المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٤

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٤

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٣١

مفرقا وهو النار ، وكل جسم أحاط به ثمان مثلثات ، كان سريع الانقلاب من ضلع إلى ضلع وهو الهواء ، وكل جسم أحاط به عشرون مثلثا فهو الماء. وعلى هذا المذهب فهذه الصفات أعني النارية والمائية والهوائية والأرضية عبارة عن حصول هذه الأشكال المخصوصة. ومن الناس من أنكر ذلك. وزعم : أن هذه الكيفيات الأربعة ، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، أعراض زائدة على هذه الأشكال مغايرة لها. وهذا هو القول الأظهر.

إذا عرفت هذه التفاصيل فنقول : الذين قالوا : المادة الأولى هي الجسم ، وزعموا : أن الأجسام متماثلة في تمام الماهية (١). فهؤلاء لهم قولان :

الأول : أن الأجسام كانت موجودة في الأزل ، وكانت خالية عن جميع الصفات ، ثم إنه حدثت الصفات فيها ، وعلى هذا التقدير فهنا أيضا احتمالان :

أحدهما (٢) : أن يقال : إن الكل كان [جسما (٣)] واحدا متصلا ، ثم إنه انفصل البعض عن البعض فيما لا يزال ، وهذا هو الذي يشعر به قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا : أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ : كانَتا رَتْقاً. فَفَتَقْناهُما) (٤).

وثانيهما (٥) : أن يقال : إن تلك الأجزاء (٦) كانت متباينة متفاصلة ، وعلى هذا التقدير ففيه أيضا احتمالان :

أحدهما : أن يقال : إن تلك الأجزاء كانت متباينة ، وكانت واقفة ساكنة من الأزل إلى الأبد ، ثم إنها تحركت وامتزجت ، وحدث من امتزاجها هذا العالم. وأول التوراة مشعر بهذا ، لأنه قال : «إنما حدث العالم ، لأن ريح الله

__________________

(١) الماهية (ط) الملازمات (ت)

(٢) الأول (ت)

(٣) من (ت)

(٤) الأنبياء ٣٠.

(٥) والثاني (ت)

(٦) الأجرام (ت)

٢١

هبت في الظلمات» فتلك الأجزاء الواقفة لا شك أنها كانت في الظلمات ، لأن الظلمة عدم النور ، فلما حركها الله [تعالى (١)] كان ذلك عبارة عن قوله : «وريح الله هبت عليها».

وثانيهما (٢) : أن يقال : إن تلك الأجزاء كانت متحركة من الأزل إلى الأبد ، وهذا مذهب ديمقراطيس ، فإنه زعم : أن هذه الأجسام المحسوسة مركبة (٣) من أجزاء لا تتجزأ ، وكل واحد منها قابل للتجزئة الوهمية ، وغير قابل للتجزئة الوجودية ، وكل واحد منها على شكل الكرة ، لأن الطبيعة البسيطة لا تفيد إلا شكلا متشابه الجوانب ، وهو الكرة. والخلاء أيضا متشابه الأجزاء ، فلم يكن بأن يبقى كل واحد من تلك الأجزاء في حيز معين ، أولى من أن يحصل في حيز آخر ، فلهذا السبب وجب في كل واحد من تلك الأجزاء ، أن ينتقل من حيز إلى حيز ، فلهذا السبب وجب فيها ، أن تكون متحركة لذواتها من الأزل إلى الأبد ، ثم اتفق في أثناء تلك الحركات أن تضامت تلك الأجزاء على وجه خاص وتدافعت ، واعتمد البعض على البعض ، فاستدارت على نفسها ، فذلك المستدير هو الفلك. وأما الأجسام التي كانت موجودة في جوف الفلك ، فكل ما كان متصلا بقعر (٤) الفلك حصلت السخونة القوية فيه ، وهو النار. والذي كان في غاية البعد من الفلك ، وهو الذي حصل في المركز ، حصلت البرودة العظيمة فيه ، والكثافة العظيمة ، وذلك هو الأرض. ثم الذي حصل في جوف كرة النار هو الهواء ، لأن بين النار وبين الهواء مشابهة ومناسبة. والذي حصل فوق الأرض هو الماء. فحصل بهذا الطريق : هذه

__________________

(١) تعالى من (ت) ونص التوراة هو حسب ترجمة الآباء اليسوعيين في بيروت «في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الغمر ظلمة. وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله : ليكن نور ، فكان نور ... إلخ» [تكون ١ : ١ ـ ٣] والمؤلف ـ يرحمه‌الله ـ نقل النص عن توراة اليهود. لأن في توراة اليهود : «وريح الله» بدل «وروح الله» في تراجم النصارى.

(٢) والثاني (ت)

(٣) مشتركة (ت)

(٤) بعنصر (ت)

٢٢

الأمهات الأربعة. ثم إنها اختلطت وامتزجت بسبب الحركات الفلكية ، فتولدت المواليد الثلاثة. فهذا هو سبب تكون هذا العالم الجسماني على مذهبه.

القول الثاني للقائلين بأن الأجسام متماثلة في تمام ماهيتها :

أن قالوا : إن الأجسام كانت موصوفة في الأزل ببعض هذه الكيفيات ، ولا شك أنها تكون قابلة للكون والفساد ، على هذا المذهب. لأن الذوات لما كانت متساوية ، فكل ما يصح على واحد منها وجب أن يصح على الآخر ، فالنار يمكن أن تنقلب أرضا وبالعكس ، وكذا القول في سائر العناصر. ثم اختلف القائلون بهذا القول. فقال بعضهم : الأصل [في العناصر (١)] هو التراب. فإذا تلطف يحصل الماء ، فإذا زادت اللطافة حصل الهواء ، فإذا وصلت اللطافة إلى الغاية حصلت النار.

وقالت طائفة ثانية : بل الأصل هو النار ، فإذا تكاثف قليلا ، حصل [الهواء (٢)] فإذا تزايدت الكثافة حصل الماء ، فإذا بلغت الكثافة إلى الغاية ، حدثت الأرض.

وقالت طائفة ثالثة : الأصل هو البخار ، فإذا تلطف البخار حصل الهواء ، فإذا تكاملت اللطافة حصلت النار ، وأما إذا تكاثف [البخار (٣)] حصل الماء ، وإذا تكاملت الكثافة حصلت الأرض.

وقالت طائفة رابعة : الأصل هو الماء فلما تحرك الماء ، حصل على (٤) وجهه زبد ، وارتفع منه دخان ، فتكونت الأرض من ذلك الزبد ، [وتكونت (٥)] السموات من ذلك الدخان.

__________________

(١) من (ط)

(٢) من (ط)

(٣) من (ط)

(٤) من (ت)

(٥) من (ط)

٢٣

وذهب إلى هذا القول جمع [عظيم (١)] من أصحاب الآثار والأخبار.

وقالت طائفة خامسة : الأصل هو الهواء ، فإذا تحرك وتسخن حدثت (٢) النار ، وإذا تكاثف حدث الماء ، وإذا تكاملت الكثافة حصلت الأرض.

واعلم أن هذه الأقوال متدافعة ، وكل واحد منها فهو في نفسه [محتمل (٣)] فهذا تمام الكلام في التفريع على قولنا : الأجسام بأسرها متماثلة.

أما على القول بأن الأجسام مختلفة في ماهياتها. فإنه يقال : جسمية [النار جسمية(٤)] مخصوصة توجب الحرارة لذاتها ، وجسمية الماء جسمية مخصوصة توجب البرودة. لذاتها ، وعلى هذا التقرير فالكون والفساد على هذه العناصر : ممتنع. وهؤلاء يلزمهم أن يقولوا : إن هذه العناصر الأربعة ، كانت موجودة في الأزل ، ثم إنها لما اختلطت حصل هذا العالم بسبب اختلاطها وامتزاجها. ثم القائلين بهذا القول لهم أيضا قولان : منهم من قال : إن الكيفيات الأصلية في هذه الأربع ، أعني الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، أما سائر الكيفيات فهي كيفيات تحدث بسبب الامتزاج ، فالجزية واللحمية والعسلية والحلية ، كيفيات إنما تحدث بسبب الامتزاج ، فهذه الأجسام لما كانت غير ممتزجة في الأزل ، كانت خالية من هذه الكيفيات. ومن الناس من قال : هذه الكيفيات أيضا أصلية ذاتية ، فالخبزية [صفة ذاتية للخبز (٥)] وكذلك اللحمية. إلا أن تلك الأجزاء صغيرة جدا ، ومختلطة بعضها بالبعض ، فلا تظهر هذه الصفات منها ، لأجل أن اختلاطها بغيرها ، يوجب تكون هذه الصفات والطبائع ، فإذا اتفق سبب أوجب انضمام تلك الأجزاء المتجانسة بعضها إلى بعض ، ظهر جسم كبير محسوس على تلك الطبيعة ، فيظن أن تلك الصفة حدثت ، وليس الأمر كذلك بل هو على الوجه الذي ذكرناه. وهؤلاء هم القائلون بالخليط الذي لا نهاية

__________________

(١) من (ت)

(٢) حصلت (ت)

(٣) سقط (ط)

(٤) من (ت)

(٥) من (ط ، س)

٢٤

له ، وهم أصحاب أنكساغورس.

فهذا كله مذاهب القائلين بأن المادة الأولى هي الجسم [والله أعلم (١)]

القول الثاني : قول القائلين بأن المادة الأولى ليست هي الجسم ، بل المادة الأولى شيء آخر تحدث الجسمية فيه. وذلك الشيء هو المادة الأولى. والقائلون بهذا القول اختلفوا على وجوه :

[فالوجه (٢)] الأول : إن ذات الجسم مركبة (٣) من الهيولي والصورة. ومعنى هذا الكلام : أن الجسمية والحجمية ليست ذاتا قائمة بنفسها ، وإنما هي حالة في محل ، وذلك المحل إذا اعتبرناه من حيث [هو (٤)] كان موجودا ، ليس له حجمية ولا تحيز ، وكان مجردا عن الحيز والجهة ، فإذا حلت الجسمية فيه ، حصل الجسم المتحيز. والقائلون بهذا القول فريقان : منهم من قال : إن ذلك المحل موجود قائم بنفسه ، ليس له تحيز ولا حجمية ولا حصول في الحيز ، وهذا هو قول أبي نصر الفارابي ، وأبي علي ابن سينا ، وهو مذهب أفلاطون وأرسطاطاليس ، ثم إن هذه الهيولى عند أفلاطون كانت خالية عن الجسمية والحجمية ، وهي قديمة أزلية. وأما الجسمية والتحيز فصفة حادثة ، ولها أول. ومنهم من قال: إن تلك الهيولى ذوات معدومة ، وهذا هو قول القائلين بأن المعدوم شيء. [وبالله التوفيق (٥)]

القول الثاني للقائلين بالهيولى : قول من قول : إن الأجسام ، إنما تتولد من الكيفيات، التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. وفي الأمة قوم يقولون بهذا (٦) القول ، وكذلك في القدماء أقوام يقولون بهذا القول. فهؤلاء قالوا : هذه الكيفيات موجودة في الأزل ، ثم إنه حدثت الجسمية فيها ، فيما لا يزال ، فحدثت الأجسام البسيطة من مفرداتها ، والمركبة من امتزاجاتها.

__________________

(١) من (ط ، س)

(٢) من (ت)

(٣) مركب (ط)

(٤) من (ت)

(٥) من (ط)

(٦) هذا (ت)

٢٥

القول الثالث للقائلين بالهيولى : إن هيولى العالم هو النور والظلمة ، وهما قديمان ، ثم امتزجا ، فحدث هذا العالم من امتزاجهما. ثم إن كان مذهب هؤلاء : أن النور والظلمة من قبيل الأجسام كان هذا شعبة من شعب القول الأول ، وهو قول من يقول : الهيولى هو الجسم وإن كان مذهبهم : أن النور والظلمة ليسا من الأجسام ، كان هذا قولا خارجا عن ذلك القول.

القول الرابع للقائلين بالهيولى : إن هيولى هذا العالم ، هو الوحدات. وهذا القول منسوب إلى فيثاغورس ، وطائفته. وتقريره : أن شيئا من الماهيات الموجودة في هذا العالم لا ينفك عن الوحدة ، فإن كان كل ما كان موجودا فله تعين ، ولسبب ذلك التعين وحدة. وأيضا : المعدودات لها وحدة ما أيضا ، لأن العشرة عشرة واحدة ، والعشرون عشرون واحدة ، وكذلك القول في سائر الأشياء الواحدة والمعدودة. فثبت : أن كل موجود فإنه يمتنع دخوله في الوجود ، إلا إذا حصلت له الواحدة. وأما الواحدة فإنها غنية عن جميع الماهيات ، فإنه لا ماهية يشير العقل إليها ، إلا والوحدة حاصلة متقررة مع عدمها. فثبت بهذا : أن ما سوى الوحدة ، فإنه مفتقر إلى الوحدة ، وثبت أن الوحدة غنية عما سواها ، والغني متقدم بالرتبة والوجود على المحتاج. فثبت : أن المادة الأولى لجميع الموجودات هي الوحدات.

إذا عرفت هذا فنقول : الوحدة إن كانت مجردة عن الإشارة ، فهي الوحدة ، وإن صارت مشارا إليها فهي النقطة ، فإذا تركبت نقطتان حصل الخط ، وإذا تركب خطان حصل السطح [وإذا تركب السطحان (١)] حصل الجسم ، ثم إن الجسم إذا أحاط به أربع قواعد مثلثات فهو النار ، وإن أحاط به ثمان قواعد مثلثات فهو الهواء ، وإن أحاط به عشرون قاعدة مثلثات فهو الماء ، وإن أحاط به ست قواعد مربعات فهو المكعب ، وهو الأرض ، وإن أحاط به اثنا عشر قواعد مخمسات فهو الفلك. ثم إن العناصر إذا اختلط بعضها بالبعض حصلت المواليد [الثلاثة (٢)] فيثبت بما ذكرنا : أن المادة الأولى

__________________

(١) من (ط)

(٢) من (ت)

٢٦

لحدوث العالم الجسماني : هي الوحدات.

فهذا تمام الكلام في تفاصيل مذهب من يقول : العالم الجسماني قديم المادة ، محدث بحسب الصورة (١)].

وأما القسم الرابع من التقسيم المذكور في أول هذا الكلام : وهو أن يكون العالم قديم الصفات ، محدث الذوات : فهذا القول معلوم الفساد بالضرورة.

واما القسم الخامس : وهو التوقف وعدم القطع : فهذا منقول عن جالينوس فإنه يروى عنه أنه قال في مرضه الذي توفي فيه لبعض تلامذته : «اكتب عني ، إني ما عرفت أن العالم محدث أو قديم ، [وأني ما عرفت (٢)] أن النفس هو المزاج ، أو شيء آخر غير المزاج» ومن الناس من جعل هذا طعنا فيه ، وقال : «إنه خرج من الدنيا كما دخل حيث لم يعرف هذه الأشياء»

وإنا نقول (٣) : هذا من أدل الدلائل على أن الرجل كان منصفا ، طالبا للحق. فإن الكلام في هذه المسألة قد بلغ في العسر والصعوبة إلى حيث تضمحل أكثر العقول فيه. والله أعلم.

__________________

(١) من (ط) وفي (ت) الجسماني قديم بحسب المادة.

(٢) من (س)

(٣) قال مولانا رضي الله عنه : أنا أقول ... (ت)

٢٧
٢٨

المقدمة الرابعة

في

أن الكتب الالهية تثبت حدوث العالم

إن الكتب الإلهية ليس فيها تصريح بإثبات أن العالم محدث ، بمادته وصورته معا. وتقريره : أن الألفاظ الموجودة في القرآن المشعرة بهذا المعنى : ألفاظ معدودة.

فأولها : كونه تعالى ربا للعالمين ، فإن أول القرآن هو قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١) ولا يلزم من كونه تعالى ربا لها ، أن يكون محدثا لذواتها وأعيانها ، لأن رب الشيء ، هو الذي يربي ذلك الشيء ويكون له عناية بإصلاح مهماته. فمن قال : إنه تعالى هو الذي أحدث (٢) هذا العالم من تلك الأجزاء ورتبها على أحسن الوجوه وألطف الأشكال ، فقد اعترف بكون تعالى [قادرا (٣)] ربا للعالمين.

وثانيها : لفظ الخلق. فقال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (٤) واعلم : أن الخلق في اللغة هو التقدير. والدليل عليه قوله تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ ، كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ، ثُمَّ قالَ لَهُ :

__________________

(١) الفاتحة ٢.

(٢) نظم (ط).

(٣) من (ط)

(٤) أول الأنعام.

٢٩

كُنْ. فَيَكُونُ) (١) ولا شك أن المراد بقوله : (كُنْ فَيَكُونُ) : التكوين والإيجاد والإحداث. فظاهر الآية يقتضي أنه يخلقه ، ثم بعد الخلق يكونه ، والخلق الذي يتقدم على التكوين ، ليس إلا علمه تعالى ، بأنه يحب تكوينه على الصفة الفلانية ، وعلى الصورة الفلانية ، حتى يكون أقرب إلى الصواب والصلاح. فثبت : أن الخلق عبارة عن التقدير. وإذا ثبت هذا فنقول : إن بتقدير أن تكون الأجزاء موجودة في الأزل ، ثم إنه تعالى ركبها على التأليف الأصوب ، ونظمها على التركيب الأصح ، فحينئذ يكون هذا العالم واقعا بتقديره وتركيبه ، فيكون خالقا لها. فيثبت : أن لفظ الخلق لا يفيد كونه تعالى محدثا لذواتها وموجدا لأعيانها.

واللفظ الثالث : لفظ الفاطر. قال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٢) فالفطر في أصل اللغة : هو الشق ، قال تعالى : (فَارْجِعِ الْبَصَرَ ، هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) (٣)؟ أي : هل ترى فيه انشقاقا؟ ويقال : فطر ناب البعير ، أي انشق الموضع ، عن ذلك الناب.

إذا عرفت هذا فنقول : بتقدير أن تكون الأجزاء ، كانت أزلية ، وكانت عارية عن الصفات ، كانت لا محالة ظلمانية ، لأنه لا معنى للظلمة إلّا عدم النور ، عما من شأنه أن يقبل الضوء. فإذا خلق الله الضوء ، وأخرج طائفة من تلك الأجزاء ، وركب منها هذا العالم ، كان هذا المعنى في اطلاق لفظ الفاطر [عليه (٤)] قال ابن عباس : «ما كنت أعرف أن الفاطر ، ما هو؟ حتى اختصم أعرابيان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي : أنا أحدثتها».

إذا عرفت هذا فنقول : إنه [إن (٥)] كان فاطرا لتلك البئر ، لا لأجل (٦)

__________________

(١) آل عمران (٥٩)

(٢) أول فاطر

(٣) الملك ٣

(٤) من (ت)

(٥) لأنه (ط)

(٦) لأنه (ط)

٣٠

أنه أحدث [تلك الأجزاء ، بل لأنه أحدث (١)] ذلك الشكل والهيئة في تلك الأجزاء. فهذا يدل على أن لفظ الفاطر ، لا يدل على كونه تعالى محدثا للذوات.

واللفظ الرابع : قوله تعالى : (وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (٢) وهذا أيضا لا يدل على هذا المطلوب ، لأن العالم يحتاج إلى البارئ ، في حصول الصفات المخصوصة ، والنعوت المخصوصة. وهذا القدر يكفي في حصول الحاجة. وأيضا : فالذوات عند القوم ممكنة لذواتها ، واجبة بسبب [وجوب (٣)] علتها ، وهذا يكفي في حصول معنى الحاجة.

اللفظ الخامس : قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ) قالوا : والأول هو الفرد السابق. وهذا يدل على أنه لم يوجد في الأزل مع الله غيره. وهذا أيضا لا يفيد هذا المقصود ، لأنه ليس من شرط كونه أولا ، أن يكون أولا لكل شيء ، لأن اللفظ المهمل في جانب الثبوت ، يكفي [في حصوله (٤)] حصول مسماه في فرد واحد. وأيضا : فبتقدير أنه [يجب أن (٥)] يكون أولا لكل ما سواه ، لكن القوم يقولون : العالم ممكن لذاته ، واجب بوجوب (٦) علته ، والعلة سابقة على المعلول بالعلية وبالذات ، فيكون أولا لكل ما سواه بهذا التفسير.

اللفظ السادس : قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ : أَنْ نَقُولَ لَهُ : كُنْ. فَيَكُونُ) والمراد بقوله : (كُنْ) : نفاذ القدرة والإرادة ، فدل على أنه [تعالى (٧)] كون الأشياء بقدرته ، وهذا أيضا لا يدل على هذا المطلوب ، لأن هذه الآية تدل على أن كل ما أراد الله تكوينه ، فإنه يكون بهذا الطريق ،

__________________

(١) من (ط)

(٢) محمد (٣٨)

(٣) سقط (ط ، س)

(٤) من (ط ، س)

(٥) من (ط ، س) بوجود (ط)

(٦) من (ط ، س)

(٧) السموات (ت)

٣١

وعلى هذا الوجه ، فلم قلتم : إنه تعالى أراد تكوين الذوات ، وتكوين الأجسام؟ وهل النزاع إلا فيه؟

فيثبت بهذه البيانات : أنه ليس في القرآن ما يدل على حدوث الذوات.

وأما التوراة فقال في أوله : «أول ما خلق الله السماء (١) والأرض ، وكانت الأرض خربة خاوية ، وكانت الظلمة على الغمر ، وريح الله تهب وترف على وجه الماء. فقال الله : ليكن نور ، فكان نور (٢)» هذا لفظ التوراة فقوله : «خلق الله السماء والأرض» لا يدل على إيجاد تلك الذوات والأجزاء ، على ما بيناه. وقوله : «وكانت الظلمة على الغمر» [يدل على أنه (٣)] كان في الظلمة ، وهذا عين قول من يقول : إن تلك الأجزاء كانت مظلمة ، لأن الظلمة عدم النور ، عما من شأنه أن يستنير ، فتكون الظلمة سابقة [لا محالة (٤)] على النور ، وقوله : «وريح الله تهب وترف على وجه الماء» عين قول من يقول : إنه تعالى حرك تلك الأجزاء ، بعد أن كانت ساكنة ، وأظهر فيها النور ، بعد أن كانت في الأزل مظلمة.

فيثبت بهذه البيانات : أنه ليس في القرآن ولا في التوراة : لفظ يدل بصريحه على أن هذه الذوات حادثة بعد عدمها ، كائنة بعد أن كانت نفيا محضا ، وسلبا صرفا. ولا شك أن هذين الكتابين أعظم الكتب الإلهية ، فلما [خلا (٥)] هذان الكتابان عن التصريح بهذا المطلوب ، أوهم ذلك أن هذه المسألة بلغت في الصعوبة إلى حيث صارت في محل الصعوبة.

فإن قال قائل : النبوة فرع على الإلهية. فمن قال بقدم العالم ، لزمه القدح في الإلهية ، فكيف يستقيم معه إثبات النبوة؟ فنقول (٦) : لمن قال إن :

__________________

(١) أول سفر التكوين

(٢) زيادة

(٣) من (ت)

(٥) من (ت)

(٤) زيادة

(٦) فنقول : إن لمن قال الذوات قديمة أن نقول إنا لا نستدل ... إلخ [الأصل]

٣٢

الذوات قديمة. إنا لا نستدل بوجود تلك الذوات ، على وجود الإله القادر الحكيم. بل نقول إن تلك الذوات اختلفت في الصفات ، فبعضها لطيفة علوية ، وبعضها كثيفة سفلية ، فاختلافها في هذه الصفات ، لا بد وأن يكون لأجل القادر المختار ، وإذا ثبت وجود الإله بهذا الطريق ، فحينئذ يمكن تفريع القول بالنبوة عليه. فيثبت بما ذكرنا : أن أكابر الأنبياء ـ صلوات الله عليهم ـ سكتوا عن الخوض في هذه المسألة ، وذلك يدل على أنها بلغت في الصعوبة إلى حيث تعجز العقول البشرية عن الوصول إليها. والله أعلم.

٣٣
٣٤

المقدمة الخامسة

في

أن هذا العالم. هل له أول أم لا؟

القائلون بأنه يمتنع كون العالم قديما ، ويجب كونه محدثا : اضطربوا في إمكان وجود العالم. هل له أول ، أم لا؟ فمنهم من قال : إنه لا أول لهذا الإمكان. ومنهم من قال : له أول.

أما الذاهبون إلى القول الأول فقالوا : لو كذب قولنا : لا أول ، لإمكان العالم ، لصدق نقيضه ، وهو أنه لا بد لذلك الإمكان من أول. وإذا كان الأمر كذلك ، لزم أن يقال : إن قبل ذلك الأول ، كان الإمكان مفقودا ، كان الحاصل ، أما الوجوب بالذات أو الامتناع بالذات ، فإن كان الأول ، كان القول بالقدم لازم ، وإن كان الثاني لزم أن يقال : العالم كان ممتنع الوجود لذاته [ثم انقلب ممكن الوجود لذاته (١)] وهذا باطل. والذي يدل عليه وجوه :

الحجة الأولى : وهو أن كل ما كان ممتنع الوجود لعينه ولذاته (٢) امتنع أن يقبل الوجود البتة ، لأن مقتضى الماهية لا يتبدل ولا يتغير ، فإن كانت الماهية مقتضية لعدم قبول الوجود ، وجب أن تكون أبدا كذلك ، وإن كانت مقتضية لقبول الوجود ، وجب أن تكون [أبدا (٣)] كذلك. فيثبت : أن العالم لو صدق

__________________

(١) من (ت)

(٢) لذاته ولعينه (ط ، س)

(٣) من (ت)

٣٥

عليه في بعض الأوقات [أنه ممتنع الوجود لذاته ، لصدق عليه الحكم في كل الأوقات (١) ولما كان التالي كاذبا ، كان المقدم أيضا كاذبا (٢). فإن قيل : هذا الكلام إنما يتم إذا قلنا : الماهيات مفتقرة حالتي الوجود والعدم ، حتى يقال : إن تلك الماهية لما اقتضت أمرا ، وجب بقاء [ذلك (٣) الاقتضاء أبدا. وهذا بناء على أن المعدوم شيء ، ونحن لا نقول به ، فلا يلزمنا هذا الكلام. فنقول : الجواب عنه من وجوه :

الأول : إن جميع العقلاء يقولون : الجمع بين الضدين ممتنع لعينه ولذاته ، فلا جرم وجب بقاء هذا الامتناع أبدا ، وأن كون الواحد ضعف الاثنين ممتنع لذاته ، فوجب بقاء هذا الامتناع أبدا. ثم إن أحدا من العقلاء لم يقل : إن الممتنعات أشياء في العدم ، بل هي عدمات محضة وسلوب صرفة ، وليس لها ماهيات ولا أعيان. فإذا عقل هذا ، فلم لا يعقل أيضا هاهنا أن نقول : لو صدق على العالم في وقت من الأوقات ، أنه ممتنع لعينه ولذاته ، لوجب أن يبقى هذا الامتناع أبدا ، وإن كنا لا نقول : بأن المعدوم شيء؟.

والوجه الثاني : إن وصف العدم بالامتناع والإمكان ، إنما يوجب [القول بأن (٤) المعدوم شيء ، لو ثبت أن الامتناع أو الإمكان وصفان وجوديان ، أما إذا كانا وصفين عدميين ، لم يلزم من إسنادهما إلى الماهية قبل وجودها ، كون تلك الماهية ذاتا وعينا بدليل : أن إسناد المحمولات العدمية إلى الموضوعات العدمية : غير ممتنع البتة أصلا.

الوجه الثالث : هب أن هذا السؤال يتوجه هاهنا ، إلا أنا نذكر ذلك الكلام في صورة لا يتوجه عليها ذلك السؤال. فنقول : لا شك أن قدرة الله [تعالى (٥)] لها صلاحية التأثير في إيجاد العالم. فهذه الصلاحية إما أن يكون لها

__________________

(١) سقط (ط ، س)

(٢) كذلك (ط ، س)

(٣) من (ط)

(٤) من (ط)

(٥) من (ت)

٣٦

أول ، وإما أن لا يكون لها أول ، وليس لكم إيراد ذلك السؤال هاهنا ، لأن قدرة الله صفة موجودة ، ولا معنى لقدرته إلا تلك الصلاحية [وإلا تلك الصحة (١)] فثبت : أن هذا السؤال مدفوع [من كل الوجوه (٢)]

الحجة الثانية (٣) : [إنه (٤)] لو كان العالم ممتنعا لذاته في الوقت الأول ، ثم انقلب ممكنا لذاته في الوقت الثاني ، فذلك الإمكان إما أن يحدث مع جواز أن لا يحدث ، أو يحدث مع وجوب أن يحدث. فإن كان الأول كان إمكان حدوث هذا المكان سابقا على حدوث هذا الإمكان يقتضي حصول الإمكان ، فقد كان الشيء ممكنا [قبل كونه ممكنا (٥)] وذلك محال ، وإن كان الثاني وهو أنه حدث مع وجوب أن يحدث ، فنقول : إن هذا غير معقول ، وبتقدير كونه معقولا ، فإنه يقتضي نفي الصانع. أما أنه غير معقول ، فلأن الأوقات متشابهة متساوية ، فإن بتقدير أن يحدث قبل ذلك الوقت بتقدير يوم واحد ، لا يصير أزليا. وإذا كانت الأوقات متشابهة متساوية ، كان القول بأنه ممتنع الحدوث قبل ذلك الوقت بتقدير يوم واحد ، وواجب الحدوث في ذلك الوقت بعينه : قول خارج عن العقل. وأما أن بتقدير صحته ، فإنه يلزم نفي الصانع وذلك [محال (٦)] لأنه لو جاز أن يقال : إنه حدث ذلك الإمكان في ذلك الوقت بعينه ، حدوثا لا على سبيل الوجوب الذاتي ، فلم لا يجوز أيضا أن يقال : إن وجود العالم حدث في ذلك الوقت بعينه حدوثا على سبيل الوجوب الذاتي؟ وحينئذ لا يمكن الاستدلال بحدوث المحدثات على افتقارها إلى الصانع ، وذلك يوجب نفي الصانع. فثبت بهذا أن هذا القول باطل.

الحجة الثالثة (٧) : إنا توافقنا على أنه تعالى كان قادرا على إيجاد

__________________

(١) من (ط)

(٢) من (ط)

(٣) الثانية (ط)

(٤) من (ت)

(٥) من (ط ، س)

(٦) من (ت)

(٧) الثالثة (ط) في المتن (الثالث)

٣٧

[هذا (١)] العالم قبل الوقت الذي أوجده فيه بمقدار ألف سنة ، لأن بتقدير أن يتقدم حدوثه [على هذا الوقت الذي حدث (٢)] فيه بمقدار ألف سنة لا يصير أزليا ، وإذا ثبت هذا فلا وقت يفرض كونه أولا لوقت حصول الإمكان ، إلّا وكان الإمكان حاصلا قبله بمقدار آخر متناه ، وإذا كان لا وقت يشار إليه إلا وقد كان الإمكان حاصلا قبله لزم القطع بأنه ليس هذا الإمكان مبدأ البتة ، فوجب القطع بأنه لا أول لهذا الإمكان. وهو المطلوب.

الحجة الرابعة (٣)] : [إنه (٤)] لو صدق في وقت من الأوقات أنه يمتنع على قدرة الله التأثير في الإحداث والتكوين ، ثم صدق بعد ذلك على تلك القدرة أنه يصح منها التأثير والتكوين ، فإما أن يحصل هذا التبدل لأمر ، أو لا لأمر ، والقسمان باطلان. أما حصوله لا لأمر أصلا ، فهو غير (٥) معقول ، وأما حصوله لأمر [ما (٦)] سواء كان ذلك وجودا [بعد عدم ، أو كان عدما (٧)] بعد وجود ، فحصول ذلك التبدل في ذلك الوقت بعينه ، إما أن يكون واجبا أو ممكنا. فإن كان واجبا عاد التقسيم الأول فيه ، وهو أن اختصاص ذلك التبدل بذلك الوقت المعين من غير سبب : كلام لا يقبله العقل. وإن كان ممكنا فحينئذ يمكن حصول ذلك قبل ذلك الوقت ، وبتقدير حصول ذلك التبدل قبل [حصول (٨)] ذلك الوقت ، لزم حصول ذلك الإمكان قبل ذلك الوقت. وإذا كان كذلك فذلك الشيء كان ممكن الوجود قبل ذلك الوقت ، وكنا فرضناه ممتنعا. هذا خلف. فثبت : أن القول بإثبات أول لهذا الإمكان ، ولهذه الصحة : كلام لا يقبله العقل.

الحجة الخامسة (٩) : إن الذي يكون ممتنعا لذاته ، وجب أن يكون ممتنعا أبدا. والذي يكون ممكنا لذاته ، وجب أن يكون ممكنا أبدا. ولو جاز التغير

__________________

(١) من (ط)

(٦) ما (ت)

(٢) من (ط)

(٧) من (ط ، س)

(٣) الرابعة (ط)

(٨) من (ت)

(٤) من (ت)

(٩) الخامسة (ط)

(٥) فغير (ط)

٣٨

على هذه المعاني ، فحينئذ لا يبقى للعقل أمان في الحكم بجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات. فلعل الجمع بين الضدين وإن كان ممتنعا ، فسيجيء وقت يصير فيه واجبا لعينه ، ولعل كون الأربعة زوجا ، وإن كان واجبا لذاته ، فسيجيء وقت يصير فيه ممتنعا لعينه. وبالجملة : فالعقل إنما يمكنه تركيب المقدمات بناء على أن ما يكون ممتنعا لعينه ، وجب أن يكون كذلك أبدا ، وما كان واجبا لعينه ، وجب أن يكون كذلك أبدا. فإن أدخلنا الطعن والتكذيب في هذه المقدمة ، فحينئذ لا يبقى عند العقل مقدمة يمكنه الجزم بها ، وذلك [دخول في السفسطة (١)]

وأما القائلون بإثبات الأول لهذا الإمكان. فقد احتجوا عليه ، وقالوا : إنه [إذا كان (٢)] لا أول لإمكان وجود العالم في نفسه ، ولا أول أيضا لإمكان تأثير قدرة الله تعالى فيه ، فعلى هذا التقدير ، لا امتناع في تأثير قدرة الله تعالى في وجود العالم من الأزل إلى الأبد. وإذا كان الأمر كذلك ، لزم [القطع (٣)] بأنه لا امتناع في كون العالم موجودا في الأزل ، ولا امتناع في كونه تعالى موجدا للعالم في الأزل. وإذا كان الأمر كذلك ، كان القول بأن العالم يمتنع أن يكون قديما مع ذلك القول ، يوجب الجمع بين النقيضين ، وهو محال. وأيضا : فالفعل ما له أول ، والأزل ما لا أول له ، والجمع بينهما محال.

واعلم أن هذا الكلام مشكل جدا ، وقد أجبنا عنه في كتاب «الأربعين» فقلنا : إنا إذا وجدنا (٤) الشيء المعين ، بشرط كونه مسبوقا بالعدم ، فإنه مع هذا الشرط لا أول لصحة وجوده ، ثم لا يلزم من قولنا : لا أول لصحة وجوده مع هذا الشرط ، صدق قولنا : إنه يصح أن يكون أزليا ، لأنه مع شرط كونه مسبوقا بالعدم ، يمتنع أن يكون أزليا. فيثبت : أنه لا يلزم من قولنا : إنه لا أول لصحة وجوده ، قولنا : إنه يصح أن يكون أزليا.

__________________

(١) من (ط ، س)

(٢) من (ط)

(٣) من (ط ، س)

(٤) أخذنا (ط)

٣٩

واعلم أن هذه المعارضة قوية واقعة جدا ، لأن المسألة في نفسها : مشكلة. فإنا لما سلمنا أنه لا أول لإمكان وجودها ، كان معناه : أن إمكان وجودها حاصل في الأزل ، فإذا قلنا : إنه يمتنع كونه أزليا ، كان معناه : أن إمكان وجوده غير حاصل في الأزل ، فهذا يقتضي الجمع بين الضدين. وهب أن هذه المسألة ، صعبت على الكل في الصورة المذكورة ، لكن كيف اجتمع فيها صدق القولين مع كونهما متناقضين؟ ولا شك أنه في غاية الصعوبة [والله أعلم (١)]

__________________

(١) من (ط)

٤٠