تذكرة الفقهاء - ج ٥

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تذكرة الفقهاء - ج ٥

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-5503-45-0
الصفحات: ٤٦٨

فليس فيها شي‌ء إلاّ أن يشاء ربّها ) (١) والرقّة : الدراهم المضروبة.

ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما‌السلام : « ليس في الفضّة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم » (٢).

واعلم أنّ المثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام ، وأمّا الدراهم فإنّها مختلفة الأوزان ، فكانت في صدر الإسلام صنفين : سودا وطبريّة ، وكانت السود كلّ درهم ثمانية دوانيق ، والطبريّة أربعة دوانيق ، فجمعا في الإسلام وجعلا درهمين متساويين ، كلّ درهم ستّة دوانيق ، فالدراهم التي يعتبر فيها النصاب هي الدراهم التي كلّ عشرة منها وزن سبعة مثاقيل بمثقال الذهب ، فكلّ درهم نصف مثقال وخمسه ، وهي الدراهم الإسلامية التي يقدّر بها نصب الزكاة ، ومقدار الجزية ، والديات ، ونصاب القطع في السرقة ، وغير ذلك ، والدانق : ثمان حبّات من أوسط حبّات الشعير.

مسألة ٦٥ : نصاب الذهب عشرون مثقالا ، ولا تعتبر قيمته بالفضّة‌ عند علمائنا أجمع ، وهو قول أكثر العلماء (٣).

لقول علي عليه‌السلام : « في كلّ عشرين دينارا نصف دينار » (٤).

ولأنّه نصاب تجب الزكاة في عينه فلا يعتبر بغيره كسائر الأموال الزكوية.

وقال طاوس والزهري وسليمان بن حرب وأيوب السجستاني : إنّه معتبر بالفضّة ، فما كان قيمته مائتي درهم ففيه الزكاة وإلاّ فلا ، لأنّه لم يثبت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقدير في نصابه فيحمل على الفضّة (٥) ، وقد بيّنا النقل‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ـ ١٤٧ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٧ ـ ١٥٦٧ ، سنن النسائي ٥ : ٢٣.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣٠.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩٧.

(٤) أوعزنا إلى مصادره في المسألة ٦٣.

(٥) المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٥٩٧ ، و ٥٩٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠.

١٢١

عنه وعن أهل بيته عليهم‌السلام.

مسألة ٦٦ : لو نقص نصاب الذهب أو الفضّة شيئا يسيرا كالحبّة سقطت الزكاة‌ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وإسحاق وابن المنذر (١).

لقوله عليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) (٢) والأوقية : أربعون درهما إجماعا.

ومن طريق الخاصة قول أحدهما عليهما‌السلام : « ليس في الفضّة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم ، وليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا » (٣).

وقول الصادق عليه‌السلام : « في كلّ مائتين خمسة دراهم من الفضّة ، وإن نقص فليس عليك زكاة ، ومن الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار ، وإن نقص فليس عليك شي‌ء » (٤).

وهو رواية عن أحمد ، وفي اخرى : إن كان النقص يسيرا كالحبّة والحبّتين من الفضّة وجبت الزكاة ، لأنّه لا يضبط غالبا فهو كنقص الحول ساعة وساعتين ، وإن كان نقصا بيّنا كالدانق والدانقين فلا زكاة.

وعن أحمد : إنّ الذهب إن نقص ثلث مثقال زكّاه ـ وبه قال عمر بن عبد العزيز وسفيان ـ وإن نقص نصفا فلا زكاة ، وعن أحمد أيضا : إن نقص ثمنا فلا زكاة (٥).

وعن مالك روايتان : إحداهما : إن نقص النصاب نقصا يسيرا يجوز جواز الوازنة وجبت الزكاة ، لأنّها تجوز جواز الوازنة أشبهت الوازنة.

__________________

(١) المجموع ٦ : ٧ و ١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٧ ، حلية العلماء ٣ : ٨٩ ، المغني ٢ : ٥٩٧.

(٢) صحيح مسلم ٢ : ٦٧٣ ـ ٩٧٩ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ ـ ٥ و ٦ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٢ ـ ١٧٩٤ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، الموطأ ١ : ٢٤٤ ـ ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٥ ( باب زكاة الذهب والفضة ) ، حديث ١ ، التهذيب ٤ : ١٢ ـ ٣١.

(٥) المغني ٢ : ٥٩٧ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠.

١٢٢

الثانية : إن نقص الحبّة والحبّتين في جميع الموازين وجبت الزكاة (١) ، وهي المعروفة من مذهبه.

وقال الأبهري : ليس هذا مذهب مالك ، وإنّما مذهبه أنّها إن نقصت في بعض الموازين وهي كاملة في بعضها ففيها الزكاة (٢).

والأحاديث تدلّ على اعتبار النصاب تحقيقا.

تذنيب : المعتبر في نصاب الفضّة الوزن وهو أن يكون كلّ عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، وكلّ درهم ستّة دوانيق ، ولا اعتبار بالعدد ، ولا بالسود البغليّة (٣) التي في كلّ درهم درهم ودانقان ، ولا بالطبرية الخفيفة التي في كلّ درهم أربعة دوانيق ، وبه قال عامّة فقهاء الإسلام (٤).

وقال ( المغربي من أهل الظاهر ) (٥) : الاعتبار بالعدد دون الوزن ، فإذا بلغت المائتين عددا ففيها الزكاة ، سواء كانت وافية (٦) أو من الخفيفة ، وإن كانت أقلّ من المائتين عددا فلا زكاة فيها سواء كانت خفيفة أو وافية (٧).

وهو مدفوع بالإجماع ، وخلاف المغربي قد انقرض ، وانعقد الإجماع على خلافه ، فعلى هذا لو زاد العدد عن مائتين ولم تبلغ مائة وأربعين مثقالا فلا زكاة ، ولو نقص عن مائتين وبلغ مائة وأربعين مثقالا وجبت.

مسألة ٦٧ : إذا بلغ أحدهما النصاب وجب فيه ربع العشر‌ ، فيجب في العشرين مثقالا نصف دينار ، وفي المائتين من الفضّة خمسة دراهم بإجماع‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٧ ، الموطأ ١ : ٢٤٧ ، المنتقى للباجي ٢ : ٩٥ ، المجموع ٦ : ٧.

(٢) المنتقى للباجي ٢ : ٩٦.

(٣) ورد في النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق : التغلبية. والصحيح ما أثبتناه.

(٤) المجموع ٦ : ١٩.

(٥) ورد في النسخ الخطية بدل ما بين القوسين هكذا : المغربي وأهل الظاهر. والصحيح ما أثبتناه من المصادر.

(٦) درهم واف : وفى بزنته لا زيادة فيه ولا نقص. لسان العرب ١٥ : ٣٩٩ « وفى ».

(٧) المجموع ٦ : ١٩ ، حلية العلماء ٣ : ٨٩.

١٢٣

علماء الإسلام.

قال عليه‌السلام : ( هاتوا ربع العشور من كلّ أربعين درهما درهما ، وليس في تسعين ومائة شي‌ء ) (١).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا فعليه (٢) نصف دينار ، وليس فيما دون العشرين شي‌ء ، وفي الفضّة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم ، وليس فيما دون المائتين شي‌ء » (٣).

مسألة ٦٨ : النصاب الثاني للذهب : أربعة دنانير وفيها قيراطان ، وللفضّة : أربعون درهما وفيها درهم واحد‌ ، ولا شي‌ء في الزائد على النصاب الأول منهما ما لم يبلغ ما قلناه عند علمائنا كافّة ، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس والحسن والشعبي ومكحول والزهري وعمرو بن دينار وأبو حنيفة (٤).

لقوله عليه‌السلام : ( من كلّ أربعين درهما درهما ) (٥).

وقال عليه‌السلام : ( إذا بلغ الورق مائتين ففيه خمسة دراهم ، ثم لا شي‌ء فيه حتى يبلغ إلى أربعين درهما ) (٦) وهذا نصّ.

ومن طريق الخاصة قول الباقر والصادق عليهما‌السلام : « فإذا كملت‌

__________________

(١) أورده ابن قدامة في المغني ٢ : ٦٠٠ ونحوه في سنن الترمذي ٣ : ١٦ ـ ٦٢٠.

(٢) في المصدر : ففيه.

(٣) التهذيب ٤ : ٧ ـ ١٥.

(٤) المجموع ٦ : ١٦ ـ ١٧ ، المغني ٢ : ٦٠٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧ ـ ١٨ ، اللباب ١ : ١٤٦ و ١٤٨.

(٥) أوعزنا إلى مصادره في الهامش (١) من هذه الصفحة.

(٦) أورده كما في المتن ، ابن قدامة في المغني ٢ : ٦٠١ ، ونحوه في سنن الدارقطني ٢ : ٩٣ ـ ١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٥.

١٢٤

عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، فإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة » (١).

وعن الباقر عليه‌السلام : « ليس فيما دون المائتين شي‌ء ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين فليس فيها شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، وكذلك الدنانير على هذا الحساب » (٢).

ولأنّ له عفوا في الابتداء فكان له عفو بعد النصاب كالماشية.

وقال مالك والثوري وابن أبي ليلى والشافعي وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وأبو عبيد وابن المنذر وأحمد : لا يعتبر نصاب أحدهما بل تجب الزكاة في زيادتهما وإن قلّت.

ورواه الجمهور عن علي عليه‌السلام وابن عمر وعمر بن عبد العزيز والنخعي.

لما روي عن علي عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه ، قال : ( هاتوا ربع العشر عن كلّ أربعين درهما درهما ، وليس عليكم شي‌ء حتى تتمّ مائتين ، وإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم فما زاد فبحساب ذلك ) (٣).

ولأنّه مال متجر (٤) فلم يكن له عفو بعد النصاب كالحبوب (٥).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٥ ـ ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ ـ ١٣ ، الاستبصار ٢ : ١٢ ـ ٣٥.

(٢) التهذيب ٤ : ٧ ـ ١٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٩٩ ـ ١٠٠ ـ ١٥٧٢ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩٢ ـ ٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٥.

(٤) ورد في النسخ الخطية : يتجر. والصحيح ما أثبتناه.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ١٦ ، فتح العزيز ٦ : ٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩١ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٦ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٠ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧ ـ ١٨.

١٢٥

ولا دلالة في الحديث ، لأنّ ما زاد على المائتين بحساب المائتين في كلّ أربعين درهم وليس في الناقص عنها شي‌ء ، إذ لا يسمّى أربعين فهو حجّة لنا ، والقياس مدفوع بما تقدّم.

إذا ثبت هذا ، فكلّما زاد الذهب أربعة أربعة كان فيها قيراطان في كلّ أربعة ، وإذا زادت الفضّة أربعين أربعين ففيها درهم في كلّ أربعين بلا خلاف عندنا ، ولا زكاة فيما نقص عن ذلك وإن خرج بالتامّ.

تذنيب : لا فرق في النصاب الأول والثاني في أنّه لو نقص منه شي‌ء يسير كالحبّة تسقط الزكاة سواء اتّفقت الموازين في النقص أو اختلفت فيه كما قلناه في الأول ، ولو اختلفت بما جرت العادة به فالأقرب عدم الوجوب‌

مسألة ٦٩ : لا تجب الزكاة في المغشوشة حتى يبلغ الصافي نصابا ، وكذا المختلط بغيره‌ عند علمائنا ، وبه قال الشافعي وأحمد (١).

لقوله عليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة ) (٢).

ولأنّ المناط كونه ذهبا وفضّة ، والغشّ ليس أحدهما.

وقال أبو حنيفة : إن كان الغشّ النصف أو أكثر كانت كالعروض تعتبر بالقيمة ، وإن كان الغشّ دون النصف سقط حكم الغشّ وكانت كالفضّة الخالصة التي لا غشّ فيها ، لأنّ الفضّة لا تنطبع إلاّ بالغشّ (٣) ، وليس حجّة.

__________________

(١) المجموع ٦ : ٩ و ١٩ ، فتح العزيز ٦ : ١١ ـ ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢ ، مغني المحتاج ١ : ٣٩٠ ، المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٠.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٤٨ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٥ ـ ٩٨٠ ، سنن النسائي ٥ : ٣٦ ، الموطأ ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ـ ٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٤.

(٣) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٤ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٤ ، اللباب ١ : ١٤٧ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٦٢ ، المجموع ٦ : ١٩ ، فتح العزيز ٦ : ١٢ ، وحكاه عنه أيضا المحقّق في المعتبر : ٢٦٦.

١٢٦

فروع :

أ ـ لا يجوز أن يخرج عن مائتي درهم خالصة خمسة مغشوشة ـ وبه قال الشافعي (١) ـ لأنّه من ردي‌ء المال فلا يجزئ عن الجيّد.

وقال أبو حنيفة : يجوز (٢).

ب ـ لو ملك النصاب ولم يعلم هل فيه غشّ أم لا وجبت الزكاة ، لأصالة الصحّة والسلامة.

ولو علم أنّ فيه غشّا وشك هل بلغ الصافي نصابا أو لا لم يؤمر بالسبك ولا الإخراج منها ولا من غيرها ، لأنّ بلوغ النصاب شرط ولم يعلم حصوله فأصالة البراءة لم يعارضها شي‌ء.

وقال أحمد : يلزمه أحدهما (٣).

ج ـ لو عرف أنّ فيه نصابا خالصا وجهل الزيادة عليه ، قال الشيخ : يؤمر بسبكها إن لم يتبرّع بالاحتياط في الإخراج (٤) ـ وبه قال الشافعي وأحمد (٥) ـ لأنّ الذمّة مشغولة ، ولا يحصل يقين البراءة إلاّ بالسبك أو الاحتياط في الإخراج.

والوجه : أخذ ما تيقّن وجوبه ، ويطرح المشكوك فيه عملا بأصالة البراءة ، ولأنّ الزيادة كالأصل ، فكما لو شكّ هل بلغ الصافي نصابا تسقط كذا لو شكّ هل بلغت الزيادة نصابا آخر.

د ـ لو أخرج عن المغشوشة منها فإن اتّفق مثل أن يكون في كلّ دينار سدسه وعلم ذلك أجزأ ، لأنّه يكون مخرجا لربع العشر ، وإن اختلف أو لم‌

__________________

(١) المجموع ٦ : ٨ ، فتح العزيز ٦ : ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩١ ، مغني المحتاج ١ : ٣٩٠.

(٢) المجموع ٦ : ١٩ ، فتح العزيز ٦ : ١٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩١.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٠.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٠ ، وعنه في المعتبر : ٢٦٦.

(٥) المجموع ٦ : ١٠ ، المغني ٢ : ٥٩٩ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٠.

١٢٧

يعلم لم يجزئه إلاّ الاستظهار بأن يتيقّن أنّ ما أخرجه من الذهب محيط بقدر الزكاة ، ولو أخرج ذهبا لا غشّ فيه فهو أفضل.

هـ ـ لو أراد إسقاط الغشّ وإخراج الزكاة عن قدر ما فيه من الذهب كمن معه أربعة وعشرون دينارا سدسها غشّ فأسقطه وأخرج نصف دينار عن عشرين جاز ، لأنّه لو سبكها لم يلزمه إلاّ ذلك ، ولأنّ غشّها لا زكاة فيه.

و ـ لو كان الغشّ ممّا تجب فيه الزكاة وجبت الزكاة فيه أيضا إن بلغ نصابا أو كمل ما معه من جنسه نصابا.

ز ـ كره الشافعي ضرب الدراهم المغشوشة (١).

والوجه : التحريم إلاّ مع الاعتياد بإخراجها.

ثم إن كانت مضبوطة صحّت المعاملة بها ، وإن كانت مجهولة النقرة احتمل جواز المعاملة كما يجوز بيع المعجونات وإن جهلت مقادير بسائطها ، والمنع ، لأنّها تطلب لما فيها من النقرة وهي مجهولة القدر.

ح ـ لو علم النصاب وقدر الغشّ أخرج عن الخالصة مثلها وعن المغشوشة منها.

ط ـ لو كان الغشّ ممّا تجب فيه الزكاة وجبت عنهما على ما تقدّم ، فإن أشكل الأكثر منهما ولم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر من جنس الأكثر قيمة ، فلو كان أحد النقدين ستمائة والآخر أربعمائة أخرج زكاة ستمائة ذهبا وأربعمائة فضّة إن كان الذهب أكثر قيمة ، وإلاّ فالعكس.

ي ـ لو تساوى العيار واختلفت القيمة كالرضوية والراضية استحب الأفضل ، والوجه : عدم إجزاء الأنقص قيمة وإن تساوى قدرا ، بل يجب التقسيط ، ولو أخرج من أوسطها ما يفي بقدر الواجب وقيمته أجزأ ، ولو نقص قدرا مثل أن يخرج عن نصف دينار ثلث دينار جيّد احتمل الإجزاء اعتبارا بالقيمة‌

__________________

(١) المجموع ٦ : ١٠ ، فتح العزيز ٦ : ١٣.

١٢٨

وعدمه ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ على نصف دينار (١) فلم يجز النقص منه ، ولو أخرج من الأردأ وزاد في القدر بقدر ما يفي بقيمة الواجب جاز.

يا ـ يكمل جيّد النقرة برديئها كالنعام والخشن ، وكذا الذهب العالي والدون ، ثم يخرج من كلّ جنس بقدره ، وكذا الدراهم والدنانير الصحاح والمكسّرة يضمّ بعضها إلى بعض ما لم يخرج بالكسر عن اسم المضروبة كما لو سحقت أجزاء صغارا لا يظهر الضرب والنقش فيها ، ثم يخرج عن كلّ جنس بقدره ، ولو أخرج من المكسّرة بقدر الواجب قيمة أجزأ ، وكذا من الصحيحة وإن قصر الوزن على إشكال.

يب ـ لو أخرج بهرجا عن الجيّد وزاد بقدر ما يساوي قيمة الجيّد جاز ، لأنّه أخرج القيمة.

وقال الشافعي : لا يجوز (٢) ، وهل يرجع فيما أخرجه من المعيب؟

وجهان عند أصحابه (٣).

وقال أبو حنيفة : يجوز إخراج الرديئة عن الجيّدة من غير جبران ، لأنّ الجودة إذا لاقت جنسها فيما فيه الربا لا قيمة لها (٤).

مسألة ٧٠ : لا زكاة في الحليّ المباح استعماله كالسوار للمرأة ، والمنطقة للرجل عند علمائنا أجمع ، وبه قال في الصحابة : ابن عمر وجابر وأنس وعائشة وأسماء ، وفي التابعين : سعيد بن المسيب والحسن البصري والشعبي والقاسم وقتادة ومحمد بن علي الباقر عليه‌السلام وأبو عبيد وقالوا :

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٠٠ ـ ١٠١ ـ ١٥٧٣ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٨‌

(٢) المجموع ٦ : ٨ ، فتح العزيز ٦ : ١١ ، حلية العلماء ٣ : ٩١ ، المغني ٢ : ٦٠١ ـ ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٤.

(٣) المجموع ٦ : ٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩١ ، المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٤.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ٤٢ ، المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩١.

١٢٩

زكاته إعارته كما يقوله علماؤنا.

وفي الفقهاء : مالك وأحمد وإسحاق وأبو ثور والشافعي ـ في القديم ـ والبويطي ، وأحد قوليه في الأم ، وعليه أصحابه ، وبه يفتون (١).

لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( لا زكاة في الحليّ ) (٢).

قالت فريعة بنت أبي أمامة : حلاّني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رعاثا ، وحلّى أختي ، وكنّا في حجره فما أخذ منّا زكاة حليّ قطّ (٣) ، والرعاث : الحلق (٤).

لا يقال : ترك الزكاة لأنّه لم يبلغ نصابا.

لأنّا نقول : إنّما يقال : ما أخذ زكاة ، إلاّ والمال ممّا تجب فيه الزكاة.

ومن طريق الخاصة قول الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الحليّ فيه الزكاة؟ فقال : « لا وإن بلغ مائة ألف » (٥).

وقال عليه‌السلام : « زكاة الحليّ أن يعار » (٦) ولأنّه مرصد لاستعمال مباح فلم تجب فيه الزكاة كالعوامل وثياب القنية.

وقال الشافعي في الجديد : تجب فيه الزكاة ، وبه قال عمرو ابن مسعود‌

__________________

(١) الام ٢ : ٤١ ، المغني ٢ : ٦٠٣ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١١ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٨٩ ، المدونة الكبرى ١ : ٢٤٥ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، المجموع ٦ : ٣٥ و ٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ٢٠ و ٢١ ، حلية العلماء ٣ : ٩٦ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٩ ذيل الحديث ٦٣٦ ، المحلّى ٦ : ٧٥ و ٧٦.

(٢) لم نجده في المصادر الحديثية المتوفّرة لدينا ، نعم أورده الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٨٨ ، المسألة ١٠٢.

(٣) سنن البيهقي ٤ : ١٤١ ، وأورده الشيخ الطوسي أيضا في الخلاف ٢ : ٨٩ ، المسألة ١٠٢.

(٤) الرعاث : القرطة وهي من حليّ الاذن ، واحدتها رعثة. وهو القرط. لسان العرب ٢ : ١٥٢ « رعث ».

(٥) التهذيب ٤ : ٨ ـ ٢٠ ، الاستبصار ٢ : ٧ ـ ١٧ ، والكافي ٤ : ٥١٨ ـ ٤.

(٦) التهذيب ٤ : ٨ ـ ٢٢ ، والكافي ٤ : ٥١٨ ـ ٦ بتفاوت فيه.

١٣٠

وابن عباس وعبد الله بن عمر ، وابن العاص وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وجابر بن زيد وابن سيرين والزهري والثوري وأحمد ـ في رواية ـ وأصحاب الرأي (١).

لقوله عليه‌السلام : ( في الرقة ربع العشر ) (٢) و ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) (٣) دلّ بمفهومه على وجوب الزكاة إذا بلغت خمسا.

ولأنّ امرأة من اليمن أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعها ابنة لها في يديها مسكتان (٤) من ذهب ، فقال : ( هل تعطينّ زكاة هذا؟ ) فقالت : لا ، فقال : ( أيسرّك أن يسوّرك الله بسوارين من نار؟ ) (٥) ولأنّه من جنس الأثمان فأشبه التبر.

والرقّة هي الدراهم المنقوشة ، قال أبو عبيد : لا نعلم هذا الاسم في الكلام المنقول عن العرب إلاّ على الدراهم المنقوشة ذات السكة السائرة في الناس (٦).

وكذا الأواقي معناها الدراهم ، كلّ أوقية أربعون درهما.

والمسكتان طعن في حديثهما ، قال الترمذي : ليس يصحّ في هذا الباب شي‌ء (٧).

__________________

(١) المجموع ٦ : ٣٦ و ٤٦ ، فتح العزيز ٦ : ١٩ ـ ٢٠ ، حلية العلماء ٣ : ٩٦ ، المغني ٢ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١١ ، أحكام القرآن للجصاص ٣ : ١٠٧ ، بدائع الصنائع ٢ : ١٧.

(٢) صحيح البخاري ٢ : ١٤٦ ، سنن النسائي ٥ : ١٨ ـ ٢٣ ، سنن أبي داود ٢ : ٩٦ ـ ٩٧ ـ ١٥٦٧ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٣٤.

(٣) صحيح البخاري ٢ : ١٤٤ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٧٤ ـ ٣ و ٥ ، الموطّأ ١ : ٢٤٤ ـ ١.

(٤) تثنية مسكة ، بالتحريك ، وهي نوع من السوار. النهاية لابن الأثير ٤ : ٣٣١ « مسك ».

(٥) سنن أبي داود ٢ : ٩٥ ـ ١٥٦٣ ، سنن النسائي ٥ : ٣٨ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٤٠.

(٦) حكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٠٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٦١٢.

(٧) سنن الترمذي ٣ : ٣٠ ذيل الحديث ٦٣٧ ، وحكاه عنه ابنا قدامة في المغني ٢ : ٦٠٤ ، والشرح الكبير ٢ : ٦١٢.

١٣١

ويحتمل إرادة العارية والأصل ممنوع.

وقال مالك : يزكّي عاما واحدا (١).

إذا ثبت هذا فقولنا : زكاته إعارته ، محمول على الاستحباب لا الوجوب عملا بالأصل.

مسألة ٧١ : الحليّ المحرّم استعماله‌ كالمنطقة وحلية السيف للمرأة إذا قصدت لبسها ، والسوار والدملج والخلخال للرجل إذا قصد التحلّي به لا زكاة فيه عند علمائنا ، لعموم قوله عليه‌السلام : ( لا زكاة في الحليّ ) (٢).

وأطبق الجمهور كافّة على إيجاب الزكاة فيه ، لأنّ المحظور شرعا كالمعدوم حسّا (٣).

ولا حجّة فيه ، لأنّ عدم الصنعة غير مقتض لإيجاب الزكاة ، فإنّ المناط كونهما مضروبين بسكّة المعاملة.

فروع :

أ ـ لا فرق في سقوط الزكاة في المباح بين أن يعدّ للّبس أو للإجارة والقنية.

وقال أحمد : لا تجب في الأول على إحدى الروايتين ، وتجب في الثاني ، لأنّ الزكاة سقطت عمّا أعدّ للاستعمال لصرفه عن جهة النماء فتجب فيما عداه على الأصل (٤) ، ونمنع الإيجاب في الأصل.

وكذا لا فرق بين كون الحليّ المباح مملوكا لامرأة تلبسه أو تعيره ، أو لرجل يحلّي به أهله ، أو يعيره ، أو يعدّه لذلك.

__________________

(١) حكاه عنه ابن قدامة في المغني ٢ : ٦٠٤.

(٢) راجع : الهامش (٢) من الصفحة ١٣٠.

(٣) المجموع ٦ : ٣٥ و ٣٧ ، فتح العزيز ٦ : ٢٣ ، المغني ٢ : ٦٠٦ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١٤ ، الشرح الصغير ١ : ٢١٧ ـ ٢١٨ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٢ ، اللباب ١ : ١٤٨.

(٤) المغني ٢ : ٦٠٤ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١٣ و ٦١٤.

١٣٢

ب ـ قليل الحليّ وكثيره سواء في الإباحة والزكاة.

وقال بعض الجمهور : يباح ما لم يبلغ مائة ألف ، فإن بلغها حرم وفيه الزكاة ، لأنّه يخرج إلى السرف والخيلاء ، ولا يحتاج إليه في الاستعمال (١).

وليس بجيّد ، لأنّ الشرع أباح التحلّي مطلقا من غير تقييد ، وقال تعالى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ ) (٢).

ج ـ يباح للمرأة من حليّ الذهب والفضة كلّ ما جرت عادتهنّ بلبسه كالسوار والخلخال والقرط (٣) والخاتم ، وما تلبسه على وجهها وعنقها ويدها ورجلها واذنها وغيرها ، فأمّا ما لم تجر عادتها بلبسه كالمنطقة وشبهها من حليّ الرجال فهو محرّم.

وأمّا الرجل فيحرم عليه التحلّي بالذهب إجماعا ، ويحرم التمويه به وإن لم يحصل منه ذهب ، وللشافعي وجهان (٤).

أمّا اتّخاذ أنف لمن جدع (٥) أنفه ، فالأقرب الجواز ، ويجوز أن يتحلّى بمثل المنطقة والسيف والسكّين وغيرها من آلات الحرب بالفضّة خاصّة.

قال الشيخ : ولا يجوز ذلك في حليّ الدواة والقوس (٦) ، لأنّه من الآلات ، وآلات الفضّة يحرم استعمالها.

ثم قال : وإن قلنا بالإباحة كان قويّا ، قال : ولا يجوز أن يحلّى المصحف بالفضّة ، والمرآة والمشط والميل والمكحلة وغيرها ، لأنّه من‌

__________________

(١) هو ابن حامد كما في المغني ٢ : ٦٠٥ ، والشرح الكبير ٢ : ٦٢١ و ٦٢٢ وفيهما : ( ألف مثقال ) بدل ( مائة ألف ).

(٢) الأعراف : ٣٢.

(٣) القرط : نوع من حليّ الإذن. لسان العرب ٧ : ٣٤٧ « قرط ».

(٤) المجموع ٦ : ٣٨ ، فتح العزيز ٦ : ٢٧.

(٥) الجدع : قطع الأنف. الصحاح ٣ : ١١٩٣ ، القاموس المحيط ٣ : ١١ « جدع ».

(٦) ورد في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : ( الفرس ) بدل ( القوس ) وما أثبتناه من المبسوط هو الصحيح بقرينة الآلات.

١٣٣

الأواني والآلات ، وأمّا تضبيب الأواني فإنّه مكروه للحاجة وغيرها ، فيجتنب موضع الفضّة في الاستعمال (١).

وقال الشافعي : لا يحلّ للرجل التحلّي بالفضّة إلاّ التختّم به ، وتحلية آلات الحرب ، وفي السرج واللجام وجهان ، ويحرم على المرأة آلات الحرب ، لما فيه من التشبّه بالرجال ، وأمّا في غير التحلّي فقد حرّم الشرع اتّخاذ الأواني من الذهب والفضّة على الرجال والنساء (٢).

وللشافعيّة في تحلية المصحف بالفضة وجهان ، وفي تحليته بالذهب ثلاثة أوجه ، يفرّق في الثالث بين الرجال والنساء ، وأمّا تحلية غير المصحف من الكتب فإنّه حرام (٣).

وفي تحلية الكعبة والمساجد بالقناديل من الذهب والفضّة إشكال ينشأ من كون تجويزه إكراما.

وما يجرى على السقوف والحيطان من الذهب ، قال الشيخ : لا نصّ في تحريمها ، ولا في تحلية المصاحف وربط الأسنان بالذهب ، والأصل الإباحة ، ولا زكاة في الجميع (٤).

وقال الشافعي وباقي الفقهاء : إن كان لو جمع وسبك بلغ نصابا وجبت الزكاة (٥).

د ـ لا زكاة في نفائس الأموال إلاّ في النقدين.

هـ ـ لو كان معه خلخال وزنه مائتا درهم ، وقيمته لأجل الصنعة ثلاثمائة لم تجب الزكاة عندنا.

__________________

(١) المبسوط للطوسي ١ : ٢١٢ ـ ٢١٣.

(٢) المجموع ٦ : ٣٨ و ٣٩ ، الوجيز ١ : ٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٢٨ ـ ٢٩ و ٣٢ ـ ٣٣.

(٣) المجموع ٦ : ٤٢ ، الوجيز ١ : ٩٤ ، فتح العزيز ٦ : ٣٤ ـ ٣٥.

(٤) الخلاف ٢ : ٨٩ ـ ٩٠ ، المسألة ١٠٣.

(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ٢٦٧.

١٣٤

وقال أبو حنيفة : تجزئه خمسة دراهم ، ولا عبرة بالصنعة (١).

وقال الشافعي : لا تجزئه ، لأنّ القيمة تضم إلى وزنه (٢).

و ـ لو فرّ بالسبك من الزكاة ، فإن كان بعد الحول لم تسقط لسبق الوجوب ، وإن كان قبله فروايتان : أقربهما : السقوط ، لفوات الشرط.

ولقول الصادق عليه‌السلام وقد سأله هارون بن خارجة إنّ أخي يوسف ولي لهؤلاء أعمالا ، وأصاب فيها أموالا كثيرة ، وإنّه جعل ذلك المال حليّا أراد أن يفرّ به من الزكاة ، أعليه الزكاة؟ قال : « ليس على الحليّ زكاة ، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر ممّا يخاف من الزكاة » (٣).

والأخرى : وجوب الزكاة عن الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن الحليّ فيه الزكاة؟ قال : « لا إلاّ ما فرّ به من الزكاة » (٤).

وتحمل على الاستحباب ، أو على ما إذا جعله بعد الحول.

ز ـ لا تضمّ النقار إلى الدراهم ، ولا السبائك إلى الذهب ، لفوات الشرط.

وأطبق الجمهور على الضمّ ، لأنّه جنس واحد (٥) ، وهو ممنوع ، لأنّ أحدهما لا تجب فيه.

مسألة ٧٢ : يشترط ملك النصاب في النقدين بتمامه في جميع الحول‌ كما قلنا في المواشي عند علمائنا أجمع ، وبه قال الشافعي (٦).

__________________

(١) انظر : حلية العلماء ٣ : ٩٢.

(٢) المجموع ٦ : ٤٥ ، فتح العزيز ٦ : ٣٦ ، حلية العلماء ٣ : ٩١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٨ ـ ٧ ، التهذيب ٤ : ٩ ـ ٢٦ ، الاستبصار ٢ : ٨ ـ ٢٣.

(٤) التهذيب ٤ : ٩ ـ ٢٤ ، الاستبصار ٢ : ٨ ـ ٢١.

(٥) حكاه الشيخ الطوسي في الخلاف ٢ : ٧٧ ، المسألة ٩٠ ، والمحقّق في المعتبر : ٢٦٧.

(٦) المجموع ٦ : ٨ و ١٩ ـ ٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨.

١٣٥

لقوله عليه‌السلام : ( لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ) (١).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « فإن كانت مائة وخمسين فأصاب خمسين بعد أن يمضي شهر فلا زكاة عليه حتى يحول على المائتين الحول » (٢).

وقال أبو حنيفة : يشترط النصاب في أول الحول وآخره ، ولا يضر نقصانه في خلال الحول (٣) ، وقد سلف في المواشي (٤).

مسألة ٧٣ : لو كان في يده أقلّ من النصاب وكان له دين يتمّ به‌ ، فإن أوجبنا الزكاة في الدّين ضمّمناه هنا إن كان على مليّ باذل ، لأنّه قادر على أخذه فوجب إخراج زكاته كالوديعة ، وبه قال الشافعي (٥).

وقال أبو حنيفة وأحمد : لا يجب الإخراج حتى يقبضه ، لأنّه دين فلا يجب الإخراج عنه حتى يقبضه كما لو كان على جاحد (٦).

والفرق ظاهر ، فإنّه لا يقدر على أخذه من الجاحد.

ولو كان جاحدا في الظاهر دون الباطن لم يلزمه إخراجها حتى يقبضه.

وهل تجب فيه؟ قال الشافعي : نعم ، لأنّه مليّ مقرّ به فأشبه ما إذا أقرّ عند الحاكم (٧).

__________________

(١) سنن أبي داود ٢ : ١٠١ ـ ١٥٧٣ ، سنن الدارقطني ٢ : ٩١ ـ ٣ و ٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٧١ ـ ١٧٩٢ ، وسنن البيهقي ٤ : ٩٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٥ ـ ٤ ، التهذيب ٤ : ٣٥ ـ ٩٢ قطعة من الحديث.

(٣) الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، شرح فتح القدير ٢ : ١٦٨ ، اللباب ١ : ١٤٩ ، المجموع ٦ : ٢٠ ، فتح العزيز ٦ : ٨.

(٤) سلف في المسألة ٣٢.

(٥) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢ ، الميزان للشعراني ٢ : ٨ ، رحمة الأمّة ١ : ١١٧.

(٦) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٤ ـ ١٩٥ ، المغني ٢ : ٦٣٧ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢ ، الميزان للشعراني ٢ : ٨ ، رحمة الأمّة ١ : ١١٧.

(٧) حلية العلماء ٣ : ٩٢.

١٣٦

وقال أبو يوسف : لا زكاة فيه ، لأنّه لا يقدر على قبضه فهو كالمجحود (١) ، وهو أوجه عندي.

وإن كان جاحدا في الظاهر والباطن ، أو كان معسرا فلا زكاة ، وللشافعي قولان (٢).

ولو كان له بيّنة بالمال ، أو علمه الحاكم فالأقرب الوجوب ـ وبه قال الشافعي (٣) ـ لتمكّنه.

وقال محمد بن الحسن : إن علمه الحاكم وجبت ، وإن كان له بيّنة لم تجب ، لأنّ الحاكم قد لا يقبلها (٤).

ويشكل بأنّه إذا ترك إقامة البيّنة حولا فقد ترك الأخذ مع إمكانه وأمّا المؤجّل فلا زكاة فيه ، لعدم تمكّنه منه ، وللشافعي قولان (٥).

وإن قلنا بعدم الوجوب في الدّين ـ وهو القديم للشافعي (٦) ـ فلا زكاة هنا.

مسألة ٧٤ : لو نقص أحدهما عن النصاب لم يكمل بعروض (٧) التجارة‌ عند علمائنا ، لنقص النصاب ، ومال التجارة لا تجب فيه الزكاة ، وإن وجبت إلاّ أنّه لا يضمّ جنس إلى غيره على ما يأتي (٨).

وأطبق الجمهور على الضمّ هنا ، لأنّ الزكاة إنّما تجب في القيمة ويقوّم‌

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٥ ، حلية العلماء ٣ : ٩٢.

(٢) المهذب للشيرازي ١ : ١٦٥ ، المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٣ ، المغني ٢ : ٦٣٨.

(٣) المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٣ ، حلية العلماء ٣ : ٩٣.

(٤) حلية العلماء ٣ : ٩٣.

(٥) المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢ ، حلية العلماء ٣ : ٩٣.

(٦) المجموع ٦ : ٢١ ، فتح العزيز ٥ : ٥٠٢.

(٧) العرض : المتاع. الصحاح ٣ : ١٠٨٣.

(٨) يأتي في المسألة التالية (٧٥).

١٣٧

بكلّ واحد منهما فيضمّ.

ولو كان له ذهب وفضّة وعروض وجب ضمّ الجميع عندهم في تكميل النصاب ، لأنّ العرض مضموم إلى كلّ واحد منهما فيجب ضمّهما إليه وجمع الثلاثة (١).

مسألة ٧٥ : ولا يضمّ أحد النقدين إلى الآخر لو كمل النصاب بهما‌ عند علمائنا أجمع ، فلو كان له من كلّ من الذهب والفضّة ما لا يبلغ نصابا بمفرده ، أو كان له نصاب من أحدهما وأقلّ من نصاب من الآخر كما لو كان له مائتا درهم وأربعة دنانير أو عشرون دينارا وأربعون درهما لم يضمّ أحدهما إلى الآخر ، وبه قال ابن أبي ليلى والحسن بن صالح بن حي وشريك والشافعي وأبو عبيد وأبو ثور وأحمد في رواية (٢).

لقوله عليه‌السلام : ( ليس فيما دون خمس أواق صدقة ) (٣).

ومن طريق الخاصة قول الباقر عليه‌السلام : « وليس في الكسور شي‌ء » (٤).

ولأنّهما مالان يختلف نصابهما فلا يضمّ أحدهما إلى الآخر كأجناس الماشية.

وقال مالك والأوزاعي والثوري وأحمد ـ في رواية ـ والحسن وقتادة وأصحاب الرأي : يضمّ أحدهما إلى الآخر ، لأنّ أحدهما يضمّ إلى ما يضمّ إليه الآخر وهو مال التجارة فيضمّ إلى الآخر كأنواع الجنس ، ولأنّ نفعهما‌

__________________

(١) المغني ٢ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦١٠.

(٢) المجموع ٦ : ١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٩ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠ ، الأموال لأبي عبيد : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٧ ، المغني ٢ : ٥٩٧ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٩٤ ـ ١٥٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٢٢ ـ ٦٢٦ ، سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ ، الموطّأ ١ : ٢٤٤ ـ ١ ، وسنن البيهقي ٤ : ١٢٠ و ١٢١.

(٤) التهذيب ٤ : ٧ ـ ١٥ ، وعن أحدهما عليهما‌السلام في صفحة ١٢ ـ ٣٠.

١٣٨

واحد ، والمقصود منهما متّحد فإنّهما قيم المتلفات وأروش الجنايات وأثمان البياعات (١) (٢).

إذا عرفت هذا فالقائلون بالضمّ اختلفوا ، فقال مالك وأبو يوسف ومحمد والأوزاعي وأحمد في رواية : يضمّ إلى الآخر بالأجزاء يعني أنّه يحسب كلّ واحد منهما من نصابه ، فإذا كملت أجزاؤهما نصابا وجبت الزكاة مثل أن يكون عنده نصف نصاب من أحدهما ، ونصف نصاب أو أكثر من الآخر ، أو ثلث من أحدهما وثلثان أو أكثر من الآخر ، فلو ملك مائة درهم وعشرة دنانير ، أو مائة وخمسين درهما وخمسة دنانير ، أو مائة وعشرين درهما وثمانية دنانير وجبت الزكاة فيهما.

وإن نقصت أجزاؤهما عن نصاب فلا زكاة فيهما بأن يكون عنده ثمانية دنانير ومائة درهم ، لأنّ كلّ واحد منهما لا تعتبر قيمته في إيجاب الزكاة إذا كان منفردا فلا تعتبر إذا كان مضموما كالحبوب (٣).

وقال أبو حنيفة : يضمّ بالأحوط من الأجزاء والقيمة معا ، ومعناه أنّه يقوّم الغالي منهما بقيمة الرخيص ، فإذا بلغت قيمتهما بالرخيص منهما نصابا وجبت الزكاة فيهما ، فلو ملك مائة درهم وتسعة (٤) دنانير قيمتها مائة درهم ، أو عشرة‌

__________________

(١) البياعات : الأشياء التي يتبايع بها في التجارة. لسان العرب ٨ : ٢٥.

(٢) الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٧ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠ ، المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٥ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٢ و ٣ : ٢٠ ، اللباب ١ : ١٤٩ ، المجموع ٦ : ١٨ ، فتح العزيز ٦ : ٩.

(٣) المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٩ ، الكافي في فقه أهل المدينة : ٩٠ ، بداية المجتهد ١ : ٢٥٧ ، المبسوط للسرخسي ٢ : ١٩٣ ، و ٣ : ٢٠ ، الهداية للمرغيناني ١ : ١٠٥ ، المجموع ٦ : ١٨ ، حلية العلماء ٣ : ٩٠.

(٤) في المغني والشرح الكبير : سبعة.

١٣٩

دنانير وتسعين (١) درهما قيمتها عشرة دنانير وجبت الزكاة فيهما ـ وهو رواية عن أحمد ـ لأنّ كلّ نصاب وجب فيه ضمّ الذهب إلى الفضّة ضمّ بالقيمة كنصاب القطع في السرقة (٢). والكلّ باطل عندنا ، لما تقدّم.

مسألة ٧٦ : يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر بالقيمة‌ ـ وهو أصحّ الروايتين عن أحمد (٣) ـ لأنّ المقصود من أحدهما حاصل بإخراج الآخر فأجزأ ، فإنّ المقصود منهما جميعا الثمنية ، والتوصّل بهما إلى المقاصد ، وهما يشتركان فيه على السواء فأشبه إخراج الجنس ، وإذا كان المقصود حاصلا وجب الإجزاء ، إذ لا فائدة في اختصاص الإجزاء بعين مع مساواة غيرها لها في الحكمة.

ولأنّه قد يكون أرفق بالمعطي والفقير ، وأنفع لهما ، ويندفع به الضرر عنهما ، فإنّ إخراج العين قد يشقّ على من يملك عشرين مثقالا بإخراج جزء من دينار ، ويحتاج إلى التشقيص ، ومشاركة الفقير له في دينار من ماله ، أو بيع أحدهما نصيبه فيتضرّر المالك والفقير ، فإذا أخرج الدراهم عنها اندفعت حاجة الفقير ، وسهل ذلك عليه ، وانتفع من غير كلفة ولا ضرر.

ولأنّه لو دفع إليه قطعة من ذهب في موضع لا يتعامل بها فيه لم يقدر على قضاء حاجته ، ولو أراد بيعها بجنس ما يتعامل بها احتاج إلى كلفة البيع وربّما لا يقدر عليه فلا يفيده شيئا ، وربّما نقص عوضها عن قيمتها.

والرواية الثانية لأحمد : المنع من الجواز ، لأنّ أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقلّ في المقدار فمع اختلاف الجنس‌

__________________

(١) في المغني والشرح الكبير : سبعين.

(٢) المغني ٢ : ٥٩٨ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٩.

(٣) المغني ٢ : ٦٠٢ ، الشرح الكبير ٢ : ٦٠٦.

١٤٠