تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

الغنى لو كان سابقا منع ، فيمنع إذا كان مقارنا كالجمع بين الأختين (١).

والفرق ظاهر ، فإنّ السابق مانع ، بخلاف المقارن.

البحث الثالث

في المكان‌

مسألة ٢٥٢ : لا يجوز نقل الزكاة عن بلدها مع وجود المستحق فيه‌ عند علمائنا أجمع ـ وبه قال عمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير وطاوس والنخعي ومالك والثوري وأحمد (٢) ـ لقوله عليه‌السلام لمعاذ : ( فإن أجابوك فأعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « لا تحلّ صدقة المهاجرين للأعراب ، ولا صدقة الأعراب في المهاجرين » (٤).

ولأنّ الأداء واجب على الفور ، وهو ينافي النقل ، لاستلزامه التأخير.

وقال أبو حنيفة : يجوز (٥) ـ وللشافعي قولان (٦) ـ لأنّ التعيين الى المالك ، فكما جاز في البلد جاز في غيره.

وهو ممنوع ، لما في الثاني من التأخير.

مسألة ٢٥٣ : لو خالف ونقلها أجزأته‌ في قول علمائنا كافة ـ وهو قول‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٢٩ الشرح الكبير ٢ : ٧٠٠.

(٢) المغني ٢ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٦ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٧٥.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ ١٥٨٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٦ ـ ٤ و ٥.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٥٥٥ ـ ١٠ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ ـ ٣٠٩.

(٥) عمدة القارئ ٩ : ٩٢ ، المجموع ٦ : ٢٢١.

(٦) المجموع ٦ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٣ ، عمدة القارئ ٩ : ٩٢.

٣٤١

أكثر العلماء (١) ـ لأنّه دفع الحقّ إلى مستحقّه ، فبرئ منه كالدّين ، وكما لو فرّقها.

وعن أحمد روايتان (٢).

وللشافعي قولان ، هذا أحدهما. والثاني : عدم الإجزاء (٣) ، لأنّه دفع الزكاة الى غير من أمر بدفعها إليه ، أشبه ما لو دفعها الى غير الأصناف.

وهو ممنوع ، لأنّ المدفوع اليه لو حضر البلد أجزأ الدفع إليه إجماعا ، بخلاف غير الأصناف.

فروع :

أ ـ إذا كان الرجل في بلد والمال في بلد آخر ، فالاعتبار بالمال ، فإذا حال الحول أخرجها في بلد المال.

وأمّا زكاة الفطرة ، فالاعتبار فيها ببلد المخرج ، لأنّ الفطرة تجب عنه وهو بمنزلة المال.

وللشافعي في الفطرة وجهان ، أحدهما هذا ، والثاني : الاعتبار ببلد المال أيضا ، لأنّ الإخراج منه كزكاة المال (٤).

ب ـ لو نقل زكاة المال مع وجود المستحق والتمكن من التفريق بوجود المستحق فيه ، ضمن الزكاة ، لأنّه مفرّط بنقل المال الممنوع منه وتأخيره مع شهادة الحال بالمطالبة ، فيضمن ، لأنّه عدوان.

ولقول الصادق عليه‌السلام في رجل بعث زكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال : « إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها ، وإن لم يجد لها من يدفعها اليه فبعث بها الى أهلها فليس عليه ضمان لأنّها قد خرجت من يده » (٥).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٦ ، المجموع ٦ : ٢٢١.

(٢) المغني ٢ : ٥٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ١٦ ـ ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٥.

٣٤٢

ج ـ الوكيل والوصي والمأمور بالتفريق إذا أخّروا ضمنوا ، لأنّهم فرّطوا بالتأخير.

ولأنّ زرارة سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسّمها فضاعت ، فقال : « ليس على الرسول ولا المؤدّي ضمان » قلت : فإنّه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيّرت أيضمنها؟ قال : « لا ، ولكن إن عرف لها أهلا فعطبت (١) أو فسدت فهو لها ضامن ( من حين أخّرها ) (٢) » (٣).

د ـ لو لم يجد المستحق في بلده جاز النقل إجماعا ، ولا ضمان ، لعدم التفريط.

ولقول الصادق عليه‌السلام في الزكاة يبعث بها الرجل إلى بلد غير بلده ، فقال : « لا بأس أن يبعث بالثلث أو الربع » (٤) الشك من الراوي (٥).

وعن العبد الصالح عليه‌السلام : « يضعها في إخوانه وأهل ولايته » قلت : فإن لم يحضره منهم أحد؟ قال : « يبعث بها إليهم » (٦) وفعل المأمور به لا يستعقب الضمان.

هـ ـ هل يجب عليه ـ مع عدم المستحق واختيار النقل ـ القصد إلى أقرب الأماكن الى بلده ممّا يوجد فيه المستحق؟ إشكال : ينشأ من جواز النقل مطلقا ، لفقد المستحق. ومن كون طلب البعيد نقلا عن القريب مع وجود المستحق فيه.

و ـ لا فرق بين النقل الى بلد بعيد يقصر في مثله الصلاة والنقل الى‌

__________________

(١) أي : هلكت.

(٢) في الكافي : « حتى يخرجها ».

(٣) التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٦ ، والكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ٥٥٤ ـ ٤.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢٠ ، والكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٦ ، والفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٩.

(٥) وهو : ابن أبي عمير.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٦ ـ ١٢١.

٣٤٣

قريب في المنع ـ وهو أصحّ وجهي الشافعية (١) ـ لأنّه نقل من بلد المال ، فكان بمنزلة البعيد.

ولهم آخر : الجواز ، لأنّ المسافة القريبة بمنزلة الحضور ، ولهذا لا يستبيح بها رخص السفر (٢).

والفرق : أنّ الرخص تتعلّق بالسفر المشقّ.

ز ـ لو كان بعض المال حيث المالك والبعض في مصره ، فالأفضل أن يؤدّي زكاة كلّ مال حيث هو ، فإن كان غائبا عن مصره وأهله والمال معه ، أخرج في بلد المال.

وبعض (٣) المانعين من الإجزاء بالنقل جوّز أن يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في الآخر.

أمّا لو كان المال في البلد الذي هو فيه حتى يمكث فيه حولا تاما ، فلا يبعث بزكاته الى الآخر.

ولو كان المال تجارة فسافر به ، فرّق زكاته حيث حال حوله في أيّ موضع كان.

وسوّغ أحمد أن يفرّقه في كلّ بلد أقام به في ذلك الحول (٤).

ح ـ لا يجوز نقل الصدقة مع الخوف عليها ، سواء عدم المستحق في بلده أو لا ، لما فيه من التغرير بها والتفريط بالأمانة.

ط ـ تحريم النقل عام وإن كان الى بلد المالك ، فيضمن ويأثم.

ي ـ لو عيّن الفطرة من غائب ، ضمن بنقله مع وجود المستحق فيه.

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ـ ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٤.

(٣) كابني قدامة في المغني ٢ : ٥٣٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٧٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٣٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٧.

٣٤٤

الفصل الخامس

في اللواحق‌

مسألة ٢٥٤ : إذا دفع الإمام الزكاة الى من ظاهره الفقر ، فبان غنيا ، لم يكن عليه ضمان‌ ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّ النبي عليه‌السلام أعطى الرجلين الجلدين ، وقال : ( إن شئتما أعطيتكما منها ، ولا حظّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ) (٢).

وقال للرجل الذي سأله الصدقة : ( إن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقّك ) (٣) ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم.

ولأنّ الاطّلاع على الباطن عسر. ولأنّه نائب عن الفقراء ، أمين لهم ، لم يوجد من جهته تفريط ، فلم يجب عليه الضمان.

ويكون له أن يستردّها من المدفوع إليه ، سواء أعلمه الإمام أنّها زكاة أو لا ، لأنّ الظاهر فيما يفرّقه الإمام ويقسّمه أنّه زكاة.

فإن وجد المدفوع استردّه ، سواء زادت عينه أو لا ، وسواء كانت الزيادة‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٣٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٠.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ ـ ١٦٣٣ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ـ ١٠٠ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٩ ـ ٧ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤ ، ومسند أحمد ٤ : ٢٢٤ و ٥ : ٣٦٢.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١١٧ ـ ١٦٣٠.

٣٤٥

متصلة أو منفصلة ، فإنّه يرجع بالجميع ، لظهور فساد الدفع.

وإن لم يجده استردّ بدله ، فإن تعذّر ذلك عليه ، فقد تلفت من مال الفقراء.

فروع :

أ ـ لو كانت تالفة ، رجع الإمام بالقيمة إن كانت من ذوات القيم ، وحكم اعتبار القيمة هنا حكم اعتبار القيمة في الغاصب ، لأنّه بغشّه أشبه الغاصب ، فإن قلنا هناك : يرجع بأعلى القيم من حين القبض الى حين التلف ، فكذا هنا ، وإن قلنا هناك : تعتبر القيمة حين التلف ، أو حين القبض ، فكذا هنا.

ب ـ لو تلفت وكانت من ذوات الأمثال ، استردّ المثل ، لأنّه الواجب على من عليه حق من غصب وغيره ، ولا فرق بين نقص القيمة وزيادتها.

ولو تعذّر المثل ، استردّ قيمته وقت الاسترجاع ، ولا اعتبار بمساواته لقيمة التالف ونقصها.

ج ـ لو ظهر المالك على غناه دون الإمام الدافع ، جاز للمالك الاسترجاع للعين أو القيمة أو المثل إن تمكّن ، باختيار المدفوع اليه أو بغير اختياره.

وهل للفقراء ذلك لو ظهروا عليه من دون إذن الإمام أو المالك؟ الوجه ذلك ، لأنّ القابض غاصب.

ويحتمل المنع ، لعدم تعيّنهم للاستحقاق ، إذ للمالك صرفه إلى غيرهم.

والبحث في نائب الإمام كالبحث في الإمام إذا لم يفرط في البحث عنه.

د ـ لا يجوز للمدفوع اليه الامتناع من ردّ العين بدفع القيمة أو المثل وإن سوّغناه في التعجيل ، لأنّ الدفع هناك سائغ ، والأخذ صحيح ، لأنّه على وجه القرض يملك به ، أمّا الأخذ هنا فإنّه باطل لا يملك به ، فوجب ردّ العين.

هـ ـ لو وجدها معيبة ، كان له أخذ العين والمطالبة بأرش العيب ، سواء‌

٣٤٦

كان العيب من فعله ، أو من فعل غيره ، أو من الله تعالى ، لأنّه قبض مضمون أشبه الغاصب.

أمّا لو دفعها إليه بنية الزكاة ولم يعلم المدفوع ، بل ظنّ الهبة والإيداع ، فلا ضمان في العيب من الله تعالى والأجنبي ، ولا في التلف منهما.

و ـ لو كان حال الدفع غنيا ، ثم تجدّد الفقر قبل الاسترداد ، كان للإمام الاسترداد أيضا ، لأنّ الدفع وقع فاسدا ، ويجوز أن يتركها بحالها ، ويحتسبها من الزكاة.

وهل يجب الأخذ ـ لو أراد الترك ـ ثم الدفع؟ إشكال ينشأ من وجوب النية حال الدفع ولم توجد ، لأنّ الدفع الأول باطل ، ومن كون الترك الآن كابتداء الدفع.

مسألة ٢٥٥ : لو دفع رب المال الزكاة إلى الفقير ، فبان غنيّا وقت الدفع ، قال الشيخ : لا ضمان عليه‌ (١) ـ وبه قال الحسن البصري ، وأبو عبيد ، وأبو حنيفة ، والشافعي في أحد القولين ، وأحمد في إحدى الروايتين (٢) ـ لما رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( قال رجل : لأتصدّقنّ بصدقة ، فخرج بصدقته ، فوضعها في يد غني ، فأصبحوا يتحدّثون : تصدّق على غني! فاتي فقيل له : أمّا صدقتك فقد تقبّلت ، لعلّ الغني أن يعتبر فينفق ممّا أعطاه الله ) (٣).

ولأنّه دفعها الى من ظاهره الاستحقاق ، فلم يلزمه الضمان كالإمام.

والقول الثاني للشافعي والرواية الأخرى عن أحمد : وجوب الضمان‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦١.

(٢) المغني ٢ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٤ ، اللباب ١ : ١٥٦ ـ ١٥٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٤ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٠.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٣٧ ـ ١٣٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٠٩ ـ ١٠٢٢ ، سنن النسائي ٥ : ٥٥ ـ ٥٦ ، سنن البيهقي ٤ : ١٩٢ و ٧ : ٣٤ ، مسند أحمد ٢ : ٣٢٢.

٣٤٧

ـ وبه قال الثوري والحسن بن صالح بن حي وأبو يوسف وابن المنذر ـ لأنّه دفع حقا إلى غير مستحقه فلزمه الضمان ، كالدّين يدفعه إلى غير مستحقه ـ وبه رواية لنا عن الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل يعطي زكاة ماله رجلا ، وهو يرى أنّه معسر ، فوجده موسرا ، قال : « لا تجزئ عنه » (١) ـ ويخالف الإمام ، لأنّه أمين لهم ، وهنا يدفع حقّا عليه (٢).

والوجه عندي أن نقول : إن فرّط المالك في البحث عنه والاجتهاد ضمن ، لتقصيره ، وإلاّ فلا ، لقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله زرارة : رجل عارف أدّى الزكاة الى غير أهلها زمانا ، هل عليه أن يؤدّيها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟

قال : « نعم » قلت : فإن لم يعرف لها أهلا فلم يؤدّها ، أو لم يعلم أنّها عليه فيعلم بعد ذلك ، قال : « يؤدّيها إلى أهلها لما مضى » قلت : فإنّه لم يعلم أهلها فدفعها الى من ليس هو لها بأهل وقد كان طلب واجتهد ثم علم بعد سوء ما صنع ، قال : « ليس عليه أن يؤدّيها مرة أخرى » (٣).

وقال عليه‌السلام : « إن اجتهد فقد برئ ، وإن قصّر في الاجتهاد في الطلب فلا » (٤).

فروع :

أ ـ إن كان المالك شرط حال الدفع أنّها صدقة واجبة ، استرجعها سواء كانت باقية أو تالفة ، فإن لم يقدر على استرجاعها فقد تلفت من مال المساكين ، قاله الشيخ (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٥ ( باب الرجل يعطي من زكاة .. ) الحديث ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٢ ـ ٢٨٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٠ ، المغني ٢ : ٥٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٥.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٦ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٢ ـ ١٠٣ ـ ٢٩٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥٤٦ ذيل الحديث ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ـ ٢٩١.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦١.

٣٤٨

وقال الشافعي : إن قلنا : إنّها تجزئه كان حكمه حكم الإمام ـ وقد تقدّم في المسألة السابقة ـ وإن قلنا : يضمنها وجب عليه إعادتها.

وله أن يرجع بها على المدفوع إليه إن كان شرط أنّها زكاة ، وإن لم يكن شرط لم يكن له الاسترجاع ، بخلاف الإمام ، لأنّ الظاهر من قسمة الإمام أنّه زكاة ، بخلاف رب المال ، لأنّه قد يتطوع (١).

والأقرب : جواز الاسترجاع وإن لم يكن شرط ، لفساد الدفع ، وهو أبصر بنيته ، والظاهر أنّ الإنسان إنّما يدفع ما وجب عليه.

ب ـ لو شهد عند الحاكم عدلان بالفقر ثم ظهر الغنى بعد الدفع ، فإن كان الدافع المالك لا بأمر الحاكم ، لم يضمن الشاهدان ، وكذا لو رجعا عن شهادتهما. وكذا لو شهدا عند المالك ، إذ الحكم إنّما هو الى الحاكم ، ولأنّهما لم يأمراه بالدفع ولا وجب بشهادتهما ، فلم يتلفا عليه شيئا ، ومع فقد غيره إشكال.

وإن كان الدافع الحاكم أو المالك بإذنه ، وهناك مستحق سواه ، ثم رجعا فلا ضمان عليهما. وفي وجوبه مع عدم مستحق غيره إشكال.

ج ـ لو بان عبدا لمالك لم تجزئه ـ وبه قال أبو حنيفة (٢) ـ سواء كان الدافع الإمام أو المالك ، لعدم خروج المال عن ملكه ، فجرى مجرى عزلها من غير تسليم.

مسألة ٢٥٦ : لو كان الخطأ في دفعها الى غير مسلم أو عبد أو من ذوي القربى أو ممّن تجب نفقته‌ ، قال الشيخ : حكمه حكم الغني (٣) ـ وقد تقدم ـ لأنّ الدفع واجب ، فيكتفى في شرطه بالظاهر ، تعليقا للوجوب على الشرط‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٣١.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٥٠ ، اللباب ١ : ١٥٧.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٦١.

٣٤٩

الممكن ، فلا يضمن ، لعدم العدوان في التسليم المشروع. وهو أحد قولي الشافعي.

وفي الثاني : يضمن ، وبه قال أحمد ، لعدم الطريق إلى معرفة الفقر ، وتعذّر الوقوف على حقيقته ، وإنّما يعلم ظنّا ، فكان الخطأ فيه عذرا ، أمّا هنا فإنّ حاله لا يخفى مع البحث عنه والفحص عن حاله (١).

ويبطل بتطرّق الخفاء هنا ، كما تطرّق في الغني ، نعم لو بان عبده لم تجزئه ، لما تقدّم.

مسألة ٢٥٧ : الاعتبار بحال المستحقّ يوم القسمة‌ ، فلا اعتبار بما سبق ، ولا بما لحق من أحواله ، وإنّما يملك أهل السّهمان حقّهم يوم القسمة بعد التسليم إليهم.

وهو الظاهر من مذهب الشافعي. وله قول آخر : إنّ الاعتبار بحال الوجوب (٢).

فعلى هذا ، لو مات بعض أهل السّهمان في قرية وجبت فيها الزكاة ، لم ينتقل الى وارثه شي‌ء عندنا ، لعدم تعيّن الاستحقاق.

وقال الشافعي في أحد قوليه : إذا كانوا ثلاثة نفر في قرية تعيّنت الصدقة لهم ، فيملك وارث أحدهم لو مات قبل القسمة نصيبه (٣). وهو بناء على وجوب التقسيط وتحريم النقل.

مسألة ٢٥٨ : العبد المشتري من الزكاة إذا مات ولا وارث له‌ ، قال أكثر علمائنا : يرثه أرباب الزكاة (٤) ، لقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله عبيد بن‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٢ ، المجموع ٦ : ٢٣١ ، المغني ٢ : ٥٢٧ ـ ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٤ و ٧١٥.

(٢) المجموع ٦ : ٢٢٦.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٦‌

(٤) منهم : الشيخ الطوسي في النهاية : ١٨٨ ، وابن إدريس في السرائر : ١٠٧ ، والمحقق في المعتبر : ٢٨٤.

٣٥٠

زرارة عن رجل أخرج زكاته فلم يجد لها موضعا ، فاشترى بها مملوكا ، فأعتقه هل يجوز ذلك؟ قال : « نعم لا بأس بذلك » قلت : فإنّه اتّجر واحترف فأصاب مالا ثم مات وليس له وارث فمن يرثه؟ قال : « يرثه الفقراء الذين يستحقّون الزكاة ، لأنّه إنّما اشتري بمالهم » (١).

ولو قيل : يرثه الإمام ، لأنّه وارث من لا وارث له ، كان وجها ، لأنّ الفقراء لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة ، لأنّه أحد مصارفها ، فيكون سائبة.

والرواية ضعيفة السند ، لأنّ في طريقها : ابن فضال وابن بكير ، وهما فطحيان.

مسألة ٢٥٩ : إذا تلفت الزكاة بعد قبض الساعي أو الإمام أو الفقيه ، لم يضمن المالك‌ ، وبرئت ذمته حين القبض ، وقد تقدّم بيانه.

ولو عدم هؤلاء والمستحقّ ، وأدركته الوفاة ، وجب أن يوصي بها ، لأنّها حقّ واجب عليه كالدّين ، وهو ظاهر.

مسألة ٢٦٠ : يجوز أن تدفع المرأة زكاتها الى زوجها إذا كان فقيرا‌ ـ وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد (٢) ـ لأنّه مستحق للزكاة لا تجب نفقته عليها فجاز ، كما لو دفع اليه غيرها ، وكما لو دفعت الى غيره.

وقال أبو حنيفة : لا يجوز ، لأنّه يعود نفعه إليها ، فإنّه يلزمه أن ينفق عليها (٣).

وليس بجيّد ، لأنّ وجوب حقّها عليه لا يمنع دفع زكاتها اليه ، كمن لها عليه دين.

مسألة ٢٦١ : قد بيّنّا أنّه لا يجوز أن يدفع الزكاة إلى زوجته‌ من سهم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٧ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ ـ ٢٨١ ، المحاسن : ٣٠٥ ـ ١٥.

(٢) المجموع ٦ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٩ ـ ٥٠ ، اللباب ١ : ١٥٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٣ ، المغني ٢ : ٥١١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٣.

(٣) المجموع ٦ : ١٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٩ ـ ٥٠ ، اللباب ١ : ١٥٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٣ ، المغني ٢ : ٥١١ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٣.

٣٥١

الفقراء والمساكين ، لأنّها غنيّة به.

وهل تكون عاملة أو مؤلّفه؟ الأقرب : المنع. نعم يصح أن تكون مكاتبة ، فيدفع إليها من سهم المكاتبين.

وكذا يصح أن تكون غارمة ، فيدفع إليها من سهم الغارمين ، لأنّ الزوج لا يجب عليه قضاء دينها. نعم لو استدانته في النفقة الواجبة عليه ، لم يجز قضاؤه من الزكاة.

ولا تعطى من سهم الغزاة ، لأنّها لا تندب الى الغزو.

ولو نشزت سقطت نفقتها ، ولم يجز أن يدفع إليها من الصدقة ، لأنّها يمكنها أن تدفع النشوز ، فتجب عليه نفقتها ، فجرت مجرى القادر على الاكتساب. أمّا لو منعها الزوج النفقة ، فإنّه يجوز أن تعطى زكاة غيره للحاجة.

وهل يجوز أن تعطى من سهم ابن السبيل؟ ينظر فإن سافرت مع زوجها بإذنه ، لم تعط النفقة ، لوجوبها عليه ، ويجوز أن تعطى الحمولة ، ولو كانت بغير إذنه ، لم تعط الحمولة أيضا ، لأنّها عاصية بالسفر.

وإن خرجت وحدها ، فإن كان بإذنه لحاجة نفسها ، فإنّ النفقة لا تسقط عن الزوج ـ وهو أحد قولي الشافعي (١) ـ فلا تعطى النفقة ، وتعطى الحمولة ، لأنّها غير عاصية بالسفر ، ولا يجب على الزوج.

وللشافعي قول آخر : عدم وجوب النفقة على الزوج (٢) ، فيدفع إليها من سهم ابن السبيل النفقة والحمولة معا ، لحاجتها الى ذلك.

وإن خرجت بغير إذنه ، سقطت نفقتها ، ولا يدفع إليها من سهم ابن السبيل ، لأنّ سفرها معصية ، وتدفع إليها النفقة من سهم الفقراء ، بخلاف الناشز في الحضر ، لأنّه يمكنها الرجوع الى يد الزوج ، بخلاف المسافرة.

__________________

(١) المجموع ٦ : ١٩٢ ، و ١٨ : ٢٤٣ ، حلية العلماء ٧ : ٣٩٥.

(٢) المجموع ٦ : ١٩٢ ، و ١٨ : ٢٤٣ ، حلية العلماء ٧ : ٣٩٥.

٣٥٢

ولا تدفع إليها الحمولة ، لأنّها عاصية بالسفر ، إلاّ أن تريد الرجوع الى يد الزوج ، فيكون سفرها ـ إذن ـ طاعة ، فيجوز أن يدفع إليها الى أن تصل الى يده من سهم ابن السبيل.

مسألة ٢٦٢ : قد بيّنّا استحباب التعميم لا وجوبه‌ ، خلافا للشافعي (١) ، فلو وجد صنف من أهل السّهمان في بلد ، فإن كان الباقون مفقودين من جميع الأرض ، فرّقها على الموجودين من الأصناف إجماعا ، لأنّ الصدقة وجبت عليه طهرة ، فلا يجوز تركها عليه.

ولا يدفع الى غير الأصناف ، لأنّه ليس فيهم معنى الاستحقاق ، وهؤلاء الأصناف هم أهل الاستحقاق ، فكانوا أولى ، بخلاف الموصي لاثنين إذا ردّ أحدهما ، فإنّ حقّه يرجع الى الورثة ، لأنّ الوصية لم تكن مستحقّة عليه ، وإنّما تبرّع بها ، فإذا لم يقبلها رجعت اليه ، وقام ورثته مقامه ، والزكاة مستحقّة عليه فلم يرجع اليه.

وإن كان باقي الأصناف موجودين في بلد آخر ، لم يجز النقل إليه عندنا ، بل وجب التفريق على الصنف الموجود في بلد المال ، لأنّ التعميم مستحب والنقل حرام ، فلا يرتكب الحرام لفعل المستحب.

وللشافعية قولان : أحدهما : وجوب النقل ، لأنّه إنّما لم يجز إذا وجد أهلها ، وحقّ الأصناف آكد من حق المكان ، لأنّه لو عدل عن الأصناف مع وجودهم لم يجز قولا واحدا ، ولو عدل عن المكان فقولان ، ومنهم من قال : إنّه على قولين : إن جوّزنا النقل وجب نقلها إلى بقية الأصناف ، وإن حرّمناه لم يجز هنا ، اعتبارا بالمكان الذي هو فيه (٢).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ و ١٧٨ ، المجموع ٦ : ٢١٦ ، المغني ٢ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٥.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ و ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٥.

٣٥٣

فإذا قلنا بالنقل ، فإنّه ينقل إلى أقرب المواضع الذي فيه بقية الأصناف ، وإن قلنا : لا ينقل ، فنقله ، أجزأه عندنا ، وللشافعية قولان (١).

ولو عدم جميع الأصناف في بلد المال ، فإنّه ينقل إلى أقرب المواضع إليه ، لأنّ ذلك لا بدّ منه.

مسألة ٢٦٣ : إذا احتيج في قبض الصدقة إلى مئونة الإقباض‌ ، كما لو احتاجت الى كيل أو وزن ، قال الشيخ : الأشبه : وجوب الأجرة على المالك ، لأنّ عليه إيفاء الزكاة ، كما أنّ على البائع أجرة الكيّال والوزّان (٢).

وهو أحد قولي الشافعية ، والآخر : أنّها على أهل السّهمان ، لأنّ الواجب في الزكاة مقدّر ، فلا يزاد عليه (٣). وأصحهما : الأول ، لأنّ ذلك للإيفاء ، لا أنه زيادة في الزكاة.

أمّا مئوونة القبض كاجرة الكاتب والحاسب ، فإنّها على العامل ، وأمّا أجرة النقّال والحمّال فمن الوسط. ويحتمل أن يكون على العامل إن قبضها منه.

وإن نقلها المالك الى بلد الإمام فعلى المالك.

إذا ثبت هذا ، فإذا قبض الساعي الصدقة ، كان قبضه قبض أمانة ، إذا تلفت من غير تفريط لم يضمن ، وكان له الأجرة من سهم المصالح.

مسألة ٢٦٤ : إذا فوّض الإمام إلى الساعي تفرقة الصدقة‌ ، ينبغي له أن يتعرّف المستحقّين للصدقة في كلّ بلد فوّض اليه تحصيل صدقته ، ليفرّقها فيه ، فيعرف أسماءهم وحاجاتهم وقدر كفايتهم ، فإذا أحصى ذلك جبى الصدقة.

وإنّما استحببنا تقديم ذلك ، لتقع التفرقة عقيب جمع الصدقة. ولأنّه‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢٢١.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٦.

(٣) المجموع ٦ : ٢٢٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٠.

٣٥٤

إذا اشتغل بالجمع أوّلا ، ثم شرع في التعريف لم يأمن من تلفها ، فيضيع على أربابها.

ثم يعزل سهم العامل قبل التفريق ، لأنّه يأخذ على طريق المعاوضة ، فكان استحقاقه أقوى ، ولهذا لو قصر النصيب عن أجرته تمّم له. ولأنّه ربما كان أكثر من أجرته فيردّ الباقي عليهم قبل القسمة ، أو كان دون أجرته فيتمّم الباقي له من الصدقة على أحد قولي الشافعي (١).

تذنيب : يعطى العريف ـ الذي يعرّف أهل الصدقات ـ والذي يحسب ويكيل ويزن للقسمة بينهم من نصيب العامل ، لأنّ ذلك كلّه من جملة العمل.

مسألة ٢٦٥ : إذا كان بيد المكاتب ما يفي بمال الكتابة لم يعط شيئا‌ ، وإن قصر جاز أن يأخذ ، ويتخيّر الساعي في الدفع إليه ، لأنّه المصرف ، والى السيد ، لأنّه المستحقّ ، وإنّما يدفعه الى السيد بإذنه. والأولى الصرف الى السيد بإذنه ، لئلاّ يدفع اليه فينفقه.

ولو قبضه المكاتب جاز ، فإن أراد أن ينفقه ، منعه من ذلك ، لأنّه إخراج في غير المصرف.

فإن قال المكاتب : هذا الذي بيدي لا يفي بمال كتابتي ، فأريد أن اتّجر فيه ليحصل منه ربح ، مكّن من التصرّف فيه والتجارة ، تحصيلا للمصلحة.

مسألة ٢٦٦ : يعطى ابن السبيل ما يبلغه البلد الذي يريده لمضيّه وعوده‌ على ما بيّنّاه ، فإن أراد أن يقيم في البلد الذي قصده دون عشرة أيام ، أخذ نفقة ذلك ، لأنّه في حكم المسافر ، وإن نوى إقامة عشرة لم يأخذ فيها من سهم ابن السبيل ، لأنّه مقيم.

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨.

٣٥٥

والشافعي شرط إقامة ثلاثة لا أزيد (١).

ولو طلب الحمولة ، فإن كان بينه وبين مقصده سفر طويل ، أو كان ضعيفا عن القصير ، دفع اليه ، وإلاّ فلا.

ولو احتاج الى كسوة لسفره ، كساه للصيف أو للشتاء.

إذا ثبت هذا ، فإنّ السهم يجوز أن يدفعه الى واحد عندنا وإن وجد أكثر.

وقال الشافعي : لا يجوز أن يدفعه إلى أقلّ من ثلاثة مع وجودهم ، فإن لم يجد إلاّ واحدا ، فإن كانت كفايته ثلث نصيبهم دفع ذلك اليه.

وهل يردّ الباقي الى بقية الأصناف ، أو ينقله إلى أقرب البلدان؟

قولان (٢).

فإن كانت كفايته تستغرق النصيب كلّه ، قال الشافعي : دفع اليه.

ولأصحابه قولان (٣).

مسألة ٢٦٧ : صاحب المال إن كان من أهل الأمصار ، وأراد تفرقة الزكاة بنفسه‌ ، ينبغي أن يفرّقها في بلد المال على ما تقدّم ، وأن يخص بها قوما دون غيرهم ، والتفضيل والتسوية على ما قلناه.

والأقارب أولى من الأجانب ، فإن عدل إلى الأجانب أجزأه إجماعا ، وليس له نقلها إلى الأقارب إذا بعد مكانهم عن المال ، إلاّ بشرط الضمان على ما تقدّم.

وإن كان من أهل البادية ، فهم بمنزلة أهل المصر ، ليس لهم نقل الصدقة من مكان الى غيره ، للعموم.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم‌

__________________

(١) المجموع ٦ : ٢١٥.

(٢) المجموع ٦ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٢ ، كفاية الأخيار ١ : ١٢٤.

(٣) المجموع ٦ : ٢١٨ ، كفاية الأخيار ١ : ١٢٤.

٣٥٦

صدقة أهل البوادي في أهل البوادي ، وصدقة أهل الحضر في أهل الحضر » (١).

إذا ثبت هذا ، فإن كانوا أهل نجعة (٢) يتّبعون العشب ومواقع القطر ، دفعوا صدقتهم الى من فيهم من الفقراء الذين ينتجعون بانتجاعهم ( ويرتحلون ) (٣) بارتحالهم ، فإن وسعت الصدقة المناسبين منهم والأباعد ، دفع الى جميعهم ، وإن ضاقت قدّموا المناسبين ، كلّ ذلك على جهة الأفضل.

وإن كانوا أهل حلّة وموضع ينزلون فيه لا ينتقلون عنه إلاّ إذا اجدب ، فإذا أخصب عادوا اليه ، فحكمهم حكم أهل المصر.

ومن كان ( منهم ) (٤) على أقلّ من مسافة القصر فكالحاضر معهم ، وإن كانت المسافة يقصّر فيها الصلاة فكالحاضر في البلد ، هكذا قاله الشيخ (٥) ، وبه قال الشافعي (٦).

والوجه عندي : عدم اعتبار المسافة هنا ، فلو كان البلد بينه وبين الفقير دون مسافة القصر ، لم يجز النقل إلاّ مع الحاجة.

ولو كان بين البلدين مسافة لا يقصّر فيها الصلاة ، لم تنقل الصدقة من أحدهما إلى الآخر ـ وبه قال الشافعي (٧) ـ لأنّ أحدهما لا يضاف الى الآخر ولا‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ـ ٢٩٢ ، والفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٨.

(٢) النجعة والانتجاع : طلب الكلاء ومساقط الغيث. لسان العرب ٨ : ٣٤٧ « نجع ».

(٣) في نسختي « ن » و « ف » : ويرحلون.

(٤) ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق ، والطبعة الحجرية : معهم. والمناسب للعبارة ما أثبتناه.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٨.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٤ ، الوجيز ١ : ٢٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٦.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢٢٢ ، الوجيز ١ : ٢٩٦.

٣٥٧

ينسب إليه.

مسألة ٢٦٨ : قد بيّنّا جواز التفضيل والتخصيص ولو لواحد‌ ، خلافا للشافعي (١).

ولا فرق بين الإمام والمالك ، وقد تقدّم.

وقال الشافعي : إن كان المفرّق الإمام ، وجب أن يعمّ الجميع بالعطاء ، ولا يقتصر على بعضهم ، ولا أن يخلّ بواحد منهم ، لأنّ ذلك غير متعذّر على الإمام (٢). وقد بيّنّا بطلانه.

أمّا آحاد الرعية ، فإن كان في بلد تتّسع صدقته لكفاية أهل السّهمان ، عمّهم استحبابا ، وإن ضاق ماله عنهم ، جاز له الاقتصار على بعض.

ولا يجب الثلاثة من كلّ صنف ، خلافا للشافعي ، حيث اعتبر الثلاثة التي هي أقلّ الجمع في قوله تعالى ( لِلْفُقَراءِ ) (٣) (٤).

ونحن نمنع التملّك ، لأنّها لبيان المصرف ، نعم هو أفضل.

فإن تساوت حاجة الثلاثة سوّى بينهم ندبا إجماعا ، وله التفضيل عندنا ، وبه قال الشافعي (٥) ، خلافا للإمام عنده (٦) ، لأنّ على الإمام أن يعمّ ، فكان عليه أن يدفع على قدر الكفاية.

وليس على الواحد من الرعية ذلك ، فلم يتعيّن عليه قدر الكفاية.

فإن دفع الى اثنين وأخلّ بالثالث مع وجوده ، صحّ الدفع ، ولا غرم عندنا.

وأوجب الشافعي الغرم ، لأنّه أسقط حقّه. وكم يغرم؟ قولان : الثلث ،

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٦ ، المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥.

(٢) المجموع ٦ : ٢١٧.

(٣) التوبة : ٦٠.

(٤) المجموع ٦ : ٢١٦ ، المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٦ و ٢١٧.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٦ و ٢١٧.

٣٥٨

نصّ عليه ، لأنّه قد كان له الاجتهاد والاختيار في التفضيل مع إعطائهم ، فإذا أخلّ بواحد سقط اجتهاده فيهم ، فقد تعيّن سهمه. والثاني : يدفع اليه القدر الذي لو دفعه إليه أجزأه. وهو أقيس عندهم (١).

مسألة ٢٦٩ : قد بيّنّا أنّه يجوز أن يعطى من يجب نفقته من غير سهم الفقراء والمساكين ، وهل يعطى لو كان مؤلّفا؟ قال الشيخ : نعم (٢).

وشرط الشافعي الغنى فيه ، فإن كان فقيرا لم يعطه من المؤلّفة ، لأنّه يعود نفع الدفع اليه ، وإن كان مسافرا ، أعطاه ما يزيد على نفقة الحضر من سهم ابن السبيل لأجل السفر ، لأنّه إنّما يجب عليه نفقته حاضرا (٣).

مسألة ٢٧٠ : لو كانت الصدقة لا يمكن قسمتها بين المتعدّدين‌ ، كالشاة والبعير ، جاز للمالك دفع القيمة عندنا ، خلافا للشافعي (٤) ، وقد تقدّم (٥). وجاز له التخصيص لواحد به خلافا له (٦) أيضا.

وعلى قوله ، ليس للإمام بيعها ، بل يجمعهم ويسلّمه إليهم ، لأنّ الإمام وإن كان يلي عليهم فهو كالوكيل لهم ليس له بيع ما لهم في غير موضع الحاجة ، فإن تعذّر عليه نقلها إليهم لسبب بها أو لخوف طريق ، جاز له بيعها ، وتفرقة ثمنها ، لموضع الحاجة.

مسألة ٢٧١ : لو أسلم في دار الحرب ، وأقام بها سنين لا يؤدّي زكاة‌ ، أو غلب الكفّار أو الخوارج على بلده ، وأقام أهله سنين لا يؤدّون الزكاة ، ثم‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٢.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٨.

(٣) المجموع ٦ : ٢٢٩.

(٤) المجموع ٥ : ٤٢٨ و ٤٢٩ و ٤٣١ و ٦ : ٢٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

(٥) تقدّم في المسألة ١٣١.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٦.

٣٥٩

غلب عليهم الإمام ، أدّوا لما مضى ـ وبه قال مالك وأحمد والشافعي (١) ـ لأنّ الزكاة من أركان الإسلام ، فلم تسقط عمّن هو في غير قبضة الإمام ، كالصلاة والصوم.

وقال أصحاب الرأي : لا زكاة عليهم لما مضى في المسألتين معا (٢).

ولو ( أسر ) (٣) المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يحل بينه وبين ماله ، فإن حيل بينهما قبل التمكّن من الأداء ، سقطت.

وقال أحمد : لا تسقط وإن حيل بينهما ، لأنّ تصرّفه في ماله نافذ يصحّ بيعه وهبته وتوكيله فيه (٤). وقد سلف (٥) بيان اشتراط تمامية التصرف.

مسألة ٢٧٢ : لو دفع المالك الى غيره الصدقة ليفرّقها ، وكان مستحقّا لها‌ ، فإن عيّن المالك له ، لم يجز التعدّي إجماعا ، فإنّ للمالك الخيرة في التعيين دون غيره.

وإن لم يعيّن ، بل أطلق ، فلعلمائنا قولان : الجواز ، عملا بالأصل.

ولأنّه مستحق لنصيب منها وقد أمر بصرفها الى المستحقّين ، وإبراء الذمة بالدفع إلى أربابها ، فجاز أن يأخذ ، لحصول الغاية به ، لقول الرضا عليه‌السلام وقد سأله عبد الرحمن بن الحجاج عن الرجل يعطي الرجل الدراهم يقسّمها ويضعها في مواضعها ، وهو ممّن تحلّ له الصدقة ، قال : « لا بأس أن يأخذ لنفسه كما يعطي لغيره » قال : « ولا يجوز له أن يأخذ إذا أمره أن‌

__________________

(١) المدونة الكبرى ١ : ٢٨٤ ، المغني ٢ : ٥٤٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٧.

(٢) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٨١ ، المغني ٢ : ٥٤٥ ، المجموع ٥ : ٣٣٧.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق والطبعة الحجرية : ( أيسر ).

والمثبت يقتضيه السياق.

(٤) المغني ٢ : ٦٤١.

(٥) سلف في المسألة ١١.

٣٦٠