موسوعة الأذان بين الأصالة والتحريف - ج ١

السيد علي الشهرستاني

موسوعة الأذان بين الأصالة والتحريف - ج ١

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

صنعاء ومايليها من البلاد [كان] يجلّه ويقبل شفاعته لأجل اتصاله بالإمام الناصر الحسن بن عزالدين بن الحسن.

ولما صلّى السلطان عامرٌ بجامع صنعاء أوّلَ جمعة فأراد المؤذن أن يسقط من الأذان «حيّ على خير العمل» فمنعه محمّد بن الحسن الزيدي ، فالتفـت إلـيه جمـيع من في المسجد من جند السلطان وهم ألوف مؤلّفـة ، وعُدَّ ذلك من تصلّـبه في مذهبه (١).

حضرموت (سنة ١٠٧٠ ه‍)

جاء في كتاب (سمط النجوم العوالي في أنباء الاوائل والتوالي) للعاصمي : قوله :

وفي سنة ١٠٦٥ جهز الإمام إسماعيل (٢) ابنَ أخيه الإمام أحمدَ بن الحسن على حضرموت ونواحيها لكونهم لم يخطبوا له [بعد أن سيطر على أغلب اليمن] فالتقى هو والأمير حسين الرصاص ، لكون بلده أقرب البلدان إلى دولة الإمام إسماعيل ، وحصل منهم قتال ، فلما عجز الإمام أحمد بن الحسن اُرسل إلى قبيلة يافع ـ وهم قبائل كثيرون ـ بالأموال خفية ، وطلبوا منه أن يكونوا معه على الرصاص ... فتجهزوا على الرصاص وأتوه على غرة ... حتّى قتل ... واستولى الزيدية على غالب حضرموت.

__________________

(١) البدر الطالع ٢ : ١٢٢.

(٢) ابن المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن الرشيد بن أحمد بن الحسين بن عليّ بن يحيى بن محمد بن يوسف الاشل بن القاسم بن محمد بن يوسف الاكبر بن المنصور بن يحيى بن الناصر بن أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ابن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب.

٤٠١

ثمّ في سنة ١٠٧٠ استولى على حضرموت كلها ، وأمرهم أن يزيدوا في الأذان «حيّ على خير العمل» وترك الترضي عن الشيخين ... ثمّ لم يزل الإمام إسماعيل قائماً بأعباء الإمامـة الكـبرى إلى أن توفّـاه الله تعالـى إلى رحمـته سـنة ١٠٨٧ هـ (١).

نجد (سنة ١٢٢٤ ه‍)

قال عبدالحي بن فخر الدين الحسيني (المتوفى ١٣٤١ هـ) في (نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر) : ... الزيدية بعد ما خالف الشريف حمود بن محمّد على أهل نجد سنة أربع وعشرين ومائتين وألف أن يزيد أهلها قول «حيّ على خير العمل» في ندائهم للصلوات ويَدَعُوا ما توارثوه من السلف في أذان الفجر من قولهم «الصلاة خير من النوم» فإنه كان يراها بدعة إنّما أحدثها عمر رضي الله عنه في إمرته (٢).

وأختم حديثي بما نقله القلقشندي في صبح الأعشى عن الزيدية فقال : ... وهم يقولون : إن نَصَّ الأذَانِ بَدَل الحَيْعَلَتينِ (٣) : «حَيّ على خَـيْر العَـمَلِ» يقـولـونهـا فـي أَذانِهم مرّتين بدل الحَيْعلَتَيْن ، وربَّما قالوا قبل ذلك : «محمـدٌ وعَلِـيٌّ خَـير البَشَـر ، وعِتْرتُهـما خير العِـتَر» ومن رأَى أنّ هـذا بِـدعـةٌ فقـد حـاد عـن الجَـادَّة.

وهم يسوقون الإِمامة في أوْلاد عَلِيّ كَرَّم الله وَجْهَه من فاطمة عليها‌السلام ، ولا يُجوِّزونَ ثُبوتَ الإِمامة في غير بنيهما ؛ إلّا أنَّهم جَوَّزُوا أن يكونَ كلُّ فاطميِّ عالِم زَاهِد شُجاع خَرج لطَلَب الإِمامة إماماً مَعْصُوماً واجِبَ الطاعة ، سواء كان من ولد

٤٠٢

الحَسَنِ أو الحُسَينِعليهما‌السلام، ومَن خلع طاعتَه فقد ضَلَّ. وهم يَرَوْن أن الإِمام المَهْدِيَّ المُنْتَظَر من ولَد الحُسَين دون ولد الحسَن رضي الله عنهما ، ومن خالف في ذلك فقد أخْطَأ. ومن قال : إِنَّ الشيخين أبا بَكْر وعُمَر أفضلُ من عَلِيٍّ وبَنِيه فقد أخْطأَ عندهم وخالَف زَيداً في مُعْتَقَدِه. ويقولون : إنّ تَسْلِيم الحَسَنِ الأمْرَ لمعَاويةَ كان لمصْلَحة آقتضاها الحال ، وإن كان الحقُّ له.

قال في «التعر يف» : وأَيْمانُهم أَيْمانُ أهْلِ السُّنَّة ، يعني فيحلَّفون كما تقدّم ، ويزاد فيها : وإِلاَّ بَرِئْتُ من مُعْتَقَدِ زيد بن عَلِيّ ، ورأيتُ أنَّ قَوْلِي في الأذانِ : «حَيَّ على خَيْرِ العَمَل» بِدْعةٌ ، وخَلَعتُ طاعة الإِمام المعصوم الواجب الطَّاعة ، وآدّعَيْتُ أن المَهْدِيَّ المنتَظَر ليس من وَلَد الحُسَينِ بن عليّ ، وقلتُ بتَفْضِيل الشيخين على أمير المؤمنين عَلِيٍّ وبَنِيه ، وطعَنْتُ في رَأْي ابنِهِ الحسن لما اقتضته المَصْلَحةُ ، وطعَنتُ عليه فيه (١).

النتيجة

وعليه فشرعية «حيّ على خير العمل» ثابتة عند الشيعة بفرقها الثلاث : ـ الإمامية الاثني عشرية ، والزيدية ، والإسماعيلية ـ وعند بعض الصحابة ، وإنّ هذه الجملة هي أصل لما فُسّر في كلام الأئمّة : بـ «محمّد وعليّ خير البشر» و «محمّد وآل محمّد خير البرية» و «أنّ عليّاً وليّ الله» ، فتارة كانت الشيعة تصرح بهذا التفسير ، وأخرى لا تصرح به ، نتيجة للظروف القاسية التي كانت تمر بها.

ويؤكّد التفسيرية التي قلناها ما أجاب به السيّد المرتضى رحمه الله (ت ٤٣٦ هـ) فإنه سئل : هل يجب في الأذان بعد قول «حيّ على خير العمل» :

__________________

(١) صبح الاعشى في صناعة الإنشاء للقلقشندي ١٣ : ٢٣١.

٤٠٣

«محمّد وعليّ خير البشر»؟ فأجاب : إن قال «محمّد وعليّ خير البشر» على أنّ ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز ، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة ، وإنّ لم يكن فلا شيء عليه (١).

وقال ابن البراج (ت ٤٨١ هـ) في مهذبه : ويستحب لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند «حيّ على خير العمل» : «آل محمّد خير البرية» مرتين (٢).

وكذا يُفهم من كلام الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) أن الذين كانوا يأتون بهذه الصيغ الثلاث أو الأربع! كانوا يأتون بها على أنّها صادرة عن أئمّة أهل البيت ؛ لقوله رحمه الله : «وفي بعض رواياتهم ... ومنهم من روى بدل ذلك ...» (٣).

فاختلاف الصيغ عند المؤذنين ، وإتيانها في بعض الأحيان بعد الحيعلة الثالثة وأخرى بعد الشهادة الثانية تشير إلى عدم جزئيتها وكونها تفسيرية.

إذاً عمل الشيعة وتفسيرهم هذا لم يكن عن هوى ورأي ، بل لما عرفوه ووقفوا عليه في مرويات ائمتهم الموجودة عندهم ، وهذا لو جمع إلى سيرة المتشرعة من الشيعة في كل الازمان والاصقاع في «حيّ على خير العمل» وأنّ المعنيَّ به عندهم الولاية لوقفت على حقيقة أخرى لم تنكشف لك من ذي قبل (٤). وممّا يستأنس به لذلك أذان الشيعة بحلب سنة ٣٦٧ هـ حيث إنّهم كانوا يقولون في أذانهم «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، وكذلك في أذانهم باليمامة سنة ٣٩٤ هـ ، ففيه «يقولون في الإقامة : محمّد وعليّ خير البشر وحيّ على خير العمل».

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٧٩. ومثله جواب القاضي ابن البراج في جواهر الفقه : ٢٥٧.

(٢) المهذب ١ : ٩٠.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ١٨٨ باب الأذان والإقامة وثواب المؤذنين ح ٣٥.

(٤) سنفصل هذا الأمر بإذن الله تعالى في الباب الثالث من هذه الدراسة «أشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعية والابتداع».

٤٠٤

ومن هذا الباب ما ذُكر من أنّ الحسين بن عليّ بن محمّد ... بن علي بن أبي طالب ـ المعروف بابن شكنبة ـ كان أوّل من جهر في الأذان بـ «محمّد وعليّ خير البشر» في زمن سيف الدولة الحمداني سنة ٣٤٧ هـ ، ولا يخفى عليك بأنّ هذا المؤذّن والحمدانيين شيعة اثنا عشرية ، وقد عرفت بأنّ الأذان بذلك في حلب كان قبل هذا التاريخ.

ويضاف إليه ما قلناه قبل قليل من أن الشيعة الاثني عشرية (القطعية) أذنوا في بغداد (٢٩٠ ـ ٣٥٦ هـ) بـ «أشهد أن عليّاً ولي الله» ، وأعلوا هذا الإعلان على الماذن في القرن الثامن في القطيف كذلك ، وغير ذلك من النصوص ، فكلها تؤكد التفسيرية التي كان يبوح بها الشيعة أيّام قوتهم ، وأنّ كلّ ما كانوا يقولونه مأخوذ من كلمات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمّة أهل البيت : وأنّ ذلك كله تفسير وتوضيح للحيعلة الثالثة (١) التي حذفها عمر وسار على نهجه الحذفيّ أتباعُهُ. ولذلك عظم على الرافضة!! وأهل التشيع حذف الحيعلة الثالثة من الأذان في سنة ٣٦٩ هـ من قبل نور الدين عم صلاح الدين الأيوبي.

وبهذا فقد تبيّن لنا من كلّ ما سبق أنّ لـ «حيّ على خير العمل» أصلاً شرعيّاً ثابتاً ، لكنَّ الظروف السياسيّة العصيبة ونهي عمر بن الخطّاب ، لعبا دوراً كبيراً في طرح شرعيّتها جانباً ـ وقد مرّت عليك بعض الروايات التي صُرّح فيها بحذف الحيعلة الثالثة للتقية من الرواة الذين كانوا يخافون على أرواحهم عند اشتداد سطوة الظالمين ـ ومع كلّ ذلك العسف ترى الصمود الشيعي في جانب آخر ، لذلك راح أتباع الحَذْفِ بعد أن لمسوا شدّة المتمسّكين بها يدّعون بأنّها منسوخة ، وعلى الرغم من شراسة الحملة

__________________

(١) وقد تكون الشهادة الثالثة هي تفسير للشهادة الثانية كذلك وهذا ما سنوضحه لاحقاً في الباب الثالث «أشهد أن عليّاً ولي الله بين الشرعية والابتداع».

٤٠٥

الموجّهة ضدّ هذا الأصل الشرعيّ وعنف وقسوة رموزها ، إلّا بأنّ المنصفين لم يتمكّنوا من التجّرؤ والقول بأنَّ «حيّ على خيرالعمل» بدعة ، وأكثر ما توصّلوا إليه أن يقولوا عنها : إنّ ذلك الأمر لم يثبت ، و : ما لم يثبت فمن الأولى تركه وعدم الإتيان به!

ولكن ، هل مال جميع المسلمين إلى ذلك؟

أبداً ، فكثير من الصحابة وكل أهل البيت وعدّة من التابعين أصرّوا إصراراً شديداً على التمسّك بالإتيان بـ «حيّ على خير العمل» في أذانهم والتأكيد الحازم الجازم على شرعيّة الإتيان بها ، وأن ليس من عامل شرعيّ قطعيّ دعا إلى طرحها وإسقاطها .. وقد مرّت في مطاوي البحوث شواهد كثيرة تؤيِّد صحّة ذلك بموضوعية ، وقد كان هذا الفصل هو الموضّح لكيفية «تحوّل هذا الأصل الشرعيّ» إلى شعار يميّز الشيعة عن غيرهم ، وقد اتّضحت بين ثناياه الدوافع التي دعت أهل السنّة لأن يتّخذوا من (الصلاة خير من النوم) شعاراً لهم ، حيث كانت لهذه الجملة أبعادٌ متصلة باجتهاد الخليفة عمر! لا سنة رسول الله.

لقد تجسدت شعاريّة هذا الموضوع بوضوح في العصور المتأخِّرة ، ويمكن القول بأنّها تجلّت واضحة في العصر العبّاسيّ الأوّل (١) ، وعلى الخصوص في زمن أبي جعفر المنصور الدوانيقيّ ، كما وتجسّدت معالم شعاريّة «حيّ على خير العمل» بوضوح أيضاً بعد وفاة المنصور بعد أن صار جلياً وجود تيّارين متباينين ، أحدهما يصرّ بإلحاح جادّ على الإتيان بـ «حيّ على خير العمل» ، بينما يحاول الآخر منع ذلك بشتى الطرق ولا يرضى بالإتيان بها.

__________________

(١) هي الفترة السياسيّة لخلافة بني العبّاس ؛ من خلافة أبي العبّاس السفّاح إلى خلافة الواثق بالله ، أي خلافة : أبي العبّاس السفّاح ، والمنصور الدوانيقيّ ، والمهدي العبّاسيّ ، والهادي العباسيّ ، وهارون الرشيد ، والأمين ، والمأمون ، والمعتصم ، وآخرهم الواثق بالله ، ومن بعد وفاته إلى الغزو المغوليّ لبغداد ، اصطلح عليه بين المؤرّخين بالعصر العبّاسيّ الثاني.

٤٠٦

وانطلاقاً من هذا الأساس المتشنّج كانت جميع الحركات الشيعيّة ودُولها في حال استلامها لزمام أُمور السياسة لا تتردّد في إعلاء «حيّ على خير العمل» من على المآذن في الأذان إعلاناً عن هويّتهم الحقيقيّة ، بل كان المدّ الجماهيري الشيعي في أحايين قوته يراهن على شرعيتها ، ولا يتنازل عن الهوية المحمدية العلوية.

نعم ، يمكن القول بذلك على أساس اتّخاذ الشيعة «حيّ على خير العمل» شعاراً لهم ، وإن كانت هذه الحيعلة الثالثة جزءاً من الأذان النبوي ، فشرعيتها أقدم من تاريخ شعاريتها بكثير ، حيث هي مسألة شرعيّة ثابتة منذ عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بيّنّا ذلك بما فيه الكفاية.

وأمّا فيما يخصّ ذِكر أذان الإمام زين العابدين عليه‌السلام الثابت للجميع وليس ثمّة منكر له ، فله ميزة خاصّة ، وذلك لمكانته بين المسلمين عموماً ، فالإماميّة والزيديّة ، بل مختلف فرق الشيعة ـ باستثناء الكيسانية المنقرضة ـ تذعن له وتستسلم لأوامره ونواهيه الشرعيّة ، ويقرّون له عليه‌السلام بأنّه إمام للمسلمين وحجّة لله على خلقه ، وبالنسبة لباقي الفرق فهم يتعاملون معه كأحد علماء المدينة على أقل ما يقال .. فإتيان الإمام زين العابدين عليه‌السلام بـ «حيّ على خير العمل» يمثِّل ـ بلا ريب ـ شرعيّتها وامتداد جذورها إلى عصر الرسالة الأوّل ، وخصوصاً بعد وقوفنا على قوله عليه‌السلام «إنّه الأذان الأول» والذي يوضّح بأنّ الأذان شرّع في الإسراء والمعراج ، وأن «حيّ على خير العمل» ، إشارة إلى ولاية الإمام عليّ وولده ، والذي كتب على ساق العرش.

وكذا الحال بالنسبة إلى فعل ابن عمر ، فإنّ إتيانه بها في أذانه ـ وهو فقيه أهل السنة والجماعة ـ ليؤكد شرعيتها ، ونحن لو أضفنا هذين الموردين إلى ما أورده الدسوقيّ في حاشيته عن الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأنّه كان يأتي بها ، وإلى ما ذُكر عن الإمامين الباقر والصادق : ، لاتّضح لنا ولغيرنا بأنّ هذه المسألة لها أصل

٤٠٧

أصيل في الدين ، بل هناك أصل لما نقول به في كتب أهل السنة والجماعة مستقى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيقين.

فـ «حيّ على خير العمل» أصلٌ من الأُصول الثابتة ، ذو جذور عريقة وراسخة تعود إلى عهد رسول الله ، وقد أتى بها الصحابة أيضاً ، إلّا أنَّه قد دبّ الخلاف فيها منذ عهد عمر بن الخطّاب ، وهذا هو ما تثبته الأدلة والشواهد التاريخيّة والروائيّة ، إلّا أنَّ التعصّب الأعمى دفع بالبعض دفاعاً عن اجتهاد عمر قبال السنّة النبويّة المباركة لأن يدّعي أنَّ الشيعة هم الذين أدخلوا هذه الروايات في كتبهم ، بل ودفع ذلك التعصب المقيت بالبعض الآخر لأن يدّعي ويزعم أنَّ كتبهم المعتبرة خالية من مثل هذه الروايات ، ولا ندري ما نقول لمن يريد إخفاء عين الشمس بغربال!

ونحن لو دققنا النظر في مسألة نهي عمر بن الخطاب عن متعة الحج ومتعة النساء وحيّ على خير العمل ـ على ما أورده القوشجي في «شرح التجريد» ـ لانكشف لنا الترابط فيما بين هذه المسائل الثلاث ، وأنّ مسألة «حيّ على خير العمل» تعني ارتباطها بمسألة هامة ترتبط بصميم الخلافة والإمامة ، وهذا ما أثبتناه بالأرقام في الصفحات السابقة (١) ، وقد عرفت كيف تحوّلت الحيعلة الثالثة إلى شعار للطالبيين ولشيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ومحبّي الزهراء البتولعليها‌السلامعبر القرون ، وأنّ ثبات الشيعة عليها وتمسّكهم بها يمثّل بحثا استراتيجيّاً بين الفريقين وحدّاً فاصلاً بينهما ، ولعلّ ما روي عن الإمام أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام عن تبيان علّتي النهي الظاهرة والخفية ـ التي مرّ ذكرها ـ جاء للكشف عن النوايا والتوجّهات الحكومية التي أرادت أن تطمس أنَّ خير العمل هو : «بر فاطمة وولدها».

__________________

(١) انظر : الفصل الثالث (حيّ على خير العمل ، دعوة للولاية وبيان لاسباب حذفها).

٤٠٨

وبعد أن بينا تعاريف «خير العمل» في روايات أهل البيت : سابقاً ، وانها تعني : «الولاية» و «بر فاطمة وولدها» ، نصل إلى أنّ نهي الخليفة يمثّل إعلاناً عن عدم الاعتناء ببر فاطمة ، وهو ما يعود بالنتيجة إلى الولاية والخلافة وأن عمر بن الخطاب لا يريد الإشارة إلى خلافة غيره ، بل إنه لا يريد الإشارة إلى كلّ ما يتعلّق بها.

وممّا يدعم هذا المعنى ما تنطوي عليه العقوبة التي فرضها عمر بن الخطاب على القائل بها ، فقوله (أنهى عنها) أو (أُعاقِبُ عليها) بمثابة اعتراف مبدئيّ منه بشرعيّة «حيّ على خير العمل» ، واعتراف ضمني على ما يجول في دواخله ، ولذلك فقد ربط نهيه عن «حيّ على خير العمل» بنهييه عن متعتَي النساء والحجّ ، اللَّذَيْنِ أكد الإمام عليّ وابن عبّاس ورعيل من الصحابة على شرعيتها ، بخلاف عمر والنهج الحاكم اللذين دعيا إلى تركها ، فترك هذه الثلاث عُمَرِيٌّ ، وأمّا لزوم الإتيان بها أو جوازه فهو علوي ، إذاً الأمر لم يكن اعتباطاً ، بل جاء لوجود رابطة وعلاقة متينة بين كلّ الأمور المنهيّ عنها.

لقد ، بلغ النزاع حول المسألة المبحوثة أوجه في القرنين الرابع والخامس الهجريّين ، حيث إنّ الصراع الفكريّ والاعتقاديّ في تلك الفترة الزمنيّة قد اشتدّ كثيراً ، فسيطر على الشارع العامّ جوٌّ من الخلاف الحادّ بين الشيعة والسنّة ، كلٌّ يدّعي أنَّ الحقّ في جانبه ، ولم يصلا لقاسم مشترك يرضي الطرفين في محاولة للعودة إلى حالة الألفة وعدم التنازع ، فكلٌّ منهما متمسِّك بصلابة بما توصّل إليه ؛ هؤلاء بأئمتهم ، وأولئك بحكوماتهم.

ولو ألقينا نظرة فاحصة على النصوص التي مرت في حوادث سنة ٣٥٠ ـ ٤٤٣ هـ ، ودرسنا وضع شدّة النعرة الطائفية واستفحالها ، لشاهدنا بوضوح دور مسألة «حيّ على خير العمل» الذي تزامن طرحها مع مسائل اعتقاديّة أُخرى بشكل

٤٠٩

لا يمكنك التفكيك بينها ، مثل مسألة الغدير ، ولبس السواد وما إلى ذلك. فلماذا يمنع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح يوم عاشوراء ومن تعليق المسوح؟ ولماذا تقع الفتنة يوم الغدير؟

قال الذهبيّ في أحداث سنة ٣٨٩ هـ : (كانت قد جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وإظهار الزينة يوم الغدير ، والوقيد (١) في ليلته ، فأرادت السنّة أن تعمل في مقابلة هذا أشياء ، فادّعت أنَّ اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي حصل فيه النبيّ وأبو بكر في الغـار ، فعـملت فـيه ما تعـمل الشـيعة في يوم الغـدير ، وجعلت بإزاء يوم عاشـوراء يوماً بعده بثمانية أيّام إلى مقتل مصـعب ...) (٢).

فانظر إلى الأصالة والتحريف معاً ، وكيف تُغيّر الوقائع والأحداث عن مجرياتها وتحرّف عن أصالتها وتوضع باسم الآخرين!

ومن الحوادث التاريخيّة التي برزت فيها شعاريّة «حيّ على خير العمل» كرمز للشيعة والتشيّع ما أورده ابن الجوزيّ في «المنتظم» في أحداث سنة ٤١٧ هـ ، وما جاء في «مرآة الجنان» في أحداث سنة ٤٢٠ هـ ، حيث ذكرا بإنّ الصراع والصدامات بين الشيعة والسنّة في بغداد كانت على أشدّها ، وقد حاول السنّة بشتّى الأساليب التجرُّؤ على مكانة الإمام عليّ عليه‌السلام الرفيعة السامية ، وبذلوا كلّ ما باستطاعتهم من النيل منه ومحاولة إسقاط مقامه الشامخ أمام أنظار العوامّ ، وعلى هذا الغرار فقد بعث القادر العبّاسيّ ظاهراً ـ أحد وعّاظه ـ إلى مسجد براثا (٣)

__________________

(١) أي إيقاد الشموع والقناديل والإضاءة.

(٢) تاريخ الاسلام : ٢٥ حوادث سنة ٣٨١ ـ ٤٠٠ هـ.

(٣) ومسجد براثا من المساجد العريقة والقديمة جدّاً ، وكان يومذاك بمثابة معقل الشيعة وحصنهم الحصين ، وتخرّج منه الكثير من الرجال الذين دخلوا تاريخ عالَم التشيّع ، حتّى قال عنه ابن كثير في

٤١٠

مسجد الشيعة ـ في أحد أيّام الجُمَع ، وراح ينال من شخصيّة الإمام عليّ عليه‌السلام بكلّ ما لا يليق به لا من قريب ولا من بعيد ، الأمر الذي أثار الشيعة من الذين كانوا حاضرين في ذلك المسجد ، فلم يسكتوا على قباحة ذلك الخطيب ، وحدث لغط وثارت الحميّة الدينيّة ، فلم يكتفوا بالاعتراض اللفظيّ ، بل رموا ذلك الخطيب بكلّ ما كان قريباً من أيديهم فأصابوه وكسروا له أنفه (١) ، فكانت هذه الحادثة بمثابة الشرارة الأُولى التي ألهـبت حالـة الصدامات فيما بين السنّة والشيعة في بغداد في تلك السـنة ، وعلى أثـر ذلك فقد كتـب الشـيعة على أبواب دورهم هذه العبارة : (محمّد وعليّ خير البشر ، فَـمَن رضى فقد شكر ، ومَن أبى فقد كفر).

ومن خلال هذه الحادثة ومثيلاتها التي حدثت في بغداد على مرّ الأ يّام يظهر لنا أنَّ «حيّ على خير العمل» أصبحت تُمَثِّل شعاراً للشيعة ، لأنَّ ديدن الجميع هو التأكيد والتركيز عليها ، وعدم التنازل عنها وذلك للاعتقاد الجازم بجزئيّتها ، بخلاف الحكومات التي خافت منها ومن معناها ومغزاها فدأبت على حذفها ، ولهذا يقول صاحب السيرة الحلبيّة : (إنَّ الرافضة لم يتركوا «حيّ على خير العمل» أيّام البويهيّين إلى أن تملّك السلجوقيّين سنة ٤٤٨ هـ ، فألزموهم بالترك وإبدالها بالصلاة خير من النـوم) (٢).

__________________

البداية والنهاية ١١ : ٢٧١ حوادث سنة ٣٥٤ هـ ، إنّه : (عشّ الرافضة) ، وكان ابن عقدة يعطي دروسه فيه ، ونقل عنه أنّه كان حافظاً لستمائة ألف حديث ، ثلاثمائة ألف حديث منها كانت في فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، هذا مضافاً إلى إيواء المسجد لعدد كبير من علماء الشيعة ، وكانوا على درجة عالية من الوعي والصلابة في الدين ، جعلت من أحد النواصب لأن يسمّيه بغضاً وتعنتاً بـ (مسجد ضرار) انظر البداية والنهاية ١١ : ١٧٣.

(١) البداية والنهاية ١٢ : ٢٨ ـ ٢٩ حوادث سنة ٤٢٠ هـ.

(٢) انظر السيرة الحلبيّة ٢ : ٣٠٥.

٤١١

وقد مرّ عليك تحت عنوان (مكّة / حلب ٤٦٢ هـ) كيف أن نقيب النقباء أبو الفوارس لمّا أبلغ القائم بأمر الله بأن محمود بن صالح [والي حلب] لبس الخلع القائمية وخطب للقائم.

قال له القائم : أيّ شيء تساوي خطبتهم وهم يؤذنون «حيّ على خير العمل» (١)؟!

كما وقفـت على المناظـرة الطـو يلة التي ناظـرها أبي هاشم أمير مكّـة وقوله لهم :

هذا أذان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (٢).

وجاء في الايضاح للقاضي النعمان بن محمد بن حيون المتوفى ٣٦٣ هـ عن ابي سليم قال اخبرنا عبدالرحمن بن القاسم القطان قال اخبرنا إسماعيل بن إسحاق عن حسن بن حسين عن علي بن القاسم عن بن الربيع عن منصور عن هلال بن سنان عن علقمة بن قيس قال : امر علي بن الصباح أن يلحق في اذانه : حي على خير العمل (٣).

إذَنْ ، فقد قيّد التاريخ بين صفحاته بأنّ «حيّ على خير العمل» كانت شعاراً للشيعة على مرّ العصور ، ومؤشِّراً على تشيِّع حكومات وحركات ثورية عديدة ، مضافاً إلى الإجماع القاطع عليها من قَبِل أهل البيت ، وقد مرّ عليك أنّ حجّة شرعيّتها هو إجماع أهل البيت على الإتيان بها ، وقد نوه الشوكانيّ والأمير الصنعانيّ وغيرهما إلى حجية إجماع أهل البيت.

ومن المؤثّرات الأُخرى التي يمكن لنا أن نجعلها دليلاً شاخصاً على شعاريّة «حيّ على خير العمل» للشيعة هو ما كُتِب على المساجد والحسينيّات والتكايا

__________________

(١) الكامل ١٠ : ٦٤.

(٢) النجوم الزاهرة ٥ : ٩٢.

(٣) الايضاح : ١٠٩ المطبوع في (ميراث حديث شيعه) دفتر دهم.

٤١٢

القديمة ، التي هي اليوم من المعالَم الأثريّة والحضاريّة للمسلمين في مختلف بقاع العالَم ، وحتّى حديثاً فقد ذكر مؤلف كتاب تاريخ مسجد الكوفة ، بأنَّ أمجد عليّ شاه أمر بكتابة «محمّد وعليّ خير البشر ، فمَن رضى فقد شكر ، ومَن أبى فقد كفر» على مأذنه مسجد الكوفة ، وكذا الحال في روضة مسلم بن عقيل (١) ، كما يمكننا ملاحظة شعاريّة «حيّ على خير العمل» في آثار شمال أفريقيّا التاريخيّة في المغرب والجزائر وتونس ، إذ انتشر التشيّع هناك بعد شهادة محمّد بن عبدالله بن الحسن ذي النفس الزكيّة ، وذلك بعد أن تفرّق الشيعة في مختلف أرجاء المعمورة ، وراحوا يتنفسون الصعداء بعيداً عن سطوة الحكومات الجائرة.

وبهذا فقد ثبت لك مما سبق وجود اتجاهين عند المسلمين :

أحدهما : يتبع الخلفاء ويتّخذ الاجتهاد والرأي حتّى على حساب القرآن والسنة في استنباطه.

والآخر : يأخذ بكـلام أهل البـيت والنص القـرآني والنبـوي ولا يرتضي الرأي.

وكان الاتجاهان على تضاد فيما بينهما ، فالذي لا يرتضي خلافة الإمام عليّ ابن أبي طالب وولده لا يحبذ شعارية (حيّ على خير العمل).

__________________

(١) قال الشيخ محمد رضا المظفر في ترجمته لصاحب جواهر الكلام الشيخ محمد حسن النجفي : ومن آثار الشيخ بناء مأذنة مسجد الكوفة وروضة مسلم بن عقيل ... وكان ذلك ببذل ملك الهند أمجد علي شاه وقد أرخ الشيخ ابراهيم صادق ذلك من قصيدة مدح بها الشيخ والملك هذا ، فقال مؤرخاً للمأذنة في آخرها :

واستــنار الافــق من مأذنه

أذن الله بــأن تـرقـى زحـل

لهــج الــذاكر في تـأريخـهـا

علناً حيّ على خير العـمل

جواهر الكلام ١ : ٢١.

٤١٣

أمّا الذي يعتقد بشرعية خلافة الأوصياء ، ويفهم من الحيعلة الثالثة أنّها دعوة إلى بر فاطـمة وولدها الذين هم خير البرية بصريح الكتاب العزيز ـ أي محـمّد وعلـيّ والزهـراء والحسن والحسـين ـ فيصر على شعاريتها وإن كلفه ذلك الغالي النفيس.

وليس من الاعتباط أن نجد ارتباطاً تاريخياً بين القول بإمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب والقول بشرعية الحيعلة الثالثة ، وبين رفض إمامة أمير المؤمنين والقول برفع الحيعلة الثالثة ، فهي إذن تمثّل أهمّ المسائل الفارقة بين نهج التعبد المحض ، وبين نهج الاجتهاد والرأي.

إنّ ما تنطوي عليه الحيعلة الثالثة من حقيقة الإمامة حينما دخلت الصراع يكشف بلا ريب عن أنّ حلبة هذا الصراع أكبر من كونها نزاعاً حول فصل من فصول الأذان ، وما (حيّ على خير العمل) إلّا نافذة من تلك النوافذ الكثيرة المعبرة عن أصالة نهج التعبد المحض ، شأنها في ذلك شأن التكبير على الجنائز خمساً أو أربعاً ، وحكم الأرجل في الوضوء هل هو المسح أو الغسل ، والقول بمشروعية المتعة وعدمه ، والإرسال أو القبض في الصلاة ، والتختم في اليمين أو الشمال ، والجهر بالبسملة أو إخفاتها ، وعدم شرعية صلاة التراويح والضحى أو شرعيتها ، وحرمة شرب الفقاع وأكل السمك الذي لا قشر له أو حليتهما ، وجواز لبس السواد في محرم والاحتفال بيوم الغدير أو بدعيتهما وإجراء أحكام المواريث والمناكح طبق هذا المذهب أو ذاك و ...

فكل هذه المفردات تشير إلى وجود نهج يخالف الحكام وما سنوه من سنن تخالف سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فندرة وجود ما يؤيد هذا النهج في مدرسة الخلفاء لا يخدش في شرعيتها ، بل يؤكّد أصالتها ، وأنّ ثبوتها وبعد أربعة عشر قرناً ـ رغم كلّ الظروف التي مرت بها ـ ليؤكّد ارتباطها واستقاءها من أهل البيت ، وهو الآخر

٤١٤

قد وضح لك سر الاختلاف في الوضوء والأذان وغيرها من عشرات المسائل التي اختلف فيها المسلمون والتي لم يذكرها ابن حزم وغيره بل قبلوها على أنّها ثابتة لا لبس ولا تنازع فيها.

ومما يجب التأكيد عليه هنا هو : أننا حينما نتخذ بعض الحكّام فاطميين كانوا أم عباسيين كنماذج للنهجين لا نريد أن نعتبرهم القدوة والأسـوة ، مادحين هذا أو ماسّين بذاك ، فلا يحق لنا أن نسقط تصوّراتنا على هذا المذهب أو ذاك طبق ما عرفناه من أعمال هذا الحاكم أو ذاك ، فهؤلاء أناس لهم سلوكـياتهم وتصـرفاتهم ، وكلّ ما في الأمر أنهم يلتزمون نهجاً خاصاً ، فقد يكونون متعـبدين بما عرفوه من ذلك النهج ، وقد يكونون متجاوز ين على أصـوله غير عاملـين بأوامره ، فلا يمكن القول بأنّ كلّ حكام هذا الفريق كذا ، وحكام ذاك الفريق كذا ، لأن بعض هؤلاء تخطَّـوا المـوازين ، كما تخطى الطـرف الآخر كذلك ، لكنّ ما نريد بيانه في هذا الفصـل هو وجود اتجاهـين عند المسـلمين دون النظر إلى سلوكـيات الأفراد والحكومات.

٤١٥

الخلاصة

تلخص ممّا سبق عدة اُمور :

أحدها : شرعية «حيّ على خير العمل» ؛ وذلك لاتفاق الفريقين على أصل مشروعيتها ، وانفراد أهل السنة والجماعة بدعوى النسخ ، وقد أثبتنا عدم وقوع النسخ ، ناقلين كلامَ السيد المرتضى :

وقد روت العامة أنّ ذلك ممّا كان يقال في بعض أيام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما ادّعي أنّ ذلك نسخ ورفع ، وعلى من ادّعى النسخ الدلالة له ، وما يجدها (١).

وتأذينَ أكثر من ثلاثين رجل من أهل البيت والصحابة بها ، بل وضّحنا إجماع العترة على ذلك ، حاكين في البين ما نقل عن الشافعي وبعض أئمّة المذاهب الأربعة من القول بجزئيتها.

ثمّ عرجنا في الفصل الثاني لبيان سقوطها على عهد عمر بن الخطّاب ، متسائلين عن موقف بلال الحبشي في الحيعلة الثالثة والصلاة خير من النوم ، وهل أنّه أذن للشيخين أم لا؟ بل ما هو موقفه اتجاه أهل البيت ، وما موقف أهل البيت اتجاهه؟ وقد توصلنا إلى كونه لم يؤذن إلّا للزهراء والحسنين ، وأنّ خروجه إلى الشام كان اعتراضاً على السياسة الحاكمة.

__________________

(١) الانتصار : ٣٩.

٤١٦

هذا وقد تكلمنا في الفصل الثالث عن معنى «حيّ على خير العمل» وأنّها دعوة إلى الولاية ، مبينين الأسباب التي دعت عمر بن الخطاب لحذفها ، مشيرين إلى بعض العلل الخفية في هذا الأمر ، موضحين ذلك من خلال القرآن المجيد والسنة المطهرة وكلام الإمام الكاظم عليه‌السلام.

أمّا الكلام في الفصل الرابع فكان عن تاريخها العقائدي والسياسي وما حدث في بغداد وغيرها من الفتن ، مشيرين إلى التأذين بها في حلب ، وبغداد ، ومصر ، وحمص ، والاندلس ، والهند ، وإيران ، ومكّة ، والمدينة ، واليمامة ، والقطيف ، و ... على مر العصور والأ يّام.

كلّ ذلك ضمن بياننا للسير التاريخي للأحداث ، والدول التي حكمت البلدان ، فاطمية كانت أم عباسية ، بويهية كانت أم سلجوقية و .. مؤكدين بأن الحيعلة الثالثة ما هي إلّا نافذة من النوافذ الكثيرة في التاريخ والشريعة كالجهر بالبسملة والجمع بين الصلاتين وعدم جواز المسح على الخفين و ... والمشيرة إلى وجود اتجاهين بعد رسول الله : أحدهما أتباع أهل البيت ، والآخر أتباع الخلفاء ، وأن «حيّ على خير العمل» كانت شعار الشيعة والطالبيين على مر الدهور ، وكان حذفها وإبدالها بـ «الصلاة خير من النوم» شعار أهل السنة والجماعة.

وبهذا فقد انتهينا من بيان الباب الأول من هذه الدراسة على أمل أن نلتقي بالقارئ الكريم عند البابين الآخرين منها :

الباب الثاني : «الصلاة خير من النوم ، شرعة أم بدعة».

والباب الثالث : «أشهد أن عليّاً ولي الله ، بين الشرعية والابتداع».

نسأل الله أن يوفقنا لإكمالهما وإتمامهما بفضله ومنّه ، آمين رب العالمين.

٤١٧

وفي الختام

لابدّ لي أن أشكر كلّ من سايرني في هذه الرحلة الفكرية العقائدية المضنية ، سواء قرأ لي ، أو أشار عليّ بنكتة علمية ، أو لفتة أدبية ، أو ملاحظة فنية ، أو تخريجة ما ، وأخص بالذكر الباحثين الجليلين : الاستاذ الشاعر الشيخ قيس العطار ، والاخ الفاضل إبراهيم رفاعة لإبدائهما بعض الملاحظات القيمة.

وكذلك اشكر الأخ الفاضل سمير الكرماني الذي ضبط لي النصوص ووحّد المصادر وطبعاتها ، ثمّ اعداده الفهرس النهائي للكتاب. فللله درهم وعليه أجرهم.

وأخيراً آمل من إخواني العلماء ومن يعنيه أمر الفكر والعقيدة أن يتحفوني بآرائهم حول الكتاب سلباً أو إيجاباً وصحّة أو سقماً ، ولهم منّا الشكر في كلتي الحالتين ، فإن وافقونا فسنستمد العزم لمواصلة الطريق ، وإن خالفونا فسنستفيد من آرائهم ونجعلها نصب أعيننا في بحوثنا المقبلة إن شاء الله تعالى.

اللّهم أرنا الحقَّ حقًّا فنتّبعه ، والباطل باطلاً فنجتنبه ، واجعل هوانا في طاعتك وطاعة نبيك وأوليائك المخلَصين ، واهدنا لما اختلف فيه من الحقّ بإذنك إنّك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

اللّهم عرّفنا ما نجهل من كتابك ، وعلّمنا ما لا نعلم من سنّة نبيّك ، وبصّرنا بما لا نبصر من أسرار حكمك ، واجعلنا أبراراً أتقياء برحمتك يا أرحم الراحمين ، آمين ربَّ العالمين.

٤١٨

ثبت المصادر

١ ـ القرآن الكريم

٢ ـ اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمّة الفاطميين الخلفاء ١ / ٣ (رحلي)

للمقريزي ، أحمد بن عليّ ، تقي الدين أبي العبّاس (ت ٨٤٥ هـ)

تحقيق : الدكتور محمّد حلمي محمّد أحمد ، والدكتور جمال الدين الشيال

نشر : لجنة إحياء التراث الإسلامي ، المجلس الاعلى للشئون الامية / مصر

٣ ـ الآثار ١ / ٢

للشيباني ، محمّد بن الحسن ، أبي عبدالله (ت ١٨٩ هـ)

صحّحه وعلق عليه : أبو الوفاء الافغاني

نشر : دار الكتب العلمية ـ بيروت

الطبعة الثانية ١٤١٣ هـ ـ ١٩٩٣ م

٤ ـ الآحاد والمثاني

لابن أبي عاصم (ت ٢٨٧ هـ)

تحقيق : باسم فيصل أحمد الجوابرة

نشر : دار الدراية

الطبعة الأولى ١٤١١ هـ ـ ١٩٩١ م

٤١٩

٥ ـ الأحاديث المختارة

للمقدسـي الحنبلي ، محمّـد بن عبدالواحد بن أحمـد ، أبي عبـدالله (ت ٦٤٣ هـ)

تحقيق : عبدالملك بن عبدالله بن دهيش

نشر : مكتبة النهضة الحديثة ـ مكّة المكرمة

الطبعة الأولى ١٤١٠ هـ

٦ ـ الاحتجاج ١ / ٢ (في مجلد)

للطبرسي ، أحمد بن عليّ بن أبي طالب ، أبي منصور (من اعلام القرن السادس الهجري)

تعليق وملاحظات : السيّد محمّد باقر الموسوي الخرسان

منشورات : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / بيروت

الطبعة الثانية ١٤٠٣ هـ ـ ١٩٨٣ م

٧ ـ أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم

للمقدسي ، محمد بن أحمد بن أبي بكر ، شمس الدين ، أبي عبد الله (ت ٤١٤ هـ)

طبع في مدينة ليدن بمطبعة بريل سنة ١٩٠٤ م

اُوفسيت دار صادر ـ بيروت

٨ ـ احقاق الحق وازهاق الباطل ١ / ٣٢

للتستري ، القاضي نور الله الحسيني المرعشي (ت ١٠١٩ هـ)

مع ملحقات السيّد المرعشي النجفي

نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي ، قم ـ إيران

٩ ـ الإحكام في أصول الأحكام ١ / ٨ (في مجلدين)

لابن حزم الاندلسي الظاهري ، عليّ بن أحمد بن سعيد ، أبي محمّد (ت ٤٥٦ هـ)

تحقيق : لجنة من العلماء

٤٢٠