تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

أولى (١).

والأولى ممنوعة على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وعلى ما قلناه ، لا يجوز الإبدال في موضع يلحق الفقير ضرر ، مثل أن يدفع إليه ما لا ينفق عوضا عمّا ينفق ، لأنّه كالمعيب.

ولو اختار المالك الدفع من الجنس واختار الفقير الأخذ من غيره لضرر يلحقه في ( أخذ الجنس ) (٢) لم يلزم المالك إجابته ، لأنّه أدّى فرض الله عليه فلا يكلّف غيره.

المطلب الثالث

في زكاة الغلاّت والثمار‌

وفيه بحثان :

الأول : فيما تجب الزكاة فيه منها.

مسألة ٧٧ : الزكاة في الغلاّت والثمار واجبة‌ بالنصّ والإجماع :

قال الله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٣) والزكاة تسمّى نفقة ، لقوله تعالى ( وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٤).

وقال تعالى ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٥) قال ابن عباس : حقّه :

__________________

(١) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥.

(٢) ورد في النسخ الخطية : أحد الجنسين. وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه.

(٣) البقرة : ٢٦٧.

(٤) التوبة : ٣٤.

(٥) الأنعام : ١٤١.

١٤١

الزكاة المفروضة (١).

وأجمع علماء الإسلام على وجوب الصدقة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب.

مسألة ٧٨ : ويشترط في الزكاة في هذه الأنواع أمور ثلاثة : النصاب ، وبدوّ الصلاح ، وتملّك الغلّة بالزراعة لا بغيرها كالابتياع والاتّهاب.

والنصاب في الأربعة واحد وهو خمسة أوسق ، فلا يجب فيما دونها شي‌ء بإجماع علمائنا ، وهو قول أكثر أهل العلم منهم : ابن عمر وجابر وعمر بن عبد العزيز وجابر بن زيد والحسن البصري وعطاء ومكحول والنخعي ومالك وأهل المدينة والثوري والأوزاعي وابن أبي ليلى والشافعي وأحمد وأبو يوسف ومحمد (٢).

لقوله عليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما‌السلام : « ليس فيما دون خمسة أوساق زكاة » (٤).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ليس في النخل صدقة حتى تبلغ خمسة‌

__________________

(١) مجمع البيان ٢ : ٣٧٥ ، تفسير الطبري ٨ : ٤٣ ، تفسير التبيان ٤ : ٢٩٥ ، التفسير الكبير للرازي ١٣ : ٢١٣ ، والمغني ٢ : ٥٤٧.

(٢) المغني ٢ : ٥٥٢ ـ ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٠ ـ ١٠١ و ١٠٣ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٦٥ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٣ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ و ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٦ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ ـ ٩٧٩ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ ـ ٦٢٦ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٤ ـ ١٥٥٨ و ١٥٥٩ ، سنن النسائي ٥ : ٤٠ ـ ٤١ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٤) التهذيب ٤ : ١٤ ـ ٣٥ ، الإستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤١.

١٤٢

أوساق ، والعنب مثل ذلك » (١).

ولأنّه مال تجب فيه الصدقة فلا تجب في يسيره كسائر الأموال الزكوية.

وقال أبو حنيفة ومجاهد : تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره (٢) ، لعموم قوله عليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر ) (٣).

ولأنّه لا يعتبر له حول فلا يعتبر له نصاب والخاصّ مقدّم ، ولم يعتبر الحول ، لأنّ نماءه يكمل باستحصاده لا ببقائه ، واعتبر الحول في غيره ، لأنّه مظنّة لكمال النماء في سائر الأموال ، والنصاب اعتبر ليبلغ حدّا يحتمل المواساة.

مسألة ٧٩ : الوسق ستّون صاعا‌ (٤) بالإجماع والنصّ ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( الوسق ستّون صاعا ) (٥).

ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما‌السلام : « الوسق ستّون صاعا فذلك ثلاثمائة صاع بصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٦).

وأمّا الصاع فإنّه أربعة أمداد عند علمائنا ، والمدّ رطلان وربع بالعراقي يكون قدر النصاب ألفين وسبعمائة رطل.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٨ ـ ٤٦ ، الاستبصار ٢ : ١٨ ـ ٥٢.

(٢) الاختيار لتعليل المختار ١ : ١٤٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٩ ، اللباب ١ : ١٥٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٩ ، المغني ٢ : ٥٥٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٥٤ ، المجموع ٥ : ٤٥٨ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ ـ ١٥٩٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٠ ـ ١٨١٦ و ٥٨١ ـ ١٨١٧ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٧ ـ ٩ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٤) انظر : النهاية ـ لابن الأثير ـ ٥ : ١٨٥.

(٥) سنن ابن ماجة ١ : ٥٨٦ ـ ١٨٣٢ و ٥٨٧ ـ ١٨٣٣ ، مسند أحمد ٣ : ٨٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢١.

(٦) التهذيب ٤ : ١٤ ـ ٣٥ ، الاستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤١.

١٤٣

ولتعارض رواياتهم فسقط الاحتجاج بها ، لعدم الأولويّة ، ويصار إلى الأصل وهو البراءة ، وصيانة مال المسلم عن التسلّط.

ولأنّ النصاب شرط لما بيّنا ، ولا نعلم حصوله إلاّ مع التقدير الأعلى فيقف الوجوب عليه.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « الصاع أربعة أمداد » (١).

وقول أبي الحسن عليه‌السلام : « الصاع ستّة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي » (٢).

وقول الباقر عليه‌السلام : « والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال » (٣) بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي (٤).

وقال الشافعي وأحمد : وزن المدّ رطل وثلث ، والصاع : خمسة أرطال وثلث (٥) ، لأنّ مالكا أحضر لأبي يوسف أولاد المهاجرين والأنصار ، فشهدوا أنّ آباءهم أخبروهم أنّهم كانوا يؤدّون الصدقة إلى النبي عليه‌السلام بهذا الصاع (٦).

وهو ممنوع ، فإنّه لو كان مشتهرا في المدينة لم يخف عن أهلها ، مع‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٨١ ـ ٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٤٧ ـ ١٥٤.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ ـ ٩ ، التهذيب ٤ : ٨٣ ـ ٢٤٣ ، الفقيه ٢ : ١١٥ ـ ٤٩٣ ، معاني الأخبار : ٢٤٩ ـ ٢.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ ـ ١٣٧ ـ ٣٧٩.

(٤) قوله : بأرطال ـ إلى ـ بالعراقي ، من كلام الشيخ الطوسي في التهذيب ١ : ١٣٧ ذيل الحديث ٣٧٩ ، فلاحظ.

(٥) المجموع ٦ : ١٢٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ و ٦ : ١٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤ و ١٢٩ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٢ و ٤٠٥ ، المغني ١ : ٢٥٥ و ٢ : ٥٥٨ و ٦٥٧ ، الشرح الكبير ١ : ٢٥٤ ، و ٢ : ٦٦٠.

(٦) أورده كما في المتن ، المحقّق في المعتبر ٢٦٨ ، وانظر أيضا : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٧٠ ـ ١٧١.

١٤٤

أنّ الباقر عليه‌السلام سيّدهم وقد أخبر بخلاف ذلك وهو أعرف من عوامهم ، ولما أخبر مالك أنّ عبد الملك تحرّى صاع عمر (١) ، فإنّ صاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أولى بالتحرّي.

وقال أبو حنيفة : المدّ رطلان ، فالصاع ثمانية أرطال (٢) ، لأنّ أنسا روى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يتوضّأ بمدّ ويغتسل بصاع ثمانية أرطال (٣).

وهي معارضة برواية الشافعي فتساقطا.

مسألة ٨٠ : هذا التحديد تحقيق لا تقريب‌ ، وهو أحد قولي الشافعيّة (٤) ، لقوله عليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة ) (٥).

ولأنّه نصاب يتعلّق به وجوب الفرض فكان محدّدا كسائر الأوقاص ، ولأنّ نقصان القليل مجهول لا يمكن تعليق الحكم به فلم يكن بدّ من حدّ فاصل.

وقال بعضهم : إنّه تقريب ، فإن نقص قليلا وجبت الزكاة ، لأنّ الوسق في اللغة : الحمل (٦). وهو يزيد وينقص (٧) ، ونحن إنّما اعتبرنا التّقدير الشرعي لا اللغوي.

__________________

(١) نقله المحقق في المعتبر : ٢٦٨.

(٢) بدائع الصنائع ٢ : ٧٣ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١١٧ ، اللباب ١ : ١٦٠ ، المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، حلية العلماء ٣ : ١٢٩.

(٣) سنن الدارقطني ٢ : ١٥٣ ـ ٧٢ و ١٥٤ ـ ٧٣ ، وانظر : المغني والشرح الكبير ١ : ٢٥٥ ، وبدائع الصنائع ٢ : ٧٣.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ ـ ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٧٤.

(٥) صحيح البخاري ٢ : ١٤٧ ـ ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ ـ ٩٨٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ ـ ٥ وسنن البيهقي ٤ : ١٢٠.

(٦) انظر : الصحاح ٤ : ١٥٦٦ ، القاموس المحيط ٣ : ٢٨٩.

(٧) المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥.

١٤٥

فروع :

أ ـ لو تساوت الموازين في النقص اليسير فلا زكاة ، لقوله عليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) (١) وهو قول بعض الشافعية.

وقال آخرون : لا اعتبار باليسير منه (٢).

ب ـ لو اختلفت الموازين الصحيحة لم يعمل على النقصان اليسير الذي اختلفت به كالأوقية ، لأنّ العادة أسقطت اعتباره.

ج ـ النصاب يعتبر بالكيل ، لأنّ الأوساق مكيلة ، وإنّما نقلت إلى الوزن لتضبط وتحفظ.

د ـ لا وقص في نصاب الحبوب والثمار بل مهما زاد على النصاب اخرج منه بالحساب لانتفاء الضرر في تبعيضه بخلاف الماشية.

ولعموم قوله عليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر ) (٣).

مسألة ٨١ : إذا وجب العشر مرّة لم يجب عليه عشر آخر وإن بقيت عنده أحوالا‌ إجماعا ـ إلاّ من الحسن البصري (٤) ـ لأنّ هذه الأموال غير مرصدة للنماء في المستقبل ، بل هي إلى النقص أقرب.

ولقول الصادق عليه‌السلام : « أيّما رجل كان له حرث أو ثمرة فصدّقها فليس عليه شي‌ء ولو بقيت ألف عام إذا كان بعينه وإنّما عليه صدقة العشر ، فإذا أدّاها مرّة فلا شي‌ء عليه » (٥).

ولأنّها غير معدّة للنماء فأشبهت أمتعة القنية ، فإن اشترى من ذلك شيئا‌

__________________

(١) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٥٨ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٥ ـ ٥٦٦ ، وتعرّض لخلاف الشافعية أيضا ، المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٥٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٥ ـ ١ ( باب أنّ الصدقة في التمر مرّة واحدة ) التهذيب ٤ : ٤٠ ـ ١٠٢ بتفاوت.

١٤٦

للتجارة صار عرضا تتعلّق به زكاة التجارة استحبابا أو وجوبا على الخلاف ، وكذا لو باعها بنصاب زكوي غير الغلّة والثمار وحال عليه الحول وجبت وإلاّ فلا.

مسألة ٨٢ : وقت وجوب الزكاة في الحبّ إذا اشتدّ ، وفي الثمرة إذا بدا صلاحها‌ على الأقوى ، لعموم قوله عليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر ) (١).

ولأنّ أهل اللغة نصّوا على أنّ البسر ( نوع ) (٢) من التمر ، ومن أوجب في الثمرة أوجبها في الحبّ.

وقال بعض علمائنا : إنّما تتعلّق الزكاة به إذا صار تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا ، لتعلّق الحكم على الاسم (٣).

وقد بيّنا أنّ الاسم يتعلّق بما قلناه.

وعلى كلا القولين ، إنّما يجب الإخراج ويستقرّ الوجوب حين يصير التمر في الجرين (٤) ، والزرع في البيدر (٥) بعد التصفية من التبن والقشر ، فلو تلف قبل ذلك بغير تفريط فلا زكاة عليه.

وإنّما فائدة الخلاف أنّه لو تصرّف في الثمرة بعد بدوّ الصلاح إمّا بأكل أو بيع لم تسقط عنه الزكاة ، لأنّه تصرّف بعد تعلّق الوجوب فلا تسقط.

وعلى القول الآخر لا شي‌ء عليه ، لأنّه تصرّف فيها قبل الوجوب فأشبه‌

__________________

(١) راجع المصادر في المسألة ٧٨.

(٢) كذا ، ولعلّ المصنّف رحمه‌الله يقصد مرحلة من مراحل نضوج التمر. وانظر : الصحاح ٢ : ٥٨٩.

(٣) هو المحقّق في المعتبر : ٢٦٨.

(٤) الجرين : موضع التمر الذي يجفّف فيه. الصحاح ٥ : ٢٠٩١ « جرن ».

(٥) البيدر : الموضع الذي يداس فيه الطعام. الصحاح ٢ : ٥٨٧ ، القاموس المحيط ١ : ٣٦٩ « بدر ».

١٤٧

ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول.

ولو تلف البعض بغير تفريط بعد البدوّ وقبل الكمال سقط من الزكاة بقدر التالف ، ووجب في الباقي بقدره وإن نقص عن النصاب إذا كان الجميع نصابا.

مسألة ٨٣ : والنصاب المعتبر ـ وهو خمسة أوسق‌ ـ إنّما يعتبر وقت جفاف التمر ، ويبس العنب والغلّة ، فلو كان الرطب خمسة أوسق ، أو العنب ، أو الغلّة ولو جفّت تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا نقص ، فلا زكاة إجماعا وإن كان وقت تعلّق الوجوب نصابا.

أمّا ما لا يجفّ مثله وإنّما يؤكل رطبا كالهلباث (١) والبرني وشبههما من الدّقل (٢) الرقيق الثمرة فإنّه تجب فيه الزكاة أيضا ، لقوله عليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر ) (٣) وإنّما تجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا.

وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب : الأول وإن كان التمر يقلّ كغيره.

وللشافعي وجهان : هذا أحدهما ، والثاني : يعتبر بغيره ، فإذا كان ممّا يجفّ يبلغ خمسة أوسق تمرا ، وكان هذا مثله رطبا ، وجبت فيه الزكاة ، فيعتبر بأقرب الأرطاب إليه مما يجفّ (٤).

مسألة ٨٤ : لو اشترى الثمرة قبل بدوّ صلاحها فتركها حتى بدا صلاحها وجبت الزكاة على المشتري‌ لحصول السبب في ملكه ، ولو كان بعد بدوّ الصلاح فالزكاة على البائع.

__________________

(١) الهلباث : ضرب من التمر. لسان العرب ٢ : ١٩٨ « هلبث ».

(٢) الدّقل : أردأ التمر. الصحاح ٤ : ١٦٩٨ ، القاموس المحيط ٣ : ٣٧٦.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) المجموع ٥ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٨.

١٤٨

ومن أبطل بيع الثمرة قبل البدوّ لو فعله منفردا لا بشرط القطع كان الملك باقيا على البائع فالزكاة عليه عند بدوّ الصلاح.

مسألة ٨٥ : لو مات وعليه دين مستوعب‌ ، فإن كان بعد بدوّ الصلاح وجبت الزكاة ، لتعلّقها بالعين ومحلّ الدّين الذمّة وكان حقّ الزكاة مقدّما وإن ضاع على صاحب الدّين دينه.

ولو مات قبل بدوّ الصلاح ، فلا زكاة على الوارث ولا على الميّت ، أمّا على الميّت : فلانتقاله عنه قبل بدوّ الصلاح ، وأمّا على الوارث : فلعدم الانتقال إليه إلاّ بعد قضاء الدّين عند قوم ، ولاشتغاله بتعلّق الدّين به كالرهن إن قلنا بالانتقال إليه ، وقد بيّنّا أنّ التمكّن من التصرّف شرط في الوجوب.

أمّا لو لم يكن الدّين مستوعبا ، فإن فضل قدر النصاب وجبت الزكاة فيه خاصّة وإلاّ فلا.

مسألة ٨٦ : قد بيّنا أنّه لا تجب الزكاة في الغلاّت والثمار إلاّ إذا نمت في الملك‌ ، لا ما يبتاع (١) ثمرا ، ولا ما يستوهب إجماعا.

وأمّا عامل المساقاة والمزارعة فإنّه تجب عليه في نصيبه الزكاة إن بلغ النصاب وإلاّ فلا عند أكثر علمائنا (٢) ، لأنّه ملك الحصّة قبل النماء.

وقال بعض علمائنا : لا زكاة عليه ، لأنّه ملكه اجرة (٣) ، وليس بمعتمد.

وأمّا حصّة المالك فإنّها تجب الزكاة فيها أيضا إن بلغت النصاب إجماعا.

مسألة ٨٧ : الواجب في هذه الغلاّت والثمار العشر‌ إن لم يفتقر سقيه‌

__________________

(١) ورد في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : لا ما يباع. والصحيح ما أثبتناه.

(٢) منهم : الشيخ الطوسي في الخلاف ، كتاب المساقاة ، المسألة ١٣ ، والمبسوط ٣ : ٢٢٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦٥ و ٢٦٨ ، والمحقّق الحلّي في شرائع الإسلام ٢ : ١٦٠.

(٣) هو السيد ابن زهرة العلوي في الغنية ( ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤٠ ( فصل : في المزارعة والمساقاة ).

١٤٩

إلى مئونة كالذي يشرب من السماء بمطر أو ثلج ، أو تسقيه الأنهار بغير آلة وإنّما تفيض إليها في زيادتها ، أو بحبس الماء عليه ، أو يشرب بعلا وهو ما يشرب بعروقه في الأرض التي يقرب ماؤها من وجهها فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن سقي ، أو كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية.

وأمّا ما يفتقر إلى مئونة كالذي يشرب بالدوالي والدواليب وما أشبه ذلك فإنّه يجب فيه نصف العشر ، ولا خلاف في ذلك بين العلماء.

لقوله عليه‌السلام : ( فيما سقت السماء والأنهار والعيون أو كان بعلا (١) العشر ، وفيما سقي بالسواني والنّضح نصف العشر ) (٢) والسواني : النواضح وهي الإبل يستقى بها الماء لشرب الأرض (٣).

وقال عليه‌السلام : ( فيما سقت العيون أو كان عثريّا العشر ، وما سقي بالنّضح نصف العشر ) (٤) والعثري : ما تسقيه السماء وهو العذي (٥).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « وما كان منه يسقى بالرشاء (٦) والدوالي (٧) والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء والسيح أو كان بعلا ففيه العشر تامّا » (٨).

ولأنّ للكلفة تأثيرا في إسقاط الزكاة جملة كالمعلوفة فبأن تؤثّر في التخفيف أولى.

__________________

(١) البعل : ما شرب بعروقه من الأرض بغير سقي. لسان العرب ١١ : ٥٧.

(٢) سنن أبي داود ٢ : ١٠٨ ـ ١٥٩٦ ، سنن النسائي ٥ : ٤١ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٨١ ـ ١٨١٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٣) انظر : الصحاح ٦ : ٢٣٨٤ « سنا ».

(٤) صحيح البخاري ٢ : ١٥٥ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٠.

(٥) قاله أبو عبيد. راجع : الأموال : ٤٨٠ ، وانظر : لسان العرب ٤ : ٥٤١.

(٦) الرشا : الحبل. والجمع : أرشية. لسان العرب ١٤ : ٣٢٢.

(٧) الدوالي ، جمع دالية. وهي : الناعورة يديرها الماء. لسان العرب ١٤ : ٢٦٦.

(٨) التهذيب ٤ : ١٣ ـ ١٤ ـ ٣٤ ، الاستبصار ٢ : ١٤ ـ ٤٠.

١٥٠

فروع :

أ ـ لا يؤثّر حفر الأنهار والسواقي في نقصان الزكاة ، لأنّ المئونة تقلّ ، ولأنّه من جملة إحياء الأرض ، ولا يتكرّر ، ولأنّه يجري مجرى الكراب (١).

ب ـ لو كان الماء يجري من النهر في ساقية إلى الأرض ويستقرّ في مكان قريب من وجهها لا يصعد إلاّ بدولاب وشبهه فهو من الكلفة المسقطة لنصف الزكاة ، لأنّ مقدار الكلفة وقرب الماء وبعده لا يعتبر.

والضابط لذلك هو احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ، أو دالية ، أو ناضح أو نحو ذلك.

ج ـ الزكاة في القسمين إنّما تجب بعد إخراج المؤن ، والفرق بينهما باق ، إذ تقديم المئونة من الكلفة فلهذا وجب نصف العشر.

مسألة ٨٨ : لو سقي بعض المدّة بالسيح ، وبعضها بالآلة‌ ، فإن تساويا أخذت الزكاة بحساب ذلك فأخذ للسيح نصف العشر ، وللدوالي ربع العشر ، فتجب ثلاثة أرباع العشر ـ وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الرأي (٢) ، ولا نعلم فيه خلافا ـ لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل الأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء وتسقى سيحا : « النصف والنصف نصف بنصف العشر ونصف بالعشر » (٣).

ولأنّ كلّ واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه فإذا وجد في نصفها أوجب نصفه.

وإن تفاوتا كان الحكم للأغلب عند علمائنا ، وبه قال عطاء والثوري وأبو‌

__________________

(١) كرب الأرض يكربها كربا وكرابا : قلبها للحرث. لسان العرب ١ : ٧١٤ ـ ٧١٥ « كرب ».

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠٣ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٤ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ١٥٨ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ ـ ٤١ ، الإستبصار ٢ : ١٥ ـ ٤٤.

١٥١

حنيفة والشافعي ـ في أحد القولين ـ وأحمد في إحدى الروايتين (١).

لقول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الأرض تسقى بالدوالي فتسقى السقية والسقيتان سيحا ، فقال : « وكم تسقى السقية والسقيتان سيحا؟ » قلت : في ثلاثين ليلة أربعين ليلة ، وقد مكث [ قبل ] (٢) ذلك في الأرض ستّة أشهر سبعة أشهر ، قال : « نصف العشر » (٣).

ولأنّ اعتبار مقدار السقي وعدد مرّاته وقدر ما يشرب في كلّ سقية ممّا يشقّ ويتعذّر ، فجعل الحكم للغالب كالطاعة إذا كانت أغلب على الإنسان كان عدلا وإن ندرت منه المعصية.

وقال الشافعي ـ في الثاني ـ : يعتبر قدرهما وتقسّم الزكاة عليهما بالحصّة ، فإن كان السيح الثلثان أخذ ثلثا العشر ، وكذا إن زاد ، لأنّهما لو كانا نصفين وجب الحصّة فيهما فكذا إذا زاد أحدهما كزكاة الفطرة في العبد المشترك (٤). والفرق : عدم مشقّة اعتبار الملك هنا.

فروع :

أ ـ إذا سقي بهما ولم يعلم الغالب رجّح أصالة التساوي ، واخرج من كلّ واحد بالحصة.

ب ـ لو شرب أحد القراحين (٥) سيحا ، والآخر ناضحا ضمّ أحدهما إلى الآخر في النصاب واخرج من السيحي العشر ومن النضحي نصف العشر.

__________________

(١) بدائع الصنائع ٢ : ٦٢ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١١٠ ، اللباب ١ : ١٥١ ، المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦ ، المغني ٢ : ٥٥٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٣.

(٢) ما بين المعقوفين مثبت من المصدر.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٤ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ١٦ ـ ١٧ ـ ٤١ ، الاستبصار ٢ : ١٥ ـ ١٦ ـ ٤٤‌

(٤) المجموع ٥ : ٤٦٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، حلية العلماء ٣ : ٧٦.

(٥) القراح : المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر. الصحاح ١ : ٣٩٦ « قرح ».

١٥٢

ج ـ هل الاعتبار في الأغلبية بالأكثر عددا أو نفعا ونموّا؟ الأقرب : الثاني ، لاقتضاء ظاهر النصّ (١) أنّ النظر إلى مدّة عيش الزرع ونمائه أهو بأحدهما أكثر أو لا.

ويحتمل الأول ، لأنّ المئونة تقلّ وتكثر بهما ، فلو كانت المدّة من يوم الزرع إلى الإدراك ثمانية أشهر واحتاج في ستّة أشهر زمان الشتاء والربيع إلى سقيتين ، وفي شهرين في الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي السقيتين بماء السماء والثلاث بالنضح ، فإن اعتبر العدد وجب نصف العشر.

وعلى أحد قولي الشافعي بالتقسيط يجب خمسا العشر وثلاثة أخماس نصف العشر (٢).

وإن اعتبر مدّة العيش وجب العشر ، لأنّ مدّة السقي بماء السماء أطول ، وعلى التقسيط يجب ثلاثة أرباع العشر وربع نصف العشر.

ولو اعتبر الأنفع لا المدّة فإن علم الأغلب فيه حكم له وإلاّ فبالتساوي.

د ـ لو أنشأ الزرع على إحدى السقيتين ، ثم اتّفق خلافه تغيّر الحكم فيه ، وهو أحد وجهي الشافعي ، والثاني : الاستصحاب (٣) ، وعلى التقديرين يضمّ ما سقي بهذا إلى ما سقي بذاك في حقّ النصاب وإن اختلف قدر الواجب.

مسألة ٨٩ : الزكاة في الغلاّت والثمار إنّما تجب بعد المئونة‌ كأجرة السقي والعمارة والحافظ والحاصد ومصفّى الغلّة وقاطع الثمرة وغير ذلك من المؤن.

__________________

(١) قوله : لاقتضاء ظاهر النص. إلى آخره.

هذا دليل بعض الشافعية أيضا على الرأي الثاني لهم المذكور في نفس الفرع ، والمراد من النصّ ، نصّ الشافعي ، لاحظ فتح العزيز ٥ : ٥٧٩ ، والمجموع ٥ : ٤٦٣.

(٢) راجع : المجموع ٥ : ٤٦٣ ـ ٤٦٤ ، وفتح العزيز ٥ : ٥٧٩.

(٣) المجموع ٥ : ٤٦٤ ، فتح العزيز ٥ : ٥٨٠.

١٥٣

وقال عطاء (١) : إنّ المئونة سبب زيادة المال فيكون على الجميع كالخرج على غيره من الأموال المشتركة ، ولأنّ إلزام المالك خاصة حيف عليه وإضرار به فيكون منفيّا.

وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : إنّها على المالك خاصة ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد (٢) ، لقوله عليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر ) (٣) فلو لزم الفقراء فيها نصيب قصر نصيبهم عن الفرض (٤).

ولا يتناول محلّ النزاع ، لأنّ العشر فيما يكون نماء وفائدة.

فروع :

أ ـ الأقرب أنّ المئونة لا تؤثّر في نقصان النصاب وإن أثّرت في نقصان الفرض ، فلو بلغ الزرع خمسة أوسق مع المئونة ، وإذا أسقطت المئونة منه قصر عن النصاب وجبت الزكاة لكن لا في المئونة بل في الباقي.

ب ـ الأقوى أنّ البذر من المئونة فلا تجب فيه زكاة ، ولأنّه لو وجبت لأدّى إلى تثنية الزكاة وتكرّرها في الغلاّت.

ج ـ ثمن الثمرة من المئونة ، أمّا ثمن أصل النخل أو الدولاب أو الدوابّ فلا.

د ـ إنّما تجب الزكاة بعد إخراج حصّة السلطان.

مسألة ٩٠ : تجب الزكاة في زرع أرض الصلح ومن أسلم أهلها عليها‌ بإجماع العلماء.

__________________

(١) المجموع ٥ : ٤٦٧.

(٢) المجموع ٥ : ٤٦٧ و ٥٣٢ و ٥٧٨ ، مغني المحتاج ١ : ٣٨٦ ، الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ١١٠ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٩٤ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ١٠١ ، المغني ٢ : ٥٧٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٦٦.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الخلاف ٢ : ٦٧ ، المسألة ٧٨ ، المبسوط للطوسي ١ : ٢١٧.

١٥٤

أمّا ما فتح عنوة فإنّها للمسلمين ويقبلها الإمام ممّن شاء ، فإذا زرعها وأدّى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب.

ولا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع ، وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري ويحيى الأنصاري وربيعة والأوزاعي ومالك والثوري والمغيرة والليث والحسن بن صالح بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن المبارك ، والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأحمد (١).

لقوله تعالى ( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢).

وقوله عليه‌السلام : ( فيما سقت السماء العشر ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « كلّ أرض دفعها إليك السلطان فعليك فيما أخرج الله منها ما قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، وإنّما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته لك » (٤).

ولأنّهما حقّان يجبان لمستحقّين يجوز وجوب كلّ منهما على المسلم ولا تنافي بينهما ، فجاز اجتماعهما كالكفّارة والقيمة في صيد الحرم المملوك.

وقال أصحاب الرأي : لا عشر في الأرض الخراجية ، لقوله عليه‌السلام : ( لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم ) (٥).

__________________

(١) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، المجموع ٥ : ٥٣٥ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ و ٥٤٣ ـ ٥٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الأموال ـ لأبي عبيد ـ : ٩٥ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادره في المسألة ٧٨.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٣ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٦ ـ ٩٣ ، الاستبصار ٢ : ٢٥ ـ ٧٠.

(٥) انظر : سنن البيهقي ٤ : ١٣٤ ، والكامل في ضعفاء الرجال ٧ : ٢٧١٠.

١٥٥

ولأنّهما حقّان سبباهما متنافيان ولا يجتمعان كزكاة السائمة والتجارة (١).

والحديث يرويه يحيى بن عنبسة ـ وهو ضعيف ـ عن أبي حنيفة ، وأيضا الخراج إذا كان جزية لا يجامع العشر ، والقياس ضعيف ، لأنّ التجارة وزكاة السوم زكاتان فلا تجتمعان في المال الواحد بخلاف الخراج والزكاة ، لأنّ الخراج يجب في الأرض ، والزكاة في الزرع ، والمستحقّان متغايران.

قال ابن المبارك : يقول الله تعالى ( وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ) (٢) فلا نتركه لقول أبي حنيفة (٣).

تذنيب : لو ضرب الإمام على الأرض الخراج من غير حصة فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع ، لأنّه كالدّين.

ولو جعله ممّا يخرج من الأرض فزرع ما لا عشر فيه وما فيه العشر قسّط الخراج عليهما بالنسبة.

وقال بعض الجمهور : يجعل الخراج فيما لا زكاة فيه إن كان وافيا بالخراج ، وبه قال عمر بن عبد العزيز (٤).

مسألة ٩١ : لو استأجر أرضا فزرعها ، فالعشر على الأجير دون مالك الأرض‌ عند علمائنا ، وبه قال مالك والثوري وشريك وابن المبارك والشافعي وأحمد وابن المنذر (٥) ، لأنّه واجب في المزروع فكان على مالكه.

وقال أبو حنيفة : إنّه على مالك الأرض ، لأنّه من مئونتها فأشبه‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٨ ، بدائع الصنائع ٢ : ٥٧ ، المغني ٢ : ٥٨٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٦ ـ ٥٧٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦.

(٢) البقرة : ٢٦٧.

(٣) حكاه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٥٨٧ ، والشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٤) المغني ٢ : ٥٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٧.

(٥) المدوّنة الكبرى ١ : ٣٤٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، فتح العزيز ٥ : ٥٦٦ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، الميزان ـ للشعراني ـ ٢ : ٧ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

١٥٦

الخراج (١).

وليس بجيّد ، لأنّه لو كان من مئونة الأرض لوجب فيها وإن لم تزرع كالخراج ، ولتقدّر بقدر الأرض لا بقدر الزرع ، ولوجب صرفه إلى مصارف الفي‌ء دون مصرف الزكاة ، إذا ثبت هذا فإنّ مال الإجارة من المئونة يندر (٢) كثمن الثمرة.

فروع :

أ ـ لو استعار أرضا فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع ، لأنّه مالكه.

ب ـ لو غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعشر عليه أيضا ، لأنّه المالك ، وعليه أجرة الأرض وتحسب من المئونة.

ج ـ لو زارع مزارعة فاسدة فالعشر على من يجب الزرع له ، فإن وجب لصاحب الأرض أندر أجرة العامل من المئونة ، وإن وجب للعامل أندر أجرة مثل الأرض.

مسألة ٩٢ : يكره للمسلم بيع أرضه من ذمّي وإجارتها منه‌ لأدائه إلى إسقاط عشر الخارج منها ، فإن باعها من ذمّي أو آجره وكانت من أرض الصلح أو من أرض أسلم أهلها طوعا صحّ البيع والإجارة ، وبه قال الثوري والشافعي وأحمد (٣).

وقال مالك : يمنعون من شرائها ، فإن اشتروها ضوعف عليهم العشر فأخذ منهم الخمس ـ وهو رواية عن أحمد (٤) ـ لأنّ في إسقاط العشر من غلّة‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٥ ، اللباب ١ : ١٥٢ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٢ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٥.

(٢) الإندار : الإسقاط. لسان العرب ٥ : ١٩٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

(٤) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

١٥٧

هذه الأرض إضرارا بالفقراء وتقليلا لحقّهم ، فإذا تعرّضوا لذلك ضوعف عليهم العشر. وهذا قول أهل البصرة وأبي يوسف والحسن وعبيد الله بن الحسن العنبري (١).

وعند علمائنا قريب منه ، فإنّهم أوجبوا على الذمّي الخمس إذا اشترى أرضا من مسلم سواء وجب فيها الخمس كالمفتوحة عنوة أو لا كأرض من أسلم أهلها طوعا وأرض الصلح.

وقال محمد بن الحسن : العشر بحاله (٢).

وقال أبو حنيفة : تصير أرض خراج (٣).

وإنّما أوجب أصحابنا الخمس لإجماعهم ، ولقول الباقر عليه‌السلام : « أيّما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإنّ عليه الخمس » (٤).

إذا ثبت هذا ، فإنّ مستحقّ هذا الخمس على مقتضى قول علمائنا مستحقّ خمس الغنائم.

ويحتمل أن يكون لمستحقّي الزكاة ، وعليه قول من أوجبه من الجمهور ، لأنّها زكاة تضاعفت عليه فلا تخرج بالزيادة عن مستحقّها ، ونمنع العلّة.

وقال الشافعي : لا عشر عليه ولا خراج (٥).

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦.

(٢) حلية العلماء ٣ : ٨٧ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ـ ٥٦١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٩ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٦ ، المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٢ ـ ٨١ ، التهذيب ٤ : ١٢٣ ـ ١٢٤ ـ ٣٥٥ و ١٣٩ ـ ٣٩٣.

(٥) المجموع ٥ : ٥٦٠ ، حلية العلماء ٣ : ٨٦ ، المغني ٢ : ٥٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٧٨.

١٥٨

فروع :

أ ـ إذا كان لمسلم زرع فقبل أن يبدو صلاحه باعه من ذمّي بشرط القطع فتركه حتى اشتدّ فإنّه لا عشر عليه ، لكفره لا بمعنى سقوطها عنه بل بمعنى تعذيبه عليها ، ولا على البائع ، لانتقالها عنه ، فإن ردّه الكافر عليه بعيب بعد بدوّ الصلاح لم تجب الزكاة عليه.

ب ـ لا يجب العشر في زرع المكاتب ـ خلافا لأبي حنيفة (١) ـ وبه قال الشافعي (٢) ، هذا إن كان مشروطا أو مطلقا لم يؤدّ ، ولو أدّى تحرّر بقدره ، فإن بلغ نصيبه نصابا وجبت ، ولم يعتبر الجمهور هذا التقييد.

ج ـ إذا باع تغلبي ـ وهم نصارى العرب ـ أرضا من مسلم وجب على المسلم فيها العشر أو نصف العشر ولا خراج عليه ، لأنّه ملك قد حصل لمسلم فلا يجب عليه أكثر من العشر.

وقال الشافعي : عليه العشر (٣).

وقال أبو حنيفة : يؤخذ منه عشران (٤).

فإن اشترى تغلبي من ذمّي أرضا لزمته الجزية كما تلزم الذمّي ، لأنّه ملك قد حصل لذمّي فوجبت فيه الجزية كاملة كما في سائر أهل الذمة.

وقال أبو حنيفة وأصحابه : عليه عشران وهما خراج يؤخذ باسم الصدقة (٥).

وقال الشافعي : لا عشر عليه ولا خراج (٦).

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٣ : ٤ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٢) الام ٢ : ٢٧ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ و ٥٦٤ ، الوجيز ١ : ٩٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٣) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٦.

(٤) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٦.

(٥) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٧.

(٦) حكى قولهما الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٤ ، المسألة ٨٧.

١٥٩

مسألة ٩٣ : لو مات وله نخل وعليه دين مستوعب تعلّق الدّين بالنخل‌ ، فإذا أثمر بعد وفاته فالوجه أنّ الثمرة للورثة ، لأنّ الدّين ـ على ما اخترناه نحن ـ لا يمنع انتقال الملك إلى الورثة ، والثمرة حدثت في ملكهم فلا يتعلّق الدّين بها ، فإذا بدا صلاحها وجب العشر أو نصفه ، وبه قال الشافعي (١) ، ومن منع الانتقال جعل الدّين متعلّقا بالثمرة والأصل معا.

فإن مات بعد أن أطلع النخل تعلّق الدّين بالأصل والثمرة معا ، وانتقل الملك في الأصول والثمرة إلى الورثة ، فإذا بدا صلاحها وجبت الزكاة على الورثة.

فإن كان لهم مال أخرجوه من مالهم ، لأنّ الوجوب حصل في ملكهم ، وتعلّق حق الغرماء بذلك لا يمنع من وجوب الزكاة كالمرهون وما حدث من الزيادة في ملك الورثة ، فإنّها زيادة غير متميزة فتبعت أصلها كزيادة الرهن.

فإن لم يكن للورثة ما يؤدّون الزكاة احتمل سقوطها ، لتعلّق الدّين بالعين هنا فمنع من تعلّق الزكاة ، ووجوبها ، لأنّ الزكاة تتعلّق بالعين وهي استحقاق جزء من المال فتقدّم على حقوق الغرماء.

مسألة ٩٤ : تضمّ الزروع المتباعدة والثمار المتفرقة في الحكم‌ سواء اتّفقت في الإيناع أو اختلفت ، وسواء اتّفقت في الاطلاع أو اختلفت إذا كانت لعام واحد ، فلو كان له نخل بتهامة يسرع إدراكه لحرارتها ، وآخر بنجد يبطئ لبرودتها ، وبلغا معا خمسة أوسق وجبت الزكاة وإن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر.

ولو كان له نخل في بعضها رطب ، وفي بعضها بسر ، وفي بعضها طلع ، فجذّ الرطب ، ثم بلغ البسر فجذّ ، ثم بلغ الطلع فجذّ ، فإنّه يضمّ بعضها إلى بعض ، لتعذّر إدراك الثمرة في وقت واحد ، وإن كانت في نخلة واحدة.

__________________

(١) المجموع ٥ : ٥٨٨ ـ ٥٨٩.

١٦٠