تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

فلو اعتبر اتّحاد وقت الإدراك لم تجب الزكاة غالبا ، وقد أجمع المسلمون على ضمّ ما يدرك إلى ما تأخّر.

ولو كان له نخل بتهامة وأخر بنجد فأثمرت التهامية وجذّت ، ثم بلغت النجدية فإنّها تضمّ إلى التهامية.

ولو كان له نخل يطلع في السنة مرّتين ، قال الشيخ : لا يضمّ الثاني إلى الأول ، لأنّه في حكم ثمرة سنتين (١) ، وبه قال الشافعي (٢).

وقيل : تضمّ ، لأنّها ثمرة عام واحد (٣) ، وهو الأقوى.

ولو كان بعضه يحمل مرة والباقي مرّتين ضمّمنا الجميع.

وعلى قول الشيخ ، يضمّ الأول منهما إلى الحمل الواحد ، ويكون للثاني حكم نفسه.

مسألة ٩٥ : الثمرة إن كانت كلّها جنسا واحدا أخذ منه‌ سواء كان جيّدا ، كالبردي ، وهو أجود نخل بالحجاز ، أو رديئا كالجعرور ومصران الفأرة ، وعذق ابن حبيق ، ولا يطالب بغيره.

ولو تعدّدت الأنواع أخذ من كلّ نوع بحصته لينتفي الضرر عن المالك بأخذ الجيّد ، وعن الفقراء بأخذ الردي‌ء ، وهو قول عامة أهل العلم (٤).

وقال مالك والشافعي : إذا تعدّدت الأنواع أخذ من الوسط (٥).

والأولى أخذ عشر كلّ واحد ، لأنّ الفقراء بمنزلة الشركاء.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٥.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٣ ، المغني ٢ : ٥٩٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٨.

(٣) القائل هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٣ ـ ٥٧٤ ، والمجموع ٥ : ٤٨٨.

(٥) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ٨١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٥٨ ، وانظر : المجموع ٥ : ٤٨٨ ـ ٤٨٩ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٨١.

١٦١

ولا يجوز إخراج الردي‌ء ، لقوله تعالى ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) (١).

ونهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يؤخذ الجعرور وعذق ابن حبيق (٢) ، لهذه الآية ، وهما ضربان من التمر ، أحدهما يصير قشرا على نوى ، والآخر إذا أثمر صار حشفا (٣).

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام : « يترك معافارة (٤) وأم جعرور لا يزكّيان » (٥).

ولا يجوز أخذ الجيّد عن الردي‌ء ، لقوله عليه‌السلام : ( إيّاك وكرائم أموالهم ) (٦) فإن تطوّع المالك جاز وله ثواب عليه.

والعذق بفتح العين ، وقيل : بكسرها (٧).

تذنيب : لا يجزئ أخذ الرطب عن التمر ، ولا العنب عن الزبيب ، فإن أخذه الساعي رجع بما نقص عن الجفاف.

وهل يجوز على سبيل القيمة؟ الأقرب ذلك ، ويجوز أن يأخذ كلاّ من الرطب والعنب عن مثله.

مسألة ٩٦ : يجوز الخرص على أرباب الغلاّت والثمار‌ بأن يبعث الإمام ساعيا إذا بدا صلاح الثمرة أو اشتدّ الحبّ ليخرصها ويعرف قدر الزكاة ويعرّف المالك ذلك ، وبه قال الحسن وعطاء والزهري ومالك والشافعي وأحمد وأبو‌

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١١٠ ـ ١١١ ـ ١٦٠٧ ، وسنن الدارقطني ٢ : ١٣١ ذيل الحديث ١١.

(٣) الحشف من التمر : ما لم ينو ، فإذا يبس صلب وفسد. لسان العرب ٩ : ٤٧ « حشف ».

(٤) معافارة : ضرب ردي‌ء من التمر. مجمع البحرين ٣ : ٤٠٩ « عفر ».

(٥) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٧ ، والتهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٧.

(٦) سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ ـ ١٥٨٤ ، سنن النسائي ٥ : ٥٥ ، ومسند أحمد ١ : ٢٣٣.

(٧) العذق ، بالفتح : النخلة. وبالكسر : العرجون بما فيه من الشماريخ. النهاية ـ لابن الأثير ـ ٣ : ١٩٩.

١٦٢

عبيد وأبو ثور وأكثر العلماء (١) ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبعث إلى الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم (٢).

وقال الشعبي : الخرص بدعة (٣).

وقال أصحاب الرأي : أنّه ظنّ وتخمين لا يلزم به حكم ، وإنّما كان الخرص تخويفا للأكرة (٤) لئلاّ يخونوا ، فأمّا أن يلزم به حكم فلا (٥).

ونمنع عدم تعلّق الحكم به فإنّه اجتهاد في معرفة قدر الثمرة وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير فهو كتقويم المتلفات.

فروع :

أ ـ وقت الخرص حين بدوّ الصلاح ، لأنّه عليه‌السلام كان يبعث حين يطيب قبل أن يؤكل منه (٦).

ولأنّ فائدته معرفة الزكاة وإطلاق أرباب الثمار في التصرف فيها ، والحاجة إنّما تدعو إلى ذلك حين بدوّ الصلاح ، وتجب الزكاة فيه.

ب ـ محلّ الخرص : النخل والكرم ، أمّا الغلاّت فقول الشيخ يعطي جوازه ، فإنّه قال : يجوز الخرص في الغلاّت (٧) ، لوجود المقتضي وهو‌

__________________

(١) المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٦ ، المجموع ٥ : ٤٧٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٨ ، المغني ٢ : ٥٦٤ ـ ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

(٢) انظر على سبيل المثال : سنن الترمذي ٣ : ٣٦ ـ ٦٤٤ ، وسنن ابن ماجة ١ : ٥٨٢ ـ ١٨١٩.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٦٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٨.

(٤) أكرة : جمع أكّار : الفلاّح. الصحاح ٢ : ٥٨٠ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٥ « أكر ».

(٥) المغني ٢ : ٥٦٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٦) راجع : سنن أبي داود ٢ : ١١٠ ـ ١٦٠٦.

(٧) الخلاف ٢ : ٦٠ ، المسألة ٧٣.

١٦٣

الاحتياج إلى الأكل منه كالفريك (١) وغيره.

ومنع عطاء والزهري ومالك وأحمد ، لأنّ الشرع لم يرد بالخرص فيه (٢).

ج ـ صفة الخرص ـ إن كان نوعا واحدا ـ أن يدور بكلّ نخلة أو شجرة وينظر كم في الجميع رطبا أو عنبا ، ثم يقدّر ما يجي‌ء منه تمرا ، وإن كان أنواعا خرص كلّ نوع على حدته ، لأنّ الأنواع تختلف ، فمنها ما يكثر رطبه ويقلّ تمره ، ومنها بالعكس ، وكذا العنب يختلف ، ولأنّه يحتاج إلى معرفة كلّ نوع حتى يخرج عشرة.

مسألة ٩٧ : إذا خرص الخارص خيّر المالك‌ بين أن يضمن الحصّة للفقراء ، ويسلّم إليه الثمرة ليتصرّف فيها بأكل وبيع وغير ذلك ، وبين إبقائه أمانة إلاّ أنّه لا يجوز له التصرف في شي‌ء منه بأكل أو بيع ، وبين أن يضمن الخارص حصّة المالك ، لأنّ عبد الله بن رواحة خرص على أهل خيبر ، وقال : إن شئتم فلكم وإن شئتم فلي ، فكانوا يأخذونه (٣).

فإن اختار الحفظ ثم أتلفها أو فرّط فتلفت ضمن نصيب الفقراء بالخرص ، وإن أتلفها أجنبي ضمن قيمة ما أتلف ، والفرق : أنّ ربّ المال وجب عليه تجفيف هذا الرطب بخلاف الأجنبي ، ولهذا لو أتلف أضحيته المعيّنة ضمن أضحية مكانها ، وإن أتلفها أجنبي ضمن القيمة.

ولو تلفت بجائحة (٤) من السماء أو أتلفها ظالم سقط الخرص والضمان عن المتعهد إجماعا ، لأنّها تلفت قبل استقرار الزكاة ، ويقبل قول المالك لو‌

__________________

(١) أفرك السنبل. أي : صار فريكا ، وهو حين يصلح أن يفرك فيؤكل. لسان العرب ١٠ : ٤٧٣ « فرك ».

(٢) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٥٩ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٦.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٣٣ ـ ٢٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٣.

(٤) الجائحة : كلّ ما أذهب الثمر أو بعضها من أمر سماوي. لسان العرب ٢ : ٤٣١ « جوح ».

١٦٤

ادّعى التلف بغير تفريط.

مسألة ٩٨ : لو لم يضمن المالك ولا الخارص بل اختار المالك إبقاءها أمانة جاز‌ ، فإذا حفظها إلى وقت الإخراج كان عليه زكاة الموجود خاصة سواء اختار الضمان أو حفظها على سبيل الأمانة ، وسواء كانت أكثر ممّا خرصه الخارص أو أقلّ ـ وبه قال الشافعي وأحمد (١) ـ لأنّ الزكاة أمانة فلا تصير مضمونة بالشرط كالوديعة.

وقال مالك : يلزمه ما قال الخارص زاد أو نقص إذا كانت الزكاة متقاربة ، لأنّ الحكم انتقل إلى ما قال الساعي لوجوب ما قال عند تلف المال (٢).

ويمنع الانتقال ، وإنّما يعمل بقوله إذا تصرّف في الثمرة ولم يعلم قدرها ، لأنّ الظاهر إصابته.

مسألة ٩٩ : يجزي الخارص الواحد‌ ـ وبه قال مالك وأحمد (٣) ـ لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص وحده (٤) ، ولأنّ الخارص يفعل ما يؤدّي اجتهاده إليه فهو كالحاكم ، وهو أحد قولي الشافعي (٥).

وفي الثاني : لا بدّ من اثنين ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعث مع عبد الله بن رواحة غيره (٦) ، ولأنّ الخارص يقدّر الواجب فهو بمنزلة المقوّمين (٧).

__________________

(١) فتح العزيز ٥ : ٥٨٨ ، المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩.

(٢) المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٦٢ ، المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩.

(٣) المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٦٠ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٧ ، المغني ٢ : ٥٦٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١١٠ ـ ١٦٠٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٢ ـ ١٨٢٠.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

(٦) نقله في الأم ٢ : ٣٤.

(٧) الام ٢ : ٣٤ ، المجموع ٥ : ٤٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩.

١٦٥

وإنفاذ غيره معه لا يدلّ على أنّه خارص ، ويحتمل أن يكون معينا وكاتبا ، ولأنّه جائز عندنا ، والكلام في الوجوب ، ويخالف الخارص المقوّمين ، لأنّهم ينقلون ذلك إلى الحاكم فافتقر إلى العدد كالشهادة بخلاف الخرص فإنّه حكم يجزئ فيه الواحد.

وله قول ثالث : إن كان الخرص على صبي أو مجنون أو غائب فلا بدّ من اثنين (١).

إذا ثبت هذا ، فيشترط في الخارص الأمانة والمعرفة إجماعا ، لأنّ الخرص إنّما يتمّ بهما.

مسألة ١٠٠ : وعلى الخارص أن يترك في خرصه ما يحتاج المالك إليه‌ من أكل أضيافه وإطعام جيرانه وأصدقائه وسؤّاله ـ المستحقّين للزكاة ـ ويحسبه منها ، وما يتناثر من الثمرة ويتساقط وينتابه الطير ، ويأكل منها المارّة ، فلو استوفى الكلّ أضرّ بالمالك.

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : ( خفّفوا على الناس فإنّ في المال العريّة والواطية والآكلة ) (٢).

والعرية : النخلة والنخلات تهب إنسانا ثمرتها (٣). وقد قال عليه‌السلام : ( ليس في العرايا صدقة ) (٤).

والواطية : السابلة. سمّوا به ، لوطئهم بلاد الثمار مجتازين (٥).

والآكلة : أرباب الثمار وأهلهم (٦) ، وقال عليه‌السلام : ( إذا خرصتم‌

__________________

(١) المجموع ٥ : ٤٨٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٧.

(٢) سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٣) راجع : الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٨٨ ، والصحاح ٦ : ٢٤٢٣ « عرا ».

(٤) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٨٧ ـ ١٤٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٤.

(٥) راجع : الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٨٧ ، والنهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ٢٠٠.

(٦) راجع أيضا : الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٨٨.

١٦٦

فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع ) (١).

وتأوّل الشافعي ذلك بأمرين :

أحدهما : إذا خرصتم فدعوا لهم الثلث أو الربع ليفرّقوه بأنفسهم على جيرانهم ومن يسألهم ويتبعهم.

والثاني : إذا لم يرض بما خرصه الساعي منعه من التصرف فيه ، فأمرهم أن يدعوا لهم الثلث أو الربع ليتصرّفوا فيه ، ويضمنوا حقّه بقدر ما يجي‌ء من الباقي (٢).

مسألة ١٠١ : يخرص الخارص الجميع‌ ، لإطلاق النصوص المقتضية لوجوب العشر ، وهو الجديد للشافعي ، وفي القديم : يترك للمالك نخلة أو نخلات يأكل منها هو وأهله ، ويختلف ذلك بقلّة العيال وكثرتهم (٣).

والوجه : المنع ، لتعلّق حقّ الفقراء.

وقال أحمد : لا يحتسب على المالك ما يأكله بالمعروف (٤).

وليس بجيّد ، لأنّ الفقراء شركاء ، نعم لو قلّ جدّا لم يحتسب ، لعسر الاحتراز منه.

مسألة ١٠٢ : لو ادّعى المالك غلط الخارص بالمحتمل قبل من غير يمين‌ ، وبه قال أحمد (٥).

وقال الشافعي : لا بدّ من اليمين (٦) ، وسيأتي.

__________________

(١) مصنّف ابن أبي شيبة ٣ : ١٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٣٥ ـ ٦٤٣ ، سنن أبي داود ٢ : ١١٠ ـ ١٦٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٤٢ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٣.

(٢) لم نجده في مظانّه من المصادر المتوفّرة لدينا.

(٣) المجموع ٥ : ٤٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٥ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢.

(٥) المغني ٢ : ٥٦٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٠.

(٦) المجموع ٥ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١.

١٦٧

وإن ادّعى غير المحتمل لم تسمع دعواه في حطّ ذلك القدر.

وهل يحطّ القدر المحتمل؟ إشكال ينشأ من ظهور كذبه ومن ادّعاء القليل ضمنا ، وللشافعيّة وجهان (١).

ولو ادّعى تعمّد الإجحاف لم يلتفت إلى قوله كما لو ادّعى الكذب على الشاهد ، والجور على الحاكم.

ولو قال : أخذت كذا وبقي كذا ولا أعلم غير ذلك ، قبل قوله وإن كان ممّا لا يقع غلطا في الخرص ، لأنّه لم يضف ذلك إلى خطأ الخارص.

مسألة ١٠٣ : لو لم يخرج الإمام خارصا فاحتاج ربّ المال إلى التصرّف في الثمرة‌ فأخرج خارصا جاز أن يأخذ بقدر ذلك ، ولو خرص هو وأخذ بقدر ذلك جاز أيضا ، ويحتاط في أن لا يأخذ أكثر ممّا [ له ] (٢) أخذه ، ولو لم يخرص لم يجز أن يتناول من الثمرة شيئا وإن قلّ ـ خلافا لأحمد (٣) ـ إن كان بعد بدوّ الصلاح ، ويجوز قبله.

مسألة ١٠٤ : لو ادّعى المالك التلف أو تلف البعض قبل قوله بغير يمين‌ ، لأنّه حقّ لله تعالى فلا يمين فيه كالصلاة والحدّ ـ خلافا للشافعي (٤) ـ سواء كان بسبب ظاهر كوقوع الجراد أو نزول الأكراد ، أو خفي كالسرقة ، إلاّ أن يعلم كذبه ، لأنّ الشارع جعل الأمر إليه ، لقوله عليه‌السلام للساعي : ( قل لهم : هل لله في مالكم حقّ؟ ).

وقال الشافعي : إن ادّعى سببا ظاهرا افتقر إلى البيّنة ، لأنّه مدّع (٥).

__________________

(١) المجموع ٥ : ٤٨٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ ـ ٥٩٢.

(٢) زيادة يقتضيها السياق.

(٣) المغني ٢ : ٥٦٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٢.

(٤) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩ ـ ٨٠.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٢ ، المجموع ٥ : ٤٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٩ ـ ٨٠.

١٦٨

وتجب الزكاة في الباقي إن كان التلف بعد بدوّ الصلاح أو قبله وكان الباقي نصابا ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح وقصر الباقي عن النصاب وجبت أيضا لو بلغ مع التالف ، خلافا لبعض الجمهور حيث قال : إنّ الزكاة إنّما تجب يوم الحصاد (١).

ولو ادّعى أنّها سرقت بعد نقلها إلى البيدر ضمن إن كان بعد إمكان الأداء وإلاّ فلا.

مسألة ١٠٥ : لو تلفت الثمرة قبل بدوّ الصلاح ، أو الزرع قبل اشتداد الحبّ لم تجب الزكاة‌ إجماعا ، وكذا إن أتلفه المالك سواء قصد الفرار من الزكاة أو لا عندنا ، لعدم المقتضي وأصالة البراءة ، وبه قال الشافعي (٢).

وقال أحمد ومالك : إن فعله فرارا وجبت الزكاة (٣) ، وليس بجيّد.

وكذا الخلاف لو أتلف النصاب أو بعضه قبل الحول فرارا ، أو سبك الذهب أو الفضة أو صاغهما حليّا وغيره.

مسألة ١٠٦ : لو احتاج إلى قطع الثمرة أجمع بعد بدوّ الصلاح لئلاّ تتضرّر النخلة بمصّ الثمرة جاز القطع‌ إجماعا ، لأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة فلا يكلّف ما يتضرّر به ويهلك أصل ماله ، ولأنّ في حفظ الأصول حظّا للفقراء لتكرّر حقّهم.

ولا يضمن المالك خرصها ، بل يقاسم الساعي بالكيل أو الوزن بسرا أو رطبا ، وله بيع الجميع ، ويأخذ الساعي حصّة الفقراء من الثمن ، ولو كفى تجفيف الثمرة جفّفها وأخرج الزكاة ممّا قطعه بعد بدوّ الصلاح.

وهل للمالك قطعها لمصلحة من غير ضرورة؟ الوجه ذلك ، لأنّ الزكاة‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٦١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٤.

(٢) المجموع ٥ : ٤٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٦٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٤.

١٦٩

وجبت مواساة فلا يجوز تفويت مصلحته (١) بسببها فيقاسم.

وفي قطعها لغير مصلحة إشكال ينشأ من تضرّر الفقراء بقطعها لغير فائدة ، ومن عدم منع المالك من التصرف في ماله كيف شاء.

ومنع الشافعي من قطعها مطلقا بدون إذن الساعي (٢).

ولو أراد قطع الثمرة لتحسين الباقي منها جاز.

وقال بعض الجمهور : إذا قطع البعض لمصلحة كان عليه فيه الزكاة يابسا (٣) ، وهو رواية عن أحمد (٤) ، وليس بمعتمد.

مسألة ١٠٧ : يجوز للساعي أن يقاسم الثمرة مع المالك قبل الجذاذ وبعده‌ ، وهو أحد قولي الشافعي ، لأنّهما شريكان فيما تصحّ قسمته فجازت.

وفي الثاني : لا تجوز على رءوس النخل بناء على أنّ القسمة بيع (٥) ، وهو ممنوع.

فإذا اختار المالك أن يسلّم عشرها مشاعا إلى الساعي تعيّن حقّ الفقراء فيه فإنّ الفقراء وإن ملكوا جزءا من المال فإنّ ملكهم لا يستقرّ لجواز أن يدفع إليهم من غيره فإذا تسلّم ذلك تعيّن حقّهم فيه.

ويجوز للساعي أن يبيع نصيب الفقراء من صاحب الثمرة أو غيره ، أو يبيعا (٦) جميعا ويقتسما الثمن ، وإذا قسّمها قبل الجذاذ قسّمها بالخرص ويأخذ نصيبهم نخلات منفردة ويأخذ ثمرها.

__________________

(١) في نسخة « ط » : مصلحة.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٢.

(٣) وهو قول أبي بكر .. من فقهاء الحنابلة. راجع : المغني ٢ : ٥٧١ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٦٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٧١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٧.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٢.

(٦) أي : يبيع الساعي وصاحب الثمرة.

١٧٠

ولو قطعها المالك جاز قسمتها كيلا أو وزنا ، وللشافعي قولان : أحدهما : المنع ، لاشتماله على الربا ، بل يأخذ الساعي العشر مشاعا ويبيعه (١).

وهو ممنوع ، للتعديل ، ولأنّ للمالك أن يدفع إلى الفقراء أكثر ممّا يستحقّون.

مسألة ١٠٨ : إذا خرص الخارص وضمن المالك الحصة تصرّف في الثمرة كيف شاء‌ من أكل وبيع وغير ذلك ، لأنّه فائدة التضمين.

فإذا قطعها بعد الخرص قبل التضمين للحاجة أخذ الساعي عشرها بسرا ، وإن كان لا لحاجة فكذلك.

وقال الشافعي : يأخذ عشرها تمرا ، لأنّ الثمرة تجب تبقيتها إلى إدراكها ، فإذا قطعها ضمن خرصها بخلاف القطع للعطش (٢). واختاره الشيخ في المبسوط (٣).

وأمّا طلع الفحال فلا شي‌ء فيه إجماعا ، لأنّه لا يجي‌ء منه شي‌ء تجب فيه الزكاة فهو بمنزلة ثمرة لا زكاة فيها.

وإذا ضمن المالك الحصّة فأكلها رطبا ضمن الزكاة بحكم الخرص تمرا ، وإن كان قبل التضمين بعد الخرص أو قبله كان القول قوله فيما وصل إليه ، ولا يمين عندنا ـ خلافا للشافعي (٤) ـ ويضمن الحصة رطبا ، لأنّه الواجب عليه والمالك يضمن الزكاة بالمثل ، وهو أحد قولي الشافعي ، وفي الآخر : يضمن قيمة الرطب ، لأنّ الرطب لا مثل له (٥) ، وهو ممنوع.

__________________

(١) المجموع ٥ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٩٣ ، حلية العلماء ٣ : ٨٢.

(٢) المجموع ٥ : ٤٧٥ ـ ٤٧٦.

(٣) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٢١٧.

(٤) الام ٢ : ٣٢.

(٥) المجموع ٥ : ٤٧١ ـ ٤٧٢ و ٤٨٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٩.

١٧١

وحكم العنب حكم الرطب في ذلك كلّه.

مسألة ١٠٩ : يصحّ تصرف المالك في النصاب قبل الخرص وبعده‌ بالبيع والهبة وغيرهما إذا ضمن حصّة الفقراء ، فإذا باع كانت الصدقة عليه ، وكذا لو وهبها ـ وبه قال الحسن ومالك والثوري والأوزاعي (١) ـ لأنّها كانت واجبة عليه ، ولأنّ الزكاة في العين.

ولو شرطها على المشتري جاز ـ وبه قال الليث (٢) ـ لأنّه شرط سائغ ، ولأنّ الزكاة تجب في العين التي انتقلت إلى المشتري فتجب على المشتري عملا بالشرط.

ولو لم يضمن البائع الزكاة ولا شرطها على المشتري احتمل صحّة البيع في الجميع فيضمن البائع الزكاة ، لأنّه تصرف في مال الغير ، وبطلان البيع في قدر نصيب الفقراء ، لتعلّق حقّهم بالعين فهم شركاء فيتخيّر المشتري لو لم يعلم ، لتبعّض الصفقة عليه.

البحث الثاني

فيما ظنّ وجوب الزكاة فيه من الغلاّت وليس كذلك‌

مسألة ١١٠ : لا زكاة في شي‌ء من الثمار والغلاّت إلاّ في التمر والزبيب والحنطة والشعير‌ عند علمائنا أجمع ، وهو رواية عن أحمد ، وبه قال ابن عمر وموسى بن طلحة والحسن البصري وابن سيرين والشعبي والحسن بن صالح بن حي وابن أبي ليلى وابن المبارك وأبو عبيد (٣).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٥ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٥٩.

(٢) المغني ٢ : ٥٦٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٥.

(٣) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، المغني ٢ : ٥٤٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٧٢ ـ ٤٧٣ و ٤٧٨.

١٧٢

لقول عبد الله بن عمر : إنّما سنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحنطة والشعير والتمر والزبيب (١).

وبعث (٢) أبا موسى ومعاذا إلى اليمن يعلّمان الناس أمر دينهم ، فأمرهما أن لا يأخذا الصدقة إلاّ من هذه الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب (٣).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « وأمّا ما أنبتت الأرض من شي‌ء من الأشياء فليس فيه زكاة إلاّ أربعة أشياء : البرّ والشعير والتمر والزبيب » (٤).

وقول الصادق عليه‌السلام : « وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزكاة على تسعة أشياء : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والإبل والبقر والغنم وعفا عمّا سوى ذلك » (٥).

ولأنّ ما عدا هذه الغلاّت لا نصّ فيها ولا إجماع ، ولا هي في معناها في غلبة « الاقتيات » (٦) بها وكثرة نفعها ووجودها ، فلا يصح قياسه عليها ، ولا إلحاقه بها فبقي الأصل ، وخالف جماعة من الجمهور في ذلك (٧) ، ونحن نذكره في مسائل :

مسألة ١١١ : لا زكاة في الحبوب‌ غير ما قلناه عند علمائنا ، وذهب‌

__________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ٩٤ ـ ١.

(٢) أي : بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ٩٨ ـ ١٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٥ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٠١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٩ ـ ٥٠.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٠ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٥ ـ ١١ ، الاستبصار ٢ : ٥ ـ ١١.

(٦) ورد في الطبعة الحجرية والنسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : الأصناف. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٧) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٦ ، والمغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، وبداية المجتهد ١ : ٢٥٣.

١٧٣

الشافعي ومالك إلى أنّه ليس فيما عدا النخل والكرم من الشجر زكاة ، وأمّا الحبوب فلا تجب إلاّ فيما يصان ويدّخر (١).

وقال أبو حنيفة : تجب في جميع ما يقصد بزراعته نماء الأرض فتجب في جميع ما تنبته الأرض إلاّ الحطب والقصب والحشيش (٢).

وقال أبو يوسف ومحمد : تجب في الحبوب والثمار الباقية (٣).

وقال أحمد : تجب في جميع الثمار والحبوب التي تكال وتدّخر سواء أنبته الآدميون أو نبت لنفسه ـ وأوجب الزكاة من اللوز دون الجوز ، لأنّ اللوز يكال (٤) ـ لقوله عليه‌السلام : ( فيما سقت السماء .. العشر ) (٥).

وهو معارض بقوله عليه‌السلام : ( ليس في الخضراوات صدقة ) (٦) ولأنّه أعم ، ولأنّه ورد في معرض بيان قدر الواجب في هذا النوع من الأصناف التي تجب فيها الزكاة.

مسألة ١١٢ : لا زكاة في الزيتون‌ عند علمائنا أجمع ـ وهو الجديد‌

__________________

(١) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، المغني ٢ : ٥٤٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٩٤ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٦٤.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، الميزان ـ للشعراني ـ ٢ : ٦‌

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، الميزان ـ للشعراني ـ ٢ : ٦.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ ـ ١٥٩٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٣١ ـ ٦٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ ـ ١٨١٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ ـ ٩ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٩ ، المستدرك ـ للحاكم ـ ١ : ٤٠١.

(٦) سنن الدارقطني ٢ : ٩٥ ـ ٩٦ ـ ٣ ـ ٦ و ٩٧ ـ ١٠ ، مصنّف عبد الرزاق ٤ : ١١٩ ـ ٧١٨٥.

١٧٤

للشافعي ، وقول ابن أبي ليلى والحسن بن صالح وأبي عبيد وأحمد في رواية (١) ـ لأنّه لا يدّخر يابسا فأشبه الخضراوات ، ولأنّه ليس بمصان حالة الاختيار فلا تجب فيه الزكاة كغيره من الثمار ، ولأنّه إذا لم تجب في التين مع ما يمكن فيه من القوت فالزيتون أولى.

وقال في القديم : تجب فيه الزكاة ، وبه قال الزهري والأوزاعي ومالك والليث والثوري وأبو ثور وأحمد ـ في رواية ـ وأصحاب الرأي (٢) ، لقوله تعالى : ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٣) في سياق ( وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمّانَ ) (٤).

ولا حجّة فيه ، لأنّها لم يرد بها الزكاة ، لنزولها (٥) بمكة ، والزكاة فرضت بالمدينة ، ولهذا ذكر الرمان ولا زكاة فيه.

والموجبون شرطوا بلوغ خمسة أوسق (٦).

والذي يطلب زيته كالشامي والمدقوقي يخرج عشره زيتونا أو زيتا ، وما لا يطلب زيته ، بل يؤكل أدما كالبغدادي يخرج عشرة إذا بدا صلاحه ، لأنّها حالة الادّخار.

مسألة ١١٣ : لا زكاة في الورس‌ عند علمائنا أجمع ـ وهو قول الشافعي في الجديد وأحمد ـ لأنّه ليس بمقتات.

وفي القديم : تجب فيه ـ وهو رواية عن أحمد ـ ولا يوسق بل يجب من‌

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦١ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦١ ـ ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، الميزان ـ للشعراني ـ ٢ : ٦ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٩٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٤ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥٢.

(٣) الأنعام : ١٤١.

(٤) الأنعام : ١٤١.

(٥) يقصد بالضمير في ( لأنها ) و ( بها ) و ( لنزولها ) الآية.

(٦) المغني ٢ : ٥٥٢ و ٥٥٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٣ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

١٧٥

قليله وكثيرة ، لأنّ أبا بكر بعث إلى بني خفّاش أن أدّوا زكاة الذرة والورس (١) ، وجاز أن يكون عن اجتهاد.

وكذا لا زكاة في غيره من الورق مثل السدر والخطمي والأشنان والسعتر والآس ، لأنّه ليس بمنصوص ولا في معناه.

مسألة ١١٤ : لا زكاة في الأزهار كالزعفران والعصفر والقطن‌ عند علمائنا أجمع ـ وهو قول أحمد في رواية (٢) ـ للأصل ، ولأنّه ليس بحبّ ولا تمر فأشبه الخضراوات.

ولقول علي عليه‌السلام : « ليس في الفاكهة والبقل والتوابل (٣) والزعفران زكاة » (٤).

وللشافعي قولان في الزعفران : الوجوب وعدمه (٥).

وأما القرطم ـ وهو حبّ العصفر ـ فلا زكاة فيه عندنا ـ وهو الجديد للشافعي (٦) ـ لأنّه ليس بمقتات ، ولأنّ السّمسم لا تجب فيه الزكاة ودهنه أنفع فهذا أولى.

وفي القديم : تجب وتعتبر الأوساق الخمسة بخلاف الزعفران ، لحديث أبي بكر (٧). ولا حجّة فيه ، وحكي عن أحمد أنّ في القطن زكاة (٨).

__________________

(١) المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ، المغني ٢ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٠ ـ ٥٥١ ، وانظر : سنن البيهقي ٤ : ١٢٦.

(٢) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

(٣) التوابل : جمع ، واحدها : تابل. وتبل القدر : جعل فيه التابل. والتابل : أبزار الطعام.

القاموس المحيط ٣ : ٣٤٠ « تبل ».

(٤) أورده ابن قدامة في الشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

(٥) المجموع ٥ : ٤٥٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣.

(٦) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٧) المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٨) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٥١.

١٧٦

مسألة ١١٥ : العسل لا زكاة فيه‌ عند علمائنا أجمع ـ وبه قال مالك والشافعي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وابن المنذر (١) ـ للأصل ، والأحاديث الدالّة على نفي الزكاة عن غير التسعة ، ولأنّه مائع خارج من حيوان فأشبه اللبن.

وقال عمر بن عبد العزيز ومكحول والزهري وسليمان بن موسى والأوزاعي وأحمد وإسحاق : تجب فيه بكلّ حال (٢) ، لأنّ عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جدّه أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأخذ في زمانه من قرب العسل من كلّ عشر قرب قربة من أوسطها (٣).

وقال أبو سيّارة : يا رسول الله إنّ لي نحلا ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أدّ العشر ) قال : فاحم إذن جبلها. فحماه له (٤).

ولا حجّة فيه ، لجواز أن لا يكون زكاة بل كان يأخذ خمسا ونصفه لنفسه عليه‌السلام.

وقال أبو حنيفة : إن كان في غير أرض الخراج وجب فيه العشر ، لأنّ العشر والخراج لا يجتمعان (٥).

ولا حجّة فيه علينا بل على أحمد.

__________________

(١) المنتقي ـ للباجي ـ ٢ : ١٧٢ ، المهذب ـ للشيرازي ـ ١ : ١٦٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٣ ـ ٧٤ ، المغني ٢ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٢) المغني ٢ : ٥٧٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٣ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٩٦ ـ ١٤٨٩.

(٤) الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٤٩٦ ـ ١٤٨٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٤ ـ ١٨٢٣ ، سنن البيهقي ٤ : ١٢٦ ، وانظر : المغني ٢ : ٥٧٣ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٥) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ و ٥٨٠ ، الميزان ـ للشعراني ـ ٢ : ٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

١٧٧

واختلف الموجبون ، فقال أبو يوسف ومحمد : نصابه خمسة أوساق (١) ، لقوله عليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) (٢).

وقال أبو حنيفة : تجب في قليله وكثيره ، بناء على أصله في الحبوب والثمار (٣).

وقال أحمد : نصابه عشرة أفراق ، والفرق ستّة عشر رطلا بالعراقي ، وهو قول الزهري ، لقول عمر : إن أدّيتم صدقتها من كلّ عشرة أفراق فرقا حميناها لكم (٤) ، ولا حجّة فيه.

مسألة ١١٦ : قال الشيخ : العلس نوع من الحنطة ، لأنّه حنطة حبّتان منه في كمام فتجب فيه الزكاة‌ حينئذ ، ويضمّ إلى نصاب الحنطة لو قصر إلاّ به (٥).

وأمّا السّلت ، فقال : إنّه شعير ، لمشابهته إيّاه في الصورة فيضمّ إليه حينئذ (٦).

وقال بعض الشافعية : بل يضمّ إلى الحنطة ، لأنّه على طبعها (٧).

وقال آخرون : إنّه أصل بنفسه (٨).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ ـ ٩٧٩ ، صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ ـ ١٧٩٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ ـ ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ ـ ١٥٥٨ ، سنن النسائي ٥ : ١٧.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، الميزان ـ للشعراني ـ ٢ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٤) المغني ٢ : ٥٧٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٨٠.

(٥) المبسوط ـ للطوسي ـ ١ : ٢١٧.

(٦) الخلاف ٢ : ٦٥ ، المسألة ٧٧.

(٧) المجموع ٥ : ٥١٠.

(٨) المجموع ٥ : ٥٠٩.

١٧٨

وللشافعي قولان : الضمّ إلى الشعير ، وعدم ضمّه مطلقا (١) ، وهو الأقرب عندي.

وجعل الشافعي نصاب العلس عشرة أوسق لأجل قشره (٢).

مسألة ١١٧ : لا شي‌ء في الأرز عندنا ، ولا في غيره من الحبوب سوى الحنطة والشعير‌ ، سواء كان من القطنيّات التي تقطن في البيت وهي اللوبيا والعدس والماش والحمّص والباقلاء والهرطمان ، أو من الأبازير (٣) كالكسفرة والكمّون ، أو البزور كبزر الكتّان والقثّاء والخيار ، أو حبّ البقول كالرشاد ، وحبّ الفجل والقرطم والسّمسم وسائر الحبوب ـ خلافا لأحمد (٤) ـ للأصل.

وقال الشافعي : لا تجب الزكاة في الزرع إلاّ أن يكون ممّا ييبس ويدّخر ويقتات وينبته الآدميون وهي القطنيّة إذا بلغ كلّ منها نصابا ، ولا يضمّ بعضها إلى بعض (٥).

واختلفت الرواية عن أحمد في الضمّ (٦).

وجعل الشافعي نصاب الأرز عشرة أوسق لأجل قشره (٧).

وقال أبو حنيفة : تجب الزكاة في كلّ ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلاّ الحطب والقصب والحشيش (٨).

__________________

(١) المجموع ٥ : ٥٠٩ ـ ٥١٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٠.

(٢) المجموع ٥ : ٥٠٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٩.

(٣) الأبازير جمع الجمع لـ ( أبزار ) واحدها : بزر. بمعنى : التابل. وهو ما يتطيّب به الطعام.

لسان العرب ٤ : ٥٦ « بزر ».

(٤) المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٨.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٣ ، المجموع ٥ : ٤٩٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٣.

(٦) المغني ٢ : ٥٩١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٩.

(٧) المجموع ٥ : ٥٠٤ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٣.

(٨) بدائع الصنائع ٢ : ٥٨ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المغني والشرح الكبير ٢ : ٥٤٩ ، المجموع ٥ : ٤٥٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٣.

١٧٩

وأمّا الخضراوات فلا صدقة فيها إجماعا ، لقوله عليه‌السلام : ( ليس في الخضراوات صدقة ) (١).

مسألة ١١٨ : ولا زكاة فيما ينبت من المباح الذي لا يملك إلاّ بأخذه‌ كالبطم والعفص والزعبل وهو شعير الجبل ، وبزر قطونا ، وبزر البقلة ، وبزر الأشنان إجماعا إلاّ عند بعض الحنابلة فإنّ فيه الزكاة إذا نبت في أرضه (٢).

المطلب الرابع

في اللواحق‌

مسألة ١١٩ : يشترط بقاء عين النصاب طول الحول‌ ، فلو بادل به في أثنائه من جنسه أو من غير جنسه ، وسواء كان من الماشية أو الأثمان اعتبر ابتداء الحول من حين المعاوضة ، وبه قال الشافعي (٣).

لقوله عليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) (٤).

ولأنّه أصل بنفسه تجب الزكاة في عينه فلم يبن حوله على غيره كالجنسين.

وقال الشيخ : إن بادل بجنسه بنى على حوله ، وإن كان من غير جنسه استأنف مطلقا (٥) ، وله قول آخر : إن بادل بالجنس أو بغيره فرارا وجبت وإلاّ‌

__________________

(١) سنن الدارقطني ٢ : ٩٥ ـ ١ و ٩٦ ـ ٤ ـ ٦.

(٢) المغني ٢ : ٥٥١ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦١.

(٣) الام ٢ : ٢٤ ـ ٢٥ ، المهذب للشيرازي ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٣٦١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٨٩ ، حلية العلماء ٣ : ٢٦.

(٤) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ ـ ١٧٩٢ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٥ ـ ٦٣١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٠ ـ ٩١ ـ ٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٥) المبسوط للطوسي ١ : ٢٠٦.

١٨٠