المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٣

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

الفصل الأول

في

حصر صفات الله تعالى

اعلم (١) أن المتكلمين حصروا الصفات في هذه الثمانية. وهي كونه حيا ، عالما ، قادرا ، مريدا ، سميعا ، بصيرا ، متكلما ، باقيا. فإذا قيل لهم : فهل تثبتون لله صفة أخرى؟ قالوا : لا. لأن الدليل لم يدل إلا على هذه الصفات ، وما لا دليل عليه يجب نفيه. وربما قالوا : لو جوزنا إثبات ما لا دليل عليه لم يكن عدد أولى من عدد آخر ، فيلزم إثبات أعداد لا نهاية لها من الصفات المجهولة. وذلك محال.

وقد علمت في علم المنطق : أن عدم العلم بالشيء لا يفيد العلم بعدم الشيء.

وعلمت أيضا : أن قول القائل : ليس عدد أولى من عدد. أن أريد به عدم هذه الأولوية في الذهن والعقل ، فذاك لا يفيد إلا التوقف وعدم الجزم ، وإن أريد به عدم الأولوية في نفس الأمر ، فهذا مما لم يمكن إثباته ، بل الواجب أن يقال : إن ما دل العقل على ثبوته قضينا بثبوته وما لم يدل العقل على ثبوته ولا على عدمه وجب التوقف فيه. والله أعلم.

__________________

(١) واعلم أن الفصول من هنا إلى آخر الكتاب الثالث من المطالب العالية ، فصول تفسيرية. وهي في النسخ تبدأ من الفصل الثالث عشر ، إلى الفصل الثاني والعشرين. وسنضع الفصول التفسيرية هذه تحت باب ، سميناه «كلمات في الصفات» وعنونا الفصول : بالفصل الأول ، والثاني ... إلخ.

٢٢١
٢٢٢

الفصل الثاني

في

أنه تعالى عالم لذاته أو لمعنى؟

اعلم (١). أن أهم المهمات في هذه المسائل البحث عن محل الخلاف. فنقول : لا شك أن القادر هو الذي يصح منه الفعل. وهذه الصحة ليست نفس تلك الذات المخصوصة ، لأن المفهوم من هذه الصحة قد يعلمه من لا يعلم حقيقة تلك الذات المخصوصة. وأيضا : العالم هو الذي يكون له شعور بذلك الشيء ، وتبين به. وقد عرفت أن معنى الشعور والإدراك والتبيين لا يحصل البتة إلا عند حصول نسبة مخصوصة بين ذلك العالم وبين المعلوم. وهذه النسب والإضافات المسماة بالتعلق لا بد من إثباتها ، وإلا فيمتنع الاعتراف بكونه تعالى قادرا عالما ، فإن كان المراد بقولنا : إنه تعالى عالم وله علم. وقادر وله قدرة هذا المعنى فذلك مما لا سبيل البتة إلى إنكاره ، وإن كان معنى العالم هو الذات الموصوفة بهذه النسبة الخاصة ، ومعنى القادر هو الذات الموصوفة بتلك الصحة المخصوصة ، كان نفي هذه النسب ، وهذه الإضافات نفيا لكونه عالما قادرا. وإن كان المراد منه معنى آخر وراء ما ذكرناه فذلك يستدعي بحثا آخر ، سوى ما ذكرناه. وتقريره :

إن من المتكلمين من زعم : أن العلم صفة قائمة بذات العالم ، ولها تعلق بالمعلوم وهذا القائل أثبت أمورا ثلاثة : أحدها الذات. وثانيها :

__________________

(١) الرابع عشر [الأصل].

٢٢٣

الصفة. وثالثها : التعلق الحاصل بين تلك الصفة وبين ذلك المعلوم.

ومنهم من زعم أن العلم صفة توجب العالية ثم إنهم أثبتوا تعلقا بين العالم وبين المعلوم، ولا أعرف كيفية مذاهبهم فيه. فإنه يحتمل أن يقولوا : العالمية هي المتعلقة بالمعلوم لا العلم ، ويحتمل أن يقولوا : العلم هو المتعلق بالمعلوم ، لا العالمية. وعلى هذه التقديرات فقد أثبتوا أمورا أربعة : الذات ، والعلم ، والعالمية ، والتعلق. ولا يبعد أن يثبتوا التعلق للعلم وللعالمية أيضا. (وعلى هذا التقدير فقد أثبتوا أمورا خمسة.

وأما نحن فلا نثبت إلا أمرين الذات) (١) والنسبة ، المسماة بالعالمية ، وندعي أن هذه النسبة ليست نفس الذات ، بل هي أمر زائد على الذات ، موجود في الذات. وهذا هو البحث عن المعقول الصرف.

فأما المباحث اللفظية فهي أمور :

أحدها : أن تلك الصفات ، هل يقال : إنها مغايرة للذات أم لا ، بل هي لا نفس الذات ولا غيرها؟

وثانيها : أن هذه الصفات هل توصف بكونها قدماء أم لا؟

وثالثها : أن تلك الصفات هل توصف بأنها أعراض أم لا؟

ورابعها : أنها هل توصف بأنها قائمة بالذات أو حالة في الذات ، أو موجودة في الذات ، أو يجب الامتناع من كل هذه الألفاظ ، إلا أنه يقال : إنها موجودة بالذات؟ فجميع هذه المباحث لفظية لا معنوية.

إذا عرفت هذا فنقول : المشهور أن الفلاسفة والمعتزلة ينكرون الصفات (٢) وأما الصفاتية فإنهم يثبتونها.

__________________

(١) من (م).

(٢) المعتزلة لا ينكرون الصفات. وكيف ينكرون صفة القدرة ، وهم يقرءون في القرآن (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؟ ولهم كتب في علم التوحيد مثل شرح الأصول الخمسة ، والمغني. والمجموع في المحيط بالتكليف فيها : إثبات الصفات ، وهي للقاضي عبد الجبار وتفسير القرآن للزمخشري فيه تنزيه الله تعالى عن مشابهة المخلوقين. وللقاضي عبد الجبار أيضا : كتاب تنزيه القرآن عن ـ

٢٢٤

والتحقيق في شرح محل الخلاف ما ذكرنا.

قلنا : هاهنا مقامان : الأول : إثبات العلم والقدرة ، بمعنى تلك النسب المخصوصة أمور زائدة على الذات. والمقام الثاني : بيان أن تلك الصفات المسماة بالعلم والقدرة. هل هي واجبة الوجود بأنفسها ، أو الموجب لها هو ذات الله تعالى ، أو يقال : ذات الله يوجب معنى ، وذلك المعنى يوجب هذه النسب والإضافات؟ فهذا تمام الكلام في هذا البحث.

أما المقام الأول : فهو في بيان أن القدرة والعلم بالتفسير الذي ذكرناه يمتنع أن يكون عين الذات ، بل هما صفتان قائمتان بالذات ، والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه :

الحجة الأولى : إن قولنا : عالم يناقضه قولنا : ليس بعالم ، (ولا يناقضه قولنا ليس بموجود ، وقولنا : موجود يناقضه قولنا : ليس بموجود ، ولا يناقضه قولنا : ليس بعالم) (١) ولو كان كونه موجودا هو عين كونه عالما ، لامتنع حصول هذا التغاير ، لأن الشيء الواحد يمتنع أن يصدق عليه كونه نقيضا له ، وكونه ليس نقيضا له.

الحجة الثانية : إذا دل الدليل على أن العالم لا بد له من مؤثر قديم أزلي واجب الوجود لذاته ، فعند هذا يبقى العقل متوقفا في أن ذلك المؤثر عالم ، أو ليس بعالم. وقادر ، أو ليس بقادر ، ويفتقر في إثبات كونه تعالى عالما قادرا إلى دليل منفصل ، ولو كان كونه عالما قادرا نفس كونه موجودا قديما واجبا. لما كان الأمر كذلك ، لأن الشيء الواحد يمتنع أن يصدق عليه كونه معلوما ، وكونه لا معلوما. لأن الجمع بين النقيضين محال.

الحجة الثالثة : إذا قلنا : إن ذات الله الموجودة موجودة. خرجت القضية

__________________

ـ المطاعن وكتاب تثبيت دلائل النبوة. والمؤلف نقل عنهم إثبات الصفات ، وكلامهم فيها ، ولكن المعتزلة ينكرون صفات الجسمية لله عزوجل ، وينكرون أن يكون الله جسما ، وله يد ورجل وعين وأذن جارحة. فمن قال من العلماء : إن المعتزلة ينكرون الصفات ، فهو يعني أنهم ينكرون صفات الأعضاء ، لا صفات المعاني والأفعال.

(١) من (س).

٢٢٥

عن الإفادة. وإذا قلنا : ذات الله الموجودة : عالم قادر ، كانت القضية مفيدة ، وافتقرنا في التصديق بها إلى الحجة. ولو لا أن المفهوم من كونه عالما قادرا مغاير للمفهوم من كونه موجودا ، لم يكن الأمر كذلك.

الحجة الرابعة : إنا بينا أنه عالم تحصل النسبة المسماة بالعلم ، لم يحصل كون العالم (١) عالما والنسبة بين ذات العالم وبين ذات المعلوم صفة لتلك الذات ، ومفتقرة إليها ، وكيف لا نقول ذلك ، والنسب والإضافات مقولة بالقياس إلى غيرها ، والذوات القائمة بأنفسها ليست كذلك ، وكل ذلك يوجب التغاير؟

الحجة الخامسة : إن المفهوم من كون الذات قادرة ، غير المفهوم من كونها عالمة. وذلك لأن القادر قد يكون عالما ، وقد لا يكون ، كما أن العالم قد يكون قادرا وقد لا يكون. فلما كان ماهية العالمية غير ماهية القادرية ، وحدّ العالمية غير حدّ القادرية ، فلو قلنا : إنها عين الذات لزم أن يكون الشيء الواحد : لا يكون شيئا واحدا. بل يكون شيئين متغايرين. وذلك محال.

الحجة السادسة : لو كان كونه عالما ، عين كونه قادرا ، لكان كل ما صح كونه عالما به وجب أن يصح كونه قادرا عليه ، فكان يلزم في الواجب لذاته ، وفي الممتنع لذاته أن يكون مقدورا ، كما أنه معلوم له وحيث أطبق أهل العقل أن الواجب لذاته والممتنع لذاته معلوم ، (وليس بمقدور علمنا أن المفهوم من كون الشيء معلوما ، مغاير للمفهوم من كونه مقدورا) (٢) وذلك يقتضي حصول المغايرة بين العلم وبين القدرة.

الحجة السابعة : إن القادر إذا خرج مقدوره إلى الوجود. لم يبق قادرا على إيجاده بعينه. لأن إيجاد الموجود وتحصيل الحاصل محال. والمحال لا قدرة عليه ، فالمقدور بعد دخوله في الوجود لم يبق مقدورا ، لكنه بقي معلوما بعد خروجه إلى الوجود. وصدق هذا النفي ، والإثبات ، يوجب التغاير بين العلم. وبين القدرة (٣).

__________________

(١) العالم (س) الشيء (م).

(٢) من (م).

(٣) من (م ، س).

٢٢٦

الحجة الثامنة : إن العلم ماهية مخصوصة ، والقدرة أيضا ماهية مخصوصة ، فإما أن تكون إحدى الماهيتين عين الأخرى أو غيرها؟ فإن كان الأول كان لفظ العلم ولفظ القدرة لفظان مترادفان ، يفيد كل واحد منهما ما يفيده الآخر. ومعلوم أن ذلك باطل ، لأن حد العلم غير حد القدرة ، وأحكام العلم غير أحكام القدرة ، وخواص كل واحد منهما مغايرة لخواص الآخر. وإذا كان الأمر كذلك وجب أن يكون المعقول من كونه عالما ، مغايرا للمعقول من كونه قادرا ، وأن يكون المعقول من كل واحد منهما ، مغايرا للمعقول من كونه موجودا. وذلك يفيد المطلوب.

ولنعبر عن هذا الكلام بعبارة أخرى. فنقول : المعقول من كونه عالما ، ومن كونه قادرا ، ومن كونه ذاتا موجودة ، إما أن يكون معقولا واحدا ، أو لا يكون كذلك. والأول باطل بالبديهة ، لأنا ببديهة العقل (١) نعلم أن هذه الألفاظ ليست مترادفة بل هي ألفاظ متباينة ، يفيد كل واحد منهما غير (٢) ما يفيد الآخر. فهذه المعاني الثلاثة إما أن تكون ذرات ثلاثة قائمة بأنفسها. وذلك باطل بالاتفاق ، وبصريح العقل ، أو يكون بعضها موصوفا ، والبواقي صفات. وهو المطلوب.

واحتج نفاة الصفات بوجوه :

الحجة الأولى للفلاسفة : قالوا : هذه الصفات إما أن تكون واجبة الوجود لذواتها ، أو جائزة الوجود لذواتها ، والقسمان باطلان ، فالقول بثبوتها : باطل.

أما بيان أنه يمتنع كونها واجبة الوجود لذواتها فلوجهين : الأول : ما ثبت أن واجب الوجود لذاته (٣) يمتنع أن يكون أكثر من واحد. والثاني : أن الصفات غير (قائمة بأنفسها بل هي) (٤) قائمة بالذات ، والقائم بغيره مفتقر

__________________

(١) العقل (س).

(٢) غير (م).

(٣) لذاته (س).

(٤) من (س).

٢٢٧

إلى الغير ، فيكون ممكنا لذاته ، لا واجبا لذاته.

وأما بيان أنه يمتنع كونها ممكنة لذواتها ، فهو أن كل ممكن لذاته ، لا بد له من سبب. وذلك السبب ليس إلا تلك الذات ، وذلك محال من وجهين : الأول : إنه إذا كان المؤثر هو تلك الذات والقابل أيضا تلك الذات فيلزم كون الشيء الواحد قابلا وفاعلا ، وهو محال. والثاني : هو أن الاحتياج لا يحصل إلا عند زمان الحدوث ، وإلا لزم تكوين الكائن ، وهو محال ، فلو كانت هذه الصفات معللة بالغير ، لكانت حادثة ، لكن كونها حادثة محال، فيمتنع كونها معللة بالذات.

الحجة الثانية للفلاسفة : قالوا : إله العالم إما أن يكون فردا أو مركبا ، ويمتنع كونه مركبا ، لأن كل مركب فهو مفتقر إلى كل واحد من أجزائه ، وجزء الشيء غيره ، فكل مركب فهو مفتقر إلى غيره ، وكل مفتقر إلى الغير ممكن لذاته ، فلو كان إله العالم مركبا لكان ممكنا لذاته ، وكل ممكن لذاته ، فلا بد له من سبب يوجده. فيثبت أن إله العالم لو كان مركبا لكان ممكنا ، ولو كان ممكنا افتقر إلى الفاعل ، وذلك محال في حق إله كل الممكنات ينتج أن إله كل الممكنات لا يكون مركبا ، وكل ما لا يكون مركبا ، كان فردا مطلقا. والمجموع الحاصل من الصفة والموصوف يكون مركبا ، فيثبت أن إله العالم فرد مطلق ، وليس فيه تركيب من الصفة والموصوف. وهو المطلوب.

وأما دلائل المعتزلة : ـ فلهم وجوه عامة في كل الصفات ، ووجوه خاصة في كل واحد من الصفات ـ أما الوجوه العامة :

فالحجة الأولى : قالوا : عالمية الله تعالى واجبة ، والواجب لا يعلل. أما أن عالمية الله تعالى واجبة ، فلأنها لو كانت جائزة لافتقر ذلك العالم إلى فاعل يجعله عالما ، وحينئذ يصير إله العالم (١) عبدا ، وهو محال. وأما أن الواجب لا يعلل. فلأن الافتقار إلى العلة ، لأجل أن يترجح بسببها جانب الوجود على جانب

__________________

(١) الإله (م).

٢٢٨

العدم. وإذا كان ذلك الرجحان حاصلا على سبيل الوجوب ، امتنع افتقاره إلى العلة.

الحجة الثانية : القول بالقدماء يفضي إلى المحال فيكون محالا. والدليل عليه : أنا قد دللنا على أن القدم مفهوم ثبوتي ، فالقدماء تكون متشاركة في هذا المفهوم ، (وإذا كانت متشاركة) (١) فإما أن يخالف بعضها بعضا بشيء من الأجزاء المقومة ، أو لا يكون كذلك. فإن كان الأول فما به المشاركة غير ما به المخالفة ، لأن كل واحد من أولئك القدماء مركب من هذين القيدين ، وهما قديمان ، ضرورة أن جزء ماهية القديم قديم ، فذلك الجزءان يتشاركان في القدم ، ويتخالفان في موجبه الآخر ، فيكون كل واحد من ذينك الجزءين أيضا مركبا ، فيلزم كون كل واحد منهما مركبا من أجزاء غير متناهية (وهو محال.

وإن كان الثاني وهو أن أولئك القدماء لا يخالف بعضها بعضا في جزء مقوم للماهية) (٢) فهي أشياء متماثلة في تمام الماهية ، فيلزم كون الذات صفة ، والصفة ذاتا ، ويلزم القول بتعدد الآلهة وهو محال) (٣).

الحجة الثالثة : إنه لو قامت الصفة بالذات لحصل في الوجود قدماء متغايرة ، وذلك باطل بالاتفاق.

الحجة الرابعة : إن المعقول من حلول الصفة في الذات حصول تلك الصفة في الحيز المعين ، تبعا لحصول ذلك المحل فيه ، وإنا لو رفعنا هذا المعنى من العقل ، فحينئذ لا يكون قيام أحدهما بالآخر أولى من قيام الآخر بالأول ، فيثبت أن قيام الصفة بالموصوف ، يقتضي كون الموصوف حاصلا في الحيز ، مختصا بالجهة ، وذلك في حق الله تعالى محال.

الحجة الخامسة : إن ذات الله تعالى ، إما أن يتم إلهيتها بدون هذه الصفات ، وإما أن لا تتم. والثاني يوجب كونه محتاجا إلى الغير ، والأول

__________________

(١) زيادة.

(٢) من (س).

(٣) من (م).

٢٢٩

يقتضي أن تكون تلك الذات المخصوصة كافية في الإلهية. ومتى كان الأمر كذلك ، كان الإله غنيا في إلهيته عن هذه الصفات. ومثل هذه الصفات يجب نفيها بالاتفاق.

الحجة السادسة : الذات وحدها ، إما أن تكون كافية في الإلهية أو لا تكون. فإن كانت الذات وحدها كافية في حصول الإلهية ، كانت هذه الصفات لغوا في حصول الإلهية ، وإن لم تكن كافية. فنقول : الصفات إما أن تكون كافية في حصول الإلهية أو لا تكون. فإن كانت كافية في الإلهية كانت (الذات) (١) لغوا فيها ، وإن لم تكن كافية فنقول : فعلى هذا التقدير الذات من حيث إنها هي غير كافية ، والصفات أيضا غير كافية ، فعند اجتماعهما إما أن يحصل أمر زائد على ما حصل حال الانفراد ، أو لم يكن كذلك. فإن حصل فالموجب لذلك الزائد ، إما الذات وجدها ، أو الصفة وحدها ، وحينئذ يعود التقسيم الأول. أو مجموعهما فحينئذ يعود الكلام من أنه إما أن يكون قد حصل حال الاجتماع (ما لم يحصل) (٢) حال الانفراد ، أو لم يحصل. فإن كان الأول كان حصول ذلك الزائد لأجل سبب زائد آخر ، ولزم التسلسل ، وهو محال ، وإن لم يحصل زائد أصلا كان الحاصل عند الاجتماع ، كما هو عند الانفراد (ولما كان عند الانفراد) (٣) ولم تكن الإلهية حاصلة ، وجب القطع بعدم حصولها عند الاجتماع ، فيثبت أن الإلهية من لوازم تلك الذات المخصوصة من حيث هي هي ، ولا حاجة معها إلى إثبات صفة أخرى.

وأما الوجوه التي تمسكوا بها في نفي العلم خاصة. فهي ثلاثة :

الحجة الأولى : لو كان تعالى عالما بالعلم ، لتعلق علمه بما تعلق به علم الواحد منا ، من الوجه الواحد. وكل علمين كذلك فهما مثلان ، ويلزم من تماثلهما ، إما قدمهما معا ، أو حدوثهما معا ، وذلك محال.

__________________

(١) من (س).

(٢) من (س).

(٣) من (م ، س).

٢٣٠

الحجة الثانية : لو كان تعالى عالما بالعلم ، لكان إما أن يكون عالما بعلم واحد ، أو بعلوم متناهية ، أو بعلوم غير متناهية ، والثلاثة باطلة ، فالقول بكونه عالما بالعلم باطل. وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون عالما بعلم واحد ، لأنه لا يصح أن يعلم كونه تعالى عالما (بهذا المعلوم) (١) مع الذهول عن كونه عالما بالمعلوم الآخر ، والمعلوم مغاير لغير المعلوم. وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون عالما بعلوم متناهية ، لأن معلوماته غير متناهية. وإذا توزعت المعلومات المتناهية على المعلومات التي لا نهاية لها ، لزم تعلق العلم الواحد بمعلومات كثيرة. وإنما قلنا : إنه لا يجوز أن يكون عالما بعلوم غير متناهية ، لأن كل عدد موجود ، فإنه يقبل الزيادة والنقصان ، وكل ما كان كذلك فهو متناهي. ينتج : أن كل عدد موجود فهو متناهى. وما لا يكون متناهيا ، يمتنع وجوده.

الحجة الثالثة : لو كان عالما بالعلم ، لكان إما أن يعلم ذلك العلم بعين ذلك العلم ، وهو محال. لأن العلم لا بد فيه من نسبة مخصوصة ، وحصول النسبة بين الشيء وبين نفسه محال ، أو بعلم آخر ، والكلام فيه كما في الأول. فيلزم إما الدور وإما التسلسل ، وهما محالان.

والجواب عن الأول : إنه بناء على أن الشيء الواحد لا يكون قابلا وفاعلا. وقد بينا أنه باطل.

وعن الثاني : لم لا يجوز أن يقال الذات المخصوصة واجبة الوجود لعينها ، وهي موجبة لتلك العالمية المخصوصة ولتلك القادرية؟.

وأما الحجة الأولى للمعتزلة فنقول : إن عنيت (٢) بكون عالمية الله واجبة لعين تلك الذات المخصوصة ، فهذا عين محل النزاع ، وإن أردت أنها واجبة على الإطلاق فنقول : هذا لا يقدح في غرضنا ، فإن ذات الله إذا كانت موجبة لمعنى ، وكان ذلك المعنى موجبا للعالمية ، فحينئذ تكون ذاته موجبة لما يوجب العالمية وذلك لا يقدح في كون العالمية واجبة.

__________________

(١) من (م ، س).

(٢) أيها القاضي.

٢٣١

وأما الحجة الثانية لهم : فنقول : إنهم معترفون بحصول العالمية والقادرية ، فكل ما تذكرونه في المعنى ، فنحن نورده عليكم في العالمية والقادرية.

وأما الحجة الثالثة : وهو التزام قدماء متغايرة ، فإن عنيتم بالغيرين الحقيقتان المختلفتان. فهذا مسلم. وهو أول المسألة ، وإن عنيتم به الشيئين اللذين يجوز أن يفارق أحدهما الآخر ، إما بمكان أو بزمان فلم قلتم : إن كل موجودين يجب أن يكونا كذلك؟

وأما الحجة الرابعة : وهي أن المعقول من الحلول حصول الصفة في الحيز ، تبعا لحصول محلها فيه. فقد أبطلنا هذا التفسير في باب تفسير الجوهر والعرض. وقوله : لو دفعنا بهذا المعنى لم يكن حلول أحدهما في الآخر أولى من العكس. فجوابه : إنا بينا : أن قول القائل ليس هذا أولى من ذلك مقدمة ركيكة ضعيفة.

وأما الحجة الخامسة : وهي أن ذاته إن كانت كاملة في الإلهية فلا حاجة إلى الصفة. فنقول : لم لا يجوز أن يقال تلك الذات المخصوصة أوجبت المعنى؟ وذلك المعنى أوجب العالمية. وهذا هو بعينه الجواب عن الحجة السادسة.

وأما الحجة الأولى من الوجوه التي تمسكوا بها في نفي علم الله : فنقول : العلمان إذا تعلقا بذلك المعلوم الواحد ، فقد اشتركا في ذلك الحكم ، والاشتراك في الأثر لا يقتضي الاشتراك في ماهية المؤثر ، لأن المختلفان في الماهية لا يمنع اشتراكهما في بعض اللوازم.

وأما الحجة الثانية : فنقول : كل ما أوردتموه علينا في العلم فهو لازم عليكم في التعلقات. وهذا هو الجواب بعينه عن الحجة الثالثة.

فقد ظهر بهذه التنبيهات أن هذه الدلائل بأسرها ضعيفة. ثم نقول : إنها بأسرها إنما تتوجه على من يقول هذه التعلقات معللة بصفات أو بمعاني قائمة بالذات. ونحن لا نقول بذلك ، بل قد دللنا على أن هذه التعلقات معلومات

٢٣٢

زائدة على الذات. وعندنا : إنها معللة بنفس الذات ، وعند هذا يظهر أن شيئا من هذه الدلائل لا يتوجه علينا البتة. وبالله التوفيق.

المقام الثاني : اعلم أنا قد ذكرنا أن المراد من القادرية كونه بحيث يصح منه الإيجاد والترك. والمراد من العالمية هذه النسبة المخصوصة والإضافة المخصوصة فنقول من المعلوم بالضرورة : أن هذه الصحة المخصوصة ، وهذه النسبة المخصوصة لا تكون ذوات قائمة بأنفسها مستقلة بحقائقها ، فهي لا بد وأن تكون ممكنة لذواتها ، وكل ممكن فلا بد له من سبب. وذلك السبب إما تلك الذات أو غيرها. والأول باطل وإلا لكانت تلك الذات مفتقرة في لوازمها إلى غيرها ، والمفتقر إلى الغير ممكن لذاته ، فواجب الوجود لذاته ممكن لذاته فيثبت أن الموجب لهذه الأحكام والنسب هو ذاته المخصوصة ، إلا أنه بقي هاهنا بحث آخر ، وهو : أن اللوازم على قسمين لوازم بغير وسط ولوازم بوسط. فهذه العالمية والقادرية لا يبعد أن يكون موجبها هو عين ذات الله ، ولا يبعد أيضا أن يقال : إن ذات الله تعالى توجب أمرا ، وذلك الأمر يوجب هذه العالمية والقادرية ، وسواء قلنا : تلك الواسطة واحدة ، أو وسائط كثيرة ، فكل واحد من الوجهين محتمل. إلا أنا نقول : لما كان لا بد من الاعتراف بكون تلك الذات المخصوصة موجبة لهذه النسب والإضافات. إما بواسطة وإما بغير واسطة ، وكانت الواسطة مجهولة وجب على سبيل الأولى والأخلق حذف هذه الواسطة من البين. والاعتراف بكون الذات المخصوصة موجبة لها. والذي يقرر ذلك : أنا إذا استدللنا بحدوث العالم على الفاعل المختار. فإذا قيل : لم لا يجوز أن يقال : بأن الفاعل المختار معلول علة موجبة بالذات؟ قلنا : لما وجب الاعتراف بوجود موجود واجب الوجود لذاته ، وبوجود الفاعل المختار ، كان الأولى أن نقول : ذلك الفاعل المختار هو ذلك الموجود الواجب لذاته ، وحذفنا الوسائط من البين. فلما قلنا هذا في المعلولات المباينة عن ذات الله تعالى ، وجب أيضا أن نقوله ونعقله في الصفات القائمة بذات الله.

واحتج القائلون بإثبات هذه المعاني بوجوه :

الأول : وهو أن العلم في الشاهد صفة متعلقة بالمعنى ، فيجب أن يكون

٢٣٣

في الغائب كذلك ، لأن الحقيقة والماهية لا تختلف بسبب اختلاف الشاهد والغائب.

والثاني : إن العالمية حصلت بعد أن لم تكن في الشاهد ، فوجب كون العلم صفة موجودة ، ولا يمكن أن يقال : إن الذي حدث هو مجرد النسب والإضافات لأن ذات الجسم لا يمكن أن تكون متعلقة بالمعلوم ، فوجب أن يكون الحادث صفة يحصل لها هذا التعلق.

والثالث : إن العلم ما له تعلق بالمعلوم ، فلو كانت الذات متعلقة بالمعلوم لزم أن تكون ذات الله علما ، وذلك باطل.

ولمجيب أن يجيب عن الأول : فيقول : العلم في الشاهد ليس إلا هذا التعلق المخصوص ، وإلا هذه النسبة المخصوصة. ونحن نعقل من معنى العلم إلا هذا الشعور وهذا الإدراك وهو ليس إلا هذه النسبة المخصوصة.

وعن الثاني : لم لا يجوز أن يقال : هذه النسبة المخصوصة إذا حدثت في الجسم فقد حصل العلم والشعور والإدراك ، وإذا لم تحصل فقد زال العلم فإما أن يعتقد أنه حصل صفة وحصل لتلك الصفة هذا التعلق ، فهذا ممنوع؟

وعن الثالث : إنا لا نسلم أن العلم عبارة عن شيء متعلق بالمعدوم ، بل العلم عبارة عن نفس التعلق ، وعن نفس تلك النسبة المخصوصة. وعلى هذا فإنه لا يلزم من كون الذات موصوفة (بذلك التعلق) (١) أن تكون الذات عالما ، فهذا تمام كلامنا في هذا الباب (والله أعلم بالصواب) (٢)

__________________

(١) من (س).

(٢) من (م).

٢٣٤

الفصل الثالث

في

احصاء صفات الله تعالى

أطبقت (١) الفلاسفة : على أن صفات الله تعالى. إما سلوب وإما إضافات. أما السلوب فكقولنا : إنه ليس بجسم ولا بجوهر ولا بمتحيز. وأما الإضافات فكقولنا : إنه جواد موجد مفضل ، وأما ما يتركب من هذين القسمين فأقول : إنهم ذكروا ما يبطل هذه المقدمة. وذلك لأنهم قالوا : العلم عبارة عن صورة مطابقة للمعلوم (في العالم) (٢) ، وإذا كان الأمر كذلك فعلمه تعالى بالمعلومات عبارة عن صور مطابقة للمعلومات وتلك الصور ليست باب السلوب ولا من باب الإضافات فهذا اعتراف منهم بأن الله تعالى صفة حقيقية قائمة بذاته. وذلك يبطل قولهم : إن صفات الله محصورة في السلوب والإضافات.

واعلم. أنا بينا أنه لا سبيل إلى إثبات ذلك الحصر إلا على سبيل الأولى والأخلق. وأما العلم فلو كان من باب النسب والإضافات ، لم يكن إثبات العلم قادحا في ذلك الحصر. فهذا ما نقوله في هذا الباب (وبالله التوفيق) (٣).

__________________

(١) الفصل الخامس عشر [الأصل].

(٢) من (س).

(٣) من (م).

٢٣٥
٢٣٦

الفصل الرابع

في

أن تكوين الشيء هل هو نفسه ، نفس المكون ، أو غيره؟

اعلم (١). أنه تعالى إذا أخرج الشيء (إلى الوجود) (٢) ، فههنا أمران : أحدهما : ذلك المكون. والثاني ، أنه تعالى كون ذلك الشيء وأخرجه من العدم إلى الوجود ، فتكوين الله تعالى إياه. هل هو نفس ذلك الأثر أم هو مغاير له؟ ونظير هذا البحث في الشاهد أن التحريك هل هو عين الحركة؟ والتسويد. هل هو عين السواد؟ فمن قال : التكوين نفس المكون. قال (التحريك نفس الحركة ، والتسويد نفس السواد. ومن قال : التكوين نفس المكون. قال (التحريك نفس الحركة ، والتسويد نفس السواد. ومن قال : التكوين غير المكون. قال) (٣) في هذه الصورة بالتغاير. وهذا البحث غامض ، وله غور عظيم.

ونقول : لمن قال : إن التكوين غير المكون أن يحتج بأنه إذا قيل : لم حدث هذا الشيء؟ ولم وجد بعد أن كان معدوما؟ فيقول : لأجل أن القادر أحدثه وأوجده ، فيعلل وجوده بأحداث المحدث إياه ، وبإيجاد الموجد إياه. فلو كان إحداث المحدث إياه نفس وجود ذلك الأثر ، لصار قولنا : إنه إنما وجد لأجل أن القادر أوجده ، جاريا مجرى أن يقال : إنه إنما وجد لنفسه ، لكنه لو

__________________

(١) الفصل السادس عشر [الأصل]

(٢) من (س).

(٣) من (م ، س).

٢٣٧

وجد لنفسه وبنفسه ، لزم أن لا يكون للقادر فيه أثر ، وذلك يقتضي نفي التأثير ، ونفي المؤثر ، وذلك باطل. فيثبت بهذا : أن إيجاد الموجد له ، مغاير لوجوده في نفسه.

وذلك الإيجاد والتكوين ليس هو نفس القدرة ، وذلك لأن القادر قد يكون قادرا على أشياء مع أنه لا يوجدها ، ألا ترى أنه تعالى قادرا على خلق شموس كثيرة ، وأقمار كثيرة ، مع أنه تعالى ما خلقها. فهو قادر عليها وغير خالق لها ، فيثبت بهذا : أن التكوين صفة مغايرة للقدرة ، ومغايرة للمكون وذلك هو المطلوب.

وأما الذين قالوا : التكوين لا يجوز أن يكون غير المكون ، فقد احتجوا عليه : بأن التكوين لو كان غير المكون ، لكان ذلك التكوين إما أن يكون قديما أو محدثا ، فإن كان قديما لزم من قدمه قدم المكون (١) ، لأن التكوين إنما يصدق مع حصول الكون. ألا ترى أنه ما دام الفعل يكون باقيا على العدم الأصلي ، فإنه يصدق على ذلك القادر أنه ما أثر فيه ، وما كونه ، وما تصرف فيه. فيثبت أن التكوين لا حصول له إلا عند حصول المكوّن ، فلو كان التكوين قديما لزم أن يكون المكون قديما ، وذلك يوجب قدم العالم. وإما إن كان التكوين حادثا ، افتقر تكوينه إلى تكوين آخر ، وذلك يوجب التسلسل ، وهو محال.

فهذا خلاصة ما في الموضع (من المباحث العقلية ، وستكون لنا عودة إلى هذا البحث في الكتاب المشتمل على الحدوث والقدم. وبالله التوفيق) (٢).

__________________

(١) المكون (م) المعلول (س).

(٢) من (م ، ت).

٢٣٨

الفصل الخامس

في

تقسيم أسماء الله تعالى

اعلم (١) أن أسماء الله تعالى يمكن تقسيمها من وجوه :

التقسيم الأول : وهو أن الاسم الواقع على الشيء إما أن يكون مسماه هو الذات ، أو جزء من أجزاء الذات ، أو أمرا خارجا عن الذات.

أما (القسم الأول : وهو) (٢) الاسم الدال على الذات : فهذا معقول في الجملة. وهل يعقل إثباته في حق واجب الوجود أم لا؟ ولقائل أن يقول : ذات الله تعالى ذات مخصوصة ، متميزة بنفسها ، وبخصوصيتها عن سائر الذوات ، على ما ثبت ذلك بالبراهين القاطعة ، وتلك الذات المخصوصة من حيث هي هي غير معلومة للخلق. وإذا لم تكن معلومة امتنع وضع الاسم لها ، لأن المقصود من الاسم أن يصطلح شخصان على وضع لفظة معينة لتعريف (معنى) (٣) معين ، حتى أن كل واحد منهما إذا تلفظ بتلك اللفظة عرف السامع أن مراد القائل من تلك اللفظة ذلك المعنى. فعلى هذا وضع الاسم إنما يعقل حيث كان المعنى معلوما للقائل والسامع ، ولما كانت الحقيقة المخصوصة التي لواجب الوجود غير معلومة لأحد من الخلق ، كان وضع الاسم لتلك الحقيقة المخصوصة ، ممتنعا.

__________________

(١) الفصل السابع عشر [الأصل].

(٢) زيادة.

(٣) من (س).

٢٣٩

وعبّر قدماء الفلاسفة عن هذا المعنى فقالوا : إنها حقيقة لا تدركها عقول الخلق ، فلا اسم لها ، إلا أن نشرح الحقيقة بأنها واجبة الوجود لذاتها.

ولمجيب أن يجيب فيقول : الذي ثبت عندنا : أنا لا نعرف تلك الحقيقة المخصوصة. وأما أنه يمتنع عقلا عرفانها ، فذلك لم يثبت بالدليل البتة. وبتقدير أن يكون ذلك ممتنعا لم يبعد أن يشرف الحق ـ سبحانه ـ بعض عباده بتلك المعرفة. وحينئذ يكون وضع الاسم منتفعا به ، وأيضا : فهب أن العقول البشرية تمتنع عليها (هذه المعرفة إلا أنه لم يثبت أن الأرواح القدسية الملكية يمتنع عليها) (١) ذلك. وأيضا : فهب أن العقول البشرية والأرواح الملكية يمتنع عليها تحصيل هذا العرفان ، إلا أنه لا يبعد أن يكون لتلك الحقيقة المخصوصة اسم معين. ثم إنه تعالى يشرف بعض عبيده بتعريف ذلك الاسم ، ولا يبعد أن يكون ذكر ذلك الاسم ، سببا ، لأن تنقاد لذكره الأرواح المطهرة المقدسة ، ولا يبعد أيضا : أن يحصل لذاكره ، قوة في الروح ، لا تحصل إلا بذلك الطريق. فكل هذه الوجوه محتملة.

وأما القسم الثاني : وهو الاسم الذي يفيد جزء الماهية. فنقول : هذا في حق واجب الوجود محال. لأنه فرد منزه عن جهات الكثرة والتركب.

وأما القسم الثالث : وهو الاسم الذي يفيد صفة خارجة عن الماهية. فنقول : هذا الاسم إما أن يدل على صفة حقيقية عارية عن الإضافة ، أو يدل على إضافة فقط (أو على سلب فقط) (٢) أو على صفة حقيقية مع إضافة أو على صفة حقيقية مع سلب. أو على صفة إضافية مع سلب أو على مجموع صفة حقيقية إضافية أو سلبية فهذه أقسام سبعة(٣).

أما القسم الأول : وهو الذي يدل على صفة حقيقية خارجة عن الماهية ،

__________________

(١) من (م).

(٢) من (س).

(٣) حقيقية أو إضافية أو سلبية (م).

٢٤٠