تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

١
٢

٣
٤

كتاب الزكاة

وفيه أبواب :

الباب الأول : في زكاة المال ،

وفيه مقاصد :

المقصد الأول : في الشرائط

٥
٦

مقدّمة :

الزكاة لغةً : النموّ والطهارة ، وشرعا : الحقّ الواجب في المال الذي يعتبر فيه النصاب ، وسمّي زكاة ، لازدياد الثواب وإثمار المال وطهارته من حقّ المساكين.

ووجوبها معلوم من الكتاب والسنّة والإجماع.

قال الله تعالى ( وَآتُوا الزَّكاةَ ) (١).

ولمّا بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معاذا إلى اليمن ، فقال : ( أعلمهم أنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ في فقرائهم ) (٢).

وأجمع المسلمون كافّة على وجوبها في جميع الأعصار ، وهي أحد أركان الإسلام الخمسة.

إذا عرفت هذا ، فمن أنكر وجوبها ممّن ولد على الفطرة ، ونشأ بين المسلمين فهو مرتدّ يقتل من غير أن يستتاب وإن لم يكن عن فطرة ، بل أسلم عقيب كفر استتيب ـ مع علم وجوبها ـ

__________________

(١) البقرة : ٤٣.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٣٠ ، صحيح مسلم ١ : ٥٠ ـ ١٩ ، سنن أبي داود ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٥ ـ ١٥٨٤ ، سنن الترمذي ٣ : ٢١ ـ ٦٢٥ ، سنن النسائي ٥ : ٣ ـ ٤ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٦.

٧

ثلاثاً ، فإن تاب وإلاّ فهو مرتد وجب قتله.

وإن كان ممّن يخفى وجوبها عليه ، لأنّه نشأ بالبادية ، أو كان قريب العهد بالإسلام عرّف وجوبها ولم يحكم بكفره.

مسألة ١ : ولو اعتقد وجوبها ، ومنعها فهو فاسق‌ يضيّق الإمام عليه ويقاتله حتى يدفعها ، لأنّه حق واجب عليه ، فإن أخفى ماله حبسه حتى يظهره ، فإذا ظهر عليه أخذ منه قدر الزكاة لا أزيد عند علمائنا أجمع ، بل يعزّره ـ وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي في الجديد (١) ـ لقوله عليه‌السلام : ( ليس في المال حقّ سوى الزكاة ) (٢).

ولأنّ منع العبادة لا يوجب عليه مالا كسائر العبادات والكفّارات.

وقال الشافعي ـ في القديم ـ وإسحاق بن راهويه ، وأبو بكر بن عبد العزيز : يأخذ مع الزكاة شطر ماله (٣) ، لقوله عليه‌السلام : ( ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربّنا ليس لآل محمّد فيها شي‌ء ) (٤).

ولو سلّم ، فإنّه منسوخ فإن العقوبات في ابتداء الإسلام كانت في المال ثم نسخ.

مسألة ٢ : ولا يحكم بكفر المانع مع اعتقاد وجوبها‌ عند علمائنا ، وبه قال عامّة أهل العلم (٥).

__________________

(١) المجموع ٥ : ٣٣٦ ـ ٣٣٧ ، المغني ٢ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٨ ، حلية العلماء ٣ : ١١ ، الشرح الصغير ١ : ٢٣٦ ، فتح العزيز ٥ : ٣١٤ ، المنتقى ـ للباجي ـ ٢ : ٩٤.

(٢) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ ـ ١٧٨٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٤.

(٣) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٤ و ٣٣٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٢ ، المغني ٢ : ٤٣٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٨.

(٤) سنن أبي داود ٢ : ١٠١ ـ ١٥٧٥ ، سنن النسائي ٥ : ١٦ ـ ١٧ و ٢٥ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٥ ، مسند أحمد ٥ : ٢ و ٤ ، المستدرك للحاكم ١ : ٣٩٨.

(٥) المغني ٢ : ٤٣٤ و ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٨ و ٦٦٩ ، المجموع ٥ : ٣٣٤.

٨

وقال أحمد في رواية : إنّه يكفّر لقتاله عليها (١).

وهو لا يدلّ على الكفر بل على ارتكاب المحرّم ، ولأنّ الزكاة من فروع الدين فلا يكفّر تاركها كالحج.

وقال عبد الله بن مسعود : ما تارك الزكاة مسلم (٢). وهو محمول على الترك مستحلاّ.

وعليه يحمل قول الصادق عليه‌السلام : « من منع قيراطا من الزكاة فليس بمؤمن ولا مسلم ، وهو قوله عزّ وجلّ ( قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ ) (٣) » (٤) وفي رواية أخرى : « لا تقبل له صلاة » (٥).

مسألة ٣ : ومنعها مع المكنة واعتقاد التحريم يشتمل على إثم كبير ، ولا تقبل صلاته في أول الوقت‌.

قال الباقر عليه‌السلام : « بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المسجد إذ قال : قم يا فلان قم يا فلان حتى أخرج خمسة نفر ، فقال : اخرجوا من مسجدنا لا تصلّوا فيه وأنتم لا تزكّون » (٦).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ما من رجل منع درهما في حقّه إلاّ أنفق اثنين في غير حقّه ، وما من رجل يمنع حقّا في ماله إلاّ طوّقه الله عزّ وجلّ حيّة من نار يوم القيامة » (٧).

__________________

(١) المغني ٢ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٩.

(٢) المغني ٢ : ٤٣٥ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٦٩.

(٣) المؤمنون : ٩٩ و ١٠٠‌

(٤) التهذيب ٤ : ١١١ ـ ٣٢٥ ، الكافي ٣ : ٥٠٣ ـ ٣ ، الفقيه ٢ : ٧ ـ ١٨ ، المقنعة : ٤٣.

(٥) التهذيب ٤ : ١١١ ـ ٣٢٦ ، الكافي ٣ : ٥٠٣ ذيل الحديث ٣ ، الفقيه ٢ : ٧ ـ ١٩ ، المقنعة : ٤٣.

(٦) التهذيب ٤ : ١١١ ـ ٣٢٧ ، الكافي ٣ : ٥٠٣ ـ ٢ ، والفقيه ٢ : ٧ ـ ٢٠.

(٧) التهذيب ٤ : ١١٢ ـ ٣٢٨ ، الكافي ٣ : ٥٠٤ ـ ٧ ، الفقيه ٢ : ٦ ـ ١٥ ، المقنعة : ٤٣.

٩

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( ما حبس عبد زكاة فزادت في ماله ) (١).

وقال الصادق عليه‌السلام : « صلاة مكتوبة خير من عشرين حجّة ، وحجة خير من بيت مملوء ذهبا ينفقه في برّ حتى ينفد ـ ثم قال ـ ولا أفلح من ضيّع عشرين بيتا من ذهب بخمسة وعشرين درهما » فقيل له : وما معنى خمسة وعشرين؟ قال : « من منع الزكاة وقفت صلاته حتى يزكي » (٢).

وقال عليه‌السلام : « ما ضاع مال في برّ ولا بحر إلاّ بتضييع الزكاة ، ولا يصاد من الطير إلاّ ما ضيّع تسبيحه » (٣).

وقال الباقر عليه‌السلام : « ما من عبد منع من زكاة ماله شيئا إلاّ جعل الله ذلك يوم القيامة ثعبانا من نار مطوّقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ، وهو قول الله عزّ وجل ( سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) (٤) يعني ما بخلوا به من الزكاة » (٥).

وقال الصادق عليه‌السلام : « ما من ذي مال ذهب أو فضة يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر ، وسلّط عليه شجاعا أقرع يريده وهو يحيد عنه ، فإذا رأى أنه لا يتخلّص منه أمكنه من يده فقضمها كما يقضم الفجل ، ثم يصير طوقا في عنقه ، وذلك قول الله عز وجلّ ( سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ) وما من ذي مال إبل أو بقر أو غنم يمنع زكاة ماله إلاّ حبسه الله يوم القيامة بقاع قرقر يطؤه كل ذات ظلف بظلفها ، وينهشه كل ذات ناب بنابها ، وما من ذي مال نخل أو كرم أو زرع يمنع زكاة ماله إلاّ طوّقه الله عز وجلّ ريعة أرضه‌

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١١٢ ـ ٣٢٩ ، الكافي ٣ : ٥٠٦ ـ ٢٠.

(٢) الكافي ٣ : ٥٠٤ ـ ١٢ ، الفقيه ٢ : ٧ ـ ٢٢ ، التهذيب ٤ : ١١٢ ـ ٣٣٠.

(٣) الكافي ٣ : ٥٠٥ ـ ١٥ ، الفقيه ٢ : ٧ ـ ٢٣.

(٤) آل عمران : ١٨٠.

(٥) الكافي ٣ : ٥٠٢ ـ ١ ، الفقيه ٢ : ٦ ـ ١٤ ، ثواب الأعمال : ٢٧٨ ـ ١.

١٠

إلى سبع أرضين إلى يوم القيامة » (١).

مسألة ٤ : ليس في المال حقّ واجب سوى الزكاة والخمس‌ ، وهو قول أكثر العلماء (٢) لقوله عليه‌السلام : ( ليس في المال حقّ سوى الزكاة ) (٣).

وقال الشعبي ومجاهد : يجب عليه يوم يحصد السنبل أن يلقي لهم شيئا منه وكذا إذا صرم النخل طرح لهم شيئا من الشماريخ (٤).

ويخرج الزكاة عند الكمال ، لقوله تعالى ( وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ ) (٥) والزكاة لا تخرج يوم الحصاد ، وهي متأولة بالزكاة.

والمراد إيجاب الحق يوم الحصاد ، أو أنه محمول على الاستحباب ، فقد ورد عن أهل البيت عليهم‌السلام استحباب إعطاء الحفنة والحفنتين ، والعذق والعذقين يوم الحصاد والجذاذ (٦) ، لهذه الآية.

والشيخ رحمه‌الله أوجب ذلك أيضا في الخلاف ، واستدلّ بالإجماع من الفرقة والآية ـ ونمنع الإجماع ـ ونقله الشيخ عن الشافعي (٧) أيضا.

وإذ قد تمهّدت هذه المقدّمة ، فنقول : الشروط إمّا عامّة أو خاصة ، أمّا العامّة فأربعة : البلوغ والعقل والحرّيّة والملك التام.

مسألة ٥ : البلوغ شرط في وجوب الزكاة‌ ، فلا تجب في مال الطفل مطلقا ، وبه قال ابن شبرمة ، والحسن البصري ، وسعيد بن المسيّب ، وسعيد‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٠٥ ـ ٥٠٦ ـ ١٩ ، الفقيه ٢ : ٥ ـ ١٠ ، معاني الأخبار : ٣٣٥ ـ ١ ، ثواب الأعمال : ٢٧٩ ـ ٣ ، المحاسن : ٨٧ ـ ٢٦.

(٢) المجموع ٥ : ٥٩٣ ، المغني ٢ : ٥٥٢.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٠ ـ ١٧٨٩ ، سنن البيهقي ٤ : ٨٤.

(٤) المجموع ٥ : ٥٩٣ ـ ٥٩٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٢ ، المغني ٢ : ٥٥٢.

(٥) الأنعام : ١٤١.

(٦) الكافي ٣ : ٥٦٥ ـ ٢ و ٣ ، التهذيب ٤ : ١٠٦ ـ ٣٠٣ و ٣٠٤.

(٧) الخلاف ٢ : ٥ ، المسألة ١.

١١

ابن جبير ، وأبو وائل ، والنخعي ، وأصحاب الرأي (١).

لقوله عليه‌السلام : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق .. ) (٢).

ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما‌السلام وقد سأله محمد بن مسلم عن مال اليتيم : « ليس فيه زكاة » (٣).

وعن الباقر عليه‌السلام : « ليس في مال اليتيم زكاة » (٤).

وعن الصادق عليه‌السلام : « كان أبي يخالف الناس في مال اليتيم ليس عليه زكاة » (٥).

ولأنّ شرط التكليف البلوغ وهو منفي فينتفي المشروط ، ولأنّها عبادة محضة فلا تجب عليه كالصوم والحج.

وقال الشافعي ، ومالك ، وأحمد : تجب في مال الطفل. وأطلقوا.

ورووه عن علي عليه‌السلام ، وعن الحسن بن علي عليهما‌السلام ، وعن عمر ، وابن عمر ، وعائشة ، وجابر بن عبد الله ، وجابر بن زيد ، وابن سيرين ، وعطاء ، ومجاهد ، وربيعة ، والحسن بن صالح بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن عيينة ، وإسحاق ، وأبي عبيد ، وأبي ثور (٦).

__________________

(١) المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٠ ، المجموع ٥ : ٣٣١ ، الميزان ـ للشعراني ـ ٢ : ٣ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٧ ، حلية العلماء ٣ : ١٠ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٢ ، اللباب ١ : ١٣٧.

(٢) مسند أحمد ٦ : ١٠٠ ـ ١٠١ ، الخصال ١ : ٩٤ ـ ٤٠ ، عوالي اللئالي ١ : ٢٠٩ ـ ٤٨.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٦ ـ ٦١.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٦ ـ ٦٢.

(٥) التهذيب ٤ : ٢٧ ـ ٦٣.

(٦) الأم ٢ : ٢٨ ، المجموع ٥ : ٣٢٩ و ٣٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩ ، الميزان للشعراني ٢ : ٣ ، المدوّنة الكبرى ١ : ٢٤٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٨ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٢ ، عمدة القارئ ٨ : ٢٣٧ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٠.

١٢

وحكي عن ابن مسعود ، والثوري ، والأوزاعي أنّها تجب ولا تخرج حتى يبلغ (١).

وقال ابن مسعود : أحص ما يجب في مال اليتيم من الزكاة ، فإذا بلغ أعلمه ، فإذا شاء زكّى وإن شاء لم يزكّ (٢).

احتجّوا بقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من ولي يتيما له مال فليتّجر له ، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة » (٣).

وإنّما تأكله الصدقة بإخراجها ، وإنّما يجوز إخراجها لو كانت واجبة.

ولأنّ عليّا عليه‌السلام كان عنده مال لأيتام بني أبي رافع ، فلمّا بلغوا سلّمه إليهم ، وكان قدره عشرة آلاف دينار ، فوزنوه فنقص فعادوا إلى علي عليه‌السلام ، وقالوا : إنّه ناقص. قال : « أفحسبتم الزكاة؟ » قالوا : لا. قال : « فاحسبوها » فحسبوها فخرج المال مستويا ، فقال عليه‌السلام : « أيكون عندي مال لا أؤدّي زكاته! » (٤).

ولأنّ من يجب العشر في زرعه يجب ربع العشر في ورقه كالبالغ.

والحديثان محمولان على الاستحباب ، ونمنع وجوب العشر.

تذنيب : لا زكاة في المال المنسوب إلى الجنين ، لعدم التكليف ، وعدم الوثوق بحياته ووجوده ، وهو أحد وجهي الشافعيّة ، والثاني : يجب كمال الصبي (٥). والأصل ممنوع.

مسألة ٦ : لو اتّجر في مال الطفل من له ولاية في ماله‌ نظرا للطفل وشفقة‌

__________________

(١) المجموع ٥ : ٣٣١ ، حلية العلماء ٣ : ٩ ، الميزان للشعراني ٢ : ٣ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٧٠.

(٢) المجموع ٥ : ٣٢٩ ، المغني ٢ : ٤٨٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٢ ، والام ٢ : ٢٩.

(٣) سنن الترمذي ٣ : ٣٢ ـ ٦٤١ ، سنن الدارقطني ٢ : ١٠٩ ـ ١١٠ ـ ١.

(٤) سنن الدارقطني ٢ : ١١٠ ـ ١١١ ـ ٥ و ٦ ، سنن البيهقي ٤ : ١٠٧ ـ ١٠٨ بتفاوت.

(٥) المجموع ٥ : ٣٣٠ ، فتح العزيز ٥ : ٥١٨.

١٣

عليه استحب له إخراج الزكاة.

لقول الصادق عليه‌السلام : « ليس في مال اليتيم زكاة إلاّ أن يتّجر به » (١).

ولو ضمن الولي المال واتّجر به لنفسه ، وكان مليّا بالمال كان الربح له والزكاة عليه استحبابا ، لأنّ الولاية تسيغ التصرّفات ، وتضمين المليّ سائغ.

ولأنّ منصور الصيقل سأل الصادق عليه‌السلام عن مال اليتيم يعمل به؟

قال ، فقال : « إذا كان عندك مال وضمنته فلك الربح وأنت ضامن للمال ، وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال » (٢).

إذا ثبت هذا ، فإذا لم يكن مليّا وإن كان وليّا ، وضمن المال ، واتّجر به لنفسه كان الربح لليتيم ، وعليه ضمان المال ولا زكاة ، لأنّه تصرّف غير سائغ فلا يملك ربحه بل صاحب المال.

ولقوله عليه‌السلام : « .. وإن كان لا مال لك وعملت به فالربح للغلام وأنت ضامن للمال » (٣).

وكذا إذا كان مليّا ولم يكن وليّا ، لانتفاء ولايته عن المال.

ولأنّ سماعة سأل الصادق عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده مال اليتيم فيتّجر به أيضمنه؟ قال : « نعم » قلت : فعليه زكاة؟ قال : « لا ، لعمري لا أجمع عليه خصلتين : الضمان والزكاة » (٤).

مسألة ٧ : وتستحب في غلاّت الطفل ومواشيه من غير وجوب‌ ، لعدم التكليف في حقّه ، ولأنّها عبادة يفتقر أداؤها إلى النية ، فلا تجب على من يتعذّر عليه.

ولأنّ أبا بصير سمع الصادق عليه‌السلام يقول : « ليس في مال اليتيم‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤١ ـ ٦ ، التهذيب ٤ : ٢٧ ـ ٦٥ ، الاستبصار ٢ : ٢٩ ـ ٨٣.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٩ ـ ٧١ ، الاستبصار ٢ : ٣٠ ـ ٨٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٢٩ ـ ٧١ ، الاستبصار ٢ : ٣٠ ـ ٨٩.

(٤) التهذيب ٤ : ٢٨ ـ ٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٠ ـ ٨٧.

١٤

زكاة ، وليس عليه صلاة ، وليس على جميع غلاّته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة ، وإن بلغ فليس عليه لما مضى زكاة ، ولا عليه لما يستقبل حتى يدرك ، فإذا أدرك كانت عليه زكاة واحدة ، وكان عليه مثل ما على غيره من الناس » (١).

وأمّا الاستحباب : فلقول الباقر عليه‌السلام والصادق عليه‌السلام : « مال اليتيم ليس عليه في العين والصامت شي‌ء ، فأمّا الغلاّت فإنّ عليها الصدقة واجبة » (٢) والمراد تأكيد الاستحباب جمعا بين الأدلّة.

وقال الشيخ : تجب في غلاّته ومواشيه (٣) ، لهذا الحديث. وقد بيّنا جوابه.

وقال أبو حنيفة : تجب الزكاة في غلاّت الأطفال (٤).

مسألة ٨ : العقل شرط في وجوب الزكاة‌ ، فلا زكاة على المجنون المطبق ، والخلاف فيه كالخلاف في الطفل سواء.

وكذا حكمه حكم الطفل في استحباب الزكاة لو اتّجر له الولي بماله لأجله.

ولو اتّجر لنفسه ، وضمن المال ، وكان مليّا ضمن ، والربح له ، وزكاة التجارة عليه.

ولو انتفى أحدهما ضمن ، والربح للمجنون ، ولا زكاة ، كما تقدّم في الطفل.

وسأل موسى بن بكر أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ فقال : « إن كان أخوها يتّجر به فعليه زكاة » (٥).

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٢٩ ـ ٣٠ ـ ٧٣ ، الإستبصار ٢ : ٣١ ـ ٩١ ، الكافي ٣ : ٥٤١ ـ ٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤١ ـ ٥ ، التهذيب ٤ : ٢٩ ـ ٧٢ ، الاستبصار ٢ : ٣١ ـ ٩٠.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٢٣٤.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٥٦ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٤ ، المجموع ٥ : ٣٢٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥.

(٥) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٣٠ ـ ٧٦.

١٥

وسأل عبد الرحمن بن الحجاج ، الصادق عليه‌السلام عن امرأة مختلطة عليها زكاة؟ فقال : « إن كان عمل به فعليها زكاة ، وإن لم يعمل به فلا زكاة » (١).

تذنيب : لو كان الجنون يعتوره اشترط الكمال طول الحول ، فلو جنّ في أثنائه سقط ، واستأنف من حين عوده.

وتجب الزكاة على النائم والساهي والمغفل دون المغمى عليه ، لأنّه تكليف وليس من أهله.

وهل تجب على السفيه؟ الوجه : ذلك ، لوجود الشرط ، وحجر الحاكم لمصلحته لا ينافي تمكّنه ، لأنّه كالنائب عنه.

مسألة ٩ : الحرّيّة شرط في الزكاة فلا تجب على العبد‌ بإجماع العلماء ، ولا نعلم فيه خلافا إلاّ عن عطاء وأبي ثور فإنّهما قالا : على العبد زكاة ماله (٢).

وهو خطأ ، لأنّه غير مالك ولا متمكن.

ولو ملّكه مولاه ، ففي تملّكه قولان : المنع ، وهو الأقوى ، لقوله تعالى ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٣).

وقوله تعالى ( ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ ) (٤).

ولأنّه مال فلا يملك المال كالبهائم ، فعلى هذا الزكاة على السيد ، لعدم خروجه عن ملكه ، فأشبه المال في يد المضارب والوكيل ، وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال سفيان ، وإسحاق ، وأحمد ـ في رواية ـ وأصحاب‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٢ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣٠ ـ ٧٥.

(٢) المجموع ٥ : ٣٣١ ، المغني ٢ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٧ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٨.

(٣) النحل : ٧٥.

(٤) الروم : ٢٨.

١٦

الرأي (١).

والثبوت ـ وهو القول الثاني للشافعي (٢) ـ فلا تجب الزكاة على السيد ، لأنّه لا يملك ، ولا على العبد لنقص ملكه وضعفه ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، وبه قال ابن عمر ، وجابر ، والزهري ، وقتادة ، ومالك ، وأبو عبيد (٣).

تذنيب : المدبّر وأمّ الولد كالقنّ ، لأنّه لا حريّة فيهما ، وأمّا من انعتق بعضه فإن بلغ نصيب الحرية نصابا وجب عليه فيه الزكاة وإلاّ فلا ـ وبه قال أحمد (٤) ـ لتماميّة الملك فيه.

وقال الشافعي : لا زكاة فيه ، لأنّ الرقّ الذي فيه يمنع من تمام ملكه (٥).

وهو ممنوع ، ولهذا أوجبنا عليه الفطرة في نصفه الحرّ.

مسألة ١٠ : المكاتب لا زكاة عليه إذا لم ينعتق بعضه‌ ، سواء كان مشروطا أو مطلقا لم يؤدّ ، لا في المال الذي كسبه ولا عشر أرضه عند علمائنا ، وبه قال مالك ، والشافعي ، وأحمد (٦).

لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا زكاة في مال المكاتب ) (٧).

__________________

(١) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٧ ، المجموع ٥ : ٣٢٧ ، المغني ٢ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٩ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٦٤ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، المحلّي ٥ : ٢٠٢.

(٢) المجموع ٥ : ٣٢٧ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٩.

(٣) المغني ٢ : ٤٨٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٩ ، بداية المجتهد ١ : ٢٤٥ ، بلغة السالك ١ : ٢٠٦ ، المحلّى ٥ : ٢٠٢.

(٤) المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٩.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٤٧ ، المجموع ٥ : ٣٢٦.

(٦) الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٨ ، المجموع ٥ ، ٣٢٦ و ٣٣٠ ، الوجيز ١ : ٨٧ ، المغني ٢ : ٤٩٠.

(٧) أورده ابن قدامة في المغني ٢ : ٤٩١ ، وكذا أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٤٢ ، المسألة ٤٣ عن ابن عمر وجابر قالا : لا زكاة ..

ورواه الدارقطني في سننه ٢ : ١٠٨ ـ ١ وكذا البيهقي في سننه ٤ : ١٠٩ بلفظ : ( ليس في مال المكاتب زكاة ) إلاّ أنّه في الأوّل عن جابر عن النبي ( ص ) وفي الثاني موقوف على جابر.

١٧

ولأنّ الزكاة تجب على طريق المواساة فلا تجب في مال المكاتب كنفقة الأقارب.

وقال أبو ثور : يجب ذلك كلّه ، لأنّ الحجر من السيد لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على الصبي والمجنون (١). ونحن نمنع الأصل.

وحكي عن أبي حنيفة أنّه يجب العشر في الخارج من أرضه ، بناء على أصله من أنّ العشر مئونة الأرض وليس بزكاة (٢).

إذا عرفت هذا ، فلا زكاة على السيد أيضا ، لانقطاع تصرّفاته عن ماله ، فإن عجز واسترقّه مولاه ، صار ما في يده لمولاه ، يستأنف له الحول ، وإن عتق ملك المكاتب ما في يده ، واستأنف الحول من حين العتق.

مسألة ١١ : يشترط في وجوب الزكاة تماميّة الملك‌ ، وأسباب النقص ثلاثة : منع التصرف ، وتسلّط الغير ، وعدم قرار الملك ، فلا تجب الزكاة في المغصوب ، ولا الضالّ ، ولا المجحود بغير بيّنة ، ولا المسروق ، ولا المدفون مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع ، فإذا عاد صار كالمستفاد يستقبل به حولا من حين عوده ، وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي ـ في القديم ـ وأحمد في إحدى الروايتين (٣) ، لأنّه خرج عن يده وتصرّفه ، فصار ممنوعا منه ، فلا زكاة عليه فيه ، كمال المكاتب.

__________________

(١) المجموع ٥ : ٣٣٠ ، المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨.

(٢) المغني ٢ : ٤٩٠ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٣٨ ، المجموع ٥ : ٣٣٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ٦.

(٣) بدائع الصنائع ٢ : ٩ ، المهذّب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، المجموع ٥ : ٣٤١ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٩ ، حلية العلماء ٣ : ١٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٣ ، المغني ٢ : ٦٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٥.

١٨

ولقول الصادق عليه‌السلام : « لا صدقة على الدّين ، ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك » (١).

وقال الشافعي في الجديد : تجب فيها الزكاة ، فإذا وجدها زكّاها لما مضى (٢) ، وهو رواية عن أحمد ، لأنّ الحيلولة بينه وبين المال لا تسقط الزكاة ، كما لو أسر أو حبس وحيل بينه وبين ماله (٣).

ونمنع حكم الأصل إذا لم يكن في يد وكيله وإن كان ظهر الفرق ، وعلى كلا القولين لا زكاة قبل قبضه.

وللشافعي قول ثالث : إن عاد المغصوب بجميع نمائه زكّاه لما مضى (٤).

وقال مالك : إذا قبضه زكّاه لحول واحد (٥). وهو على الاستحباب عندنا.

لقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله رفاعة عن الرجل يغيب عنه ماله خمس سنين ثم يأتيه ولا يدر على كم يزكّيه؟ قال : « سنة واحدة » (٦).

فروع :

أ ـ لو ضلّت واحدة من النصاب أو أكثر ، أو سرقت ، أو غصبت فنقص النصاب فالحكم كما لو ضلّ جميعه ، ومن أوجب الإخراج هناك أوجب الإخراج عن الموجود ، وإذا رجع الضالّ أخرج عنه.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٣١ ـ ٧٨.

(٢) أي : لما مضى من الزمان الذي كان المال بيد الغاصب مثلا.

(٣) المهذّب للشيرازي ١ : ١٤٩ ، المجموع ٥ : ٣٤١ ، حلية العلماء ٣ : ١٥ ، الميزان للشعراني ٢ : ٣ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٩ ، وانظر : المغني ٢ : ٦٤١.

(٤) المجموع ٥ : ٣٤١ ، الوجيز ١ : ٨٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٩.

(٥) بداية المجتهد ١ : ٢٤٧ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٨ ، حلية العلماء ٣ : ١٥ ، فتح العزيز ٥ : ٤٩٩ ، المغني ٢ : ٦٣٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٤٤٥.

(٦) الكافي ٣ : ٥١٩ ـ ٢ ، التهذيب ٤ : ٣١ ـ ٧٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٨ ـ ٨٢.

١٩

ب ـ لو أسر المالك لم تسقط الزكاة عنه إذا لم يمنع من التصرف في ماله ، وإن منع سقطت ، والغائب لا زكاة فيه إذا لم يكن في يد وكيله ولم يتمكن منه.

ج ـ لو مضى على المفقود سنون ثم عاد زكّاه لسنة استحبابا.

د ـ لو غصبت الماشية فلا زكاة على ما قلناه ، والموجبون قالوا : إن كانت سائمة في يد المالك والغاصب وجبت الزكاة ، وإن كانت معلوفة عندهما فلا زكاة قولا واحدا.

وإن كانت معلوفة عند المالك سائمة عند الغاصب فوجهان : الوجوب لأن السوم من المالك يوجب الزكاة فكذا من الغاصب ، كما لو غصب بذرا فزرعه وجب العشر في الخارج.

والعدم لعدم رضا المالك بإسامتها فلا تجب عليه الزكاة بفعل الغاصب.

ولو سامها المالك وعلفها الغاصب فوجهان : الزكاة ، لأنّ علف الغاصب محرّم فلا يمنع من إيجاب الزكاة ، والسقوط ، لأنّ الشرط ـ وهو السوم ـ لم يوجد (١).

والحقّ ما قلناه.

مسألة ١٢ : المرتد إن كان عن فطرة خرجت أمواله عنه في الحال إلى ورثته ، ولا تقبل توبته‌ ، بل يقتل في الحال فيستأنف ورثته الحول من حين انتقال الملك إليهم وتمكنهم منه.

ثم إن كان عن غير فطرة انتظر به العود ، فإن عاد إلى الإسلام بعد حلول الحول وجب عليه الزكاة بحلول الحول ، وإن لم يعد فقتل بعد حلول الحول ، أو لحق بدار الحرب وجب أن تخرج عنه الزكاة لبقاء ملكه إلى حين القتل ، ومنعه عن التصرف فيه مستند إلى اختياره لتمكنه من الرجوع إلى الإسلام.

__________________

(١) راجع : المغني ٢ : ٦٣٩ ـ ٦٤٠.

٢٠