المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٤

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣١

مقدورا له. فنقول : هذا [الترك] (١) لا يجوز أن يكون عبارة عن العدم الأصلي المستمر ، لوجهين :

الأول : إن العدم نفي محض ، والقدرة صفة مؤثرة ، فامتنع كون القدرة مؤثرة في العدم.

الثاني : إن العدم الأصلي باق. والقدرة لا تأثير لها في الباقي. لما ثبت أن تحصيل الحاصل محال. فيثبت : أن الترك يمتنع أن يكون عبارة عن عدم الفعل ، فوجب أن يكون عبارة عن فعل [ضد (٢)] الشيء. وإذا ثبت أنه تعالى قادرا في الأزل. فهو في الأزل ، إما أن يكون فاعلا للعالم ، وإما أن يكون تاركا له. فإن كان الأول ، لزم قدم العالم ، وإن كان الثاني لزم قدم ضد العالم. وبتقدير أن يكون الأمر كذلك ، فإنه يمتنع دخول العالم في الوجود إلا عند زوال ذلك الضد الأزلي ، فيكون هذا قولا بجواز العدم على القديم. وهو يبطل كلامكم.

السؤال الرابع : وهو أنه لو كان العالم حادثا ، لكانت صحة حدوثه مستمرة من الأزل إلى وقت حدوثه. لما دللنا على أن تلك الصحة يمتنع [أن يكون (٣)] لها أول. ثم إذا حدث العالم ، لم تبق صحة حدوثه. لأنه الشيء بعد حدوثه لم يبق صحيح الحدوث ، وإلا لزم أن يصدق على الموجود ، أنه يمكن أن يصير موجودا ، وذلك باطل. فيثبت : أن تلك الصحة حكم أزلي ، مع أنها قد زالت.

السؤال الخامس : لو كان العالم حادثا ، لكان حدوثه ، لأجل أنه تعالى أراد إحداثه في ذلك الوقت. فإما أن يقال : إنه تعالى كان في الأزل [مريدا (٤)] لأن يحدثه في ذلك الوقت المعين ، أو ما كان موصوفا بهذه الإرادة

__________________

(١) من (ط ، س)

(٢) من (ت)

(٣) من (ط ، س)

(٤) من (ت)

٣٠١

في الأزل. والثاني باطل ، وإلا لافتقر حدوث تلك الإرادة إلى إرادة أخرى ، وذلك باطل. فيثبت : أنه تعالى كان في الأزل مريدا لإحداث العالم في ذلك الوقت ، وإذا جاء ذلك الوقت ، وأحدثه فيه. فهل بقي مريدا لإحداث العالم في ذلك الوقت ، أو ما بقيت تلك الإرادة؟ والأول باطل. وإلا لزم أن يقال : إنه بقي مريدا ، لإحداث الموجود في الوقت المتقدم. وذلك باطل. فيثبت : أن تلك الإرادة [ما (١)] بقيت ، مع أنها كانت أزلية. فإن قالوا : ذات الإرادة باقية ، إلا أن ذلك التعلق المخصوص ، وتلك الإرادة (٢) المخصوصة ، قد بطل وزال. فنقول : الجواب ما ذكرناه في تقرير السؤال [الثاني (٣)] والله [أعلم (٤)]

السؤال السادس : زعمت الأشعرية : أن حكم الله قديم. ثم زعموا : أن أمر الله وحكمه قابل للنسخ. ولا معنى للنسخ : إلا انتهاء الحكم ، أو زواله. وعلى التقديرين : فذلك يقتضي عدم الأزلي.

السؤال السابع : عدم العالم وعدم مؤثرية قدرة الله تعالى [في العالم (٥)] إما أن يكون واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته. فإن كان الأول امتنع زواله البتة ، فكان يجب أن لا يوجد العالم البتة. هذا خلف. وإما إن كان ممكنا. فإما أن يكون له مرجح ، أو لا يكون. فإن كان الأول ، فقد جوزتم الرجحان في طرف العدم لا لمرجح. فلم لا يجوز مثله في طرف الوجود؟ وإن كان الثاني ، فذلك] المرجح إما أن يكن مختارا أو موجبا. وجميع ما ذكرتموه من التقسيمات في علة الوجود ، عائد في علة العدم الأزلي ، سواء بسواء [من غير تفاوت (٦)] فيثبت : أن الدليل الذي ذكرتموه ، إن دل على أن الوجود (٧) الأزلي ، ممتنع

__________________

(١) من (ط)

(٢) من (ت)

(٣) من (ط)

(٤) من (ت)

(٥) من (ط ، س)

(٦) من (ت)

(٧) الموجود (ط)

٣٠٢

الزوال. فهو بعينه أيضا يدل على أن العدم الأزلي ، ممتنع الزوال. ولو صح هذا ، لوجب كون العالم قديما أزليا ، على ما سبق تقريره. وحيث فسد هذا ، علمنا : أن الأزلي جائز الزوال.

فهذه الأسئلة السبعة جارية مجرى النقوض على الذي ذكرتموه في تقرير : أن الأزلي لا يزول.

ثم إنا بعد هذه النقوض ، نعترض على الدليل الذي ذكرتم : فنقول ما (١) الدليل على أن القديم لا يصح عليه العدم؟

قوله : «هذا الأزلي ، إما أن يكون واجبا لذاته ، أو ممكنا لذاته. فإن كان واجبا لذاته ، لزم القول بوجوب دوامه ، وإن كان ممكنا ، افتقر إلى مؤثر [وذلك المؤثر (٢)] إما موجب أو مختار» فنقول : صحة وجود العالم ، إما أن تكون واجبة لذاتها ، وإما أن تكون ممكنة لذاتها. فإن كانت واجبة لذاتها ، وجب كونها دائمة الثبوت ، فيكون صحة وجود العالم ، حاصلة في الأزل. ودليلكم يوجب امتناع وجود العالم في الأزل. والصحة والامتناع متناقضان (٣) فلما ثبت [القول (٤)] بدوام الصحة ، فسد القول بثبوت الامتناع في الأزل ، ولئن جاز أن يقال : الصحة واجبة الثبوت لذاتها ، مع أنها غير دائمة. فلم لا يجوز أيضا : أن يقال : إن ذلك القديم واجب الثبوت لذاته ، مع أنه غير دائم الثبوت؟ وأما إن كانت هذه الصحة ، ممكنة الثبوت لذاتها. فنقول : حدوث هذه الصحة ، إما أن يكون لمؤثر أو لا لمؤثر. والأول باطل. لأن كل ما حصل بمؤثر ، فعند فرض عدم ذلك المؤثر ، يرتفع ذلك الأثر ، فعند فرض عدم ذلك المؤثر ، يلزم أن لا يبق الممكن ممكنا في نفسه ، بل ينقلب ممتنعا لذاته. وذلك باطل. والثاني يوجب القول بأن تلك الصحة حصلت بعد عدمها ، لا لمؤثر. وإذا جاز ذلك ، فلم لا يجوز أن يقال : إن ذلك الأزلي يصير معدوما ، بعد أن

__________________

(١) أما (ت)

(٢) من (ط)

(٣) متنافيان (ط)

(٤) من (ت)

٣٠٣

كان موجودا ـ لا لمؤثر. وهذا سؤال غامض.

السؤال الثاني : أن نقول : إن كان الموجود الممكن ، لا بد له من علة ، فالعدم الممكن أيضا لا بد له من علة. فعدم وجود العالم في الأزل ، وعدم موجودية الله [تعالى (١)] في الأزل ، لا بد له من علة. ويعود التقسيم المذكور فيه ، إلى آخره.

السؤال الثالث : لو كان العالم حادثا ، لكان حدوثه مختصا بوقت معين. فالفاعل الذي خصص إحداثه بذلك الوقت [المعين (٢)] إن امتنع منه أن يحدثه في غير ذلك الوقت، فحينئذ يكون موجبا بالذات ، لا فاعلا بالاختيار. ثم يلزم من كونه موجبا بالذات ، قدم العالم. وأما إن جاز من ذلك الفاعل ، أن يحدث العالم في ذلك الوقت ، وأن يحدثه في غيره ، بدلا عن الأول. فحينئذ إما أن يكون ذلك الترجيح (٣) موقوفا على المرجح ، أو لا يكون كذلك. والأول باطل ، لأن الكلام في اختصاص ذلك الوقت بذلك المرجح ، كالكلام في اختصاصه بذلك الحادث ، ويعود الطلب فيه بعينه ، ويمر إلى ما لا نهاية له. فيبقى القسم الثاني ، وهو أن يقال : اختصاص ذلك الوقت بهذا الأثر : رجحان لا لمرجح. فنقول : إذا جاز هذا ، فلم لا يجوز أيضا : أن يعدم القديم بعد وجوده لا لمرجح ، ولا لمخصص؟ فإنه ليس أحد البابين أظهر امتناعا وفسادا عند العقل من الثاني (٤)

السؤال الرابع : سلمنا أن ذلك القديم ، لو عدم بعد وجوده ، فلا بد له من مرجح. فلم لا يجوز أن يكون ذلك المرجح [قادرا (٥)؟] قوله : «كل ما كان فعلا ، لفاعل مختار فهو محدث» قلنا : هذا معارض بالوجوه الكثيرة المذكورة في بيان أن استناد الأثر إلى المؤثر غير مشروط بالحدوث.

__________________

(١) من (ت)

(٢) من (ط ، س)

(٣) ترجيحا (ت)

(٤) الآخر (ط)

(٥) من (ت)

٣٠٤

السؤال الخامس : سلمنا أن ذلك المؤثر موجب ، فلم يلزم من دوامه : دوام المعلول؟ بيانه : أن [المؤثر (١) أالموجود لا يبعد أن يتوقف تأثيره في معلوله على شرط عدمي. ألا ترى أن الثقل يوجب نزول الثقيل ، بشرط عدم السلسلة العائقة عن النزول ، وأنتم جوزتم في العدم الأزلي : أن يزول. وإذا ثبت هذا ، فنقول : لم لا يجوز أن يقال : الموجود الواجب لذاته ، كان علة لوجود ذلك القديم ، إلا أن ذلك التأثير ، كان مشروطا بشرط عدمي أزلي. ثم إن ذلك الشرط العدمي الأزلي ، قد زال. فلا جرم زال ذلك المعلول.

فهذه جملة المباحث المتوجهة على هذا الدليل [والله أعلم (٢)]

والجواب : إن بديهة العقل حاكمة : بأن الموجود. إما واجب لذاته ، أو ممكن لذاته. والبديهة حاكمة : بأن الواجب لذاته ، لا يقبل العدم [والبديهة شاهدة : بأن ذلك الواجب لذاته. إما أن يكون مختارا ، أو موجبا (٣)] والبديهة [حاكمة : بأن الممكن لذاته ، لا بد وأن ينتهي إلى الواجب لذاته ، إما بغير واسطة ، أو بواسطة واحدة ، أو بوسائط كثيرة. ثم إن (٤)] البديهة شاهدة : بأن معلول الواجب لذاته ، لا بد وأن يدوم بدوام تلك العلة ، وحيث لم يكن ذلك المؤثر [موجبا (٥)] وإذا بطل هذا ثبت أن المؤثر فاعل مختار. والبديهة شاهدة : بأن كل ما كان فعلا لفاعل [مختار (٦)] فهو محدث. فيثبت بهذا : أن كل ما صح العدم عليه. فالقديم وجب أن لا يصح [عليه (٧)] العدم. وما ذكرتموه من السؤالات جارى مجرى القدح في الضروريات. فلا يلتفت إليه [والله أعلم (٨)]

__________________

(١) من (ت)

(٢) من (ت)

(٣) من (ت)

(٤) من (ط ، س)

(٥) من (ت)

(٦) من (ت)

(٧) من (ط ، س)

(٨) من (ت)

٣٠٥
٣٠٦

المقالة الثانية

في

تقرير دلائل أخرى

في اثبات حدوث العالم

٣٠٧
٣٠٨

في

تقرير دلائل أخرى في اثبات حدوث العالم

الحجة الأولى : ـ وهي الحجة القديمة للمتكلمين ـ أن قالوا : الجسم لا يخلو عن الحوادث. وما لا يخلو عن الحوادث ، فهو حادث ، فالجسم حادث.

أما بيان المقدمة الأولى : فهو أن نقول : الجسم لا يخلو عن الأكوان ، والأكوان حادثة ، ينتج : أن الجسم لا يخلو عن الحوادث.

أما قولنا : «الجسم لا يخلو عن الأكوان» فهو [بناء (١)] على مقامين :

الأول : إثبات الأكوان. والمراد (٢) من الكون : حصول الجسم في الحيز [وقد دللنا : على أن حصول الجسم في الحيز (٣)] أمر زائد على ذاته.

والثاني : بيان أن الجسم لا ينفك عن الأكوان. وتقريره ظاهر. لأن الجسم ما دام يكون جسما ، فإنه يجب أن يكون حاصلا في حيز معين. فإذا دللنا على أن حصوله في الحيز المعين زائد عليه. كان ذلك دليلا على أن ذات الجسم لا تنفك عن الأكوان. وأما قولنا : «إن كل كون محدث» فتقريره : أن كل جسم ، فإنه يصح خروجه عن حيزه. وبتقدير خروجه عن حيزه ، فإنه

__________________

(١) (ط)

(٢) ومراده من الأكوان (ت)

(٣) من (س)

٣٠٩

يبطل حصوله في ذلك الحيز ، وكل ما يصح عليه العدم ، امتنع أن يكون قديما. فيثبت : أن الجسم يمتنع خلوه عن الأكوان ، ويثبت : أن [كل كون محدث ، فثبت أن (١)] كل جسم ، فإنه يمتنع خلوه عن الحوادث. وإنما قلنا : إن كل ما يمتنع خلوه عن الحوادث فهو حادث. لأن تلك الحوادث. إما أن يكون لها أول ، وإما أن لا يكون لها أول. والثاني باطل ، للدلائل المذكورة في إبطال حوادث لا أول لها ، فبقي الأول. فيثبت : أن الجسم لا يخلو عن الحوادث ، وثبت : أن كل ما لا يخلو عن الحوادث ، فهو حادث. فوجب : أن يكون الجسم حادثا. وهو المطلوب.

واعلم أن هذا الدليل ، هو عين الدليل الأول. إلا أن التركيب والنظم مختلف.

وأقول (٢) : يتوجه على هذا النظم : سؤال. لا يتوجه على النظم الأول. وذلك لأنا نقول : هذا النظم يحتمل وجهين :

الأول : أن يقال : الجسم لا يخلو عن حوادث لها أول ، وكل ما كان كذلك ، فهو حادث.

والثاني : أن يقال : الجسم لا يخلو عن الحوادث. وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث. أما الأول ففاسد. لأن على هذا التقدير تصير صغرى هذا القياس : عين النتيجة. لأنا قولنا : الجسم لا يخلو عن حوادث لها أول : معناه : أن الجسم ما كان موجودا قبل ذلك الأول. وهذا هو عين ادعاء حدوث الجسم. فثبت : أن على هذا التقدير تصير صغرى هذا القياس : عين النتيجة المطلوبة ، ولا شك أنه فاسد.

وأما الثاني ففاسد أيضا ، لأن على هذا التقدير تصير الكبرى كاذبة. لأن قولنا : وكل ما لا يخلو عن الحوادث ، فهو حادث : قضية كلية. وهذه الكلية

__________________

(١) من (س)

(٢) قال العلامة ، رضي الله عنه : (ت)

٣١٠

[كاذبة (١)] لأن على تقدير أن لا يكون للحوادث أول ، لم يلزم من امتناع خلو الجسم عنها كون الجسم حادثا. فثبت : أن قولنا : وكل ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث : إنما يكون صادقا بتقدير أن يكون للحوادث أول وبداية. وإذا قيدنا الكبرى بهذا القيد ، عاد الكلام المذكور من أنه تصير [صغرى (٢)] القياس عين النتيجة. فهذا البحث متوجه على هذا النظم [والله أعلم (٣)]

الحجة الثانية : أن نقول : الأجسام قابلة للحوادث ، وكل ما كان قابلا (٤) للحوادث، فإنه لا يخلو عن الحوادث [وكل ما لا يخلو عن الحوادث (٥)] فهو حادث ينتج : أن الأجسام حادثة.

واعلم أن الفرق بين هذه الطريقة وبين وما قبلها : أن الطريقة المتقدمة مختصة بالأكوان ـ أعني الحركة والسكون ـ وأما هذه الطريقة فإنها عامة في جميع الأعراض. وتقريره أن نقول : لا شك أن الأجسام قابلة للضوء والظلمة ، والحرارة والبرودة ، وللأشكال المختلفة ، وللحركة والسكون. فنقول : قابلية الجسم لهذه الصفات ، إما أن يكون عين ذات الجسم ، وإما أن يكون زائدا عليها. فإن كان عين ذات الجسم ، فإذا دللنا على أن هذه القابلية حادثة ، لزم الجزم بكون الجسم حادثا. وأما إن قلنا : أن هذه القابلية زائدة على [ذات (٦)] الجسم ، فإذا دللنا على أنها حادثة ، ودللنا على أن ذات الجسم لا يخلو عن هذه القابلية ، فحينئذ يحصل لنا : أن ذات الجسم لا ينفك عن الحوادث.

أما بيان أن هذه القابلية حادثة : فهو أن [إمكان (٧)] اتصاف الذات بالصفة ، فرع على كون تلك الصفة في نفسها ممكنة الوجود. لأن إمكان

__________________

(١) سقط (ط)

(٢) من (ط ، س)

(٣) من (ت)

(٤) ما كان كذلك (ط)

(٥) من (س)

(٦) من (ت)

(٧) من (س)

٣١١

اتصاف غيره به [صفة عارضة (١)] له ، من حيث إنه هو. وإمكان وجوده في نفسه ، اعتبار حال ذاته من حيث إنها هي. ومن المعلوم : أنّ اعتبار حال الشيء في نفسه ، سابق على اعتبار حاله مع غيره. فيثبت : أن إمكان اتصاف غيره به ، فرع على إمكان وجوده في نفسه.

وإذا ثبت هذا فنقول : الحادث ممتنع الوجود في الأزل ، وإذا كان إمكان وجوده في نفسه فائتا في الأزل ، كان إمكان اتصاف غيره به أيضا فائتا في الأزل. فيثبت بما ذكرنا : أن إمكان اتصاف الذات بالصفات الحادثة : أمر حادث ، ممتنع الحصول في الأزل. وأما بيان أن هذه القابلية من لوازم الذات : فلأنا نقول : هذه القابلية ، إما أن تكون من الأمور اللازمة لماهية الجسم ، وإما أن تكون من العوارض المفارقة. فإن كان الأول فهو المطلوب ، وإن كان الثاني فنقول : لما كانت هذه القابلية ممكنة الحصول لتلك الذات ، كانت الذات قابلة لتلك القابلية. فقابلية تلك القابلية ، إن كانت من اللوازم فهو المطلوب ، وإن كانت من العوارض المفارقة ، كان الكلام فيها كالكلام (٢) في الأول. فيلزم التسلسل ، وهو محال. فيثبت بما ذكرنا : أن قابلية الجسم للصفات الحادثة : أمر حادث.

وعند هذا نقول : إن كانت القابلية عين ذات الجسم ، لزم من حدوثها ، حدوث ذات الجسم ، وإن كانت مغايرة لذات الجسم ، وجب كونها من لوازم الذات ، وحينئذ يحصل لنا [الجزم (٣)] بأن الجسم لا ينفك عن الحوادث ، وقد سبق بيان أن ما لا ينفك عن الحادث فهو حادث. وحينئذ يلزم كون الجسم حادثا. وهو المطلوب.

وحينئذ يحصل لنا من هذا الدليل مطلوبان شريفان :

__________________

(١) من (ت)

(٢) كما في الأول (ت)

(٣) من (ت)

٣١٢

الأول : إن الأجسام لما كانت قابلة للصفات الحادثة ، امتنع كونها قديمة.

والثاني : إن الإله (١) تعالى وتقدس ، لما كان قديما ، امتنع كونه قابلا للصفات الحادثة.

الحجة الثالثة : أجسام العالم ، لو كانت أزلية ، لكانت في الأزل ، إما أن تكون مجتمعة فقط ، أو متفرقة فقط ، أو تارة مجتمعة ، وتارة متفرقة. أو بعضها مجتمعة ، وبعضها متفرقة. والأولان باطلان ، وإلا لزم أن لا يصير المجتمع متفرقا ، ولا بالعكس. لما ثبت : أن الأزلي لا يزول ، والثالث باطل. لأنه يلزم منه وجود حوادث لا أول لها. وقد أبطلناه. والرابع باطل أيضا. لأن ذلك الذي كان مجتمعا ، وجب أن لا يفترق ، وذلك الذي كان مفترقا ، وجب أن لا يجتمع. لما ثبت أن الأزلي لا يزول.

واعلم أن هذا الدليل بعينه عائد إلى ما تقدم ذكره.

الحجة الرابعة : لو كان الجسم أزليا ، لكان في الأزل حاصلا في حيز معين. ولو كان كذلك ، لامتنع خروجه عن ذلك الحيز ، ولامتنع كونه متحركا. وحيث لم يمتنع ذلك ، علمنا : أن الجسم لا يمكن أن يكون أزليا. وإنما قلنا : إنه لو كان أزليا ، لكان في الأزل حاصلا في حيز معين : لأن الجسم هو الذي يصدق عليه أنه مقدار وحجم. وكل ما كان كذلك ، وجب أن يكون حاصلا في حيز مبهم. لأن كل ما كان موجودا في نفسه ، فهو معين في نفسه ، فحصول الجسم المعين في حيز مبهم (٢) في نفس الأمر : محال في العقل. فيثبت : أنه لو كان الجسم موجودا في الأزل ، لكان حاصلا في حيز معين. ولو كان كذلك ، لكان حصوله في ذلك الحيز : أزليا. ولو كان كذلك ، لا يمتنع العدم على تلك الصفة. لما ثبت : أن الأزلي يمتنع عليه العدم. ولما دل الحس على جواز الحركة على الأجسام ، علمنا : امتناع كون الجسم أزليا. وهذا

__________________

(١) الإله تقدست ذاته (ط)

(٢) معين (ت)

٣١٣

الدليل لا يتم أيضا في الحقيقة ، إلا عند الرجوع إلى دليل الحركة والسكون ، إلا أنه [أقل(١)] مقدمات من ذلك الدليل.

الحجة الخامسة : الأجسام متناهية في المقدار ، وكل ما كان كذلك فهو محدث. أما بيان الصغرى فهو مذكور في مسألة تناهي الأبعاد.

وأما بيان الكبرى فهو أن نقول : كل ما كان متناهيا في المقدار ، فإنه يصح في العقل وجود ما هو أزيد مقدارا منه ، ووجود ما هو أنقص مقدارا منه. وإذا كان كذلك ، كان اختصاصه بذلك القدر المعين ، دون الزائد ، ودون الناقص ممكنا. وكل ممكن فلا بد له من مرجح ، وذلك المرجح يمتنع أن يكون موجبا. لأن نسبة الموجب إلى جميع المقادير على السوية. فلم يكن كونه موجبا لمقدار معين ، أولى من كونه موجبا (٢) لغير ذلك المقدار ، فوجب أن يكون المؤثر فيه ، فاعلا مختارا. وكل ما كان فعلا لفاعل مختار ، فهو محدث. فيثبت : أن كل جسم ، فإنه متناهي [المقدار ، وكل متناهي المقدار (٣)] فإن اختصاصه بذلك القدر يكون من الجائزات. وكل ما كان كذلك ، فإنه يمتنع رجحانه على غيره ، إلا بفعل الفاعل المختار. وكل ما كان فعلا للفاعل المختار ، فهو محدث. وعند ظهور هذه المقدمات يحصل الجزم بأن كل جسم فهو محدث. [والله أعلم (٤)].

الحجة السادسة : نقول : أجسام العالم متماثلة في تمام الماهية. ومتى كان الأمر كذلك ، وجب كونها محدثة.

بيان الأول : ما ذكرنا من أن الأجسام متساوية في الحجمية والتحيز ، فلو خالف بعضها في أمر من الأمور المقوية للماهية ، لكان ما به المخالفة ، مغاير لما به المساواة التي هي عموم الجسمية. وذلك المغاير إما أن يكون صفة الجسم ،

__________________

(١) من (ط ، س)

(٢) موجبا لذلك المقدار (ت)

(٣) من (ط ، س)

(٤) من (ط ، س)

٣١٤

أو موصوفا به ، أو لا صفة ولا موصوفا. والكل باطل على [ما سبق (١)] تقريره. فبطل القول باختلاف الأجسام. وإنما قلنا : إن الأجسام لما كانت متماثلة ، كانت حادثة. لأن كل واحد من تلك المتحيزات ، يجب أن يكون حاصلا في حيز معين ، ويمتنع أن يكون حصوله فيه لذاته ، وإلا لحصل الكل في ذلك الحيز. لما بينا : أنها بأسرها متساوية في تمام الماهية. والتساوي في العلة ، يوجب التساوي في المعلول. ولما بطل هذا القسم ، ثبت أن اختصاص كل واحد منها بحيزه المعين : إنما كان لسبب منفصل. وذلك السبب لا يجوز أن يكون موجبا. لأنه لو كان موجبا ، لكان إما أن يكون جسما أو لا يكون. والأول : باطل. وإلا لعاد الطلب في كيفية اختصاصه بحيزه المعين. والثاني أيضا : باطل. لأن ذلك الموجب على هذا التقدير ، امتنع أن يختلف حاله في القرب والبعد ، بالنسبة إلى تلك الأجسام [بل يجب أن يقال : إن نسبته إلى كل تلك الأجسام] على السوية ، فلم يكن بأن يجب لسببه حصول بعض [الأجسام (٢)] في بعض تلك الأحياز ، أولى من العكس. فيثبت : أن السبب في اختصاص كل واحد منها بحيزه المعين ، لا يجوز أن يكون هو موجبا بالذات. فوجب أن يكون فاعلا مختارا. وكل ما كان فعلا لفاعل مختار ، فهو محدث. فيثبت: أن حصول الجسم في الحيز المعين : محدث. وثبت : أن الجسم لا ينفك عنه ، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث.

وهذا الدليل أيضا لا يتم عند البحث التام ، إلا بالرجوع إلى بعض مقدمات دليل الحركة والسكون.

الحجة السابعة : أن نقول : الأجسام متماثلة في الماهية. ومتى كان الأمر كذلك ، كانت محدثة. أما بيان الأول : فقد تقدم [تقريره (٣)]

وأما بيان الثاني : فهو أن نقول : إنها متى كانت متماثلة في تمام الماهية ،

__________________

(١) من (ط)

(٢) من (س)

(٣) من (ط ، س)

٣١٥

كان تعيين كل واحد منها زائدا على الماهية. ومتى كان الأمر كذلك ، وجب كونها محدثة.

أما تقرير المقام الأول : وهو قولنا : «إن الأشياء متى كانت متساوية في تمام الماهية ، فإنه يجب أن يكون تعين كل منها زائدا على ماهيته» : فيدل عليه وجوه :

الأول : إن تلك الأشياء لما كانت [متساوية (١)] في تمام الماهية. لا شك أنها مختلفة في تعيناتها ، وما به المشاركة غير ما به المخالفة. فوجب كون تلك التعينات أمورا زائدة على تلك الماهيات.

والثاني : إن المفهوم من قولنا : هذا الإنسان ، مشتمل على المفهوم من قولنا : إنسان. وذلك معلوم بالضرورة. فنقول : إن لم يشتمل قولنا : هذا الإنسان على أمر زائد ، على المفهوم من قولنا : إنسان وجب أن يكون المفهوم من قولنا : هذا الإنسان ، هو عين المفهوم من قولنا : إنسان ، إلا أن هذا باطل. لأن قولنا : إنسان. فإن نفس (٢) مفهومه لا يمنع من وقوع الشركة فيه. وقولنا : هذا الإنسان. فإن نفس مفهومه يمنع وقوع الشركة فيه. فعلمنا : أن المفهوم من قولنا : هذا الإنسان ، اشتمل على أمر زائد ، على المفهوم من قولنا : إنسان ، وما ذاك إلا التعين. فيثبت : أن تعين كل شخص زائد على ماهيته.

الثالث : إن بديهة العقل حاكمة بأن قولنا : هذا الإنسان. مفهوم مركب من قولنا : هذا إنسان. ومن قولنا. فوجب أن يكون المفهوم من قولنا هذا ، مغايرا للمفهوم من قولنا : إنسان. فيثبت : أن تعين كل شخص زائد على ماهيته.

الرابع : إن المفهوم من الإنسان حاصل في الإنسان الآخر ، فلو كان المفهوم من هذا الإنسان [عين المفهوم من الإنسان (٣)] لوجب أن يكون المفهوم

__________________

(١) من (ط)

(٢) تعين (ت)

(٣) من (ط)

٣١٦

من هذا الإنسان حاصلا لذلك الإنسان الآخر ، فيلزم أن يكون هذا الإنسان هو عين ذلك الإنسان الآخر ، وإنه محال. فثبت بهذه الوجوه : أن الأشياء المتماثلة في تمام الماهية ، يجب أن يكون تعين كل واحد منها ، زائدا على ماهيته.

وأما المقام الثاني : وهو أنه لما كان الأمر كذلك ، وجب كون الأجسام محدثة. فتقريره : أن على هذا التقدير ، يكون كل واحد من الأجسام ، مركبا من الجسمية ومن ذلك التعين. ثم لا يخلو إما أن يقال : الجسمية تقتضي ذلك التعين ، أو يقال : إن ذلك التعين يقتضي الجسمية المطلقة ، أو يقال : إن كل واحد منهما لا يقتضي الآخر. والأول باطل. وإلا وجب أن يكون كل جسم هو ذلك المعين ، وأن يكون ما ليس بذلك المعين فإنه لا يكون جسما. إلا أن ذلك باطل. لما بينا : أن ماهية الجسم [ماهية (١)] مشتركة فيما بين الأشخاص الكثيرة. والثاني [أيضا (٢)] باطل لوجوه :

أحدهما : إن ذلك التعين حالة نسبية إضافية ، وهي لا تدخل في الوجود إلا إذا كانت عارضة لماهية من الماهيات. فإن العقل يقضي بأنه يمتنع وجود موجود لا حقيقة له في نفسه ، إلا التعين بل لا بد من جسم أو سواد أو إنسان أو حجر ، أو غيرها. حتى يحكم عليه بكونه متعينا. فيثبت : أن حصول التعين محتاج في تحققه وتقرره : إلى تلك الماهية. فلو كانت تلك الماهية معلولة لذلك التعين ، لزم الدور.

والثاني : إن ذلك التعين ، يساوي سائر التعينات في كونه تعينا ، فلو اقتضى تعين حصول الجسمية ، لاقتضى حصول كل تعين : حصول الجسمية. فوجب أن يقال : إنه لا تعين ولا متعين إلا الجسم. وذلك باطل قطعا. فيثبت بما ذكرنا : أنه لا الجسمية تقتضي ذلك التعين ، ولا ذلك التعين يقتضي الجسمية. فوجب أن يقال : إن الاجتماع بين ماهية الجسم وبين ماهية

__________________

(١) من (ت)

(٢) من (س)

٣١٧

التعين ، إنما حصل بسبب منفصل ، وذلك السبب المنفصل. إما موجب وإما مختار. والأول باطل. لأن نسبة الموجب إلى الكل على السوية. وعند الاستواء في النسبة ، يمتنع حصول الرجحان والاختصاص (١) فوجب أن يكون [فاعلا (٢)] مختارا. وكل ما كان فعلا لفاعل مختار ، فهو محدث ، فالأجسام محدثة.

الحجة الثامنة : قال بعضهم : «الأجسام متناهية في المقدار ، وكل ما كان كذلك ، كان متناهي القوة ، فوجب أن تكون قوة الأجسام على البقاء : متناهية. وكل ما كان كذلك ، فإنه يمتنع كونه أزليا» أما قولنا : إنها متناهية المقدار ، فلما ثبت في باب تناهي الأبعاد. وأما أن كل ما كان متناهي المقدار ، فإنه يكون متناهيا في القوة : فلما يذكره الحكماء من أن القوة الجسمانية يجب كونها متناهية. وأما النتيجة فظاهرة.

واعلم أن دليل الحكماء على القوة الجسمانية يجب كونها متناهية : دليل ضعيف. قد بينا ضعفه بوجوه كثيرة. وأيضا : فالحكماء يقولون : العالم أزلي أبدي ، لا لقوة ذاتية بل لقوة علّته ومبدئه. وهو منزه عن كونه جسما أو جسمانيا [والله أعلم (٣)]

الحجة التاسعة : ما سوى الواحد ممكن ، وكل ممكن محدث ، فما سوى الواحد محدث [بيان الأول من وجوه :

الأول : إنا نقول (٤)] لو فرضنا موجودين واجبي الوجود لكانا مشتركين في الوجوب بالذات ، ومختلفين في التعين ، فكان كل واحد منهما مركبا من الوجوب ومن ذلك التعين. فإما أن يكون الوجوب علة لذلك التعين ، فيلزم : أن يكون كل واجب الوجود لذاته ، فهو ذلك التعين ، فلا واجب وجود إلا ذلك التعين ، وإما أن يكون ذلك التعين ، علة لوجوب الوجود ، وهو محال :

__________________

(١) من (ط ، س)

(٢) من (ط ، س)

(٣) من (ط)

(٤) من (س)

٣١٨

لأن وجوب (١) الوجود بالذات ، لا يكون معللا بالغير. وإما أن لا يكون واحد من هذين القيدين علة للثاني ، فحينئذ يجب أن يكون اجتماعهما معلول علة منفصلة. فيلزم : أن يكون واجب الوجود لذاته ، واجب الوجود لغيره. وهو محال. فيثبت : أن واجب الوجود لذاته ، ليس إلا الواحد.

الثاني : إنا بينا في باب أحكام الوجود : أن الأجسام ، وجودها غير ماهياتها ، وكل ما كان وجوده غير ماهيته ، فهو ممكن لذاته. ينتج : أن كل جسم فإنه ممكن لذاته.

الثالث : إن الأجسام مركبة من الهيولى والصورة. وكل مركب ممكن ، فالأجسام ممكنة. وأيضا الهيولى والصورة يمتنع [خلو (٢)] كل واحد منهما عن الآخر ، مع أن واحدا منهما (٣) ليس علة للآخر. وكل ما كان كذلك ، فهو ممكن. فالأجسام ممكنة بحسب ذواتها ، وبحسب أجزاء ماهياتها.

الرابع : إن الجسم يمتنع انفكاكه عن الحصول في الحيز المعين [وليست ماهيته علّة للحصول في الحيز المعين] (٤) وإلّا لامتنع خروجه عن الحيز المعين ، وكل ما يمتنع خلوه عن شيء ، ولا يكون ذلك الشيء معلولا له ، فهو مفتقر في تحققه إلى ذلك الشيء ، وكل ما كان كذلك ، فهو ممكن لذاته [ينتج : أن الجسم ممكن لذاته (٥)] فيثبت : أن العالم ممكن لذاته ، وكل ممكن لذاته فله مؤثر ، وذلك [المؤثر (٦)] إما أن يكون موجبا أو مختارا. وبطل القول بالموجب للدلائل [الكثيرة (٧)] المذكورة في باب إثبات القادر ، ولسائر الوجوه التي نذكرها بعد ذلك في مقالة مفردة. فوجب أن يكون المؤثر في كل ما سوى الموجود الواحد : فاعلا مختارا.

__________________

(١) الوجوب الوجود (ط)

(٢) من (ط ، س)

(٣) من (ط)

(٤) من (ط ، ت)

(٥) من (ت)

(٦) من (س)

(٧) من (ت)

٣١٩

وإذا ثبت هذا فنقول : احتياج هذه الأشياء إلى الفاعل المختار ، إما أن تكون في حال وجودها ، أو في حال عدمها. [فإن كان حال وجودها (١)] فإما أن يكون حال بقائها ، أو حال حدوثها. والأول باطل لأنه يقتضي تكوين الكائن ، وإنه محال. فبقي القسمان الآخران. وذلك يقتضي : أن كل ما كان محتاجا إلى المؤثر ، فهو محدث. فيثبت : أن ما سوى الواحد : ممكن. وثبت : أن كل ممكن محدث ، فيلزم : أن كل ما سوى الواحد: محدث. وهو المطلوب.

واعلم : أن الكلام في مقدمات هذا الدليل ، قد تقدم في هذا الكتاب بالاستقصاء. فلا حاجة إلى الإعادة.

الحجة العاشرة : لو كان الجسم أزليا ، لكان كونه أزليا. إما أن يكون نفس كونه جسميا أو مغايرا له. والقسمان باطلان ، فبطل القول بكونه أزليا.

أما بيان بطلان الأول. فلأنه لو كان كذلك ، لكان العلم بكونه جسما ، هو عين العلم بكونه أزليا ، فكما أن العلم بكونه جسما ضروريا ، وجب أن يكون العلم بكونه أزليا ضروريا.

وبيان بطلان الثاني : إن حدوثه لو كان زائدا ، لكان ذلك الزائد [إن كان (٢)] قديما ، لزم أن تكون صفة المحدث قديمة ، وإن كان حادثا ، لزم التسلسل وهو محال.

واعلم : أنه سبق نظير هذا الكلام في الباب المتقدم.

الحجة الحادية عشر : لو كان الجسم قديما ، لكان مشاركا لذات الله [تعالى (٣)] في القدم. فنقول : القدم صفة ثابتة. لأنه عبارة عن نفي [العدم السابق ، ونفي النفي ثبوت ، فالقديم أمر ثابت. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال :

__________________

(١) من (س)

(٢) من (س)

(٣) من (ت)

٣٢٠