تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

وهو محمول على أنّه إذا كان تحصل به الكفاية على ما فسّره أهل البيت عليهم‌السلام.

وقال الحسن البصري وأبو عبيد : الغني : من يملك أربعين درهما (١) ، لما روى أبو سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( من سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف (٢) ) (٣) والأوقية : أربعون درهما (٤).

ولا دلالة فيه.

وفي رواية عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « لا تحلّ لمن كانت عنده أربعون درهما يحول عليها الحول أن يأخذها ، وإن أخذها أخذها حراما » (٥).

ولا حجّة فيه أيضا ، لأنّ حولان الحول عليها يدلّ على استغنائه عنها فيحرم عليه أخذها.

مسألة ١٦٤ : لو كان له بضاعة يتّجر بها أو ضيعة يستغلّها‌ ، فإن كفاه الغلّة له ولعياله ، أو الربح لم يجز له أن يأخذ الزكاة ، وإن لم يكفه جاز أن يأخذ من الزكاة ما يتمّ به كفايته ، ولم يكلّف الإنفاق من البضاعة ولا من ثمن الضيعة ، لما فيه من التضرّر.

ولأنّ سماعة سأله عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار والخادم؟ فقال : « نعم إلاّ أن تكون داره دار غلّة فيخرج له من غلّتها دراهم تكفيه وعياله ، فإن‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٥٥٠ ـ ٥٥١.

(٢) ألحف في المسألة : إذا ألحّ فيها ولزمها. النهاية لابن الأثير ٤ : ٢٣٧.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ١١٦ ـ ١١٧ ـ ١٦٢٨ ، سنن النسائي ٥ : ٩٨ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٨ ـ ١ ، مسند أحمد ٣ : ٧ و ٩ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٢٠ ، وانظر أيضا : المغني ٢ : ٥٢٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٤) انظر : الصحاح ٦ : ٢٥٢٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٥١ ـ ١٣١.

٢٤١

لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه وعياله في طعامهم وكسوتهم وحاجتهم من غير إسراف فقد حلّت له الزكاة ، وإن كانت غلّتها تكفيهم فلا » (١) فقد نصّ على جواز الأخذ مع عدم الاكتفاء بالغلّة مع قطع النظر عن الثمن.

ولا فرق بين الدار والبضاعة والضيعة ، إذ المشترك ـ وهو المالية ـ هو الضابط دون خصوصيّات الأموال.

فروع :

أ ـ لو لم يكن محتاجا حرمت عليه الصدقة وإن لم يملك شيئا ، وإن كان محتاجا حلّت له الصدقة وإن ملك نصبا سواء في ذلك الأثمان وغيرها ، وبه قال مالك والشافعي (٢) ، لأنّ الحاجة هي : الفقر ، وضدّها : الغنى ، فمن كان محتاجا فهو فقير ، ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرّمة.

ب ـ لو ملك من العروض أو الحبوب أو السائمة أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيا وإن ملك نصبا ، وبه قال الثوري والنخعي وابن المبارك وإسحاق وغيرهم (٣).

ج ـ لو كانت له كفاية باكتساب أو صناعة أو مال غير زكوي لم تحلّ له الصدقة ، وبه قال الشافعي وإسحاق وأبو عبيد وابن المنذر (٤) ، لقوله عليه‌السلام : ( لا تحل الصدقة لغني ولا لقوي مكتسب ) (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ٤٩ ـ ١٢٧ و ١٠٧ ـ ١٠٨ ـ ٣٠٨ ، الكافي ٣ : ٥٦١ ـ ٤ ، والفقيه ٢ : ١٧ ـ ١٨ ـ ٥٧.

(٢) المغني ٢ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٥ ، المجموع ٦ : ١٩٧.

(٣) المغني ٢ : ٥٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨ ، المجموع ٦ : ١٩٠ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٥٢.

(٥) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ ـ ١٦٣٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٩ ـ ٧ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ـ ١٠٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤ ، ومسند أحمد ٤ : ٢٢٤ و ٥ : ٣٦٢ ، وفي الجميع : ( لا حظّ فيها لغني .. ).

٢٤٢

ولأنّه يملك ما يغنيه عن الصدقة فخرج عن الحاجة فلا يتناوله اسم الفقراء.

وقال أبو يوسف : إن دفع الزكاة إليه فهو قبيح ، وأرجو أن يجزئه (١).

وقال أبو حنيفة ومحمد وزفر : يجوز دفع الزكاة إليه ، لأنّه ليس بغني (٢) ، لما مرّ من قوله عليه‌السلام : ( أعلمهم أنّ عليهم الصدقة ) (٣).

د ـ لو ملك نصابا زكويّا أو نصبا تقصر عن مئونته ومئونة عياله حلّت له ، وبه قال الشافعي وأحمد (٤) ، لأنّه لم يملك ما يغنيه ، ولا يقدر على كسب ما يكفيه ، فجاز له الأخذ من الزكاة ، كما لو كان ما يملكه من غير الزكوي ، ولأنّ الفقر : الحاجة. وهي متحقّقة فيه.

وقال أصحاب الرأي : ليس له أن يأخذ ، لأنّه تجب عليه الزكاة فلا تجب له ، للخبر (٥).

والغنى المانع من الأخذ ليس هو الغنى الموجب للدفع.

هـ ـ لو كان له مال معدّ للإنفاق ولم يكن مكتسبا ولا ذا صناعة اعتبرت الكفاية به حولا كاملا له ولعياله ومن يمونه ، لأنّ كلّ واحد منهم مقصود دفع حاجته ، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد ، لأنّه لا يسمّى فقيرا بالعادة.

ويحتمل أن يمنع من الزكاة حتى يخرج ما معه بالإنفاق.

والحقّ : الأول ، لما روي من جواز تناولها لمن ملك ثلاثمائة درهم أو‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

(٢) المغني ٢ : ٥٢٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٨.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ١٦٣.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٧ ، المغني ٢ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

(٥) الهداية للمرغيناني ١ : ١١٤ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧٦ ، المجموع ٦ : ١٩٧ ، المغني ٢ : ٥٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٨٩.

٢٤٣

سبعمائة مع التكسب القاصر (١) ، فمع عدمه أولى.

و ـ لو جعلنا مناط المنع ملك النصاب وإن قصر عن الكفاية ، فلو كان له عائلة جاز أن يأخذ لعياله حتى يصير لكلّ واحد منهم ما يحرم معه الأخذ ، لأنّ الدفع إنّما هو إلى العيال وهذا نائب عنهم في الأخذ.

ز ـ لو كان للولد المعسر ، أو الزوجة الفقيرة ، أو الأب الفقير والد أو زوج أو ولد موسرون ، وكلّ منهم ينفق على من تجب عليه لم يجز دفع الزكاة إليهم ، لأنّ الكفاية حصلت لهم بما يصلهم من النفقة الواجبة ، فأشبهوا من له عقار يستغني بأجرته.

وإن لم ينفق أحد منهم وتعذّر ذلك جاز الدفع إليهم ، كما لو تعطّلت منفعة العقار.

مسألة ١٦٥ : ويعطى من ادّعى الفقر إذا لم يعلم كذبه‌ سواء كان قويّا قادرا على التكسب أو لا ، ويقبل قوله من غير يمين سواء كان شيخا ضعيفا أو شابا ضعيف البنية أو زمنا أو كان سليما قويّ البنية جلدا ، وهو أحد وجهي الشافعية (٢) ، لأنّ رجلين أتيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقسّم الصدقة ، فسألاه شيئا منها ، فصعّد بصره فيهما وصوّبه (٣) ، وقال لهما : ( إن شئتما أعطيتكما ولا حظّ فيها لغني ولا ذي قوة مكتسب ) (٤) ودفع إليهما ولم يحلّفهما.

والثاني للشافعي : أنّه يحلف إن كان قويّا في بنيته ظاهرة الاكتساب ، لأنّ‌

__________________

(١) انظر : المعتبر : ٢٧٨ ، والكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ١.

(٢) الام ٢ : ٧٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٧ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ ـ ١٥٢.

(٣) صوّبه : خفضه. النهاية لابن الأثير ٣ : ٥٧.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١١٨ ـ ١٦٣٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ١١٩ ـ ٧ ، سنن النسائي ٥ : ٩٩ ـ ١٠٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٤ ، مسند أحمد ٤ : ٢٢٤ و ٥ : ٣٦٢ بتفاوت يسير.

٢٤٤

ظاهره يخالف ما قاله (١).

وليس بجيّد ، لأنّه مسلم ادّعى ممكنا ولم يظهر ما ينافي دعواه.

ولو عرف له مال وادّعى ذهابه ، قال الشيخ : يكلّف البيّنة ، لأنّه ادّعى خلاف الظاهر ، والأصل البقاء (٢) ، وبه قال الشافعي (٣).

والأقرب : أنّه لا يكلّف بيّنة تعويلا على صحة اخبار المسلم. وكذا البحث في العبد لو ادّعى العتق أو الكتابة.

ولو ادّعى حاجة عياله ، فالوجه القبول من غير يمين ، لأنّه مسلم ادّعى أمرا ممكنا ولم يظهر ما ينافي دعواه.

ويحتمل الإحلاف ، لإمكان إقامة البيّنة على دعواه. وللشافعي كالوجهين (٤).

مسألة ١٦٦ : العاملون عليها لهم نصيب من الزكاة‌ وهم السّعاة في جباية الصدقات عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي (٥) ، لقوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) (٦).

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن قوله تعالى ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ) أكلّ هؤلاء يعطى؟ : « إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا » (٧).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، الوجيز ١ : ٢٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥١ ـ ١٥٢.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٧.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢.

(٤) المجموع ٦ : ١٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٢.

(٥) الام ٢ : ٧١ ـ ٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩ ، تفسير الرازي ١٦ : ١١٠.

(٦) التوبة : ٦٠.

(٧) الكافي ٣ : ٤٩٦ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ١٢٨ ، الفقيه ٢ : ٢ ـ ٣ ـ ٤.

٢٤٥

وقال أبو حنيفة : يعطي عوضا واجرة لا زكاة ، لأنّه لا يعطي إلاّ مع العمل ، ولو فرّقها الإمام أو المالك لم يكن له شي‌ء ، والزكاة تدفع استحقاقا لا عوضا ، ولأنّه يأخذها مع الغنى والصدقة لا تحلّ لغني (١).

ولا يلزم من توقّف الإعطاء على العمل سقوط الاستحقاق ، والمدفوع ليس عوضا ، بل استحقاقا مشروطا بالعمل.

ونمنع عدم الدفع إلى الغني مطلقا ، لأنّ العامل لا يأخذ باعتبار الفقر ، وابن السبيل يأخذ وإن كان غنيّا في بلده فكذا هنا.

مسألة ١٦٧ : يجب على الإمام أن يبعث ساعيا في كلّ عام لتحصيل الصدقات من أربابها‌ ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبعثهم في كلّ عام ، فيجب اتّباعه ، ولأنّ تحصيل الزكاة غالبا إنّما يتمّ به ، وتحصيل الزكاة واجب فيجب ما لا يتمّ إلاّ به.

إذا ثبت هذا فينبغي للإمام أن يوصيه كما وصّى أمير المؤمنين عليه‌السلام عامله.

قال الصادق عليه‌السلام : « بعث أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدّقا من الكوفة إلى باديتها ، فقال له : يا عبد الله انطلق وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ، ولا تؤثرنّ دنياك على آخرتك ، وكن حافظا لما ائتمنتك عليه راعيا لحقّ الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان ، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ، ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقوم بينهم فسلّم عليهم ، وقل : يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، فإن أنعم لك منعم منهم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلاّ خيرا.

فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلاّ بإذنه ، فإنّ أكثره له ، فقل له : يا عبد الله‌

__________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٤٤ ، تحفة الفقهاء ١ : ٢٩٩.

٢٤٦

أتأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخل دخول متسلّط عليه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ، ثم خيّره أيّ الصدعين شاء ، فأيّهما اختار فلا تعرّض له ، ثم اصدع الباقي صدعين ، ثم خيّره فأيّهما اختار فلا تعرّض له فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحقّ الله عزّ وجلّ في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقبض حقّ الله منه ، فإن استقالك فأقله ، ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أوّلا حتى تأخذ حقّ الله في ماله ، فإذا قبضته فلا توكل به إلاّ ناصحا شفيقا أمينا حفيظا غير معنف بشي‌ء منها ، ثم احدر ما اجتمع عندك من كلّ ناد إلينا نصيّره حيث أمر الله عزّ وجل.

فإذا انحدر بها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وبين فصيلها ، ولا يفرّق بينهما ، ولا يصرّنّ (١) لبنها فيضرّ ذلك بفصيلها ، ولا يجهد بها ركوبا ، وليعدل بينهن في ذلك ، وليوردهن كلّ ماء يمرّ به ، ولا يعدل بهن عن نبت الأرض إلى جوادّ الطرق في الساعة التي فيها تريح (٢) وتغبق (٣) وليرفق بهنّ جهده حتى تأتينا بإذن الله سحاحا (٤) سمانا غير متعبات ولا مجهدات ، فنقسمهنّ بإذن الله على كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أولياء الله فإنّ ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك ، ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما ينظر الله عزّ وجلّ إلى وليّ له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة لإمامه إلاّ كان معنا في الرفيق الأعلى ».

__________________

(١) الصرار ـ وزان كتاب ـ خرقة تشدّ على أطباء الناقة لئلاّ يرتضعها فصيلها. وأطباء جمع طبي.

وهي لذات الخف والظلف كالثدي للمرأة. المصباح المنير : ٣٣٨ و ٣٦٩.

(٢) الإراحة : ردّ الإبل والغنم من العشي الى مراحها حيث تأوي إليه ليلا. لسان العرب ٢ : ٤٦٤ « روح ».

(٣) الغبوق : الشرب بالعشي. الصحاح ٤ : ١٥٣٥ « غبق ».

(٤) سحت الشاة : اسمنت. وغنم سحاح : أي سمان. الصحاح ١ : ٣٧٣ « سحح ».

٢٤٧

ثم بكى الصادق عليه‌السلام ، وقال لبريد بن معاوية : « يا بريد والله ما بقيت لله حرمة إلاّ انتهكت ، ولا عمل بكتاب الله ولا سنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا العالم ، ولا أقيم في هذا الخلق حدّ منذ قبض الله أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ولا عمل بشي‌ء من الحقّ إلى يوم الناس هذا ».

ثم قال : « أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ، ويميت الأحياء ، ويردّ الحق إلى أهله ، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأبشروا ثم أبشروا ، والله ما الحقّ إلاّ في أيديكم » (١).

مسألة ١٦٨ : إذا تولّى الرجل إخراج الزكاة بنفسه سقط حق العامل منها‌ ، لأنّه إنّما يأخذ بالعمل.

وكذا لو تولّى الإمام أو الوالي من قبله قسمتها لم يستحق شيئا ، لأنّه يأخذ رزقه من بيت المال ، لأنّه يتولّى أمور المسلمين ، وهذا من جملة المصالح.

أمّا الساعي فإن رأى الإمام أن يجعل له اجرة من بيت المال لم يستحق شيئا من الصدقة ، وإن لم يجعل له شيئا كان له نصيب من الزكاة.

ويتخيّر الإمام بين أن يستأجره لمدّة معلومة بأجرة معلومة ، أو يعقد له جعالة ، فإذا عمل ما شرط عليه ، فإن كان أجر مثله أقلّ كان الفاضل من الثمن من الصدقة مردودا على أهل السّهمان ، وإن كان السهم أقلّ من أجرته جاز للإمام أن يعطيه الباقي من بيت المال ، لأنّه من المصالح ، وهو أحد قولي الشافعي (٢).

ويجوز أن يعطيه من باقي الصدقة ويقسّم الفاضل عن أجرته بين باقي المستحقين ، لأنّ الفاضل لمّا ردّ عليهم كان الناقص عليهم ، وهو القول الثاني للشافعي (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٦ ـ ٥٣٨ ـ ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ ـ ٩٧ ـ ٢٧٤.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

٢٤٨

وله ثالث : تخيير الإمام بينهما (١) كما قلناه.

وله رابع : أنّه يأخذ من سهم المصالح إذا لم يفضل عن أهل السّهمان فضل ، وإن فضل أخذ من الصدقة (٢).

والوجه : أنّه لا يشترط تقدير الأجرة أو السهم ، لأنّ له نصيبا بفرضه تعالى ، فلا يشترط في استعماله غيره.

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله الحلبي ما يعطى المصدّق؟ قال : « ما يرى الإمام ، ولا يقدّر له شي‌ء » (٣).

مسألة ١٦٩ : والْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ لهم نصيب من الزكاة‌ بالنص والإجماع ، وهم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإسهام وإن كانوا كفّارا ، وحكمهم باق عند علمائنا ـ وبه قال الحسن البصري والزهري وأحمد ، ونقله الجمهور عن الباقر عليه‌السلام (٤) ـ للآية (٥) ، فإنّه تعالى سمّى المؤلّفة في الأصناف الذين سمّى الصدقة لهم.

وروى زياد بن الحارث الصدائي ، قال : أتيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبايعته ، قال : فأتاه رجل فقال : أعطني من الصدقة ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إنّ الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزّأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك ) (٦).

ومن طريق الخاصة : رواية سماعة ، قال : سألته عن الزكاة لمن يصلح‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٨ ، المجموع ٦ : ١٨٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥٦٣ ـ ١٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٨ ـ ٣١١.

(٤) المغني ٢ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٥) التوبة : ٦٠.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١١٧ ـ ١٦٣٠ ، سنن البيهقي ٤ : ١٧٤ و ٧ : ٦.

٢٤٩

أن يأخذها؟ قال : هي محلّلة للّذين وصف الله في كتابه ( لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) (١) الحديث (٢).

وقال الشعبي ومالك والشافعي وأصحاب الرأي : انقطع سهم المؤلّفة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنّ الله تعالى أعزّ الإسلام ، وأغناه عن أن يتألّف عليه رجال فلا يعطى مشرك تألّفا بحال. وروي هذا عن عمر (٣).

وهو مدفوع بالآية (٤) ، وبعمل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن مات ، ولا يجوز ترك الكتاب والسنّة إلاّ بنسخ ، والنسخ لا يثبت بعد موته عليه‌السلام ، فلا يجوز ترك الكتاب والسنّة بمجرّد الآراء والتحكّم ، ولا بقول صحابي.

على أنّهم لا يعملون بقول الصحابي إذا عارض القياس فكيف إذا عارض الكتاب والسنّة! قال الزهري : لا أعلم شيئا نسخ حكم المؤلّفة (٥).

على أنّ ما ذكروه لا يعارض حكم الكتاب والسنّة ، فإنّ الاستغناء عنهم لا يوجب رفع حكمهم ، وإنّما يمنع عطيّتهم حال الغنى عنهم ، فإذا دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا ، كما أنّ باقي الأصناف إذا عدم منهم صنف في زمان سقط حكمه في ذلك الزمان ، فإذا وجد عاد حكمه.

قال الشيخ : يجوز للإمام القائم مقام النبي عليه‌السلام أن يتألّف‌

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٦٠ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٤٨ ـ ١٢٧.

(٣) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٤ ، التفريع ١ : ٢٩٨ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٥٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٥ ، المغني ٢ : ٥٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٣ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٤٥.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) المغني ٢ : ٥٢٦.

٢٥٠

الكفّار ، ويعطيهم سهمهم الذي سمّاه الله تعالى ، ولا يجوز لغير الإمام القائم مقامه عليه‌السلام ذلك ، وسهم المؤلّفة مع سهم العامل ساقط اليوم (١).

مسألة ١٧٠ : قال الشيخ : المؤلّفة عندنا هم : الكفّار الذين يستمالون بشي‌ء من الصدقات إلى الإسلام‌ يتألّفون ليستعان بهم على قتال المشركين ، ولا يعرف أصحابنا مؤلّفة أهل الإسلام (٢).

وقال المفيد : المؤلّفة ضربان : مسلمون ومشركون (٣) ، وبه قال الشافعي (٤).

وهو الأقوى عندي ، لوجود المقتضي وهو المصلحة الناشئة من الاجتماع والكثرة على القتال.

وقسّم الشافعي المؤلّفة قسمين : مشركون ومسلمون (٥) ، فالمشركون ضربان : أحدهما : من له نيّة حسنة في الإسلام والمسلمين فيعطى من غير الصدقة ، بل من سهم المصالح لتقوى نيّتهم في الإسلام فيميلون إليه فيسلمون.

لما روي أنّ صفوان بن أميّة لمّا أعطاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة خرج معه إلى هوازن ، واستعار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منه ثلاثين درعا ، وكانت أوّل الحرب على المسلمين ، فقال قائل : غلبت هوازن وقتل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال صفوان : بفيك الحجر ، لربّ من قريش أحب إلينا‌

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٩.

(٢) المبسوط للطوسي ١ : ٢٤٩.

(٣) حكاه عنه المحقق في المعتبر : ٢٧٩.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ ، الوجيز ١ : ٢٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٤.

(٥) رفعهما بناء على تقدير مبتدأ محذوف.

٢٥١

من ربّ من هوازن (١).

ولمّا أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العطايا ، قال صفوان : ما لي ، فأومأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى واد فيه إبل محمّلة ، فقال : ( هذا لك ) فقال صفوان : هذا عطاء من لا يخشى الفقر (٢).

الثاني : مشركون لم يظهر منهم ميل إلى الإسلام ، ولا نيّة حسنة في المسلمين لكن يخاف منهم ، فإن أعطاهم كفّوا شرّهم وكفّ غيرهم معهم.

روى ابن عباس أنّ قوما كانوا يأتون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وقالوا : هذا دين حسن ، وإن منعهم ذمّوا وعابوا (٣).

فهذان الضربان هل يعطون بعد موت النبي عليه‌السلام؟ قولان :

أحدهما : يعطون ، لأنّه عليه‌السلام أعطاهم ، ومعنى العطاء موجود.

والثاني : لا يعطون ، لأنّ مشركا جاء إلى عمر يلتمس المال فلم يعطه ، وقال : من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (٤) ، ولأنّه تعالى أظهر الإسلام وقمع المشركين ، فلا حاجة بنا إلى ذلك.

فإن قلنا : يعطون ، فإنّهم يعطون من سهم المصالح لا من الزكاة ، لأنّها لا تصرف إلى المشركين.

وهو ممنوع ، للآية (٥).

وأما المؤلّفة من المسلمين فعلى أربعة أضرب :

ضرب أشراف مطاعون ، علم صدقهم في الإسلام ، وحسن نيّتهم فيه ، إلاّ أنّ لهم نظراء من المشركين إذا أعطوا رغب نظراؤهم في الإسلام‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٧ : ١٨ ـ ١٩ نحوه.

(٢) أورده ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٣) عنه في الدرّ المنثور ـ للسيوطي ـ ٣ : ٢٥١ ، والمغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٤) ذكره ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣١٩ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

(٥) التوبة : ٦٠. وقوله : ( وهو ممنوع .. ) جواب من المصنف عن الشافعي.

٢٥٢

فهؤلاء يعطون ، لأنّ النبي عليه‌السلام أعطى عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر (١) مع ثباتهم وحسن نيّتهم.

وضرب أشراف مطاعون في قومهم نيّاتهم ضعيفة في الإسلام إذا أعطوا رجي حسن نيّاتهم وثباتهم فإنّهم يعطون ، لأنّه عليه‌السلام أعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل ، وأعطى صفوان بن أمية مائة ، وأعطى الأقرع بن حابس مائة ، وأعطى عيينة مائة ، وأعطى العباس بن مرداس أقلّ من مائة ، فاستعتب فتمّم المائة (٢).

وهل يعطون بعد النبي عليه‌السلام؟ قولان :

أحدهما : المنع ـ وبه قال أبو حنيفة (٣) ـ لظهور الإسلام ، ولأنّ أحدا من الخلفاء لم يعط شيئا من ذلك.

والثاني : يعطون ، لأنّ النبي عليه‌السلام أعطى ، وأعطى أبو بكر عدي ابن حاتم ـ وقد قدم عليه بثلاثمائة جمل من إبل الصدقة ـ ثلاثين بعيرا (٤).

وحينئذ هل يعطون من الصدقات من سهم المؤلّفة ، للآية ، أو من سهم المصالح ، لأنّه منها؟ قولان.

الضرب الثالث : قوم من المسلمين أعراب أو عجم في طرف من أطراف المسلمين لهم قوة وطاقة بمن يليهم من المشركين ، فإذا جهّز الإمام إليهم جيشا لزمه مئونة ثقيلة ، وإذا أعطى من يقربهم من أصحاب القوّة والطاقة أعانوهم ودفعوا المشركين.

__________________

(١) نقله أبو إسحاق الشيرازي في المهذب ١ : ١٧٩.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٧٣٧ ـ ١٠٦٠ ، سنن البيهقي ٧ : ١٧ ، أسد الغابة ٣ : ١١٢ ـ ١١٣.

(٣) المبسوط للسرخسي ٣ : ٩ ، اللباب ١ : ١٥٣ ، الميزان للشعراني ٢ : ١٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٥.

(٤) سنن البيهقي ٧ : ١٩ ـ ٢٠ ، وذكره أيضا ابنا قدامة في المغني ٧ : ٣٢٠ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٩٣.

٢٥٣

والضرب الرابع : مسلمون من الأعراب أو غيرهم في طرف من أطراف الإسلام بإزائهم قوم من أهل الصدقات لا يؤدّون الزكاة إلاّ خوفا من هؤلاء الأعراب ، فإن أعطاهم الإمام جبوها وحملوها إليه ، وإن لم يعطهم لم يفعلوا ذلك ، واحتاج الإمام إلى مئونة ثقيلة في إنفاذ من يحصّلها ، فإنّه يعطيهم.

ومن أين يعطيهم؟ أربعة أقوال :

الأول : من سهم المؤلّفة من الصدقة ، لأنّهم يتألّفون على ذلك.

الثاني : من سهم الغزاة ، لأنّهم غزاة أو في معناهم.

الثالث : من سهم المصالح ، لأنّ هذا في مصالح المسلمين.

الرابع : من سهم المؤلّفة ، وسهم الغزاة من الصدقة.

واختلف أصحابه في هذا القول ، فقال بعضهم : إنّما أعطاهم من السهمين بناء على جواز أخذ من اجتمع فيه سببان بهما ، وعلى المنع لا يعطون منهما.

وقال آخرون : يعطون من السهمين ، لأنّ معناهما واحد وهو أنّه يعطى منهما ، لحاجتنا إليهم وهم المؤلّفة والغزاة ، بخلاف أن يكون فقيرا وغازيا ، لاختلاف السببين.

وقال آخرون : إنّه أراد أنّ بعضهم يعطى من سهم الغزاة وهم الذين يغزون منهم ، وبعضهم من سهم المؤلّفة وهم الذين ألّفوا على استيفاء الزكاة (١).

قال الشيخ : وهذا التفصيل لم يذكره أصحابنا ، غير أنّه لا يمتنع أن نقول : إنّ للإمام أن يتألّف هؤلاء القوم ويعطيهم إن شاء من سهم المؤلّفة ، وإن شاء من سهم المصالح ، لأنّ هذا من فرائض الإمام ، وفعله حجّة ، وليس يتعلق علينا في ذلك حكم اليوم ، وفرضنا تجويز ذلك والشك فيه وعدم القطع‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ١٩٨ ـ ١٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٤ ـ ١٥٦.

٢٥٤

بأحد الأمرين (١).

مسألة ١٧١ : والرقاب من جملة الأصناف المعدودة في القرآن‌ ، وأجمع المسلمون عليه ، واختلفوا في المراد.

فالمشهور عند علمائنا : أنّ المراد به صنفان : المكاتبون يعطون من الصدقة ، ليدفعوه في كتابتهم. والعبيد تحت الشدّة يشترون ويعتقون ، لقوله تعالى ( وَفِي الرِّقابِ ) (٢) وهو شامل لهما ، فإنّ المراد إزالة رقّيته.

وشرطنا في الثاني الضرّ والشدّة ، لما روي عن الصادق عليه‌السلام في الرجل يجتمع عنده الزكاة يشتري بها نسمة ويعتقها ، فقال : « إذن يظلم قوما آخرين حقوقهم ـ ثم قال ـ إلاّ أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه ويعتقه » (٣).

والجمهور رووا المكاتبين عن علي عليه‌السلام (٤) ، والعبد يشترى ابتداء عن ابن عباس (٥).

وروى علماؤنا ثالثا وهو : أنّ من وجب عليه كفّارة في عتق في ظهار وشبهه ولم يجد ما يعتق جاز أن يعطى من الزكاة ما يشتري به رقبة ويعتقها في كفارته.

لرواية علي بن إبراهيم بن هاشم في تفسيره عن العالم عليه‌السلام : « ( وَفِي الرِّقابِ ) قوم لزمتهم كفّارات في قتل الخطأ أو الظهار أو الأيمان وليس عندهم ما يكفّرون جعل الله لهم سهما في الصدقات ليكفّر عنهم » (٦).

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٠.

(٢) التوبة ٦٠ :.

(٣) الكافي ٣ : ٥٥٧ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ ـ ٢٨٢.

(٤) المجموع ٦ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩٦٧.

(٥) المغني ٧ : ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٥ ، المجموع ٦ : ٢٠٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، والدرّ المنثور للسيوطي ٣ : ٢٥٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ٥٠ ـ ١٢٩ ، وتفسير القمي ١ : ٢٩٩.

٢٥٥

قال الشيخ : والأحوط عندي أن يعطى ثمن الرقبة لكونه فقيرا فيشتري هو ويعتق عن نفسه (١). وهو جيد.

ولو لم يوجد مستحق جاز شراء العبد من الزكاة وعتقه وإن لم يكن في ضرّ وشدّة ، وعليه فقهاؤنا.

لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن رجل أخرج زكاة ماله فلم يجد لها موضعا يدفعها إليه فنظر مملوكا يباع فاشتراه بها فأعتقه فهل يجوز ذلك؟

قال : « نعم » (٢).

وقال الشافعي : المراد بقوله تعالى ( وَفِي الرِّقابِ ) المكاتبون خاصة يعطيهم من الصدقة ليدفعوه في كتابتهم (٣) ـ ورووه عن علي عليه‌السلام ، وهو مذهب سعيد بن جبير والنخعي والليث بن سعد والثوري وأصحاب الرأي ـ لأنّ مقتضى الآية الدفع إليهم بدليل قوله ( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) يريد الدفع إلى المجاهدين ، فكذا هنا (٤).

وهو لا يمنع ما قلناه.

وقال مالك : المراد به أن يشتري العبيد من الصدقة ويبتدئ عتقهم ـ ورووه عن ابن عباس والحسن البصري ، وبه قال أحمد وإسحاق ، ولم يشرطوا الشدة ـ لقوله تعالى ( وَفِي الرِّقابِ ) والرقبة إذا أطلقت انصرفت إلى القنّ كقوله تعالى ( فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ) (٥) (٦).

ونمنع الحصر.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٥٧ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٠ ـ ٢٨١.

(٣) في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : ( كتابته ) وما أثبتناه من الطبعة الحجرية.

(٤) الام ٢ : ٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٠ ـ ٢٠١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، المغني ٧ : ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٥ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٩.

(٥) النساء : ٩٢.

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٤ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩٦٧ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٨٣ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٨ ، المغني ٧ : ٣٢١ و ٣٢٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٩٤ و ٦٩٥.

٢٥٦

وأجاب الشافعيّة : بأنّ الزكاة يعود نفعها حينئذ إلى المعطي ويثبت له الولاء.

ونمنع اختصاص النفع بالمعطي وثبوت الولاء للمعتق على ما يأتي.

مسألة ١٧٢ : والغارمون لهم سهم من الصدقات‌ بالنص والإجماع ، وهم : المدينون في غير معصية ، ولا خلاف في صرف الصدقة إلى من هذا سبيله.

ولو استدان للمعصية لم يقض عند علمائنا أجمع ـ وبه قال أبو علي بن أبي هريرة من الشافعية (١) ـ لأنّه دين استدانه للمعصية فلا يدفع إليه ، كما لو لم يثبت ، ولما فيه من الإغراء بالمعصية ، إذ الفاسق إذا عرف أنّه يقضى عنه ما استدانه في معصية أصرّ على ذلك ، فيمنع حسما لمادّة الفساد.

ولقول الرضا عليه‌السلام : « يقضى ما عليه من سهم الغارمين إذا كان أنفقه في طاعة الله عزّ وجلّ ، وإن كان أنفقه في معصية الله فلا شي‌ء له على الإمام » (٢).

وقال أبو إسحاق من الشافعية : يدفع إليه (٣) ، لأنّه لو كان قد أتلف ماله في المعاصي وافتقر دفع إليه من سهم الفقراء ، وكذلك إذا خرج في سفر معصية ، ثم أراد أن يرجع دفع إليه من سهم ابن السبيل.

والفرق : أنّ متلف ماله يعطى للحاجة في الحال ، وهنا يراعى الاستدانة في الدين وكان للمعصية ، فافترقا.

__________________

(١) قال النووي في المجموع ٦ : ٢٠٨ : فإن تاب فهل يعطى؟ .. أصحّهما : لا يعطى ، وبه قال أبو علي بن أبي هريرة.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥٥ ـ ٥٢٠.

(٣) المجموع ٦ : ٢٠٨ ، وفيه بعد عنوان التوبة.

٢٥٧

فروع :

أ ـ لو لم يعلم فيما ذا أنفقه ، قال الشيخ : يمنع (١) ، لأنّ رجلا من أهل الجزيرة يكنّى أبا محمد سأل الرضا عليه‌السلام ، قلت : فهو لا يعلم فيما ذا أنفقه في طاعة أو معصية؟ قال : « يسعى في ماله فيردّه عليه وهو صاغر » (٢).

ولأنّ الشرط ـ وهو الإنفاق في الطاعة ـ غير معلوم.

وقال أكثر علمائنا : يعطى ، بناء على أنّ ظاهر تصرفات المسلم إنّما هو على الوجه المشروع دون المحرّم. ولأنّ تتبّع مصارف الأموال عسر فلا يقف دفع الزكاة على اعتباره. وفي سند الرواية ضعف (٣).

ب ـ لو أنفقه في معصية وتاب احتمل جواز الدفع وعدمه.

وقال الشيخ : يدفع إليه من سهم الفقراء إن كان منهم لا من سهم الغارمين (٤). وهو حسن.

ج ـ لو كان المدفوع كلّ الدين جاز للإمام أن يدفعه إلى الغرماء ، لأنّه قد استحقّ عليه الدفع فناب عنه ، ولو كان لا يفي وأراد أن يتّجر به دفع إليه ، لما فيه من المصلحة.

مسألة ١٧٣ : الغارمون صنفان : أحدهما : من استدان في مصلحته ونفقته في غير معصية ، وعجز عن أدائه ، وكان فقيرا ، فإنّه يأخذ من سهم الغارمين إجماعا ليؤدّي ذلك.

وإن كان غنيّا لم يجز أن يعطى عندنا ، وهو أحد قولي الشافعي ، و (٥) لأنّه‌

__________________

(١) النهاية : ٣٠٦ ، وفيه : لم يجب عليه القضاء عنه. وحكى المحقق في المعتبر : ٢٨٠ عنه هكذا : لا يقضى عنه.

(٢) تفسير العياشي ١ : ١٥٥ ـ ٥٢٠.

(٣) منهم : ابن إدريس في السرائر : ١٦٢ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٨٠ ، والفاضل الآبي في كشف الرموز ١ : ٢٥٤.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥١.

(٥) كذا في جميع النسخ الخطية والطبعة الحجرية ، والظاهر زيادة حرف الواو.

٢٥٨

يأخذ لا لحاجتنا إليه ، فاعتبر فقره كالمكاتب وابن السبيل.

والثاني : يأخذ لعموم الآية (١) (٢).

الثاني : من تحمّل حمالة لإطفاء الفتنة ، وسكون ( نائرة ) (٣) الحرب بين المتقاتلين وإصلاح ذات البين ، وهو قسمان :

أحدهما : أن يكون قد وقع بين طائفتين فتنة لقتل وجد بينهما فيتحمّل رجل ديته لإصلاح ذات البين ، فهذا يدفع إليه من الصدقة ليؤدّي ذلك ، لقوله تعالى ( وَالْغارِمِينَ ) (٤).

ولا فرق بين أن يكون غنيّا أو فقيرا ، لقوله عليه‌السلام : ( لا تحلّ الصدقة لغني إلاّ لخمس : غاز في سبيل الله ، أو عامل عليها ، أو غارم .. ) (٥).

ولأنّه إنّما يقبل ضمانه وتحمّله إذا كان غنيّا فيه حاجة إلى ذلك مع الغنى ، فإن أدّى ذلك من ماله لم يكن له أن يأخذ ، لأنّه قد سقط عنه الغرم.

وإن كان قد استدان وأدّاها جاز أن يعطى من الصدقة ، ويؤدّي الدين لبقاء الغرم والمطالبة.

الثاني : أن يكون سبب الفتنة إتلاف مال ولا يعلم من أتلفه ، وخشي من الفتنة ، فتحمّل ذلك المال حتى سكنت النائرة ، فإنّه يدفع إليه من سهم الغارمين ، لصدق اسم الغرم عليه ، وللحاجة إلى إصلاح ذات البين ، وهو أصحّ وجهي الشافعيّة.

__________________

(١) التوبة : ٦٠.

(٢) الأم ٢ : ٧٢ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٥٩ ، الحاوي الكبير ٨ : ٥٠٨.

(٣) في « ن » : ثائرة بدل نائرة.

(٤) التوبة : ٦٠.

(٥) مصنّف عبد الرزاق ٤ : ١٠٩ ـ ١٧٥١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٩٠ ـ ١٨٤١ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٩ ـ ١٦٣٥ ، موطّإ مالك ١ : ٢٦٨ ـ ٢٩ ، ومسند أحمد ٣ : ٥٦.

٢٥٩

والثاني : لا يدفع ، لأنّ النائرة إنّما تدفع بسبب الدم في العادة ، وما يتعلّق بالدم لا يتعلّق بإتلاف المال كالكفارة (١). وهو ممنوع.

مسألة ١٧٤ : لسبيل الله سهم في الصدقة‌ بالنص والإجماع ، واختلف قول الشيخ في معناه.

ففي بعض أقواله : أنه الجهاد (٢) يصرف إلى الغزاة الذين يغزون إذا نشطوا ، وهم غير الجند المقرّرين الذين هم أهل الفي‌ء ـ وبه قال الشافعي ومالك وأبو حنيفة (٣) ـ لأنّ العرف في ذلك الغزاة ، لقوله تعالى في عدّة مواضع ( يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٤) يريد الجهاد فوجب حمله عليه.

وفي البعض الآخر : أنّه أعمّ من ذلك ، وهو كلّ مصلحة وقربة إلى الله تعالى ، فتدخل فيه الغزاة ومعونة الحاج وقضاء الديون عن الحي والميت وبناء القناطر وعمارة المساجد وجميع المصالح (٥).

وهو أولى ، لأنّ السبيل هو الطريق ، فإذا أضيف إلى الله تعالى كان عبارة عن كلّ ما يتوسّل به إلى ثوابه.

ولقول العالم عليه‌السلام : « وفي سبيل الله قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون ، وقوم مؤمنون ليس لهم ما يحجّون به ، وفي جميع سبل الخير » (٦).

وقال أحمد : يجوز أن يصرف ذلك في الحج فيدفع إلى من يريد الحج‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٧٩ ، المجموع ٦ : ٢٠٧.

(٢) النهاية : ١٨٤ ، الجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٦.

(٣) الام ٢ : ٧٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٨٠ ، المجموع ٦ : ٢١٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٦١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١١٤ ، تفسير القرطبي ٨ : ١٨٥ ، أحكام القرآن لابن العربي ٢ : ٩٦٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ١٠.

(٤) التوبة : ١١١ ، والمزّمّل : ٢٠.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٥٢ ، الخلاف ، كتاب قسم الصدقات ، المسألة ٢١.

(٦) التهذيب ٤ : ٤٩ ـ ٥٠ ـ ١٢٩ ، تفسير القمي ١ : ٢٩٩.

٢٦٠