تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

ومعارض بعموم ( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) (١) وبما رووه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لثلاثة ) وذكر من جملتهم الغازي (٢).

مسألة ١٩٥ : يشترط في المكاتب الإسلام‌ ، فلو كان كافرا لم يجز دفع الزكاة إليه ، وبه قال الشافعي (٣).

ويشترط فيه الحاجة إلى ما يدفعه في الكتابة ، فلو كان معه وفاء بما عليه لم يدفع إليه ، وبه قال الشافعي (٤) ، لأنّها جعلت إرفاقا بالمساكين وإعانة للفقراء ، فإن كان قد حلّ عليه النجم وليس معه وفاء دفع إليه.

وإن لم يكن قد حلّ اعطي أيضا ، لوجود الحاجة ، فإنّه قد يحلّ عليه وليس معه فيفسخ الكتابة ، وللعموم ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : لا يجوز ، لانتفاء الحاجة في الحال (٥). وهو ممنوع.

إذا ثبت هذا ، فإذا ادّعى المكاتب الكتابة ، فإن صدّقه مولاه قبل ، لأنّ الحقّ في العبد له ، فإذا أقرّ بالكتابة قبل ، وهو أحد وجهي الشافعيّة.

والثاني : لا يقبل ، لإمكان التواطؤ (٦).

وليس بجيّد ، لأصالة العدالة.

وإن كذّبه السيد لم يقبل قوله إلاّ بالبيّنة.

وإن تجرّد عنهما إمّا لبعده أو لغير ذلك احتمل قبول قوله ، لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن فقبل قوله كالفقير ، والعدم ، لإمكان إقامة البيّنة عليه ، وبه قال الشافعي (٧).

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٢١٠ ، مسند أحمد ٣ : ٣١ و ٩٧.

(٣) المجموع ٦ : ٢٠٥.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠١.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٧.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨.

(٧) انظر : المجموع ٦ : ٢٠٣.

٢٨١

مسألة ١٩٦ : لو ادّعى الغارم الغرم‌ ، فإن كان لإصلاح ذات البين فالأمر فيه ظاهر ، فإذا علمه الإمام دفع إليه ، وإن كان لخاص نفسه قبل قوله إن صدّقه المالك ، وهو أحد وجهي الشافعي ، لأنّه مسلم أخبر عن أمر ممكن.

وفي الآخر : لا يقبل ، لجواز التواطؤ (١).

ولو كذّبه لم يقبل قوله ، لظنّ كذبه. وإن تجرّد عن الأمرين قبل ، لما تقدّم.

وقال الشافعي : لا يقبل إلاّ بالبيّنة ، لأنّه مدّع ، فلا يقبل إلاّ بالبيّنة (٢).

مسألة ١٩٧ : إذا قال الغازي : أريد الغزو ، قبل قوله‌ ودفع إليه دفعا مراعى ، وإنّما يدفع إليه قدر كفايته لذهابه وعوده ، وهو يختلف بكونه فارسا أو راجلا ، وقرب المسافة وبعدها ، وأحواله من كونه له صاحب أو لا ، وغير ذلك.

وإذا جعلنا سبيل الله أعمّ من الغزو في الجهاد ـ كما اخترنا أوّلا ـ دخل فيه معونة الزوّار والحجيج.

وهل يشترط حاجتهم؟ إشكال ينشأ من اعتبار الحاجة كغيره من أهل السّهمان ، ومن اندراج إعانة الغني تحت سبيل الخير.

ولا فرق بين قضاء الدين عن الحي والميت ، وسواء كان الميت الذي يقضى عنه ـ إذا لم يخلّف شيئا ـ ممّن تجب عليه نفقته في حال حياته أو لا ، ولو خلّف ما يقضى به الدّين لم يجز القضاء عنه كالحي.

مسألة ١٩٨ : ابن السبيل إذا كان مجتازا وكان محتاجا دفعنا إليه الزكاة‌ وإن كان غنيّا في بلده ، لوجود الحاجة حال الدفع ، وبه قال الشافعي (٣).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ـ ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٠.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ـ ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٠.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٤ ـ ٢١٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٩.

٢٨٢

وإن كان منشئا للسفر من بلده ، فإن كان غنيّا لم يدفع إليه ، وإن كان فقيرا دفعنا إليه لسفره وعوده.

وإن أراد لعوده ، فإن ادّعى ابن السبيل الحاجة ولم يعلم له أصل مال قبل قوله.

وإن علم له أصل مال في مكانه فادّعى ذهابه قبل قوله ، سواء ادّعى سببا ظاهرا أو خفيّا ، من غير يمين ـ خلافا للشافعي (١) ـ لما تقدّم في الفقير.

ولو علم أنّ له ببلده مالا ولا يعلم له في موضعه قبل قوله إجماعا.

والحاصل : أنّ الذي يأخذ مع الغنى خمسة : العامل والمؤلّفة قلوبهم والغارم لإصلاح ذات البين والغازي وابن السبيل إذا كان محتاجا في مكانه.

مسألة ١٩٩ : يأخذ ابن السبيل إذا كان سفره واجبا‌ كالحج والعمرة ، أو ندبا كزيارة النبي والأئمة عليهم‌السلام ، ولا يعطى إذا كان معصية كقطع الطريق وما أشبه ذلك إجماعا.

وإن كان مباحا كسفر التنزّه جاز له الأخذ أيضا ، لأنّه فعل سائغ غير معصية ، فأشبه سفر الطاعة ، ولهذا يترخّص في القصر كسفر الطاعة ، وهو أحد وجهي الشافعية ، والثاني : لا يعطي ، لأنّه لا حاجة به إليه ، فأشبه الغني (٢). والعلّة ممنوعة.

مسألة ٢٠٠ : مستحقّو الزكاة ينقسمون‌ ، فمنهم من يأخذ أخذا مستقرّا وهم أربعة : الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلّفة قلوبهم بمعنى أنّ لهم صرف ما يأخذونه في أيّ شي‌ء أرادوا ، سواء صرفوه في السبب الذي أخذوا لأجله أو لا.

ومنهم من يأخذ أخذا مراعى بمعنى أنّه إن صرفه في السبب الذي أخذ لأجله استقرّ ملكه وإلاّ استعيد منه على خلاف ، وهم أربعة : الغارم والمكاتب‌

__________________

(١) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١.

٢٨٣

وابن السبيل والغازي ، لأنّ الله تعالى أضاف إلى الأربعة الأولى بلام التمليك ، وعطف الأربعة الباقية بحرف ( في ) المقتضي للظرفية.

والفرق : أنّ هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة ، والأوّلون حصل المقصود بأخذهم وهو ( غنى ) (١) الفقير والمسكين وتأليف المؤلّفين وأداء أجر العاملين.

إذا عرفت هذا فنقول : إذا دفع المكاتب المال في الكتابة وعتق فلا بحث ، فإن عجز نفسه بأن يقصر ما معه عن مال الكتابة ، فإن كان ما أخذه من الزكاة باقيا استردّ منه ، لأنّه دفع إليه ليؤدّيه في العتق ، فإذا لم يحصل المقصود استرجع ، وبه قال الشافعي وأحمد في رواية (٢).

وقال الشيخ : لا يسترجع منه ، لأنّه أخذه باستحقاقه ، فارتجاعه يفتقر إلى دليل ، وليس هنا ما يدلّ عليه (٣).

وهو ممنوع ، لأنّه دفع إليه ليصرفه في الكتابة فيرتجع بالمخالفة ، لأنّ الخيار إلى المالك في صرف الزكاة في الأصناف.

وإن كان قد دفعه إلى السيد لم يستردّ ، وهو اختيار الشيخ (٤) وأحد وجهي الشافعية ، لأنّه دفع إليه ليدفعه إلى سيده وقد فعل. والثاني : يستردّ (٥) ، لأنّ القصد به تحصيل العتق ، فإذا لم يحصل به وجب استرجاعه ، كما لو كان في يد المكاتب.

__________________

(١) ورد بدل ما بين القوسين في الطبعة الحجرية والنسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : ( عين ) وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٧ ، المغني ٢ : ٥٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٢ ـ ٧٠٣.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٤.

(٥) المجموع ٦ : ٢٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٧.

٢٨٤

والفرق ظاهر ، لأنّ السيد ملك المدفوع بالدفع من المكاتب.

ولو تطوّع إنسان بالقضاء عنه أو أبرأه المالك من مال الكتابة فكالأول.

مسألة ٢٠١ : لو صرف الغارم السهم المدفوع إليه في غير قضاء الدّين‌ ، قال الشيخ : لا يرتجع سواء أبرئ من الدّين أو تطوّع غيره بالقضاء عنه (١) ، خلافا للشافعي (٢) ، وقد سلف مثله في المكاتب.

أمّا لو قضاه من ماله أو قضاه من غيره فلا يجوز له أن يأخذ عوضه من مال الصدقة.

مسألة ٢٠٢ : لو دفع الإمام إلى الغازي السهم ولم يغز استردّ منه‌ ، وهو اختيار الشيخ (٣) أيضا ، وبه قال الشافعي (٤) ، لأنّه أخذه لذلك فكان كالأجرة. وكذا لو غزا ورجع من الطريق قبل الغزو.

أمّا لو غزا وعاد وقد فضل معه شي‌ء من الصدقة فإنّه لا يستردّ منه قولا واحدا ، وبه قال الشافعي (٥) ، لأنّا دفعنا كفايته ، وإنّما فضل بما ضيّق على نفسه فلا يستردّ منه.

أمّا ابن السبيل فإذا دفع إليه مئونة السفر فلم يسافر ، ردّها ، وإن سافر وعاد وفضل معه شي‌ء لم يستردّ ، لأنّه ملكه بسبب السفر وقد وجد ، فلا يحكم عليه فيما يدفع إليه.

وقال الشافعي : يستردّ ، بخلاف الغازي ، لأنّا دفعنا إليه الكفاية لأجل الغزو ، لحاجتنا إليه ، فصار كالمعاوضة ، وقد أتى به فلم يردّ ، وهنا دفعنا إليه ، لحاجته إلى سفره وقد حصل ، فما فضل يردّه ، لزوال حاجته إليه ، ولأنّه‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥١.

(٢) المجموع ٦ : ٢٠٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٠.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٤.

(٥) المجموع ٦ : ٢١٤.

٢٨٥

غني في بلده ، ولا فرق بين أن يضيّق على نفسه أو يستعين بغيره (١).

أمّا لو صرف ما دفع إليه في غير مئونة السفر ففيه إشكال ينشأ من أنّه دفع إليه في هذا الوجه ولم يصرفه فيه فيستردّ منه كالغارم ، ومن منع الحكم في الأصل.

والوجه : الأول ، لأنّه دفع إليه لقصد الإعانة فيستردّ اقتصارا على قصد الدافع.

هذا في حقّ المجتاز عند الشيخ (٢) ، وهو الأظهر من مذهبنا ، وعلى قول ابن الجنيد والشافعي (٣) فإنّ الحكم ينسحب عليه وعلى منشئ السفر من بلده.

قال الشيخ : لو كان المنشئ للسفر من بلده فقيرا اعطي من سهم الفقراء لا من سهم أبناء السبيل (٤).

ولو قال : لا مال لي ، اعطي ولم يكلّف بيّنة ، كما تقدّم.

ولو قال : كان لي مال وتلف ، قال الشيخ : لا يقبل إلاّ بالبيّنة (٥).

والوجه : القبول ، لأنّه قد يتعذّر عليه البيّنة فيؤدّي المنع إلى إضراره ، ولأنّه مسلم أخبر بأمر ممكن ، والأصل فيه الصدق ، فيبني عليه إلى أن يظهر المنافي.

إذا ثبت هذا ، فلو تلف المال المدفوع إلى من أخذه مراعى بغير تفريط قبل صرفه في وجهه لم يرجع عليهم بشي‌ء.

__________________

(١) المجموع ٦ : ٢١٦.

(٢) انظر : المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢.

(٣) حيث قالا بإطلاق ابن السبيل على المجتاز والمنشئ للسفر. انظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، والمجموع ٦ : ٢١٤ ، وحلية العلماء ٣ : ١٦١ ، والمعتبر للمحقّق الحلّي : ٢٨١ حيث فيه حكاية قول ابن الجنيد.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٤.

٢٨٦

مسألة ٢٠٣ : لا يجب إعلام المدفوع إليه أنّها زكاة‌ ، فلو أستحيي الفقير من أخذها علانية استحبّ إيصالها إليه على وجه الهدية ، ولا يعلم أنّها زكاة ، لما في الإعلام من إذلال المؤمن والاحتقار به.

ولأنّ أبا بصير سأل الباقر عليه‌السلام : الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة فأعطيه من الزكاة ولا اسمّي له أنّها من الزكاة؟ قال : « أعطه ولا تسمّ له ولا تذلّ المؤمن » (١) ولا نعلم في ذلك خلافا.

* * *

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٣ ـ ٥٦٤ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٨ ـ ٢٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٣ ـ ٢٩٤.

٢٨٧
٢٨٨

الفصل الثاني

في وقت الإخراج‌

وفيه بحثان :

الأول

في التأخير‌

مسألة ٢٠٤ : الأموال قسمان : ما يراعى فيه الحول وهو الحيوان والأثمان ، ولا تجب الزكاة فيها حتى يحول عليها الحول ، وهو : أن يمضي لها في ملكه أحد عشر شهرا ثم يهلّ الثاني عشر في ملكه ، وتكون الشرائط موجودة طول الحول كلّه ، وهي : النصاب وإمكان التصرف وزيادة السوم في الماشية والنقش في النقدين ، وقد تقدّم بيان ذلك كلّه.

وما لا يعتبر فيه الحول وهو : الثمار والغلاّت ، ولا تجب الزكاة فيها حتى يبدو صلاحها ، وأمّا الإخراج منها فلا يجب حتى تجذّ الثمرة ، وتشمّس وتجفّف ، وتحصد الغلّة ، وتصفي من التبن والقشر بلا خلاف.

إذا عرفت هذا ، فإذا حال الحول أو صفّت الغلّة وجذّت الثمار وجب الإخراج على الفور ، ولا يجوز تأخيرها ، وبه قال الشافعي وأحمد وأبو الحسن‌

٢٨٩

الكرخي من الحنفية (١) ، لقوله تعالى ( وَآتُوا الزَّكاةَ ) (٢) والأمر على الفور عند بعض علمائنا (٣) ، وعند الحنفي على الفور (٤).

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها » (٥).

ولأنّ المستحقّ مطالب بشاهد الحال فيجب التعجيل كالدّين الحالّ والوديعة.

ولأنّ العبادة التي لا تتكرر لا يجوز تأخيرها إلى وجوب مثلها كالصلاة والصوم.

وقال أبو بكر الرازي من الحنفية : إنّها على التراخي ، وبه قال أبو حنيفة ما لم يطالب بها ، لأنّ الأمر ورد بها مطلقا ، فلا يختص زمانا كما لا يختص مكانا. ولأنّها لو هلكت لم تضمن (٦).

ونمنع الإطلاق ، بل الأمر بها معجّل ، والزمان يخالف المكان في الانتفاع بالتعجيل دون التخصيص بالمكان. ونمنع عدم الضمان مع التفريط بالتأخير.

مسألة ٢٠٥ : لو أخّر الإخراج مع إمكان الأداء وحضور الوقت أثم وضمن‌ ، لأنّه أخّر الواجب المضيّق عن وقته ، وفرّط بالتأخير فكان آثما ضامنا ،

__________________

(١) المجموع ٥ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١١ ، المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٦ ، بدائع الصنائع ٢ : ٣.

(٢) الحج : ٤١ ، المزّمّل : ٢٠.

(٣) وهو : الشيخ الطوسي في العدّة : ٨٥ ـ ٨٦.

(٤) الظاهر أنّ المراد ب ( الحنفي ) هو : أبو الحسن الكرخي. وانظر : أصول السرخسي ١ : ٢٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ١٦ ـ ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٥.

(٦) بدائع الصنائع ٢ : ٣ ، المجموع ٥ : ٣٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ١١ ، المغني ٢ : ٥٤١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٦.

٢٩٠

وبه قال الزهري والحكم وحمّاد والثوري وأبو عبيد وأحمد والشافعي (١) ، لما تقدّم.

ولأنّه حقّ على رب المال تلف قبل وصوله إلى مستحقّه فلا يبرأ منه ، كدين الآدمي.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن حتى يدفعها » (٢).

وقال أصحاب الرأي : يزكّي الباقي إلاّ أن يقصر عن النصاب فتسقط الزكاة فرّط أو لم يفرّط (٣).

أمّا لو كان عليه ضرر في تعجيل الإخراج مثل أن يحول عليه الحول قبل مجي‌ء الساعي ، ويخاف إن أخرجها بنفسه أخذها الساعي منه مرّة أخرى ، أو خشي في إخراجها ضررا في نفسه أو مال له سواها ، فله تأخيرها ، لقوله عليه‌السلام : ( لا ضرر ولا ضرار ) (٤).

فروع :

أ ـ لو أخّر مع إمكان الأداء كان عاصيا على ما قلناه ، ولا تقبل منه صلاته في أول الوقت ، وكذا جميع العبادات الموسّعة ، لأنّ المضيّق أولى بالتقديم ، وكذا من عليه دين حالّ طولب به مع تمكّنه من دفعه ، أو خمس أو صدقة مفروضة.

ب ـ يجوز التأخير لعذر كعدم المستحقّ أو منع الظالم ، لأنّ الزكاة معونة‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧ ، المجموع ٦ : ١٧٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٣ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ١٦ ـ ٤٦ ، التهذيب ٤ : ٤٧ ـ ١٢٥.

(٣) المغني ٢ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٨٤ ـ ٢٣٤٠ و ٢٣٤١ ، سنن الدارقطني ٣ : ٧٧ ـ ٢٨٨ و ٤ : ٢٢٧ ـ ٨٣ ، سنن البيهقي ٦ : ٧٠ ، ١٥٧ و ١٠ : ١٣٣ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ٥٧ ـ ٥٨.

٢٩١

وإرفاق فلا تكون سببا لضرر المالك ، ولا يضمن لو تلفت.

وهل يجوز لغير عذر مع العزل؟ سوّغه الشيخان شهرا وشهرين (١) ، لأنّ معاوية بن عمار قال للصادق عليه‌السلام : الرجل تحلّ عليه الزكاة في شهر رمضان فيؤخّرها إلى المحرّم ، قال : « لا بأس » (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين وتأخيرها شهرين » (٣).

والوجه : أنّ التأخير إنّما يجوز للعذر ، وتحمل الرواية عليه فلا يتقدّر بوقت ، بل بزوال العذر ، فإنّه مع زوال العذر يكون مأمورا بالتسليم ، والمستحق مطالب ، فلا يجوز له التأخير.

ويدلّ عليه قول الصادق عليه‌السلام وقد سأله عبد الله بن سنان في الرجل يخرج زكاته فيقسّم بعضها ويبقى بعض يلتمس لها الموضع فيكون بين أوله وآخره ثلاثة أشهر ، قال : « لا بأس » (٤).

ولو أخّر مع إمكان التسليم ضمن على ما قلناه أوّلا.

ج ـ لو أخّرها ليدفعها إلى من هو أحقّ بها من ذي قرابة أو حاجة شديدة ، فالأقرب : المنع وإن كان يسيرا.

وقال أحمد : يجوز اليسير دون العكس (٥).

د ـ الأقرب : أنّ التأخير لطلب بسطها على الأصناف الثمانية أو الموجودين منهم عذر مع دفع نصيب الموجودين.

مسألة ٢٠٦ : يستحب له حال حئول الحول عزل الزكاة عن ماله‌ ، لأنّه‌

__________________

(١) النهاية : ١٨٣ ، وانظر : المقنعة : ٣٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٦.

(٤) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٨.

(٥) المغني ٢ : ٥٤٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٦.

٢٩٢

نوع إخراج وشروع في الدفع.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إذا حال الحول فأخرجها عن ( ملكك ) (١) ولا تخلطها بشي‌ء ، وأعطها كيف شئت » (٢).

إذا ثبت هذا ، فإنّ للمالك الاستقلال بالعزل من دون إذن الساعي ، لأنّ له ولاية الإخراج ، فله ولاية التعيين. ولأنّ الزكاة تجب في العين وهو أمين على حفظها فيكون أمينا على إفرادها. ولأنّ له دفع القيمة. ولقول الصادق عليه‌السلام (٣).

إذا عرفت هذا ، فلو تلفت بعد العزل من غير تفريط احتمل سقوط الزكاة ـ وبه قال مالك (٤) ـ لتعيّنها بتعيينه ، إذ التعيين منوط به فيصير أمينا ، كما لو دفعها إلى الساعي.

وعدمه ، وبه قال الشافعي وأحمد ، إلاّ أنّ الشافعي قال : إن لم يكن فرّط في إخراج الزكاة وفي حفظ ذلك يرجع إلى ماله ، فإن كان فيما بقي زكاة أخرج وإلاّ فلا (٥).

وقال أبو حنيفة : يزكّي ما بقي إلاّ أن ينقص عن النصاب فتسقط الزكاة فرّط أو لم يفرّط ، لأنّه كالدّين ، فلا يسقط بالتعيين قبل دفعه (٦).

ولو دفع إلى فقير زكاته فقبل أن يقبضها قال : اشتر لي بها ثوبا أو غيره ، فذهبت الزكاة ، أو اشترى ما قال (٧) ثم ضاع فعليه الزكاة على الثاني ، لأنّ‌

__________________

(١) في المصدر : مالك.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٢ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ٤٦ ـ ١١٩.

(٣) نفس المصدر.

(٤) الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٨ ، المغني ٢ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧.

(٥) الام ٢ : ٥٢ ، المغني ٢ : ٥٤٢ ـ ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧.

(٦) المغني ٢ : ٥٤٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٧.

(٧) في « ف » : قاله.

٢٩٣

الفقير لا يملك إلاّ بالقبض ، فإذا وكّله في الشراء قبله كان التوكيل باطلا ، لأنّه وكّله في الشراء بثمن لا يملكه ، وبقيت على ملك المالك ، فإذا تلفت كانت من ضمانه.

ولا فرق بين أن يعزل الزكاة وينوي أنّها زكاة أو لا.

مسألة ٢٠٧ : لو أخّر الإخراج مع التمكّن منه ثم أخرجها أجزأت عنه‌ إجماعا وإن كان قد أثم بالتأخير ، لأنّه دفع الحقّ إلى مستحقّه. ولأنّه في كلّ آن مخاطب بالإخراج ، فيحصل بالامتثال الخروج عن العهدة.

البحث الثاني

في التعجيل‌

مسألة ٢٠٨ : المشهور عند علمائنا عدم جواز تقديم الزكاة‌ سواء وجد سبب الوجوب ـ وهو النصاب ـ أو لا ـ وبه قال ربيعة ومالك وداود والحسن البصري في رواية (١) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( لا تؤدّى زكاة قبل حلول الحول ) (٢).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام وقد سأله عمر بن يزيد : الرجل يكون عنده المال أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : « لا ، ولكن حتى يحول عليه الحول وتحلّ عليه ، إنّه ليس لأحد أن يصلّي صلاة إلاّ لوقتها فكذلك الزكاة ، ولا يصوم أحد شهر رمضان إلاّ في شهره إلاّ قضاء ، وكلّ فريضة إنّما تؤدّى إذا حلّت » (٣).

وسأل زرارة الباقر عليه‌السلام : أيزكّي الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟

__________________

(١) المغني ٢ : ٤٩٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٣.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٩٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٧٨.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٣ ـ ٨ ، التهذيب ٤ : ٤٣ ـ ١١٠ ، الاستبصار ٢ : ٣١ ـ ٩٢.

٢٩٤

قال : « لا ، أيصلّي الاولى قبل الزوال؟ » (١).

ولأنّ الحول أحد شرطي الزكاة فلا يجوز تقديم الزكاة عليه كالنصاب.

ولأنّ الزكاة عبادة مؤقتة فلا يجوز تقديمها عليه كالصلاة.

وقال الحسن البصري وسعيد بن جبير والزهري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد : يجوز إذا وجد سبب الوجوب وهو النصاب (٢) ، لأنّ عليّا عليه‌السلام قال : « سأل العباس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن تعجيل صدقته قبل أن تحلّ فرخص له في ذلك » (٣).

وعن علي عليه‌السلام أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعمر : ( إنّا قد أخذنا زكاة العباس عام الأول للعام ) (٤).

ولأنّه تعجيل لمال وجد سبب وجوبه قبل وجوبه فجاز ، كتعجيل قضاء الدّين قبل الأجل ، وأداء كفّارة اليمين قبل الحنث وكفّارة القتل بعد الجرح قبل الموت.

وتحمل الرواية على القرض على الصدقة ، لا أنّها زكاة معجّلة ، أو على تخصيص العباس جمعا بين الأخبار ، وصونا للروايات عن التناقض.

ونمنع الحكم في الأصل في الكفّارات ، وإنّما هو لازم لمالك حيث جوّز تقديمها (٥) ، والدّين حقّ ثابت مستقر في الذمة فجاز تعجيله قبل وقته ، بخلاف الزكاة ، فإنّها لا تجب ولا تثبت في الذمة ولا في العين إلاّ بعد الحول.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٤ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٣ ـ ٤٤ ـ ١١١ ، الإستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٣.

(٢) المغني ٢ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٢ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٥ و ١٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١١٥ ـ ١٦٢٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ ـ ١٧٩٥ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١١١.

(٤) سنن الترمذي ٣ : ٦٣ ـ ٦٧٩.

(٥) المغني ٢ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١.

٢٩٥

وعن بعض علمائنا جواز التقديم (١) ، لقول الصادق عليه‌السلام : « لا بأس بتعجيل الزكاة شهرين » (٢).

قال الشيخ : وجه الجمع حمل رخصة التقديم على جواز القرض ، فيكون صاحبه ضامنا له ، متى جاء وقت الزكاة والآخذ على صفة الاستحقاق أجزأ عنه ، وإن لم يبق على صفته ضمن ، لا أنّه زكاة معجّلة (٣) ، ومثله قال ابن الجنيد (٤) ، لرواية الأحول عن الصادق عليه‌السلام في رجل عجّل زكاة ماله ثم أيسر المعطى قبل رأس السنة ، قال : « يعيد المعطي الزكاة » (٥).

فروع :

أ ـ لمّا منعنا من تعجيل الزكاة كان ما يدفعه المالك قرضا على الفقير ، فإن دفعه على أنّه زكاة معجّلة كان الدفع باطلا ، وله استعادتها عندنا ، خلافا للباقين (٦).

ب ـ إذا دفع المالك قدر الزكاة فقد قلنا : إنّه قرض لا زكاة معجّلة ، فللمالك المطالبة بالمدفوع ، وللفقير دفع العوض والامتناع من دفع العين وإن كانت باقية وكره المالك ، لأنّه ملكها بالقبض.

ج ـ لو كان المدفوع ممّا يتمّ به النصاب سقطت الزكاة على ما اخترناه ، لأنّه قرض خرج عن ملك المالك ، وليس زكاة. وعلى قول الآخرين هو زكاة‌

__________________

(١) حكاه المصنّف في المختلف : ١٨٨ ، عن ابن أبي عقيل.

(٢) التهذيب ٤ : ٤٤ ـ ١١٤ ، الاستبصار ٢ : ٣٢ ـ ٩٦.

(٣) التهذيب ٤ : ٤٥ ذيل الحديث ١١٥.

(٤) كما في المعتبر : ٢٧٤.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٥ ـ ٢ ، الفقيه ٢ : ١٥ ـ ٤٤ ، التهذيب ٤ : ٤٥ ـ ١١٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ـ ٩٨.

(٦) منهم : ابنا قدامة في المغني ٢ : ٤٩٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

٢٩٦

ليس له استعادتها (١).

مسألة ٢٠٩ : لا يجوز تعجيل الزكاة قبل ملك النصاب‌ إجماعا ، ولو ملك بعض نصاب فعجّل زكاته أو زكاة نصاب لم تجزئ إجماعا ، لأنّه تعجيل للحكم قبل سببه.

ولو ملك نصابا فعجّل زكاته وزكاة ما يستفيده وما ينتج منه أو يربح فيه لم تجزئه عندنا.

وأمّا المجوّزون للتقديم فقالوا : تجزئه عن النصاب دون الزيادة عند الشافعي وأحمد وزفر ، لأنّه عجّل زكاة ما ليس في ملكه فلم تجزئ كالنصاب الأول. ولأنّ الزائد من الزكاة على زكاة النصاب سببها الزائد في الملك وقد عجّل الزكاة قبل وجود سببها ، فأشبه ما لو عجّل الزكاة قبل ملك النصاب (٢).

وقال أبو حنيفة : تجزئه عن النصاب والزيادة ، لأنّه تابع لما هو مالكه (٣).

وهو ممنوع ، سلّمنا ، لكنّه يتبع في الحول ، أمّا الإيجاب فلا ، فإنّ الوجوب ثبت بالزيادة لا بالأصل. ولأنّه إنّما يصير له حكم بعد الوجود لا قبله.

مسألة ٢١٠ : لو عجّل زكاة ماشيته فتوالدت نصابا ثم ماتت الأمّهات وحال الحول على النتاج لم تجزئ‌ عندنا.

وللشافعية وجهان في إجزاء الشاة عن السخال : الإجزاء ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لأنّ السخال دخلت في حول الأمّهات وقامت مقامها ، وعدمه ، لأنّه‌

__________________

(١) كابني قدامة في المغني ٢ : ٤٩٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٢ ، المغني ٢ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥١.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، المغني ٢ : ٤٩٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٤) المغني ٢ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠.

٢٩٧

عجّلها قبل ملكها مع تعلّق الزكاة بعينها (١).

فلو أخرج شاة عن أربعين معجّلة ، ثم توالدت أربعين سخلة ، وماتت الأمّهات ، وحال الحول على السخال أجزأت على أحد وجهي الشافعية (٢) ، لأنّها كانت مجزئة عنها وعن أمّهاتها لو بقيت ، فلأن تجزئ عن إحداهما أولى.

ولا تجزئ عندنا ، وهو الآخر للشافعية (٣).

ولو كان عنده ثلاثون من البقر فعجّل عنها تبيعا ، ثم توالدت ثلاثين عجلة وماتت الأمّهات ، وحال الحول على العجول لم تجزئ عندنا.

وأمّا المجوّزون للتعجيل فقال بعضهم : بالإجزاء ، لأنّها تابعة لها في الحول ، وبعضهم بعدمه ، لأنّه لو عجّل تبيعا عنها مع بقاء الأمّهات لم تجزئ عنها فلأن لا تجزئ عنها إذا كان التعجيل عن غيرها أولى (٤).

وكذا الحكم في مائة شاة إذا عجّل عنها شاة فتوالدت مائة ثم ماتت الأمّهات وحال الحول على السخال (٥).

وإن توالد بعضها ومات نصف الأمّهات وحال الحول على الصغار ونصف الكبار ، فعلى الأول ـ وهو الإجزاء عندهم ـ أجزأ المعجّل عنهما معا ، وعلى عدمه عليه في الخمسين سخلة شاة ، لأنّها نصاب لم يؤدّ زكاته ، وليس عليه في العجول إذا كانت خمس عشرة شي‌ء ، لأنّها لم تبلغ نصابا ، وإنّما وجبت الزكاة فيها بناء على أمّهاتها التي عجّلت زكاتها (٦).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤.

(٤) المغني ٢ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠.

(٥) المغني ٢ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٠.

(٦) المغني ٢ : ٤٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨١.

٢٩٨

ولو ملك ثلاثين من البقر فعجّل مسنّة زكاة لها ولنتاجها ، فنتجت عشرا أجزأته عن الثلاثين دون العشر ، وهو مذهبنا ، ويجب عليه في العشر ربع مسنّة.

وقيل : بالإجزاء ، لأنّ العشر تابعة للثلاثين في الوجوب والحول ، فإنّه لو لا ملكه للثلاثين لما وجب عليه في العشر شي‌ء (١) ، فصارت الزيادة على النصاب على أربعة أقسام :

أ ـ ما لا يتبع في وجوب ولا حول ، وهو المستفاد من غير الجنس ، فهذا لا يجزئ تعجيل زكاته قبل وجوده وكمال نصابه إجماعا.

ب ـ ما يتبع في الوجوب دون الحول ، وهو المستفاد من الجنس بسبب مستقلّ ، فلا يجزئ تعجيل زكاته أيضا قبل وجوده على الخلاف.

ج ـ ما يتبع في الحول دون الوجوب كالنتاج والربح إذا بلغ نصابا ، فإنّه يتبع أصله في الحول ، فلا يجزئ التعجيل عنه قبل وجوده.

د ـ ما يتبع في الوجوب والحول وهو الربح والنتاج إذا لم يبلغ نصابا ، فإنّه لا يجزئ التعجيل قبل وجوده على الخلاف.

مسألة ٢١١ : إذا عجّل الزكاة من ماله للفقراء كان ما عجّله في حكم الموجود في ماله‌ إن كانت عينه قائمة ، وبه قال الشافعي وأحمد (٢).

وقال أبو حنيفة : إنّه في حكم التالف الذي زال ملكه عنه (٣).

ويترتّب على ذلك ثلاث مسائل :

الاولى : لو كان معه أربعون فعجّل منها شاة ، ثم حال الحول فإنّها‌

__________________

(١) راجع المغني ٢ : ٤٩٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨١.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٧ و ١٤٨ ، المغني ٢ : ٤٩٨ ـ ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٦ ـ ١٧٧ ، المغني ٢ : ٤٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢ ، المجموع ٦ : ١٤٨.

٢٩٩

تجزئ عنه عند الشافعي وأحمد (١).

أمّا عندنا فإن كان المدفوع قرضا سقطت الزكاة ، لأنّها تتمة النصاب ، وإن كان زكاة معجلة لم تقع ، وكانت باقية على ملك صاحبها إن كان المال بحاله جاز أن يحتسبه من الزكاة وأن يعدل بها إلى غيره.

وأمّا عندهما : فلأنّه نصاب تجب فيه الزكاة بحلول الحول ، فجاز تعجيلها منه ، كما لو كان أكثر من أربعين ، ولأنّ المعجّل في حكم الموجود (٢).

وقال أبو حنيفة : لا تجب الزكاة ، ولا يكون ما عجّله زكاة ، لأنّ المعجّل زال ملكه عنه فلم يحتسب من ماله ، كما لو باعه أو أتلفه (٣).

الثانية : لو كان معه مائة وعشرون فعجّل منها شاة ثم نتجت شاة ثم حال الحول لم يكن عليه شاة أخرى عندنا ، لعدم ضمّ السخال إلى الأمّهات عند علمائنا ، فالنصاب لا يجب فيه أكثر من شاة ، فله الاحتساب والدفع إلى غير الآخذ.

وقال الشافعي وأحمد : تجب عليه شاة أخرى (٤).

وقال أبو حنيفة : لا تجب اخرى (٥) ، كما قلناه.

الثالثة : لو كان معه مائتا شاة فعجّل منها شاتين ثم نتجت شاة ، وحال عليها الحول لم تجب عليه شاة أخرى عندنا ، وبه قال أبو حنيفة (٦).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣١ ، المغني ٢ : ٤٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٢) انظر : المغني ٢ : ٤٩٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٢.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢ ، المغني ٢ : ٤٩٩ ، المجموع ٦ : ١٤٨.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٣ ، المجموع ٦ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٣٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٤ ـ ١٣٥ ، المغني ٢ : ٤٩٩.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٥١ ، حلية العلماء ٣ : ١٣٥ ، المغني ٢ : ٤٩٩.

(٦) شرح فتح القدير ٢ : ١٥٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٢ ، المجموع ٦ : ١٤٨.

٣٠٠