تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

أفخاذها ، ووسم الغنم في آذانها (١). وعليه إجماع الصحابة.

ولأنّ الحاجة تدعو إليه في تمييز إبل الصدقة من إبل الجزية وغيرها ، وربما شردت فعرفها من وجدها فردّها ، وربما رآها المالك فيكره شراءها.

وقال أبو حنيفة : يكره ، لأنّه مثلة (٢). وفعل النبي عليه‌السلام أولى.

ويستحب أن توسم في المواضع الصلبة المنكشفة كأفخاذ الإبل وآذان الغنم ، وأن يكتب على الميسم ما تؤخذ له ، فعلى إبل الزكاة زكاة أو صدقة.

وعلى إبل الجزية جزية أو صغار. ولو كتب عليها لله ، كان أبرك وأولى.

مسألة ٢٣٣ : لا يجوز دفع الزكاة إلى ولاة الجور‌ عند علمائنا أجمع ، لانتفاء ولايتهم واستحقاقهم لها ، فلا سبب يقتضي تسويغ الدفع إليهم.

ولقوله تعالى ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا ) (٣) والجائر ظالم ، ودفع الزكاة إليه ركون اليه ، فيبقى في عهدة التكليف.

وقال الشافعي : يجوز الدفع الى ولاة الجور سواء عدل فيها أو جار ، وسواء أخذها قهرا أو دفعها اليه اختيارا. وبه قال أحمد وأبو ثور (٤).

واختلفوا ، فقال أبو علي الطبري : دفعها الى الجائر أولى (٥) ، لما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ستكون بعدي أمور تنكرونها ) فقالوا : ما نصنع؟ فقال : ( أدّوا حقّهم واسألوا الله حقّكم ) (٦).

__________________

(١) صحيح البخاري ٧ : ١٢٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٦٧٤ ـ ١١٠ ـ ١١٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١١٨٠ ـ ٣٥٦٥ ، مسند أحمد ٣ : ١٧١ و ٢٥٤ و ٢٥٩.

(٢) المجموع ٦ : ١٧٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٣ ، عمدة القارئ ٩ : ١٠٧ ، فتح الباري ٣ : ٢٨٦.

(٣) هود : ١١٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٤ ، المغني ٢ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٥) لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٦) صحيح مسلم ٣ : ١٤٧٢ ـ ١٨٤٣ ، المعجم الصغير للطبراني ٢ : ٨٠ ، مسند أحمد ١ : ٤٢٨ نحوه.

٣٢١

ولأنّ أبا صالح قال : أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت : عندي مال وأريد أن اخرج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فما تأمرني؟ فقال : ادفعها إليهم ، فأتيت ابن عمر فقلت فقال [ مثل ] (١) ذلك ، فأتيت أبا هريرة فقال مثل ذلك ، فأتيت أبا سعيد الخدري فقال مثل ذلك (٢).

ولا حجة فيه ، لأنّه ليس إجماعا ، ولجواز علم الإكراه. وكذا في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن حمل على الزكاة.

مسألة ٢٣٤ : إذا أخذ الجائر الزكاة ، قال الشيخ : لم يجزئ عنه‌ (٣) ، لأنّ أبا أسامة قال للصادق عليه‌السلام : جعلت فداك هؤلاء المصدّقون يأتوننا فيأخذون منّا الصدقة نعطيهم إيّاها؟ فقال : « لا ، إنّما هؤلاء قوم غصبوكم ، أو قال : ظلموكم وإنّما الصدقة لأهلها » (٤).

وقال في التهذيب : الأفضل إعادتها (٥). وهو يعطي الجواز ، وبه قال الشافعي وأحمد (٦) ، لقول الصادق عليه‌السلام في الزكاة : « ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا ، ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم ، فإنّ المال لا يبقى [ على هذا ] (٧) أن يزكّى مرتين » (٨).

وقال أبو حنيفة : تجزئ فيما غلبوا عليه. وقال : إذا مرّ على الخوارج‌

__________________

(١) زيادة يقتضيها السياق.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ١١٥ ، والمغني ٢ : ٥٠٦ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٧٢.

(٣) الخلاف ٢ : ٣٢ ، المسألة ٣٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٠ ـ ١٠١ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ ـ ٧٨.

(٥) التهذيب ٤ : ٣٩.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٤ و ١٦٥ ، المغني ٢ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٧) زيادة من المصدر.

(٨) الكافي ٣ : ٥٤٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٩٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٧ ـ ٧٦.

٣٢٢

فعشّروه لا تجزئ عن زكاته (١).

وقال أبو عبيد : في الخوارج يأخذون الزكاة على من أخذوا منه الإعادة ، لأنّهم ليسوا بأئمّة ، فأشبهوا قطّاع الطريق (٢).

والشافعي قال : إن أخذها إمام غير عادل أجزأت عنه ، لأنّ إمامته لم تزل بفسقه (٣).

وقال أكثر الفقهاء من المحقّقين وأكثر أصحاب الشافعي : إنّ إمامته تزول بفسقه (٤).

وقال أحمد وعامة أصحاب الحديث منهم : لا تزول الإمامة بفسقه (٥).

وهذا كلّه عندنا باطل ، لأنّ الإمام عندنا يجب أن يكون معصوما ، فالدافع إلى غيره مفرّط فيضمن.

أمّا لو أخذها الظالم منه قهرا فالوجه عندي التفصيل ، وهو : أنّه إن كان بعد عزل المالك لها وتعيينها ، لم يضمن ، وأجزأت ، لأنّ له ولاية العزل ، فتصير أمانة في يده بعد العزل ، فإذا غصبت منه لم يضمن كسائر الأمانات ، وإن كان قبله لم تجزئ ، ولا تجب عليه فيما أخذ الظالم منه قهرا زكاة إجماعا.

مسألة ٢٣٥ : إذا قبض الإمام أو الساعي الصدقة دعا لصاحبها. وهل هو واجب أو ندب؟ للشيخ قولان : أحدهما : الوجوب ـ وبه قال داود (٦) ـ لقوله تعالى ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (٧) والأمر للوجوب (٨).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٢) المغني ٢ : ٥٠٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٣) حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٢ ـ ٣٣ ، المسألة ٣٢.

(٤) حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٢ ـ ٣٣ ، المسألة ٣٢.

(٥) حكاها الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٣٢ ـ ٣٣ ، المسألة ٣٢.

(٦) المجموع ٦ : ١٧١ ، عمدة القارئ ٩ : ٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٧.

(٧) التوبة : ١٠٣.

(٨) الخلاف ٢ : ١٢٥ ، المسألة ١٥٥.

٣٢٣

والثاني : الندب (١) ـ وبه قال باقي الفقهاء (٢) ـ عملا بأصالة البراءة ، ولأنّه عليه‌السلام لمّا بعث معاذا الى اليمن قال : ( أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم ) (٣) ولم يأمره بالدعاء.

ولأنّ ذلك لا يجب على الفقير المدفوع إليه فالنائب أولى.

وأمّا الاستحباب : فللآية.

ولأنّ عبد الله بن أبي أوفى قال : كان أبي من أصحاب الشجرة ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال : ( اللهم صلّ على آل فلان ) فأتاه أبي بصدقته ، فقال : ( اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى ) (٤) والصلاة هنا الدعاء والتبرك.

مسألة ٢٣٦ : يكره أن يملك الإنسان ما تصدّق به اختيارا‌ كالشراء وشبهه من عقود المعاوضات عليه ، ويجوز من غير كراهة تملّكه بميراث وشبهه ، كقبضه في دين إذا دفعه الفقير ، لوجوبه حينئذ.

وليس الأول بحرام عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي (٥) ـ لقوله عليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لخمسة : رجل‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٤.

(٢) المغني ٢ : ٥٠٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٦ ، المجموع ٦ : ١٧١ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٧.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ ١٥٨٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٦ ـ ٤.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٩ و ٨ : ٩٠ و ٩٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٥٦ ـ ٧٥٧ ـ ١٠٧٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ ـ ١٧٩٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٦ ـ ١٥٩٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٥٣ ، ٣٥٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٣ ، سنن البيهقي ٢ : ١٥٢ ، و ٤ : ١٥٧ و ٧ : ٥.

(٥) المجموع ٦ : ٢٤١ ، المغني ٢ : ٥١٣.

٣٢٤

ابتاعها بماله ) (١).

وتصدّق رجل على امّه بصدقة ثم ماتت ، فسأل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ( قد قبل الله صدقتك وردّها إليك الميراث ) (٢) وهو في معنى الشراء.

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « فان تتبّعت نفس صاحب الغنم [ من النصف الآخر منها شاة أو شاتين أو ثلاثا فليدفعها إليهم ثم ليأخذ صدقته ] (٣) فإذا أخرجها ( فليقوّمها ) (٤) فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحقّ بها » (٥).

ولأنّ ما صحّ أن يملك إرثا صحّ أن يملك ابتياعا كسائر الأموال.

وقال أحمد ومالك وقتادة : يحرم عليه الشراء ولا ينعقد (٦).

وقال أصحاب مالك : إن اشتراها لم ينقض البيع (٧) ، لأنّ عمر قال : حملت على فرس في سبيل الله ، فأضاعه الذي كان عنده ، وظننت أنّه بائعه برخص ، فأردت أن أشتريه ، فسألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ( لا تبتعه ولا تعد في صدقتك ولو أعطاكه بدرهم ، فإنّ العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ) (٨).

ولا حجة فيه ، لاحتمال كونه حبسا في سبيل الله فمنعه لذلك ، أو أنّه محمول على الكراهة ، لما في الشراء من التوصّل الى استرجاع شي‌ء منها ،

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٠ ـ ١٨٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٩ ـ ١٦٣٥ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢١ ـ ٣ ، مسند أحمد ٣ : ٥٦ ، سنن البيهقي ٧ : ١٥ و ٢٢.

(٢) المغني ٢ : ٥١٣ نقلا عن سعيد بن منصور في سننه.

(٣) زيادة من المصدر.

(٤) في الكافي : فليقسمها.

(٥) الكافي ٣ : ٥٣٨ ـ ٥٣٩ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٩٨ ـ ٢٧٦.

(٦) المغني ٢ : ٥١٣ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٨٠ و ١٨١.

(٧) المغني ٢ : ٥١٣ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٨٠ و ١٨١.

(٨) صحيح البخاري ٤ : ٧١ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢٣٩ ـ ١٦٢٠ ، سنن البيهقي ٤ : ١٥١.

٣٢٥

فإنّ الفقير يستحي منه فلا يماكسه في الثمن ، وربما أرخصها له طمعا في أخذ صدقة اخرى منه ، وربما علم أنّه إن لم يبعه إيّاها استرجعها منه ، أو توهّم ذلك ، ومثل هذا ينبغي اجتنابه.

وقال ابن عبد البر : كلّ العلماء يقولون : إذا رجعت إليه بالميراث طابت له ، إلاّ ابن عمر والحسن بن حي (١).

تذنيب : لو دعت الحاجة إلى الشراء ، بأن يكون الفرض جزءا من حيوان لا يمكن الفقير الانتفاع بعينه ، ولا يجد من يشتريه سوى المالك ، ولو اشتراه غيره تضرّر المالك بالمشاركة ، والفقير بقلّة الثمن ، زالت الكراهة والتحريم إجماعا ، وكذا كلّ موضع دعت الحاجة إلى البيع.

مسألة ٢٣٧ : قد بيّنا أنّه يجوز الاحتساب من الزكاة في دين على الفقير‌.

ومنع منه أحمد ، قال : ولو دفع الى المديون الفقير زكاته فردّها اليه قضاء عمّا عليه ، جاز له أخذه إلاّ أن يكون حيلة. قال : فإن استقرض المديون مالا فقضاه ثم ردّه عليه وحسبه من الزكاة ، فإن أراد بهذا إحياء ماله ، لم يجز (٢).

فحصل من كلامه : أنّ دفع الزكاة إلى الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفى حقّه ثم دفع ما استوفاه اليه ، إلاّ أنّه متى قصد بالدفع إحياء ماله أو استيفاء دينه لم يجز ، لأنّ الزكاة لحقّ الله ، فلا يجوز صرفها إلى نفعه ، ولا يجوز أن يحتسب الدّين الذي له من الزكاة قبل قبضه ، لأنّه مأمور بأدائها ، وهذا إسقاط.

والحقّ ما قلناه من جواز ذلك كلّه.

__________________

(١) المغني ٢ : ٥١٤.

(٢) المغني ٢ : ٥١٥.

٣٢٦

الفصل الرابع

في كيفية الإخراج‌

ومباحثه ثلاثة :

الأول

النية‌

مسألة ٢٣٨ : النية شرط في أداء الزكاة‌ ، فلا تصح من دونها عند علمائنا أجمع ، وهو قول عامة أهل العلم (١).

ولأنّه عبادة ، فتفتقر إلى النية ، لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ ) (٢).

ولقوله عليه‌السلام : ( إنّما الأعمال بالنيات ) (٣) وأداؤها عمل.

ولأنّها عبادة تتنوّع إلى فرض ونفل ، فافتقرت إلى النية ، كالصلاة والصوم.

ولأنّ الدفع يحتمل الوجوب والندب ، والزكاة وغيرها ، فلا تتعيّن لأحد الوجوه إلاّ بالنية.

وحكي عن الأوزاعي : أنّ النية لا تجب في الزكاة ، لأنّها دين ، فلا‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣.

(٢) البيّنة : ٥.

(٣) صحيح البخاري ١ : ٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ١٤١٣ ـ ٤٢٢٧ ، سنن الترمذي ٤ : ١٧٩ ـ ١٦٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٢٦٢ ـ ٢٢٠١ ، مسند أحمد ١ : ٢٥ ، سنن البيهقي ٧ : ٣٤١.

٣٢٧

تجب فيها النية ، كسائر الديون ، ولهذا يخرجها ولي اليتيم ، ويأخذها السلطان من الممتنع (١).

والفرق ظاهر لانحصار مستحقه ، وقضاؤه ليس بعبادة ولهذا يسقط بإسقاط مستحقّه.

ووليّ الطفل والسلطان ينويان عند الحاجة.

مسألة ٢٣٩ : والنية : إرادة تفعل بالقلب مقارنة للدفع‌ ، لأنّها مع ( التقدم ) (٢) تكون عزما.

ويشترط فيها القصد الى الدفع ، لأنّه الفعل ، والى مخصّصاته من كون المدفوع زكاة مال أو فطرة ، وإلاّ لم ينصرف إلى أحدهما ، لعدم الأولويّة.

والوجه وهو : الوجوب أو الندب. والتقرب إلى الله تعالى. وأنّها زكاته.

والوكيل والولي والحاكم والساعي ينوون زكاة من يخرجون عنه.

ولا يجب أن يذكر عن مال بعينه ، ولا تعيين الجنس المخرج عنه ، والتلفّظ بالنية.

وقال الشافعي : كيفية النية أن ينوي أنّها زكاة ماله ، وإن نوى أنّها واجبة أجزأه (٣).

فإن قصد الاقتصار على هذا لا غير ، فليس بجيّد ، وإن قصد مع انضمام ما شرطناه فهو مسلّم.

ولو نوى الزكاة ولم يتعرض بفرض لم تجزئ عندنا ، وهو أحد وجهي الشافعية (٤).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٣ ، المجموع ٦ : ١٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥.

(٢) في « ط » : التقديم.

(٣) المجموع ٦ : ١٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٣.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، المجموع ٦ : ١٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٣٢٨

واختلف أصحابه في تقديم النية ، فجوّز بعضهم ، لأنّها عبادة تجوز فيها النيابة بغير عذر ، ويجوز تقديمها على وجوبها ، فجاز تقديم النية عليها ـ وهو اختيار أصحاب أبي حنيفة (١) ـ لأنّ ذلك يؤدّي الى إيقاف أجزائه على نية وكيله ، وفي ذلك تغرير بماله مع إجازة النيابة والحاجة إليها.

وقال آخرون : لا يجوز (٢) ، كما قلناه ، لأنّها عبادة تدخل فيها بفعله ، فلا يجوز تقديم النية عليها كالصلاة ، ودخول النيابة لا يقتضي جواز تقديم النية عليها كالحج.

ونمنع جواز تقديمها ، وقد مضى ، سلّمنا ، لكن لا يصلح للعلّية ، ونوجب نية الوكيل أو نيته عند دفعه.

مسألة ٢٤٠ : الزكاة إن فرّقها المالك تولّى النية حالة الدفع‌.

وإن دفعها إلى وكيله ليفرّقها ، فإن نوى الموكّل حالة الدفع الى الوكيل ، ونوى الوكيل حالة دفعه الى الفقراء ، أجزأ إجماعا.

وإن لم ينويا معا ، بأن ينويا الصدقة دون الزكاة لم يجزئه.

وإن نوى المزكّي حال دفعه إلى الوكيل ولم ينو الوكيل حالة الدفع إلى الفقراء ، لم يجزئه عندنا ، وهو أحد قولي الشافعية بناء على الوجهين في جواز تقديم النية (٣).

ومنهم من قال : يجزئه هنا وجها واحدا ، لأنّه لمّا أجيزت له النيابة جازت النية عند الاستنابة (٤).

وينتقض بالحج ، ولأنّ نية الموكّل لم تقارن الدفع ، فوقع الفعل بغير‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، المجموع ٦ : ١٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، المجموع ٦ : ١٨١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥.

(٣) المجموع ٦ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

(٤) المجموع ٦ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٣٢٩

نية ، فلا يعدّ عملا.

ولو نوى الوكيل حال الدفع إلى الفقراء ولم ينو الموكّل حال الدفع الى الوكيل لم يجزئه ـ وبه قال الشافعي وأحمد (١) ـ لأنّ الفرض يتعلّق بالمالك ، والإجزاء يقع عنه.

ويحتمل الإجزاء لو نوى الوكيل ، لأنّه نائب عن المالك ، والفعل ممّا تدخله النيابة ، فصحّت نية الوكيل كالحج.

أمّا لو لم ينو المالك حالة الدفع إلى الوكيل ، ونوى حالة دفع الوكيل إلى الفقراء ولم ينو الوكيل ، أجزأ ، لأنّ النائب لا اعتبار به مع فعل المنوب ما وقعت فيه النيابة.

مسألة ٢٤١ : لو دفع المالك الزكاة إلى الإمام أو الى الساعي ونوى حالة الدفع إليهما أجزأ‌ وإن لم ينو أحدهما حالة الدفع الى الفقراء ـ وبه قال أحمد (٢) ـ لأنّ الإمام وكيل للفقراء.

ولا فرق بين أن يطول زمان دفع الإمام إلى الفقراء وبين أن يقصر.

والساعي كالإمام ، لأنّه نائب عنه ، وهو نائب عن الفقراء.

ولو لم ينو المالك حالة الدفع الى الإمام أو الى الساعي ونوى أحدهما حالة الدفع الى الفقراء ، قال الشيخ : إن أخذها الإمام أو الساعي منه طوعا لم يجزئه ، وإن أخذها أحدهما منه كرها أجزأ (٣). وهو قول بعض الشافعية (٤) ، لأنّ تعذّر النية في حقّه أسقط وجوبها عنه كالصغير والمجنون ، ومع الاختيار يكون الدفع إلى نائب الفقراء بغير نية فلا يجزئ ، كما لو دفع الى الفقراء.

__________________

(١) المجموع ٦ : ١٨٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦ ، المغني ٢ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٥.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٣.

(٤) المجموع ٦ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٥.

٣٣٠

قال الشيخ : إنّه حالة التطوع وإن لم تجزئه لكن ليس للإمام مطالبته بها ثانية (١).

وقال الشافعي : تجزئه سواء أخذها الإمام طوعا أو كرها. وفرّق بين دفعها الى الفقراء وبين دفعها الى الإمام ، لأنّ أخذ الإمام بمنزلة القسم من الشركاء ، فلا يحتاج إلى نية.

ولأنّ الإمام إنّما يأخذ الزكوات الواجبة ، لأنّه لا نظر له إلاّ في ذلك ، ولا يحتاج إلى نية.

ولأنّ للإمام ولاية الأخذ ، ولهذا يأخذها من الممتنع اتّفاقا ، ولو لم تجزئه لما أخذها ، أو لأخذها ثانيا وثالثا ، لأنّ أخذها إن كان لإجزائها فلا يحصل الإجزاء بدون النية ، وإن كان لوجوبها فالوجوب باق بعد أخذها (٢).

وقال بعض الشافعية : لا تجزئ فيما بينه وبين الله تعالى (٣) ، سواء أخذها طوعا أو كرها ، لأنّ الإمام إمّا نائب للفقراء فلا يجزئ الدفع اليه بغير نية ، كما لو دفع الى الفقراء (٤) ، وإمّا نائب عن المالك ، فيكون كالوكيل لا يجزئ عنه إلاّ مع نيته.

ولأنّها عبادة فلا تجزئ مع عدم نية من وجبت عليه إذا كان من أهل النية كالصلاة.

وإنّما أخذت منه مع عدم الإجزاء حراسة للعلم الظاهر ، كالصلاة يجبر عليها ليأتي بصورتها ، ولو صلّى بغير نية لم تجزئه عند الله تعالى.

وهو وجه عندي ، ومعنى الإجزاء : عدم المطالبة بها ثانيا.

ويمكن الفرق : بأنّ الصلاة لا تدخلها النيابة ، فلا بدّ من نية فاعلها.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٣.

(٢) الام ٢ : ٢٣ ، المجموع ٦ : ١٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٥.

(٣) المجموع ٦ : ١٨٤ ـ ١٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٥ و ٥٢٦.

(٤) أي : بغير نية.

٣٣١

وقوله : الإمام إمّا وكيل للمالك أو للفقراء.

قلنا : بل هو وال على المالك ، ولا يصح إلحاق الزكاة بالقسمة ، لأنّها ليست عبادة ، ولا تعتبر لها نية ، بخلاف الزكاة.

إذا عرفت هذا ، ففي كلّ موضع قلنا بالإجزاء مع عدم نية المالك لو لم ينو الساعي أو الإمام أيضا حالة الدفع الى الفقراء ، توجّه الإجزاء ، لأنّ المأخوذ زكاة وقد تعيّنت بالأخذ.

ويحتمل عدمه ، لخلوّ الفعل حينئذ عن نية.

مسألة ٢٤٢ : قد بيّنا أنّه لا يشترط تعيين الجنس المخرج عنه في النية‌ ، فلو كان له مالان ونوى عن أحدهما ولم يعيّنه ، أجزأ ، سواء كان المدفوع من جنس أحدهما أو من غير جنس شي‌ء منهما ، وله صرفه الى أيّ الصنفين شاء سواء خالف أو لا.

ومع اختلاف القيمة وقت الإخراج والاحتساب واتّحاد المخرج مع أحد الجنسين إشكال : ينشأ من حصول الضرر للفقراء مع العدول عنه ، ومن تسويغه لو لم تختلف ، فكذا معه.

وعلى قول المانعين من إخراج القيمة ـ كالشافعي ومن وافقه (١) ـ يتخرّج الانصراف الى الجنس خاصة.

مسألة ٢٤٣ : يشترط في النية الجزم ، وعدم التشريك بين وجهي الفعل‌ ، فينوي الفرض إن كان واجبا ، والنفل إن كان تطوّعا ، فلو نوى النفل عن الفرض لم يجزئ ، لأنّه لم يوقع العبادة على وجهها.

أمّا لو نوى الفرض عن النفل ، فالوجه : الإجزاء ، لأنّ نية الأقوى تستلزم نية الأضعف.

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٥٧ ، المجموع ٥ : ٤٢٨ و ٤٣١ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٢١.

٣٣٢

ولو نوى بجميع ما أخرجه الفرض والنفل معا لم يجزئه عن الزكاة وكانت تطوّعا ـ وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن (١) ـ لأنّه شرّك بين الفرض والنفل في نيّته فلم يجزئ عن الفرض كالصلاة ، ولأنّ الفعل الواحد لا يقع على جهتين ، ولم ينو الفرض ، فلم يقع عنه.

وقال أبو يوسف : يجزئه عن الزكاة (٢) ، لأنّ النفل لا يفتقر الى تعيين النية ، فصار كأنّه نوى الزكاة والصدقة.

وليس بصحيح ، لما تقدّم.

مسألة ٢٤٤ : لو كان له مال غائب ، فأخرج الزكاة‌ ، وقال : إن كان مالي سالما فهذه عنه ، أو تطوّع ، لم يجزئ عنه إن كان سالما ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه شرّك بين الفرض والنفل ، فلم تتخلّص نية الفرض.

وقال الشيخ في المبسوط : يجزئه (٤) وليس بمعتمد.

ولو قال : إن كان سالما فهذه عنه ، وإن كان تالفا فهي تطوع ، فكان سالما ، أجزأ عنه ، لعدم التشريك في النية بين الفرض والنفل ، وإنّما رتّب فيها النفل عن الفرض ، ونوى كلّ واحد منهما على تقدير لو لم يفعله لوقع لذلك ، فإنّه لو نوى أنّها عن ماله ، كان ذلك حكمها إن كان تالفا فهي تطوع ، فإذا خرج بذلك أجزأه.

ولو أخرج وقال : هذه عن مالي الغائب إن كان سالما ، وإن لم يكن سالما فعن مالي الحاضر ، أجزأه.

وكذا لو قال : عن مالي الغائب أو الحاضر ، فإنّه يجزئه عن السالم منهما ، لأنّه لا يجب عليه تعيين الزكاة بمال بعينه ، ولهذا لو كان له أربعمائة ، فأخرج‌

__________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٠.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٠.

(٣) الام ٢ : ٢٢ ، مختصر المزني : ٤٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، المجموع ٦ : ١٨٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٢.

٣٣٣

خمسة دراهم ينوي بها الزكاة أجزأه وإن لم يعيّنها عن إحدى المائتين.

ولو أخرج خمسة دراهم وقال : إن كان قد مات مورّثي فهذه زكاة عمّا ورثته منه ، فكان قد ورث عنه ، لم يجزئه ، لأنّه أخرجها عن غير أصل يبنى عليه النية ، بخلاف ما إذا باع مال مورّثه ثم بان أنّه قد ورثه ، فإنّه يصح البيع ، لأنّه لا يفتقر إلى النية ، والزكاة تفتقر إليها.

وقال الشيخ : يجزئه إن قلنا بوجوب الزكاة في الغائب ، ولو لم يكن قد مات ثم مات بعد ذلك ، لم يجزئ ، لفوات وقت النية (١).

مسألة ٢٤٥ : لو أخرج وقال : هذه عن مالي الغائب إن كان سالما‌ ، ولم يقل غير ذلك ، فبان سالما ، أجزأه.

وإن بان تالفا ، قال الشيخ : لم يكن له النقل الى غيره (٢) ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لأنّه عيّنها لذلك المال ، فأشبه ما لو كان عليه كفّارة ، فأعتق عبدا عن اخرى عيّنها فلم يقع عنها ، لم يجزئه عمّا عليه ، كما لو كان عليه كفّارة ظهار ويجرح رجلا ويقدّم العتق عن كفّارة القتل ، فيبرأ المجروح ، فإنّه لا يجزئه صرفها إلى الظهار وإن كان في الابتداء لا يلزمه تعيين الكفّارة بسببها ، كذا الزكاة.

والوجه عندي : الإجزاء ، لأنّه نوى ما ليس ثابتا في ذمته ، ولم ينو مطلق التطوع ، فلم يزل ملكه عنه ، فيجوز له العدول الى غيره.

مسألة ٢٤٦ : يجوز الإخراج عن المال الغائب مع الشك في سلامته‌ ، والتمكّن منه ، لأنّ الأصل بقاؤه ، وتكون نية الإخراج صحيحة إجماعا ، فلو دفعها الى الساعي أو الى الإمام باختياره وقال : هذه عن مالي الغائب ، فبان تالفا قبل الوجوب ، فإن كان المدفوع اليه قد فرّقها ، لم يرجع عليه ، وله أن يرجع على الفقراء مع بقاء العين ، لفساد الدفع ، وإن كانت في يده رجع بها ،

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٢.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٢.

(٣) فتح العزيز ٥ : ٥٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٩٠.

٣٣٤

وكان له أن يجعلها عن غيره ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه دفعها الى الوالي ابتداء من غير سؤال ليفرّقها ، فيكون نائبا عنه ، ولا يضمن بالدفع الى الفقير ، لأنّه دفعها إليه بسؤاله.

مسألة ٢٤٧ : لو تصدّق بجميع ماله ولم ينو بشي‌ء منه الزكاة لم يجزئه‌ ـ وبه قال الشافعي (٢) ـ لأنّه لم ينو الفرض ، فأشبه ما لو صلّى ألف ركعة بنية التطوّع ، فإنّه لا يجزئه عن الفرض.

وقال أصحاب أبي حنيفة : يجزئه استحسانا ، لأنّه تصرّف فيه تصرّفا لم يتعدّ به ، فلم يضمن الزكاة (٣).

وهو ممنوع ، لأنّه متعدّ بتصرّفه بقدر الزكاة بنية التطوّع.

ولو تصدّق ببعضه ، قال محمد : أجزأه عن زكاة ذلك البعض (٤) ، لأنّه لو تصدّق بجميعه أجزأه عن جميعه ، فأجزأه إذا تصدّق بالبعض عن البعض.

وقال أبو يوسف : لا يجزئه (٥) ، لأنّا أسقطنا عنه الزكاة لو تصدّق بجميعه ، لزوال ملكه عن المال على وجه القربة ، وهنا لم يزل عن جميعه.

__________________

(١) الام ٢ : ٢٣ ، مختصر المزني : ٤٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٣٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٣٤ ـ ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٥ ـ ١٤٦.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٤٠ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٣٤ ـ ٣٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٣٣٥

البحث الثاني

في كيفية التقسيط‌

مسألة ٢٤٨ : يجوز تخصيص بعض الأصناف بجميع الزكاة‌ ، بل يجوز دفعها إلى واحد وإن كثرت ، ولا يجب بسطها على الجميع عند علمائنا أجمع ـ وبه قال الحسن البصري والثوري وأبو حنيفة وأحمد ، وهو أيضا قول عمر وحذيفة وابن عباس وسعيد بن جبير والنخعي وعطاء والثوري وأبو عبيد (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( أعلمهم أنّ عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم ) (٢) أخبر بأنّه مأمور بردّ جملتها في الفقراء وهم صنف واحد ، ولم يذكر سواهم.

ثم أتاه بعد ذلك مال ، فجعله في صنف ثان سوى الفقراء ، وهم ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) : الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين وعلقمة بن علاثة وزيد الخيل ، قسّم فيهم ما بعثه علي عليه‌السلام من اليمن (٣).

ثم أتاه مال آخر فجعله في صنف آخر ، لقوله لقبيصة بن المخارق حين تحمّل حمالة ، وأتاه فسأله ، فقال له عليه‌السلام : ( أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ) (٤).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، المجموع ٦ : ١٨٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٣ ، شرح فتح القدير ٢ : ٢٠٥.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٥٨ ـ ١٥٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ ١٥٨٤ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٦ ـ ٤ و ٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٧٩.

(٣) صحيح البخاري ٩ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ٢ : ٧٤١ ـ ١٤٣ و ١٤٤ ، سنن أبي داود ٤ : ٢٤٣ ـ ٤٧٦٤ ، سنن النسائي ٥ : ٨٧ ، مسند أحمد ٣ : ٤ ، ٣١ ، ٦٨ ، ٧٢ ، ٧٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٢٢ ـ ١٠٩ ، سنن النسائي ٥ : ٨٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٠ ـ ١٦٤٠.

٣٣٦

وفي حديث سلمة بن صخر البياضي : أنّه أمر له بصدقة قومه (١). ولو وجب صرفها إلى الثمانية لم يجز دفعها الى واحد.

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم ، وصدقة أهل الحضر في الحضر ، ولا يقسّمها بينهم بالسوية ، إنّما يقسّمها على قدر من يحضره منهم » قال : « وليس في ذلك شي‌ء موقت » (٢).

ولأنّها لا يجب صرفها الى جميع الأصناف إذا أخذها الساعي ، فلم يجب دفعها إليهم إذا فرّقها المالك ، كما لو لم يجد إلاّ صنفا واحدا.

ولأنّ القصد سدّ الخلّة ودفع الحاجة ، وذلك يحصل بالدفع إلى بعضهم ، فأجزأ ، كالكفّارات.

وقال عكرمة والشافعي : إن دفعها الى الإمام فقد برئت ذمته ، والإمام يفرّقها على الأصناف السبعة سوى العاملين ، لسقوط حقّه (٣) بانتفاء عمله (٤) ، فإن كان السبعة موجودين ، وإلاّ دفعها الى الموجودين من الأصناف يقسّمها بينهم ، لكلّ صنف نصيبه ، سواء قلّوا أو كثروا على السواء.

وإن دفعها الى الساعي عزل الساعي حقّه ، لأنّه عامل ، وفرّق الباقي على الأصناف السبعة ، وإن فرّقها بنفسه سقط نصيب العامل أيضا ، وفرّقها على باقي الأصناف ، ولا يجزئه أن يقتصر على البعض ، ثم حصة كلّ صنف منهم لا تصرف إلى أقلّ من ثلاثة إن وجد منهم ثلاثة ـ وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري وعثمان البتي وعبد الله بن الحسن العنبري ـ لقوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) (٥) الآية ، فجعلها لهم بلام التمليك ، وعطف‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ٣٩٠ ـ ٣٩١ ، مسند أحمد ٤ : ٣٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ـ ٢٩٢.

(٣) إفراد الضمير في ( حقّه ) و ( عمله ) باعتبار الصنف.

(٤) إفراد الضمير في ( حقّه ) و ( عمله ) باعتبار الصنف.

(٥) التوبة : ٦٠.

٣٣٧

بعضهم على بعض بواو التشريك ، وذلك يوجب الاشتراك ، ونمنع الاختصاص كأهل الخمس ، والآية وردت لبيان المصرف (١).

وحكي عن النخعي : أنّ المال إن كثر بحيث يحتمل الأصناف بسط عليهم ، وإن كان قليلا جاز وضعه في واحد (٢).

وقال مالك : يتحرّى موضع الحاجة منهم ، ويقدّم الأولى فالأولى (٣).

مسألة ٢٤٩ : ويستحب بسطها على جميع الأصناف‌ ـ وهو قول كلّ من جوّز التخصيص ـ أو الى من يمكن منهم ، للخلاص من الخلاف وتحصيل الإجزاء يقينا. ولتعميم الإعطاء ، فيحصل شمول النفع.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسّم صدقة أهل البوادي فيهم ، وصدقة أهل الحضر في الحضر » (٤).

إذا عرفت هذا ، فإنّه يستحب ترجيح الأشدّ حاجة في العطية ، لقول الصادق عليه‌السلام : « ولا يقسّمها بينهم بالسوية ، إنّما يقسّمها على قدر من يحضره منهم » قال : « وليس في ذلك شي‌ء موقّت » (٥).

ولأنّ المقتضي إذا كان في بعض الموارد أشدّ كان المعلول كذلك ، والمقتضي هو : الحاجة.

وكذا يستحب تخصيص أهل الفضل بزيادة النصيب ، لأفضليته ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « أعطهم على الهجرة في الدين والفقه والعقل » (٦).

وكذا يستحب تخصيص غير السائل على السائل بالزيادة ، لحرمانه في‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ و ١٨٠ ، المجموع ٦ : ١٨٦ و ١٨٨ ، المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٨.

(٣) المدونة الكبرى ١ : ٢٩٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٥ ، المغني ٢ : ٥٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٥ ، المجموع ٦ : ١٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ـ ٢٩٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٤ ـ ٨ ، الفقيه ٢ : ١٦ ـ ٤٨ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ـ ٢٩٢.

(٦) الكافي ٣ : ٥٤٩ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٨ ـ ٥٩ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٥.

٣٣٨

أكثر الأوقات ، فكانت حاجته أمسّ غالبا.

ولقول الكاظم عليه‌السلام : « يفضّل الذي لا يسأل على الذي يسأل » (١).

مسألة ٢٥٠ : ويستحب صرف صدقة المواشي إلى المتجمّلين ومن لا عادة له بالسؤال‌ ، وصرف صدقة غيرها الى الفقراء المدقعين (٢) المعتادين بالسؤال ، لأنّ عادة العرب صرف المواشي على سبيل المنحة الأشهر والشهرين ، فربما لا يحصل للمدفوع إليه ذلّة في نفسه ، جريا على عادة العرب.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إنّ صدقة الخفّ والظلف تدفع الى المتجمّلين من المسلمين ، فأمّا صدقة الذهب والفضة وما كيل بالقفيز وما أخرجت الأرض فللفقراء المدقعين » قال ابن سنان : قلت : وكيف صار هذا هكذا؟ فقال : « لأنّ هؤلاء متجمّلون يستحيون من الناس ، فيدفع إليهم أجمل الأمرين عند الناس ، وكلّ صدقة » (٣).

مسألة ٢٥١ : ولا حدّ للإعطاء‌ ، إلاّ أنّه يستحب أن لا يعطى الفقير أقلّ ما يجب في النصاب الأول ، وهو : خمسة دراهم ، أو عشرة قراريط ، قاله الشيخان (٤) وابنا بابويه (٥) وأكثر علمائنا (٦) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا يعطى أحد من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم » (٧).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٥٠ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٤.

(٢) الدّقعاء : التراب. يقال : دقع الرجل. أي : لصق بالتراب ذلاّ. الصحاح ٣ : ١٢٠٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٠ ـ ٣ ، علل الشرائع : ٣٧١ ، الباب ٩٦ ، الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٠١ ـ ٢٨٦.

(٤) المقنعة : ٤٠ ، النهاية : ١٨٩ ، الاقتصاد : ٢٨٣ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ): ٢٠٧.

(٥) المقنع : ٥٠ ، وحكاه عنهما المحقق في المعتبر : ٢٨٤.

(٦) منهم : السيد المرتضى في الانتصار : ٨٢.

(٧) الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٦٢ ـ ١٦٧ ، الاستبصار ٢ : ٣٨ ـ ١١٦.

٣٣٩

وقال سلاّر : أقلّه ما يجب في النصاب الثاني ، وهو : درهم أو قيراطان (١). وبه قال ابن الجنيد (٢).

ولم يقدّره علم الهدى ولا الجمهور بقدر ، وما قلناه على الاستحباب لا الوجوب إجماعا.

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد كتب اليه محمد بن أبي الصهبان هل يجوز أن اعطي الرجل من إخواني من الزكاة الدرهمين والثلاثة؟ فقد يشتبه ذلك عليّ ، فكتب : « ذلك جائز » (٣).

وأمّا الأكثر فلا حدّ له ، فيجوز إعطاء الفقير غناه دفعة ودفعات بلا خلاف ، لأنّ المقتضي الحاجة ، وما دون الغنى حاجة ، فجاز الصرف فيها.

ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( خير الصدقة ما أبقت غنى ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « أعطه من الزكاة حتى تغنيه » (٥).

وقوله عليه‌السلام : « إذا أعطيت فأغنه » (٦).

وهل يجوز أن يعطى أكثر من غناه دفعة؟ نصّ علماؤنا على جوازه مع الحاجة ـ وبه قال أصحاب الرأي (٧) ـ لأنّه مستحق ، فجاز صرف الزائد على الغنى اليه كالغني.

وقال الشافعي : لا يجوز ـ وبه قال الثوري ومالك وأحمد وأبو ثور ـ لأنّ‌

__________________

(١) المراسم : ١٣٣ ـ ١٣٤.

(٢) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٨٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٦٣ ـ ١٦٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٨ ـ ١١٨.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٤٣٤ ، المعجم الكبير ـ للطبراني ٢ : ١٤٩ ـ ١٢٧٢٦ ، مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٢١٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٦٣ ـ ١٧٠.

(٦) الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٦٤ ـ ١٧٤.

(٧) بدائع الصنائع ٢ : ٤٨ ، المغني ٢ : ٥٢٩ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٩٠.

٣٤٠