رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

والبنا : جمع بنية.

وصرف الدهر : تقلبه وتصرفه.

والقلب : المتقلب المتردد في الأمور ، ومن أوصاف الذئب : القلوب والقلب.

(١٢)

ولقد حلفت وقلت قولا صادقا

تالله لم آثم ولم أتريب

الإثم : الذنب والفعل القبيح ، والإثم أيضا عند قوم الخمر ، والأثم بالفتح مصدر قولهم (إن الناقة لتأثم المشي أثما) إذا أبطأت.

ومعنى لم أتريب : لم أجئ بريبة وبما يشك فيه.

(١٣)

لمعاشر غلب الشقاء عليهم

وهوى أمالهم لأمر متعب

أي حلفت لهؤلاء القوم الذين وصفتهم أن الشقاء غلب عليهم وأمالهم بهواهم إلى الأمر المتعب.

(١٤)

من حمير أهل السماحة والندى

وقريش الغر الكرام وتغلب

يشبه أن يكون إنما خص بخطابه ووعظه حمير التي هي قبيلته لأن الانحراف عن أمير المؤمنين كان فيهم فاشيا شائعا ، وقد روي في الأخبار أن داخلا دخل على السيد في غرفة له ، فقال له السيد : لقد لعن أمير المؤمنين عليه السلام في هذه

٦١

الغرفة كذا وكذا سنة ، وكان والداي يلعنانه في كل يوم كذا وكذا مرة ، ثم قال : ولكن الرحمة غاصت علي غوصا فاستنقذتني.

ولقد صدق في قوله ، لأن من شأن الولد أن ينشأ في الأغلب والأكثر على مذهب والديه لألفه لهما وتمرنه باستماع ما يقولانه ، ولكن الله تعالى اسمه يوفق من يشاء.

(١٥)

أين التطرب بالولاء وبالهوى

ء إلى الكواذب من بروق الخلب

البرق الخلب : الذي لا مطر فيه ، وهو مأخوذ من الخلب والخلاب الذي هو الغدر والخداع ، يقال رجل خلاب وخلبوت بالتاء أي غادر. والخلب أيضا : الطير. والخلب : قلب النخلة. والخلب : الليف واحده خلبة. والخلب : القطع ، وقد خلبت الشئ أخلبه خلبا ، وبه سمي المنجل : المخلب ، ومنه سمي مخلب الطائر. والخلب : حجاب القلب. ويقال إنه يخلب النساء : أي تحبه النساء.

فكأنه قال : إلى أين تذهبون بأهوائكم وولائكم؟ أتذهبون إلى ما لا محصول له ولا ثمرة فيه ولا نفع يعود منه. وجعل الاعتقاد الذي لا يعود بنفع كالبرق الخلب الذي لا يتعقبه المطر.

(١٦)

أإلى أمية أم إلى شيع التي

جاءت على الجمل الخدب الشوقب

ذكر القبيلة نفسها وأراد أبناءها ومن نسلت ، وهذا في الكلام المنظوم والمنثور كثير.

٦٢

وأما (الخدب) فهو الضخم ، يقولون رجل خدب إذا كان عظيما ، ورجل في خدب أي هوج ، وهو رجل أخدب. وخدب جمع خدب. ودرع خدباء أي واسعة.

والشوقب : الطويل ، يقولون حافر شوقب إذا كان واسعا.

وإنما أراد بالتي جاءت على الجمل الذي وصفه : عائشة بنت أبي بكر الصديق فإنها جاءت في يوم الجمل راكبة على جمل هذه صفته.

وقيل إن اسم هذا الجمل (عسكر) ، وشوهد من هذا الجمل في ذلك اليوم كل عجب ، كلما أنبتت منه قائمة من قوائمه ثبت على أخرى ، حتى روي أن أمير المؤمنين نادى : اقتلوا الجمل فإنه شيطان. وإن محمد بن أبي بكر وعمارا رحمة الله عليهما توليا عقره بعد طول زمانه. وروي أن هذا الجمل بقي باركا ضاربا بجرانه سنة لا يأكل منه سبع ولا طائر.

(١٧)

تهوى من البلد الحرام فنبحت

بعد الهد وكلاب أهل الحوأب

إنما قال (تهوى من البلد الحرام) لأنها أقبلت من مكة تريد البصرة.

وتقول العرب : أتانا بعد هدو من الليل ، وبعد هدء من الليل ، وهدي من الليل ـ على مثال فعل ـ أي حين سكنوا ، والجمع هدوء على مثال فعول.

والحوأب : ماء في الطريق ما بين البصرة ومكة من مياه بني كلاب.

والحوأب : الوادي الكثير الماء ، قال الراجز :

هل لك من شربة بالحوأب

فصعدي من بعدها وصوبي

٦٣

ويجوز أن يكون هذا الماء انما سمي بالحوأب للسعة والكثرة ، وقد قيل انما سمي بالحوأب نسبة الى بنت كلب بن وبرة.

وروي أنه لما جاءت عائشة الى هذا الموضوع نبحتها كلاب الحوأب ، فقالت عائشة : أي ماء هذا؟ قالوا : ماء الحوأب. فقالت : ردوني ردوني فاني سمعت رسول الله يقول «أبصري لا تكوني التي تنبحها كلاب الحوأب».

فقالوا : ليس هذا ماء حوأب ، فأبت أن تصدقهم ، فجاؤا بخمسين شاهدا من العرب ، فشهدوا أنه ليس بماء حوأب ، وحلفوا لها ، فكسوهم أكسية وأعطوهم دراهم ، وكانت هذه أول شهادة زور حدثت في الإسلام (١).

(١٨)

يحدو الزبير بها وطلحة عسكرا

يا للرجال لرأي أم مشجب

معنى «يحدو» يسوق ، يقال : حدوته أي سقته ، وحداني إليه أي ساقني ، والاسم الحداء.

وانما قال «يا للرجال» بفتح اللام لأنه استغاث بهم ، وكسر اللام في قوله «لرأي أم» لأنه المستغاث له.

والشجب : الهلاك ، يقال شجب يشجب شجبا فهو شاجب ، وأشجبت زيدا إذا أهلكته.

والأم هاهنا عائشة ، لقول الله عزوجل (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ

__________________

(١) انظر تفصيل القصة في تاريخ الطبري ٤ ـ ٤٥٦ فما بعد ، مروج الذهب ٢ ـ ٣٥٣.

٦٤

وأزواجه أمهاتهم) (١) وفسر ذلك بتفسيرين : أحدهما أنه تعالى أراد أنهن يحرمن علينا كتحريم الأمهات ، والآخر أنه يجب علينا من تعظيمهن وتوقيرهن مثلما يجب علينا في أمهاتنا. ويجوز أن يراد الأمران معا فلا تنافي بينهما.

ومن ذهب لأجل تسميته بأنهن أمهات المؤمنين إلى أن معاوية خال المؤمنين فقد ذهب مذهبا بعيدا ، وحاد عن رأي الصواب السديد ، لأن أخا الأم إنما يكون خالا إذا كانت الأمومة من طريق النسب ، وأما إذا كانت على سبيل التشبيه والاستعارة فالقياس غير مطرد فيها ، ولهذا لا يسمى آباء أزواج النبي أجداد لنا ولا أخواتهن لنا خالات ، ولا يجري القياس في هذا الموضع مجراه في النسب.

وكيف اختص بالخؤولة معاوية دون كل إخوة أزواج النبي؟ وهلا وصف محمد بن أبي بكر وعبد الله بن عمر بالخؤولة إن كان القياس مطردا؟ ولكن العصبية تعمي وتصم.

(١٩)

يا للرجال لرأي أم قادها

ذئبان يكتنفانها في أذؤب

إنما أراد بالذئبين ههنا طلحة والزبير ، وقد سماهما بهذا الاسم للمكر والخديعة والمؤاربة والمخاتلة ، فإنهما كانا من أشد الناس على عثمان وأبسطهم لسانا فيه واجلابا له ، وكان طلحة ممن حاصر الدار وقاتل أهلها وباشر القتل وتولاه وتحدد فيه ، ثم بايعا أمير المؤمنين مسابقين إلى بيعته ، مغتبطين على ولايته. ثم مالا عن ذلك حسدا ونفاسة ، واستأذناه في الخروج إلى مكة للعمرة ، فأذن لهما على ريبة

__________________

(١) سورة الأحزاب : ٦.

٦٥

بهما وشك فيهما.

فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كنت جالسا عند علي عليه السلام حين دخل طلحة والزبير فاستأذناه في العمرة ، فأبى أن يأذن لهما وقال : قد اعتمرتما ، فأعادا عليه الكلام فأذن لهما ، ثم التفت إلي فقال : والله ما يريدان العمرة. فقلت له : لا تأذن لهما ، فردهما ثم قال لهما : والله ما تريدان العمرة ، وما تريدان إلا نكثا لبيعتكما وفرقة لأمتكما ، فحلفا فأذن لهما ، ثم التفت إلي فقال : والله ما يريدان العمرة ولكن يريدان الغدرة. فقلت : فلم أذنت لهما؟ فقال : حلفا بالله. قال : فخرجا إلى مكة ، فدخلا على عائشة فلم يزالا بها حتى أخرجاها.

والأخبار من الطرق المختلفة متظافرة أن طلحة والزبير حملا عائشة على المسير إلى البصرة بعد أن كان أشار عليها جماعة من الصحابة بالمقام ، وجرى في ذلك من الجدال والحجاج ما هو مشهور مشروح (١). ومن أراد تفحصه والنظر فيه فلينظر في الكتب المصنفة لا سيما في نصر بن مزاحم المنقري الذي أفرده لأخبار يوم الجمل ، فإنه يقف من بواطن هذا الأمر على ما يكثر فيه عجبه ، ويطول له ذكره.

ومن الأخبار الطريفة ما رواه نصر بن مزاحم هذا عن أبي عبد الرحمن المسعودي عن السري بن إسماعيل بن الشعبي عن عبد الرحمن بن مسعود العبدي قال : كنت بمكة مع عبد الله بن الزبير وبها طلحة والزبير. قال : فأرسلا إلى عبد الله بن الزبير ، فأتاهما وأنا معه ، فقالا له : إن عثمان قتل مظلوما وإنا نخاف

__________________

(١) أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ / ٧٨ ، العقد الفريد ٣ / ٩٦. وانظر روايات أخرى لما دار بين السيدتين في البدء والتاريخ ٢ / ١٠٩ ، وفي الفائق للزمخشري ١ / ١٩٠.

٦٦

الانتشار من أمة محمد صلى الله عليه وآله ، فإن رأت عائشة أن تخرج معنا لعل الله يرتق بها فتقا ويشعب بها صدعا. قال : فخرجنا نمشي حتى انتهينا إليها ، فدخل عبد الله بن الزبير في سمرها وجلست على الباب ، فأبلغها ما أرسلا به إليها ، فقالت : سبحان الله ، ما أمرت بالخروج ، وما تحضرني امرأة من أمهات المؤمنين إلا أم سلمة ، فإن خرجت خرجت معها فرجع إليهما فأبلغهما ذلك ، فقالا : أرجع إليها فلتأتها فإنها أثقل عليها منا ، فرجع إليها فبلغها ، فأقبلت حتى دخلت على أم سلمة ، فقالت أم سلمة : مرحبا بعائشة ، والله ما كنت لي بزائرة فما بدا لك؟ قالت : قدم طلحة والزبير فخبرا أن أمير المؤمنين عثمان قتل مظلوما. قال : فصرخت أم سلمة صرخة أسمعت من في الدار ، فقالت : يا عائشة أنت بالأمس تشهدين عليه بالكفر وهو اليوم أمير المؤمنين قتل مظلوما ، فما تريدين؟ قالت : تخرجين معي فلعل الله أن يصلح بخروجنا أمر أمة محمد صلى الله عليه وآله. فقالت : يا عائشة أخرج وقد سمعت من رسول الله ما سمعت ، نشدتك بالله يا عائشة الذي يعلم صدقك أن صدقت ، أتذكرين يومك من رسول الله فصنعت حريرة في بيتي فأتيته بها وهو عليه السلام يقول : والله لا تذهب الليالي والأيام حتى تتنابح كلاب ماء بالعراق يقال له الحوأب امرأة من نسائي في فتية باغية ، فسقط الإناء من يدي ، فرفع رأسه إلي فقال : ما بالك يا أم سلمة؟ قلت : يا رسول الله ألا يسقط الإناء من يدي وأنت تقول ما تقول؟ ما يؤمنني أن أكون أنا هي ، فضحكت أنت ، فالتفت إليك فقال صلى الله عليه وآله : ما يضحكك يا حمراء الساقين ، إني لأحسبك هي.

ونشدتك بالله يا عائشة أتذكرين ليلة أسرى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله من مكان كذا وكذا ، وهو بيني وبين علي بن أبي طالب يحدثنا ، فأدخلت جملك فحال بينه وبين علي ، فرفع مرفقة كانت معه فضرب بها وجه جملك وقال : أما والله ما يومك منه بواحد ، ولا بليته منك بواحدة ، أما إنه لا يبغضه إلا منافق أو كذاب.

٦٧

وأنشدك الله يا عائشة أتذكرين مرض رسول الله صلى الله عليه وآله الذي قبض فيه ، فأتاك أبوك يعوده ومعه عمر ، وقد كان علي بن أبي طالب يتعاهد ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله ونعله وخفه ، ويصلح ما وهي منها. فدخل قبل ذلك ، فأخذ نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وهي حضرمية وهو يخصفها خلف البيت ، فاستأذنا عليه فأذن لهما ، فقالا : يا رسول الله كيف أصبحت؟ قال : أصبحت أحمد الله تعالى. قالا : ما بد من الموت؟ قال صلى الله عليه وآله : لا بد منه. قالا : يا رسول الله فهل استخلفت أحدا؟ فقال : ما خليفتي (فيكم) إلا خاصف النعل ، فخرجا فمرا على علي (ع) وهو يخصف النعل.

كل ذلك تعرفينه يا عائشة وتشهدين عليه لأنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله.

ثم قالت أم سلمة : يا عائشة أنا أخرج على علي بعد هذا الذي سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فرجعت عائشة إلى منزلها فقالت : يا بن الزبير أبلغهما أني لست بخارجة بعد الذي سمعته من أم سلمة ، فرجع فبلغهما. قال : فما انتصف الليل حتى سمعنا رغاء إبلها ترتحل ، فارتحلت معهما.

ومن العجائب أن يكون مثل هذا الخبر الذي يتضمن النص بالخلافة ، وكل فضيلة غريبة موجودة في الكتب للمخالفين وفيما يصححونه من روايتهم ويصنفونه من سيرتهم ولا يتبعونه ، لكن القوم رووا ما سمعوا ، وأودعوا كتبهم ما حفظوا ونقلوا ولم يتخيروا ويتبينوا ما وافق مذهبهم دون ما خالفهم ، وهكذا يفعل المسترسل المستسلم للحق.

وروى نصر بن مزاحم المنقري : إن القوم لما خرجوا من مكة يريدون البصرة فبلغوا (ذات عرق) قام سعيد بن العاص فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر عثمان فترحم عليه ودعا له، (ثم) قال : وقد زعمتم أيها الناس أنكم تخرجون لتطالبوا بدم عثمان ، فإن كنتم ذلك تريدون فإن قتلة عثمان على صدور هذه المطي وأعجازها ، فميلوا عليهم بأسيافكم ، وإلا فانصرفوا إلى منازلكم ولا تقتلوا في طاعة المخلوقين أنفسكم ،

٦٨

ولا يغني من الله الناس عنكم يوم القيامة. فقال مروان : يضرب بعضهم ببعض فمن قتل كان الظفر فيه ويبقى الباقي وهو واهن ضعيف.

(٢٠)

ذئبان قادهما الشقاء وقادها

للحين فاقتحما بها في منشب

الحين : الهلاك.

واقتحما : أي دخلا ، يقال اقتحمت على الأمر وهجمت عليه ، واقتحمته عيني إذا ازدرته.

المنشب : يقال (نشب في الأمر بنشب) إذا دخل فيه وعلق به ، ومثله نشق الصيد في الحبالة ينشق إذا دخل فيها ما نشب.

(٢١)

في ورطة لحجا بها فتحملت

منها على قتب بإثم محقب

الورطة : الهلكة ، وكذلك الوردة. والورطة والوراط : الخديعة.

ومعنى لحجا : نشبا ، يقال لحج لحجا ولخص يلخص لخصا إذا نشب.

والقتب : قتب الرحل ، والقتب أيضا واحد الأمعاء ويقال لواحدتها قتبة.

فأما (محقب) فمن قولهم احنقب الذنب ، مأخوذ من الحقيبة والحقاب.

٦٩

(٢٢ ـ ٢٣)

أم تدب إلى ابنها ووليها

بالمؤذيات له دبيب العقرب

[لو شد والدها بقوة قلبها

لاقى اليهود بخيبر لم يهرب] (١)

لم يرد بقوله (ابنها ووليها) الإشارة إلى واحد ، وإنما أراد جنس الأبناء والأولياء. وقد يعبر عن الجنس بلفظ الواحد ، يقولون (أهلك الناس الدينار والدرهم) وإنما يراد الجنس لا الواحد. وقال الله تعالى (وحملها الإنسان) (٢) والمراد الجنس لا تعيين واحد بعينه.

ولما كانت مضرة خروج الامرأة في يوم الجمل ، وحربها للإمام العادل ، لاحقة بالدين، عادت تلك المضرة على جميع المسلمين ، فلهذا جعل ذلك الدبيب مشبها بدبيب العقرب من حيث اشتركا في المضرة والأذية.

(٢٤)

أما الزبير فحاص حين بدت له

جأواء تبرق في الحديد الأشهب

ويروى (حاض) أيضا ، ومعنى حاص وحاض واحد ، لأنه مأخوذ من العدول عن الشئ والانحياز عنه ، ويقولون في القلب (ضاح) مكان حاض.

والجأواء : الكتيبة التي يضرب لونها إلى السواد من صدأ الحديد ، يقولون

__________________

(١) هذا البيت يوجد في بعض نسخ الشرح.

(٢) سورة الأحزاب : ٧٢.

٧٠

في لون البعير جؤوة إذا خالطه مثل لون الحديد ، وإنما أراد بهذا القول انصراف الزبير عن الوقعة قبل إنجاز الأمر بالحرب وانقصاله.

أما انصراف الزبير فقد اختلف الناس فيه وفي أسبابه والداعي إليه : ادعى قومه أنه انصرف للندم على الحرب والتوبة منها ، فإنه لما ذكره أمير المؤمنين علي بما ذكره به عاد إلى الحق وانصرف عن الحرب.

وقد تكلمنا على ذلك في كتابنا المعروف (بالشافي في الإمامة) وحررناه ووفرعناه إلى غايته ، وأبطلنا أن يكون الرجوع للتوبة والندم لوجوه كثيرة ، من أوضحها : أنه لو كان للتوبة لوجب أن ينحاز إلى جهة أمير المؤمنين علي معتذرا إليه ومتنصلا من بغيه عليه ونكثه لبيعته بعد أن كان قد عقدها وأكدها وتولى أيضا نصرته مع العود إلى الاقرار بإمامته ، وقتال من أقام الحرب من البغاة ، فلا حال هو فيها أحوج إلى النصرة والمعونة من حاله هذه.

ومن جملتها أن قلنا : إن الانحياز عن الحرب والرجوع عن مباشرتها ، يحتمل وجوها كثيرة ، فليس لنا أن نحمله على أحد محتملاتها بغير دليل قاطع. هذا إذا سلمنا أن الرجوع على ذلك الوجه محتملا للتوبة كاحتماله لغيرها ، وقد بينا أنه لا يحتملها ، لأنه لم يصر إلى جهة الإمام المفترض الطاعة متنصلا غاسلا لدرن ما أقدم عليه.

وبينا أيضا في ذلك الكتاب أن الرجل عصى بأفعال كثيرة : منها الحرب ، ومنها نكث البيعة ، والخروج عن الطاعة ، والمطالبة بدم عثمان لمن لا يستحق أن يطالب به. فهب عوده عن الحرب توبة منها ـ وقد بينا أنه ليس كذلك ـ أليس باقي الذنوب قتلا ، وهو عليها مصر غير نادم ولا مقلع. وفي ما لم يثبت منه كفاية في الغرض المقصود.

وقد روى نصر بن مزاحم في كتابه الذي أشرنا إليه أن أمير المؤمنين عليا حين

٧١

وقع القتال تقدم على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله الشهباء بين الصفين ، فدعا الزبير ، فدنا منه حتى اختلفت أعناق دابتيهما ، فقال : يا زبير أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إنك ستقاتله وأنت ظالم له؟ قال : اللهم نعم. قال : فلم جئت؟ قال: جئت لأصلح بين الناس. فأدبر الزبير وهو يقول :

أتى علي بأمر كنت أعرفه

قد كان عمر أبيك الخير مذحين

فقلت حسبك من عذل أبا حسن

بعض الذي قلت منه اليوم يكفيني

فاخترت عارا على نار مؤججة

أنى يقوم لها خلق من الطين

نبئت طلحة وسط القوم منجدلا

ركن الضعيف ومأوى كل مسكين

قد كنت انصره حينا وينصرني

في النائبات ويرمي من يراميني

حتى ابتلينا بأمر ضاق مصدره

فأصبح اليوم ما يعنيه يعنيني

قال : أقبل الزبير إلى عائشة فقال : يا أمة الله ، مالي في هذا الأمر بصيرة وأنا منصرف. فقالت عايشة. أبا عبد الله أفررت من سيوف ابن أبي طالب؟ فقال : إنها والله طوال جدا وتحملها فئة أجلاء.

ثم أتى عبد الله ابنه فقال : يا بني إني منصرف. فقال : أتفضحنا في قريش؟ أتتركنا حتى إذا التقت حلقتا البطان ، فضحتنا في العرب؟ لا والله لا تغسل رؤوسنا منها أبدا ، أجبنا كل ما أرى يا أبتاه؟

فقال : يا ميسرة أسرج لي الفرس ، ثم هيأ فرسه فرمى بها إلى القوم ثلاث مرات فحطمهم ثم انصرف إلى ابنه فقال : يا بني أيفعل هذا الجبان؟ قال : لا فما ردك يا أبتاه؟ قال : إن علمته كسرك ، قم بأمر الناس.

فخرج الزبير راجعا فمر بوادي السباع وفيه الأحنف بن قيس قد اعتزل في بني تميم فأخبر الأحنف بانصرافه فقال : ما أصنع به إن كان الزبير لف بين الغازيين

٧٢

من المسلمين ، وقتل أحدهما الآخر ، ثم هو يريد اللحاق بأهله (كذا) ، فسمعه ابن جرموز، فخرج هو ورجلان معه ، وقد كان لحق بالزبير رجل من كلب ومعه غلامه فلما أشرف ابن جرموز وصاحباه على الزبير حرك الرجلان رواحلهما فخلفا الزبير وحده ، فقال لهما الزبير : ما لكما؟ هم ثلاثة ونحن ثلاثة. فلما أقبل ابن جرموز قال له الزبير : إليك عني. فقال ابن جرموز : يا أبا عبد الله ، إنني جئت أسألك عن أمور الناس. فقال : تركت الناس على الركب يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف. فقال ابن جرموز : أخبرني عن أشياء أسألك عنها قال : أخبرني عن خذلك لعثمان وعن بيعتك عليا وعن نقضك بيعته وإخراجك أم المؤمنين ، وعن صلاتك خلف ابنك ، وعن هذه الحرب التي جنيتها ، وعن لحوقك بأهلك؟

فقال : أما خذلي لعثمان فأمر قدم فيه الذنب وأخر فيه التوبة. وأما بيعتي عليا فلم أجد منها بدا ، إذ بايعه المهاجرون والأنصار. وأما نقضي بيعته فإنما بايعته بيدي دون قلبي. وأما إخراجي أم المؤمنين فأردنا أمرا وأراد الله غيره ، وأما صلاتي خلف ابني فإن خالته قدمته. فتنحى ابن جرموز وقال : قتلني الله إن لم أقتلك [ثم جرى في قتله ما قد سطر].

وذكر في هذا الحديث مواضع تدل على أن انصرافه لم يكن للتوبة ، منها قوله (مالي في هذا الأمر بصيرة) ، وهذا قول شاك غير مستبصر ، والتوبة لا تكون مع عدم الاستبصار واليقين بالمعصية. ومنها أنه قال لابنه (قم بأمر الناس) ، فكيف يتوب من المعصية من يستخلف عليها؟ ومنها تصريحه بأنه بايع أمير المؤمنين بلسانه وأنه كان مبطنا للبغي عليه والغدر به ، وأنه أراد أمرا وأراد الله غيره. فأي توبة تكون بالانصراف؟ وهذا كلام كله دال على خلاف التوبة ، وإنما كان بعد الانصراف وقد كان ينبغي لما اعترف في محاورة ابن جرموز. التوبة أن يعترف

٧٣

... أمير المؤمنين (أيضا) خطيئة موبقة وأنه قد تاب منها وأقلع عنها بعوده عن الحرب ولحوقه بأهله. واستقصاء هذا الكلام تجده في الكتاب الشافي متى طلبته.

(٢٥)

حتى إذا أمن الحتوف وتحته

عاري النواهق ذو نجاء ملهب

الناهقان من الفرس : العظمان الشاخصان في وجهه ، أسفل من عينيه ، والجمع النواهق. ويقال : الناهقان من الفرس والحمار حيث يخرج النهاق من حلقه.

والنجاء : الإسراع ، فسمي ما يكون النجاء به نجاء ، والنجاء : السحاب الذي قد أهرق ماؤه ، ويقولون : ناقة ناجية ونجاة تقطع الأرض بسيرها.

والملهب : الفرس المسرع المضطرم ، ويقولون : ألهب الفرس إلهابا فهو ملهب.

(٢٦)

أثوى ابن جرموز عمير شلوه

بالقاع منعفرا كشلو التولب

معنى أثواه : تركه بالقاع ، من الثواء الذي هو المقام. وابن جرموز هو عمرو فصغره فقال : عمير ، ويحتمل أن يكون تكبيرا ، فإن كان صغره للتكبير فلأنه جرى على يده أمر عظيم ، وقتل رجل شجاع كبير. ووجه التحقير أنه كان خاملا غير نبيه النسب ولا معروف بفضيلته.

والشلو : كعضو من أعضاء اللحم ، وجمعه أشلاء.

ومنعفر : من العفر وهو التراب ، ومنه قولهم (ظبي أعفر) إذا كان على لون

٧٤

التراب. والعفر : يقال أيضا لمخاط الشيطان.

والتولب : ولد الحمار الحولي ، وجمعه توالب.

(٢٧)

واغتر طلحة عند مختلف القنا

عبل الذراع شديد أصل المنكب

العبل : الضخم من كل شئ يقال : قد عبل يعبل عبالا ، ويقال : عبل يعبل عبلا إذا أبيض وغلظ ، فهو عبل. وجبل أعبل وصخرة عبلاء : أي بيضاء.

(٢٨)

فاختل حبة قلبه بمذلق

ريان من دم جوفه المتصبب

معنى اختل : دخل في خلل قلبه.

والمذلق : المتحدد من كل شئ.

وقد روي أن مروان بن الحكم هو الذي قتل طلحة بسهم رماه به.

وروي أنه تعمده ، لأنه كان أشد الناس على عثمان ، وهو ممن باشر الأمر وحضر يوم الدار.

وروي أن مروان في يوم الجمل ، كان يرمي بسهامه في العسكرين معا ويقول : من أصبت منهما فهو فتح ، لقلة دينه وتهمته للجميع.

٧٥

(٢٩)

في مارقين من الجماعة فارقوا

باب الهدى وحيا الربيع المخصب

المارقون : هم الذين خرجوا عن الجماعة ، والعادلون من عدل إلى جور ، ومن قصد إلى خبط. وأصله من قولهم : مرق السهم من الرمية يمرق مروقا : إذا نفذ من الشق الآخر.

والحيا المقصور : هو الغيث ، والحيا أيضا هو الاستحياء.

والمخصب : مأخوذ من الخصب ، وهو سعة العيش.

(٣٠)

خير البرية بعد أحمد من له

مني الهوى وإلى بنيه تطربي

إنما عني أمير المؤمنين عليه السلام وإن لم يسمه ، لكنه وصفه بصفة ليست إلا له بقوله (إنه خير البرية بعد أحمد).

وقد دلت الأدلة الواضحة على أن أمير المؤمنين عليه السلام خير البشر بعد النبي صلى الله عليه وآله وأفضلهم وأكملهم (١) ، ولو لم يدل على ذلك إلا أنه استخلفه ونص عليه بالإمامة فقد دلت العقول على أن إمامة المفضول للفاضل لا تحسن.

ويدل أيضا على ما ذكرناه قوله صلى الله عليه وآله (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) (٢) ، ولا شبهة ولا خلاف في أن من جملة منازل

__________________

(١) أنظر الأحاديث في ذلك فضائل الخمسة ٢ / ١٠٠ و ١٠٣.

(٢) أنظر مصادر حديث المنزلة في فضائل الخمسة ١ / ٣٤٧.

٧٦

هارون من موسى أنه كان أفضل قومه عنده وأعلاهم منزلة لديه ، وجب أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الصفة لأنها من جملة المنازل ، ولم يخرجها الاستثناء.

وقد استقصينا الكلام في التفضيل وما يتصل به في مواضع من كتبنا ، وخاصة في الكتاب المعروف (بالشافي) وليس هذا موضوع تقصيه.

ومعنى (وإلى بنيه تطربي) أي إلى ولائهم ومحبتهم خفوفي واسراعي ، لأنا قد بينا فيما تقدم معنى الطرب.

(٣١)

أمسي وأصبح معصما مني له

بهوى وحبل ولاية لم يقضب

معنى أمسي وأصبح معصما : أي متمسكا لازما ، لأنهم يقولون : أعصم الرجل بصاحبه إعصاما إذا لزمه وتمسك به ، وأعصمت القربة بالعصام : إذا شددتها به

ومعنى لم يقضب : لم يقطع ، يقولون قضبت الشئ قضبا أي قطعته ، ومنه قولهم : سيف قضاب : والقضب : الرطبة ، وهي علف أهل العراق ، ويقال لموضعها : المقضبة ، ولعلهم إنما سموها بذلك لأجل القطع.

(٣٢)

ونصيحة خلص الصفاء له بها

مني وشاهد نصرة لم يعزب

النصيحة معروفة ، وهي المشورة بما فيه الحظ والصلاح ونصح الشئ مثل نصع : إذا خلص ، ومنه سميت النصيحة ، ويقولون أيضا نصحت الثوب أنصحه نصحا إذا خطته. والناصح : الخياط. والنصاح : الخيط. ويقال نصحت الإبل

٧٧

نصوحا : إذا رويت ، وانصحتها أنا إنصاحا. والنصاحات : الجلود ، واحدها نصاح.

ومعنى (لم يعزب) لم يفارقني. يقال : عزب عنه حلمه إذا فارقه ، فهو عازب. وعزب عني الشئ عزوبا : إذا ذهب.

(٣٣)

ردت عليه الشمس لما فاته

وقت الصلاة وقد دنت للمغرب

هذا خبر عن رد الشمس له عليه السلام في حياة النبي صلى الله عليه وآله ، لأنه روي أن النبي صلى الله عليه وآله كان نائما ورأسه في حجر أمير المؤمنين ، فلما حان وقت صلاة العصر كره أن ينهض لأدائها فيزعج النبي صلى الله عليه وآله من نومه ، فلما مضى وقتها وانتبه النبي دعا الله بردها عليه ، فردها وصلى الصلاة في وقتها (١).

فإن قيل : يقتضي أن يكون عليه السلام عاصيا بترك الصلاة.

قلنا : عن هذا جوابان :

(أحدهما) : أنه إنما يكون عاصيا إذا ترك الصلاة بغير عذر ، وإزعاج النبي لا ينكر أن يكون عذرا في ترك الصلاة.

فإن قيل : الأعذار في ترك جميع أفعال الصلاة لا تكون إلا بفقد العقل والتميز كالنوم والاغماء وما شاكلهما ، ولم يكن في تلك الحال بهذه الصفة ، وأما الأعذار التي يكون معها العقل والتميز ثابتين كالزمانة والرباط والقيد والمرض الشديد واشتباك القتال ، فإنما يكون عذرا في استيفاء أفعال الصلاة وليس بعذر في تركها أصلا ، فإن كل معذور ممن ذكرنا يصليها على حسب طاقته ولو بالايماء.

__________________

(١) أنظر أحاديث رد الشمس في فضائل الخمسة ٢ / ١٣٥.

٧٨

قلنا : غير منكر أن يكون صلى موميا وهو جالس لما تعذر عليه القيام إشفاقا من انزعاج النبي (صلى الله عليه وآله). وعلى هذا تكون فائدة رد الشمس ليصلي مستوفيا لأفعال الصلاة ، وليكون أيضا فضيلة له ولآله على عظم شأنه.

(والجواب الآخر) : إن الصلاة لم تنته بمعنى جميع وقتها ، وإنما فاته ما فيها من الفضيلة والمزية من أول وقتها ويقوي هذا شيئان :

أحدهما : الرواية الأخرى في الشعر (حين تفوته) ، لأن قوله (حين تفوت) صريح في أن الفوت لم يقع وإنما قارب وكاد.

والشئ الآخر قوله (وقد دنت للمغرب) وهذا أيضا يقتضي أنها لم تغرب وإنما دنت وقاربت الغروب.

فإن قيل : إذا كانت لم تنته فأي معنى للدعاء بردها حتى يصلي في الوقت وهو قد صلى فيه؟

قلنا : الفائدة في ردها ليدرك فضيلة الصلاة في أول وقتها ، ثم ليكون ذلك دلالة على سمو محله وجلالة قدره في خرق العادة من أجله.

فإن قيل : إذا كان النبي صلى الله عليه وآله هو الداعي بردها له ، فالعادة إنما خرقت للنبي صلى الله عليه وآله لا لغيره.

قلنا : إذا كان النبي إنما دعا بردها لأجل أمير المؤمنين عليه السلام ليدرك ما فاته من فضل الصلاة ، فشرف انخراق العادة والفضيلة به منقسم بينهما.

فإن قيل : كيف يصح رد الشمس وأصحاب الهيئة والفلك يقولون إن ذلك محال لا تناله قدرة؟ وهبه كان جائزا في مذهب أهل الإسلام ، أليس لوردت الشمس من وقت الغروب إلى وقت الزوال ، لكان يجب أن يعلم أهل المشرق والمغرب بذلك؟ لأنها تبطئ بالطلوع على أهل البلاد ، فيطول ليلهم على وجه

٧٩

خارق للعادة ، ويمتد من نهار قوم آخرين ما لم يكن ممتدا. ولا يجوز أن يخفى على أهل البلاد غروبها ثم عودها طالعة بعد الغروب ، وكانت الأخبار تنتشر بذلك ، ويؤرخ هذا الحادث العظيم في التواريخ ، ويكون أهم وأعظم من الطوفان.

قلنا : قد دلت الأدلة الصحيحة الواضحة على أن الفلك وما فيه من شمس وقمر ونجوم غير متحرك بنفسه ، ولا بطبيعته على ما يهذي به القوم ، وإن الله تعالى هو المحرك له والمصرف باختياره. ولقد استقصينا الحجج على ذلك في كثير من كتبنا ، وليس هذا موضع ذكره.

وأما علم المشرق والمغرب والسهل والجبل بذلك ـ على ما مضى في السؤال ـ فغير واجب ، لأنا لا نحتاج إلى القول بأنها ردت من وقت الغروب إلى وقت الزوال ، أو ما يقاربه على ما مضى في السؤال ، بل نقول : إن وقت الفضل في صلاة العصر هو ما يلي بلا فصل ، زمان أداء المصلي لفرض الظهر أربع ركعات عقيب الزوال ، وكل زمان ـ وإن قصر وقل ـ يجاوز هذا الوقت ، فذلك الوقت فائت. وإذا ردت الشمس هذا القدر اليسير ، الذي يفرض أنه مقدار ما يؤدي فيه ركعة واحدة ، خفي على أهل الشرق والغرب ولم يشعر به ، بل هو مما يجوز أن يخفى على من حضر الحال ، وشاهدها إن لم يمعن النظر فيها والتنقير عنها ، فبطل السؤال على جواب الثاني المبني على فوت الفضيلة.

وأما الجواب الآخر المبني على أنها فاتت بغروبها للعذر الذي ذكرناه ، فالسؤال أيضا باطل عنه ، لأنه ليس بين مغيب قرص الشمس في الزمان وبين مغيب بعضها وظهور بعض، إلا زمان يسير قليل يخفى فيه رجوع الشمس ، بعد مغيب جميع قرصها ، إلى ظهور بعضه على كل قريب وبعيد. ولا يفطن إذا لم يعرف سبب ذلك بأنه على وجه خارق للعادة. ومن فطن بأن ضوء الشمس غاب

٨٠