تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

وإن كان الظاهر مع الساعي مثل أن يدّعي إبدال النصاب أو أنّه باعه ثم اشتراه ، أو ادّعى أنّه كان وديعة ستة أشهر ثم ملكه ، أو ادّعى دفع الزكاة إلى غير هذا الساعي فإنّ الأصل عدم ما ذكره إلاّ أنّ القول قوله ، لأنّه أمين.

وفي وجوب اليمين وجهان : الوجوب ، لأنّه خلاف الظاهر ، وليس بجيّد ، لما تقدّم ، وعدمه بل هي استظهار مستحب.

فعلى الأول لو امتنع طولب بالزكاة ولا يحلف الساعي ، لأنّه نائب عن الفقراء ، والنائب كالوكيل لا يحلف ، ولا يمكن إحلاف الفقراء ، لعدم تعيّنهم قبل الدفع.

ثم اعترض على نفسه : بأنّ الحكم لا يثبت بالنكول وقد ثبت هنا.

وأجاب : بأنّ الحكم ليس بالنكول بل بوجود النصاب في يده حولا ، وإنّما يقبل قوله مع يمينه في إسقاطها ، فإذا لم يحلف أخذ منه بالسبب المتقدّم ، كما لو امتنعت من اللعان (١) حدّت بلعان الزوج لا بنكولها.

وعلى الثاني : إذا امتنع لم يطالب بالزكاة (٢).

تذنيب : لو شهد عليه عدلان ببقاء عين النصاب أو بإقراره بما ينافي دعواه المسقطة للزكاة سمعت والزم بالزكاة.

مسألة ١٣٤ : لو عزل الزكاة فتلفت قبل أن يسلّمها إلى أهلها‌ إمّا المستحق أو الإمام أو الساعي ، فإن كان بعد إمكان الأداء ضمن ولم تسقط عنه ، ووجبت عليه شاة أخرى لا قيمة التالفة وإن كانت أزيد.

وإن كان قبل إمكان الأداء فالوجه عندي السقوط ، وبه قال مالك (٣) ،

__________________

(١) يعني : كما في اللعان إذا لا عن الزوج ، لزم المرأة حدّ الزنا ، فإن لاعنت سقط ، وان امتنعت لزمها الحدّ لا بامتناعها بل بلعان الزوج. انظر : الهامش التالي.

(٢) المجموع ٦ : ١٧٤.

(٣) بداية المجتهد ١ : ٢٤٨ ، مقدمات ابن رشد ١ : ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

٢٠١

لأنّها أمانة في يده فإذا تلفت لم يضمن كالساعي ، ولأنّه حقّ يتعيّن بتعيينه ، فإذا تلف لم ينتقل إلى غيره ، لأصالة البراءة.

وقال الشافعي : لا تسقط (١) ، لأنّ المال في يده مشترك فلا يتميّز حقّ غيره بفعله كالمشترك.

والأولى ممنوعة ، نعم على تقدير قوله بأنّ إمكان الأداء شرط في الوجوب يسقط الفرض ، وعلى تقدير أنّه شرط الضمان يسقط بقدر ما تلف ، ووجب الباقي.

مسألة ١٣٥ : لو كان عنده أجناس مختلفة يقصر كلّ منها عن النصاب لم تجب الزكاة‌ وإن كانت لو جمعت زادت ـ عند علمائنا أجمع ـ سواء في ذلك المواشي والغلاّت والنقدان.

وقد وقع الاتّفاق على عدم ضمّ جنس إلى جنس آخر في غير الحبوب والأثمان.

فالماشية ثلاثة أجناس : الإبل والبقر والغنم لا يضمّ جنس منها إلى الآخر ، والأثمار لا يضمّ جنس إلى غيره فلا يضمّ التمر إلى الزبيب ، ولا تضم الأثمان إلى شي‌ء من السائمة ولا من الحبوب والاثمار.

ولا خلاف في أنّ أنواع الأجناس يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب ، ولا خلاف في أنّ العروض للتجارة والأثمان لها يضمّ بعضها إلى بعض إلاّ أنّ الشافعي لا يضمّها [ إلاّ ] (٢) إلى جنس ما اشتريت به ، لأنّ نصابها معتبر به (٣).

واختلف الجمهور في ضمّ الحبوب بعضها إلى بعض ، وفي ضمّ أحد النقدين إلى الآخر.

__________________

(١) حلية العلماء ٣ : ١٤٦.

(٢) زيادة أثبتناها من المصدر.

(٣) المغني ٢ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩.

٢٠٢

فعن أحمد ثلاث روايات : إحداها كقولنا بعدم الضمّ مطلقا ، ويعتبر النصاب في كلّ جنس منها ـ وبه قال عطاء ومكحول وابن أبي ليلى والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح بن حي وشريك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي. لأنّها أجناس فاعتبر النصاب في كلّ جنس منها منفردا كالثمار والمواشي (١).

وقال عكرمة وأحمد ـ في رواية ـ وحكاه ابن المنذر عن طاوس : إنّ الحبوب كلّها يضمّ بعضها إلى بعض في إكمال النصاب (٢) ـ قال أبو عبيد : لا نعلم أحدا من الماضين جمع بينهما إلاّ عكرمة (٣) ـ لقوله عليه‌السلام : ( لا زكاة في حب ولا تمر حتى يبلغ خمسة أوسق ) (٤).

وقال مالك والليث وأحمد في رواية : يضمّ الحنطة إلى الشعير ، والقنطيّات (٥) بعضها إلى بعض (٦).

وفي ضم الذهب إلى الفضة عن أحمد روايتان ، فعلى الضمّ يؤخذ من كل جنس على قدر ما يخصّه ، ولا يؤخذ من جنس عن غيره إلاّ الذهب والفضة فإنّ في إخراج أحدهما عن الآخر روايتين (٧).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٩١ ـ ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، المجموع ٥ : ٥١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٧٥.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، المجموع ٥ : ٥١٣.

(٣) الأموال لأبي عبيد : ٤٧٥ ، المغني ٢ : ٥٩٢.

(٤) أورده كما في المتن ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٩٢ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٥٩ ، وانظر أيضا : سنن البيهقي ٤ : ١٢٨.

(٥) القطنيات ، جمع ، واحدتها : قطنية بكسر القاف ، وهي : الحبوب التي تدّخر كالحمّص والعدس ونحوهما. لسان العرب ١٣ : ٣٤٤ « قطن ».

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٣٤٨ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، المغني ٢ : ٥٩٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٠ ، المجموع ٥ : ٥١٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٧٤.

(٧) المغني ٢ : ٥٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦١.

٢٠٣
٢٠٤

المقصد الثالث

فيما تستحب فيه الزكاة‌

وفيه فصلان :

الأوّل : في مال التجارة.

وفيه بحثان :

الأوّل : في تحقيق ماهية مال التجارة.

مسألة ١٣٦ : مال التجارة هو المملوك بعقد معاوضة للاكتساب عند التملّك‌ ، فقصد التجارة لا بدّ منه فلو لم يقصده أو قصد القنية ابتداء أو انتهاء لم يصر مال تجارة ، ولا يكفي مجرّد النيّة دون الشراء.

واقتران القصد بالملك (١) ، فلو كان يملك عرضا لقنيته فقصد التجارة بعد ذلك لم يصر للتجارة ، ولم ينعقد الحول عليه ـ وبه قال الشافعي وأحمد في رواية (٢) ـ لأنّ الأصل القنية ، والتجارة عارض فلم ينصرف إليها بمجرّد النيّة كما لو نوى الحاضر السفر لم يثبت له حكم بدون الفعل.

__________________

(١) يعني : لا بدّ من اقتران القصد بالملك أيضا.

(٢) الأم ٢ : ٤٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٨ ـ ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١.

٢٠٥

وعن أحمد رواية : أنّ العرض يصير للتجارة بمجرّد النية ، لقول سمرة : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نخرج الصدقة ممّا يعدّ للبيع (١) ، وبالنيّة يصير معدّا للبيع (٢).

وليس بجيّد ، فإنّ النزاع وقع في أنّ المنويّ هل هو معدّ للبيع أم لا؟

وفي وجه للشافعي : أنّه يصير بالقصد مال التجارة كما لو كان عنده عرض للتجارة فنوى جعله للقنية فإنّه يصير للقنية (٣).

والفرق ما تقدّم من أنّ الأصل الاقتناء ، والتجارة عارضة ، وبمجرّد النيّة يعود حكم الأصل ، ولا يزول حكم الأصل بمجرّدها.

مسألة ١٣٧ : ويشترط أن يملكه بفعله‌ إجماعا ، فلو انتقل إليه بميراث لم يكن مال تجارة.

ويشترط أن يملكه بعوض عندنا ـ وبه قال الشافعي (٤) ـ فلو قصد التجارة عند الاتّهاب أو الاصطياد أو الاحتشاش أو الاغتنام أو قبول الوصية ، لم يصر مال التجارة.

وكذا لو قصد التجارة عند الردّ بالعيب أو الاسترداد حتى لو اشترى عرضا للقنية بمثله ثمّ ردّ ما اشتراه بعيب أو ردّ عليه ما باعه فأخذه (٥) على قصد التجارة لم يصر مال تجارة.

لقول الصادق عليه‌السلام : « إن أمسك التماس الفضل على رأس ماله‌

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ ـ ١٥٦٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ٩.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣١.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤١ ـ ٤٢ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٠ ، وهو قول الكرابيسي من الشافعية.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٦ ، المجموع ٦ : ٤٨ و ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٢ و ٤٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩.

(٥) في « ط ، ف » والطبعة الحجرية : فأخذ. وما أثبتناه من « ن ».

٢٠٦

فعليه الزكاة » (١) وهو يدلّ على اعتبار رأس المال فيه.

ولأنّ القصد بالتجارة الاكتساب ، ولا يتحقّق المعنى إلاّ إذا كان للسلعة رأس مال ، ولأنّه لم يملكه بعوض فأشبه الموروث.

وقال بعض الجمهور : لا فرق بين أن يملكه بعوض أو بغيره ، لأنّه ملكه بفعله فأشبه ما لو ملكه بعوض (٢).

والفرق ظاهر.

إذا ثبت هذا ، فإن كان عنده ثوب قنية فاشترى به عبدا للتجارة ، ثمّ ردّ الثوب بعيب انقطع حول التجارة ، ولا يكون الثوب مال تجارة ، لأنّه لم يكن مال تجارة حتى يعود عند انقطاع البيع على ما كان عليه.

ولو كان عنده ثوب للتجارة فباعه بعبد للقنية ، ثم ردّ عليه الثوب بالعيب لم يكن مال تجارة ، لأنّ قصد القنية قطع حول التجارة.

مسألة ١٣٨ : يشترط كونها معاوضة محضة‌ ، فلو اشترى بنيّة التجارة كان المتاع مال تجارة سواء اشتراه بعرض أو نقد ، وسواء اشتراه بعين أو دين ، وسواء كان الثمن مال قنية أو مال تجارة.

ولو صالح على عرض للتجارة بدين أو عين للقنية أو التجارة صار العوض مال تجارة.

ولو خالع امرأته وقصد التجارة في عرض الخلع ، أو نكحت امرأة ونوت التجارة في الصداق لم يصر مال تجارة ، لأنّ النكاح والخلع ليسا من عقود التجارات والمعاوضات المحضة ، وهو أحد وجهي الشافعي ، وفي الآخر : إنّه مال تجارة ، لأنّه ملك بالمعاوضة فيكتفى به في تعلّق الزكاة كما يكتفى به لثبوت‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٢٧ ( باب الرجل يشتري المتاع فيكسد عليه والمضاربة ) الحديث ١ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٥ ، الاستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٨ ، بتفاوت يسير.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٩.

٢٠٧

الشفعة (١).

والأصل ممنوع.

مسألة ١٣٩ : يشترط الحول في تعلّق زكاة التجارة‌ إجماعا ، فلو ملك مالا للتجارة انعقد عليه الحول من حينئذ ، فإذا تمّ الحول تعلّقت الزكاة به ، لقوله عليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) (٢) وهو عام.

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « إذا حال الحول فليزكّها » وقد سأله محمد بن مسلم عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها (٣).

مسألة ١٤٠ : ويشترط النصاب ـ في الثمن في زكاة التجارة ـ في الحول من أوله إلى آخره‌ ، فلو نقص في الابتداء بأن يشتريه بأقلّ من نصاب ، ثم زاد السعر في أثناء الحول حتى بلغ نصابا أو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب ، ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن يشتري بنصاب ، ثم ينقص السعر في أثناء الحول ، ثم يرتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا ، وبه قال الثوري وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد وابن المنذر والشافعي ـ في قول ـ لأنّه قال : يعتبر الحول فيه والنصاب فيجب اعتبار كمال النصاب في جميع الحول كسائر الأموال التي يعتبر لها ذلك (٤).

وقال أبو حنيفة : يعتبر في أوله لينعقد عليه الحول ، وفي آخره ، لأنّه وقت الوجوب ، ولا يعتبر فيما بينهما ـ وهو قول للشافعي أيضا ـ لأنّ الأسعار‌

__________________

(١) المجموع ٦ : ٤٩ ، فتح العزيز ٦ : ٤٣.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ ـ ١٧٩٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ و ٩١ ـ ١ و ٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٦ ، الإستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٩.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٥ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

٢٠٨

تنخفض وترتفع ويعسر ضبطها ومراقبتها (١).

ونمنع المشقّة ، فإنّ المتاع إن لم يقارب النصاب لم يحتج إلى تقويم لظهور معرفته ، وإن قارب سهل عليه التقويم ، وإلاّ بني على أصالة البقاء لو كان نصابا ، وعدم الزيادة لو قصر.

وقال مالك : إنّه يعتبر في آخر الحول ـ وهو أصح وجوه الشافعي ـ لكثرة اضطراب القيم (٢) ، وقد تقدّم.

مسألة ١٤١ : يشترط وجود رأس المال من أول الحول إلى آخره‌ ، فلو نقص رأس المال ولو حبّة ( في الحول ) (٣) أو بعضه لم تتعلّق الزكاة به ، وإن عادت القيمة (٤) استقبل الحول من حين العود عند علمائنا أجمع ـ خلافا للجمهور (٥) كافة ـ لأنّ الزكاة شرّعت إرفاقا بالمساكين فلا يكون سببا لإضرار المالك فلا يشرع مع الخسران ، ولأنّها تابعة للنماء عندهم وهو منفي مع الخسران.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إن أمسك متاعه ويبتغي رأس ماله فليس عليه زكاة ، وإن حبسه بعد ما وجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس ماله » (٦).

احتجّوا بالعموم. والخاص مقدّم.

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٧٢ ، اللباب ١ : ١٤٩ ، المغني ٢ : ٦٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المجموع ٦ : ٥٥ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠١.

(٣) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق والطبعة الحجرية : ( في أثناء الحول ) وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٤) أي : إذا بلغ رأس المال.

(٥) كما في المعتبر للمحقق الحلّي : ٢٧٣.

(٦) الكافي ٣ : ٥٢٨ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٦٨ ـ ١٨٦ ، الاستبصار ٢ : ١٠ ـ ٢٩.

٢٠٩

البحث الثاني

في الأحكام‌

مسألة ١٤٢ : زكاة التجارة مستحبة غير واجبة‌ عند أكثر علمائنا (١) ، وبه قال ابن عباس وأهل الظاهر كداود وأصحابه ومالك (٢) ، وقال الشافعي : هو القياس (٣) ، لقوله عليه‌السلام : ( عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ) (٤) ولم يفصّل بين ما يكون للتجارة والخدمة.

وقوله عليه‌السلام : ( ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة ) (٥) فلو لا أنّ التجارة تحفظ من الزكاة وتمنع من وجوبها ما دلّهم عليها.

ومن طريق الخاصة : قول الصادق عليه‌السلام : « ليس في المال المضطرب به زكاة » (٦).

وقال الباقر عليه‌السلام : « يا زرارة إنّ أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد‌

__________________

(١) منهم : الشيخ المفيد في المقنعة : ٤٠ ، والشيخ الطوسي في النهاية : ١٧٦ ، والمبسوط ١ : ٢٢٠ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢٠٤ ، والخلاف ٢ : ٩١ ، المسألة ١٠٦ ، والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل ضمن رسائله ٣ : ٧٥ ، والمحقق في شرائع الإسلام ١ : ١٤٢.

(٢) المجموع ٦ : ٤٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩.

(٣) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٢ ، المسألة ١٠٦.

(٤) شرح معاني الآثار ٢ : ٢٨ ، مسند أحمد ١ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ١١٨.

(٥) أورده كما في المتن الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٢ ، وبتفاوت يسير في الأموال لأبي عبيد : ٤٥٤ ـ ١٣٠٠.

(٦) التهذيب ٤ : ٧٠ ـ ١٩٠ ، الاستبصار ٢ : ٩ ـ ٢٥.

٢١٠

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عثمان : كل مال [ من ] (١) ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر [ به ] (٢) ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما اتّجر به أو دير وعمل به فليس فيه زكاة ، إنّما الزكاة فيه إذا كان ركازا كنزا موضوعا فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ، فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فقال : القول ما قال أبو ذر » (٣).

ولأصالة البراءة ، ولدلالة مفهوم وجوب الزكاة في تسعة على نفيه عمّا سواها ، وغير ذلك.

وقال بعض علمائنا بالوجوب (٤) ، وهو قول الجمهور كالفقهاء السبعة وطاوس والنخعي والثوري والأوزاعي والشافعي ـ في الجديد ـ وأبي عبيد وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي (٥) ، لقول سمرة : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعدّه للبيع (٦).

والأمر للندب تارة ، وللوجوب اخرى ، فيحمل على الأول جمعا بين الأدلّة ، ولو حمل على الوجوب حمل المعدّ للبيع على أحد النصب التسعة ، والفائدة : إيجاب الزكاة وإن لم يتّخذ للقنية.

مسألة ١٤٣ : قد بيّنا أنّ شرط التعلّق عدم الخسران‌ ، وأن لا يطلب بنقص من رأس المال ، فإن بقي ناقصا أحوالا استحب أن يزكّيه عن سنة واحدة لقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله العلاء عن المتاع لا أصيب به رأس المال‌

__________________

(١) زيادة من المصدر.

(٢) زيادة من المصدر.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٠ ـ ١٩٢ ، الاستبصار ٢ : ٩ ـ ٢٧.

(٤) يظهر القول بالوجوب من الصدوق في الفقيه ٢ : ١١.

(٥) المغني والشرح الكبير ٢ : ٦٢٣ ، المجموع ٦ : ٤٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٢٠ ، اللباب ١ : ١٤٨.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ ـ ١٥٦٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٢٧ ـ ١٢٨ ـ ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ١٤٦ ـ ١٤٧.

٢١١

عليّ فيه زكاة؟ قال : « لا » قلت : أمسكه سنين ثم أبيعه ما ذا عليّ؟ قال : « سنة واحدة » (١).

مسألة ١٤٤ : لو طلب في أثناء الحول بزيادة أو نمى المتاع‌ بأن كانت مواشي فتوالدت ، أو نخلا وغيره فأثمر لم يبن حول النماء على حول الأصل ، بل كان حول الأصل من حين الانتقال إذا كان نصابا ، والزيادة من حين ظهورها ، لأنّها مال لم يحل عليه الحول فلا تتعلّق به الزكاة ، لقوله عليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) (٢).

وقال مالك وإسحاق وأبو يوسف وأحمد : حول النماء مبني على حول الأصل ، لأنّه تابع له في الملك فيتبعه في الحول كالسخال والنتاج (٣).

ونمنع الحكم في الأصل وعلّية المشترك.

وقال أبو حنيفة : يبنى حول كل مستفاد على حول جنسه نماء كان أو غيره (٤).

وقال الشافعي : إن نضّت (٥) الفائدة قبل الحول لم يبن حولها على حول النصاب واستأنف لها حولا ، لأنّها فائدة تامة لم تتولّد ممّا عنده فلم تبن على حوله كما لو استفاد من غير الربح.

ولو اشترى سلعة بنصاب فزادت قيمتها عند رأس الحول فإنّه يضم الفائدة ، ويزكّي عن الجميع ، بخلاف ما إذا باع السلعة قبل الحول بأكثر من‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٦٩ ـ ١٨٩ ، الاستبصار ٢ : ١١ ـ ٣٢.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ ـ ١٧٩٢ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠١ ـ ١٥٧٣ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٦ ـ ٦٣٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ ـ ١ ، سنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١ ، المنتقى للباجي ٢ : ١٤٤.

(٤) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢.

(٥) المال الناضّ ، هي : الدراهم والدنانير. الصحاح ٣ : ١١٠٧ « نضض ».

٢١٢

نصاب فإنّه يزكّي عند رأس الحول عن النصاب ، ويستأنف للزيادة حولا (١).

ولا فرق عندنا بين ذلك كلّه في عدم الضمّ.

تذنيب : لو اشترى للتجارة بما ليس بنصاب فنمى حتى صار نصابا انعقد الحول عليه من حين صار نصابا في قول أكثر العلماء ، لأنّه لم يحل الحول على نصاب فلم تجب فيه الزكاة كما لو نقص في آخره (٢).

وقال مالك : لو كان له خمسة دنانير فتاجر فيها فحال الحول وقد بلغت نصابا تعلّقت بها الزكاة (٣) ، وقد سلف بطلانه.

مسألة ١٤٥ : لو اشترى شقصا للتجارة بألف ثم صار يساوي ألفين فعليه زكاة ألفين‌ ، فإن جاء الشفيع أخذه بألف ، لأنّ الشفيع إنّما يأخذ بالثمن لا بالقيمة ، والزكاة على المشتري ، لأنّها ثبتت وهو في ملكه ، ولو لم يأخذه الشفيع لكن وجد (٤) به عيبا فردّه فإنّه يأخذ من البائع ( ألفا ) (٥).

ولو انعكس الفرض فاشتراه بألفين وحال الحول وقيمته ألف فلا زكاة عندنا ، للنقصان عن رأس المال.

وعند الجمهور عليه زكاة ألف ، ويأخذه الشفيع إن أخذه ويردّه بالعيب بالألفين ، لأنّهما الثمن الذي وقع البيع به (٦).

__________________

(١) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٢ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٧ ، المجموع وفتح العزيز ٦ : ٥٨.

(٢) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٥.

(٣) المغني ٢ : ٦٣٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٦١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٧١.

(٤) أي : وجد المشتري.

(٥) ورد بدل ما بين القوسين في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : ( أيضا ) وما أثبتناه يقتضيه السياق.

(٦) المغني ٢ : ٦٣١ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٤٣ ، المجموع ٦ : ٧٤.

٢١٣

مسألة ١٤٦ : لعلمائنا قولان في أنّ العامل يملك الحصة أو الأجرة‌ ، فالأشهر الأول.

ومن قال : إنّه يملك الحصة ، اختلفوا على قولين : أحدهما : أنّه يملك بالظهور ، والآخر : يملك بالإنضاض ، وسيأتي (١) البحث في ذلك إن شاء الله تعالى.

فإن قلنا لا يملك حصّة ، فالزكاة بأجمعها على المالك ، لأنّه يملك الربح والأصل معا ، وإن قلنا : يملك بالظهور ـ وبه قال أبو حنيفة والشافعي في أحد القولين (٢) ـ فعلى المالك زكاة الأصل ونصيبه من الربح.

وفي حصة العامل قولان : عدم الزكاة ، لأنّ ملكه غير مستقرّ عليه ، لأنّه وقاية لرأس المال عن الخسران.

والثاني : الثبوت ، للملك ، والتمكّن من التصرف فيه كيف شاء ، والقسمة ، وتعلّق حق الفقراء بذلك الجزء الذي هو لهم أخرجه عن كونه وقاية لخسران يعرض ، وقوّاه الشيخ (٣) ، وللشافعي كالقولين (٤).

وله آخر : أنّه كالمغصوب ، لأنّه غير متمكّن من التصرف فيه على حسب مشيئته (٥).

وإن قلنا : إنّه يملك بالقسمة والإنضاض ـ وهو أصح قولي الشافعي ، وبه قال مالك والمزني (٦) ـ فزكاة رأس المال على المالك.

__________________

(١) يأتي في المبحثين : الأول والرابع من الفصل الثالث من المقصد الرابع في القراض.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ٣٩٤ ، المجموع ٦ : ٧١ و ١٤ : ٣٧٧ ـ ٣٧٨ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١ ، المغني ٥ : ١٦٩.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٢٤ وفيه : ولو قلنا : إنّ ذلك له كان أحوط.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٧١ ـ ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥ ـ ٨٦.

(٥) المجموع ٦ : ٧٢ ، فتح العزيز ٦ : ٨٦.

(٦) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ و ٣٩٤ ، المجموع ٦ : ٧١ و ١٤ : ٣٧٧ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥ ، حلية العلماء ٥ : ٣٤١.

٢١٤

وقيل : كذا الربح بأجمعه ، لأنّ الجميع له (١).

ويحتمل في نصيب العامل العدم ، أمّا على المالك : فلأنّه يجري مجرى المغصوب أو الملك الضعيف لتأكّد حقّ العامل فيه ، وأمّا العامل : فلعدم ملكه به.

وإيجاب الزكاة في الربح كلّه على المالك ضعيف ، لأنّ حصة العامل متردّدة بين أن تسلم فتكون له ، أو تتلف فلا يكون له ولا للمالك شي‌ء فكيف يجب عليه زكاة ما ليس له بوجه!؟ وكونه نماء ماله لا يقتضي إثبات الزكاة عليه ، لأنّه لغيره.

إذا عرفت هذا ، فإن قلنا بثبوت الزكاة في حصّة العامل فإنّما تثبت لو بقيت حولا نصابا ، أو يضمّها إلى ما عنده من أموال التجارة غيرها وتبلغ نصابا.

ولا يبنى حول نصيب العامل على حول رأس المال عند علمائنا ـ وهو أحد وجهي الشافعية ـ لأنّه في حقه أصل مقابل بالعمل.

والثاني للشافعية : البناء ، لأنّه ربح كنصيب المالك (٢). وليس بجيّد.

وعلى ما اخترناه ، فابتداء الحول من حين الظهور ، لحصول الملك حينئذ ، أو الإنضاض والقسمة ، لأنّ استقرار الملك يحصل حينئذ.

ويحتمل من يوم تقويم المال على المالك لأخذ الزكاة ، ولا يلزمه إخراج الزكاة قبل القسمة ، فإذا اقتسماه زكّاه لما مضى من الأحوال ـ كالدّين يستوفيه ـ عند الشافعية (٣).

والأقوى عندي : أنّه يخرج في الحال ، لتمكّنه من القسمة.

تذنيب : لو أراد العامل إخراج الزكاة من عين مال القراض احتمل أن‌

__________________

(١) القول للشافعية ، انظر : المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٨٥.

(٢) فتح العزيز ٦ : ٨٦.

(٣) فتح العزيز ٦ : ٨٦ ، المجموع ٦ : ٧٢.

٢١٥

يستبد به ، لأنّ الزكاة من المؤن اللازمة للمال كاجرة الدلاّل والكيّال.

ويحتمل أنّ للمالك منعه ، لأنّ الربح وقاية لرأس المال ، فله أن يمنع من التصرف في الربح حتى يسلّم إليه رأس المال ، ويبنى على الاحتمال ما يخرج المالك من زكاة مال القراض إن جعلنا الزكاة كالمؤن احتسب من الربح كما يحتسب أرش جناية عبد التجارة من الربح.

ويحتمل احتسابه من رأس المال ، لأنّه مصروف إلى حقّ لزم المالك ، فكان كما لو ارتجع شيئا من المال.

ويحتمل أنّ ما يخرجه المالك خاصة من رأس المال ، لأنّه يختص بلزومه.

مسألة ١٤٧ : إذا حال الحول على العروض قوّمت بالثمن الذي اشتريت به‌ سواء كان نصابا أو أقلّ ، وسواء كان من الأثمان أو لا ، ولا يعتبر نقد البلد ، وبه قال الشافعي إلاّ أنّه قال : إذا كان من جنس الأثمان وكان الثمن أقلّ من نصاب فيه وجهان : أحدهما : أن يقوّم بما اشتراه. والثاني : يقوّم بغالب نقد البلد (١).

هذا إن لم يملك من النقد الذي ملك به ما تمّ النصاب ، أمّا إذا اشترى للتجارة بمائة درهم وهو يملك مائة أخرى فإنه يقوّم بما ملك به أيضا ، لأنّه ملك ببعض ما انعقد عليه الحول.

ووافقنا أبو يوسف (٢) في التقويم بما اشتراه مطلقا ، لأنّ نصاب العرض مبني على ما اشتراه به فتثبت الزكاة فيه ، ويعتبر به كما لو لم يشتر به شيئا.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « إن طلب برأس المال فصاعدا ففيه‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٤ ، فتح العزيز ٦ : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٤.

٢١٦

الزكاة ، وإن طلب بالخسران فليس فيه زكاة » (١) ولا يمكن أن يعرف رأس المال إلاّ أن يقوّم بما اشتراه به بعينه.

وقال أبو حنيفة وأحمد : تقوّم بما هو أحظّ للمساكين سواء اشتراها بذهب أو فضة أو عروض ، فلو كانت قيمتها بالفضّة دون النصاب وبالذهب نصابا قوّمت به وإن كان الثمن فضة ، وبالعكس ، لأنّ قيمته بلغت نصابا فتثبت الزكاة فيه ، كما لو اشتراه بعرض وفي البلد نقدان مستعملان تبلغ قيمة العرض بأحدهما نصابا ، ولأنّ تقويمه لحظّ المساكين فيعتبر ما لهم فيه الحظ كالأصل (٢).

والفرق في الأول ظاهر ، فإنّ الثمن بلغ نصابا ، بخلاف المتنازع ، ومراعاة الفقراء ليست أولى من مراعاة المالك.

فروع :

أ ـ إذا كان الثمن من العروض قوّم بذهب أو فضة حال الشراء ، ثم يقوّم في أثناء الحول إلى آخره بثمنه الذي اشتري به ، وقوّم الثمن بالنقدين ، فإن قصر أحدهما في الأثناء سقط اعتبار الحول إلى أن يعود إلى السعر ، وإلاّ ثبتت.

ولو قصر أحدهما وزاد الآخر مثل أن يشتريه بمتاع قيمته نصاب ، ثم يرخص سعر الثمن أو يغلو فالأقرب حينئذ ثبوت الزكاة مع الرخص لا مع الغلاء إلاّ أن يكون العرض للتجارة.

ب ـ لو بلغت قيمته نصابا بكلّ واحد من النقدين قوّمه بما اشتراه أيضا.

__________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ١٠٠ ذيل المسألة ١١٤ ، والمحقق في المعتبر : ٢٧٢.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، اللباب ١ : ١٤٨ ـ ١٤٩ ، المغني ٢ : ٦٢٥ ـ ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٤ ، فتح العزيز ٦ : ٧٠ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٤.

٢١٧

وقال أحمد : يقوّم بما شاء إلاّ أنّ الأولى إخراج النقد المستعمل في البلد ، لأنّه أحظّ للمساكين ، ولو كانا مستعملين أخرج من الغالب في الاستعمال ، ولو تساويا تخيّر (١).

ج ـ لو بلغت السلعة نصابا بأحد النقدين وقصرت بالآخر ثبتت الزكاة ، لأنّه بلغ نصابا بأحد النقدين فثبتت فيها الزكاة كما لو كان عينا.

مسألة ١٤٨ : تثبت زكاة التجارة في كلّ حول‌ ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي (٢) ، لأنّه مال ثبتت فيه الزكاة في الحول الأول لم ينقص عن النصاب ولم تتبدّل صفته فتثبت زكاته في الحول الثاني كما لو نضّ في أوله ، ولأنّ السبب المقتضي لثبوتها في الأول ثابت في الثاني.

وقال مالك : لا يزكّيه إلاّ لحول واحد ، لأنّ الحول الثاني لم يكن المال عينا في أحد طرفيه فلا تثبت فيه الزكاة كالحول الأول إذا لم يكن في أوله عينا (٣).

ونمنع ثبوت حكم الأصل.

مسألة ١٤٩ : تخرج الزكاة من قيمة العروض دون عينها ، قاله الشيخ (٤) رحمه‌الله على القول بالوجوب ـ وبه قال الشافعي في أحد القولين ، وأحمد (٥) ـ لأنّ النصاب معتبر بالقيمة فكانت الزكاة منها كالعين في سائر الأموال.

__________________

(١) المغني ٢ : ٦٢٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٣٥.

(٢) المغني ٢ : ٦٢٣ ـ ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٧.

(٣) المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٧ ، فتح العزيز ٦ : ٣٩.

(٤) الخلاف ٢ : ٩٥ ، المسألة ١٠٩.

(٥) الام ٢ : ٤٧ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٨ ، فتح العزيز ٦ : ٦٧ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٨.

٢١٨

ولقول الصادق عليه‌السلام : « كلّ عرض فهو مردود إلى الدراهم والدنانير » (١) وهو يدلّ على تعلّق الزكاة بالقيمة.

وقال أبو حنيفة : يتخيّر بين الإخراج من العين أو من القيمة ، لكن الأصل العين ، فالزكاة تتعلّق بالسلعة وتجب فيها لا بالقيمة ، فإن أخرج العرض أخرج أصل الواجب ، وإن عدل عنه إلى القيمة فقد عدل إلى بدل الزكاة ـ وهو الثاني للشافعي ـ لأنّها مال تجب فيه الزكاة فتعلّقت بعينه كسائر الأموال (٢). ولا بأس بهذا القول.

ويمكن الجواب عمّا قاله الشيخ بأنّ اعتبار النصاب لاستعلام القدر لا لوجوب الإخراج منه ، وكذا الرواية.

مسألة ١٥٠ : القدر المخرج هو ربع العشر إمّا من العين أو القيمة‌ ـ على الخلاف ـ إجماعا ، وقد تقدّم أنّ التقويم بما اشتريت به وإن كان غالب نقد البلد غيره ، لكن الأولى إخراج نقد البلد.

ولو ملكه بعرض للقنية قوّم في آخر الحول به عندنا.

وقال الشافعي : يقوّم بغالب نقد البلد من الدراهم أو الدنانير ، فإن بلغ به نصابا أخرج زكاته ، وإلاّ فلا ، وإن كان يبلغ بالآخر نصابا أو كان النقدان جاريين في البلد قوّم بالأغلب ، فإن استويا وبلغ بهما نصابا فوجوه : التخيير بأن يقوّم بما شاء ويخرجه ، ومراعاة الأغبط للفقراء ، والتقويم بالدراهم ، لأنّها أرفق وأصلح ، واعتبار الغالب في أقرب البلاد (٣).

تذنيب : لو اشترى بنصاب من النقد وبعرض قنية قوّم ما يقابل الدراهم‌

__________________

(١) أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٩٦ ذيل المسألة ١٠٩ ، والمحقق في المعتبر : ٢٧٣.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٢١ ، المغني ٢ : ٦٢٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٢٨ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٩ ، فتح العزيز ٦ : ٦٨.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٨ ، المجموع ٦ : ٦٦ ، فتح العزيز ٦ : ٧٣ ـ ٧٤ ، الوجيز ١ : ٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٠٣.

٢١٩

بمثلها وما يقابل العرض بمثله عندنا ، وعند المخالف بنقد البلد (١).

مسألة ١٥١ : النصاب المعتبر في قيمة مال التجارة هنا هو أحد النقدين : الذهب أو الفضة دون غيرهما ، فلو اشترى بأحد النصب في المواشي مال التجارة وقصرت قيمة الثمن عن نصاب أحد النقدين ، ثم حال الحول كذلك فلا زكاة.

ولو قصر الثمن عن نصاب المواشي بأن اشترى بأربع من الإبل متاع التجارة وكانت قيمة الثمن أو السلعة تبلغ نصابا من أحد النقدين تعلّقت الزكاة به.

إذا عرفت هذا ، فالنصاب الأول قد عرفت أنّه عشرون دينارا أو مائتا درهم ، فإذا بلغت القيمة أحدهما ثبتت الزكاة ، ثم الزائد إن بلغ النصاب الثاني وهو أربعة دنانير أو أربعون درهما ثبتت فيه الزكاة وهو ربع عشرة أيضا ، وإلاّ فلا ، ولم يعتبر الجمهور النصاب الثاني كالنقدين ، وقد سلف.

مسألة ١٥٢ : إذا اشترى سلعا للتجارة في أشهر متعاقبة ، وقيمة كلّ واحد نصاب‌ يزكّي كلّ سلعة عند تمام حولها ، ولم يضمّ بعضها إلى بعض.

وإن كانت الاولى نصابا فحال حولها وهي نصاب وحال حول الثانية والثالثة وقيمة كلّ منهما أقلّ من نصاب أخذ من الأول الزكاة خمسة دراهم ، ومن الثاني والثالث من كلّ أربعين درهما درهم.

ولو كان العرض الأول ليس بنصاب وكمل بالثاني نصابا فحولهما من حين ملك الثاني ، ولا يضمّ الثالث إليهما ، بل ابتداء الحول من حين ملكه ، وتثبت فيه الزكاة ـ وإن كان أقلّ من النصاب الأول ـ إذا بلغ النصاب الثاني ، لأنّ قبله نصابا.

مسألة ١٥٣ : إذا اشترى عرضا للتجارة بأحد النقدين‌ ، وكان الثمن‌

__________________

(١) المجموع ٦ : ٦٦ ـ ٦٧ ، فتح العزيز ٦ : ٧٦.

٢٢٠