المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٣

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]

المطالب العالية من العلم الإلهي - ج ٣

المؤلف:

محمّد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري [ فخر الدين الرازي ]


المحقق: الدكتور أحمد حجازي السقا
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٣

الباب الثالث

في

كونه تعالى عالما

١٠١
١٠٢

الفصل الأول

في

تحقيق الكلام في حقيقة العلم والإدراك

اعلم. أنا قد استقصينا الكلام (١) في هذا الباب ، في أول علم المنطق من هذا الكتاب (٢) ، ولا بأس بأن نعيد بعض تلك الوجوه مع فوائد أخرى لزيادة البيان. فنقول : لا شك أنا نعلم بالضرورة : (أنا نعلم شيئا من الأشياء ، ونعلم أيضا بالضرورة) (٣) : أن العلم إما تصور وإما تصديق ، وهذا القدر معلوم لا نزاع فيه بين العقلاء.

ثم اختلفوا بعد ذلك. وطريق ضبط الأقوال في هذا الباب أن نقول : العلم إما أن يكون مفهوما إيجابيا ، أو سلبيا ، فإن كان مفهوما إيجابيا ، فإما أن يكون مجرد نسبة وإضافة (وإما أن يكون صفة حقيقية) (٤) ، وإما أن يكون مجموع صفة حقيقية مع نسبة مخصوصة [أو صفة حقيقية مخصوصة من باب السلوب (٥)] فهذه أقسام أربعة لا مزيد عليها.

أما القسم الأول : وهو أن يكون العلم والإدراك عبارة عن مجرد (٦) نسبة

__________________

(١) استقصينا في هذا الباب (م).

(٢) يقصد مقدمة المؤلف لكتاب المطالب العالية.

(٣) من (م ، س).

(٤) من (س).

(٥) هذا هو القسم الرابع.

(٦) مجرد (م).

١٠٣

مخصوصة ، وإضافة مخصوصة فهذا (قول) (١) قد ذهب إليه جمع عظيم من الحكماء والمتكلمين ، وهو المختار عندنا. وهو الحق. وذلك لأنا إذا علمنا شيئا فإنا نجد بين عقولنا وبين ذلك المعلوم نسبة مخصوصة وإضافة مخصوصة. ولهذا السبب فإنه ما لم يحصل في مقابلة الشيء الذي هو العالم شيء آخر هو المعلوم ، امتنع حصول الأمر المسمى بالعلم. وبالجملة: فحصول هذه النسبة عند حصول الأمر المسمى بالعلم وبالإدراك وبالشعور ، كالأمر (٢) المعلوم بالبديهة.

وأما القسم الثاني. وهو أن يقال : العلم صفة حقيقية. فهذا قول جمهور الفلاسفة ، فإنهم يقولون : العلم عبارة عن حصول صورة المعلوم في العالم. وقد ذكرنا هذه المسألة في أول المنطق من هذا الكتاب ، وبالغنا في إبطاله ، وأوردنا في تزييفه دلائل كثيرة قاهرة (٣). وأما القسم الثالث. وهو أن يقال : العلم صفة حقيقة مع إضافة مخصوصة. فهذا قول أكثر المتكلمين ، فإنهم قالوا : العلم صفة مخصوصة قائمة بذات العالم ولتلك الصفة تعلق بالمعلوم ، وعنوا بهذا التعلق ما سميناه بالنسبة والإضافة ، وهؤلاء المتكلمون أنكروا كون تلك الصفة الحقيقية صورة مساوية لماهية المعلوم ، بل قالوا : إنه ماهية مخصوصة ، وهي من حيث إنها هي مخالفة لماهية المعلوم ، إلا أن بينها وبين المعلوم نسبة معينة مخصوصة ، وتلك النسبة مسماة بالتعلق.

وأما القسم الرابع : وهو أن يقال : العلم صفة حقيقية مخصوصة من باب السلوب ، والقائلون بهذا القول فريقان. فالفريق الأول : طائفة من قدماء المتكلمين. قالوا : لا معنى للعلم إلا عدم (٤) الجهل ، إلا أنه بقي هذا المذهب مخبطا غير ملخص.

وذلك لأن الجهل قد يراد به عدم العلم ، فإذا جعلنا العلم عبارة عن عدم الجهل فحينئذ يكون العلم عبارة عن عدم عدم العلم ، فيكون أمرا ثابتا.

__________________

(١) من (س).

(٢) كالأمر المعلوم (م).

(٣) قاهرة (م).

(٤) انظر ما كتبه موسى بن ميمون عن العناية الإلهية في «دلالة الحائرين».

١٠٤

وقد يراد به الاعتقاد الذي يخالف المعتقد. وعدم هذا للعنى حاصل في الجمادات مع أنها ليست عالمة. والفريق الثاني ما وقع في السنة الفلاسفة أن معنى كون الشيء عقلا (١) ، هو كونه مجردا عن المادة.

واعلم أن هذا الكلام غير ملخص المعنى (٢). وذلك لأن معنى كون الشيء مجردا عن المادة ، هو أنه موجود قائم بنفسه غير حال في شيء من المحال. والفرق بين قولنا : إنه غير حال في شيء من المحال ، وبين قولنا : إنه عالم بالأشياء معلوم بالضرورة ، فإنه قد يمكننا أن نعتقد في كثير من الأشياء كونها ذوات قائمة بأنفسها غير حالة في شيء من المحال ، مع أنه لا يخطر ببال أحد من العقلاء أنه يلزم من كونها (كذلك ، كونها) (٣) عالمة بالأشياء. فيثبت أن هذا الكلام بعيد عن العقل.

ومما يقوي هذا الإشكال أن المادة ليست لها مادة أخرى. فالمادة ذات قائمة بنفسها مجردة عن المادة مع أنها لا تعلم شيئا. فعلمنا أن هذا الكلام خالي عن الفائدة.

والذي يمكنني تحصيله من هذا الكلام : أن يقال : مذهبهم : أن العلم عبارة عن حصول صورة المعلوم للعالم. فإذا كان الشيء قائما بغيره ، حالا في محل ، فإنه لا يكون حقيقة حاصلة لنفسها ، بل تكون حاصلة لغيرها ، فلا جرم لا يكون مثل هذا الشيء مدركا لنفسه ، ولا عالما بنفسه. أما إذا كان الشيء غنيا عن محل يحل فيه ، وكانت حقيقة حقيقته قائمة بالنفس. فإن ماهيتها لا تكون حاصلة لغيرها ، بل تكون حاصلة لنفسها ، ولما حصّلت نفسها لنفسها ، وثبت أنه لا معنى للإدراك إلّا حصول ماهية المعلوم للعالم ، ولما لزم في الشيء المجرد عن المادة أن تكون نفسها حاصلة لنفسها ، وثبت أنه متى كان الأمر كذلك ، لزم كونه مدركا لنفسه ، وعالما بنفسه ، وبهذا التأويل. قالوا :

__________________

(١) عقلا (م).

(٢) المعنى سقط (م).

(٣) من (س).

١٠٥

إن التجرد عن المادة يوجب التعقل والإدراك. وهذا هو المعنى الذي يمكنني استنباطه من هذا الكلام. والله أعلم بمرادهم منه. فهذه جملة الأقسام التي يمكن ذكرها في تفسير حقيقة العلم والإدراك والشعور. وقد سبق في أول هذا الكتاب الاستقصاء في كل واحد من هذه الأقوال. فلا فائدة في الإعادة. وبالله التوفيق.

١٠٦

الفصل الثاني

في

حكاية دلائل المتكلمين في كونه تعالى عالما

اعلم. أن القائلين بأن العالم محدث ، وأن إله العالم قادر مختار. احتجوا بدليل الإحكام والإتقان على كونه تعالى عالما بالمعلومات. وتقريره : أن قالوا : إن أفعال الله محكمة متقنة ، وكل من كان فعله محكما متقنا وجب كونه عالما فيلزم كونه تعالى عالما بالأشياء.

فنفتقر هاهنا إلى تقرير مقدمتين :

إحداهما : قولنا : أفعال الله محكمة متقنة. والمراد من كونها محكمة متقنة : كونها موافقة لوجوه المصلحة والمنفعة. وهذا إنما يظهر ببيان حكمة الله تعالى في تخليق السموات والكواكب ، وفي تخليق العناصر الأربعة ، وفي تخليق الآثار العلوية والمعادن والنبات والحيوان والإنسان ، وأعجبها شرح (١) أبدان الناس ، ولما كان هذا الكتاب الكبير الشريف مملوءا من هذا النوع من العلوم ، لا جرم لم يكن في إيراد هذا النوع هاهنا مزيد فائدة.

وأما المقدمة الثانية : وهي قولنا : وكل من كان فعله محكما متقنا ، فإنه يجب أن يكون عالما. فتقريره بالأمثلة الكثيرة : فإن الجاهل بنسج الديباج لا يمكنه أن يأتي هذا العمل على وجه الإتقان ، والجاهل بالخط لا يمكنه أن يأتي

__________________

(١) شرح بدن الإنسان (س).

١٠٧

بالخط على وجه الإتقان. ولا سبب لذلك إلا عدم (١) العلم ، فيثبت أن عدم العلم بالشيء ينافي الإتيان به على وجه الإحكام والإتقان.

ومن المتكلمين من يدعي العلم الضروري بأن فاعل المحكم المتقن يجب كونه عالما بذلك الفعل ، ويذكر تلك الأمثلة لأجل التنبيه على أن العلم بهذه المقدمة علم ضروري. فهذا تمام الكلام في تقرير هذا الدليل.

ولقائل أن يقول السؤال عليه من وجوه :

السؤال الأول : هو أن دلائل المتكلمين في إثبات القادرية والعالمية ، بتقدير صحتها لا تدل على المقصود ، لأنه لا يمتنع في بديهة العقل أن يقال : إن واجب الوجود لذاته علة لموجود ، وذلك الموجود عالم لذاته (وقادر لذاته) (٢) ، وخالق للعالم ، فإنه لما ثبت أن العالم محدث وجب افتقاره إلى محدث وفاعل ، ولزم أن يكون ذلك الفاعل قادرا عالما. ولا يبعد (٣) أن يكون ذلك العالم القادر معلولا لذاته أو واجب الوجود ، لذاته. إما من غير واسطة ، أو بواسطة واحدة أو بوسائط كثيرة.

وإذا كان ما ذكرناه محتملا ، سقط الاستدلال بهذه الوجوه المذكورة على كون واجب الوجود لذاته : عالما قادرا. فهذا سؤال مبين ، وما رأيت أحدا من المتكلمين دار حوله. والغفلة عنه في مثل هذه المطالب العالية من العجائب.

واعلم أن الذي يمكننا ذكره في دفع هذا السؤال وجهان :

الأول : إنا قد ذكرنا في مقدمة هذا الكتاب أن المطالب الإلهية ، عالية ، والعقول البشرية ضعيفة ، فيجب أن يكتفى فيها بالأخذ بالأخلق والأولى. وعند هذا نقول : لما ثبت حدوث العالم وثبت افتقاره إلى فاعل ومحدث ، وجب الاعتراف بهذا الفاعل والمحدث. فأما إثبات الوسائط فلم يدل على وجودها

__________________

(١) من (س).

(٢) من (س).

(٣) أما لا (م).

١٠٨

دليل فوجب الأخذ بالمتيقن ، وطرح المشكوك المشتبه. فهذا أحد الطريقين.

الثاني : لما دللنا على أنه تعالى قادر على الإيجاد والتكوين ، فحينئذ نقيم الدلالة على أنه يستحيل في الوجود أن يكون أكثر من مؤثر واحد. وعند هذا يسقط القول بإثبات الوسائط. فهذا ما يمكن ذكره في هذا المقام.

السؤال الثاني : أن نقول ما المراد بالإحكام والإتقان؟ فإن أريد به وقوع هذه الأشياء على وفق المصلحة والمنفعة ، فهذا معقول ، وإن عنيتم به معنى آخر ، فلا بد من بيانه ثم نقول : إما أن يريدوا به كونه واقعا على وفق المصلحة (بوجه ما) (١) وإما أن يريدوا به كونه واقعا على وفق المصلحة من كل الوجوه. فإن أردتم الأول ، فهذا القدر ، لا يدل على كون الفاعل عالما فإن الفعل الذي يأتى به الجاهل ، قد يكون مطابقا للمصلحة من بعض (٢) الوجوه. وإن عنيتم به كونه مطابقا للمصلحة من كل الوجوه. فلم قلتم : إن الأمر كذلك؟ فإنا لا نعرف أن الشمس لو كانت أكبر مما هي الآن أو أصغر كانت المنافع أكمل أو أقل ، ولا نعرف أحوال الأفلاك في هذا الباب ، ولا نعرف أيضا : أن أبدان الناس لو كانت واقعة على غير هذا الوجه والشكل ، كيف كانت تكون أحوالها؟ وبالجملة : فمن الذي يمكنه إقامة الدلالة على أنه يمتنع وجود وضع أكمل مما هو الآن ، مع أن الأوضاع المغايرة لهذا الوضع أمور غير متناهية؟ ومن الذي أحاط عقله بكل تلك الأقسام ، ووقف عقله على كل ما في كل واحد منها من المنافع والمضار؟

السؤال الثالث : نزلنا عن البحث عن تفسير الإحكام والإتقان. فلم قلتم : إن كل من كان فعله محكما متقنا. فإنه يجب أن يكون عالما؟ والذي يدل على أن الأمر ليس كذلك وجوه :

الأول : أنه لا نزاع أن الجاهل بالصفة ، قد صدر عنه الفعل المحكم

__________________

(١) من (م).

(٢) كل (ت).

١٠٩

المتقن على سبيل الإتقان مرة واحدة. فالعاجز عن نظم الشعر قد ينطق على سبيل الإتقان بمصراع من الشعر والجاهل بالخط ، قد يكتب حرفا واحدا على الإحكام والإتقان ؛ بالاتفاق والندرة (وإذا ثبت هذا فنقول : قد ثبت في العلوم العقلية : أن حكم الشيء حكم مثله (١) فلما ثبت أن العمل القليل قد يوجد من الجاهل ، وجب أن يكون حكم أمثاله وأشباهه كذلك. وهذا يدل على أن صدور الفعل المحكم المتقن من الجاهل : جائز.

والثاني : وهو أنا نشاهد أن النحل يبني البيوت المسدسة من غير مسطرة ولا فرجار، على أحسن الوجوه ، بل العقلاء الحصفاء الكاملون ، لو أرادوا بناء البيوت المسدسة من الشمع مثل ما يبنيه النحل ، يعجزون عنه والعنكبوت أيضا. إذا أرادت إصلاح بيتها ، فإنها تأتي بأعمال عجيبة في ذلك البناء. والنملة إذا خبأت في جحرها حبات الحنطة فإنها تفلق كل حبة إلى نصفين ، لأجل أنه إذا أصابتها الرطوبة ، فإنها لا تنبت. وعجائب أفعال الحيوانات مذكورة في الكتب. فهذه أفعال محكمة متقنة. فإن دل الفعل المحكم المتقن على علم الفاعل ، وجب القول بأنها أكثر علما من الإنسان (لأن ما) (٢) في هذه الأنواع من الأفعال من وجوه الإحكام والإتقان ، أكثر مما في أفعال الناس. وذلك بعيد جدا.

الوجه الثالث : وهو أنا نرى أن الإنسان إذا أراد أن يتعلم صنعة الكتابة أو ضرب الطنبور أو صنعة أخرى ، فإنه في أول الأمر يحتاج إلى أن يستحضر في ذهنه صورة حرف حرف ، وصورة نقرة نقرة ، ومتى كان الإنسان باقيا في هذه الدرجة ، فإنه يكون مقصرا في تلك الصناعة ، ثم إذا واظب على تلك الحرفة على تلك الحرفة مدة مديدة ، وتمرن فيها حصلت له حالة عجيبة تسمى بالملكة في اصطلاح الحكماء ، بأن يصير بحيث يكتب على أحسن الوجوه من غير أن يحتاج إلى استحضار حرف حرف في الخيال ، بل ربما كان مشغول القلب بمهم آخر ، وهو يكتب على أحسن الوجوه. فههنا الفعل المحكم المتقن الواقع على

__________________

(١) من (م).

(٢) من (م).

١١٠

أكمل الوجوه ، حاصل مع أن العلم بتلك التفاصيل والأحوال غير حاصل. فيثبت بهذا أن صنعة الفعل المحكم المتقن ، لا تتوقف على كون فاعله عالما. بل قد ذكرنا : أن استحضار العلم بكل واحد من تلك الحروف والأشكال ربما منع ذلك الفاعل من الإتيان بذلك العمل على وجه الكمال والتمام.

والوجه الرابع : هو أن الفلاسفة القائلين بالموجب أضافوا تكوّن أبدان الحيوانات إلى تأثير الطبيعة ، واقتضاء القوة المصورة ، مع أن الطبيعة ليس لها شعور وإدراك البتة ، فإذا قيل لهم : كيف يعقل إسناد هذه الأفعال العجيبة ، والآثار المحكمة المتقنة إلى قوة ليس لها شعور ولا إدراك؟ أجابوا بأن قالوا : إن هذا غير مستبعد في العقول ، وذلك لأن الفاعل إذا صار ماهرا في صنعته كاملا في حرفته ، وأراد العقلاء مدحه بأنه صار كاملا في تلك الحرفة قالوا : إن هذه الحرفة صارت كالأمر الطبيعي له. فهذا (إقرار من العقلاء بأن كمال حد القادر الصانع أن نقيسه في كيفية أفعاله بالطبيعة. وهذا (١) يدل على إقرار العقلاء بأن أفعال (٢) الطبيعة أكمل وأفضل من أفعال الصناعة.

الوجه الخامس : وهو أن الأحياز متساوية والأوقات متساوية. ثم إن المتكلمين قالوا : إنه اختص حدوث العالم بوقت معين دون سائر الأوقات ، واختص حصول ذات العالم بحيز معين دون سائر الأحياز ، فلما قيل لهم : ولم اختص حدوث العالم بذلك الوقت دون سائر الأوقات؟ ولم حصل العالم في ذلك الحيز دون سائر الأحياز؟ مع أن الأوقات بأسرها متماثلة ، ومع أن الأحياز بأسرها متماثلة. أجابوا عنه بوجهين :

الأول : إنه لو حصل حدوث العالم في وقت آخر (غير) (٣) هذا الوقت ، لكان هذا السؤال (المذكور باقيا ، ولو حصل العالم في حيز آخر سوى هذا الحيز

__________________

(١) من (م).

(٢) أفعال (س).

(٣) غير (م).

١١١

المعين ، لكان السؤال) (١) المذكور باقيا ، وكل سؤال يبقى على كل التقديرات ، فإنه ساقط.

والثاني : إنهم قالوا : القادر المختار يمكنه ترجيح أحد المثلين على الآخر من غير مرجح. إذا عرفت هذا ، فنقول : أجسام العالم يمكن تركيبها وتأليفها على وجوه كثيرة مختلفة، غير متناهية. وأحد تلك الوجوه هو هذا الوجه الواقع ، والفاعل القادر كان قادرا على هذا الوجه ، وعلى سائر الوجوه ، إلا أن القادر يمكنه ترجيح أحد المثلين على الآخر ، لا لمرجح أصلا ، فصدر عن القادر ، هذا الوجه المعين دون سائر الوجوه ، بمجرد كونه قادرا. فإن مذهبكم : أن القادر (المختار يمكنه ترجيح أحد المثلين على الآخر ، لا لمرجح ، أو نقول : إن القادر) (٢) لما كان قادرا على هذا الوجه ، وعلى سائر الوجوه ، لم يجز أن يقال : ولم وقع هذا الوجه على هذا الوجه دون سائر الوجوه؟ لأن هذا السؤال عائد على كل التقديرات ، فكان ساقطا ، وإذا ثبت هذا ظهر حينئذ أن مجرد كون الفاعل قادرا كان (٣) في وقوع هذه الأشياء على هذه الأحوال المخصوصة.

وحاصل الكلام : إن كل شخص من أشخاص الناس مخصوص بمقدار معين ، مع أنه كان يمكن وقوعه أعظم مما وقع عليه الآن ، أو أصغر مما وقع عليه الآن. ولذلك اختص بكون معين ، وخلقة معينة ، وطبيعية معينة ، مع أن سائر الصور والأحوال كانت جائزة عليه. فإذا قلنا : ولم وقع هذا الوجه المعين دون سائر الوجوه الجائزة؟ لم يكن لنا عنه جواب، إلا أن نقول : القادر بمجرد كونه قادرا يمكنه (إيقاع الشيء على صفة خاصة ، مع جواز سائر الصفات ؛ لأن خاصية القادر المختار) (٤) ترجيح المثلين على الآخر ، لا لمرجح فإذا جوزنا هذا. فلم لا يجوز أيضا أن يقال أن القادر المختار يمكنه إيقاع هذه

__________________

(١) من (م).

(٢) من (س).

(٣) كان (س).

(٤) من (م).

١١٢

الأجسام على هذه الصفات المطابقة للمصالح ، بمجرد كونه قادرا من غير أن يعتبر في ذلك الفاعل القادر كونه عالما؟ والله أعلم (١).

السؤال الرابع : هب أنا سلمنا أن فاعل الأفعال المحكمة المتقنة يجب أن يكون له شعور وإدراك. فلم لا يكفي في صدور الأفعال المحكمة عنه كونه ظانا ، ولا يشترط فيه كونه عالما؟ والدليل على الاحتمال المذكور لازم : ذلك ، لأن أصحاب الحرف والصناعات إنما يأتون بتلك الأفاعيل بناء على الظنون والحسبانات وإلا فالآتي صنعة الكتابة ، كيف يمكنه تحصيل العلم اليقيني بأحوال رأس القلم. وبأحوال سطح الكاغذ. وبأحوال كمية المداد. وكيفيته. وبأحوال حركات الأصابع بحسب ما لها من الكمية والكيفية؟ وكل هذه الأحوال مجهولة عند ذلك الكاتب ، إلا أنه يظن ظنا غالبا أن هذه الآلات والأدوات موافقة لتحصيل الصنعة المطلوبة ، فيستعمل تلك الآلات في تلك الصنائع بناء على الظنون والحسبانات ، فتحصل تلك الصنائع ، فيثبت أن كل ما نشاهده في العالم من الصنائع المحكمة المتقنة. فإنه إنما يحصل بناء على الظنون والحسبانات ، ولا حاجة في تحصيل شيء منها إلى العلم الجازم الموصوف بالقطع واليقين. وإذا ثبت هذا فقد ظهر أن الاستدلال بالفعل المحكم المتقن على كون فاعله عالما في غاية الصعوبة.

فإن قالوا : إن صاحب الظن قد يخطئ وقد يغلط ، وقد يعجز عن تحصيل مطلوبه فنقول : لا نزاع في أن الأمر كما ذكرتم ، إلا أنا نرى الوجوه الكثيرة من النقائص والآفات والتشويهات الكثيرة في الخلقة حاصلة في تركيبات هذا العالم ، فلعل هذه الأحوال إنما حصلت لأن فاعلها إنما يركبها بناء على الظن والتخمين ، فتارة تقع على الوجه الصواب الموافق للحكمة والمصلحة ، وتارة تقع على الوجه المضطرب الفاسد وإذا كان الاحتمال قائما فعليكم أن تدلوا على أنه غير محتمل ، وعلى أنه باطل ، حتى يتم دليلكم في الاستدلال بالفعل المحكم المتقن على كون الفاعل عالما.

__________________

(١) والله أعلم (م).

١١٣

السؤال الخامس : إنا كما رأينا في هذا العالم أفعالا محكمة متقنة منسقة منظمة وأنها توهم كون مدبر هذا العالم عالما حكيما ، فقد نرى هذا العالم أيضا مملوءا من الآفات والمخافات والتشويهات في الخلقة والأحوال المنفرة مثل العمى والزمانة والفقر الشديد.

(ونرى الإنسان الكامل في العلم والعمل محروما عن الخيرات الدنيوية ، ذليلا مهينا ، تحت تصرف الجهال والأراذل) (١) ونرى أخسّ الخلق مثل أرذل الصبيان والنسوان (يحصل لهم الاستيلاء على أهل الدنيا والاستعلاء (٢) على الخلق وهذه الأحوال غير لائقة بالرحيم العليم الحكيم ، وتقريره) (٣) إنه تعالى إما أن يقال : إنه خلق هذا العالم لرعاية حكمة ومصلحة ، أو خلقه لمحض القدرة من غير رعاية الحكمة والمصلحة. فإن كان الحق هو الثاني فحينئذ هذه الوجوه الحاصلة من المصالح ما قصد الفاعل خلق العالم لأجلها ، بل اتفق أنه خصص هذا القسم بالإيجاد والتكوين دون سائر الوجوه من غير أن كان كونها مصلحة ، علة لرجحان هذا القسم على سائر الأقسام ، وإذا كان الأمر كذلك ، فلم لا يجوز أن يقال : مجرد القدرة كافي في إخراج هذه الأشياء من العدم إلى الوجود؟ وأما إذا قلنا : إنه تعالى خلق هذا العالم لأجل الرحمة والحكمة وإفاضة المنفعة. فنقول : لو كان الأمر كذلك لما خلق فيها أنواع الآفات والمخافات. وحيث حصلت هذه الأشياء ، علمنا أنها إنما حصلت إما لعدم العلم ، وإما لعدم القدرة.

وأجيب عن هذا السؤال. فقيل : الإحكام والإتقان يدل على علم (٤) الفاعل ، لأن الجاهل يمتنع أن يصدر عنه الفعل المحكم المتقن. أما الأفعال الفاسدة الخسيسة فإنها لا تدل على جهل الفاعل لأن العالم يمكنه أن يأتي بالأفعال الفاسدة الخسيسة. فعلم أنه ليس المقصود من السؤال المذكور ما توهمه هذا

__________________

(١) من (م).

(٢) الاستعلاء (س).

(٣) من (م ، س).

(٤) حكمه (س).

١١٤

المجيب ، بل المقصود أنه كما قضى ظاهر العقل بأن الفعل المحكم المتقن لا يصدر إلا من العالم ، قضى ظاهر العقل بأن من كان موصوفا بالقدرة وبالعلم وبالرحمة. فإنه لا يسلط على الضعفاء أنواع الآلام والأوجاع ، ولا يسلط القوي الظالم على الضعيف المظلوم. وحيث شاهدنا هذه الأحوال في العالم لزم القدح في أحد هذه الصفات الثلاثة. فإن جاز لكم أن تثبتوا كمال القدرة والرحمة مع أن العقل يفضي بأن حصول (هذه الصفات الثلاثة يمنع من إيصال المضار والآلام إلى الضعفاء فلا يجوز لغيركم أن يقول بأن يحصل) (١) هذا القدر من الإحكام والإتقان في أجزاء العالم ، من غير أن يكون الفاعل عالما ، بل يكفي فيه كونه ظانا.

السؤال الخامس : إن القول بالإحكام والإتقان على مذهب أبي الحسن الأشعري غير معقول. وبيانه ، أن عنده البنية (٢) ليست شرطا لحصول الحياة (٣) ولسائر الصفات المشروطة بالحياة كالعلم والقدرة والسمع والبصر. فإن مذهبه : أن الجوهر الفرد لا يمتنع اتصافه بالحياة وبالعلم وبالقدرة حتى يكون ذلك الجوهر الفرد أفضل خلق الله في العلم وأقواهم في القدرة وفي سائر الكمالات من السمع والبصر. واحتج على صحة مذهبه : بأن هذه البنية (٤) مؤلفة من الأجزاء. فإما أن يكون كل واحد من تلك الأجزاء قابلا للحياة وللعلم وللقدرة مشروطا بكون الآخر كذلك. وإما أن تحصل هذه الحاجة من أحد الجانبين دون الثاني. وإما أن يكون كل واحد منها غنيا عن الآخر في هذه القابلية. والأول يوجب الدور ، والثاني يوجب امتياز أحد المثلين عن الآخر بحكم لازم ، ولما بطل هذان القسمان ، ثبت الثالث وإذا ثبت هذا ثبت أنه يصح في كل واحد من هذه الأجزاء التي لا تتجزأ أن يكون موصوفا بالحياة والعلم والقدرة (والسمع والبصر فإذا قيل له : إنا نرى أنه متى اختلت (هذه البنية

__________________

(١) من (م).

(٢) أن عنده الثلاثة (م).

(٣) الحياة (س).

(٤) الستة (م).

١١٥

واختلت) (١) هذه الأعضاء فإنه تبطل الحياة والعلم والقدرة) (٢) قال : ذاك بحسب عادة أجراها الله تعالى. فإما أن يقال : إن حصول الحياة مفتقر إلى حصول هذه البنية. وحصول الإبصار والسماع مفتقر إلى خلقة العين والأذن. فليس الأمر كذلك. إذا عرفت هذا فنقول : إن على مذهبه ليس لشيء من التركيبات والتصورات أثر في حصول شيء من المنافع والمصالح. وعلى هذا التقدير فإنه لا يمكننا أن نقول : إنه تعالى إنما خلق العين على هذه الخلقة لأجل أن يكمل بها ، الإبصار. وإنما خلق المعدة على هذا الوجه ، لأجل أن يكمل بها فعل الهضم. وعلى هذا التقدير فإنه يبطل ما يذكره أصحاب التشريح من منافع الأعضاء ونحن لا نفهم من لفظ الإحكام والإتقان إلا هذا الوجوه. فإذا بينا أن شيئا منها لا يصح على مذهب الأشعري. فقد بطل الإحكام والإتقان على مذهبه ، فكيف يمكنه يستدل بالإحكام والإتقان على (٣) علم الفاعل القادر؟

__________________

(١) من (س).

(٢) من (م ، س).

(٣) علم (م) فعل (س).

١١٦

الفصل الثالث

في

تقرير طريقة اخرى سوى طريقة الاتقان

والاحكام تدل على كونه تعالى عالما بناء على كونه

تعالى فاعلا بالاختيار لا موجبا بالذّات

اعلم. أن هاهنا طريقا آخر ، أقوى من دليل الإحكام والإتقان وتقريره : أن نقول : قد عرفت أن العلم إما تصور وإما تصديق. فنقول : أما تصور الحقائق والماهيات فحاصل لله تعالى. والدليل عليه : هو أنه قد ثبت أنه قادر مختار ، والقادر المختار إنما يفعل بواسطة القصد إلى التكوين والتخليق ، والقصد إلى التكوين والتخليق مشروط بتصور تلك الحقائق ، فإن لم يكن متصورا لماهية من الماهيات امتنع منه القصد إلى تكوينها. وتخليقها. والعلم بذلك ضروري فيثبت أنه تعالى متصور لهذه الماهيات.

جئنا إلى التصديقات فنقول : إنها أيضا حاصلة (له تعالى) (١) والدليل عليه ، هو أن هذه الحقائق منها ما هي متلازمة ، ومنها ما هي متعاندة (ومنها ما هي لا متلازمة ولا متعاندة ، أما المتلازمات فهي على قسمين منها ما يكون لازما بغير واسطة) (٢) ومنها ما يكون لازما بوسائط. واللوازم التي تكون بوسائط ، هي أشياء متلاصقة ويكون لزوم كل واحد منها لملاصقه ، لزوما بغير واسطة ، واستلزم كل واحد منها بملاصقة (٣) المتصل به ، القريب منه إنما يكون لذاته ،

__________________

(١) من (س).

(٢) من (م ، ت).

(٣) بملازمة (م).

١١٧

فإذا حصل تصور تلك الماهية ثم إن تلك الماهية لذاتها توجب استلزام ذلك اللازم المتصل به، فحينئذ يلزم من حصول ذلك المتصور ، حصول العلم بكون ذلك التصور مستلزما لذلك اللازم ، ثم يلزم من العمل بحصول ذلك اللازم الثاني العلم بحصول اللازم الثالث. وهلم جرّا إلى آخر المراتب.

فلما كانت التصورات حاضرة كانت لوازمها معلومة ، فيكون لزوم بعضها لبعض معلوما (ويكون منافاة بعضها لبعض معلوما) (١) والأشياء التي لا تكون متلازمة ولا متعاندة تكون هذه الأحوال منها أيضا معلومة. والحاصل : أنه لما (ثبت حصول التصورات، وثبت أن التصورات إما) (٢) علل للملازمات أو للمعاندات أو لانتفاء اللزوم والعناد ، وثبت أن تصور ذات العلة يوجب العلم بلوازمها يثبت أن الكل يصير معلوما. وهذا الطريق أضبط، وعن الإشكالات أبعد.

وهاهنا طريق آخر في تقرير هذا الكلام : وهو أن نقول : لما ثبت أنه فاعل مختار وهو إنما يفعل بواسطة القصد إلى الإيجاد ، فلا بد وأن يحضر عنده تصور معنى الموجود ، لأنه لو لم يعرف أن الموجود ما هو؟ امتنع منه أن يقصد إلى الإيجاد ، وإذا عرف أن الموجود ما هو؟ والموجود من حيث أنه موجود يقبل الانقسام إلى الواجب والممكن ، وجب أن تعرف هذا الانقسام ، وإذا عرفت هذا الانقسام ، فقد عرفت أن الواجب ما هو؟ وأن الممكن ما هو؟ وبهذا الطريق (عرفت كليا ، و) (٣) متى عرفت كليا ، فقد عرفت انقسامه إلى جزئياته ، لما ثبت أن تصور كل ماهية من حيث هي هي ، موجب لانتقال الذهن منها إلى لوازمها ، ثم من تلك اللوازم إلى لوازم تلك اللوازم بالغة ما بلغت. فهذا طريق حسن. يمكن تقويته بالمباحث المنطقية ، المفرعة على أن العلم بالماهية يوجب العلم بلازمه القريب. والله أعلم.

__________________

(١) من (م ، س).

(٢) من (م ، ت).

(٣) من (س).

١١٨

الفصل الرابع

في

تقرير الوجوه التي استدل بها الشيخ الرئيس

أبو علي بن سينا في سائر كتبه على كونه تعالى عالما بالمعلومات

اعلم. أنه ذكر في هذا الباب وجوها ثلاثة :

فالطريق الأول : بين فيه كونه تعالى عالما بذاته : ثم بين فيه : أن علمه بذاته يوجب كونه عالما بما سواه.

والطريق الثاني : بين فيه كونه تعالى عالما بغيره. ثم بيّن أنه متى كان عالما بما سواه ، فإنه يجب أن يكون عالما بذاته.

والطريق الثالث : يذكر فيه أن الجوهر المجرد إذا اتحد بالصورة المجردة وحصل التعقل. فالذي يكون مجردا لذاته أولى أن يكون عقلا ومعقولا وعاقلا. فهذا مجموع الوجوه التي عول عليها.

أما الطريق الأول : فتقريره : أن نقول إنه عالم بذاته ، وكل من كان عالما بذاته ، وجب أن يكون عالما بلازمه القريب ، ويلزم من (١) علمه باللازم الأول (علمه باللازم) (٢) الثاني. وعلى هذا الترتيب حتى تصير جميع اللوازم معلومة. وهذا الكلام مبني على أصلين :

الأصل الأول : إنه تعالى عالم بذاته. والدليل عليه : أنه تعالى موجود

__________________

(١) من (س).

(٢) من (س).

١١٩

قائم بنفسه مجرد عن الجسمية ، وكل من كان كذلك فإنه يجب أن يكون عالما بذاته. أما المقدمة الأولى فقد سبق إثباتها. وأما المقدمة الثانية. وهي أن كل من كان قائما بنفسه غنيا عن المادة فإنه لا بد وأن يعلم نفسه. فالدليل على صحتها. وجهان :

الوجه الأول : إنه قد ثبت أنه لا معنى للعلم إلا حضور (١) ماهية المعلوم عند العالم ، فإذا حضرت ماهية مجردة عند ماهية مجردة صارت الماهية القائمة بنفسها عالمة بذلك الشيء. إذا ثبت هذا فنقول : الشيء إذا كان قائما بنفسه لم تكن حقيقة وجوده حاصلة لغيره ، بل كانت حقيقته حاصلة لنفسه. فإذا كان حصول ماهية مجردة لماهية أخرى مجردة يقتضي كون ذلك الموجود القائم بنفسه عالما ، فههنا لما حصلت حقيقة ذلك الشيء بنفسها ، وجب كون ذلك الشيء عالما بنفسه. وذلك هو المطلوب.

الوجه الثاني : إنه لا شك في أن الواحد منا يعلم نفسه ، وقد بينا (٢) أن العلم عبارة عن حضور ماهية المعلوم في العالم. فإذا علمنا أنفسنا ، فإما أن يكون ذلك لأجل أن صورة متساوية أنفسنا ، حضرت عند نفسنا. أو لأجل أن نفس نفسنا حضرت عند نفسنا ، والأول باطل ، لأنه يلزم اجتماع المثلين ، ولأنه ليست إحداهما بالمختلفة ، والثانية بالحالة أولى من العكس. ولما بطل هذا القسم ، ثبت أن علمنا بنفسنا ليس إلا حضور نفسنا عند نفسنا ، وإذا كان كذلك وجب في كل شيء حضرت نفسه عند نفسه أن يكون عالما بنفسه.

وواجب الوجود كذلك ، فيجب أن يكون عالما بنفسه.

ولقائل أن يقول : الكلام على هذه الحجة (٣) من وجوه : الأول : إن هذا بناء على أن العلم بالشيء عبارة عن حضور ماهيته في ذات العالم ، وقد دللنا بالبراهين القاطعة على فساد هذا الأصل.

__________________

(١) حصول (س).

(٢) بينا (س) ثبت (م).

(٣) هذه من وجوه (م).

١٢٠