المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٥

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٥

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ١٨٩

السطوح المتصلة ، قد ارتفع عنا تحته دفعة [واحدة (١)] فإذا لم يكن في ذلك السطح الصغير شيء من المنافذ امتنع أن يقال : الجسم دخل في منافده ، والثاني أيضا باطل. لأن انتقال تلك الأجسام من الجوانب إلى الوسط ، إما أن لا يعتبر فيها مرورها بالطرف ، وهو ظاهر الفساد ، أو يعتبر فيه ذلك. وحينئذ لا يخلو إما أن يقال إنه : حين يكون في الطرف يكون في الوسط أيضا ، وهو ممتنع. لأن الجسم الواحد لا يحصل دفعة واحدة في حيزين ، أو يقال : إنه حين يكون حاصلا في الطرف ، لا يكون حاصلا في الوسط. وحينئذ يلزم أن يقال : إن حين كان ذلك الجسم حاصلا في الطرف ، كان الوسط خاليا. وهو المطلوب.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : إنه كلما (٢) ارتفع أحد السطحين عن الآخر ، فإن الفاعل المختار يخلق في ذلك الوسط جسما. وحينئذ لا يلزم القول بالخلاء؟ أو يقال : إنه كلما ارتفع أحد السطحين عن الآخر فإن الأجسام المحيطة بهما تتخلخل ويزداد عظمها ، ويمتلئ الوسط بها في الحال؟

والجواب. أما الأول فمدفوع من وجهين :

الأول : إن الفاعل المختار لا يقول به الفلاسفة.

والثاني : يلزم الدور المذكور ، وذلك لأن صحة إحداث الجسم هناك ، مشروط بارتفاع أحد ذينك السطحين عن الآخر ، لئلا يلزم تداخل الأجسام ، فلو جعلنا صحة ارتفاع أحد ذينك السطحين عن الآخر مشروطة بإحداث ذلك الجسم ، لزم الدور. وأما القول بازدياد مقادير الأجسام المحيطة بذينك السطحين فهو باطل. لوجهين :

الأول : هذا المذهب باطل على ما بيناه في باب الحركة.

والثاني : هو أنا نقول : هب أن هذا الازدياد ممكن ، إلا أن طرف ذلك

__________________

(١) سقط (س).

(٢) كما كان (م).

١٦١

الجسم المتخلخل ، لا بد وأن يمتد (١) من الخارج إلى الداخل ، فحين يكون طرفه متصلا بطرف ذينك السطحين ، يكون الوسط خاليا عنه ، وحينئذ يحصل المطلوب[والله أعلم(٢)].

الحجة الخامسة : إن الإنسان قد ينفخ في الزقّ نفخا شديدا بحيث لا يمكنه أن يزيد على ذلك النفخ ، ثم يسد رأس ذلك الزق سدا وثيقا ، ثم إنه بعد ذلك لو حاول غرز المسلّة الواحدة فيه أو الأعداد الكثيرة من المسلات في ذلك الزق ، أمكنه ذلك. ولو لا أنه حصل في داخل ذلك الزق [المنفوخ (٣)] خلاء كثير ، وإلا لما أمكن ذلك ، لأنه [يلزم (٤)] تداخل الأجسام. فإن قيل : لعل المسلة إنما نفدت في ذلك الزق ، لأن عند حصول ذلك الغرز ، يتمدد جرم الزق [ويتسع ، فيحصل لتلك المسلة مكان في داخل ذلك الزق (٥)] المنفوخ ، أو يقال : لعله حصل عند غرز المسلة في الزق ، خروج بعض أجزاء الهواء المنفوخ فيه من مسام ذلك الزق. وحينئذ يتسع داخل ذلك الزق لنفوذ المسلة فيه. أو يقال : ثبت أن الأجسام قابلة للتخلخل والتكاثف ، فلعل عند غرز المسلة تكاثف ذلك الهواء المنفوخ في الزق وانقبض ، فحصل للمسلة المغروزة في ذلك الداخل مكان. وإذا كانت هذه الاحتمالات قائمة ، امتنع الاستدلال بإمكان غرز المسلة في الزق المنفوخ على حصول الخلاء داخل ذلك الزق.

والجواب عن الأول. إنا نفرض الكلام فيما إذا بالغ الإنسان في تمديد الزق ، قبل أن ينفخ فيه ، ثم بالغ في النفخ مبالغة لا يمكنه أن يزيد عليها. فههنا لا شك أن أجزاء الزق قد تمددت بسبب المبالغة في التمديد أولا ، والنفخ ثانيا. فلو حصل بسبب غرز المسلة فيه تمدد أزيد مما كان ، لما حصل ذلك إلا بعد قوة شديدة وتكلف عظيم. لكنا نعلم بالضرورة أنه لا يحتاج في هذا الغرز إلى قوة شديدة ، فبطل هذا الاحتمال.

__________________

(١) يكون (س).

(٢) سقط (م).

(٣) سقط (ط).

(٤) سقط (س).

(٥) سقط (ط) ، (س).

١٦٢

وأما قوله ثانيا : لعل عند غرز هذه المسلة ، خرج بعض أجزاء الهواء من مسام الزق.

فجوابه : أن تلك الأجزاء لما لم تخرج عند المبالغة الشديدة في النفخ ، وجب أن لا تخرج أيضا عند هذا الغرز ، إلا عند القوة الشديدة في هذا الغرز.

ومعلوم أن هذا الغرز مما لا يحتاج إلى هذه القوة الشديدة. فصار هذا الاحتمال مدفوعا.

وأما قوله ثالثا : إن الهواء المحصور في داخل الزق المنفوخ ، لعله يصير متكاثفا منقبضا. فجوابه : أن القول بالتكاثف والتخلخل (١) باطل على ما قررناه في باب الحركة [والله أعلم (٢)].

الحجة السادسة : إن القارورة قد تمص ، ثم تكب على الماء ، فيتصاعد الماء إليها ، ولو كانت بعد المص مملوءة كما كانت قبل ذلك المص ، لوجب أن لا يتصاعد الماء إليها بعد المص ، كما لا يتصاعد الماء إليها قبل المص. فإن قالوا : إن بسبب المص خرج بعض ما كان في القارورة من الهواء ، ثم ازداد حجم البقية ازديادا امتلأت القارورة منه ، إلا أن ذلك الازدياد كان قسريا ، حاصلا بسبب المص ، فلما كبت القارورة على الماء ، زال القاسر فعاد ذلك الهواء إلى مقداره الطبيعي ، الذي كان حاصلا أولا فتصاعد الماء إلى داخل القارورة ، لأجل ضرورة الخلاء.

قلنا (٣) هذا باطل من وجوه :

الأول : إن القول بالتخلخل والتكاثف باطل محال على ما قررناه (٤).

والثاني : [هب (٥)] أن ذلك ممكن إلا أنا نقول : إن عند حصول هذا

__________________

(١) والانقباض (م ، ت).

(٢) سقط (م).

(٣) والجواب (م ، ت).

(٤) سبق تقريره (م ، ت).

(٥) سقط (س).

١٦٣

التخلخل [لزم القول (١)] بحدوث الذات ، وليس هذا عبارة عن حدوث [الصفة فقط(٢)] لأن الجسم إذا ازداد حجمه ومقداره. فكل جزء من أجزاء ذلك [المنبسط (٣)] المتخلخل [فهو ذات (٤)] قائمة بالنفس كسائر الأجزاء. وأيضا : فجميع تلك الأجزاء المفترضة في ذلك الجسم متشابهة بالماهية والطبيعة والحقيقة ، فعند زوال القاسر ، أو التقلص والقبض (٥) كان ذلك إشارة إلى عدم بعض تلك الأجزاء دون البعض. وهذا باطل. لأن تلك الأجزاء لما كانت متساوية (٦) في تمام الماهية لم يكن [عدم بعضها أولى من عدم الباقي (٧)] فإما أن يفنى الكل وهو محال ، أو يبقى الكل ، وحينئذ يلزم أن تبقى القارورة مملوءة كما كانت [وحينئذ (٨)] يجب أن لا يتصاعد الماء إليها بعد المص كما كان لا يتصاعد الماء إليها قبل المص.

والوجه الثالث في دفع هذا السؤال : أن نقول : ذكر الشيخ الرئيس أن «الهيولى ليس لها في حد ذاتها [وحقيقتها (٩)] : حجمية ولا مقدار فكانت نسبتها إلى جميع المقادير على السوية» هذا كلامه.

ونحن نقول : إذا كان الأمر كذلك امتنع أن يقال : إن بعض المقادير بالنسبة إلى تلك المادة ، طبيعي لها ، وبعضها قسرى لها. لأن نسبة جميع المقادير إليها على السوية. وإذا كان الأمر كذلك ، فهذه الحجمية الحاصلة عند المص وعند التخلخل تكون طبيعة لتلك المادة ، فوجب أن تبقى وأن لا تنتقص عند إكباب القارورة على الماء [والله أعلم (١٠)].

__________________

(١) كان ذلك عبارة عن (م ، ت).

(٢) الصفات (م ، ت).

(٣) من (م ، ت).

(٤) أسير إليه كان ذاتا (م ، ت).

(٥) لو تقلص وانقبض (س ، ط).

(٦) متشابهة متساوية (م ، ت).

(٧) اختصاص بعضها بالعدم وبعضها بالبقاء أولى من العكس (م ، ت).

(٨) من (م ، ت).

(٩) سقط (ط).

(١٠) سقط (م).

١٦٤

الحجة السابعة : إن الآنية الصلبة النحاسية إذا أملئت من الماء ، ثم سد رأسها سدا وثيقا ، ثم سخنت بالنار القوية فإنها تنشق. وما ذاك إلا أنه أزداد حجم ذلك الماء ، فلم يتسع داخل ذلك الإناء [له (١)] فانشقت الآنية.

ونقول : ذلك الازدياد إما أن يكون لأجل أن نفد فيه شيء من الخارج [وانضاف إلى ما كان فيه فصار المجموع زائدا ، أو يقال : إنه لم ينضم إليه من الخارج (٢)] بل صار حجمه ومقداره أزيد مما كان ، أو يقال : إنه وقعت الفرج والخلاءات في داخله ، فصار حجم المجموع بهذا السبب أزيد مما كان. والقسمان [الأولان (٣)] باطلان ، فبقي الثالث وهو المطلوب. أما القسم الأول وهو أنه نفد فيه من الخارج جسم آخر ، فهذا لا يوجب الانشقاق. وذلك لأن داخل الآنية إن كان متسعا لتلك الزيادة ، فحينئذ لا يلزم الانشقاق ، وإن لم يكن متسعا لتلك الزيادة فحينئذ لا يحصل النفود البتة ، وإذا لم يحصل النفود لم يحصل الانشقاق.

وأما القسم الثاني وهو القول بازدياد الحجم ، فهو باطل كما سبق تقريره فيما تقدم [ولما فسد (٤)] هذان القسمان بقي الثالث. وهو أنه إنما حصل الانشقاق ، لأنه وقعت الفرج الخالية في داخل ذلك الماء ، فصار حجم ذلك المجموع بهذا السبب أزيد مما كان. وذلك يوجب القول بالخلاء (٥).

الحجة الثامنة : إنا نأخذ قارورة ضيقة الرأس ، وننفخ فيها نفخا شديدا ، ثم نضع الإبهام بعد قطع النفخ على فمها سريعا ، لئلا يخرج منها الريح الذي نفخناه فيها ، فإذا غمسناها في الماء [وأزلنا الإبهام (٦)] عن رأسها ، ظهرت في الماء نفاخات وبقابق. وذلك لأن الريح الذي أدخلناه في

__________________

(١) من (س).

(٢) سقط (م).

(٣) سقط (م).

(٤) وإذا ظهر فساد (م ، ت).

(٥) وذلك القول باطل (م ، ت).

(٦) ونزيل الإصبع (م ، ت).

١٦٥

القارورة بسبب النفخ الشديد ، يخرج عنها ، ويشق سطح الماء [عند الصعود (١)] فلا جرم تظهر النفاخات والبقابق. وذلك يدل على أنا أدخلنا في تلك القارورة عند النفخ من الهواء ، ما لو لا النفخ لما دخل فيه ، ولو كانت القارورة مملوءة من الهواء لما أمكن إدخال هواء أزيد فيه.

والجواب الذي يذكرونه من حيث التخلخل والتكاثف ، فقد عرفت ضعفه وسقوطه. [والله أعلم (٢)].

الحجة التاسعة : وهي في غاية القوة [أن نقول (٣)] : إنا سنقيم الدليل اليقيني على أن الأجسام المحسوسة ، مركبة من أجزاء ، كل واحد منها يقبل القسمة الوهمية ، ولا يقبل القسمة الانفكاكية البتة. ونقيم الدلالة أيضا على أنه يجب أن يكون شكل كل واحد منها الكرة. وإذا ثبت بالبرهان اليقيني صحة هاتين المقدمتين ، لزم أن يقال : إن تلك الأجزاء الكرية عند ائتلافها وتلاقيها ، يحصل فيما بينها : الخلاء لأن الكرات المضمومة بعضها إلى بعض ، لا بد وأن يحصل فيما بينها : الفرج والمنافذ والخلاءات. وهذا البرهان يقيني ، بعد إثبات تينك المقدّمتين المذكورتين. وسيأتي إن شاء الله تعالى تقريرها بالوجوه اليقينية ، في مسألة الجوهر الفرد. والله أعلم.

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) سقط (م).

(٣) سقط (م).

١٦٦

الفصل السادس

في

حكاية دلائل

نفاة الخلاء والجواب عنها

احتجوا بوجوه :

الحجة الأولى : إن الخلاء الذي يفترض بين طرفي الطاس ، أصغر من الخلاء الذي يفترض بين جداري (١) الصفة ، وهذا الخلاء أصغر من الخلاء الذي يفترض بين جدارى المدينة ، وهذا الخلاء أصغر من الخلاء الذي يفترض بين السماء والأرض. فهذا الخلاء قابل للمساواة والمفاوتة (٢) فهو : موجود ، وبعد ، ومقدار. وذلك المقدار إما أن يكون [مقدارا (٣)] قائما بنفسه ، مستقلا بذاته مغايرا لمقدار المتمكن ، بحيث ينفذ فيه مقدار المتمكن ويداخله ، وإما أن لا يكون كذلك ، بل ليس ذلك المقدار [إلا مقدار (٤)] المتمكن والأول يوجب تداخل الأبعاد ، وذلك محال. فبقي الثاني ، وإذا ثبت هذا ، ظهر أن الذي يظن أنه خلاء ، فهو ليس بخلاء ، بل هو جسم. فيكون الخلاء : ملاء ، ولهذا المعنى قال الحكيم أرسطاطاليس : «الخلاء كاسمه خلاء» يعني : أنه لفظ خالي عن مفهوم (٥).

__________________

(١) طرفي (م).

(٢) واللامساواة (م).

(٣) سقط (ط ، س).

(٤) من (س).

(٥) عن المعنى الصحيح (م ، ت).

١٦٧

الحجة الثانية : إنه لو حصل الخلاء ، لكان كون الجسم ساكنا فيه : محالا. ولكان كونه متحركا فيه : محالا. ومتى كان الأمر كذلك ، امتنع كون الخلاء مكانا للجسم. إنما قلنا: إن الخلاء يمتنع كونه مكانا للجسم المتحرك وللجسم الساكن. وذلك لأن الخلاء إما أن يكون عدما محضا ، ونفيا صرفا ، على ما يقوله المتكلمون. أو يكون بعدا متشابه [الأجزاء والجوانب (١)] على ما هو قول القدماء من الحكماء. وعلى التقديرين فلا اختلاف بين أجزائه وأبعاضه البتة ، وإذا كان كذلك ، امتنع أن يسكن الجسم [في جزء من أجزائه (٢) و] جانب من جوانبه. [لأن الجسم لو بقي مستقرا فيه طالبا له لازما للبقاء فيه (٣)] مع كونه مساويا لسائر الجوانب والأطراف ، يلزم رجحان أحد طرفي الممكن على الآخر لا لمرجح ، وهو محال.

فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال : إن الفاعل المختار يخصص ذلك الجسم بذلك الحيز المعين بقصده واختياره؟ فنقول : إن كان ذلك الحيز المعني موصوفا بأمر ، لأجله صار أولى بتخصيص ذلك الجسم به ، عاد الطلب في أن ذلك الحيز ، كيف اختص بذلك المرجح؟ وإن لم يوجد هذا المرجح ، كان رجحان القصد إلى تخصيص ذلك [الجسم به (٤)] دون سائر الجوانب ترجيحا للممكن من غير مرجح [وأيضا (٥)] فيمتنع أن يتحرك الجسم فيه. لأن الحركة عبارة عن ترك حيز ، وطلب حيز آخر. وذلك لا يتم إلا بأن يكون ذلك الحيز مخالفا لذلك الحيز ، في أمر من الأمور ، وإلا لكان تخصيص أحد [الجانبين بالهرب ، والآخر بالطلب ، رجحانا (٦)] للممكن من غير مرجح. وهو محال. فثبت : أن بتقدير حصول الخلاء يمتنع كون الجسم ساكنا فيه ، ويمتنع كونه متحركا

__________________

(١) من (ط ، س).

(٢) سقط (ط ، س).

(٣) لأن اختصاصي الجسم بالسكون فيه مع كونه ... الخ (م).

(٤) سقط (م ، ت).

(٥) من (س).

(٦) أحد الحيزين بتركه ، وتخصيص الحيز الآخر بطلبه ، ترجيحا للممكن ... الخ (ت ، م).

١٦٨

فيه. وإذا كان كذلك ، وجب القطع بأنه يمتنع أن يكون الخلاء مكانا للجسم [والله أعلم(١)].

الحجة الثالثة : [لو قدرنا وجود (٢)] الخلاء ، لكانت حركة الجسم فيه ، إما أن [تكون واقعة (٣)] في زمان ، أو لا في زمان. والقسمان باطلان ، فالقول بحصول الخلاء باطل. إنما قلنا : إنه يمتنع وقوعها في زمان ، لأن الجسم إذا تحرك في مسافة ، فكلما كان الجسم الحاصل في تلك المسافة أرق ، كانت الحركة فيها أسرع. ويدل عليه : التجربة والقياس. فأما التجربة فظاهرة ، لأن رسوب الحجر في الماء ، أسهل وأسرع من رسوبه في الدهن والدبس. وأما القياس فلأن انخراق الرقيق ، أسهل من انخراق الغليظ.

وإذا ثبتت هذه المقدمة فنقول : لنفرض أن المتحرك قطع عشرة أذرع من الخلاء ، في ساعة واحدة ، وقطع عشرة أذرع من المسافة المملوءة من الماء في عشر ساعات. فعلى هذا التقدير يكون زمان الحركة في الخلاء ، عشر زمان الحركة في الماء. ثم لنفرض ملاء آخر ، أرق من الماء. بحيث تكون رقته أزيد من رقة الماء عشر مرات. فإذا كان صغر زمان الحركة بحسب زيادة رقة الملاء الحاصل في المسافة وجب أن يكون في هذا الملاء الرقيق ، عشر زمان الحركة في الماء. وقد كان زمان الحركة في الخلاء ، عشر زمان الحركة في الماء. فيلزم : أن يكون زمان الحركة في هذا الملاء الرقيق ، مثل زمان الحركة في الخلاء ، فتكون الحركة مع العائق ، كهي لا مع العائق.

وأيضا : إذا فرضنا ملاء آخر أرق من ذلك ، كان زمان الحركة فيه أقل من زمان الحركة في الخلاء ، فتكون الحركة مع العائق أسرع منها [حال عدم (٤)] العائق. هذا خلف.

فيثبت بما ذكرنا : أنه لو صح القول بوجود الخلاء ، لامتنع أن تكون

__________________

(١) سقط (م ، ت).

(٢) لو صح القول بوجود (ت ، م).

(٣) تقع (م ، ت).

(٤) من غير (م ، ت).

١٦٩

الحركة الواقعة (١) فيه ، واقعة في زمان. وإنما قلنا : إنه يمتنع وقوع تلك الحركة [إلا (٢)] في زمان ، لأن كل حركة فعلى مسافة منقسمة ، فيكون وقوع [النصف الأول منها (٣)] قبل وقوع النصف الثاني منها. وذلك لا يتقرر إلا مع الزمان. فيثبت : أنه لو صح القول بوجود الخلاء ، لكانت حركة الجسم فيه ، إما أن تقع في زمان أو لا في زمان ، وثبت فساد القسمين ، فوجب أن يكون القول بالخلاء : باطلا.

الحجة الرابعة : إنه ثبت بالبرهان : أن الحجر إذا رمى قسرا [إلى فوق (٤)] فهو إنما يتحرك ، لأن (٥) المحرك القاسر أوجد فيه قوة محركة إلى فوق. وثبت : أن تلك القوة إنما تبطل بمصادمات الهواء الذي في تلك المسافة. إذا ثبت هذا فنقول : لو كانت تلك المسافة خالية لما حصلت المصادمات ، فكان يجب أن لا تفتر تلك القوة [ولا تبطل (٦)] وكان يجب أن لا يرجح الحجر المرمي ، إلا بعد وصوله إلى سطح الفلك. ولما كان ذلك باطلا ، علمنا : أن هذه المسافة غير خالية.

الحجة الخامسة : الإناء الذي يكون ضيق الرأس ، وكان في أسفله ثقبة ضيقة. إذا جعل مملوءا من الماء ، فإن فتح رأسه نزل الماء ، وإن سد لم ينزل. وليس ذلك إلا لامتناع الخلاء. (٧)

الحجة السادسة : الأنبوبة إذا غمس أحد طرفيها في الماء ، ومص الطرف الآخر منه ، صعد الماء ، مع أنه ليس من شأن الماء الصعود ، وما ذاك إلا لأن سطح الهواء ، ملازم لسطح الماء. فإذا مص الهواء ، انجذب ، فتبعه الماء. وكذلك اللحم يرتفع [عند المص في محجمة الحجام (٨).

الحجة السابعة : إنا إذا أدخلنا رأس أنبوبة في داخل قارورة ، وأحكمنا

__________________

(١) الحاصلة (م).

(٥) لأن المحرك إفادة قوة تحركه إلى فوق (م ، ت).

(٢) سقط (ت ، م).

(٦) سقط (م) وفي (م) تضعف بدل تفتر.

(٣) نصفها (م).

(٧) ليس ذلك لامتناع الخلاء (م ، ت).

(٤) سقط (م).

(٨) يرتفع في الرأس بحجمة الحجامة (ت).

١٧٠

الخلل الذي بين عنق الأنبوبة وعنق القارورة ، بشيء يسد الخلل. فإن جذبنا هذه الأنبوبة بحيث لا يدخل الهواء الغريب في القارورة ، انكسرت القارورة إلى داخل ، وذلك لأجل امتناع الخلاء ، وإذا أدخلنا الأنبوبة في باطن القارورة إدخالا أكثر مما كان. انكسرت القارورة إلى خارج. وذلك لأن القارورة كانت مملوءة ، فإذا أدخلنا الأنبوبة فيها ، لم تحتملها ، فانشقت القارورة إلى الخارج.

الحجة الثامنة : لو كان الخلاء ممكنا ، لجاز في بعض القوارير والأواني أن تكون خالية ، فكان يجب إذا نكسناها وغمسناها في الماء ، واعتمدنا عليها ، أن يتصاعد الماء إليها من غير أن يخرج منها شيء من الهواء ، حتى لا تظهر البقابق والنفاخات ، ولما لم يكن الأمر كذلك ، علمنا أن الخلاء غير حاصل في داخل العالم [والله أعلم (١)].

والجواب عن الحجة الأولى : إنها بناء على أن الحيز ، والمكان يمتنع أن يكون عبارة عن أبعاد قائمة بأنفسها ، مستقلة بذواتها. إلا أن الكلام في هذا الباب قد سبق على الاستقصاء ، فلا فائدة في الإعادة.

والجواب عن الحجة الثانية : أن نقول : إن هذه الحجة مبنية على مقدمات :

فأولها : أنه لو حصل الخلاء ، لكان ذلك الخلاء غير متناه. ولقائل أن يقول : ألستم قلتم : إنه ليس خارج العالم لا خلاء ولا ملاء؟ فلم لا يجوز أن يقال أيضا : الخلاء الموجود مقدار متناه ، وهو المقدار الذي يحصل فيه جسم العالم ، وأما الخارج عنه فلا خلاء ولا ملاء؟ [وعلى هذا التقدير فإنه (٢)] لا يمكنكم أن تقولوا : لم حصل العالم في هذا الجز من الخلاء دون سائر الأجزاء؟ فإن قالوا : كل من أثبت الخلاء قال : إنه غير متناه. فنقول: فعلى هذا التقدير يخرج هذا الكلام عن أن يكون حجة برهانية. بل يصير قصاراه : أن يكون إلزاما على قول الخصم.

__________________

(١) سقط (م).

(٢) وعند هذا (م ، ت).

١٧١

المقدمة الثانية : إن الأجزاء المفترضة في هذا الخلاء : متشابهة. فنقول : ولم قلتم : إن الأمر كذلك؟ ولم لا يجوز أن يقال : بعض أجزاء هذا الخلاء مخالف بالماهية للبعض] فلا جرم (١) [كان حصول هذا العالم في بعض تلك الأجزاء ، أولى من حصوله في الباقي؟ [وتقريره (٢)] : أن الخلاء موجود يمكن فرض الأبعاد الثلاثة فيه ، ولا يلزم من اشراك أجزاء الخلاء في قابلية الأبعاد ، اشتراكها في تمام الماهية. لما ثبت أن الاشتراك في [الأحكام (٣)] واللوازم لا يدل على الاشتراك في [ماهيات (٤)] الملزومات.

المقدمة الثالثة : هب أن أجزاء الخلاء متشابهة في تمام الماهية. لكن لم لا يجوز أن يقال : الفاعل المختار خصص (٥) العالم ببعض أجزاء الخلاء دون البعض ، بمجرد الإرادة؟ وحينئذ يرجع هذا الكلام إلى البحث عن المقدمة المشهورة المذكورة في مسألة [الفرق بين القادر وبين الموجب. وقد تقدم ذلك بالاستقصاء (٦)].

المقدمة الرابعة : هب أن القول بالفاعل المختار باطل [عندكم (٧)] إلا أنا نشاهد أن كل واحد من الأجسام الحيوانية والنباتية والمعدنية مختص بصورة معينة وحيز معين [ومقدار معين (٨)] مع أنه لا يمتنع في العقل حصول خلاف ما وقع. فاختصاص كل واحد من هذه الأجسام [بصفاته المعينة (٩)] إما أن يكون (١٠) [لأنه وقع ذلك من غير مرجح. أو إن كان لا بد من مرجح ، إلا أن

__________________

(١) سقط (ط).

(٢) وتمام الكلام فيه (س).

(٣) سقط (ط) ، (س).

(٤) سقط (ط) ، (س).

(٥) خصص تحصل العالم (م).

(٦) القدم وتمام الكلام فيه سيأتي في تلك المسألة (م ، ت).

(٧) من (س ، ط).

(٨) من (س).

(٩) بصفاتها الحاصلة (م ، ت).

(١٠) إما أن يكون لا لمرجح أو لمرجح هو الفاعل المختار (س ، ط).

١٧٢

ذلك] المرجح هو الفاعل المختار. أو إن كان ذلك المرجح موجبا [بالذات (١)] إلا أن كل حادث ، فإنه مسبوق بحادث آخر ، وكأن الحادث المتقدم ، أعد المادة لقبول الحادث المتأخر. وعلى هذا الترتيب يكون قبل كل حادث ، حادث آخر (٢) لا إلى أول. [وبالجملة (٣)] فإذا عقلنا هذه الاختصاصات في هذه الأجسام ، لأحد هذه الأقسام ، فلم لا يجوز مثله في اختصاص كل العالم الجسماني لموضع معين من الخلاء ، الذي لا نهاية له؟ وذلك أن يقال : إنه حصل في ذلك الحيز المعين ، لا لمرجح [أو لمرجح هو الفاعل المختار (٤)] أو لأجل أن هذا العالم كان قبل أن حصل في هذا الحيز ، حاصلا في حيز آخر من الخلاء ، وكأن حصوله في ذلك الحيز من الخلاء ، أعد له لأن يتنقل منه إلى هذا الحيز الثاني من الخلاء وهكذا لا إلى أول (٥) : أن كل ما يقولونه في الأعراض المعينة ، الحاصلة في الأجسام السفلية ، فنحن [نقول مثله (٦)] في اختصاص كلية العالم بالجزء المعين من الخلاء.

والجواب عن الحجة الثالثة : من وجوه :

الأول : أن نقول : الحركة لما هي هي ، إما أن تكون مفتقرة إلى الزمان ، أو لا تكون كذلك ، بل يكون افتقارها إلى الزمان ، ليس إلا لأجل ما حصل في المسافة من المقاومة. والثاني باطل لوجوه :

أحدها : إن الحركة من حيث إنها حركة ، لا يمكن حصولها إلا على مسافة منقسمة ، فيكون وجود النصف الأول منها ، سابقا في الوجود على النصف الثاني منها. وإذا كان الأمر كذلك ، ثبت : أن الحركة من حيث هي هي مفتقرة إلى الزمان.

__________________

(١) من (م).

(٢) سقط (ط).

(٣) سقط (م).

(٤) أو يقال : حصل فيه مخصص الفاعل المختار (م ، ت).

(٥) وهكذا لا إلى (س ، ط) وبدل العبارة الأولى في (م ، ت) والصحيح : وهكذا ، لا إلى أول.

(٦) سقط (م).

١٧٣

والثاني : إن حركات الأفلاك لا عائق لها في مسافاتها ، فوجب وقوعها لا في زمان.

والثالث : إن (١) من شرط تحقق ماهية الشيء ، أن لا يحصل معها ما يكون عائقا عنها ، وإذا كان كذلك ، فلنفرض الحركة خالية عن كل العوائق ، فيلزم على هذا التقدير وقوعها لا في زمان. وذلك محال. فثبت بهذه الوجوه : فساد القسم الثاني ، فتعين أن يكون الحق هو القسم الأول ، وهو أن الحركة من حيث إنها حركة ، تستدعي قدرا من الزمان.

وإذا ثبت هذا [الأصل (٢)] فنقول : الحركة الواقعة في مسافة عشرة أذرع تستدعي قدرا من الزمان ، بسبب كونها حركة ، ثم إن حصل في تلك المسافة شيء من العوائق ، فحينئذ تستدعي تلك الحركة قدرا آخر من الزمان ، بسبب ما في تلك المسافة من العائق. ثم إن الزمان المستحق بسبب ما في المسافة من العائق هو الذي يقصر [بسبب (٣)] لطافة ذلك العائق ، ويعظم بسبب كثافته. وإذا ظهر هذا فنقول : الحركة الواقعة في الخلاء : واقعة في ساعة واحدة ، وهي الزمان الذي يستحقه هذا القدر من الحركة ، لأجل أنها حركة فقط. وأما الملاء الذي رقته أزيد من رقة الماء عشر مرات ، فإن الحركة تقع فيه [في ساعة واحدة وتسعة أعشار ساعة (٤)] أما الساعة الواحدة فبسبب أصل الحركة ، وأما تسعة أعشار الساعة فبسبب ما في المسافة من العائق الضعيف.

وبالجملة : فالمحال الذي ألزموه ، إنما يتم لو جعلنا الزمان كله في مقابلة العائق ، أما إذا جعلنا بعض الزمان في مقابلة أصل الحركة ، وبعضه في مقابلة العائق ، كانت الحركة الواقعة في الخلاء الصرف ، واقعة في ذلك الزمان تستحقه الحرة ، لما هي هي. وأما الحركة الواقعة في الملاء ، فإنها واقعة في ذلك الزمان مع مقدار آخر من الزمان ، الذي يستحق بسبب ما في المسافة من

__________________

(١) إنه ليس من شرط (م ، ت).

(٢) سقط (م).

(٣) سقط (ط).

(٤) في ساعة وعشر ساعة (م ، ت).

١٧٤

المعاوقة. فيثبت : أن الإلزام الذي أوردوه غير لازم.

السؤال الثاني على هذه الحجة : أن نقول : إنهم ذكروا أن الحركة الواقعة في الخلاء تقع في قدر معين من الزمان ، والحركة الواقعة أيضا في الماء ، تقع في قدر آخر من الزمان ، ولا شك أن لزمان الحركة في الخلاء ، إلى زمان الحركة في الماء نسبة ، فلنفرض وجود معوقة نسبتها إلى المعاوقة الحاصلة في الماء ، كنسبة زمان الحركة في الخلاء إلى زمان الحركة في الماء. فنقول : إنهم مطالبون ببيان أن حصول معاوقة على هذه النسبة ، أمر ممكن الحصول. فما الدليل عليه؟ وتقريره : أن الحكماء أقاموا الدلالة على أن المسافة قابلة للقسمة. إلى غير النهاية. وإذا كان الأمر كذلك ، لزم منه أن تكون الحركة قابلة للقسمة إلى غير النهاية. وإذا كان كذلك فلا زمان ، إلا ويمكن فرض زمان آخر ، أصغر منه.

وأما مراتب المعاوقة بسبب الشدة والضعف ، فهم ما أقاموا برهانا على أنها غير متناهية ، وما أقاموا برهانا على أنه لا معاوقة ، إلا وجود معاوقة أخرى أضعف من الأولى إلى غير النهاية. وإذا لم تثبت هذه المقدمة بالبرهان ، فحينئذ لا يثبت لهم بالبرهان [إمكان (١)] وجود معاوقة نسبتها إلى المعاوقة الحاصلة في الماء كنسبة زمان الحركة التي في الخلاء إلى زمان الحركة التي في الماء. فيثبت : [أن القوم تسلموا هذه المقدمة (٢)] من غير حجة ولا برهان. فكان الكلام المبني عليها مختلا (٣).

فإن قالوا : الدليل على أن مراتب المعاوقة بحسب الشدة والضعف غير متناهية : هو أن المعنى الموجب لهذه المعاوقة ، صفة حالة في الجسم. والجسم منقسم أبدا ، فالحال فيه يكون منقسما أبدا. ولا شك أن قوة المعاوقة القائمة بالجزء ، أضعف من قوة المعاوقة القائمة بالكل. وبهذا الطريق ثبت أن مراتب المعاوقات في القوة والضعف غير متناهية. فنقول : لم لا يجوز أن يكون تأثير تلك الصفة في اقتضاء حصول المعاوقة موقوفا على مقدار معين ، بحيث لو

__________________

(١) سقط (س).

(٢) هذه المقدمة يسلمونها (م ، ت).

(٣) سقط (ط ، س).

١٧٥

انتقص ذلك المقدار ، لم يبق ذلك الاقتضاء البتة؟ ومع هذا الاحتمال يسقط ما ذكروه.

والذي يحقق ما ذكرنا : أن الرياح العاصفة تهدم الجبال ، وتقلع الأشجار ، ثم لم يلزم من [حصول (١)] الرياح الضعيفة [اللينة (٢)] أن يحصل منها قلع شيء من الأشجار ، وهدم شيء من الأحجار. فكذا هاهنا.

السؤال الثالث : هب أنه يلزم في تلك الحركة أن يكون حالها عند الخلو عن المعاوق ، مساويا لحالها عند حصول المعاوق الضعيف. فلم قلتم : إن ذلك باطل؟ [وبيانه : أن المعاوق (٣)] إذا ضعف جدا ، صار وجوده كعدمه ، ألا ترى أن الحجر الذي يقدر العشرون على تحريكه ، لا يلزم أن يقدر الواحد على تحريكه بوجه ما. فههنا جزء المؤثر لم يبق مؤثرا ، لا في القليل ولا في الكثير [فلم لا يجوز أيضا أن يقال : إن جزء العائق لا يبقى عائقا لا في القليل ولا في الكثير (٤)؟ وهذا السؤال كأنه عند التقرير لا يتم ، إلا بالاستعانة بالسؤالين المتقدمين.

والجواب عن الحجة الرابعة من وجهين :

الأول : أن نقول : المسافة التي بين السماء والأرض ، كلها خالية عن جميع الأجسام. بل نقول : أكثر هذه المسافة مملوءة من الأجسام الهوائية ، والأجسام النارية. وذلك يكفي في أن تصير مصادماتها سببا لفتور القوة القسرية.

والوجه الثاني : أن هذه الحجة [إن دلت فإنما (٥) تدل على حصول الملاء ، لا على أن الملاء واجب الحصول [وأن الخلاء ممتنع الخلاء (٦)].

والجواب عن الوجوه الأربعة الباقية : إن تلك الوجوه ، إنما تفيد هذا

__________________

(١) القوة (ت ، م).

(٥) سقط (م).

(٢) سقط (م).

(٦) لو صحت فهى إنما (م ، ت).

(٣) سقط (م).

(٤) وذلك لأن (م ، ت).

١٧٦

المطلوب ، لو أقاموا البرهان القاطع على أنه لا سبب لتلك الأحوال العجيبة ، إلا امتناع الخلاء. والقوم ما فعلوا ذلك. فكان ذلك الوجه ضعيفا. ثم إنا نعارضها بالوجوه المناسبة لها ، الدالة على حصول الملاء (١) وقد ذكرناها في دلائل المثبتين للخلاء. وهذا آخر الكلام في هذه المسألة. والله أعلم.

__________________

(١) الخلاء (م ، ت).

١٧٧
١٧٨

الفصل السابع

في

تفاريع القول بالخلاء

وهي فروع (١) :

[الفرع الأول : اتفق جمهور القدماء على أن الخلاء لا يقبل العدم البتة.

واحتجوا عليه بوجهين :

الأول : إن كل ما كان ممكنا ، فإنا لا يلزم من فرض وقوعه محال ، فلنفرض أن الخلاء قد عدم ، فنقول عند وقوع هذا الفرض : هل يتميز جانب اليمين عن جانب اليسار ، وجانب الفوق عن جانب التحت ، أو لا يتميز؟ والثاني باطل بالبديهة ، لأن القول بحصول حالة ، وفرض أخرى لا يبقى معها هذا الامتياز : أمر لا يقبله العقل ، ولا يتصوره الخيال [وقول من يقول : إنه من حكم الوهم ، ومن عمل الخيال : فقد أبطلناه فيما تقدم (٢)] ولما بطل هذا القسم (٣) ثبت أن الحق هو القسم الأول ، وهو أن عند فرض عدم هذا الخلاء ، لا يكون امتياز اليمين عن اليسار ، والفوق عن التحت : حاصلا. وإذا كان كذلك ، فهذه الأبعاد الخالية أمور يلزم من فرض عدمها ، فرض

__________________

(١) وهي أمور : (س) فرعان (ت).

(٢) سقط (ط ، س).

(٣) القسم الثالث (م).

١٧٩

وجودها. وكل ما كان كذلك ، كان فرض عدمه محالا. فيثبت : أن فرض عدم هذا الفضاء (١)] وهذا الخلاء أمر لا يقبله العقل البتة ، فكان ذلك موجودا واجب الوجود لذاته.

الوجه الثاني في تقرير هذا القول : وهو أن العقل لا يستبعد زوال الجبال والبحار عن أحيازها ، ولا يستنكر أيضا عدمها وفناءها في أنفسها. فإما أن يقال : إن هذه الأحياز الخالية والفضاء الخالي يفنى ويبقى. وهذا أمر لا يتصوره العقل ، ولا يقبله الخاطر. فيثبت : أن الأمر كما ذكرناه. وأما أهل التحقيق من العلماء فإنهم قالوا : هذه الأبعاد ممكنة الوجود لذواتها ، وكل ما كان كذلك [فإنه من حيث إنه هو (٢)] يكون قابلا للعدم.

أما بيان أنها ممكنة الوجود لذواتها ، فلوجهين :

الأول : إنه ثبت بالبرهان أن واجب الوجود لذاته ، لا يكون إلا واحدا.

والثاني : أن هذا الخلاء منقسم ، وذلك لأنه يمكن أن يقال : الخلاء من هاهنا إلى هناك : ذراع ، ومن هاهنا إلى موضع آخر أبعد من الأول : ألف ذراع. فثبت : أن الخلاء قابل للقسمة والتجزئة. وكل منقسم : ممكن. على ما قررنا في الفصول السالفة. فيثبت : أن هذه الأبعاد ممكنة الوجود. ولا شك أن كل ممكن ، فإنه قال للعدم.

الفرع الثاني : القائلون بأن العالم محدث لا بد وأن يقروا بأن هذا الفضاء قبل حدوث العالم : كان فضاء متشابها. أعني أنه ما كان جانب منه فوقا ، وجانب آخر تحتا. لأن الفوقية والتحتية لا يعقل حصولهما إلا عند حصول جسم آخر. فإذا لم يوجد شيء من الأجسام البتة ، امتنع اختلاف أجزاء الفضاء بالفوقية والتحتية ، بل كان متشابه الأحوال بالكلية [والله أعلم (٣)].

__________________

(١) سقط (ط) ، (س).

(٢) سقط (ط).

(٣) سقط (م).

١٨٠