موسوعة الأذان بين الأصالة والتحريف - ج ١

السيد علي الشهرستاني

موسوعة الأذان بين الأصالة والتحريف - ج ١

المؤلف:

السيد علي الشهرستاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة المؤمل الثقافية
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٠

الترجمة بجامع المنصور وأذّنوا بحيّ على خير العمل ، وعقد الجسر وعبرت عساكر البساسيري إلى الجانب الشرقي (١).

وذكر ابن الجوزي في المنتظم : ... وعاود أهل الكرخ الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وظهر فيهم السرور الكثير وحملوا راية بيضاء ونصبوها في وسط الكرخ وكتبوا عليها اسم المسـتنصر بالله وأقام بمكانـه والقتالُ يجـري في السـفن بدجلة.

فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دُعي لصاحب مصر في جامع المنصور ، وزيد في الأذان «حيّ على خير العمل» وشرع البساسيري في إصلاح الجسر (٢).

وفي (نهايــة الأرب في فــنون الأدب) عند ذكر استيلاء أبي الحارث البـسـاسيــري على العـراق ، قال : ثمّ وصل الـبساسيـري إلى بغداد في يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه أربعمائة غلام في غاية الضـر والفقر ، فنزل بمشرعة دار الروايا وكان معه قريش بن بدران وهو في مائتي فارس ، فنزل مشرعة باب البصرة وركب عميد العراق ومعه العسكر والعوام وأقاموا بإزاء عسكر البساسيري وعادوا وخطب البساسيري بجامع المنصور للمستنصر العلوي صاحب مصر فأذن «حيّ على خير العمل» وعقد الجسر وعبر عسكره إلى الزاهر واجتمعوا فيه وخطب في الجمعة الثانية للمصري بجامع الرصافة ... (٣)

وفي تاريخ بغداد : ... فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دعي

__________________

(١) النجوم الزاهره ٥ : ٦.

(٢) المنتظم ١٦ : ٣٢ حوادث ٤٥٠.

(٣) نهاية الارب في فنون الادب ٢٣ : ٢٢٧.

٣٨١

لصاحب مصر في الخطبة بجامع المنصور وزيد في الأذان «حيّ على خير العمل» ، وشرع البساسيري في إصلاح الجسر (١).

وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي : ... ثمّ قدم البساسيري بغداد في سنة خمسين ومعه الرايات المصرية ، ووقع القتال بينه وبين الخليفة ، ودعي لصاحب مصر المستنصر بجامع المنصور ، وزيد في الأذان «حيّ على خير العمل» ، ثمّ خطب له في كلّ الجوامع إلّا جامع الخليفة ، ودام القتال شهراً ثمّ قبض البساسيري على الخليفة في ذي الحجة وسيّره إلى غابة وحبسه بها و ... (٢)

مكة / حلب (سنة ٤٦٢ ه‍)

قال ابن خلدون (٣) والذهبي (٤) والسيوطي (٥) : إنّ محمّد بن أبي هاشم خطب بمكة للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان (٦) ، وأسقط خطبة العلوي صاحب مصر وترك «حيّ على خير العمل» من الأذان.

وقال ابن الأثير : ... وفيها ورد رسول صاحب مكّة محمّد بن أبي هاشم ومعه ولده إلى السلطان ألب أرسلان يخبره بإقامة الخطبة للخليفة القائم بأمر الله وللسلطان بمكة وإسقاط خطبة العلوي صاحب مصر ، وترك الأذان بـ «حيّ على

__________________

(١) تاريخ بغداد ٩ : ٤٠١ ـ ٤٠٢ ، ومثله في بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم ٣ : ١٣٥٢ ، والبداية والنهاية ١٢ : ٨٤.

(٢) تاريخ الخلفاء ١ : ٤١٨.

(٣) تاريخ ابن خلدون ٣ : ٤٧٠.

(٤) سير أعلام النبلاء ١٥ : ١٩٠.

(٥) تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢١.

(٦) ولي هذا خراسان بعد وفاة والده طغري بك دواد سنة ٤٥٢ ، وداود كان أخ السلطان ضغرليك السلجوقي المعروف.

٣٨٢

خير العمل» ، فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار وخلعاً نفيسة وأجرى له كلّ سنة عشرة الآف دينار (١).

ثمّ ذكر في حوادث سنة ٤٦٣ كيفية استيلاء السلطان ألب أرسلان على حلب ، إلى أن قال : ... وقد وصلها نقيب النقباء أبو الفوارس طِراد بالرسالة القائمية ، والخلع ، فقال له محمود ؛ صاحب حلب : أسالك الخروج إلى السلطان واستعفائه لي من الحضور عنده ، فخرج نقيب النقباء ، وأخبر السلطان بأنّه قد لبس الخِلَعِ القائمية وخطب ، فقال : أيّ شيء تساوي خطبتهم وهم يؤذنون «حيّ على خير العمل»؟ ولابد من الحضور ودوس بساطي ، فامتنع محمود من ذلك.

فاشتدّ الحصار على البلد ، وغلت الأسعار ، وعظم القتال وزحف السلطان يوماً وقرب من البلد ، فوقع حجر منجنيق في فرسه ، فلما عظم الأمر على محمود خرج ليلاً ، ومعه والدته منيعة بنت وثّاب النميري ، فدخلا على السلطان وقالت له : هذا ولدي فافعل به ما تحبّ ، فتلقاهما بالجميل وخلع على محمود وأعاده إلى بلده فأنفذ إلى السلطان مالاً جزيلاً (٢).

وخطب محمود بن صالح بحلب للقائم بأمر الله وللسلطان ألب أرسلان ... فأخذت العامة حُصُرَ الجامع ، وقالوا : هذه حُصُرُ عليّ بن أبي طالب ، فليأتِ أبو بكر بحُصُر يصلّي عليها الناس (٣).

وفي (النجوم الزاهرة) (٤) عن الشيخ شمس الدين بن قزاوغلي في المرآة ، قال : ... وضاقت يد أبي هاشم محمّد أمير مكّة بانقطاع ما كان يأتيه من مصر ،

__________________

(١) الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٧.

(٢) الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٩.

(٣) الكامل في التاريخ ٨ : ١٠٨.

(٤) في أحداث سنة ٤٢٨.

٣٨٣

فأخذ قناديل الكعبة وسقورها وصفائح الباب والميزاب ، وصادر أهل مكّة فهربوا ، وكذا فعل أمير المدينة مهنّأ وقَطَعَاً الخطبة للمستنصر [الفاطمي] وخطبا لبني العبّاس ـ الخليفة القائم بأمر الله وبعثا إلى السلطان ألب أرسلان السلجوقي حاكم بغداد بذلك ، وأنّهما أذّنا بمكة والمدينة الأذان المعتاد وتركا الاذان بـ «حيّ على خير العمل» ، فأرسل ألب أرسلان إلى صاحب مكّة أبي هاشم المذكور بثلاثين ألف دينار ، وإلى صاحب المدينة بعشرين ألف دينار ، وبلغ الخبر بذلك المستنصر فلم يلتفت إليه لشغله بنفسه ورعيته من عظم الغلاء (١).

وفي أحداث سنة ٤٦٤ قال : بعث الخليفة بأمر الله الشريف أبا طالب الحسن بن محمّد أخا طرَّاد الزينبي إلى أبي هاشم محمّد أمير مكّة بمال وخلع ، وقال له : غيِّر الأذان وأبطل «حيّ على خير العمل» ، فناظره أبو هاشم مناظرة طو يلة وقال له : هذا أذان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، فقال له أخو الشريف : ما صحَّ عنه وإنّما عبدالله بن عمر بن الخطاب روي عنه أنه أذّن به في بعض أسفاره ، وما أنت وابن عمر! فأسقطه من الأذان (٢).

وجاء في تاريخ الخلفاء بأن الخطبة اُعيدت للعبيدي بمكة في سنة ٤٦٧ (٣).

الشام (سنة ٤٦٨ ه‍)

جاء في (مآثر الإنافة) للقلقشندي : ... تغلّب على دمشق اتسز بن ارتق الخوارزمي المعروف بالاقسيس ، أحد أمراء السلطان ملكشاه السلجوقي [ابن ألب ارسلان] في سنة ٤٦٨ وقطع الخطبة بها للمستنصر الفاطمي وخطب

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٥ : ٢٣

(٢) النجوم الزاهرة ٥ : ٨٩.

(٣) تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢٣.

٣٨٤

للمقتدي (١) العباسي ، ومنع الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ولم يخطب بعدها بالشام لأحد من الفاطميين وبقي بها إلى ما بعد خلافة المقتدي (٢).

وفي (الكامل) لابن الأثير : ... ودخلها هو [أي الاقسيس] وعسكره في ذي القعدة وخطب بها يوم الجمعة لخمس بقين من ذي القعدة للمقتدي بأمر الله الخليفة العباسي ، وكان آخر ما خطب فيها للعلويين المصريين ، وتغلب على أكثر الشام ، ومنع الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، ففرح أهلها فرحاً عظيماً ، وظلم أهلها وأساء السيرة فيهم (٣).

وفي (البداية والنهاية) لابن كثير ، قال : ... الاقسيس هذا هو اتسز بن اوف الخوارزمي ، ويلقب بالملك المعظم ، وهو أوّل من استعاد بلاد الشام من أيدي الفاطميين وأزال الأذان منها بـ «حيّ على خير العمل» بعد أن كان يؤذن به على منابر دمشق وسائر الشام مائة وست سنين (١٠٦ سنة) ، وكان على أبواب الجوامع والمساجد مكتوب لعنة الصحابة رضي الله عنهم ، فأمر هذا السلطان المؤذّنين والخطباء أن يترضّوا عن الصحابة أجمعين (٤).

وفي تاريخ الخلفاء : ... خطب للمقتدي العباسي بدمشق وأبطل الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وفرح الناس بذلك (٥).

__________________

(١) ولي المقتدي ٤٦٧ بعد وفاة والده القائم بالله ، ومما يجب التنبيه عليه أنّ الخطبة للعلويين أعيدت بمكة بعد وفاة القائم بالله وقطع خطبة المقتدي وكانت مدة الخطبة العباسية بمكة أربع سنين وخمسة اشهر ، ثمّ أعيدت في ذي الحجة سنة ثمان وستين وأربعمائة (انظر : الكامل في التاريخ ٨ : ١٢١).

(٢) مآثر الإنافة للقلقشندي ٢ : ٥.

(٣) الكامل في التاريخ ٨ : ١٢٢ احداث سنة ٤٦٨ هـ.

(٤) البداية والنهاية ١٢ : ١٢٠ ، ١٢٧.

(٥) تاريخ الخلفاء ١ : ٤٢٤.

٣٨٥

وفي تاريخ ابن خلدون : ... وخطب فيها اتسز للمقتدي العباسي في ذي القعدة سنة ثمان وستين ، وتغلّب على أكثر الشام ، ومنع من الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، ثمّ سار سنة تسع وستين إلى مصر وحاصرها حتّى أشرف على أخذها ، ثمّ انهزم من غير قتال ، ورجع إلى دمشق وقد انتقضَ عليه أكثر الشام ، فشكر لأهل دمشق صونهم لمخلفه وأمواله ورفع عنهم خراج سنة ، وبلغه أنّ أهل القدس وثبوا بأصحابه ... (١)

مصر (سنة ٤٧٨ ه‍)

ولي المستنصر بالله الفاطمي من سنة (٤٢٨ ـ ٤٨٧ هـ) وهو معد أبو تميم حفيد الحاكم بأمر الله ، وقد قرب هذا بدرَ الجماليَّ لولاية اُمور الحضرة.

قال صاحب (النجوم الزاهرة) : ... كان بدر الجمالي أرمني الجنس فاتكاً جباراً قتل خلقاً كثيراً من العلماء وغيرهم ، وأقام الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، وكبّر على الجنائز خمساً ، وكتب سبَّ الصحابة على الحيطان ... (٢)

وفي (المنتظم) : وفي شهر ذي القعدة قبض بدر الجمالي ـ أمير مصر ـ على ولده الأكبر وأربعة من الأمراء ... ونفى مذكِّري أهل السنة ، وحمل الناس أن يكبّروا خمساً على الجنائز ، وأن يسدلوا أيمانهم في الصلاة ، وأن يتختّموا في الأيمان ، وأن يثوّبوا (٣) في صلاة الفجر «حيّ على خير العمل» ، وحبس أقواماً رووا فضائل الصحابة (٤).

__________________

(١) تاريخ ابن خلدون ٣ : ٤٧٣ ـ ٤٧٤.

(٢) النجوم الزاهرة ٥ : ١٢٠.

(٣) وقد عبّر ابن الجوزي عن الحيعلة الثالثة بالتثويب تساهلاً منه ؛ لأنّها حلّت محلّ «الصلاة خير من النوم».

(٤) المنتظم في تاريخ الامم والملوك ١٦ : ٢٤٢.

٣٨٦

مصر (سنة ٥٢٤ ه‍)

ولي الحافظ لدين الله الفاطمي (عبدالمجيد حفيد المستنصر بالله) بعد قتل ابن عمه أبي عليّ منصور الآمر بأحكام الله في سنة أربع وعشرين وخمسمائة.

قال العلاّمة أبو المظفر في مرآة الزمان : ... ولما استمر الحافظ في خلافة مصر ضعف أمره مع وزيره أبي عليّ أحمد بن الأفضل أمير الجيوش ، وقويت شوكة الوزير المذكور وخطب للمنتظر المهدي ، وأسقط من الأذان «حيّ على خير العمل» ، ودعا الوزير المذكور لنفسه على المنابر «بناصر إمام الحق ، هادي العصاة إلى اتّباع الحق ، مولى الأمم ، ومالك فضيلتي السيف والقلم» فلم يزل حتّى قتل الوزير (١).

وقد تكلّم المقريزي في (اتعاظ الحنفاء) عن أبي عليّ أحمد بن الأفضل ، فقال : وكان إمامياً متشدّداً فالتفت عليه الإمامية ولعبوا به حتّى أظهر المذهب الإمامي وتزايد الأمر فيه إلى التأذين فانفعل بهم ، وحسّنوا له الدعوة للقائم المنتظر فضرب الدراهم باسمه ونقش عليها «الله الصمد ، الإمام محمّد» ... إلى أن يقول : ... وكان قد أسقط منذ إقامة الجند ذكر إسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيلية ، وأزال من الأذان قولهم فيه «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» ، وأسقط ذكر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً يُدعى به على المنابر ... (٢)

وقال أبو الفداء في تاريخه : ... ثمّ دخلت سنة ست وعشرين وخمسمائة ، فيها قُتِلَ أبو عليّ بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي ، وكان أبو

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٥ : ٢٣٨.

(٢) اتعاظ الحنفاء في تاريخ الائمة الخلفاء ٣ : ١٤٣.

٣٨٧

عليّ المذكور قد حجر على الحافظ وقطع خطبة العلويين وخطب لنفسه خاصة وقطع من الأذان «حيّ على خير العمل» فنفرت منه قلوب شيعة العلويين وثار به جماعة من الممالك وهو يلعب الكرة فقتلوه ونهبت داره (١).

وفي (وفيات الاعيان) : ... وقبض على الحافظ المذكور واستقل بالأمر وقام به أحسن قيام ، وردّ على المصادَرين أموالهم ، وأظهر مذهب الإمامية وتمسّك بالائمة الاثني عشر ، ورفض الحافظَ وأهلَ بيته ، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان المعروف بالإمام المنتظر على زعمهم وكتب اسمه على السكة ، ونهى أن يؤذّن بـ «حيّ على خير العمل» ، وأقام كذلك إلى أن وثب عليه رجل من الخاصّة بالبستان الكبير بظاهر القاهرة في النصف من المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة فقتله ، وكان بتدبير الحافظ ، فبادر الأجناد بإخراج الحافظ وبايعوه ولقبوه بالحافظ ودعي له على المنابر (٢).

وفي (بدائع الزهور في وقائع الدهور) قوله : ... وكان قد أسقط منذ أقامه الجندُ ذِكْرَ اسماعيل بن جعفر الصادق الذي تنسب إليه الطائفة الإسماعيلية ، وأزال من الأذان قولهم فيه «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» وأسقط ذكر الحافظ من الخطبة ، واخترع لنفسه دعاءً يدعى به على المنابر (٣).

وفي (نهاية الأرب في فنون الأدب) : قال المؤرخ : لما بويع الحافظ لدين الله ثار الجند الأفضلية وأخرجوا ابن مولاهم أبا عليّ أحمد بن الافضل الملقب بكتيفات ، وولّوه أمر الجيوش وذلك في يوم الخميس السادس من ذي القعدة منها ، فحكم ، واعتقل الحافظ صبيحة يوم بيعته ، ودعا للإمام المنتظر وقوي أمر ابن الأفضل.

__________________

(١) تاريخ أبي الفداء ٣ : ٦.

(٢) وفيات الاعيان ٣ : ٢٣٦. تاريخ ابن خلدون ٤ : ٧١ ـ ٧٢.

(٣) بدائع الزهور في وقائع الدهور لمحمد بن أحمد بن إياس الحنفي طـ الهيئة المصرية العامة ١٤٠٢ هـ.

٣٨٨

وفي سنة خمس وعشرين رتّب أحمد بن الافضل في الأحكام أربعة قضاة : الشافعية ، والمالكية ، والإسـماعيلية ، والإمامـيّة ، يحكم كلّ قاضـي بمقتضـى مذهـبه ويورّث بمقتضاه ، فكان قاضي الشافعية الفقيه سلطان ، وقاضي المالكية اللبني ، وقاضي الاسـماعيلية أبو الفضـل ابن الأزرق ، وقاضي الإمامـيّة ابن أبي كامل.

وسار أحمد بن الأفضل سيرة جميلة بالنسبة إلى أيام الآمر ، وردّ على الناس بعض مصادراتهم ، وأظهر مذهب الإماميّة الاثني عشرية ، وأسقط من الأذان قولهم «حيّ على خير العمل» وأمر بالدعاء لنفسه على المنابر بدعاء اخترعه (١).

وفي تاريخ ابن خلدون : فأشار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر ، وضرب الدراهم باسمه دون الدنانير ، ونقش عليها : «الله الصمد ، الإمام محمّد» وهو الإمام المنتظر. وأسقط ذِكْرَ إسماعيل من الدعاء على المنابر وذِكْرَ الحافظ ، وأسقط من الأذان «حيّ على خير العمل» (٢).

وفي (المواعظ والاعتبار) : ... ولمّا تغلّب أبو عليّ بن كتيفات بن الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي على رتبة الوزارة في أيام الحافظ لدين الله أبي الميمون عبدالمجيد بن الأمير أبي القاسم محمّد بن المستنصر بالله في سادس عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة ، سجَنَ الحافظ وقيّده ، واستولى على سائر ما في القصر من الأموال والذخائر ، وحملها إلى دار الوزارة ، وكان إمامياً متشدّداً في ذلك ، خالف ما عليه الدولة من مذهب الإسماعيلية ، وأظهر الدعاء للإمام المنتظر ، وأزال من الأذان «حيّ على خير العمل» وقولهم «محمّد وعليّ خير

__________________

(١) نهاية الارب في فنون الادب : ٧٤٦٧.

(٢) تاريخ بن خلدون.

٣٨٩

البشر» ، وأسقط ذكر إسماعيل بن جعفر الذي تنتسب إليه الإسماعيلية ، فلما قتل في سادس عشر المحرم سنة ست وعشرين وخمسمائة عاد الأمر إلى الخليفة الحافظ وأعيد إلى الأذان ما كان أُسقط منه (١).

وفي بعض كلام المؤرخين هذا خطأ ؛ إذ المعروف عن الإمامية والثابت عندهم هو جزئية «حيّ على خير العمل» فلا يجوز رفعه إن كان كتيفات هذا إمامياً بالمصطلح.

وأما الدعاء للإمام المنتظر وإسقاط ذكر إسماعيل بن جعفر من الخطبة فكانت خطوة سياسية احتمى بها ابن كتيفات ؛ لأنّه كان سنيّاً لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر.

وهذا ما صرّح به الذهبي في (العبر في خبر من غبر) بأنّ أبويه كانا سنيّين ، قال : ... فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور ، وأخذ أكثر ما في القصر ، وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ، لأنّه كان سنيّاً كأبيه ، لكنّه أظهر التمّسك بالإمام المنتظر ، وأبطل من الأذان «حيّ على خير العمل» ، وغيرّ قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا عليه (٢).

وقال اليافعي في (مرآة الجنان وعبرة اليقظان) : ... وأهمل ناموس الخلافة العبيدية ؛ لأنّه كان سنياً كأبيه ، لكنّه أظهر التمسّك بالإمام المنتظر وأبطل من الأذان «حيّ على خير العمل» وغيّر قواعد القوم ، فأبغضه الدعاة والقوّاد وعملوا عليه ، فركب للعب الكرة في المحرم فوثبوا عليه وطعنه مملوك الحافظ بحربة .. (٣).

__________________

(١) المواعظ والاعتبار للمقريزي ٢ : ٢٧١ ، وانظر : قصة قتل أبي علي بن كثيفات في الكامل في التاريخ ٨ : ٣٣٤ أحداث سنة ٥٢٦ هـ.

(٢) العبر في خبر من غبر ٤ : ٦٨ ، شذرات الذهب ٢ : ٧٨ ، سير أعلام النبلاء ١٩ : ٥٠٩ ـ ٥١٠.

(٣) مرآة الجنان وعبرة اليقظان ٣ : ٢٥١.

٣٩٠

حلب (سنة ٥٤٣ ه‍)

جاء في (زبدة الحلب من تاريخ حلب) : ... وشرع نور الدين (١) في تجديد المدارس والرباطات بحلب ، وجلب أهل العلم والفقهاء إليها ، فجدّد المدرسة المعروفة بالحلاويين في سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ، واستدعى برهان الدين عليّ بن الحسن البلخي الحنفي وولاّه تدريسها ، فغيّر الأذان بحلب ، ومنع المؤذنين من قولهم «حيّ على خير العمل» ، وجلس تحت المنارة ومعه الفقهاء وقال لهم : من لم يؤذن الأذان المشروع فألقوه من المنارة على رأسه ، فأذنّوا الأذان المشروع واستمر الأمر من ذلك اليوم ... (٢)

قال الذهبي في سيرأعلام النبلاء (٣) في ترجمة عليّ بن الحسن بن محمّد أبي الحسن الحنفي الفقيه : سمع بما وراء النهر وتنتسب إليه المدرسة البلخية ويلقب بالبرهان ، وهو الذي أبطل من حلـب الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، مات سنة ٥٤٨.

وكان المقدسي قد نوه عن إبطال الأذان بـ «حيّ على خير العمل» ، بقوله : ورد الخبر من ناحية حلب بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال «حيّ على خير العمل» في أواخر تأذين الغداة والتظاهر بسب الصحابة وأنكر ذلك إنكاراً شديداً ، وساعده على ذلك جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل التَّشَيُّع .. (٤)

__________________

(١) هو نور الدين أبو القاسم محمود بن زنكي بن آقسنقر ، المولود سنة ٥١١ هـ ، وكان حنفي المذهب داعية إلى مذهبه ، وهو مؤسس الدولة النورية في الشام.

(٢) زبدة الحلب في تاريخ حلب لابن العديم ٢ : ٤٧٥ ـ ٤٧٦.

(٣) سير أعلام النبلاء ٢٠ : ٢٧٦.

(٤) الروضتين في أخبار الدولتين ١ : ٢٠٢.

٣٩١

وفي (العبر في خبر من غبر) ، قال : أبو الحسن البلخي عليّ بن الحسن الحنفي ... وكان يلقّب برهان الدين ... وهو الذي قام في إبطال «حيّ على خير العمل» من حلب (١).

وجاء في (البـداية والنــهايـة) لابن كثير : افتـتح نور الدين أبو القاسم التركي السلجوقي وكان حنفي المذهب .. وأظهر السنّة وأمات البدعة ، وأمر بالتأذين بـ «حيّ على الصلاة حيّ على الفلاح» ، ولم يكن يؤذن بهما في دولتي أبيه وجدّه وإنّما كان يؤذن بـ «حيّ على خير العمل» لأنّ شعار الرفض كان ظاهراً بها (٢).

وفي (النجوم الزاهرة) (٣) وكتاب الروضتين في أخبار الدولتين (٤) وخطط الشام لمحمد كرد عليّ (٥) وغيرها والنص للثاني : قال أبو يعلى التميمي : وفي رجب من هذه السنة [أي ٥٤٣ هـ] ورد الخبر من ناحية حلب بأنّ صاحبها نور الدين بن أتابك أمر بإبطال «حيّ على خير العمل» في أواخر تأذين الغداة ، والتظاهرِ بسب الصحابة ، وأنكر ذلك إنكاراً شديداً ، وساعده على ذلك جماعة من السنة بحلب ، وعظم هذا الأمر على الإسماعيلية وأهل التشيع ، وضاقت له صدورهم وهاجوا له وماجوا ، ثمّ سكنوا وأحجموا للخوف من السطوة النورية المشهورة والهيبة المحذورة ...

__________________

(١) العبر في خبر من غبر ٤ : ٦٣١ ، الدارس في تاريخ المدارس ١ : ٣٦٨.

(٢) البداية والنهاية ١٢ : ٢٩٨.

(٣) النجوم الزاهرة ٥ : ٢٨٢.

(٤) الروضتين في اخبار الدولتين ١ : ٢٠١ ـ ٢٠٢.

(٥) خطط الشام لمحد كرد علي ٢ : ٢١.

٣٩٢

حلب (سنة ٥٥٢ ه‍)

اشتدّ المرض في شهر رمضان بنور الدين وخاف على نفسه ، فاستدعى أخاه نصرة الدين أمير أميران ، وأسد الدين شيركوه ، وأعيان الأمراء والمقدمين ، وأوصى إليهم وقرر أن يكون أخوه نصرة الدين القائم في منصبه من بعده ويكون مقيماً في حلب ، ويكون أسد الدين في دمشق في نيابة نصرة الدين ... واتّفق وصول نصرة الدين إلى حلب فأغلق والي القلعة مجد الدين في وجهه الأبواب وعصى عليه ، فثارت أحداث حلب ... ، ودخل نصرة الدين في أصحابه وحصل في البلد ، وقامت الأحداث على والي القلعة باللوم والإنكار والوعيد ، واقترحوا على نصرة الدين اقتراحات من جملتها إعادة رسمهم في التأذين «حيّ على خير العمل ، محمّد وعليّ خير البشر» فأجابهم إلى ما رغبوا فيه وأحسن القول لهم والوعد .. (١).

وفي (زبدة الحلب من تاريخ حلب) : ... ثمّ عاد نور الدين إلى حلب فمرض بها في سنة أربع وخمسين مرضاً شديداً بقلعتها ، وأشفى على الموت ، وكان بحلب أخوه الأصغر نصر الدين أمير اميران محمّد بن زنكي ، وأرجف بموت نور الدين ، فجمع أمير اميران الناسَ واستمال الحلبيّ وملك المدينة دون القلعة ، وأذِن للشيعة أن يزيدوا في الأذان «حيّ على خير العمل محمّد وعليّ خير البشر» على عادتهم من قبل ، فمالوا إليه لذلك (٢).

__________________

(١) الروضتين في اخبار الدولتين ١ : ٣٤٧ ، بغية الطلب في تاريخ حلب ٤ : ٢٠٢٤.

(٢) زبدة الحلب من تاريخ حلب لابن العديم ٢ : ٤٨٦.

٣٩٣

مصر (سنة ٥٦٥ ه‍)

جاء في (نهاية الأرب في فنون الأدب) : ... قال المورخ : ولعشر مضين من ذي الحجة سنة خمس وستين وخمسمائة أمر الملك الناصر [أي صلاح الدين الأيوبي] أن يسقط من الأذان قولهم «حيّ على خير العمل ، محمّد وعليّ خير البشر» وكانت أول وصمة دخلت على الشيعة والدولة العبيدية ، ويئسوا بعدها من خير يصل إليهم من الملك الناصر ، ثمّ أمر أن يذكر في الخطبة بكلام مجمل ، ليلبس على الشيعة والعامة : اللّهمّ أصلح العاضد لدينك ... (١)

ونقل أبو شامه عن ابن أبي طي فيما جرى في مصر سنة ٥٦٦ هـ قوله : في هذه السنة شرع السلطان ـ يعني صلاح الدين ـ في عمارة سور القاهرة لأنه كان قد تهدّم أكثره وصار طريقاً لا يردّ داخلاً ولا خارجاً ، وولاّه لقراقوش الخادم ، وقبض على القصور وسلّمها إليه ، وأمر بتغيير شعار الإسماعيلية وقطع من الأذان «حيّ على خير العمل» وشرع في تمهيد أسباب الخطبة لبني العباس (٢).

وجاء مثله عند ابن كثير في البداية والنهاية (٣).

وقال ابن الاثير : كان السبب في ذلك أن صلاح الدين يوسف بن أيوب لما ثبت قدمه بمصر وأزال المخالفين له وضعف أمر العاضد وهو الخليفة بها .. كتب إليه الملك العادل نور الدين محمود يأمره بقطع الخطبة العاضدية وإقامة الخطبة العباسية ، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك لميلهم إلى العلويين ، فلم يصغ نور الدين إلى قوله وأرسل إليه يلزمه إلزاماً لا فسحة له فيه (٤).

__________________

(١) نهاية الارب في فنون الادب الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ أخبار الملوك العبيديون.

(٢) الروضتين في اخبار الدولتين ٢ : ١٨٤.

(٣) البداية والنهاية ١٢ : ٢٨٣.

(٤) انظر الكامل ٩ : ١١١ وعنه في الروضتين في اخبار الدولتين ٢ : ١٩٠.

٣٩٤

مصر (سنة ٥٦٧ ه‍)

جاء في (نهاية الأرب في فنون الأدب) : ... كان انقراض هذه الدولة عند خلع العاضد لدين الله ، وذلك في يوم الجمعة لسبع مضين من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة ، وكان سبب ذلك أنّ صلاح الدين يوسف لمّا ثبتت قدمه في صلب الديار المصرية واستمال الناس بالأموال ، قتل مؤتمن الخلافة جوهراً ... ونصب مكانه قراقوس الأسدي الخصي خادم عمّه ، ثمّ كانت وقعة السودان فأفناهم بالقتل ... ثمّ أسقط من الأذان قولهم «حيّ على خير العمل» ، وأبطل مجلس الدعوة ، وضعف أمر العاضد معه إلى الغاية ، فعند ذلك كتب الملك العادل نور الدين إلى الملك الناصر صلاح الدين يأمره بالقبض على العاضد وأقاربه والخطبة للخليفة المستضي بنور الله ، وكان المستضيء قد راسله في ذلك فامتنع صلاح الدين ... (١)

وذكر ابن العماد في الشذرات هذا الموضوع فيما جرى في سنة ٥٦٩ ، فقال : وفيها مات نور الدين الملك العادل أبو القاسم محمود بن زنكي بن آق سنقر ، تملَّك حلب بعد أبيه ثّم أخذ دمشق فملكها عشرين سنة وكان مولده في شوال سنة ٥١١ .... وأزال الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وبنى المدارس وسور دمشق (٢).

حلب (سنة ٥٧٠ ه‍)

وفي هذه السنة عزم صلاح الدين الأيوبي الدخول إلى الشام [وذلك بعد موت نور الدين] ، فلما استقرّت له دمشق نهض إلى حلب ونزل على أنف جبل جوشن ، وكان على حلب آنذاك ابن نور الدين ، والأخير جمع أهل حلب وقال لهم : يا أهل

__________________

(١) نهاية الارب في فنون الادب الفن ٥ / القسم ٥ / الباب ١٢ أخبار الملوك العبيديون.

(٢) انظر : شذرات الذهب ٤ : ٢٢٨.

٣٩٥

حلب ، أنا ربيبكم ونزيلكم ، واللاجئ إليكم ، كبيركم عندي بمنزلة الأب ، وشابّكم عندي بمنزلة الأخ ، وصغيركم عندي يحلّ محلّ الولد ، قال : وخنقته العبرة ، وسبقته الدمعة ، وعلا نشيجه ، فافتتن النَّاس وصاحوا صيحةً واحدة ، ورمَوْا بعمائمهم ، وضجُّوا بالبكاء والعويل ، وقالوا : نحن عبيدك وعبيد أبيك ، نقاتل بين يديك ، ونبذل أموالنا وأنفسنا لك. وأقبلوا على الدُّعاء له ، والترحُّم على أبيه.

وكانوا قد اشترطوا على الملك الصَّالح أنه يُعيد إليهم شرقية الجامع يُصَلُّون فيها على قاعدتهم القديمة ، وأن يُجهر بـ «حيّ على خير العمل» في الأذان ، والتذكير في الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمة الاثني عشر ، وأن يصلُّوا على أمواتهم خمس تكبيرات ، وأن تكون عقود الأنكحة إلى الشريف الطَّاهر أبي المكارم حمزة بن زُهْرة الحسيني ، وأن تكون العصبية مرتفعة ، والنَّاموس وازع لمن أراد الفتنة ، وأشياء كثيرة اقترحوها مما كان قد أبطله نور الدين رحمه الله تعالى ، فأُجيبوا إلى ذلك.

قال ابن أبي طيّ : فأذّن المؤذّنون في منارة الجامع وغيره بـ «حيّ على خير العمل» ، وصلّى أبي في الشَّرْقية مُسْبِلاً ، وصلَّى وجوه الحلبيين خلفه ، وذكروا في الأسواق وقُدَّام الجنائز بأسماء الأئمّة ، وصلّوا على الأموات خمس تكبيرات ، وأُذِنَ للشريف في أن تكون عقود الحلبيين من الإمامية إليه ، وفعلوا جميع ما وقعتِ الأيمان عليه (١).

__________________

(١) الروضتين في اخبار الدولتين ٢ : ٣٤٨ ـ ٣٤٩ ، البداية والنهاية ١٢ : ٣٠٩ وفيه : شرط عليه الروافض. وانظر حاشية الشيخ اغا بزرك الطهراني على مستدرك وسائل الشيعة والمطبوع معه ٣ : ٨.

٣٩٦

مكّة (سنة ٥٧٩ ه‍)

قال ابن جبير : وللحرم المكي أربعة أئمّة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية ، وأشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم ، وهم يزيدون في الأذان «حيّ على خير العمل» إثر قول المؤذن «حيّ على الفلاح» ، وهم روافض سبّابون والله من وراء حسابهم وجزائهم ، ولا يجمعون مع الناس إنّما يصلون ظهراً أربعاً ، ويصلّون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها ، فأوّل الأئمّة السنية الشافعي ، وإنّما قدمنا ذكره لأنّه المقدم من الإمام العباسي وهو أوّل من يصلي وصلاته خلف مقام إبراهيم إلّا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمّة يصلونها في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها ، يبدأ مؤذن الشافعي بالإقامة ثمّ يقيم مؤذنوا سائر الأئمّة ، وربما دخل في هذه الصلاة على المصلّين سهو وغفلة لاجتماع التكبير فيها من كلّ جهة ، فربما ركع المالكي بركوع الشافعي أو الحنفي ، أو سلم أحدهم بغير سلام إمامه ، فترى كلّ أُذُن مصـغية لصـوت إمامها أو صوت مؤذّنه مخافَة السهو ، ومع هذا فيحدث السـهو على كثـير من الناس.

ثمّ المالكي وهو يصلي قبالة الركن اليماني ... (١)

مكّة (سنة ٥٨٢ ه‍)

وفيها دخل سيف الإسلام أخو صلاح الدين إلى مكّة وضرب الدنانير فيها باسم أخيه ، ومنع من قولهم «حيّ على خير العمل» (٢).

__________________

(١) رحلة ابن جبير ١ : ٨٤ ـ ٨٥ ، وقد ذكر بعض ما يتعلق بأئمّة المذاهب الأربعة ، وأغفل ما يتعلق بإمام الزيدية!!

(٢) النجوم الزاهرة ٦ : ١٠٣ ، الروضتين في اخبار الدولتين ٣ : ٢٧١.

٣٩٧

مكّة (سنة ٦١٧ ه‍)

وفيها توفي الشريف أبو عزيز قتاده بن إدريس الزيدي الحسني المكّي أمير مكّة.

كان شيخاً عارفاً مصنفاً ، نقمةً على عبيد مكّة المفسدين ، وكان الحاج في أيامه في أمان على أموالهم ونفوسهم ، وكان يؤذّن في الحرم بـ «حيّ على خير العمل» على قاعدة الرافضة ، وما كان يلتفتُ إلى أحد من خلق الله تعالى ، ولا وطئ بساط الخليفة ولا غيره ، وكان يحمل إليه من بغداد في كلّ سنة الذهب والخلع وهو بداره في مكّة ، وهو يقول : أنا أحق بالخلافة من الناصر لدين الله ، ولم يرتكب كبيرة فيما قيل ... (١)

مكّة (سنة ٧٠٢ ه‍)

جاء في (الدرر الكامنة) قوله : أبطل [بزلغى التتري حينما كان على الحج] الأذان بـ «حيّ على خير العمل» وجمع الزيدية ومنعهم من الإمامة بالمسجد الحرام (٢).

إيران (سنة ٧٠٧ ه‍ تقر يباً)

كان مذهب أهل السنة والجماعة هو الغالب على إيران إلّا في مناطق معينة كطبرستان ، والريّ ، وقم ، وأقسام من خراسان ، وقد ذكر المؤرخون عللاً وأسباباً في تشيع إيران (٣) ، إلّا أنّ الثابت هو حدوثه في عهد العلاّمةالحلّي «الحسن

__________________

(١) النجوم الزاهرة ٦ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٢) الدرر الكامنة ٢ : ٩.

(٣) طبع موخراً الشيخ رسول جعفريان رسالة الجايتو والتي ألفها باللغة الفارسية موضحاً فيها أسباب تشيعه فليراجع.

٣٩٨

بن يوسف» المتوفى ٧٢٦ هـ الذي كان السبب في تشيع السلطان الجايتو محمّد المغولي الملقّب بشاه خدابنده المتوفى ٧١٧ أو ٧١٩ هـ.

فلما تشيع السلطان أمر في تمام ممالكه بتغيير الخطبة وإسقاط أسامي الثلاثة عنها ، وبذكر أسامي أمير المؤمنين عليه‌السلام وسائر الأئمّة : على المنابر ، وبذكر «حيّ على خير العمل» في الأذان ، وبتغيير السّكّة ونقش الأسامي المباركة عليها (١).

المدينة [القرن الثامن]

نقل السمهودي في (وفاء الوفاء) : ... عن ابن فرحون المتوفى سنة ٧٩٩ هـ قوله : وقد تساهل من كان قبلنا فزادوا على الحجرة الشريفة مقصورة كبيرة ... وكانت بدعة وضلالة يصلي فيها الشيعة ... ولقد كنت أسمع بعضهم يقف على بابها ويؤذّن بأعلى صوته «حيّ على خير العمل» وكانت مواطن تدريسهم وخلوة علمائهم (٢).

وذكر صاحب التحفة اللطيفة في ترجمة عزاز ، أحد الاشراف : كان يقف على باب المقصورة المحيطة بالحجرة النبوية ويؤذّن بأعلى صوته من غير خوف ولا فزع قائلاً «حيّ على خير العمل» ؛ قاله ابن فرحون في تاريخه (٣).

القطيف (سنة ٧٢٩ ه‍)

ذكر ابن بطوطة في رحلته سفره إلى القطيف ، فقال : ثمّ سافرنا إلى مدينة القُطَيف ـ وضبط اسمها بضم القاف كأنّه تصغير قَطِيف ـ وهي مدينة كبيرة حسنة

__________________

(١) روضة المتقين للعلاّمة المجلسي ٩ : ٣٠ احقاق الحق ١ : ١١ ، أعيان الشيعة ٥ : ٣٩٦ ، مجالس المؤمنين ٢ : ٣٥٦. وانظر : خاتمة مستدرك الوسائل للنوري وغيرها.

(٢) وفاء الوفاء للسمهودي ١ ـ ٢ : ٦١٢ الفصل ٢٧.

(٣) التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ٢ : ٢٦٠ الترجمة ٢٩٦٥.

٣٩٩

ذات نخل كثير ، يسكنها طوائف العرب ، وهم رافضية غلاة ، يظهرون الرفض جهاراً لا يتّقون أحداً ، ويقول مؤذنهم في أذانه بعد الشهادتين : «أشهد أنّ عليّاً وليّ الله» ، ويزيد بعد الحيعلتين «حيّ على خير العمل» ويزيد بعد التكبير الأخير : «محمّد وعليّ خير البشر من خالفها فقد كفر» (١).

مكّة (سنة ٧٩٣ ه‍)

جاء في صبح الاعشى : ... وولي ابنه صلاح [بن عليّ بن محمّد] وتابعه الزيدية ، وكان بعضهم ينكر إمامته لعدم استكمال الشروط فيه ، فيقول : «أنا لكم ما شئتم إمام أو سلطان» ، ثمّ مات سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة ، وقام بعده ابنه نجاح فامتنع الزيدية من بيعته ... إلى أن يقول : قال في مسالك الأبصار : ولشيعة هذا الإمام فيه حُسْنُ الاعتقاد ، حتّى أنّهم يستشفون بدعائه ، ويُمرُّون يده على مرضاهم ، ويستسقون به المطر إذا اجدبوا ، ويبالغون في ذلك كلّ المبالغة ، ثمّ قال : ولا يَكْبُرُ لإمام هذه سيرته ـ في التواضع لله ، وحسن المعاملة لخلقه ، وهو من ذلك الأصل الطاهر والعنصر الطيب ـ أن يجاب دعاؤه ويتقبل منه ، قال : وزيُّ هذا الإمام وأتباعه زيّ العرب في لباسهم والعمامة والحنك ، وينادى عندهم بالأذان «حيّ على خير العمل» (٢).

صنعاء (سنة ٩٠٠ ه‍ تقريباً)

ذكر صاحب البدر الطالع في ترجمة محمّد بن الحسن بن مرغم الزيدي اليماني (المولود ٨٣٦ والمتوفى ٩٣١) ما نصّه : لما افتتح السلطان عامر بن عبدالوهاب

__________________

(١) رحلة ابن بطوطه : ١٨٦ / بعد ذكره لمدينة (البحرين).

(٢) صبح الاعشى ٧ : ٣٥٨ ـ ٣٥٩.

٤٠٠