هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ١

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٠٨

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على اعدائهم اجمعين الى يوم الدين.

الجزء الاول من كتاب هداية الاصول

وبعد فيقول العبد المذنب الراجى الى عفو ربه حيدر على مدرسى البهسودى انى لما حضرت فى النجف الاشرف مجلس بحث العالم الربانى شيخنا الاعظم حضرت آية الله الشيخ صدرا رأيت ان بحثه الشريف ذو فوائد جليلة بحيث ينفع منه المبتدى والمنتهى وصار هذا البحث سببا لهدايتى الى القواعد الاصولية فكتبت هذا الأوراق بما استفدته من افاداته الشريفة حسبما يؤدى اليه فهمى القاصر.

فى تعريف علم الاصول

فاقول : بعون الله تعالى عرف المشهور علم اصول الفقه بانه علم بالقواعد الممهدة لاستنباط الاحكام الشرعية قال صاحب الكفاية كان اولى تعريفه بانه صناعة ان تعرف بها القواعد التى يمكن ان تقع فى طريق استنباط فعلم من هذه التعريف ان مسائل علم الاصول تقع فى طريق استنباط الاحكام قال شيخنا الاستاد الاعظم ان الحق ان يقال ان علم اصول الفقه هو علم يبحث فيه عن قواعد التى تقع نتيجتها فى طرق استنباط الحكم الشرعى اى يتوقف استنباط الاحكام على المسائل الاصولية

٣

والمراد منها ما تقع نتيجتها فى طريق استنباط الحكم الشرعى توضيح هذا البحث على ما قال شيخنا الاستاد ان المراد من المسائل الاصولية ما يكون له الصعود والنزول اى تصعد المسألة الاصولية تارة مثلا يقال ان صيغة الامر تدل على الوجوب او يقال ان الخبر الواحد حجة وتنحدر تارةً اخرى بان يقال ان صيغة الامر لا تدل على الوجوب او يقال بان الخبر الواحد ليس بحجة عبر شيخنا الاستاد هكذا.

تا زمانى كه بحث بالا وپائين مى رود مثلا بعضى مى گويند خبر واحد حجت است وبعضى ديگر مى گويند خبر واحد حجت نيست تا زمانى كه بحث صعود ونزول دارد ناميده مى شود مسألة الأصولية.

اى يسمى هذا البحث الذى يصعد وينحدر مسئلة اصولية واما اذا استقر البحث فى طرف واحد بان ثبت ان صيغة الأمر تدل على الوجوب او ثبت ان ظواهر القرآن حجة فيسمى هذا البحث بعد الاستقرار النتيجة.

الحاصل ان المراد من نتيجة المسائل الاصولية ما تقع فى جواب لم مثلا يقول الفقيه ان صلاة الجمعة واجبة سئل السائل لم تكون واجبة فيقول الفقيه فى جواب هذا اللم وقول السائل ان صيغة الأمر تدل على الوجوب او ان الخبر الواحد يدل على الوجوب قد اتضح مما ذكر المراد من المسألة الاصولية ومن وقوع نتيجتها فى طريق الاستنباط الاحكام واعلم انه ما ذكرنا يكون من افادة شيخنا الاستاد واما الاكثرون فانهم يقولون ان نتيجة المسائل الاصولية تقع فى طريق استنباط الاحكام اى تقع كبرى القياس فلا يصح قولهم على رأى شيخنا الاستاد لان النتيجة ما يلاحظ من اول الكتاب الى آخره فلا تقع كبرى القياس اما النتيجة فتقع علة للكبرى مثلا اذا قيل الصلاة اليومية واجبة سئل سائل لم واجبة يقال فى الجواب ان الأمر يدل على وجوبها قال صاحب الكفاية ان المسائل الاصولية تقع فى طريق استنباط الاحكام اى كبرى القياس قال شيخنا الاستاد الحق ان المسائل الاصولية لا تقع كبرى القياس اى لا تقع فى طريق استنباط الاحكام لكن على قول شيخنا الاستاد تقع نتيجة المسائل

٤

الاصولية فى كبرى القياس فى مورد واحد فى باب الملازمات العقلية فى القياس الاستثنائى وايضا قال شيخنا الاستاد يصح هذا مع المشكلات قد ظهر مما ذكر تعريف علم الاصول وتعريف مسائله وايضا ظهر ان المراد من نتيجة مسائل علم الاصول ما تقع فى جواب لم وقول السائل.

قد بين شيخنا الاستاد بالفارسية : تا زمانى كه بحث بالا وپائين مى رود مثلا كسى مى گويد صيغه امر دلالة بر وجوب دارد ويا خير واحد حجت مى باشد وكذا ظواهر قرآن حجت مى باشد از اين ما ذكر تعبير مى فرمود به بالا رفتن وديگرى مى گويد صيغه امر دلالت بر وجوب ندارد وكذا خبر واحد حجت نيست از اين جمله تعبير مى فرمود به پائين رفتن الحاصل تا زمانى كه بحث بالا وپائين مى رود ناميده مى شود مسئلة اصولية اما وقتى كه يك طرفه شد مثلا خبر واحد حجت قرار داده شد وصيغه امر دلالت نمود بر وجوب اين ناميده مى شود نتيجة مسئلة اصولية.

قوله : اما المقدمة ففى بيان امور : الاول ان موضوع كل علم.

لما كان دأب ارباب العلوم عند شروع فى العلم ذكر موضوع كل علم كما قال صاحب الكفاية ان موضوع كل علم هو الذى يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ويقولون بعد ذلك موضوع العلم الذى نبحث فيه ما هو ويبحث اولا ان موضوع كل علم مساو مع موضوعات مسائله ام لا واعلم ان الكلى الطبيعى ما يتحد مع مصاديقه مثلا انسان يتحد مع زيد وعمرو الخ.

وكذا فى المقام ان موضوع العلم هو كلى طبيعى وموضوعات مسائله من مصاديقه لاجل هذا قال صاحب الكفاية ان موضوع كل علم هو نفس موضوعات مسائله عينا وخارجا ولا يخفى ان المصنف اتى فى البحث هنا عن جملة معترضة وهو البحث عن عوارض الموضوع فقال موضوع كل علم هو الذى يبحث فيه عن عوارضه الذاتية وعرف عرض الذاتى بما هو مخالف للمشهور والمراد من قول

٥

المشهور ان العرض قسمان اعراض ذاتية واعراض غريبة وتفصيل ذلك ان ما يعرض للشيء اما ان يكون عروضه فيه لذاته كالتعجب اللاحق للانسان من حيث هو هو او بجزئه الاعم او المساوى او الامر الخارج عنه مساويا له او اعم منه او اخص منه او مباين له.

فى اقسام الاعراض

فذلك سبعة اقسام ثلاثة منها اعراض ذاتية بالاتفاق وهى ما كان عروضه لذاته كالتعجب اللاحق للانسان من حيث هو هو او لجزئه المساوى كالتكلم له لكونه ناطقا أو لامر خارج يساويه كالضحك له لكونه متعجبا وثلاثة منها اعراض غريبة بالاتفاق وهى ما يعرض للشيء بواسطة امر خارج اعم منه كالتحيز اللاحق للابيض لكونه جسما او اخص منه كالضحك العارض للحيوان لكونه انسانا او مباينا له كالحرارة العارضة للماء بالنار او شعاع الشمس وواحد منها مختلف فيه وهو العارض لجزئه الاعم كالتحيز اللاحق لكونه جسما فذهب المتاخرون الى كونه من اعراض الذاتية والقدماء الى انه من اعراض الغريبة هذا الذى ذكر تفصيل لقول المشهور لكن صاحب الكفاية خالف المشهور قال شيخنا الاستاد بالفارسية آنچه مشهور گفته اعراض را بسوى اقسام سبعه تقسيم نموده اند آن را صاحب كفايه از دست شما گرفت اى رد صاحب الكفاية قول المشهور.

توضيح ما قال صاحب الكفاية ان العرض الذاتى ما لا يكون له واسطة فى العروض والمراد من الواسطة فى العروض ما كان العرض اولا وبالذات يعرض لنفس الواسطة ويحمل عليها وثانيا وبالعرض يعرض لذى الواسطة ويحمل عليه كحركة الجالس فى السفينة فان الحركة اولا وبالذات تعرض للسفينة وتسند اليها وثانيا وبالعرض تعرض للجالس وتحمل عليه من قبيل الوصف بحال متعلقه اذا كان كذلك فيسمى العرض الغريبة واما اذا لم يكن واسطة فى العروض فيسمى عرض

٦

الذاتى اى سواء لم يكن هنا واسطة اصلا ام كان هنا واسطة فى الثبوت او الاثبات فيصدق فى الموردين العرض الذاتى.

مثلا المورد الذى لم تكن الواسطة اصلا كادراك الكليات بالنسبة الى الانسان فان ادراك الكليات من لوازم ذات الانسان ويعرض على الانسان بلا توسيط الشىء اصلا او كان هناك واسطة الا انها لم تكن واسطة فى العروض بل كانت الواسطة فى الثبوت سواء كانت تلك الواسطة منتزعة عن مقام الذات ام عن غيره فالواسطة التى تنزع عن مقام الذات كالتعجب العارض للانسان بواسطة ادراك الكليات الذى هو منتزع عن مقام الذات حيث كان ذات الانسان يقتضى الادراك او كانت الواسطة أي الواسطة فى الثبوت امرا خارجا عما يقتضيه الذات كالحرارة العارضة للماء بواسطة مجاورة النار اى عرضت الحرارة بواسطة الشىء المباين له او كانت الواسطة امرا خارجا اعما او اخص او كانت الواسطة امرا خارجا مساويا للمعروض او اخص منه وقد ذكرت الامثلة هذه المذكورات فى مقام تفصيل قول المشهور فليرجع هناك.

فظهر مذهب صاحب الكفاية ان المراد من الاعراض الذاتية ما لم تكن لها الواسطة فى العروض سواء لم تكن الواسط ام كانت الواسطة فى الثبوت او الاثبات ولا تضران فى العرض الذاتى ويبين هنا الفرق بين الواسطة فى الاثبات والثبوت من باب الكلام يجر الكلام.

واعلم ان البرهان لمى وانى والمراد من البرهان اللمى ما يكون الواسطة فى فى الثبوت والميزان فى الواسطة فى الثبوت هو أن تكون الواسطة علة لثبوت العارض للمعروض بعبارة اخرى ان الواسطة فى الثبوت ما تكون علة لوجود الشىء فى الواقع ونفس الامر كتعفن الاخلاط فى قولك هذا متعفن الاخلاط وكل متعفن الاخلاط محموم فهذا محموم وتسمّى الواسطة فى الثبوت البرهان اللمى لدلالته على ما هو لمى وعلة فى الواقع.

واما البرهان الإني فهو ما يكون الواسطة فى الاثبات والتصديق والميزان

٧

فى الواسطة فى الاثبات وهى ما يكون علة للعلم بالشىء بعبارة اخرى الواسطة فى الاثبات ما يكون دليلا للاثبات والعلم بالشىء وتسمّى الواسطة فى الاثبات البرهان الإني لانه يدل على إنّيّة الحكم وتحققه فى الذهن كالحمى فى قوله زيد محموم وكل محموم متعفن الاخلاط فزيد متعفن الاخلاط ولا يخفى عليك ان المحمولات كلها تكون بواسطة الامر الخارج سواء كان اخص او اعما او مباينا هذه المحمولات كلها اعراض ذاتية قد سبق ان الاعراض الغريبة ما تكون لها واسطة فى العروض فتمت الجملة المعترضة فترجع الى ما هو محل للبحث من ان موضوع العلم هو نفس موضوعات مسائله عينا وخارجا.

اما اهل المنطق فيقولون ان موضوع العلم يمكن ان يكون عين موضوع مسائله ويمكن ان يكون موضوع العلم مغايرا لموضوع مسائله مثلا موضوع علم الطب هو بدن الانسان اما موضوع مسائله فهو اجزاء بدن الانسان كاليد والرجل والرأس ولا ريب ان الاجزاء مغايرة للكل مثلا موضوع علم المنطق هى المعقولات الثانوية اما موضوع مسائله فهو الجنس والفصل ولا يخفى ان ظرف المعقولات الثانوية الذهن اما موضوع مسائله فهو الشىء الخارجية فظهر ان موضوع علم المنطق مغاير لموضوع مسائله اما الجواب فنقول ان موضوع علم الطب متحد مع موضوع مسائله لان الموضوع فى علم الطب هو عضو الانسان ولا ريب ان اعضاء الانسان نفس بدن الانسان.

اما علم المنطق فيكون موضوعه المعقولات الثانوية.

ولا يخفى ان المعقولات الثانوية تكون من الخارجيات لان خارجية كل شىء تكون بحسبه اى تفرق الخارجية مثلا الجنس والفصل فتكون الخارجية بمقتضاهما وكذا المعقولات الثانوية تكون خارجيتها بمقتضاها ذكر هنا المؤيد لكون اتحاد موضوع العلم ومسائله اذا قلت هذا علم الاصول او علم النحو او المنطق هل تكون هذه المذكورات أسامي للعلم والادراك هذه المسائل او تكون أسامي لنفس هذه المسائل

٨

او تكون لملكة الاقتدار بهذه المسائل اقول هذه المذكورات تكون أسامي لنفس هذه المسائل لان هذه الاسامى تكون فى حال العلم والجهل اى سواء كان الانسان بهذه المذكورات عالما او يكون جاهلا اما اذا كانت هذه المذكورات أسامي للعلم بالمسائل او لملكة الاقتدار فى هذه المسائل فلا تصدق فى حال الجهل وفى حال عدم ملكة الاقتدار العلم بهذه المذكورات.

وبعبارة اخرى انه اذا كانت هذه المذكورات أسامي للعلم فى هذه المسائل او لملكة يقتدر بها على هذه المسائل فلا تنسب فى حال الجهل هذه الاسامى الى هذه المذكورات مع أنّه تنسب هذه الاسامى مطلقا فثبت ان هذه المذكورات تكون أسامي لنفس هذه المسائل.

قوله : عينا وما يتحد معها خارجا.

والمراد من قوله عينا اما ان يكون بمعنى خارجا واما ان يكون للتاكيد والطبيعى وافراد. اى يكون قوله والطبيعى وافراد عطفا تفسيريا لقوله الكلى ومصاديقه لانه لا يكون الاتحاد بين الكلى العقلى والمنطقى وافرادهما فى الخارج لانه لا وجود لهما الا فى العقل فلا يكون قوله والطبيعى قيدا تخرجيا.

فى مسئلة التداخل

قوله : والمسائل عبارة عن جملة قضايا متشتّتة.

وتكون هذه القضايا لغرض واحد مثلا مسائل علم النحو تكون لصيانة اللسان عن الخطاء اللفظى فى كلام العرب ومسائل علم المنطق تكون للعصمة عن الخطاء فى الفكر ومسائل علم الاصول تكون لاستنباط الاحكام الشرعية الفرعية ويصح ان يكون بعض المسائل من مسائل العلمين لدخل هذه المسألة فى غرض العلمين فتكون هذه المسألة من مسائل التداخل مثلا يبحث من مسئلة اجتماع الامر والنهى فى علم الكلام والاصول وكذا البحث عن الكلمة يكون فى النحو والصرف والمعانى والبيان

٩

وكذا مباحث الالفاظ يبحث منها فى قوانين الاصول وفى علم البيان كالبحث عن الحقيقة والمجاز فيكون ما ذكر من باب التداخل والمراد منه جعل الشيئين او الاشياء بمنزلة شىء واحد كجعل الاسباب المتعددة بمنزلة سبب واحد او جعل المسببات المتعددة بمنزلة مسبب واحد.

واما المراد من التداخل هنا فهو جعل المسألة الواحدة من المسائل العلمين وتعبيره بالفارسية يك مسئلة را مسئلة چند علم قرار دادن كما ذكر ان البحث من الحقيقة والمجاز جعله من مباحث علم الاصول والبيان وكذا بعض المسائل يكون مسائل علم الطبيعى وعلم الطب فانه يبحث من خصائص الجسم فيهما فان قلت من اين يجيء التداخل قلت قد علمت ان المسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتّتة باعتبار دخل هذه المسائل فى الغرض الواحد تسمّى علما واحدا ان لم تكن وحدة الغرض فلم تصح تسمية هذه المسائل علما واحدا اذا كان الامر كذلك فيمكن ان تجعل المسألة الواحدة مسئلة العلمين لدخلها فى غرضهما فثبت التداخل هنا اى جعلت المسألة الواحدة من مسائل العلمين لدخلها فى غرضهما هذا معنى التداخل مثلا مسئلة اجتماع الامر والنهى يبحث عنها فى علم الاصول لاجل الاقتدار على استنباط الاحكام واما فى علم الكلام فيبحث عن هذه المسألة عن الافعال والصفات المبدا اى واجب الوجود مثلا يبحث فى علم الكلام هل يمكن عن الله تعالى ان يجتمع بين الامر والنهى فى شىء واحد.

قوله : فلذا قد يتداخل بعض العلوم.

اى لاجل ان المسائل عبارة عن جملة من قضايا وجمعها الاشتراك فى الدخل فى الغرض اى يكون هذا الغرض سببا لتداخل بعض العلوم فى بعض المسائل.

قوله : لا يقال على هذا يمكن تداخل علمين من تمام مسائلهما الخ.

الحاصل انه اذا كان بين المسائل الجامع فيجوز التداخل فى بعض المسائل والمراد من الجامع اشتراك المسائل فى غرض واحد فيمكن ان يكون بعض المسائل من مسائل العلمين لدخله فى الغرضين ان قلت هل يمكن تداخل علمين فى تمام

١٠

مسائلهما مثلا اذا كان لتمام المسائل الغرضان كما يكون الغرضان لبعض الادوية مثلا بعض الأدوية يستعمل لدفع الداء ووجع الرأس والعين اما فى المقام فهل يمكن تداخل علمين فى جميع المسائل مثلا اذا كانت مائة مسئله ذات غرضين فيجوز جعلها من مسائل علمين قلت لا يصح تداخل علمين فى جميع المسائل عادة اى تداخل علمين فى جميع المسائل عادة محال وان لم يك هذا التداخل محال عقلا مثلا اذا قرأ شخص هذه المسائل لاجل غرضين ولا يقال عرفا وعادة انها علمان بل يقال لها انها علم واحد مثلا شخص يقرأ علوم الطبيعى يكون غرضه معرفة الابدان وشخص الآخر غرضه معرفة الصحة والامراض الحاصل ان المسائل وان كانت المختلفة لكن تصير هذه المسائل واحدة باعتبار الغرض ولاجله دون العلم الواحد ولا يخفى ان المراد من تدوين الكتاب لان المسائل جمعت فيه والمراد من الديوان الكتاب ايضا اى الكتاب تجمع فيه المطالب.

فى تمايز العلوم

قوله : قد انقدح بما ذكرنا ان تمايز العلوم الخ.

توضيح ذلك ذهب المشهور الى ان تمايز العلوم انما يكون بتمايز الموضوعات وتمايز الموضوعات يكون بتمايز الحيثيات مثلا الكلمة موضوع لعلم النحو يبحث عنها من حيث الاعراب والبناء وهى موضوع لعلم الصرف يبحث عنها من حيث الصحة والاعتلال وذهب صاحب الكفاية لى ان تمايز العلوم انما يكون باختلاف الاغراض والجهات التى دون لاجلها العلوم المتعددة مثلا الغرض من علم النحو صيانة اللسان عن الخطاء اللفظى فى كلام العرب والغرض من علم المنطق صيانة عن الخطاء فى الفكر والغرض من علم الاصول استنباط الاحكام الشرعية فعدل صاحب الكفاية عما ذهب اليه المشهور.

اما الوجه لصاحب الكفاية قال إنّه لو كان تمايز العلوم باعتبار الموضوعات لزم تداخل بعض العلوم مع بعض الآخر بعبارة الواضحة ان موضوع علم النحو

١١

الكلمة والكلام وموضوع علم المعانى والبيان ايضا الكلمة والكلام وايضا موضوع علم الصرف الكلمة ولا يخفى ان الموضوع فى هذه العلوم متحد فيلزم على مذهب المشهور ان يكون كلها علما واحدا لاتحاد الموضوع فى هذه العلوم لكنه لا خلاف فى كون كل واحد من هذه العلوم علما مستقلا.

وايضا ان كان تمايز العلوم باعتبار الموضوعات يلزم اشكال الآخر من انه قد علم ان موضوع العلم اتحد مع موضوعات مسائله عينا وخارجا فيلزم على قول المشهور ان يكون كل باب بل كل مسئلة من كل علم علما على حدة مثلا يصدق لباب الطهارة انه علم وكذا باب الصلاة والزكاة وكذا يصدق على الصلاة واجبة انه علم وكذا الصوم واجب وكذا زيد قائم وعمرو كاتب اى ان كان تمايز العلوم باعتبار الموضوعات فتكون الموضوعات فى هذه الابواب والمسائل مختلفة فيصدق على كل هذه الابواب والمسائل العلم اى هذا الباب علم مستقل وكذا باب الآخر ويصدق هذه المسألة علم وكذا مسئلة الاخرى ولكن لا يصدق العلم فى كل واحد من هذه الابواب والمسائل لان الاطلاق كذلك ممتنع عرفا فقد ثبت قول صاحب الكفاية ان تمايز العلم انما هو باختلاف الاغراض.

فى موضوع علم الاصول

قوله : قد انقدح بذلك ان موضوع علم الاصول هو كلى المنطبق على موضوعات مسائله الخ.

اى قال المصنف ان موضوع علم الاصول هو الكلى الطبيعى وقد ذكر فى محله ان الكلى على ثلاثة اقسام اى المنطقى والطبيعى والعقلى مثلا اذا قيل الانسان كلى فهنا ثلاثة اشياء ذات الانسان بما هو انسان ومفهوم الكلى بما هو كلى والانسان بوصف كونه كليا بعبارة اخرى هنا اشياء الثلاثة هى ذات الموصوف مجردا ومفهوم الوصف مجردا والمجموع من الموصوف والوصف.

فان لاحظ العقل نفس ذات الموصوف مثلا لاحظ الانسان بما هو انسان من

١٢

غير التفات الى انه كلى وغير كلى هذا يسمى الكلى الطبيعى ويقصد به طبيعة الشىء وحقيقته وهذا الكلى يتحد مع افراده خارجا كما ذكر سابقا الثانى فانه لاحظ العقل مفهوم الوصف بالكلى وحده وهو ان يلاحظ العقل مفهوم ما لا يمتنع فرض صدقه على كثيرين وهذا يسمى الكلى المنطقى والثالث انه يلاحظ العقل المجموع من الوصف والموصوف بان يلاحظ الموصوف بوصف الكلية هذا يسمى الكلى العقلى لانه لا وجود له الّا فى العقل لاتصاف فيه بوصف العقل فان كل موجود فى الخارج لا بد ان يكون جزئيا حقيقا وذكرت هذه الاعتبارات الثلاث لاجل توضيح موضوع علم الاصول على مذهب صاحب الكفاية اما موضوع علم الاصول على مذهب صاحب القوانين فهى الادلة الاربعة بعد الفراغ عن دليليتها.

واشكل عليه صاحب الفصول بانه لو كان موضوع علم الاصول هى الادلة الأربعة مع الوصف الدليلية فتخرج مباحث الحجة بالكلية عن مباحث علم الاصول لان البحث فيها عن نفس الدليلية لا عن عوارضها وتدخل فى المبادى التصديقية واعلم ان المبادى تنقسم الى تصورية وتصديقية اما التصورية فهى التى توجب معرفة الموضوعات والمحمولات واما التصديقية فهى التى توجب التصديق بثبوت المحمولات لموضوعات وبعبارة اخرى ان المبادى التصديقية هى الادلة التى توجب التصديق بثبوت المحمولات للموضوعات اذا عرفت ما ذكر.

فاعلم انه اذا كان موضوع علم الاصول الأدلة الاربعة مع الوصف الدليلية فيكون البحث عن الادلة التى تثبت الدليلية الدليل والحجية للشيء عن المبادى التصديقية لا عن العوارض الذاتية وقد علم ان المراد من المبادى التصورية هو ما يتوقف عليه تصور الموضوع واجزائه وجزئياته والمراد من الاجزاء ما يتوقف عليه وجود الشىء مثلا وجود الصلاة ليتوقف على الركوع والسجود والقيام والقعود هكذا والمراد من الجزئيات هى افراد الموضوع كصلاة الظهر والعصر والمغرب.

وايضا يكون لعلم الاصول المبادى الخاصة وتسمّى بالمبادى الاحكامية وهى

١٣

التى يبحث فيها من كونها مجعولة استقلالية او انتزاعية ومن حيث اشتراطها بشروط عقلية وغير ذلك ومن هذا القبيل مباحث مقدمة الواجب والنهى عن الضد واجتماع الامر والنهى اى تسمّى هذا المذكورات كلها : المبادى الاحكامية وبناء على ما ذهب اليه صاحب القوانين من ان موضوع علم الاصول هى الأدلة الأربعة مع الوصف الدليلية لا يصح كون هذه المسائل من المباحث العلم الاصول لان بحث المبادى الاحكامية لا يكون عن العوارض الذاتية.

وكذا يخرج البحث عن ظواهر الالفاظ وعن اجتماع الأمر والنهى لان هذه المباحث لا تكون عن عوارض الموضوع بل يكون مثل هذه المباحث البحث عن اجزاء الموضوع بعبارة اخرى تكون هذه المباحث مفاد كان التامة لان البحث عن ظواهر الالفاظ يكون البحث عن الوجود اما البحث عن عوارض الموضوع يكون مفاد كان الناقصة وهذا يكون بعد وجود الموضوع.

وكذا يخرج البحث عن التعادل والتراجيح لانه لا يكون من عوارض الموضوع الى هنا ذكر ما ورد على صاحب القوانين واما صاحب الفصول فذهب الى ان موضوع علم الاصول هى الأدلة الأربعة بما هى هى.

ولا يصح ما ذهب اليه صاحب الفصول ايضا لان يخرج عن مباحث علم الاصول بحث التعادل والتراجيح وكذا البحث عن حجية خبر واحد لان هذه المباحث لا تكون من مباحث الأدلة الأربعة بعبارة اخرى لا تكون هذه المباحث من عوارض الموضوع لان موضوع علم الاصول على رأى صاحب الفصول هى الأدلة الأربعة بما هى هى فلا تدخل هذه المباحث فى مباحث الأدلة الأربعة مع أنّه تكون هذه المباحث من اهم مسائل علم الاصول.

اما صاحب الكفاية فقال لهرب عن الاشكال ان موضوع علم الاصول هو الكلى المنطبق على موضوعات مسائله لا خصوص الأدلة الأربعة بما هى ادلة ولا بما هى هى ولم يسم موضوع علم الاصول اسما خاصا لان وجود المسمى لا يتوقف

١٤

على اسم خاص مثلا يمكن ان يكون ابن لشخص ولم يك له اسم خاص ولكن الابن موجود بدون الاسم وعبر شيخنا الاستاد بالفارسية :

موضوع علم اصول اسم خاص ندارد وشما مى توانيد اسم برآن گذاريد مثلا بگوئيد موضوع علم اصول يك كلى مى باشد يا قواعد كلية مى باشد يا موضوع علم اصول كلا سرخ مى باشد من اين را نوشتم از جهت يادگارى.

فان قلت دائرة السنة موسعة فيشمل البحث عن الأدلة الأربعة بحث حجية الخبر لان السنة تشمل الخبر الواحد قلت لانطلق السنة اصطلاحا على الخبر الواحد لان المراد من السنة قول المعصوم وفعله وتقريره فلا يكون الخبر الواحد من السنة وكذا بحث التعادل والتراجيح اى يكون فى باب التراجيح العمل بالراجح واما فى باب التعادل فيكون العمل بالتخيير فلا يكون هذه المسائل قول المعصوم ولا عمله ولا تقريره. اما الشيخ قدس‌سره فجعل بحث الخبر لوازم السنة وعوارضها فيرجع هذا البحث الى ان السنة هل تثبت بالخبر الواحد ام لا فيدخل الخبر الواحد فى السنة لكن ناقش صاحب الكفاية كما اشار الى هذه مناقشه بقوله هذا غير مفيد فان البحث عن ثبوت ما هو مفاد كان التامة ليس بحثا عن عوارضه لان البحث عن عوارض الموضوع يرجع الى مفاد كان الناقصة.

قوله : لا يقال هذا فى الثبوت الواقعى.

اى هنا من يقول لاستنصار الشيخ قدس‌سره ان الثبوت على القسمين الواقعى والتعبدى والمراد من الثبوت الواقعى ما هو مفاد كان التامة وقد علم ان كان التامة يدل على الثبوت والوجود فى الواقع والمراد من الثبوت التعبدى اى يجب العمل بالخبر الواحد او هل يجب العمل بالخبر الواحد ام لا اذا كان الثبوت على القسمين فيرد الاشكال فى الثبوت الواقعى لان البحث عن ثبوت الموضوع يكون من المبادى التصديقية.

واما اذا كان المراد الثبوت التعبدى فلا يرد الاشكال لان البحث عن الثبوت

١٥

التعبدى يكون عن عوارض الخبر الحاكى للسنة وبهذا التوجيه يصح ان يكون البحث عن الحجية من عوارض السنة فاجاب عن هذا الاستنصار صاحب الكفاية بقوله لا يقال هذا فى الثبوت الواقعى حاصل الجواب انه لا يصح ان يراد من السنة ما يعم الحاكى عنها ولا تطلق السنة على الخبر الحاكى للسنة ولو سلمنا بدخوله فى السنة فيرد هنا اشكال الآخر اى يخرج اكثر مباحث الالفاظ وكذا تخرج المباحث العقلية كبحث عن مقدمة الواجب واجتماع الأمر والنهى لان هذه المباحث لا تكون من مباحث السنة.

الحاصل انه لا يكون لنا الداعى الى جعل موضوع علم الاصول خصوص الأدلة الأربعة حتى يرد الاشكال فاعلم ان موضوع علم الاصول لا يخص الأدلة يعم غيرها كما قال صاحب الكفاية ان موضوع علم الاصول هو الكلى المنطبق على موضوعات مسائله وقال صاحب الكفاية ويؤيد ذلك تعريف علم الاصول بالقواعد الممهدة فان هذا التعريف يشمل مطلق القواعد سواء كانت الادلة الأربعة ام غيرها لكن جعل هذا التعريف مؤيدا لا الدليل لان القواعد معرف باللام يمكن ان يراد منها الادلة الاربعة.

فى اشكال صاحب الكفاية المشهور

قوله : وان كان الاولى تعريفه الخ.

اى اشار المصنف الى ان تعريف المشهور مستلزم للاشكال لانه يشمل القواعد التى تكون لاستنباط الاحكام الشرعية فتخرج الاصول العلمية لان المكلف يرجع اليها ذا كان متحيرا فى مقام العمل فتكون هذه الاصول لعمل المكلف لا الكشف الواقع اى لا نكون هذه الاصول لاستنباط الاحكام وكذا تخرج عن تعريف المشهور الاصول العقلية كالتخيير العقلى.

تنبيه : واعلم انه ذكرت للوصول الى الاحكام طرق كثيرة وبعضها تكون ذاتية كالعلم كما قال الشيخ (قدس‌سره) فى اول الرسائل فنقول لا اشكال فى وجوب متابعة القطع والعمل عليه ما دام موجودا لانه بنفسه طريق فان

١٦

لم يمكن العلم رجع المكلف الى الامارات والاصول العملية والفرق بينهما ان الامارات تكون كاشفا عن الواقع اما الاصول فتكون لاجل عمل المكلف ولاجل ان يخرج المكلف عن التحير واعلم انه اذا لا يمكن العمل بالامارات وصلت النوبة الى الاصول العملية وجعلت فى هذا الكتاب الباب السابع.

الحاصل ان تعريف المشهور لا يكون شاملا للاصول العملية وايضا يخرج عن تعريف المشهور الظن المطلق اذا كانت حجيته من باب حكومة العقل وقد ذكر فى محله ان المراد من الظن المطلق كل ظن قام دليل الانسداد على حجيته واعتباره.

فقد اختلف على القولين قال بعضهم ان حجية هذا الظن تكون من باب حكومة العقل وقال بعض الآخر ان حجيته تكون من باب الكشف والفرق بينهما انه اذا تمت المقدمات الانسداد ان كان الحاكم بحجية هذا الظن العقل فيكون حجيته من باب الحكومة ولا يكون هذا الظن كاشفا عن الواقع ويخرج عن التعريف المشهور لانه لا يكون لاستنباط الاحكام.

واما اذا تمت المقدمات الانسداد فان حكم العقل ان شارع جعل هذا الظن حجة وكاشفا عن الواقع فتكون حجية هذا الظن من باب الكشف اى كشف عن الواقع اذا كان كذلك فيكون لاستنباط الاحكام ويشمل تعريف المشهور هذا الظن ولا يخفى ان العقل يحكم بحجية الظن المطلق سواء كانت حجيته من باب حكومة العقل او من باب الكشف لكن فى صورة الكشف يحكم العقل بان الشارع جعل هذا الظن حجة فظهر أن تعريف المشهور لا يكون جامعا لخروج الظن المطلق اذا كانت حجيته من باب الحكومة لذا قال صاحب الكفاية وان كان الاولى تعريفه بانه صناعة يعرف بها القواعد التى يمكن ان تقع فى طريق استنباط الاحكام او التى ينتهى اليها فى مقام العمل والظاهر ان هذا التعريف يشمل جميع القواعد سواء كانت لاستنباط الاحكام ام كانت لعمل المكلف كاصول العملية ومسئلة حجية الظن من باب الحكومة فيكون هذا التعريف جامعا ومانعا اما تعريف المشهور لا يكون جامعا لخروج الاصول العملية

١٧

وحجية الظن من باب الحكومة فيلزم ان يكون ذكرها من باب الاستطراد اما التعريف الثانى يشمل كل هذه القواعد فلا وجه لالتزام الاستطراد.

فى تعريف الوضع

الامر الثانى الوضع وهو نحو اختصاص اللفظ بالمعنى الخ.

يكون الامر الثانى من المبادى التصورية فاعلم ان المراد من الوضع الشىء الاعتبارى وارتباط خاص بين اللفظ والمعنى فيكون هذا لارتباط باعتبار المعتبر مثلا لفظ زيد وضع لشخص باعتبار الواضع بعبارة اخرى الوضع هو هوية جعلية لا حقيقيه اى مثلا لفظ يحمل على المسمى الخارجى باعتبار المعتبر فيقال لهذا الوضع انه وضع تعيينى اما قسم الآخر من الوضع لا يكون باعتبار المعتبر والواضع بل بكثرة استعمال اللفظ فى المعنى من باب المناسبة العرفية ولا يكون لهذا الوضع معتبر خاص فيسمى الوضع التعينى.

واعلم ان الوضع عبارة من تصور المحمول ومن كون اللفظ علامة للمعنى وعرف بعض ان الوضع تخصيص شىء بشىء بحيث متى اطلق او احس شىء الاول فهم منه الشىء الثانى اى المعنى ولا يخفى ان الوضع نحو من الاختصاص لان الاختصاص على اقسام من الاعتبارى والتكوينى ومن ارتباط الذى يوجد بكثرة الاستعمال

اما المراد من الوضع فى المقام فهو قسم من الاختصاص اى اختصاص الذى يكون باعتبار المعتبر اى المراد من الوضع فى المقام هو الاعتبارى لا التكوينى كارتباط الاب والابن الحاصل انه لا قيمة للفظ قبل اعتبار المعتبر اما اذا قال المعتبر وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى فتوجد القيمة للفظ وايضا توجد القيمة للفظ اذا حصل ارتباط اللفظ والمعنى بكثرة الاستعمال.

١٨

فى تقسيم الوضع

قوله : وبهذا المعنى صح تقسيمه الى التعيينى والتعينى كما لا يخفى.

اى عرف البعض الوضع بانه تخصيص الشىء بالشىء لكن عدل صاحب الكفاية عن هذا التعريف لانه مستلزم تقسيم الشىء الى نفسه والى غيره حاصل وجه العدول ان التخصيص ارتباط اللفظ بالمعنى باعتبار المعتبر فيكون المراد من التخصيص الوضع التعيينى اذا قسم الوضع الذى يكون بهذا المعنى الى التعيينى والتعينى فيلزم تقسم الوضع الى نفسه اى الوضع التعيينى والى غيره اى الوضع التعينى.

لذا عدل صاحب الكفاية عن هذا التعريف وعرف بقوله الوضع هو نحو الاختصاص اللفظ بالمعنى ولا يرد الاشكال المذكور على هذا التعريف لان الاختصاص مصدر فيستعمل بمعنى المصدر واسم المصدر اى يمكن ان يكون الشىء الواحد مصدرا واسم مصدر والفرق بينهما ان المصدر يلاحظ فيه النسبة الى الفاعل واسم المصدر لم يلاحظ فيه النسبة الى الفاعل فان لوحظ الاختصاص من حيث النسبة الى الفاعل اى لوحظ بان الارتباط حصل باعتبار فلان معتبر الخاص فيكون الاختصاص بهذا اللحاظ مصدرا ويراد منه الوضع التعيينى.

واما اذا لم يلاحظ فى الاختصاص النسبة الى الفاعل بل يلاحظ ثبوت الاختصاص والارتباط فيكون ثبوت هذا الارتباط اسم مصدر لانه ثبت بكثرة الاستعمال فيصح بهذا الاعتبار تقسيم الوضع الى التعيينى والتعينى اى باعتبار ان يراد من الاختصاص المصدر واسم المصدر.

ولا يخفى ان الاختصاص والارتباط يكونان من الفاظ المترادفة لذا يعبر عن الوضع بكل منهما ويقسم هذا الارتباط الى افراده من التعيينى والتعينى ولا يرد الاشكال فى هذا التقسم. بقى فى المقام البحث الآخر هو ان العلماء قد اختلفوا فى دلالة الالفاظ هل هى ذاتية او جعلية ووضعية وقد نسب الى البعض كون الدلالة

١٩

الالفاظ على معانيها بطبعها وبذاتها اى كانت هنا الخصوصية فى ذات الالفاظ اقتضت دلالتها على معانيها من دون ان يكون هنا الوضع والتعهد من معتبر وقد انكروا على صاحب هذا القول اشد الانكار لشهادة الوجدان على عدم انسباق المعنى من اللفظ عند الجاهل بالوضع فلا بد فى دلالة الالفاظ من الوضع فقد اختلفوا ان الواضع من هو وقال بعضهم ان الواضع هو الله تعالى وقال بعض الآخران الواضع لا بد ان يكون شخصا من الناس حتى يتبعه جماعة من البشر وقيل يمكن لكل افراد البشر ان يكون واضعا لان الطبيعة البشرية حسب القوة المودعة من الله تعالى فيها تقتضى افادة مقاصد الانسان بالالفاظ فيخترع من عند نفسه لفظا مخصوصا عند ارادة المعنى المخصوص.

فى بيان اقسام الوضع

قوله : ثم ان الملحوظ حال الوضع الخ.

قد ذكر صاحب الكفاية هنا اقسام الوضع الاول الوضع عام والموضوع له عام كاسماء الاجناس الثانى الوضع خاص والموضوع له خاص كالاعلام الشخصية الثالث الوضع عام والموضوع له خاص كاسماء الاشارات والضمائر لان العام مرآة وحاكى عن الخاص فلا اشكال فى امكان القسم الاول والثانى ذاتا ووقوعا لذا مثلوا للاول باسماء الاجناس وللثانى بالاعلام الشخصية.

ولا يخفى ان المراد من الوضع هو الحكم على اللفظ والمعنى ولا يصح الحكم على الشىء الابعد تصوره ومعرفته لانه لا يحكم على الشىء الا بعد معرفته فيتصور الشىء فى القسم الاول بتصور ومعرفة العنوان العام فيجعل هذا العام مرآة وحاكيا للخاص فلا اشكال فى هذا القسم وكذا لا اشكال فى القسم الثانى اى ما يكون الوضع خاصا والموضوع له خاصا فيتصور فى هذا القسم الشىء بتصور العنوان الخاص فيحكم الواضع وضعت هذا اللفظ لهذا المعنى الخاص وكذا لا اشكال فى

٢٠