هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨

امكان القسم الثالث ذاتا اى يتصور الشىء فى هذا القسم بتصور العنوان العام فيجعل هذا العام مرآة وحاكيا للخاص فيمكن هذا القسم ذاتا.

ولكن يشكل فى الامكان الوقوعى لهذا القسم ويجيء إن شاء الله توضيح الاشكال فيما بعد اى قال البعض ان هذا القسم يكون من نحو الوضع عاما والموضوع له عاما لان الاختصاص يجيء من جانب الاستعمال.

وزاد بعضهم قسما رابعا وهو ما يكون الوضع فيه خاصا والموضوع له عاما ولكن الظاهر انه يستحيل بداهة ان الخاص بما هو خاص لا يصلح ان يكون مرآة للعام نعم انما يكون الخاص سببا لتصور العام ولانتقال الذهن منه اليه الا انه يكون حينئذ الوضع عاما كالموضوع له ليصير القسم الاول ولا يكون قسما مستقلا الحاصل ان الخاص بما هو خاص لا يصلح ان يكون مرآة للعام توضيح المطلب على قول شيخنا الاستاد ان الجزئيات كلها تدرك بالحس كما يقال من فقد حسه فقد علمه قال الاستاد كان شخص انتفى قوة ذائقة فلم يدرك حلاوة السكر والملح ومثال الآخر كالعمى فى بطن أمه فقد منه حس الباصرة فلا يدرك ضوء الشمس ولا ظلمة الليل ولا يخفى ان الجزئى من الضوء يدرك بالحس فيجعل هذا الجزئى مرآة وحاكيا لتصور الكلى فثبت ان التصور الجزئى فى القسم الرابع يكون بالحس وجعل تصور هذا الجزئى المدرك بالحس سببا لتصور الكلى اما تصور المعنى الجزئى فلا يكون مرآة وحاكيا للعام ومن هنا قيل ان الجزئى لا يكون كاسبا ولا مكتسبا.

فثبت من هذا البيان بطلان القسم الرابع لان الخاص لا يكون وجها ومرآة للعام الا فى بعض الموارد بان يكون الخاص سببا لتصور العام وجعل هذا العام مرآة وعنوانا للعام فيرجع هذا الى كون تصور العام مرآة وحاكيا للعام فيصير هذا القسم من القسم الاول كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله وفرق واضح بين تصور الشىء بوجهه وتصوره بنفسه ولو كان بتصور امر الآخر اى ولو كان هذا التصور بنفسه بسبب تصور امر آخر مثلا اذا جعل الخاص سببا لتصور العام فجعل هذا العام سببا لتصور العام فيتصور هذا العام بنفسه.

٢١

وكان البحث الى هنا فى المقام الاول اى فى مقام اللحاظ والتصور والوجود الآن نبحث فى المقام الثانى اى فى مقام الاثبات والوقوع قد ظهر عدم الصحة فى القسم الرابع ثبوتا لأن الخاص لا يكون عنوانا وحاكيا للعام اى يكون البحث عن الامكان الوقوعى وقلنا لا اشكال فى مقام الاثبات والوقوع فى القسم الاول والثانى قد اختلف فى القسم الثالث قال بعضهم بالامكان الوقوعى فى هذا القسم اى يقولون قد ثبت ووضع هذا القسم فى الخارج لان المراد من الموضوع له الخاص هو الجزئى فيصح ان يكون تصور العام حاكيا من هذا الجزئى ومثلوا لهذا القسم بوضع الحروف واسماء الاشارة والضمائر والموصولات وخالف لهذا القول صاحب الكفاية

فى وضع الحروف

فقال ان الموضوع له فى الحروف الكلى والعام والخصوصية خارجة عن الموضوع له بل تكون هذه الخصوصية من الخارج كما تكون الاستقلالية خارجة عن الموضوع له فى الاسماء فظهر من قول صاحب الكفاية بطلان قول النحات كقول ابن حاجب فانه قال قد اخذ فى معنى الاسم الاستقلالية واخذ فى معنى الحرف عدم استقلالية.

لكن قال صاحب الكفاية انه وضعت طبيعة اللفظ لطبيعة المعنى مع قطع النظر عن الخصوصية اى اعتبر ذات المعنى فقط توضيح المقصود انه كان للشيء حكمان احدهما ذاتى فقط والثانى ذاتى مع الوصف كما يقال الانسان كاتب يراد ذات الكاتب ويراد ايضا ذات الكاتب مع وصف الكتابة فالوصف خارج عن الذات وكذا فى المقام ان الاستقلالية وعدمها خارجان عن الموضوع له.

فى تقسيم الجزئى

فائدة : الجزئى ذهنى وخارجى لكن المعنى الحرفى لا يكون جزئيا خارجيا ولا ذهنيا اى هذا الكلام اشارة الى الجواب النقضي من انه ان كان اللحاظ الذهنى

٢٢

موجبا للجزئية الموضوع له فى الحروف فيصير موجبا للجزئية فى الاسماء ايضا مع أنّه لا يصح هذا اللحاظ فى المعنى الاسمى بالاتفاق.

الحاصل انه لا يلاحظ فى المعنى الحرفى الجزئى الخارجى ولا الجزئى الذهنى اى ان لاحظ الجزئى الذهنى فى المعنى الحرفى فليلاحظ هذا الجزئى فى المعنى الاسمى ايضا ولا يخفى ان هذا الجزئى لا يلاحظ فى المعنى الاسمى فكذا لا يلاحظ هذا الجزئى فى المعنى الحرفى وكذا لا يلاحظ فى المعنى الحرفى الجزئى الخارجى لانه لا يراد بمن مثلا الابتداء من نقطة الخاصة.

قوله : ولذا التجأ بعض الفحول الى جعله جزئيا اضافيا الخ.

اى لما لم يصح ان يكون المعنى الحرفى جزئيا ذهنيا ولا خارجيا فقال بعض الفحول ان المعنى الحرفى يكون جزئيا اضافيا والمراد من بعض الفحول هو صاحب الفصول قال صاحب الكفاية فى رده هو كما ترى اى لا يصح قول صاحب الفصول لان الجزئى الاضافى يكون كليا اعنى ان الجزئى الاضافى يكون جزئيا بالنسبة الى ما فوقه اما بالنسبة الى ما تحته فيكون كليا.

قوله : وان كانت هى الموجبة الخ.

اى وان كانت الخصوصية الملحوظة موجبة لكون المعنى الحرفى جزئيا فى الذهن لكن هذا اللحاظ لا يكون مأخوذا فى المستعمل فيه لانه يحتاج الى لحاظ الآخر.

توضيح المطلب ان الخصوصية الملحوظة فى الذهن كانت موجبة لكون معنى الحرف جزئيا فى الذهن لان هذا المعنى يلاحظ آنا فآنا اى يلاحظ المرة الاولى وكذا الثانية والثالثة وهكذا فيكون الملحوظ الثانى غير الملحوظ الأول وكذا يكون الملحوظ الثالث غير الملحوظ الثانى لانه اذا قطع لحاظ الأول ثبت اللحاظ الثانى وكذا اذا قطع اللحاظ الثانى ثبت اللحاظ الثالث وهكذا.

٢٣

فثبت من هذا البيان ان كل ملحوظ يكون مستقلا اى يصير المعنى الحرفى جزئيا بهذا اللحاظ لكن لا يكون هذا اللحاظ مأخوذا فى المستعمل فيه الحاصل ان المعنى الحرفى يكون حالة لمعنى آخر كما قال صاحب الكفاية انه لا يكاد ان يكون المعنى حرفيا الّا اذا لوحظ حالة لمعنى الآخر والمراد من الحالة بان يجعل المعنى الحرفى خصوصية لمعنى الآخر مثلا من يكون خصوصية للسير والبصرة اى يكون لفظ من لبيان حال الغير مثلا يبين ان حال البصرة أن تكون ابتداء السير.

فى تشبيه المعقول على الموجود الخارجى

اقول بعبارة اخرى قد علم فى علم النحو ان فى الخارج موجودا قائما بذاته وموجودا قائما بغيره وكذلك فى الذهن معقول ومعلوم هو مدرك قصدا ملحوظ فى ذاته يصلح ان يحكم عليه وبه ومعقول مدرك تبعا وآلة لملاحظة غيره فلا يصلح شىء منهما يعنى كما ان فى الخارج موجودين احدهما مستقل قائم لذاته كالجواهر وهو ما له قيام لذاته سواء كان مركبا كالحيوان والاحجار او مجردا كالنفوس الناطقة فانه يصح هذا الحجر ثابت وهذا الحيوان جسم والآخر موجد وغير قائم بذاته كالاعراض وهى ما ليس له قيام بذاته بل يحتاج الى شىء آخر كالسواد والبياض وغيرهما فانهما لا يصح ان يحكم عليه وبه وشبه فى هذا المقام المعقول بالمحسوس لتوضيح المعنى الاسمى والحرفى اى يكون فى الذهن موجود قائم بذاته فهو عبارة من المعنى الاسمى وكذا يكون فى الذهن موجود قائم بالغير فهو عبارة من المعنى الحرفى ولا يقع المحكوم عليه وبه.

اما الفعل فيكون باعتبار معنى التضمنى مستقلّا ويقع مسندا لانه وضع لاسناد المادة الى الذات ويكون هنا قول الآخر هو انه ليس للحرف معنى اصلا بل هى نظير علامات الاعراب من الرفع والنصب والجر حيث ان الأول علامة للفاعلية والثانى علامة للمفعولية والثالث علامة للمضاف اليه من دون ان يكون لنفس الرفع

٢٤

والنصب والجر معنى فكذلك الحروف حيث وضعت لمجرد العلامة لما اريد من مدخولها حسب تعدد ما يراد من المدخول مثلا الدار تلاحظ تارة بمالها من وجود العيني التى هى موجودة كسائر الموجودات التكوينية واخرى تلاحظ بما لها من الوجود الاينى الذى هو عبارة عن المكان الذى يستقر فيه الشىء وكذلك البصرة مثلا تارةً تلاحظ بمالها من الوجود العيني واخرى تلاحظ بمالها من وجود الاينى وثالثة تلاحظ بما انها مبدأ السير ورابعة تلاحظ بما انها ينتهى اليها السير.

الحاصل انه لا يكون المعنى للحرف على هذا القول ويكون مخالفا للمشهور لان المشهور يقولون ان الكلمة ثلاثة وتكون الكلمة على هذا القول اثنتين اى الاسم والفعل.

فى بيان المعنى الحرفى على القول المشهور

واعلم ان المشهور يقولون ان الكلمة على ثلاثة اقسام اى الاسم والفعل والحرف وايضا يقول المشهور ان المغايرة ثابتة بين معنى الاسم والحرف فيبحث على القول المشهور هل تكون معانى الاسماء والحروف بتمام الذات متباينة كمعنى الماء والنار او يكون معناهما واحدا بالذات ويتعدد باعتبار الوجود مثلا يكون احدهما موجودا بوجود الذهنى والآخر موجودا بوجود الخارجى مثلا فى نحو سرت من البصرة الى الكوفة يكون معنى الحرف اى من موجودا بوجود الخارجى لان المراد من ابتداء السير هو البصرة.

مقدمة فى توضيح المراد ان الانسان يخلق ما يشاء اى يخلق الانسان بقدرته وقوته الاشياء كالانبياء والاولياء يخلقون ما يكون على خرق العادة كمعجزات الانبياء اما غيرهم فيخلق ايضا بمقتضى قدرته الالفاظ.

فقال بعض ان معنى الاسمى والحرفى يخلق فى ذهن الانسان على وجهين من حيث اللحاظ والوجود وبعبارة اخرى ان الفرق يكون بينهما من حيث الذات

٢٥

فيقولون ان المعنى الاسمى ما يكون قائما بنفسه وان الحرف ما دل على معنى فى غيره او قائم بغيره اى ان معنى الحرفى ليس له التقرر والثبوت فى حد نفسه بل معناه قائم بغيره.

والحاصل ان معنى الحرفى يكون قوامه بغيره وان تصوره وثبوته بتقرر غيره وثبوته مثلا النسبة الابتدائية والظرفية قائمتان بالبصرة والدار عند قولهم سرت من البصرة الى الكوفة فثبت على هذا القول ان معنى الحرفى يصير جزئيا بهذا المعنى اى يكون المعنى الحرفى جزئيا بهذا اللحاظ مذكور.

اما الخصم فيقول ان هذا القيد يكون فى مقام الاستعمال لا فى مقام لحاظ الموضوع له لان الموضوع له كلما يلاحظ فى الذهن يسمى كليا عقليا ولا يصدق على الخارجيات لامتناع صدق الكلى العقلى عليها حيث لا موطن له الّا الذهن واذا وجد الكلى فى الخارج يصير جزئيا قال المصنف بجواب النقضي حاصله انه لا يكون لحاظ المعنى فى الذهن موجبا لجزئيته فى الاسماء وانتم ايضا تقولون ان لحاظ المعنى لا يكون موجبا لجزئية فى الاسماء فكذلك لا يكون لحاظ المعنى موجبا لجزئيته فى الحرف.

توضيحه ان شىء الملحوظ اما يكون للقراءة دون المعنى واما ان يكون الملحوظ فى مقام الاستعمال وبالنظر الى المعنى اى اذا كان الملحوظ فى مقام الاستعمال فيلاحظ خصوصية المعنى ولا يخفى انه من يقول بجزئية المعنى فيحتاج الى اللحاظين احدهما يكون فى الذهن قبل الاستعمال والآخر يكون حين الاستعمال اى يكون لحاظ الآخر جزءا للمستعمل فيه فى الخارج فيكونان المتباينين لان لحاظ الاول يكون كليا. والثانى يكون جزئيا باعتبار الوجود الخارجى او نقول بالعكس بان يكون اللحاظ الاول كليا والثانى جزئيا ولا يصح على هذا اللحاظ الكلية فى المعنى الاسمى لان الكلية تعرض على الانسان من دون تصوره.

وبعبارة الاخرى ان الكلية تعرض على ذات الانسان لا الانسان المتصور وايضا

٢٦

ان هذين اللحاظين يكونان المتباينين ولم يعتبر احد ان يكون اللحاظان فى هذا المقام الحاصل ان الوضع فى الحروف يكون عاما والموضوع له ايضا يكون عاما فيها كالاسماء فلم يصح امكان الوقوعى فى القسم الثالث اى لم يثبت فى الخارج ما يكون الوضع عاما والموضوع له فيه خاصا.

فان قلت على هذا لم يبق الفرق بين الاسم والحرف فى المعنى الخ.

وقد بين انه لا فرق بين المعنى الاسمى والحرفى من حيث الموضوع له لكن الفرق يجيء من ناحية الاستعمال وقد اشكل صاحب الكفاية على من يقول ان الموضوع له فى الحروف جزئى ذهنى.

حاصل الاشكال الاول انه اذا لوحظ الموضوع له فى الذهن اولا ولوحظ ثانيا فى مقام الاستعمال فقد ثبت هنا لحاظان هذا باطل وجدانا لان اللحاظ واحد سواء كان فى الاسماء ام فى الحروف والاشكال الثانى انه ان كان معنى الحروف جزئيا ذهنيا لا يصدق فى الخارجيات ولا يصح الامتثال فى نحو سرت من البصرة الى الكوفة الاشكال الثالث يقضى اى ان كان اللحاظ الذهنى فى الحرف موجبا للجزئية فليكن فى الاسم كذلك وقد ثبت ان هذا اللحاظ لا يكون فى الاسم موجبا للجزئية فظهر من هذا البيان ان الوضع والموضوع فى كل منهما يكون عاما.

ان قلت قد ملأ فى الاذهان ان المعنى الاسمى مغايرا للمعنى الحرفى بعبارة الاستاد بالفارسية.

در كله هاى مردم پر شده كه معناى اسم غير معناى حرف مى باشد.

ولا يستعمل احدهما فى موضع الآخر مثلا لا يستعمل الابتداء فى مكان من وكذا من لا يستعمل فى مكان الابتداء وان كانا مترادفين فيلزم استعمال احدهما فى موضع الآخر.

قوله : قلت الفرق انما هو الخ.

اى قلت فى الجواب لا يكون الفرق بين المعنى الاسمى والحرفى من حيث

٢٧

الموضوع له لكن الفرق يجيء بتعدد الداعى بعبارة اخرى يجيء الفرق من جهة شرط الاستعمال فيشترط فى الموضوع له الاسم الاستقلالية ويشترط فى الموضوع له الحرفى الحالية والآلية للغير اذا جعل الواضع شرطا للموضوع له فلا يجوز مخالفته الحاصل ان الفرق بين المعنى الاسمى والحرفى لا يكون من ناحية الوضع والموضوع له بل يكون من ناحية الشرط.

قوله : ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف فى الخبر والانشاء ايضا كذلك الخ.

يكون هنا كلام الآخر فى بيان الفرق بين كلام خبرى وانشائى مثلا بعت يستعمل تارة فى الاخبار والاخرى فى الانشاء.

الحاصل ان الفرق بين بعت اخبارى وانشائى وان كان اللفظ واحدا كان باعتبار القرينة المعينة توضيح الفرق ان بعت يكون مشتركا بين الاخبار والانشاء كلفظ العين ولا يخفى ان اللفظ المشترك يقتضى القرينة المعينة فى مقام الاستعمال مثلا بعت وضع للحكاية عين بيع الخارجى وكذا وضع لايجاد البيع وانشائه فيحتاج بعت فى مقام الاستعمال الى القرينة المعينة وكان هذا الفرق صحيحا عند صاحب الكفاية.

لكن صاحب الكفاية قائل بفرق الآخر بلفظ لا يبعد اى قال ثم لا يبعد ان يكون الاختلاف فى الخبر والانشاء ايضا كذلك اى كان الفرق المذكور بين الاخبار والانشاء صحيحا لكن لا يبعد ان يكون بعت موضوعا لنسبة المادة الى فاعل ما لكن الفرق بين ان يكون خبرا او انشاء يجيء من ناحية الاستعمال لا الموضوع له لانه واحد وهو نسبة المادة الى فاعل ما لكن اذا قصدت الحكاية عن بيع الذى وقع فى الماضى فيكون خبرا اما اذا قصد ايجاد البيع وانشائه فيكون انشاء.

فعلم من هذا الفرق ان بعت لا يكون لفظا مشتركا لانه وضع للمعنى الواحد لكن يكون الفرق من ناحية القصد ولا يكون هذا القصد داخلا فى الموضوع له

٢٨

قوله فتأمل اشارة الى انه لا يكون فى بعت إلا وضع واحد لكن يصير قسمين فى مقام الاستعمال اى اما ان يقصد الحكاية واما ان يقصد الانشاء.

قوله : قد انقدح مما حققنا الخ.

الفرق بين انقدح وظهر والمراد من انقدح شىء الذى كان له ظهور لكن يحتاج الى تعمق النظر اما ظهر ظهور الذى لا يحتاج الى تعمق النظر ويكون ظهور الشىء بدون التأمل اما انقدح فيحتاج اى التأمل قاعدة قد ذكر فى علم النحو انه يكون فى اسماء الإشارة المعنى الحرفى اى يكون الوضع فيها عاما والموضوع له خاصا.

لكن لا يصح هذا القول عند صاحب الكفاية قال ان الموضوع له فى اسماء الإشارة والضمائر ايضا عام مثلا لفظ هذا موضوع للاشارة اما فى مقام الاستعمال فلا يمكن الاشارة الى الكلى فيكون المشار اليه من ناحية الاستعمال خاصا وان كان الموضوع له عاما.

اما ضمائر فيكون قسم منها مثل اسم الإشارة مثلا ضمير الغائب يكون مثل اسم الاشارة لكن قسم الآخر منها يكون الموضوع له فيها عاما ايضا مثلا ضمير المخاطب والمتكلم الموضوع له فيهما هو التكلم والتخاطب اما الاختصاص يجيء من جانب الاستعمال لان التخاطب والتكلم لا يمكن الى الكلى فلا بد ان يكون التخاطب الى الجزئى وكذا التكلم فتلخص مما ذكر ان التشخص الناشى من قبل الاستعمالات لا يوجب تشخص الموضوع له سواء كان تشخصا خارجيا كما فى مثل اسماء الاشارة اى يكون المشار اليه محسوسا فى الخارج او ذهنيا كما فى اسماء الاجناس والحروف فان التشخص فيهما يكون ذهنا كما ذكر فى محله.

فى تعريف المعنى الحقيقى والمجازي

قوله : الثالث صحة استعمال اللفظ فيما يناسب الموضوع له الخ.

اى ان استعمل اللفظ فيما وضع له فهو الحقيقة هى فى الاصل فعيل بمعنى

٢٩

فاعل من حق الشىء اذا ثبت او بمعنى المفعول من حققته اذا اثبته نقل الى الكلمة الثابتة او المثبتة فى مكانها الاصلى والتاء فيها للنقل من الوصفية الى الاسمية وهى فى الاصطلاح الكلمة المستعملة فيما وضعت تلك الكلمة له.

اما اذا استعمل اللفظ فى غير ما وضع له فيكون مجازا ويحتاج الى القرينة فان كانت العلاقة المشابه يسمى الاستعارة وان كانت غيرها من علائق الاخرى اى ان كانت العلاقة المصححة غير المشابهة يسمى مجازا مرسلا.

والمجاز فى اللغة مفعل من جاز المكان اذا تعداه نقل الى الكلمة الجائزة اى المتعدية مكانه الاصلى اما فى الاصطلاح فهو كلمة مستعملة فى غير ما وضعت له قد اختلفوا فى المعنى المجازي اى هل يكون استعمال اللفظ فى ما يناسب ما وضع له بالوضع او بالطبع الحاصل قد اختلفوا فيه على الوجهين بل على القولين اشهرهما انها بالطبع اى قال المشهور ان صحة الاستعمال فى المجاز تكون بالطبع والدليل عليه شهادة الوجدان كما قال سعدى خرجوا الشمع من هذا البيت فقتلوه والظاهر ان اطلاق القتل على الشمع مجاز.

قال صاحب القاموس مع زوجته اقتلى السراج فتعجبت زوجته من هذا الكلام مثال الآخر يقال رئيت سروا والمراد من سرو شجر مخروطى الشكل كان ورقه رقيقا طويلا مثل الابرة لكن يراد من سرو هنا الانسان الطويل القامة وذو الهيئة الحسنة اى قد استعمل سرو هنا فى المعنى المجازي لان الوجدان حاكم بصحة هذا الاستعمال فيكون الملاك فى الصحة هنا الحسنية اعنى كل ما وجده الطبع حسنا فيحكم بصحة استعماله.

بعبارة اخرى وقع الخلاف فى الاستعمال المجازي فى ان صحته هل هى متوقفة على ترخيص الواضع ملاحظة العلاقات المذكورة فى علم البيان او ان صحته طبعية تابعة لاستحسان الذوق السليم فكلما كان المعنى غير الموضوع له مناسبا للموضوع له واستحسنه الطبع صح استعمال اللفظ فيه والا فلا والارجح القول الثانى والدليل

٣٠

عليه الوجدان لانه يحكم ان استعمال يكون بالطبع اما الطبائع فهى مختلفة فيمكن ان يكون استعمال اللفظ فى المعنى المجازي مناسبا للموضوع له عند البعض مع أنّه يمكن ان لا يكون هذا الاستعمال حسنا ومناسبا للموضوع له عند بعض الآخر فظهر مما ذكر ان استعمال اللفظ فى المعنى المجازي يكون بالطبع لا بالوضع لانه لا يكون للفظ الا وضع واحد وهو ان يكون وضع اللفظ للمعنى الحقيقى فقط.

قوله : الرابع لا شبهة فى صحة اطلاق اللفظ وارادة نوعه به الخ.

فصل شيخنا الاستاد هذا الامر الرابع بعبارة اخرى فقال هنا مقدمة حاصلها ان استعمال اللفظ فى الموارد التى نذكرها يكون مجازا وتكون المناسبة طبعية لا وضعية بعبارة اخرى يكون الارتباط بين المعنى المجازي والحقيقى تكوينيا فيكون هذا الارتباط سببا لاستعمال اللفظ فى غير ما وضع.

قد بين فى هذه المقدمة ان الاستعمال على اقسام اى استعمال اللفظ فى غير ما وضع له على اربعة اقسام الاول استعمال اللفظ فى شخصيه الثانى استعمال اللفظ فى مثله الثالث استعمال اللفظ فى صنفه الرابع استعمال اللفظ فى نوعه توضيح هذه الاقسام ان استعمال اللفظ فى شخصه كما اذا قيل زيد فى ضرب زيد فاعل او زيد لفظ واريد من زيد شخصه لا مثله اما اطلاق اللفظ وارادة مثله كما اذا قيل زيد فى ضرب زيد فاعل اريد من ضرب زيد الذى ذكر فى موضع الآخر لكن يكون بهذه الهيئة الخاصة اما اطلاق اللفظ وارادة صنفه مثلا اذا قيل زيد فى ضرب زيد فاعل اى يراد ان زيد الذى يكون بعد ضرب فاعل اعنى هذا الصنف لا صنف الآخر كزيد الذى يكون بعد علم او نصر او امر.

توضيحه ان فعل نوع من فعل الماضى اما ضرب فيكون صنفا فيه وكذا نصر وامر هكذا اما اطلاق اللفظ وارادة نوعيه فهو كما اذا قيل ضرب فعل ماض اى مراد من ضرب سواء كان ضرب زيد او ضرب عمرو او بكر او خالد ومثال الآخر كما اذا قيل زيد لفظ اى يشمل زيد الملفوظ وغيره ويراد من زيد نوعه.

٣١

لكن يكون البحث فى استعمال اللفظ فى شخصه واشكل صاحب الفصول عليه بانه يلزم على هذا الاستعمال اتحاد الدال والمدلول بعبارة اخرى يلزم تركب القضية من جزءين اى محمول اعنى زيد ونسبة اى نسبة زيد الى الزيد مع امتناع تركب القضية الا من الثلاثة ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين اى الموضوع والمحمول لكن فى استعمال اللفظ فى شخصه لم يكن الموضوع موجودا.

توضيح اشكال المذكور ان استعمال اللفظ فى شخصه نحو زيد لفظ اى اريد من زيد نفسه فيرجع معناه الى زيد اللفظ لفظ اى هذا اللفظ لفظ فيصير المستعمل والمستعمل فيه شيئا واحدا ويلزم اتحاد الدال والمدلول هذا باطل لان الدال والمدلول يكونان من قبيل المتضائفين ويشترط فى المتضائفين ان يكونا شيئين كالاب والابن واما ان لم يك زيد دالّا فتصير القضية الذهنية ذات جزءين ولا يكون هنا الموضوع والمنسوب اليه بل تكون هنا النسبة والمنسوب.

قال شيخنا الاستاد بل لا تكون النسبة ايضا لان النسبة لا تجد بدون منسوب اليه فلا يصح استعمال اللفظ فى شخصه بدون التأويل اما مع التأويل فتصير القضية مركبة من ثلاثة اجزاء اعتبارا ويشترط فى القضية أن تكون مركبة من ثلاثة اجزاء حقيقة او اعتبارا فيكون فى المقام الدال والمدلول اثنتين اعتبارا اى مثلا زيد من حيث إنّه صدر دال ومن انه متصور مدلول.

لكن قال شيخنا الاستاد اذا كان الموضوع قليلا مئونة فلا يحتاج الى الدال بل يوجد بذلك الشىء المذكور وقال الاستاد ايضا فى دفع الاشكال ان القضية تكون مركبة من ثلاثة اجزاء فنرتب اولا مقدمة وهى انه اذا كان المتكلم فى مقام التفهيم فليفهم ما فى الضمير للغير.

ولا يخفى ان ما فى الضمير تارة يكون تكوينيا وتارة اخرى لا يكون كذلك اى لا يحتاج المتكلم الى ما فى الضمير مثلا اذا كان المتكلم الله تعالى فيكفى الايجاد

٣٢

وليست الحاجة الى الدال وكذا اذا وضعت النار فى يد الاعمى تفهيم الحرارة فلا حاجة الى اللفظ لان الغرض حاصل من غير اللفظ كذا في مقام البحث اى زيد لفظ فالمقصود هو وجود زيد بهذا التكلم اذا كان المقصود وجود نفس زيد فتكون القضيّة تامة الأجزاء اى يكون احد الأجزاء خارجيا اى محمول وجزءان آخران ذهنيا.

ويمكن ان يكون استعمال اللفظ فى نوعه ايضا من هذا القبيل اى اوجد المتكلم هذا النوع المتصور فيكون ايجاد الكلى الطبيعى بسبب افراده ولا يخفى ان الكلى الطبيعى يتصور على وجهين احدهما ان يتصور باعتبار شخصه والآخر ان يتصور باعتبار كلية فتكون القضية فى هذا القسم ايضا مركبة من ثلاثة اجزاء فيكون احدها خارجيا والآخران ذهنيا.

الحاصل ان الاستعمال فى نوعه يكون كالاستعمال اللفظ فى شخصه اعنى يكفى ايجاد الشىء ولا يحتاج الى الدال لكن لا يصح هذا فى استعمال اللفظ فى مثله لان المراد من الاستعمال فى مثله هو لفظ الآخر لا ايجاد نفسه مثلا المراد من زيد فى هذا الاستعمال هو لفظ الآخر فلا يكفى هنا الايجاد باللفظ لان المراد من زيد لفظ هو مثله اى زيد آخر.

الحاصل انه يمكن تفهيم ما فى الضمير بايجاد المتكلم فلا يحتاج هنا الى الدال كما ثبت هذا الحكم فى حيوانات اخرى فانها مفهمة ما فى ضميرها للانسان لكن الانسان مفهم ما فى ضميره للغير بطريق سهل بالقوة التى اودعها الله تعالى مثلا التكلم قوة التى اعطاه الله تعالى للانسان فيخلق اشياء به لكن بعض الانسان يخلق الاشياء بالقوة الخيالية فلا يكون هذا القسم موردا للبحث واعلم ان الانبياء والاولياء يخلقون الاشياء العظيمة باذنه تعالى.

اذا رتبت المقدمة المذكورة فتنتج انه يكون للموجودات وجود الأربعة الأول الوجود الذهنى اى يتصور الانسان الأشياء فى ذهنه الثانى الوجود الخارجى كوجود الشمس فى السماء ووجود افراد الانسان فى الخارج الثالث الوجود اللفظى ولا يخفى

٣٣

ان الوجود اللفظى يكون بيد المتكلم اى يكون الخالق للوجود اللفظى المتكلم وكذا وجود اللفظ فى الخارج يكون بيد المتكلم اذا اوجد المتكلم الشىء فى الخارج فلا يحتاج الى الدال الرابع الوجود الكتبى مثلا اذا كتب اللفظ فى شىء ثبت له الوجود الكتبى ان كان من اسماء الله او الأنبياء والاولياء كان احترامه واجبا الحاصل انه اذا كان الغرض ايجاد الشىء فلا يحتاج بعد الايجاد الى الدال لكن لا يصح هذا فى بعض الا مثله كما فى مثل ضرب فعل ماض لان ضرب فى مثل هذا التركيب مبتداء لا فعل ماض فلا يعمه الحكم فى القضية اى لفظ فى هذا التركيب لا يراد منه المعنى الفعلى بل المراد هو لفظ ضرب اى ان اراد من اللفظ مثله او نوعه فلا يصح ان يقصد ايجاده بل يقصد من هذا اللفظ الكلى او فرد آخر فيكون من باب استعمال اللفظ فى المعنى.

قوله : اللهم الا ان يقال ان لفظ ضرب الخ

اى يصح استعمال اللفظ فى نوعه بان يقصد ايجاد الشىء مثلا يقصد المتكلم من ضرب الكلمة ويراد منها النوع لكن يكون هذا الاستعمال دقيقا لا يراد فى الاستعمالات المتعارفة فيكون استعمال اللفظ فى مثله او نوعه من قبيل الاستعمالات المتعارفة ويحتاج الى الدال لان قصد المعين يحتاج الى الدال فيلزم فى استعمال اللفظ فى مثله او نوعه اتحاد الدال والمدلول كذا يرد الاشكال المذكور فى استعمال اللفظ وارادة شخصه كما قال صاحب الكفاية بقوله لكن اطلاقات المتعارفة ليست كذلك اى لا يصح ان يراد من اللفظ الفرد والنوع وكذا لا يصح استعمال اللفظ فى شخصه ولا يعم اللفظ شخصه كما فى مثل ضرب فعل ماض قد مرّ شرحه آنفا.

٣٤

البحث فى الالفاظ الموضوعة

الخامس لا ريب فى كون الالفاظ موضوعة بازاء معانيها الخ.

اى هل تكون الالفاظ موضوعة لطبيعة المحضة او وضعت للطبيعة مع قيد اللحاظ فليرجع الى باب الدلالة قد ذكر فى محله ان اللفظ يدل على المعنى من ثلاثة اوجه.

الوجه الأول المطابقة بان يدل اللفظ على تمام معناه الموضوع له ويطابقه كدلالة لفظ الانسان على تمام معناه وهو الحيوان الناطق وتسمّى الدلالة حينئذ المطابقية لتطابق اللفظ والمعنى.

الوجه الثانى التضمن بان يدل اللفظ على جزء معناه الموضوع له الداخل ذلك الجزء فى ضمنه كدلالة لفظ الانسان على الحيوان وحده او الناطق وحده وتسمّى هذه الدلالة التضمنية وهى فرع عن الدلالة المطابقية لان الدلالة على الجزء بعد الدلالة على الكل.

الوجه الثالث الالتزام بان يدل اللفظ على معنى خارج عن معناه الموضوع له كدلالة لفظ الدواة على القلم فلو طلب منك احد ان تأتيه بدواة لم ينص على القلم فجئته بالدواة وحدها لعاتبك على ذلك محتجا بان طلب الدواة كاف فى الدلالة على طلب القلم ولا يخفى انه يلزم التضمن والالتزام المطابقة اذ لا شك ان الدلالة الوضعية على جزء المسمى ولازمه فرع الدلالة على المسمى ولا عكس اذ يجوز ان يكون للفظ معنى بسيط لا جزء له ولا لازم له فيتحقق حينئذ المطابقة بدون التضمن والالتزام.

فيرد الاشكال على التعريف الدلالة المطابقة وكذا على تعريف التضمن والالتزام والمراد فيه ان تعريف الدلالة المطابقية ينتقض بالتضمن والالتزام وكذا ينتقض تعريف الدلالة التضمنية والالتزامية بالدلالة المطابقية اى ينتقض تعريف كل منها بالآخر وجه النقض مثلا اذا قصد من الانسان الناطق او الحيوان وحده من الواضح انه

٣٥

يكون المعنى التضمنى لكن فى المقام يكون هذا المعنى المطابقى لانه قصد من الانسان الناطق او الحيوان وحده ويكون بهذا الاعتبار تمام ما وضع له ولا اشكال ان استعمال اللفظ فى تمام ما وضع له يكون مطابقيا وكذا اذا قصد من الانسان الكاتب بالقوة من الواضح انه يكون المعنى الالتزامى.

وقد ذكر ان الدلالة على خارج معناه تسمّى الالتزامية لكن فى المقام يكون هذا المعنى مطابقيا لانه قصد من الانسان فيكون هذا المعنى مقصودا من اللفظ ولا شك ان استعمال اللفظ فى المعنى المقصود يكون مطابقيا.

فظهر الى هنا نقض كل المعنى المطابقى والالتزامى والتضمنى بالآخر اى ينتقض تعريف المعنى المطابقى بالتضمنى والالتزامى وكذا ينتقض تعريفهما بالمطابقى وقد ذكر وجه النقض آنفا فيقال فى الجواب عن هذا النقض انه يكون الفرق بين المعنى المطابقى والتضمنى والالتزامى من ناحية القصد والارادة اى اذا اريد ان الناطق يكون تمام ما وضع له فهو المعنى المطابقى اما اذا اريد ان الناطق جزء لما وضع له فهو المعنى التضمنى وكذا الضاحك اذا قصد انه ما وضع له فيكون المعنى المطابقى للانسان واذا قصد انه خارج عن ما وضع له الانسان فيكون المعنى الالتزامى.

واعلم انه ما ذكر من اقسام الدلالة والنقض الذى ورد فى تعريف الدلالات وجوابه يدل ان الارادة مأخوذة فى ما وضع له لان دفع الاشكال والنقض كان بتوسط اخذ الارادة فيما وضع له فيمكن من هذا البيان القضاوة بين المصنف وغيره لان مذهبه عدم دخل الارادة فيما وضع له اى يقول صاحب الكفاية ان اللفظ وضع للمعنى بما هو هو ولا يكون مقيدا بالارادة كما قال ان لحاظ الآلية والاستقلالية خارج عن الموضوع له قال صاحب الكفاية ان قصد المعنى على انحائه من مقومات الاستعمال فلا يكون من قيود المستعمل فيه لان ارادة المستعمل بالكسر المعنى انما تكون فى مرتبة نفس الاستعمال وموجودة حاله فلا يعقل اخذها فى المستعمل فيه.

٣٦

قوله : مضافا الى الضرورة صحة الحمل الخ.

مثلا اذا قلت زيد قائم هل يحمل القائم مع القصد والإرادة بعبارة اخرى هل الالفاظ موضوعة بازاء معانيها من حيث هى او موضوعة من حيث هى مرادة للافظها وكذا فى المثال المذكور هل يكون زيد محكوم عليه او يكون زيد محكوم عليه مع القصد والارادة.

يقال فى الجواب ان المحمول فى قولنا زيد قائم هو نفس القيام وكذا المسند اليه هو نفس زيد لا بما هما مرادان والظاهر انه لو كان لفظ القيام موضوعا من حيث هو مراد للافظه لما صح حمل القيام من دون التصرف والتأويل فى الفاظ الاطراف اى محكوم عليه وبه مع أنّه يحمل القيام على زيد من دون التصرف والتجرد عن القصد والارادة وكذا زيد يجعل المحكوم عليه من غير التصرف والتجرد عن القصد والارادة.

فليعلم من هذا ان الالفاظ موضوعة بازاء معانيها من حيث هى لا من حيث هى مرادة للافظها وايضا يلزم الاشكال الآخر اى ان قلنا ان الالفاظ موضوعة بازاء معانيها مقيدة بالقصد والارادة فيلزم الاشكال الآخر هو انه يلزم كون عامة الالفاظ عاماً والموضوع له خاصا وجه اللزوم انه اذا اخذ القصد والارادة فى الموضوع له يصير الموضوع جزئيا وخاصا فينتفى من اقسام الوضع ما هو الوضع عام والموضوع له عام.

فان قلت ما الاشكال فى انتفاء هذا القسم من الوضع قلت يلزم خلاف الاتفاق لان اقسام الوضع فى مقام التصور اربعة واما فى مقام الامكان فهى ثلاثة اقسام لاستحالة القسم الرابع لكن اذا قلنا ان اللفظ موضوع لمعناه من حيث هو مراد فيلزم ان يكون اقسام الوضع في مقام الامكان الاثنين.

٣٧

فى تقسيم الدلالة

قوله : واما ما حكى عن العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسى الخ

مقدمة قسموا الدلالة الى قسمين التصورية والتصديقية.

الاول التصورية وهى ان ينتقل ذهن الانسان الى معنى اللفظ بمجرد صدوره من اللافظ ولو علم ان اللافظ لم يقصده كانتقال اللفظ الى المعنى الحقيقى عند استعمال اللفظ فى المعنى المجازي مع ان المعنى الحقيقى ليس مقصودا للمتكلم وكانتقال الذهن الى المعنى من اللفظ الصادر من الساهى او النائم او الغالط.

الثانى الدلالة التصديقية وهى دلالة اللفظ على ان المعنى مراد للمتكلم فى اللفظ وقاصد لاستعماله فيه وهذه الدلالة متوقفة على عدة الشياء اولا على احراز كون المتكلم فى مقام البيان والإفادة وثانيا على احراز انه جاد غيرها زل وثالثا على احراز انه قاصد المعنى لكلامه شاعر به ورابعا على عدم نصب قرينة على ارادة خلاف الموضوع له.

والمعروف ان الدلالة التصورية معلولة للوضع وهذا هو مراد من يقول ان الدلالة غير تابعة للارادة بل تابعة لعلم السامع بالوضع اما الدلالة التصديقية فهى تابعة للارادة فعلم من هذا البيان ان الدلالة التصورية لا تكون تابعة للارادة ويكون مراد صاحب الكفاية هذا القسم من الدلالة ولكن الدلالة التصديقية التى تكون تابعة للارادة فلا تكون هذه الدلالة مقصودة لصاحب الكفاية واما ما حكى عن العلمين الشيخ الرئيس والمحقق الطوسى من مصيرهما الى ان الدلالة تتبع الإرادة فهو ناظر الى لدلالة التصديقية مثلا اذا تصورت زيدا بانه علم او تصورت معنى ضرب فيكون هذا الدلالة التصورية اما اذا كان الكلام فى مقام التصديق مثلا تقول جاء زيد وضرب زيد فتكون فى هذا المقام الدلالة تابعة للارادة اى فيكون فى مقام التصديق الدلالة تابعة للارادة مثلا ثبوت المجيء تابع للارادة بمعنى ان المتكلم هل يريد ثبوت النسبة لزيد اى هل تكون نسبة المجيء الى زيد مرادة للمتكلم ام لا بل تكون

٣٨

هذه النسبة سهوا او غفلة ان كانت النسبة سهوا او غفلة فلا تصدق هنا الدلالة التصديقية فثبت ان الدلالة التصورية لا تكون تابعة للارادة بل تكون تابعة لعلم السامع بالوضع اما الدلالة التصديقية فهى تابعة للارادة بتفصيل الذى ذكر آنفا.

قوله يتفرع عليها تبعية مقام الاثبات للثبوت

اى اذا ثبت ان الدلالة التصديقية تابعة للقصد والارادة فيتفرع على هذا الدلالة تبعية مقام الاثبات للثبوت اى اذا كانت الدلالة التصديقية تابعة للارادة ثبت ان مقام الاثبات تابع لمقام الثبوت والمراد من مقام الاثبات اى مقام العلم بالشىء والمراد من مقام الثبوت اى مقام وجود الشىء فى الواقع فاذا لم يك الشىء موجودا فلم يمكن العلم به وكذا اذا لم يك المكشوف موجودا لم يمكن الكشف عنه لان الكشف تابع وعارض للمكشوف.

فاعلم ان المراد من الدلالة التصديقية ما اذا احرز للسامع كون المتكلم بصدد الافادة وبعبارة اخرى ان يكون السامع مقرا بان هذا المعنى مراد للمتكلم والا لما كانت لكلامه الدلالة التصديقية لكن البحث فى طريق الكشف اعنى من اى طريق يكشف ان هذه الدلالة مرادة للمتكلم اقول انه تكون لكشف المراد المتكلم طرق متعددة مثلا يكشف عند العقلاء من قرينة المقام ان هذه الدلالة مرادة للمتكلم ويمكن ان يحرز مراد المتكلم بقرينة الاخرى واذا لم يحرز مراد المتكلم فما كانت للكلام الدلالة التصديقية وان كانت له الدلالة التصورية اما اذا احرز ان هذا المعنى مراد للمتكلم فكشف بعد ذلك ان علم السامع كان خطأ فلا تكون هذه الدلالة الدلالة التصديقية لانه لم يك العلم للسامع بمراد المتكلم بل يكون السامع جاهلا بمراد المتكلم كما قال صاحب الكفاية بقوله لا يكون حينئذ دلالة بل يكون هناك جهالة وضلالة يحسبها الجاهل دلالة.

٣٩

الكلام فى وضع المركبات

السادس لا وجه لتوهم الوضع للمركبات غير وضع المفردات.

اى وضع المفردات كاف عن الوضع المركبات واعلم ان اللفظ ربما يتصوره الواضع بنفسه ويضعه للمعنى كما هو الغالب فى الالفاظ فيسمى الوضع حينئذ شخصيا وربما يتصوره بوجهه وعنوانه فيسمى الوضع نوعيا ومثال الوضع النوعى الهيئات فان الهيئة غير قابلة للتصور بنفسها بل انما يصح تصورها فى مادة من مواد اللفظ كهيئة كلمة ضرب مثلا وهى هيئة الفعل الماضى فان تصورها لا بد ان يكون فى ضمن الضاد والراء والباء او فى ضمن الفاء والعين واللام فى فعل.

ولما كانت المواد غير محصورة ولا يمكن تصور جميعها فلا بد من الاشارة الى افرادها بعنوان عام فيضع كل هيئة تكون على زنة فعل مثلا أو زنة فاعل او يفعل ويتوصل الى تصور ذلك العام بوجود الهيئة فى احدى المواد كمادة فعل التى جرت اصطلاحات عليها عند علماء العربية ثم الهيئة الموضوعة لمعنى تارة تكون فى المفردات كهيئات المشتقات مثلا فعل موضوع للنسبة الى الفاعل فى الزمان الماضى اى حين يفهم المعنى الذى وضع فعل او يفعل له يفهم احد الازمنة ايضا مقارنا له.

واخرى تكون الهيئة فى المركبات كالهيئة التركيبية بين المبتدإ والخبر لافادة حمل الشىء على الشىء وكهيئة تقديم ما حقه التأخير لافادة الاختصاص ومن هنا يعرف انه لا حاجة الى وضع الجمل والمركبات فى افادة معانيها زائدا على وضع المفردات بالوضع الشخصى والهيئات بالوضع النوعى بل هو لغو لان الوضع يكون لغرض من الاغراض لكن وضع المفردات يكون كافيا للغرض الذى فى وضع المركبات ويحصل الغرض من وضع المفردات فان كان الوضع للمركبات بعد حصول الغرض بوضع المفردات فيلزم اللغو وتحصيل الحاصل.

قال شيخنا الاستاد لا اشكال فى ان يكون الوضع للمركبات لانه يفهم

٤٠