تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

ـ وهو محكي عن ابن عمر ـ لأنّ رجلا جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت أمر الحج ، فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( اركبيها فإنّ الحج من سبيل الله ) (١).

ونمنع اختصاص السبيل بالجهاد ، أو به وبالحج ، ولا يلزم من إرادة أحدهما في بعض الصور انصرافه عند الإطلاق إلى أحدهما.

مسألة ١٧٥ : وابن السبيل له سهم في الصدقة‌ بالنص والإجماع ، وهو المنقطع به والضيف إذا كان سفرهما مباحا ، ولا خلاف في أنّ المجتاز ابن سبيل.

وهل منشئ السفر داخل فيه؟ منعه الشيخ (٢) ـ وبه قال مالك وأبو حنيفة (٣) ـ لأنّه إنّما سمّي ابن سبيل بملازمته الطريق وكونه فيه ، ومن يريد إنشاء السفر فليس بابن الطريق.

ولقول العالم عليه‌السلام : « ( ابْنِ السَّبِيلِ ) هو ابن الطريق يكون في السفر في طاعة الله فينقطع بهم ، ويذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصدقات » (٤).

وقال الشافعي : إنّه داخل (٥) ، لأنّه يريد إنشاء سفر لغير معصية فجاز أن يدفع إليه من سهم أبناء السبيل ، كمن دخل إلى بلد ونوى إقامة خمسة عشر‌

__________________

(١) المغني ٧ : ٣٢٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٨ ، المجموع ٦ : ٢١٢ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ١٢٧ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٢٨ ، وأورد أبو داود في سننه ٢ : ٢٠٤ ـ ١٩٨٩ ما بمعنى الحديث.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢ ، الخلاف ، كتاب قسمة الصدقات ، المسألة ٢٢.

(٣) المغني ٧ : ٣٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٩ ، المجموع ٦ : ٢١٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٢.

(٤) التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ٥٠ ـ ١٢٩ ، تفسير القمي ١ : ٢٩٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٤ و ٢١٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، المغني ٧ : ٣٢٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٩.

٢٦١

يوما ، ثم أراد الخروج ، فإنّه يدفع إليه من الصدقة وهو منشئ للسفر.

ونمنع كونه منشئا للسفر ، ولا يلزم من كونه منشئا بالنسبة إلى القصر كونه كذلك في نفس الأمر ، فإنّا نحكم عليه بالغربة ، و ( بكونه ) (١) مسافرا عرفا وإن أقام أكثر من خمسة عشر يوما.

البحث الثاني

في الأوصاف‌

مسألة ١٧٦ : الإسلام شرط في الأصناف المذكورة إلاّ المؤلّفة‌ بإجماع العلماء ، فلا يجوز إعطاء كافر غير مؤلّف من الزكاة ، ولا نعلم فيه خلافا إلاّ ما حكي عن الزهري وابن شبرمة أنّهما قالا : يجوز صرفها إلى المشركين (٢).

وقال أبو حنيفة : يجوز صرف صدقة الفطرة إلى أهل الذمة خاصة (٣).

وهو مدفوع بالإجماع.

ولقوله عليه‌السلام لمعاذ : ( أعلمهم أنّ في أموالهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم ) (٤).

احتجّ الزهري بقوله عليه‌السلام : ( أعطوا أهل الأديان من صدقاتكم ) (٥).

__________________

(١) في نسختي « ط ، ف » : يكون.

(٢) حلية العلماء ٣ : ١٧٠ ، المجموع ٦ : ٢٢٨.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ١١١ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٩ ، المجموع ٦ : ٢٢٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٧٠ ، المغني ٢ : ٧١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٨٢.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، صحيح مسلم ١ : ٥٠ ـ ٢٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ ـ ٦٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٦٨ ـ ١٧٨٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٣٦ ـ ٤.

(٥) مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ١٧٧ بتفاوت.

٢٦٢

واحتجّ أبو حنيفة بأنّ صدقة الفطرة ليس للإمام فيها حق القبض ، فجاز دفعها إلى أهل الذمة كالتطوع.

والأول محمول على التطوع.

ونمنع العلّة في القياس ، وينتقض بالأموال الباطنة.

ثم التطوع يجوز صرفها إلى الحربي (١) وهذا لا يجوز!؟

وشرط علماؤنا أيضا الإيمان ، فلا يعطى غير المؤمن عندنا ـ خلافا للجمهور ، فإنّهم اقتصروا على الإسلام خاصة (٢) ـ لأنّ مخالف الحقّ محادّ لله ورسوله فلا تجوز مودّته ، والزكاة معونة ومودّة فلا تصرف إليه.

ولقول الباقر والصادق عليهما‌السلام في الرجل يكون في بعض هذه الأهواء كالحرورية والمرجئة والعثمانية والقدرية ، ثم يتوب ويعرف هذا الأمر ، ويحسن رأيه ، يعيد كلّ صلاة صلاّها أو صوم أو زكاة أو حج ، أو ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك؟ قال : « ليس عليه إعادة شي‌ء من ذلك غير الزكاة فإنّه لا بدّ أن يؤدّيها ، لأنّه وضع الزكاة في غير موضعها ، وإنّما موضعها أهل الولاية » (٣) وهذا الحديث حسن الطريق.

وهل هو مطلق؟ نصّ علماؤنا على أنّه في الحج إذا لم يخلّ بشي‌ء من أركانه لا تجب عليه إعادته ، أمّا الصلاة والصوم ففيهما إشكال من حيث إنّ الطهارة لم تقع على الوجه المشروع ، والإفطار قد يقع ( منهم ) (٤) في غير وقته.

__________________

(١) أشار المصنّف رحمه‌الله بهذه الجملة إلى مذهب الحنفية حيث ذهبوا إلى جواز صرف صدقة التطوع إلى الحربي. انظر : الفتاوى الهندية ١ : ١٨٨.

(٢) انظر : المغني ٢ : ٥١٥ ، والمجموع ٦ : ٢٢٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٨٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٥ ـ ١ ، علل الشرائع : ٣٧٣ ، الباب ١٠٢ ، الحديث ١.

(٤) في « ط » : منه.

٢٦٣

ويمكن الجواب بأنّ الجهل عذر كالتقية ، فصحّت الطهارة ، والإفطار قبل الغروب إذا كان لشبهة قد لا يستعقب القضاء ، كالظلمة الموهمة ، فكذا هنا ، وبالجملة فالمسألة مشكلة.

مسألة ١٧٧ : اختلف علماؤنا في اشتراط العدالة‌ ، فذهب الشيخ والمرتضى إليه إلاّ في المؤلّفة ، للاحتياط ، وحصول يقين البراءة ، ولأنّ الدفع إلى الفاسق إعانة على المعصية (١).

والاحتياط لا يستلزم الوجوب ولا تقييد الألفاظ العامة في القرآن ، ومعارض بالأصل ، ونمنع كونه إعانة على المعصية.

وقال بعض أصحابنا : يشترط مجانبة الكبائر (٢) ، لأنّ داود الصرمي قال : سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال : « لا » (٣) ولا قائل بالفرق بين الخمر وغيره ، فثبوت الحكم فيه يستلزم ثبوته في غيره.

وقال بعض علمائنا : لا تشترط العدالة ، ولا مجانبة الكبائر (٤) ـ وهو قول الجمهور ـ عملا بإطلاق الآية ، والأصل عدم اشتراط ما لم ينطق به.

ولقوله عليه‌السلام : ( أعط من وقعت في قلبك له الرحمة ) (٥).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل أعطى سائلا لا أعرفه مسلما : « أعط من لا تعرفه بولاية ولا عداوة للحق ، ولا تطعم من نصب‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥١ ، الانتصار : ٨٢ ، وحكى قولهما أيضا المحقق في المعتبر : ٢٨١.

(٢) حكاه أيضا المحقق في المعتبر : ٢٨١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦٣ ـ ١٥ ، التهذيب ٤ : ٥٢ ـ ١٣٨.

(٤) وهو المحقق في المعتبر : ٢٨١.

(٥) أورده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المعتبر : ٢٨١ ، وورد نصّه عن الإمام الصادق عليه‌السلام في الكافي ٤ : ١٤ ( باب الصدقة على من لا تعرفه ) الحديث ٢ ، والتهذيب ٤ : ١٠٧ ـ ٣٠٧ ، والفقيه ٢ : ٣٩ ـ ١٦٩.

٢٦٤

لشي‌ء من الحق ، أو دعا إلى شي‌ء من الباطل » (١).

وهو الأقوى ، وخبر داود ليس حجّة ، لعدم تعيين المسئول ، فلعلّه غير الإمام.

مسألة ١٧٨ : يشترط أن لا يكون الآخذ ممّن تجب نفقته عليه‌ ، فلا يجوز له أن يعطي أحدا من والديه وإن بعد كآباء الأبوين وأمّهاتهما ، وأبوي أب الأب وامّه ، وأبوي أب الأم وأمّها ، وهكذا ما علوا ، من يرث ومن لا يرث ، ولا واحدا من أولاده وإن نزلوا من أولاد البنين والبنات وأولاد أولادهم الوارث وغيره ، لأنّه من عمود النسب ، فأشبه الوارث ، ولا زوجته ، ولا مملوكه بالإجماع ، لأنّه غني به ، فلا يجوز دفعها إليه ، ولأنّ دفعها إليه يستلزم عود نفعها عليه ، لسقوط النفقة عنه حينئذ.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا : الأب ، والام ، والولد ، والمملوك ، والمرأة » (٢).

أمّا من لا تجب نفقته من الأقارب فإنّه يجوز دفع الزكاة إليه ، بل هو أولى وأفضل من الأجانب ، إذ « لا صدقة وذو رحم محتاج » (٣) ولعدم المانع ، وكون ذلك صلة للرحم.

ولقول الكاظم عليه‌السلام وقد سأله إسحاق بن عمار عن إعطاء القرابة من الزكاة : « هم أفضل من غيرهم ، أعطهم » (٤).

فروع :

أ ـ إنّما منعنا من الأخذ للقريب بسبب الفقر أو المسكنة ، أمّا لو كان من‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٣ ( باب الصدقة على من لا تعرفه ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٠٧ ـ ٣٠٦.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٥٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٤ ـ ١٠١.

(٣) الفقيه ٤ : ٢٧٣ ـ ٨٢٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠٠.

٢٦٥

غير هذين فإنّه يجوز له أخذها ، كما لو كان الأب أو الولد غازيا ، أو مؤلّفا ، أو غارما في إصلاح ذات البين ، أو عاملا ، لعدم المانع ، ولأنّ هؤلاء يأخذون مع الغنى والفقر فكان للأب (١) ذلك.

ب ـ لو كان القريب ممّن لا تجب نفقته جاز الدفع إليه بأيّ سبب كان ، سواء كان وارثا أو غير وارث ، وهو قول أكثر العلماء وأحمد في رواية (٢).

لقوله عليه‌السلام : ( الصدقة على المسكين صدقة ، وهي لذي الرحم اثنتان : صدقة وصلة ) (٣) فلم يشترط نافلة ولا فريضة ، ولم يفرّق بين الوارث وغيره.

ومن طريق الخاصة قول الرضا عليه‌السلام وقد سئل : رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك ، وله زكاة أيجوز أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال : « نعم » (٤).

وعن الكاظم عليه‌السلام وقد سأله بعض أصحابنا ، قلت له : لي قرابة أنفق على بعضهم ، وأفضّل بعضهم على بعض ، فيأتيني إبّان (٥) الزكاة أفاعطيهم منها؟ قال : « أمستحقّون لها؟ » قلت : نعم ، قال : « هم أفضل من غيرهم أعطهم » قال ، قلت : فمن الذي يلزمني من ذوي قرابتي حتى لا أحسب الزكاة عليه؟ قال : « أبوك وأمّك » قلت : أبي وأمّي؟ قال : « الوالدان والولد » (٦).

__________________

(١) في « ف » زيادة : أو غيره.

(٢) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢ ، المجموع ٦ : ٢٢٩.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٩١ ـ ١٨٤٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٤٧ ذيل الحديث ٦٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ٩٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٧٤.

(٤) الكافي ٣ : ٥٥٢ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٥٤ ـ ١٤٤ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٤.

(٥) إبّان ، بالكسر والتشديد : الوقت. الصحاح ٥ : ٢٠٦٦ « ابن ».

(٦) الكافي ٣ : ٥٥١ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٥٦ ـ ١٤٩ ، الاستبصار ٢ : ٣٣ ـ ١٠٠.

٢٦٦

وعن أحمد رواية أخرى : منع الموروث ، لأنّ على الوارث مئونة الموروث ، فيغنيه بزكاته عن مئونته ، ويعود نفع زكاته إليه ، فلم يجز له دفعها إليه كدفعها إلى والده أو قضاء دينه (١).

ونمنع وجوب المئونة على ما يأتي.

ج ـ لو كان أحدهما يرث الآخر دون العكس كالعتيق مع معتقه ، والعمة مع ابن أخيها ـ عندهم (٢) ـ جاز لكلّ منهما دفع زكاته إلى الآخر عندنا على ما تقدّم.

وقال أحمد : على الوارث منهما نفقة موروثة فليس له دفع زكاته إليه ، وليس على الموروث منهما نفقة وارثه ، فلا يمنع من دفع زكاته إليه (٣).

ولو كان أخوان لأحدهما ابن ، والآخر لا ولد له ، فعلى أبي الابن نفقة أخيه ـ عنده (٤) ـ فليس له دفع زكاته إليه ، وللّذي لا ولد له دفع زكاته إلى أخيه ، ولا يلزمه نفقته ، لأنّه محجوب عن ميراثه ، ونحو هذا قول الثوري (٥).

والحقّ ما ذهبنا نحن إليه.

د ـ ذوو الأرحام يجوز دفع الصدقة إليهم ، وبه قال أحمد ـ على رواية منع الوارث في الحال التي يرثون فيها ـ لأنّ قرابتهم ضعيفة لا يرث بها مع عصبة ولا ذي فرض غير أحد الزوجين ـ عنده ـ فلم تمنع دفع الزكاة كقرابة سائر المسلمين ، فإنّ ماله يصير إليهم إذا لم يكن له وارث (٦).

هـ ـ يعطى من تجب نفقته من غير نصيب الفقراء والمساكين مطلقا ، سواء كان عاملا ، أو غازيا ، أو ابن سبيل ، أو غير ذلك إلاّ ابن السبيل ، فإنّه‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

(٢) أي عند الجمهور.

(٣) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

(٤) أي عند أحمد ، وانظر : الهامش التالي.

(٥) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

(٦) المغني ٢ : ٥١٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

٢٦٧

يعطي الزائد عن النفقة مع الحاجة إليه كالحمولة.

مسألة ١٧٩ : العيلولة من دون القرابة غير مانعة من الإعطاء‌ عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر العلماء (١) ، فلو كان في عائلته من لا يجب الإنفاق عليه كيتيم أجنبي جاز أن يدفع زكاته إليه ، لأنّه داخل في الأصناف المستحقّين للزكاة ، ولم يرد في منعه نصّ ولا إجماع ولا قياس ، فلا يجوز تخصيصه من العمومات بغير دليل.

وعن أحمد رواية بالمنع ، لأنّه ينتفع بدفعها إليه لإغنائه بها عن مئونته (٢).

ولو سلّم لم يضرّ ، فإنّه نفع لا يسقط واجبا عنه ، إذ العيلولة ليست واجبة.

مسألة ١٨٠ : يشترط أن لا يكون هاشميّا‌ ، وقد أجمع المسلمون كافة على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم.

لقوله عليه‌السلام : ( إنّ الصدقة لا تنبغي لآل محمّد ، إنّما هي أوساخ الناس ) (٣).

وأخذ الحسن عليه‌السلام ـ وهو صغير ـ تمرة من تمر الصدقة ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( كخ كخ ) ليطرحها ، وقال : ( أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة ) (٤).

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادق عليهما‌السلام : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الصدقة أوساخ الناس فلا تحلّ لبني عبد‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

(٢) المغني ٢ : ٥١٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٢.

(٣) صحيح مسلم ٢ : ٧٥٣ ـ ١٠٧٢ ، سنن البيهقي ٧ : ٣١ ، موطإ مالك ٢ : ١٠٠٠ ( باب ما يكره من الصدقة ) الحديث ١٣ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٧.

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٧ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٧ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٩ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٠٩.

٢٦٨

المطلب » (١).

مسألة ١٨١ : تحلّ صدقة بعضهم على بعض‌ عند علمائنا ـ وهو محكي عن أبي يوسف (٢) ـ لأنّ مفهوم قوله عليه‌السلام : ( الصدقة أوساخ الناس ) ترفّعهم عن غيرهم ، وامتياز الجنس عن الجنس بعدم قبول صدقته تنزيها له ، فلا ينقدح فيه امتياز أشخاص الجنس بعضها عن بعض لتساويهم في المنزلة ، فلا يليق ترفّع بعضهم على بعض.

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله إسماعيل بن الفضل الهاشمي عن الصدقة التي حرّمت على بني هاشم ما هي؟ قال : « الزكاة » قلت : فتحلّ صدقة بعضهم على بعض؟ قال : « نعم » (٣).

وأطبق باقي الجمهور على المنع ، للعموم.

وقد بيّنا أنّ مفهومه خروج بني هاشم منه.

مسألة ١٨٢ : الصدقة المفروضة محرّمة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم‌ إجماعا.

وأمّا المندوبة ، فالأقوى عندي : التحريم أيضا ، لعلوّ منصبه ، وزيادة شرفه وترفّعه ، فلا يليق بمنصبه قبول الصدقة ، لأنّها تسقط المحلّ من القلب.

ولأنّ سلمان الفارسي أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فحمل إليه شيئا ، فقال : ( ما هذا؟ ) فقال : صدقة ، فردّه ، ثم أتاه به من الغد ، فقال : هديّة ، فقبله (٤).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٥ ، الإستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٦.

(٢) أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ ٣ : ١٣١ ـ ١٣٢.

(٣) الكافي ٤ : ٥٩ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٦ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ـ ١٠٧.

(٤) مسند أحمد ٥ : ٣٥٤ ، المعجم الكبير ٦ : ٢٣٢ ـ ٢٣٣ ـ ٦٠٧٦ و ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ـ ٦١١٧ و ٢٤٩ ـ ٦١٢١ و ٢٥٩ ـ ٦١٥٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ٢ : ١٦ ، وشرح معاني الآثار ٢ : ١٠.

٢٦٩

ولعموم قوله عليه‌السلام : ( إنّا أهل بيت لا تحلّ لنا الصدقة ) (١).

وهو أحد قولي الشافعي. والثاني : أنّها تحلّ ، كما تحلّ لآله (٢).

والفرق : فضيلته عليهم ، وتميّزه عنهم.

والوجه عندي : أنّ حكم الأئمة عليهم‌السلام حكمه في ذلك.

وأمّا باقي آله فتحرم عليهم الصدقة المفروضة ، على ما تقدّم (٣).

وهل تحلّ المندوبة؟ المشهور ذلك ، وبه قال الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين (٤) ، لأنّ عليّا وفاطمة عليهما‌السلام وقفا على بني هاشم (٥) ، والوقف صدقة.

وروى الجمهور عن الصادق عليه‌السلام عن أبيه الباقر عليه‌السلام أنّه كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، فقلت له : تشرب من الصدقة؟

فقال : « إنّما حرّمت علينا الصدقة المفروضة » (٦).

ويجوز أن يأخذوا من الوصايا للفقراء ، ومن النذور.

وعن أحمد رواية بالمنع ، لعموم قوله عليه‌السلام : ( إنّا لا تحلّ لنا الصدقة ) (٧).

__________________

(١) شرح معاني الآثار ٢ : ١٠ ، وصحيح مسلم ٢ : ٧٥١ ذيل الحديث ١٠٦٩ ، وكنز العمال ٦ : ٤٥٧ ـ ١٦٥٢٧ نقلا عن الطبراني في المعجم الكبير.

(٢) المجموع ٦ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩ ، أحكام القرآن ـ للجصاص ـ ٣ : ١٣٢.

(٣) تقدم في المسألة ١٨٠.

(٤) المجموع ٦ : ٢٣٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩ ، المغني ٢ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٠.

(٥) الكافي ٧ : ٤٨ ـ ٢ و ٤.

(٦) المغني ٢ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٣ ، مختصر المزني : ١٥٩.

(٧) المغني ٢ : ٥٢٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٠ ، وانظر : صحيح مسلم ٢ : ٧٥١ ذيل الحديث ١٠٦٩ ، وسنن أبي داود ٢ : ١٢٣ ـ ١٦٥٠ ، ومسند أحمد ٢ : ٤٤٤.

٢٧٠

والجواب : الحمل على المفروضة ، جمعا بين الأدلّة.

أمّا الكفّارة فيحتمل التحريم ، لأنّها واجبة ، فأشبهت الزكاة.

والأقوى : الجواز ، للأصل وانتفاء المانع ، فإنّها ليست زكاة ، ولا هي أوساخ الناس.

مسألة ١٨٣ : وتحلّ الصدقة الواجبة والمندوبة لموالي بني هاشم‌ ـ وهم من أعتقهم هاشمي ـ عند علمائنا أجمع ـ وهو قول أكثر العلماء ، والشافعي في أحد القولين (١) ـ لوجود المقتضي وهو : العموم ، وأصالة الإباحة ، وثبوت الفقر ، وانتفاء المانع وهي القرابة ، فلم يمنعوا كسائر الناس ، ولأنّهم لم يعوّضوا عنها بالخمس ، فإنّهم لا يعطون منه ، فلا يجوز أن يحرموها كسائر الناس.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « تحلّ لمواليهم » (٢).

وقال أحمد بالتحريم ، وهو الثاني للشافعي ، لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة ، فقال لأبي رافع : اصحبني كيما تصيب منها ، فقال : لا ، حتى آتي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأسأله ، فانطلق إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسأله ، فقال : ( إنّا لا تحلّ لنا الصدقة ، وأنّ موالي القوم منهم ) (٣).

ولأنّهم ممّن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم (٤).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٩ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩.

(٢) التهذيب ٤ : ٦٠ ـ ١٦٠ ، الاستبصار ٢ : ٣٧ ـ ١١٤.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٤٦ ـ ٦٥٧ ، سنن النسائي ٥ : ١٠٧ ، سنن أبي داود ٢ : ١٢٣ ـ ١٦٥٠ ، وسنن البيهقي ٧ : ٣٢.

(٤) المغني ٢ : ٥١٧ ـ ٥١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧٠٩ ـ ٧١٠ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩.

٢٧١

وجاز اختصاص أبي رافع بالمنع ، لكونه مولى لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيتميّز عن غيره. ونمنع العلّة في الثاني.

مسألة ١٨٤ : وقد أجمع العلماء على تحريم الصدقة على بني عبد المطلب‌ وهم الآن أولاد أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب ، لقوله عليه‌السلام : ( يا بني عبد المطّلب [ إنّ الصدقة ] (١) لا تحلّ لي ولا لكم ) (٢).

وقال عليه‌السلام : ( إنّ الصدقة لا تحلّ لبني عبد المطلب ) (٣).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « إنّ الصدقة لا تحلّ لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم » (٤).

وهل تحرم على أولاد المطّلب؟ أكثر علمائنا على المنع من التحريم (٥) ، وبه قال أبو حنيفة (٦) ، للعموم والأصل.

ولأنّ بني المطلب وبني نوفل و [ بني ] (٧) عبد شمس قرابتهم واحدة ، وإذا لم يمنع بنو نوفل وبنو عبد شمس فكذا بنو المطّلب.

وقال الشافعي بالتحريم عليهم (٨). وهو قول شاذ للمفيد (٩) منّا ، لقوله عليه‌السلام : ( نحن وبنو المطّلب هكذا ـ وشبّك بين أصابعه ـ لم نفترق في جاهلية ولا إسلام ) (١٠).

__________________

(١) زيادة من المصدر.

(٢) المعتبر : ٢٨٢ ، والتهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٤.

(٣) المعتبر : ٢٨٢ ، والتهذيب ٤ : ٥٨ ـ ١٥٥.

(٤) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٣٥ ـ ٣٦ ـ ١٠٩.

(٥) كما في المعتبر : ٢٨٢.

(٦) المغني ٢ : ٥١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩.

(٧) زيادة تقتضيها العبارة.

(٨) المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٨.

(٩) حكى قوله عن الرسالة العزّية ، المحقق في المعتبر : ٢٨٢.

(١٠) سنن أبي داود ٣ : ١٤٦ ـ ٢٩٨٠.

٢٧٢

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « لو كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطّلبي إلى صدقة ، إنّ الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم ، ولا تحلّ لأحد منهم إلاّ أن لا يجد شيئا ، ويكون ممّن تحلّ له الميتة » (١).

ويحمل الأول على الاتّحاد في الشرف أو المودّة أو الصحبة أو النصرة لا على صورة النزاع.

والثاني خبر واحد ترك العمل به أكثر الأصحاب ، فلا يخصّ به العموم المقطوع.

مسألة ١٨٥ : ولا تحرم على زوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم‌ عند علمائنا ، وهو قول أكثر العلماء ، للعموم والأصل.

وعن أحمد رواية بالتحريم ، لأنّ عائشة ردّت سفرة من الصدقة وقالت : إنّا آل محمد لا تحلّ لنا الصدقة (٢).

وهو نادر لم يعمل به أكثر العلماء ، فلا يخصّ به عموم القرآن.

مسألة ١٨٦ : ولو لم يحصل للهاشمي من الخمس بقدر كفايته جاز أن يأخذ الزكاة المفروضة‌ عند علمائنا ، وبه قال أبو سعيد الإصطخري (٣) ، لأنّ المنع إنّما كان لاستغنائهم بالخمس ، وحرمت عليهم الصدقة ، وجعل لهم الخمس في مقابلة ذلك ، فإذا لم يحصل لهم الخمس حلّت لهم الصدقة ، ولهذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للفضل بن العباس : ( أليس في خمس الخمس ما يكفيكم عن أوساخ الناس؟ ) (٤).

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها فإنّها تحلّ لهم ، وإنّما تحرم على النبي وعلى الإمام الذي‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٥٩ ـ ١٥٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٦ ـ ١١١.

(٢) المغني ٢ : ٥١٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٧١٠ ، وانظر : مصنف ابن أبي شيبة ٣ : ٢١٤.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨١ ، المجموع ٦ : ٢٢٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٩.

(٤) أورده ابن قدامة في المغني ٢ : ٥١٨.

٢٧٣

يكون بعده وعلى الأئمة » (١).

وليس المراد بذلك حالة الاستغناء بالخمس ، لتحريمها عليهم إجماعا ، فتعيّن أن يكون حال الضرورة. وفارقوا النبي والأئمة عليهم‌السلام ، لعلو منصبهم وزيادة شرفهم ، فلا تحلّ لهم حال الضرورة.

وقال الباقون بالتحريم (٢) ، لأنّ الصدقة حرمت في مقابلة استحقاق خمس الخمس ، والاستحقاق باق وإن لم يكن ما يستحقّ أو لم يصل إليهم وهو ممنوع ، بل التحريم في مقابلة الاستغناء ، لمفهوم الحديث (٣).

البحث الثالث

في الأحكام‌

مسألة ١٨٧ : لو اجتمع لواحد سببان‌ يستحقّ بكلّ منهما سهما من الصدقات أو أكثر من سببين جاز أن يأخذ بهما وبالزائد عند علمائنا ـ وهو أحد قولي الشافعي (٤) ـ لأنّ سبب الاستحقاق موجود في كلّ واحد من النصيبين ، فاستحقّ الأخذ ، كما أنّ الغانمين إذا كان فيهم مسكين من ذوي القربى استحقّ سهم الحضور وذي القربى.

وقال في الآخر : لا يجوز الأخذ بهما ، بل تخيّر في الأخذ بأيّهما شاء (٥) ، لأنّ قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ ) (٦) يقتضي‌

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٩ ـ ٦ ، الفقيه ٢ : ١٩ ـ ٦٥ ، التهذيب ٤ : ٦٠ ـ ١٦١.

(٢) كالفيروزآبادي في المهذب ١ : ١٨١ ، والقفّال الشاشي في حلية العلماء ٣ : ١٦٨ ـ ١٦٩ وأكثر الشافعية كما في المجموع ٦ : ٢٢٧.

(٣) وهو قوله عليه‌السلام : ( أليس في خمس الخمس ما يكفيكم؟ ) الى آخره. ومرّ الحديث آنفا.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٣.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٦٣.

(٦) التوبة : ٦٠.

٢٧٤

تغايرهما ، وأنّ كلّ صنف غير الصنف الآخر.

ولا حجّة فيه ، لعدم دلالة الآية على تضادّهما ، ولأنّ التقدير اجتماعهما وكلّ منهما علّة ، فيقتضي معلوله ، وهو الاستحقاق.

تذنيب : للإمام أن يعطيه بأحد الوجهين وبهما معا ، فإن أعطاه بواحد ، فإن كان بالفقر كان أخذا مستقرا ، وإن كان بالغرم كان مراعى بقضاء الدّين ، ولو كان بالدفع بأحد السببين يخرج من الاندراج تحت السبب الآخر ، منع مع الدفع ، كالعامل الفقير إذا دفع اليه سهم العمالة فاستغنى به.

مسألة ١٨٨ : يجوز دفع الزكاة إلى صاحب دار السكنى وعبد الخدمة وفرس الركوب وثياب التجمّل‌ ، ولا نعلم فيه خلافا ، لإمساس الحاجة إلى هذه الأشياء ، وعدم الخروج بها عن حدّ الفقر إلى الغني.

ولأنّ سماعة سأل الصادق عليه‌السلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج من غلّتها دراهم تكفيه وعياله ، فإن لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم في غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، وإن كانت غلّتها تكفيهم فلا » (١).

فروع :

أ ـ لو كانت دار السكنى تزيد عنه وفي بعضها كفاية له ففي منعه بسبب الزيادة إذا كانت قيمتها تكفيه حولا إشكال.

ب ـ لو كانت حاجته تندفع بأقلّ منها قيمة لم يكلّف بيعها وشراء الأدون ، وكذا في العبد والفرس.

ج ـ الوجه اختصاص ذلك بمن يعتاد استخدام العبد وركوب الفرس‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٥٦١ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ٤٩ ـ ١٢٧ و ١٠٧ ـ ٣٠٨ ، والفقيه ٢ : ١٧ ـ ١٨ ـ ٥٧.

٢٧٥

وثياب التجمّل دون غيره.

د ـ لو احتاج إلى أكثر من واحد فكالواحد.

مسألة ١٨٩ : لو قصر التكسّب عن ( مئونته ) (١) ومئونة عياله جاز أن يأخذ الزكاة‌ إجماعا ، واختلف علماؤنا ، فقال بعضهم : يأخذ قدر التتمة لا أزيد (٢) ، لأنّه حينئذ يصير غنيّا فتحرم عليه الزيادة.

وقال آخرون يجوز أن يأخذ أزيد (٣). وهو الأقوى ، كما يجوز دفع ما يزيد على الغنى إلى الفقير دفعة ، والغنى إنّما يحصل بالدفع.

ونحن نمنع من الدفع ثانيا بعد دفع ما يعوزه من المئونة.

مسألة ١٩٠ : لو كان القريب الذي تحرم الصدقة عليه يحتاج إلى ما يزيد عن نفقته جاز دفع ذلك إليه‌ كنفقة زوجته وخادمه والتوسعة عليه وقضاء دينه ، لثبوت المقتضي وهو الاحتياج.

ولأنّ عبد الرحمن بن الحجاج سأل الكاظم عليه‌السلام عن الرجل يكون أبوه أو عمّه أو أخوه تكفيه مئونته أيأخذ من الزكاة فيتوسّع به إن كانوا لا يوسّعون عليه في كلّ ما يحتاج اليه؟ فقال : « لا بأس » (٤).

مسألة ١٩١ : يشترط في العامل : البلوغ والعقل‌ إجماعا ، لأنّ ذلك نوع ولاية ، والصغير والمجنون ليسا أهلا لها.

وشرط الشيخ الحرّية (٥). وبه قال الشافعي (٦) ، لأنّ الرقّ ينافي الولاية.

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « ط » و « ن » : كفايته.

(٢) حكاه المحقق في شرائع الإسلام ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠.

(٣) ممّن قال بذلك : المحقق في شرائع الإسلام ١ : ١٥٩ و ١٦٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ ـ ٣١٠.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٨.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤١ ـ ١٤٢ ، المغني ٧ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩١.

٢٧٦

ولو قيل بالجواز كان وجها ، لأنّه نوع استئجار ، مع أنّ قول الشيخ لا يخلو من قوة ، لأنّه تعالى أضاف إليه بلام التمليك.

ويشترط فيه الإسلام إجماعا ـ إلاّ رواية عن أحمد أنّه يجوز أن يكون كافرا (١) ـ لقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ ) (٢) يعني من دون المسلمين.

ودفع أبو موسى الأشعري إلى عمر حسابا فاستحسنه فقال : من كتب هذا؟

فقال : كاتبي. فقال : وأين هو؟ قال : على باب المسجد. قال أجنب هو؟ قال : لا ولكن هو نصراني. فقال : لا تأتمنوهم وقد خوّنهم الله ولا تقرّبوهم وقد ( أبعدهم ) (٣) الله (٤).

ولأنّ في ذلك ولاية على المسلمين وقد قال الله تعالى ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٥) والعموم مخصوص بهذه الأدلّة.

ويشترط فيه : الإيمان والعدالة ، لأنّ غير المؤمن فاسق والفاسق ليس أهلا للأمانة ، فلا بدّ وأن يكون أمينا ، لأنّه يلي مال غيره.

ويجب أن يكون فقيها في الزكاة ليكون عارفا بقدر الواجب وصفته ومصرفه ، وبه قال الشافعي (٦).

ويجب أن لا يكون من ذوي القربى ـ وهو أحد وجهي الشافعية ، وبه قال الشافعي (٧) ـ لأنّ الفضل بن العباس والمطّلب بن ربيعة سألا النبي عليه‌

__________________

(١) المغني ٧ : ٣١٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٠.

(٢) آل عمران : ١١٨.

(٣) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : ( بعّدهم ) وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٤) راجع : المغني ٧ : ٣١٨ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٠ ـ ٦٩١.

(٥) النساء : ١٤١.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢.

(٧) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢ ، المغني ٧ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩١.

٢٧٧

السلام أن يولّيهما العمالة ، فقال لهما : ( إنّما الصدقات أوساخ أيدي الناس وأنّها لا تحلّ لمحمد وآل محمد ، أليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس؟ ) (١).

وقال بعض الشافعية : يجوز ، لأنّ ما يأخذه أجرة ، فلا يمنع القرابة منه ، كاجرة النقّال والحافظ (٢).

ويفارق النقّال والحافظ ، لأنّه يأخذ سهما من الصدقة.

فروع :

أ ـ يجوز أن يكون مولى ذوي القربى عاملا ، لأنّه يستحق الزكاة بالفقر عندنا ، فكذا بغيره من الأسباب. وللشافعي وجهان (٣).

ب ـ يجوز أن يكون العامل من ذوي القربى ، ولا يأخذ أجره من الصدقة ، بل يتبرّع بالعمل ، أو يدفع إليه الإمام شيئا من بيت المال ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ لأنّ المقتضي للمنع الأخذ من الزكاة وهو منتف هنا.

ج ـ لو كان فقيرا لا يصل إليه من الخمس شي‌ء جاز أن يكون عاملا عندنا ، ويأخذ النصيب.

مسألة ١٩٢ : الساعي أمين إذا تلفت الزكاة في يده بغير ( تفريط ) (٥) لم يضمن‌ إجماعا ، لأنّ قبضه قبض أمانة ، وكان له الأجرة من سهم المصالح إن كان الإمام قد جعل أجرته من بيت المال ، وإن لم يجعل له ذلك ففي سقوط‌

__________________

(١) راجع صحيح مسلم ٢ : ٧٥٢ ـ ٧٥٤ ـ ١٦٧ و ١٦٨ ، والمهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، والمغني ٢ : ٥١٨.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢ ، المغني ٧ : ٣١٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٥ ، المجموع ٦ : ١٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٢.

(٤) المجموع ٦ : ١٦٨.

(٥) في « ن » و « ف » : تفريطه.

٢٧٨

الأجرة هنا إشكال ينشأ من أنّه عامل لما يستحق به عوضا فلا تسقط أجرته بتلف ما تعلّقت الأجرة عليه ، ومن كون الأجرة قد فات محلّها فلا ينتقل إلى محلّ آخر.

والأقرب : الأول.

مسألة ١٩٣ : تعطى الزكاة أطفال المؤمنين عند حاجتهم ، ولا يشترط عدالة الأب‌ ، لعموم الآية (١).

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله أبو بصير : الرجل يموت ويترك العيال أيعطون من الزكاة؟ : « نعم فإذا بلغوا وعدلوا إلى غيركم فلا تعطوهم » (٢).

إذا ثبت هذا فلا فرق بين أن يكون قد أكل الطعام أو لا عند علمائنا ـ وهو إحدى الروايتين عن أحمد (٣) ـ لأنّه فقير فجاز الدفع إليه كالذي طعم.

ولأنّه يحتاج إلى الزكاة لأجر رضاعه وكسوته وسائر مئونته ، فيدخل في عموم النص.

وعنه رواية اخرى : أنّه لا يجوز دفعها إلاّ إلى من أكل الطعام (٤). وهذا ليس بشي‌ء.

فروع :

أ ـ لا يجوز الدفع إلى الصغير وإن كان مميّزا ، لأنّه ليس محلّ الاستيفاء لماله من الغرماء فكذا هنا.

وعن أحمد رواية : جواز دفعها إلى اليتيم المميّز ، لأنّ أبا جحيفة قال : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعيا ، فأخذ الصدقة من أغنيائنا فردّها في‌

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٨ ـ ٥٤٩ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ١٠٢ ـ ٢٨٧.

(٣) المغني ٢ : ٥٠٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٠٨.

٢٧٩

فقرائنا وكنت غلاما يتيما لا مال لي فأعطاني قلوصا (١) (٢).

ولا دلالة فيه ، لاحتمال الدفع إلى وليّه أو من يقوم بأمره ، ولأنّه لا حجّة في فعل الساعي.

ب ـ لا فرق بين أن يكون يتيما أو غيره ، فإنّ الدفع إلى الولي ، فإن لم يكن له ولي جاز أن يدفع إلى من يقوم بأمره ويعتني بحاله.

ج ـ حكم المجنون حكم الصبي غير المميّز ، أمّا السفيه فإنّه يجوز الدفع اليه لكن يحجر عليه الحاكم.

د ـ إنّما يعطى أطفال المؤمنين ، لأنّهم بحكم آبائهم ، ولا يجوز إعطاء أولاد المشركين إلحاقا بآبائهم ، وكذا أولاد غير المؤمنين. ولو أسلم أحد أبوي الطفل لحق به سواء الأب والام ، ويأخذ الزكاة حينئذ.

هـ ـ لا يجوز إعطاء المملوك ، لأنّه لا يملك ، فيكون العطاء لمولاه.

ولأنّه غني بمولاة فلا يستحقّ الزكاة.

مسألة ١٩٤ : لا يشترط في الغازي الفقر‌ ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ للعموم ، ولأنّه كالأجرة ، وكذا الغارم لإصلاح ذات البين.

وقال أبو حنيفة : يشترط ، لقوله عليه‌السلام : ( أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردّها في فقرائكم ) (٤).

وهو لا يقتضي اختصاصها بالفقراء. وينتقض بابن السبيل ، فإنّه يعطى وإن كان غنيّا في بلده قادرا على الاستدانة في سفره.

__________________

(١) القلوص : الناقة الشابة. النهاية لابن الأثير ٤ : ١٠٠.

(٢) المغني ٢ : ٥٠٩ ، وانظر : سنن الدارقطني ٢ : ٣٦ ـ ٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٦.

(٤) المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٦ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، وانظر : تفسير القرطبي ٣ : ٣٣٧ و ٨ : ١٦٨ و ١٧٢.

٢٨٠