المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٣

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

البحث عن حقيقة الكلام

المسألة الأولى (١) : في البحث عن حقيقة الكلام :

اعلم. أنا نعلم بالضرورة : أن لنا أمرا ونهيا وخبرا واستخبارا. فنقول : هذه الماهيات. إما أن تكون مجرد هذه الألفاظ (أو معاني تدل عليها هذه الألفاظ) (٢).

والأول باطل لوجوه :

أحدهما : وهو أن الصيغ الدالة على ماهية الأمر والنهي صيغ مختلفة ، بحسب اللغات المختلفة ، وماهية الأمر والنهي (واحدة ، فوجب التغاير).

والثاني : إن ماهية الأمر والنهي) (٣) حقائق ذاتية لا يمكن تبدلها وتغيرها بحسب الاصطلاحات والأوضاع. وأما هذه الألفاظ والعبارات فإنها قابلة للتبدل والتغير ، فوجب التغاير.

الثالث : إن الصيغة الموضوعة لإفادة معنى الخبر ، كان يعقل أن تكون موضوعة لإفادة معنى الطلب وبالعكس ، وأما انقلاب ماهية الخبر طلبا.

__________________

(١) في الأصل : الفصل العاشر.

(٢) من (م).

(٣) من (م).

٢٠١

وبالعكس. فإنه غير معقول ، فوجب التغاير.

فهذه الوجوه الثلاثة وأشباهها ، دالة على أن ماهية الأمر والنهي والخبر والاستخبار ، ليست نفس هذه الألفاظ. وإذا عرفت هذا فنقول : اختلفوا في ماهية الطلب. فمنهم من قال إنه : عبارة عن كونه مريدا صدور الفعل من الغير (والنهي : عبارة عن إرادة الترك. ومنهم من قال : الطلب ماهية مغايرة لتلك الإرادة بدليل أنه قد يريد الفعل من الغير) (١) مع أنه لا يأمر به ، وقد يأمر به مع أنه لا يريده. وذلك إذا كان المقصود من الأمر غرض آخر سوى إرادة الفعل ، والأولون أجابوا. فقالوا : إنه إذا أراد فعلا من الغير ، فقد يكون بحيث يريد إعلام الغير (بكونه مريدا لذلك الفعل منه ، وقد يكون بحيث لا يريد ذلك الإعلام وهو إنما يسمى) (٢) أمرا بذلك الفعل إذا أتى بفعل يدل على أنه أراد منه ذلك الفعل. وأما الثاني وهو أنه قد يأمر بما لا يريد ، فقد أجيب عنه : بأن ذلك لا يكون أمرا في الحقيقة. وإنما هو ذكر لفظ يوهم كونه مريدا لذلك الفعل. فهذا منتهى البحث فيه.

ثم تفرع عليه بحث آخر ، وهو أنا سواء قلنا بأن ذلك الطلب النفساني هو الإرادة أو معنى مغايرا لها. إلا أنا إذا أردنا أن نعلم غيرنا حصول ذلك المعنى في قلبنا. (فلا بد وأن نعمل عملا يدل على حصول ذلك المعنى في قلبنا) (٣) فالناس رأوا أن الأصلح الأصواب أن يتواضعوا (على أن يعينوا) (٤) لكل معنى من المعاني ألفاظ مخصوصة ، وإن أتوا بتلك الأصوات المقطعة ، والألفاظ المركبة. دل إتيانهم بها على أنهم أرادوا كذا وكذا. ولقد كانوا قادرين على أن يعرفوا تلك المعاني بأفعال وأعمال سوى هذه الألفاظ إلا أنهم رأوا أن هذا الطريق أسهل وأصوب من وجوه :

الأول : إن الإنسان مضطر إلى استدخال النسيم البارد لأجل ترويح

__________________

(١) من (م ، س).

(٢) من (م).

(٣) من (س).

(٤) من (م).

٢٠٢

القلب. فإذا سخن ذلك النسيم احتاج إلى إخراجه من الصدر ، وذلك الإخراج سبب لحدوث الصوت ، وذلك الصوت يمكن تقطيعه في المخارج المختلفة والمجالس المتباينة ، ويحدث لتلك الأصوات بسبب قطعها في تلك المخارج والمجالس هيئات مختلفة ـ هي الحروف ـ فإذا ركبت تلك الحروف الكثيرة حدثت أصناف كثيرة من الألفاظ ، يمكن تطبق كل واحد منها على نوع من أنواع الماهيات ، وبهذا الطريق يمكن تعريف المعاني التي لا نهاية لها بخلاف سائر الأفعال ، فإنه يقف (١) تركيبها على هذه الوجوه الكثيرة.

والثاني : إن هذه الأصوات كما توجد ، تنقص ، وتعدم فهي موجودة حال الاحتياج إليها ، ومعدومة حال الاستغناء عنها ، وأما سائر الأشياء فقد لا تكون كذلك.

والثالث : إن الاتيان بهذه الأصوات جاري مجرى الإتيان بالأمر الطبيعي ، بخلاف سائر الأعمال ، بهذا الطريق صار التعبير عن المعاني الحاضرة في القلوب والضمائر ، بهذه العبارات والألفاظ ، أولى من التعبير عنها بسائر الطرق. فظهر أن المتكلم عبارة عن فاعل الكلام. لأن المقصود من الكلام : أن يأتي الإنسان بعمل اصطلحوا على أنه متى أتى به ، فإنه يدل على أنه قام بقلبه (ميل إلى شيء ، أو نفرة عن شيء. ثم اصطلحوا على جعل ذلك الدليل هو هذه الألفاظ. وهذا كلام (٢) معقول ، لا مجال للنزاع فيه.

المسألة الثانية : في إثبات كونه تعالى متكلما :

اعلم أن هذا يتفرع على كونه تعالى فاعلا مختارا ، وعلى كونه تعالى عالما بالجزئيات.

ثبت أنه تعالى مريدا لبعض الأشياء وكارها لبعضها ، فإذا خلق أصواتا في جسم مخصوص تدل تلك

__________________

(١) يعتبر (م).

(٢) من (م).

٢٠٣

الأصوات بالوضع والاصطلاح على كونه تعالى مريدا ، لما أراد ، وكارها لما كره. وذلك هو الكلام.

وأما الذين فسروا ذلك الطلب بمعنى مغاير للإرادة فهم يحتاجون إلى إثبات مقدمات. أولها : الفرق المعقول بين ذلك الطلب وبين الإرادة.

وثانيها : إقامة الدلالة على كونه تعالى موصوفا بذلك المعنى ، وليس للقوم فيه دليل جيد على ما سيأتي شرحه.

وثالثها : إن (١) القائلين بهذا المعنى زعموا أن هذا الشيء قديم ، وهو بعيد.

ويدل عليه وجوه :

الأول : إنه لا معنى للأمر والنهي إلّا التزام الفعل ، والتزام الترك ، والعلم الضروري حاصل بأنه قبل وجود زيد فإنه يمتنع أن يحصل إلزامه فعلا ، وإلزامه تركا. فإن معنى الإلزام أن نقول : يا زيد ألزمتك هذا الفعل. ويا عمرو ألزمتك هذا الترك. والعلم الضروري حاصل أن عند عدم زيد ، وعدم عمرو ، فإنه يمتنع أن نقول : يا زيد ألزمتك هذا الفعل ، ويا عمرو ألزمتك هذا الترك ، وإن لم يكن هذا العلم ضرورية ، فليس عند العقل شيء من العلوم الضرورية.

والثاني : إنه تعالى أخبر عن أشياء كقوله : (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً) (٢) و : (عَصى آدَمُ) (٣) ومعلوم أن المخبر عنه سابق في الوجود على حصول الخبر ، فلو كان هذا الخبر أزليا ، لزم أن يكون الأزلي مسبوقا بغيره ، وهو محال. فإن عارضوا ذلك بالعلم نقول : قد ذكرنا : أن المذهب الصحيح في هذا الباب. هو قول أبي الحسين البصري : وهو أنه يتغير العلم عند تغير المعلوم.

__________________

(١) أنه قديم (م).

(٢) نوح ١.

(٣) طه ١٢١.

٢٠٤

الثالث : وهو أنه تعالى لما ألزم زيدا إقامة صلاة الصبح ، فإذا أتى زيد بذلك الفعل. فهل بقي ذلك الإلزام الأول ، أو لم يبق ، فإن بقي وجب أن لا يكون له سبيل إلى الخروج عن العهدة ، لأنه وإن أتى بذلك الفعل ألف ألف مرة ، فالإلزام الأول باقي (وإن لم يبق ذلك الالزام فقد عدم ، والمتكلمون مصرون على أن القديم يمتنع عليه العدم ، فلما عدم هذا الإلزام) (١) وهذا الأمر ، وجب على مقتضى قولهم : أن لا يكون قديما.

الرابع : إن النسخ عندهم جائز ، والنسخ عبارة عن رفع الحكم بعد ثبوته. أو عن انتهاء (زمن) (٢) ذلك الحكم (٣). وعلى التقديرين فقد عدم بعد وجوده ، وما يثبت عدمه امتنع قدمه.

الخامس : إن الصفة القديمة الأزلية تكون تعلقاتها (بمتعلقاتها) (٤) أمرا ذاتيا لازما واجبا. فلو كان أمر الله قديما لوجب تعلقه بكل ما يصح (تعلقه) (٥) به ، لكن الحسن والقبح العقليين باطل عند القائلين بهذا القول ، فلا شيء إلا ويصح الأمر به ، ولا شيء إلا ويصح النهي عنه ، فيلزم تعلق الأمر بكل الأشياء ، وتعلق النهي بكل الأشياء ، فيلزم كون الأشياء بأسرها مأمورا بها ، منهيا عنها ، وذلك يوجب اجتماع الضدين ، وهو محال.

السادس : إنا كما بينا : أن العلم بالشيء ، يجب أن يتغير عند تغير المعلومات (فكذلك الخبر عن الشيء يتغير عند تغير المخبر عنه ، وكل ما يتطرق التغير إليه وجب أن لا يكون قديما ، لأنه) (٦) ثبت أن ما كان قديما كان العدم عليه محالا (٧).

__________________

(١) من (م).

(٢) زيادة.

(٣) القرآن نسخ شريعة التوراة.

(٤) من (س).

(٥) من (س).

(٦) من (م).

(٧) مجالا (م).

٢٠٥

فهذه وجوه عقلية ظاهرة في أنه يمتنع كون هذا الطلب والخبر قديما ، سواء قلنا : إن هذا الطلب هو الإرادة أو غيرها.

واحتج القائلون بقدم الكلام بأشياء :

الأول : إنه تعالى حيّ ، وكل حيّ فإنه يصح أن يكون متكلما ، وكل من صح عليه الاتصاف بصفة ، فإنه يجب أن يكون موصوفا بتلك الصفة أو بضدها. وضد الكلام هو الخرس والسكوت. وذلك نقص ، والنقص على الله تعالى محال ، فوجب أن يكون في الأزل موصوفا بالكلام.

والثاني : وهو أنا أجمعنا على أنه تعالى متكلم ، فأما أن يكون متكلما لذاته ـ وهو باطل بالاتفاق ـ أو يكون متكلما (١) بالكلام ، وذلك الكلام إن كان حادثا ، فأما أن يحدث في ذاته ، أو في غيره ، أولا في محل. والأقسام الثلاثة باطلة ، فبطل كون الكلام حادثا ، فوجب أن يكون قديما. وإنما قلنا : إن حدوث الكلام في (ذات الله محال ، لأنه يوجب قيام الحوادث بذات الله وهو محال. وإنما قلنا : إن حدوث الكلام في) (٢) غيره محال ، لأنه لو جاز أن يكون متكلما بكلام حاصل في غيره ، لجاز أن يكون جاهلا بجهل يقوم بغيره ، وعاجزا بعجز يقوم بغيره. وذلك باطل. وإنما قلنا : إن حدوث الكلام لا في محل : محال. فبالاتفاق. وأيضا : فكلام الله تعالى صفة ، وصفة الشيء تكون حاصلة فيه لا محالة.

والثالث : إن الكلام إما أن يكون صفة كمال ، أو صفة نقص. فإن كان صفة كمال وجب أن يكون موصوفا به أبدا. إذ لو لم يكن موصوفا به في الأزل لزم كونه خاليا عن صفة الكمال ، والخلو عن صفة الكمال ، والخلو عن صفة الكمال نقصان ، والنقصان على الله محال. وإذا كان صفة نقص وجب أن لا يتصف به البتة ، لأن النقص على الله ـ عزوجل ـ محال. وحيث توافقنا على أنه تعالى قد اتصف به ، علمنا أنه ليس من صفات النقص.

__________________

(١) متكلما (س).

(٢) من (م).

٢٠٦

الرابع : إن العلم الضروري حاصل بأن المتكلم أكمل وأفضل ممن لم يكن متكلم ، ولا شك أن الواحد منا متكلم. فلو لم يكن الله في الأزل متكلما ، لزم أن يكون حال الواحد منا عند وجوده أفضل وأكمل من الله تعالى ، حين كان في الأزل ، وذلك محال. فيثبت أنه تعالى موصوف بالكلام في الأزل.

ولقائل أن يقول : أما الوجه الأول : فقد تكلمنا عليه في مسألة السمع والبصر ، والذي نريده هاهنا هو أن نقول : لا نسلم أن السكوت نقص ، بل النقص أن يقول القائل : يا زيد صلّ ، ويا عمرو صم. مع أن زيدا وعمروا يكونان معدومين ، ألا ترى أن الرجل إذا جلس في دار نفسه وحده ، خاليا (عن الناس) (١) ثم يقول : يا مستقر اركب ، ويا قائما أقبل (٢). فإن كل أحد يقضي عليه بالجنون والنقص ، فكذا هاهنا.

وأما الوجه الثاني : وهو أن قولكم : أجمعنا على أنه تعالى متكلم. فنقول : إن عنيتم بكونه متكلما أنه فعل أفعالا مخصوصة ، دلت تلك الأفعال على كونه تعالى مريدا لبعض الأفعال ، وكارها لبعضها ، فهذا مسلم إلا أن هذا القدر لا يدل على كونه تعالى موصوفا بشيء من الصفات المسماة بالكلام ، وإن عنيتم بكونه متكلما : أمرا وراء ذلك فهذا ممنوع. والاتفاق ليس إلا في اللفظ.

وأما الوجه الثالث : وهو أن الكلام صفة كمال ، والخلو عنه نقص ، والنقص على الله محال. فجوابه : أن الاشتغال بالأمر والنهي حال عدم المأمور والمنهي ، هو النقص والسفه.

وهذا بعينه هو الجواب عن الرابع :

فهذا خلاصة الكلام المعقول في هذا الباب.

وأما اللفظيات والسمعيات ، ففيها أقوال كثيرة (٣) لا تليق بهذا الكتاب. والله أعلم بالصواب. ومنه التوفيق.

__________________

(١) من (م).

(٢) في (م ، س). تصحيف.

(٣) أقوال (س).

٢٠٧
٢٠٨

الباب السّابع

في

كونه تعالى قديما باقيا

٢٠٩
٢١٠

في

القدم والبقاء

من الناس (١) من يقول : إن كونه قديما باقيا عين ذاته المخصوصة. ومنهم من يقول : هما صفتان قائمتان بذات الله تعالى.

واحتج الأولون بوجوه :

الأول : إن المفهوم من كون الشيء قديما معقول لنا ، والذات المخصوصة التي هي ذات الله تعالى من حيث إنها هي غير (معلومة لنا) (٢) فوجب التغاير. بيان الأول : أن القديم هو الذي لا أول لوجوده ، والباقي هو الذي يكون مستقر الوجود ، وهذا المفهوم معقول. وأما أن الذات المخصوصة ، التي هي ذات الله تعالى غير معقولة ، فلما ثبت تقريره فيما تقدم. وإذا لاحت المقدمتان ، فالنتيجة لازمة.

الثاني : إنا نقول القديم الباقي إما أن يكون جسما أو جوهرا أو عرضا ، أو شيئا ما (مغايرا) (٣) لهذه الأقسام الثلاثة ، فنجعل المفهوم من القديم الباقي مورد التقسيم إلى هذه الأقسام الأربعة ، ومورد التقسيم مشترك بين الأقسام

__________________

(١) القدم والبقاء : زيادة والعنوان في الأصل : الحادي عشر.

(٢) من (س).

(٣) من (س).

٢١١

فالمفهوم من القديم الباقي ، أمر مشترك بين هذه الأقسام ، فوجب كونه مغايرا لكل هذه الأقسام.

الثالث : إنا نقول : إن ذات الله تعالى قديمة باقية ، فتكون القضية مفهومة. وإذا قلنا : إن ذات الله (تعالى ذات) (١) لم يفد هذا الكلام شيئا ، ولو لا التغاير بين الذات وبين كونها باقية ، وإلا لقام كل واحد من هاتين القضيتين مقام الأخرى.

فهذه الوجوه الثلاثة ، دالة على أن كونه تعالى قديما باقيا ، صفة.

واحتج المنكرون لكون البقاء صفة زائدة على الذات بوجهين :

الأول : إنه لو كان البقاء صفة قائمة بذات الله تعالى ، لافتقرت الذات إلى تلك الصفة فيلزم أن يكون واجب الوجود لذاته ، واجب الوجود لغيره ، وذلك محال. ولقائل أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : الذات المخصوصة لكونها تلك الذات المخصوصة توجب (الدوام والاستمرار. والمحال إنما يلزم لو أثبتنا شيئا وراء الذات يوجب) (٢) دوام تلك الذات. أما إن قلنا : الذات المخصوصة توجب ذلك الدوام ، لم يلزم منه محال. مع أن على هذا التقدير يكون ذلك الدوام صفة من صفات الذات.

الثاني : إنه لو كان الدوام والاستمرار صفة ، لكانت تلك الصفة أيضا دائمة مستمرة، فيلزم أن يكون دوامها زائدا عليها ، ولزم التسلسل ، وأيضا : فنقول : دوام تلك الصفة إما أن يكون لنفسها ، أو لشيء آخر ، فإن كان دوامها لنفسها ، ودوام تلك الذات لأجل تلك الصفة ، (فحينئذ تكون تلك الصفة واجبة لنفسها ، وتكون الذات واجبة لأجل تلك الصفة) (٣) وما يكون دائما لنفسه يكون أولى بكونه ذاتا مستقلة بنفسها ، مما يكون دوامه بسبب غيره ،

__________________

(١) من (س).

(٢) من (م).

(٣) من (م).

٢١٢

وإما إن كان دوام تلك الصفة بدوام شيء آخر ، فذلك الآخر إن كان هو الذات لزم الدور، وإن كان شيئا آخر لزم التسلسل ، والكل محال.

(فهذا حاصل الكلام المعقول الملخص في هذا الباب. والله أعلم) (١).

__________________

(١) من (م).

٢١٣
٢١٤

الباب الثامن

في

كونه تعالى حيا

٢١٥
٢١٦

(اعلم (١) أن المراد من كونه تعالى حيا) : إنه يصح أن يعلم ويقدر ، ولما ثبت بالدليل كونه قادرا عالما. وكل ما كان موجودا امتنع أن يكون ممتنع الوجود ، يثبت أنه تعالى يصح أن يعلم ويقدر ، ولا معنى لكونه حيا إلا ذلك. ولقائل أن يقول : الامتناع مفهوم عدمي ، فنقي الامتناع يكون عدما للعدم ، فيكون موجودا وكونه حيا مفهوم وجودي ، وأنه صفة للذات ، ونعت لها ، فيمتنع أن يكون عين الذات ، (فيكون) (٢) هو صفة وجودية قائمة بالذات.

ومن الناس من قال : الحياة صفة موجودة لأجلها يصح على الذات أن يعلم ويقدر. واحتج عليه : بأنه لو لا اختصاص تلك الذات بالصفة التي لأجلها يصح عليها العلم والقدرة ، لم يكن ثبوت هذه الصحة (٣) لتلك الذات أولى ثبوتها لسائر الذوات.

ويقال له : هذا إنما يلزم لو قلنا : الذوات متساوية في الماهية ، حتى يقال : لو لا اختصاص بعضها بهذه الصفة ، وإلا لما حصل هذا الامتياز. أما لما كانت ذاته المخصوصة مخالفة بالماهية لسائر الذوات لم يلزم ما ذكرتموه.

__________________

(١) عنونا بالباب السابع بدل الفصل الثاني عشر.

(٢) زيادة.

(٣) الصفة (س).

٢١٧

وأيضا : كما أن الذوات مختلفة في صحة أن يعلم ويقدر ، فكذلك مختلفة في صحة أن يكون حيا فإن وجب (أن يعلل ذلك الاختلاف بصفة ، لوجب أن يعلل اختلافها في صحة الحياة) بصفة أخرى ، ولزم التسلسل.

وإن قلتم : بأن ذلك الاختلاف معلل بالذات المخصوصة. فلم لا يجوز مثله في صحة العالمية والقادرية؟ والله أعلم.

٢١٨

الباب التاسع

كلمات في الصفات

٢١٩
٢٢٠