استعمال اللفظ فى المعنى الشرعى مجازا.

قلت لا يصح الاستعمال المجازي فى هذا المعنى ايضا لانه يشترط وجود العلاقة بين المعنى الحقيقى والمجازي ولا تجد هذه العلاقة هنا لان الصلاة لغة الدعاء والظاهر ان الاركان المخصوصة ليست الدعاء الا الجزء منها وهو التشهد.

ان قلت يصح هذا الاستعمال بعلاقة الكل والجزء اى يصح استعمال الصلاة على الاركان المخصوصة اى التشهد ويراد من التشهد كل الصلاة.

قلت قد اعتبر فى علاقة الكل والجزء الشرائط الاول ان يكون للكل التركب الحقيقى والثانى ان يكون الجزء من الاجزاء الرئيسة بحيث ينتفى الكل بانتفائها وليست الصلاة كذلك لان تركبها يكون اعتباريا اى يكون باعتبار المعتبر وايضا لا تنتفى الصلاة بانتفاء بعض الاجزاء مثلا اذا وجدت الاركان الخمسة فتصدق عليها الصلاة وان انتفى باقى الاجزاء.

ولا يخفى ان المراد من انتفاء هذه الاجزاء اذا كان سهوا لا عمدا فلا يضر فى صدق الصلاة على الاركان الحاصل ان استعمال الصلاة فى الاركان المخصوصة لا يكون حقيقة ولا مجازا بل يكون الواسطة بينهما.

ان قلت هل يمكن وجود الاستعمال الذى لا يكون حقيقة ولا مجازا ولا يكون مورد القبول عند العلماء قال شيخنا الاستاد فى الجواب وان كان هذا الجواب من باب التفريح قلت يكون هذا الاستعمال كالغول فى البادية.

٥٥

قوله : واما بناء على كونها ثابتة فى الشرائع السابقة كما هو قضية غير واحد من الآيات الخ.

كان البحث ان استعمال الالفاظ فى المعانى المستحدثة لا نزاع فيه وانما نزاع فى انه هل صارت حقائق الشرعية فى تلك المعانى ام لا.

لكن اذا قلنا ان هذه الالفاظ قد استعملت فى تلك المعانى فى الشرائع السابقة فلا تكون هذه المعانى مستحدثة لانها كانت موجودة فى عصر انبياء السلف فلا يبقى المورد للبحث فى الحقيقة الشرعية مثلا الحج كان فى عصر ابراهيم الخليل عليه‌السلام ويمكن استعمال هذه الالفاظ لمعان كثيرة وان يكون هذا المعنى واحدا منها مثلا صلاة وضعت لمعان كثيرة وكان احدها الاركان المخصوصة وكذا الصوم والزكاة.

فقد ثبت ان هذه الالفاظ قد استعملت فى المعانى الشرعية فى عصر انبياء السلف فلا يكون هذه المعانى مستحدثة بل تكون من المعانى اللغوية لان المراد من الحقيقة الشرعية الالفاظ التى وضعها نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى

واما اذا كانت هذه المعانى موجودة عند انبياء السلف او اهل زمانها فلا تكون الحقائق الشرعية.

لكن اذا قلت ان هذه المعانى كانت موجودة بلفظ الآخر مثلا الاركان المخصوصة كانت فى الشرائع السابقة بغير لفظ الصلاة وكذا الصوم فيجدد البحث عن الحقيقة الشرعية بان الشارع هل وضع هذا اللفظ بالوضع التعيينى او يكون بالوضع التعينى بان الشارع قد استعمل هذه الالفاظ على هذه المعانى مع اصحابه وتفهم هذه المعانى بسبب كثرة الاستعمال على درجة من الكثرة انه تألفها الاذهان على وجه اذا سمع اللفظ ينتقل السامع منه الى المعنى.

قوله : ثم لا يذهب عليك انه مع هذا الاحتمال.

اى اذا احتمل ان هذه المعانى ثبتت فى الشرائع السابقة فلا مجال للدعوى بكونها الحقائق الشرعية لانها حينئذ لا تكون مستحدثه.

٥٦

قوله : مع الغض عنه فالانصاف الخ.

اى مع الغض عن الاحتمال المذكور فالانصاف ان الوضع التعينى واقع فى زمان الشارع فى لسانه ولسان تابعيه فتأمل.

اشارة الى ما قال المصنف من انه تكون هذه المعانى حقيقة شرعية عند الشارع وتابعيه لانا نوسع الحقيقة الشرعية فيؤيد قول من يقول بالحقيقة الشرعية واما ان يكون اشارة الى رد هذا القول حاصل الرد انا نسلم ان هذه المعانى تكون حقايق الشرعية اذا كان هذا الاستعمال بلسان الشارع واما اذا كان هذا الاستعمال بلسان تابعيه فلا نسلم أن تكون هذه المعانى الحقائق الشرعية بل تكون حقائق متشرعية.

الكلام فى الثمرة بين القولين

قوله : واما الثمرة بين القولين تظهر فى لزوم حمل الالفاظ.

اى الفائدة من هذا النزاع تظهر فى الالفاظ الواردة فى كلام الشارع مجردة عن القرينة سواء كان فى القرآن الكريم او السنة فعلى القول الاول يجب حملها على المعانى الشرعية وعلى الثانى تحمل على المعانى اللّغويّة او يتوقف فيها فلا تحمل على المعانى الشرعية ولا على اللغوية على رأى من يذهب الى التوقف فيما اذا دار الامر بين المعنى الحقيقى والمجاز المشهور.

الحاصل انه اذا ثبتت الحقيقة الشرعية وعلم تاريخ الاستعمال فتظهر ثمرة النزاع بين القولين مثلا قال المولى صل فى يوم الجمعة علمنا ان تاريخ وضع المعنى الشرعى كان فى السنة الخمسة والخمسين وتاريخ الاستعمال كان فى السنة الستين فتحمل لفظة صل فى هذه الصورة على المعنى الشرعى.

واما اذا كان الامر بالعكس مثلا اذا علمنا ان تاريخ الاستعمال كان فى السنة الخمسين وتاريخ الوضع فى السنة الخمسة والخمسين فتحمل لفظة صل على المعنى اللغوى.

٥٧

لكن اذا جهل التاريخ فيشكل الامر اى اذا كان تاريخ الوضع والاستعمال مجهولين فهل يتمسك باصالة تأخر الاستعمال بان نقول ان الاستعمال كان بعد الوضع ان قلنا إنّه يصح التمسك بهذا الاصل فتثبت الثمرة العملية وتجرى اصالة تأخر الحادث اى الاستعمال لانه لم يكن فى الامس ولا فى امس الامس لكن وجد اليوم فيعلم ان وجوده حادث.

واعلم ان اصالة تأخر الحادث عبارة الاخرى للاستصحاب اى يستصحب عدم الاستعمال فى السابق وايضا ان الاستصحاب اما يعتبر من باب التعبد اى يصير حجة من باب الاخبار او من باب بناء العقلاء توضيح البحث ان كان الاستصحاب حجة من باب التعبد فلا بد ان يكون المستصحب حكما شرعيا او موضوعا ذا اثر شرعى مثلا استصحاب حيوة زيد يكون ذا اثر شرعى هو عدم انتقال امواله الى الوارث ووجوب نفقة زوجته.

اما استصحاب انبات اللحية لزيد فلا يكون ذا اثر شرعى لهذا المستصحب اى لا يكون انبات اللحية ذا اثر شرعى بلا واسطة فيكون مثل هذا الاستصحاب اصلا مثبتا والمراد من اصل المثبت ما يكون له لوازم عقلى او عادى ويستصحب اثر العقلى او العادى لا الشرعى ولا تكون مثبتات لوازم العقلى او العادى حجة لان الاستصحاب اذا كان حجة من باب التعبد الشرعى فيكون طريقا الى الاحكام الشرعية ولا يكون مثبتا لشيء العقلى او العادى.

واما اذا كان الاستصحاب حجة من باب بناء العقلاء فتكون مثبتاته حجة لان الاستصحاب حينئذ يكون كاشفا واللوازم العقلى يكون مكشوفا وهو معتبر عند العقلاء

وبعبارة اخرى يكون الاستصحاب من باب بناء العقلاء كالامارة اى يكون جاعلا للحكم الظاهرى لكن لا يعتبر الاستصحاب من باب بناء العقلاء لانه لا دليل على حجية الاستصحاب من العقل لعدم احراز بناء العقلاء على حجيته.

توضيح عدم الدليل انه اذا ثبت عدم الاستعمال بالامس وامس الامس وثبت

٥٨

ان الاستعمال موجود اليوم عقلا وظهر انه مؤخر عن الوضع لكن لا دليل على حجية هذا الاستصحاب من العقل ولا يحرز بناء العقلاء كذلك وان سلمنا ان العقل يتصور كذلك ويعتبر هذا الاستصحاب فلا يفيد لان هذا الاستصحاب يكون مفيدا للظن وقد نهى عن العمل بالظن فى الكتاب والسنة.

ان قلت اذا جهل تاريخ الوضع والاستعمال فيكون فى المقام اصل الآخر اى تجرى اصالة عدم النقل من المعنى اللغوى وبعبارة اخرى يستصحب المعنى اللغوى فيما اذا جهل التاريخ.

قلت ان هذا الاصل يجرى فيما اذا كان النقل مشكوكا لكن فى المقام النقل قطعى وتاريخه مجهول فلا يكون المقام موردا لهذا الاصل.

فى الصحيح والاعم

قوله : العاشر انه وقع الخلاف فى ان الفاظ العبادات الخ.

قد وقع النزاع فى ان الفاظ العبادات او المعاملات أهي اسام موضوعة للمعانى الصحيحة او للاعم منها ومن الفاسدة.

ولا يخفى ان هذا النزاع تجرى فى المعاملات اذا كانت موضوعة للاسباب التى تسبب مثل الملكية والزوجية ونعنى بالسبب انشاء العقد والايقاع كالايجاب والقبول معا فى العقود والايجاب فقط فى الايقاعات واذا كان كذلك فالنزاع يصح

واما اذا كانت موضوعة للمسببات فلا يجرى النزاع فيها سيجىء إن شاء الله توضيح هذا البحث.

ونبحث اولا عن العبادات واعلم ان مطلوب المولى هو الصحيح لا غير سواء كانت الفاظ العبادات اسام لخصوص الصحيحة او للاعم منها لكن النزاع يكون في مقام تسميته اى يبحث ان الفاظ العبادات اسام لخصوص الصحيحة او الاعم منها.

والمراد من العبادات فى هذا المقام ما كان فى مقابل المعاملات وعرفوا العبادات

٥٩

بانها تؤتى بداعى القربة بمعنى انها لا بد من أن تكون قربة الى الله وعرفوا المعاملات بانها يؤتى بكل الداعى سواء كان امر الاخروى او الدنيوى فيبحث فى الفاظ العبادات بانه هل وضع الشارع هذه الالفاظ لخصوص الصحيحة او للاعم منها وليس المراد من الاعم بان وضع للصحيح مرة وللفاسد اخرى اى لم توضع لكل من الصحيح والفاسد مستقلا.

واذا قلنا ان الحقيقة الشرعية موجودة فلا نزاع فى تأتى الخلاف ان الفاظ العبادات هل وضعت لخصوص الصحيحة او للاعم منها.

وان قلنا ان الحقيقة الشرعية لم تكن موجودة فيجرى النزاع ايضا لانه قد عرفت ان هذه الالفاظ مستعملة فى لسان المتشرعة بنحو الحقيقة ولو على نحو الوضع التعينى عندهم ولا ريب ان استعمالهم كان يتبع الاستعمال فى لسان الشارع سواء كان الاستعمال على نحو الحقيقة او المجاز فاذا عرفنا مثلا ان هذه الالفاظ فى عرف المتشرعة كانت حقيقة فى خصوص الصحيح يستكشف منه ان المستعمل فيه فى لسان الشارع هو الصحيح ايضا مهما كان استعماله عنده حقيقة كان ام مجاز كما انه لو علم انها كانت حقيقة فى عرفهم فى الاعم كان ذلك امارة على كون المستعمل فى لسانه هو اعم ايضا وان كان استعماله على نحو المجاز.

الحاصل انه اذا قلنا ان استعمال هذه الالفاظ فى المعانى الشرعية يكون مجازا وقلنا بعدم الحقيقة الشرعية فيتصور النزاع ايضا بان شارع هل يلاحظ العلاقة بين المعانى اللّغويّة والمعانى المجازية الصحيحة وقد استعمل فى الاعم بالتبع او يكون الامر بالعكس من ان الشارع يلاحظ العلاقة بين المعانى اللغوى والمجازية التى تكون اعما ويستعمل فى الصحيح بالتبع.

ولا يخفى ان التصوير النزاع بهذا القسم ثبت من شيخنا الاستاد.

ان قلت فيلزم على هذا القول سبك المجاز عن المجاز لان الشارع اذا لاحظ العلاقة بين المعنى اللغوى والمجازي الصحيح فقد استعمل اللفظ فى المعنى الصحيح

٦٠