المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٨

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٨

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٠١

الفصل الرابع

في

الشرائط الكلية

المعتبرة في رعاية هذا النوع

اتفق (١) المحققون على أنه لا بد من رعاية أمور :

الشرط الأول : [أن من أتى بشيء من هذه الأعمال ، ثم يكون شاكا فيه ، لم ينتفع به. والسبب فيه وجوه :

الأول : (٢)] إن تأثيرات أرواح الكواكب أقوى من تأثيرات أجسادها ، فإذا قوى الاعتقاد في صحة الأعمال صارت الأرواح البشرية معاضدة للأرواح العلوية ، كما صارت المواد السفلية معاضدة للأجرام العلوية ، فلا جرم تقوى التأثيرات. أما إذا لم يحصل الاعتقاد القوي ، زالت المؤثرات الروحانية ، وبقيت الجسمانية خالية عن الروحانيات فلا جرم ضعف الأثر ، ولهذا السبب قال بطليموس : «علم النجوم منك ومنها».

والسبب الثاني : إن الروحانيات العلوية مطلعة على ما في قلوبنا ، وكما أن في هذا العالم من راجع ملكا ، والتمس منه شيئا ، ثم أنه ظهر لذلك الملك أن ذلك الرجل لا يثق بقوله ، ولا يلتفت إلى فعله ، فإنه ذلك الملك لا يسعى في تحصيل حاجته. فكذا هاهنا.

__________________

(١) الفصل الرابع في الشرائط الفلكية (ت).

(٢) من (ل).

١٦١

والسبب الثالث : إنه إذا لم يعتقد في صحة تلك الأعمال. فالظاهر : أنه لا يبالغ في جميع تلك الشرائط ، فلا جرم يفوت المقصود.

الشرط الثاني : إنه إذا قرب للأرواح ، أنواعا من القرابين ، ولم يجد منها أثرا. فالواجب أن لا ينقطع عن ذلك العمل ، وأن لا يتركها ، فإن من عرف أنه كيف يمكنه التقرب إلى الملك العظيم [من ملوك الأرض (١)] علم أن تحمل العناء الكثير في هذا العلم : هين. قال «أرسطوطاليس» (٢) : «كنت مشتغلا بهذا العلم صباحا ومساء فإن وجدت أثرا حمدته ، وإن لم أجد الأثر لم أسيء الظن به وإن طالت المدة وتراخت الأيام ورب شيء كان يعسر ، ثم إني كنت ما انقطع عن المطلوب حتى أبلغه» (٣) ويجب أن يكون سبيل الطالب لهذا العلم ، سبيل العاشق ، إذا لم يسامحه معشوقه. وسبيل من أراد الوصول إلى خدمة ملك ولا يقبله ، فإنه يبذل غاية الجهد ، رجاء الفوز بالمطلوب. فههنا أولى.

الشرط الثالث : إن من الناس من يظن أن الإنسان لا ينال إلا ما دل عليه طالعه.

واعلم أن الناس في هذا الباب على ثلاث مراتب :

فالمرتبة الأولى : الذين تدل طوالعهم الأصلية على كونهم مستعدين لهذا العلم. وهؤلاء إذا اشتغلوا بهذا العلم ، وصلوا إلى المطلوب. إلا أنه لما كانت مراتب القوة والضعف غير متناهية في الصلاحية ، كانت مراتب الحصول غير متناهية.

المرتبة الثانية : الذين لم يحصل في طوالعهم [لا ما يعين ، ولا (٤)] ما يمنع [وهؤلاء إن واظبوا على العمل. وصلوا إلى نصيب كامل.

__________________

(١) سقط (ل).

(٢) أرسطالينوس (ل).

(٣) وإن لم أجد للأثر أسيء الظن به ، فقرب كل شيء كان بعيدا ، ثم إني ما كنت ... الخ (ت).

(٤) من (ل).

١٦٢

والمرتبة الثالثة : الذين حصلت في طوالعهم ما يمنع (١) ومراتب الدلائل المانعة غير متناهية ، فكذلك مراتب الامتناع غير متناهية.

واعلم أن الوصول إلى هذا العلم ، يوجب خروج الإنسان من حد الإنسانية ، ودخوله في عالم الملائكية. والكمال في كل شيء عزيز ، ولا سيما في أكمل الكمالات ، وأعلى الدرجات. ولا ينبغي أن يعتقد الرجل : أن كل أحد هو أهل لهذا العلم ، فإذا اشتغل واحد بهذا العلم ، ولم يفز منه بطائل ، فلا ينبغي أن يجعل ذلك دليلا على بطلان هذا العلم. فإنا نرى الحرف الخسيسة ، والصنائع النازلة قد يتعب الإنسان نفسه في تعلمها سنين ، ثم إنه لا يتعلمها كما ينبغي [فإذا كان هذا شاهدا في أخس الحرف ، فكيف الحال في أعلى الصنائع (٢)].

الشرط الرابع : اتفقوا على أن من شرائط هذا العلم : المبالغة في الكمال ، والسبب فيه وجوه :

الأول : إن النفوس الناطقة ، قد ثبت أنها من جنس الأرواح الفلكية ، فتكون مؤثرة. وهذه الصناعة لو تمت ، أفادت السلطنة التامة على الأرواح والأجساد ، فإذا وقف الغير على أن إنسانا اشتغل بهذه الأعمال ، حصلت النفرة الشديدة في قلوبهم ، والرغبة التامة في إبطال تلة الأعمال وإفسادها ، فتبطل تلك الأعمال بالكلية.

والثاني : إن إشاعة هذا العلم : على خلاف مصالح العالم. لأن استيلاء الرجل الواحد على كلية العالم : أمر على خلاف نظام العالم.

الثالث : إن الشيء إذا كان عزيزا بولغ في حفظه وكتمانه ، فعدم المبالغة في الحفظ والكتمان ، يدل على أنه لا وقع له عنده ، وقد بينا : أن ضعف الاعتقاد فيه ، يوهن هذه الأعمال.

__________________

(١) من (ل).

(٢) من (ل).

١٦٣

الشرط الخامس : اتفقوا على أن ممارسة هذه الأعمال في الليل ، أولى منها في النهار. قال «أرسطو» : «إن الشمس سلطان قاهر ، فهو بكمال سلطنته ، يقهر جميع الأرواح ، ولا يقوى شيء منها على الفعل. وأيضا : الحواس في النهار ، تكون مشغولة بالمحسوسات ، فلا تحصل جمعية القلب ، وفي الليل تكون الحواس معطلة ، فكانت جمعية القلب في الليل أكمل (١)».

وقال «هرمس» : «إن خير ما يعمل به العامل ، هو ما يخفى عن أعين البشر وشروق الشمس. لأن عيون البشر جاذبة بروحانيتها قوة النيرنج [وشروق الشمس قوة تبطل قوة النيرنجات (٢)] ثم قال : اعمل نيرنجات القطعية وعقد الشهوة ، ودخنها كلها بالليل ، واحترز فيها عن العيون واللامعة».

الشرط السادس : أجمعوا على أن صاحب هذا العمل ، كلما كان إقباله على أبواب البر والخير أكثر أعماله أكمل ، لأن الغالب على طبيعة العالم هو الخير ، وأما الشر فمغلوب ، فإذا اعتضد عمله بالجانب القاهر الغالب ، كان ذلك العمل : أكمل وأفضل.

الشرط السابع : أن لا يأكل من الحيوانات شيئا ، ويقتصر على الخبز والملح ونبات الأرض. والسبب فيه : أن النفوس البشرية مشغوفة باللذات الجسدانية ، فإذا وصل إليها ، أقبل عليها ، وغاص فيها ، وانصرف عن الجانب الأعلى [وإذا لم يجدها وبقي محروما عنها ، عاد بطبعه إلى الجانب (٣)] الأصلي [والمركز (٤)] الفطري.

الشرط الثامن : أن لا يستعمل الروحانيات في الأشياء الحقيرة ، بل في الأشياء العظيمة الغالية. بحسب ما يليق (٥) به ، وبكل روحاني وأن يحترز عن

__________________

(١) بالمحسوسات فلا تحصل جمعية القلب في الليل أكمل (ت).

(٢) من (ل).

(٣) من (ل).

(٤) من (ل).

(٥) ما يليق بكل روحاني (ل).

١٦٤

الرجوع إليها في كل مراد ، لأن ذلك يشبه سوء الأدب (١) [وقد يؤدي إلى هلاك الطالب (٢)].

الشرط التاسع : أن يكون المباشر لهذه الأعمال جامعا لأمور أربعة :

أولها : أن يكون عالما بالعلوم الإلهية ، متفقها فيها. لأنه يحصل للنفس من هذا العلم ، نوع من القوة ، لا يحصل البتة من سائر العلوم.

وثانية : أن يكون عالما بجميع الأقسام الثلاثة من علم النجوم.

فالأول : أن يكون عالما بهيئة السموات والأرض. فإن علمه بذلك ، مما يفيد انجذاب روحانيته إلى الجانب الأعلى.

والثاني : أن يكون متيقنا من معرفة الزيجات. حتى يمكنه أن يعرف مواضع الكواكب على الحقيقة.

الثالث : أن يكون متبحرا في علم الأحكام ، حتى يمكنه أن يعرف آثار الكواكب ، في حالتي البساطة والتركيب.

والنوع الثالث من العلوم المهمة لصاحب هذه الصناعة (٣) : علم الأخلاق [حتى يكون عالما بأن الأخلاق الفاصلة وأن الأخلاق المذمومة ، ما هي؟ فيمكنه تطهير النفس عن الأخلاق المذمومة ، وتزيينها بالأخلاق (٤)] الفاضلة.

والنوع الرابع من الأمور المهمة في هذا الباب : أن تكون نفسه نفسا حية لا ميتة والمراد من النفس الحية : النفس التي إذا لاح لها شيء من عالم الروحانيات انبعثت واشتاقت واضطرب قلبه وخشعت نفسه.

ولما كان اجتماع هذه الأمور الأربعة في الإنسان الواحد ، كالنادر ، [لا

__________________

(١) السؤالات (ت).

(٢) من (ل).

(٣) لصاحب العلم (ت).

(٤) من (ل).

١٦٥

جرم كان حصول الكمال في هذا العالم كالنادر (١)].

الشرط العاشر : أن يكون صبورا وقورا ، القلب ، قادرا على الجلوس في الأمكنة الخالية ، والمفاوز البعيدة عن الناس ، ويجب أن يكون عطر البدن ، بعيدا عن الأوساخ [والله أعلم (٢)].

__________________

(١) من (ل).

(٢) من (ل).

١٦٦

الفصل الخامس

في

تلخيص الأحول المعتبرة في هذا الباب

قد ذكرنا (١) : أن الطلسم عبارة عن تمزيج الأسباب السماوية الفعالة ، بالأسباب المنفعلة الأرضية ، لإحداث أمر مخالف للعادة ، أو لمنع حدوث أمر يوافق العادة. وإذا كان كذلك ، فهذا العلم إنما يتم بمعرفة الأسباب الفعالة السماوية ، ومعرفة الأسباب القابلة الأرضية. فمن عرف هذين النوعين ، وقدر على الجمع بينهما : وصل إلى غرضه. لأن السبب الفاعل إذا اتصل بالقابل. وجب ظهور الأثر.

وإذا عرفت هذا ، فنقول : الكلام فيه مرتب على قسمين :

أحدهما : في بيان المؤثرات العلوية.

والثاني : في بيان المنفعلة (٢) السفلية.

__________________

(١) الفصل الخامس : في تلخيص الأمور ... الخ : (ل).

(٢) المتممات (ل) ولاحظ أن المؤلف سيقول فيما بعد : القسم الثاني في الأمور التي يجب معرفتها عن الأجسام القابلة السفلية. وفي (ت) الفاعلية بدل القابلة.

١٦٧

القسم الأول من الفصل الخامس

في

تفصيل أحوال المؤثرات العلوية

أعلم (١) : أن الأسباب السماوية : إما الكواكب. وإما النقط (٢) وإما البروج (٣).

النوع الأول

البحث عن أنواع (٤) الكواكب

واعلم : أنها إما سيارة ، وإما ثابتة.

أما السيارات : فقد أطبقوا على أنها مؤثرات في أحوال هذا العالم. وأما الثوابت ، فلقائل أن يقول : إنها أقوى في التأثير من السيارات. ويدل عليه وجوه :

الأول : إنها أقرب في درجة المعلولية (٥) من المبدأ الأول. وذلك يوجب كمال القوة.

والثاني : [إن التي في العظم الأول منها : أعظم جرما من السيارة. إلا الشمس (٦)].

والثالث : إنها أبطأ حركة فتكون مساماتها أدوم ، فتكون أقوى في التأثير. ولقائل (٧) أن يقول [إنه يجب أن تكون (٨)] السيارات أقوى [في

__________________

(١) عبارة (ت) : أما القسم الأول فاعلم ... الخ.

(٢) النقطة (ل).

(٣) وإما البروج. وإما أجزاء البروج (ل).

(٤) أحوال (ل).

(٥) العلوية (ل).

(٦) من (ل).

(٧) ولمجيب أن يجيب فيقول (ل).

(٨) من (ل).

١٦٨

التأثير (١)] ويدل عليه وجوه :

الأول : إنها أقرب إلى هذا العالم من تلك الثوابت.

والثاني : إن الثوابت كاسمها ثوابت. فلا يليق بها أن تكون عللا لهذه الحوادث ، التي هي سريعة التغير في هذا العالم.

والثالث : إن الثوابت لا يتغير نسب بعضها إلى بعض ، لا في الطول ولا في العرض. لأنها مركوزة في كرة واحدة ، بخلاف السيارات ، فإن كل واحدة منها مركوزة في كرة اخرى [ولكل كرة حركة على حدة (٢)] فلا جرم تختلف حركات كراتها في الأطوال وفي العروض. فتحصل النسب المختلفة التي يمكن أن تكون مبادي لحدوث الحوادث في هذا العالم.

والرابع : إن هذه السيارات تمر بتلك الثوابت ، فتمتزج بهذا الطريق أنوار بعض تلك الثوابت بالبعض.

فثبت بهذا الطريق : أن الأهم في عالم النجوم : معرفة طبائع السيارات [ثم بعدها معرفة طبائع الثوابت. واعلم أنه كما أن البحث عن طبائع السيارات (٣)] أهم من البحث عن طبائع الثوابت.

فكذا البحث عن معرفة [أحوال القمر (٤)] أهم المهمات. لأن الأسباب الأربعة المذكورة موجودة فيه :

فالأول : إن أقرب الكواكب إلى هذا العالم : القمر. وآثاره تصل إلى هذا العالم من غير واسطة. وإما آثار سائر الكواكب فإنها لا تصل إلى هذا العالم إلا بواسطة القمر. فوجب أن يكون البحث عن حال القمر ، أهم من غيره.

والثاني : إن أحوال هذا العالم سريعة التغير والدوران. وأحوال القمر أيضا كذلك.

__________________

(١) من (ل).

(٢) من (ل).

(٣) من (ل).

(٤) سقط (ل).

١٦٩

والثالث : إن بسبب سرعة حركة القمر ، تمتزج أنوار الكواكب بعضها بالبعض وبحسب تلك الامتزاجات تختلف حال الآثار الحاصلة في هذا العالم.

والرابع : إن أقوى الفاعلتين هو الحرارة ، وأشد المنفعلتين استعدادا لقبول الأثر هو الرطوبة. ومتى لقي الفاعل القوي في التأثير المنفعل القوي في القبول : قوي الأثر ، وكمل الفعل. فلهذا السبب كان الموجب لحدوث الكائنات تأثير الحرارة في الرطوبة. وينبوع الحرارة هو الشمس. وينبوع الرطوبة هو القمر. فكان الشمس كالأب. والقمر كالأم. وعند اجتماعهما تحدث المواليد. وأما سائر الكواكب فهي كالأعوان. فلهذا السبب وجب الاعتناء بمعرفة أحوال النيرين.

ثم نؤكد ما ذكرناه بوجوه أخرى :

الأول : إن سلطان النهار : الشمس. وسلطان الليل : القمر. والزمان ينقسم إلى هذين القسمين : الليل والنهار.

والثاني : إنهم أجمعوا على أن لطالع الاستقبال والاجتماع أثرا عظيما في أحوال هذا العالم ، ولم يعتبروا أحوال الاجتماع والاستقبال في سائر الكواكب ، مثل ما اعتبروا في النيرين.

والثالث : إن الأطباء أطبقوا على توزيع أمر البخرانات ، على أحوال حركة القمر. وعلى توزيع أحوال المد والجزر في البحار ، على أحوال حركة القمر.

والرابع (١) : إن القمر شديد الاتصال بالشمس. بدليل : أن بيته متصل ببيت الشمس ، وبيت شرفه متصل ببيت شرف الشمس ، بل قالوا : إن شرف الشمس في التاسع عشر من الحمل ، والقمر إذا قارن الشمس ، فإنه لا يصير ممكن الرؤية ، إلا إذا تباعد عنها بمقدار اثنتي عشرة درجة. ولما كانت الدرجات قد تختلف مقاديرها ، بسبب اختلاف المطالع ، جعلوا درجة شرف القمر في

__________________

(١) القسم الرابع (ت).

١٧٠

الثالثة من الثور. وذلك يدل على مناسبة شديدة بينهما.

والخامس : إنهما متشابهان في عظم الجرم ، بحسب الحس.

وإذا عرفت هذا الأصل ، ظهر أن الشارع في هذا العلم ، يجب أن يكون عالما بطبائع ا لكواكب السيارة ، وبطبائع الكواكب الثابتة ، وبكيفية مزج بعضها بالبعض. وأهم المهمات عنده : أن يكون عالما بجميع الأقسام الممكنة في سعودة القمر ، وفي نحوسيته ، وأن يكون عالما بجميع سعادات الكواكب ونحوساتها ، حتى إذا أراد الشروع في عمل ؛ أمكنه أن يراعي حال قوة الكوكب المناسب لذلك العمل ، ويراعي حال القمر ، حتى يكون موصوفا بالصفات اللائقة بذلك العمل.

إذا عرفت هذا فنقول : يجب عليه الاستقصاء في صفات كل واحد من الكواكب في سعودته ونحوسته ، وذكورته وأنوثته ، وحرارته وبرودته. ويجب عليه الاستقصاء في معرفة ما لكل واحد من الكواكب من أقسام المعادن والنبات والحيوان [ومن أقسام أعضاء الإنسان والحيوان (١)] وكلما كان أكثر إحاطة في هذه الأقسام ، كان انتفاعه به أكمل ، وقدرته على هذه الأعمال أصدق.

وأما السيارات : فنقول : الشمس والمريخ حاران يابسان ، لكن الشمس بحرها ويبسها مصلحة والمريخ مفسد. وأمّا المشتري والرأس ، فهما حاران رطبان ، لكن المشتري في غاية الصلاح ، والرأس ليس كذلك. وأما الزهرة والقمر فهما باردان رطبان ، لكن إصلاح الزهرة أكثر. وأما زحل وعطارد والذنب ، فهي باردة يابسة ، إلا أن عطارد مصلح ، وزحل والذنب مفسدان.

وأما الثوابت : فلا شك أن معرفة طبائعها صعبة وذكروا في طريق تحصيل هذه المعرفة وجوها :

الطريق الأول : الاستدلال بألوانها على طبائعها.

فكل كوكب يكون لونه مساويا للون بعض السيارات ، أضافوا طبعه

__________________

(١) من (ل).

١٧١

ومزاجه إليه [وما وجدوا لونه مركبا من لوني كوكبين من السيارة ، أضافوا طبيعته إليهما (١)] قال «زردشت» : «البيابانية (٢) الحمر والصفر والهامات والكمدة والملطخات : كلها نحوس قاطعة».

والطريق الثاني : الاستدلال بأقدارها :

قال «عمر بن الفرخان الطبري» : «إنما يدل على الشرف والرفعة : الكواكب التي في القدر الأول والثاني والثالث. فأما الكواكب التي في القدر الأول ، فإنها تدل على الملك والخلافة. والتي في القدر الثاني فإنها تدل على ما دون ذلك. وكذا القول في التي تكون في القدر الثالث».

وقال «زردشت» : «أجل كوكب في الفلك من البيابانية (٣) : الشعري اليمانية ـ وهي العبور ـ فإنه اتفق كونها على درجة الطالع ، أعطت الملك والمال. وإن اتفق كونها على درجة [وسط السماء أعطت الغلبة والسلطان. وإن اتفق كونها في درجة (٤)] التاسع ، أعطت النبوة. وهي كوكب سعد صرف ، معبود العرب في القديم. وإن البهائم لتسر به إذا رأته ، وطبعه طبع المشتري والزهرة ، لأنه يشبه كل واحد منهما في اللون وفي الحجم».

وقال في كتاب طبقاتنا (٥) : «إن النظر إلى الشعري اليمانية يسكن الحمى الممتزجة من الصفراء والسوداء».

واعلم : أن الذي يمكن اعتباره في صفات الثوابت : مجموع أشياء : أحدها : اللون والثاني : المدار. والثالث : القرب من سمت الرأس ، والبعد منه. فالذي يكون قريبا من سمت الرأس يكون أثره أقوى. ولذلك (٦) قيل : «إن كوكب سهيل ، قوته في بلاد اليمن ، أكثر من قوته في هذه البلاد»

__________________

(١) من (ل).

(٢) الباينانة (و) البائنات (ت) والهمامات والكهدة واللحظات (ت).

(٣) الثابتات (ت).

(٤) من (ل).

(٥) الكتاب (ت).

(٦) تصحيف في (ت) والتصحيح من (ل).

١٧٢

والرابع : قال «هرمس» : «الكواكب البيابانية تعمل في سائر البيوت ، إذا وقعت على درجاتها» [وقال آخرون : إنها لا تؤثر إلا إذا وقفت على أول الطالع والعاشر الأول (١)] ولكني جربتها فلم أجد تأثيرها يقوى إلا إذا كانت على درجة الطالع ووسط السماء. والخامس : قال محمد بن جابر البتاني (٢) : «قد تتصل المتحيرة بالثابتة إذا كان بينهما بعد تسديس أو تربيع أو تثليث أو مقابلة. ولكن لأجل بطء حركات هذه الثوابت ، لا يعتد باتصال المتحيرة بها ، ولا بنظرها إلى بعض الدرجات».

وقال بعض العلماء : «أجمع أهل الصنعة : على أن فعل أحد الثابتة إنما يقوى إذا كان في درجة الوتد ، أو مع بعض السهام ، أو الكواكب السيارة في الدرجة الواحدة ، أما البواقي فضعيفة جدا».

ولنكتف بهذا القدر من أحكام الثابتات.

النوع الثاني

البحث عن أحوال النقط الفلكية المؤثرة

وهي من ثلاثة أنواع :

النوع الأول (٣) : معرفة الرأس والذنب فإنهم أطبقوا على أن لهما آثارا قوية.

[والنوع الثاني : معرفة السهام وأطبقوا أيضا : على إثبات آثار قوية لها (٤)] لا سيما سهم السعادة وسهم الغيب. إلا أن في التحقيق : قوة السهم مستفادة من قوة الكوكبين (٥) اللذين منهما يستخرج ذلك السهم.

__________________

(١) سقط (ل).

(٢) الباياتي (ت).

(٣) النوع الأول : معرفة رأس جوز هو القمر وذنبه ومعرفة الرأس والذنب ... الخ (ت).

(٤) من (ل).

(٥) قوة الكواكب ومنها يستخرج (ت).

١٧٣

والنوع الثالث : النقط التي تنتهي التسييرات (١) إليها ، وقد اتفقوا على أن لها أيضا : آثار قوية :

النوع (٢) الثالث

معرفة طبيعة الفلك

أعلم (٣) أنهم قسموا الفلك إلى أنواع كثيرة :

فالنوع الأول : قسمته نصفين. وقد اعتبروا هذا النوع في القسمة على وجوه كثيرة منها :

الأول : إن أحد نصفي الفلك شرقي [والثاني غربي.

والثاني : إن أحد نصفيه شمالي والثاني جنوبي (٤)].

والثالث : [شمالي (٥)] الصاعد والهابط.

والرابع : ما فوق الأرض وما تحتها.

والنوع الثاني : قسمة الفلك إلى أربعة أقسام :

الربيعي (٦) والصيفي والخريفي والشتوي. وذلك لأنهم وجدوا [السنة تنقسم إلى الفصول الأربعة ، بسبب حصول الشمس في الأرباع الأربعة (٧)] من الفلك ، فلا جرم قسموا أدوار الفلك بأربعة أقسام. ثم لما رأوا لكل فصل : أولا ووسطا ونهاية : قسموا كل ربع إلى ثلاثة أقسام ، فالقسم الأول دور الفلك باثني عشر قسما. والقسم الثاني (٨) : أن الشيء الذي يحدث بعد العدم ، أو

__________________

(١) ينتهي الميزان (ت).

(٢) القسم الثالث في معرفة الفلك (ت).

(٣) الهامش خلفه في ثلاث صفحات.

(٤) من (ل).

(٥) من (ت).

(٦) أربعة أقسام وهي على وجوه الأول الربع الربيعي والصيفي ... الخ (ل).

(٧) من (ل).

(٨) والثاني (ت ، ل).

١٧٤

يظهر بعد الخفاء ، كالولد الذي ينفصل عن بطن الأم ، لا بد وأن يطلع في تلك اللحظة درجة معينة من الفلك. فتلك الدرجة لما ظهرت بعد الخفاء ، كانت مشابهة لأحوال ذلك الولد الذي ظهر بعد الخفاء ، فجعلوا تلك الدرجة دليلا على أحوال ذلك الحادث ، ثم قسموا أدوار الفلك من تلك النقطة باثني عشر قسما. وهي البيوت الموجودة في صورة الطالع. والقسم الثالث (١) : أنهم قسموا الفلك إلى المثلثات الأربعة وهي المثلثة : النارية والأرضية والهوائية والمائية.

والنوع الثالث : قسمة كل برج إلى أقسام كثيرة.

وهذا يقع على وجوه :

الأول : قسمة البروج على منازل القمر. ويجب البحث عن خاصية كل واحد من تلك المنازل. لأن لها قوة شديدة في تركيب الأعمال السحرية.

والثاني : معرفة بيوت الكواكب.

والثالث : معرفة أشراف الكواكب.

والرابع : الحدود وهي قسمة كل برج بأقسام معينة ، وتخصيص كل واحد منها بكوكب معين.

والخامس : الوجوه.

والسادس : الذربحانات.

والسابع : الاثنا عشريات.

والثامن : النهبهرات.

والتاسع : المفرح.

العاشر : الحيز.

والحادي عشر : الدستورية.

والثاني عشر : الأقسام المذكرة والمؤنثة (٢).

__________________

(١) والثالث (ت ، ل).

(٢) عبارة (ت) : «الخامس الذربحات. السادس الاثني عشريات السابع : الشهادات. الثامن المفرح. التاسع الجزء العاشر سودية الثاني عشر الأقسام المذكرة والمؤنثة».

١٧٥

والنوع الرابع : قسمة البروج إلى ثلاثين درجة. ومعرفة طبائع تلك الدرجات وآثارها وكيفياتها.

وللقدماء فيها روايات :

إحداها : ما يروى عن «طمطم الهندي» فإنه يذكر لكل درجة خاصيتها وأسماءها وبخورها وأثرها. فإذا نزلت الشمس في تلك الدرجة ، وجب التبخير ، بذلك البخور ، ودعا صاحب تلك الدرجة بذلك الاسم ، وطلب ذلك الأثر منه.

والرواية الثانية : خواص تلك الدرجات [بحسب ما هو منقول عن «زردشت».

والرواية الثالثة : خواصها (١)] بحسب ما هو منقول عن البابليين.

__________________

(١) من (ل).

لا لاحظ : أن ناسخ مخطوطة (لا له لي) و (طا) يقول : إنه وجد القسم الثالث في معرفة طبيعة الفلك. في المخطوطة التي ينقل منها ، وبعد النقل وجد مخطوطة أخرى فيها القسم الثالث مختلف عن المخطوطة التي ينقل منها. فنقل ما في المخطوطتين للفائدة. وهذا نص المنقول عن المخطوطة الأخرى :

القسم الثالث في معرفة طبيعة الفلك :

واتفقوا على قسمة الفلك من وجوه كثيرة :

فالوجه الأول : قسمة الفلك باثني عشر قسما. والسبب الأقوى فيه : أن الناس وجدوا السنة تنقسم إلى الفصول الأربعة بسبب حصول الشمس في الأرباع الأربعة من الفلك. فلهذا السبب قسموا دور الفلك بأربعة أقسام. ثم وجدوا لكل فصل من الفصول الأربعة : أولا ووسطا ، ونهاية. فلا جرم ، صار دون الفلك مقسوما باثني عشر قسما. واعلم : أن هذا التقسيم يقع على وجهين : الأول : أن يعتبر حاله بسبب البروج. واعلم : أن بسبب تقاطع منقطة الفلك الأعظم ، ومنطقة البروج ؛ حصل نقطتان عليهما التقاطع. وهما نقطتا : الحمل والميزان. ونقطتان هما غايتا المباينة. وهما نقطتا : السرطان والجدي. والاعتدال أشرف من الإفراط ، فنقطتا التقاطع ، أشرف من نقطتي الانقلاب. والحرارة أشرف من البرودة ، فجعلوا نقطتي الاعتدال حارتين ، ونقطتي الانقلاب باردتين. ثم إن اليبوسة أفضل من الرطوبة. لأن اليبوسة عبارة عن المنع من الانفعال ، والرطوبة عبارة : عن الانفعال. فاليبوسة أشرف من الرطوبة. ومعلوم : أن عند انتقال الشمس إلى الحمل ، ينتقل الزمان من الشتاء إلى الربيع ، فتحدث لكلية العالم : الحياة والبهجة. وعند انتقال الشمس من السنبلة إلى الميزان ، ينتقل الزمان من الصيف إلى الخريف ، وهو انتقال من الكمال إلى النقصان. فالحمل أشرف من الميزان. فلا جرم جعلوا الحمل حارا يابسا ، والميزان حارا رطبا. والجدي أشرف من السرطان ، لأن عند ـ

١٧٦

__________________

ـ انتقال الشمس من الجوزاء إلى السرطان ، تأخذ في الهبوط ، ونقصان النهار ، وزيادة الليل ، وعند الانتقال من القوس إلى الجدي ، تنتقل الشمس من الهبوط إلى الصعود ، ومن غاية انتقاص النهار إلى ازدياده. فالجدي أفضل من السرطان. فلهذا جعلوا الجدي باردا يابسا. والسرطان باردا رطبا. فصارت طبائع هذه البروج الأربعة : معلومة.

ثم نقول : الحرارة والبرودة فاعلتان. واليبوسة والرطوبة منفعلتان. والفاعل قوي ، والمنفعل ضعيف. فلو توالى حاران ، أو باردان ، لعظم التسخين أو التبريد ، ولهلك العالم. فوجب أن يحصل برج حار ، ثم برج بارد ، ثم حار ، ثم بارد ، وأما المنفعلتان ، فلو حصل يابس ثم رطب ، لاعتدل كل واحد منهما بالآخر ، ولبطل تأثير كل واحد منهما ، فالأصوب أن يحصل يابسان ، ثم رطبان. وهكذا على الترتيب. وإذا ظهرت هذه المقدمات ، وجب أن يكون الأول حارا يابسا ، والثاني بارد يابسا ، والثالث حارا رطبا ، والرابع باردا رطبا. وكذا القول في الأربعة الثانية والثالثة.

وإذا عرفت هذا فنقول : قد عرفت : أن أربعة منها منقلبة ، وهي أوائل الفصول. والأربعة الثانية : ثابتة ، وهي أوساط الفصول ، والأربعة الثالثة ذوات الجسدين.

والوجه الثاني : في قسمة الفلك باثني عشر قسما : القسمة المبنية على الطالع. وما رأيت لأحد في تعيين هذه البيوت : علة مناسبة. والذي حصلته أن نقول : إن أربعة منها : وهي الطالع والرابع والسابع والعاشر. أما الطالع فإنه يدل على الابتداء في كل شيء. ويقال له : بيت الحياة والنفس. والسبب فيه : أن درجة الطالع ظهرت بعد الخفاء ، كما أن الولد ظهر في هذا العالم بعد الخفاء ، فلما حصلت المشابهة بينهما من هذا الوجه ، لا جرم جعل الطالع دليلا عليه.

واعلم : أن البرهان الأعظم في علم النجوم : هو كون أحدهما مشابها للآخر من بعض الوجوه ، وأما الوتد الثاني وهو الرابع فإنه وتد الأرض ، لأجل أنه تحت الأرض. وله صفات : أحدها : أنه وتد الأرض ، يشبه الأصل الذي منه يظهر الطالع ، ومنه يتولد فلا جرم جعل دليلا على الآباء والأجداد ، ومشايخ أهل البيت. وثانيها : أنهم نسبوا الأملاك والعقارات إليه. وثالثها : أنه لما كان في غاية الخفاء ، نسبوا إليه عواقب الأمور ، لكن العواقب مخفية غير معلومة. وأما الوتد الثالث : وهو السابع. فهو بيت مقابل للطالع ، وهو يدل على المقابل. فلهذا يقال : إنه بيت الأضداد والشركاء والأزواج. وأما الوتد الرابع ، وهو العاشر ، فهو أرفع بيت في الفلك. فلهذا يقال : إنه بيت للسلطان والقوة. ولما كان العاشر سابع والرابع ، وكان الرابع دليلا على الآباء ، كان العاشر دليلا على الأمهات. فهذا هو الحكم على هذه البيوت الأربعة.

واعلم : أنه حصل بيتان أخوان ينظر الطالع إليهما من التثليث. وهذا النظر يفيد كمال المحبة والخير ، وهما الخامس والتاسع ، لكن الخامس تحت الأرض ، والتاسع فوق الأرض. والذي يكون تحت الأرض أقل شرفا مما يكون فوق الأرض. والجسماني أقل طرفا من الروحاني ، والأشرف منسوب إلى الأشرف ، فلا جرم جعلوا الخامس دليلا على ما يفيد الفرج ، بسبب الروحانيات ، فصار الخامس بيت الأولاد والرسل والأخيار والهدايا وغلة البضائع ، وصار التاسع بيت الدين والنبوة والعلم والأفعال الصائبة ، وهو أيضا بيت الأسفار الطويلة. إلا أن هذه الأسفار قد تفيد المنافع العظيمة ، وتفيد تهذيب الأخلاق ورياضة النفس ، والوقوف على الحقائق الخفية.

١٧٧

__________________

واعلم : أنه حصل بيتان أخوان ، ينظر الطالع إليهما من التسديس. فأحدهما ؛ وهو الثالث تحت الأرض. والثاني : وهو الحادي عشر فوق الأرض. وهذا النظر يفيد خيرا قليلا. فلا جرم جعلوا الثالث دليلا على الأخوة والأخوات والأقارب والأصهار. لأن هذه الأشياء قد تفيد نوعا من السرور إلا أنها قد تفيد أيضا أنواعا من المكارة. وأما الحادي عشر ، فلأجل كونه فوق الأرض. يدل على البهجة الروحانية التي لا تكون كاملة ، فلهذا جعلوه بيت الرجاء والأخوان والأصدقاء. فقد ذكرنا حكم هذه البيوت الثمانية.

بقيت أربعة أخرى ، لا ينظر الطالع إليها. وهي الثاني والسادس والثامن والثاني عشر. فنقول : أما الثاني ـ وإن كان ساقطا ـ إلا أنه لا يلي أشرف الأوتاد ، وهو الطالع ، فجعلوه بيت المال ، لأن الإنسان إذا أحدث ، فإنه يحتاج إلى المال الذي به يقدر على تحصيل المهمات. وأما السادس فهو ساقط ، وليس في جوار بيت شريف ، فجعلوه دليلا على الضعف والمرض ، ولأنه في جوار الخامس ، فيدل على أن أشخاص يشبهون الأولاد. إلا أنهم يكونون في غاية السقوط ، وهم العبيد والدواب. وأما الثامن فهو ساقط ، وفي جوار بيت الأضداد ، فيدل على الموت والهلاك. وأيضا : لما جعلنا السادس دليلا على أول الشر ، وهو المرض ، وجب جعل الثامن دليلا على تمام حصول الشر ، وهو الموت. وأيضا : فالثامن بيت مال الضد والعدو ، وذلك يناسب موت الإنسان. وأما الثاني عشر ، فهو ساقط ومع ذلك فهو آخر البيوت. ونهايتها. والشيء عند بلوغه إلى آخر مراتبه : يضعف ويحصل له الهموم. فعلمنا : أنه بيت الأعداء والمخالفين ، والغموم والسجن ، والسفلة والدواب. فهذا هو الذي تكلفناه في معرفة تعليل هذه البيوت.

ومن نظر في كلام غيرنا في هذا الباب ، عرف أن الذي ذكرناه ، وإن كان متكلفا ، فهو خير مما ذكره غيرنا. وإذا عرفت هذا فنقول : يتفرع عليه فروع :

الفرع الأول : إن هذه البيوت الاثني عشر منقسمة ، بحسب الأوتاد الأربعة أقسام وفي كل قسم منها يقع الابتداء بالوتد ، وهو يدل على الحال الحاضرة ، وعلى القوة والتمام ، وما يلي الأوتاد على بعض التمام ، والزائل وعلى الفوت. الفرع الثاني : الفرح أن يكون عطارد في الطالع ، والقمر في الثالث ، والزهرة في الخامس ، والمريخ في السادس ، والشمس في التاسع ، والمشتري في الحادي عشر ، والمريخ وزحل في الثاني عشر. النوع الثاني : قسمة الفلك بالمثلثات. والنوع الثالث : قسمة كل برج بالحدود تارة ، وبالوجوه ثانيا ، وبالذربحان ثالثا ، وبالنميهرات رابعا ، وبالنهبهرات خامسا ، وبالاثني عشريات سادسا ، والسابع : يجب اعتبار حال منازل القمر ، فإن بعضها يصلح للأعمال السحرية ، وبعضها لا يصلح لها.

وفي أيدي الناس : كتاب يقولون : إنه لهرمس. وهذه الأحوال مشروحة فيه جدا. والثامن. يجب اعتبار حال كل واحد من الدرجات الثلاث مائة والستين. وشرح أحوال هذه الدرجات فيه روايات : إحداها : ما ينقلونه عن طمطم الهندي. والثانية : ما ينقلونه عن زرادشت. والثالثة : ما أصلحه أحمد بن عبد الجليل السجزي. والتاسع : معرفة أصحاب الساعات النهارية والليلية. ويقال : إن المدبر لكل واحد من تلك الساعات المخصوصة : روح معين في الفلك ، وله اسم معين. والعاشر : أن يعرف أحوال كل واحد من السيارات بحسب كل ـ

١٧٨

واعلم أنه لا سبيل إلى تمييز حقها عن باطلها ، إلا بالتجربة.

فهذه جملة الأحوال التي يجب على الساحر معرفتها ، حتى يمكنه الخوض في عمل من الأعمال السحرية.

وليكن هاهنا آخر كلامنا في تعريف الأمور التي يجب تحصيل العلم بها من الأسباب الفاعلية الفلكية.

القسم الثاني من الفصل الخامس

في

الأمور التي يجب معرفتها عن الأجسام القابلة السفلية

نقول : إن أصحاب الأحكام أثبتوا لكل كوكب معنى من الطعوم والروائح ، والأزمنة والأمكنة ، والأشكال والصور. فإذا أراد الإنسان تحصيل أمر من الأمور ، علم أن ذلك العمل لا يصدر إلا من الكوكب الفلاني ، فحينئذ يسعى في تقوية ذلك الكوكب من جميع الوجوه التي قد بيناها ، ثم يجمع بين جميع الأمور المناسبة لذلك الكوكب من القوابل السفلية ، فإذا اجتمعت هذه القوابل حال كون ذلك الكوكب قوي الحال ، ظهر التأثير. لا محالة.

فهذا هو الكلام الكلي : ونذكر بعد ذكر [أمور تتعلق بالتفاصيل : فنقول : جميع الأمور التي اعتبروها في هذا الباب ، بعد ما ذكرناه (١)] أشياء :

فالنوع الأول : [اتخاذ التماثيل المناسبة للجنس (٢)].

[ومعناه :] أنه إذا حل الكوكب في برج مناسب للعمل ، وفي درجة

__________________

ـ واحد من هذه البروج والبيوت ، حال بساطتها ، وحال امتزاجها بغيرها.

وأهم المهمات : أن يجمع جميع مناحس القمر ، وأن يعرف جميع أقسام سعاداته. فهذا ضبط ما يتعلق بمعرفة الأدلاء الفلكية. أ. ه.

(١) من (ل).

(٢) من (ل).

١٧٩

مناسبة [له فعند طلوع تلك الدرجة ، يجب أن يتخذ فيه تمثال من الجنس الذي يناسب ذلك الكوكب من الأجساد السبعة ، ويبالغ في تجويد صنعته. وطريق ذلك : أن يكون قد هيأ بين يديه آلة التفريغ ، وإذابة الجسد. فإذا حضر الوقت المعين ، أفرغه في القالب الذي أعده له ، وليكن ذلك الإنسان عند ذلك العمل منفردا لا يكون معه غيره ، وليبخر بالبخورات المختصة بذلك الكوكب. وإن أردت عمل خاتم فليكن فصه من جوهر ذلك الكوكب ، ومما له خاصية في تحصيل ذلك المطلوب. ومثاله : إذا أردت عمل طلسم لإيقاع العداوة ، فقصدت عطارد في برج مناسب ، ودرجة مناسبة (١)] ونظير من كوكب مناسب لهذا العمل ، ولما علمت : أن عطارد يدل على [حجر اللازورد (٢) فاتخذ من الفصوص ما كان أزرق في اللون ، وعلمت : أن حجر الخماهن له خاصية في إيقاع العداوة (٣)] فاتخذ الفص منه ، وانقش عليه الصورة المناسبة لذلك المطلوب. وهي : صورة إنسانين يقتتلان ، ثم استعمل بخورات عطارد فيه.

وإن أردت عمل طلسم لإيقاع بلاء بإنسان وتمريضه ، فاطلب حلول زحل في الدرجات المناسبة لهذا العمل ، واتخذ تمثالا على هيئة ذلك الإنسان ، واعتمد في ذلك الوقت أن تفسد عضوا من أعضائه ، وموضعا من جسده فإنك إذا فعلت ذلك ، فسد ذلك العضو من ذلك الإنسان.

فذلك هو الكلام في اتخاذ التماثيل والخواتيم.

ومن الناس من طعن في هذا النوع من العمل. وقال : إنه عبث لا فائدة فيه. بل الاقتصار على المناسبات النجومية ، والأوهام النفسانية : كافية. قال جابر (٤) بن عبد الله بن حيان : «هذا الطعن غلط ، لأن حدوث تلك الصورة عند طلوع ذلك الكوكب يجري مجرى ولادة الولد ، عند طلوع الكوكب ، فكما أن هناك تسري قوة الكوكب الطالع ، والدرجة الطالعة في ذلك المولود ، فكذا

__________________

(١) من (ل).

(٢) الحجر الأزرق (ت).

(٣) من (ل).

(٤) جابر بن حيان (ل).

١٨٠