رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

إذا لم يكن معه غيره.

(الجواب) وبالله التوفيق :

إن الثوب إذا كان حريرا محضا لا يخالطه قطن أو كتان فلبسه حرام والصلاة فيه أيضا غير جائزة ، ولا يجري الثوبان اللذان أحدهما حرير محض والآخر قطن مجرى ثوب واحد ممزوج، لأن لابس الثوبين وأحدهما حرير محض لابس لما حرم من الحرير ، وليس كذلك الثوب الممزوج.

المسألة الثامنة من الواسطيات

[عدة وفاة الذمي]

إذا مات الذمي عن زوجته فكم أقل ما يجب أن تعتد بعده فتحل للمستمتع بها من المسلمين؟

(الجواب) وبالله التوفيق :

لا يجوز التمتع ولا أن ينكح الدوام والتأبيد امرأة الذمي إذا مات عنها زوجها (١) الذمي إلا بعد أن تعتد العدة المفروضة في ذلك على الزوجة الحرة المسلمة.

مسألة التاسعة من الواسطيات

[المرأة المتسامحة في نفسها عن مراعاة الطلاق]

إذا ثبت على المرأة المتسمحة في صيانة نفسها أنها تتزوج كثيرا ولا تراعي طلاقها إلا بالخروج من بيت زوجها لا ينضبط لها استقرارهم وطلب الخلاص من

__________________

(١) في الأصل " عن زوجها ".

٤١

حالهم وتزوجهم ، فكيف يكون السبيل للراغب فيها إلى التزوج بها؟

(الجواب) وبالله التوفيق :

إن نكاح (١) المرأة المتزوجة في دينها المتسمحة فيما يلزمها من عدة أو غيرها مكروه وإن لم يكن محرما ، وكل امرأة لم يعلم أنها في حبال زوج أو عدة منه جاز نكاحها على ظاهر الأمر فيه وليس يلزمه ما في الباطن ، فمن أراد الاحتياط مع من خاف أن تكون فرطت في عدتها جاز له أن يلزمها أن تعتد عدة كاملة قبل العقد عليها وإن لم يكن ذلك واجبا.

المسألة العاشرة من الواسطيات

[لا حد للمستمتعات في العدد]

هل تجري المستمتعات بهن مجرى الزوجات في التحصين ، فيحرم على المستمتع الزيادة على الأربع أو تجري مجرى الإماء في كثرة العدد وترك الالتفات إلى هذا الباب.

(الجواب) وبالله التوفيق :

لا خلاف بين أصحابنا في أن للمتمتع أن يجمع بين النساء أكثر من أربع حرائر وأنهن يجرين مجرى الإماء اللواتي يستباح بملك اليمين وطؤهن ، وقوله تعالى (مثنى وثلاث ورباع) (٢) وكل ظاهر من قرآن أو سنة يقتضي ذلك الزائد على أربع ، نحمله على أن المراد نكاح الدوام دون المتعة.

__________________

(١) في الأصل " إن النكاح ".

(٢) سورة النساء : ٣.

٤٢

المسألة الحادية عشر من الواسطيات

[طلاق المضطر ثلاثا كم يعد]

إذا اضطر الرجل المؤمن إلى التزوج في أسفاره أو حسب اختياره وهو مقارب لمن يتقيه ولا يتمكن أن يجعل طلاقه لهن بحسب اعتقاده فيطلقهن إذا اضطر إلى ذلك تطليق الثلاث مع مكان واحد ، فهل يجزيه ذلك مع التقية أوهن في حباله حين لم يطلقهن على مقتضى المذهب الذي يعتقده فيحرم عليه حينئذ التزويج بعد الأربع اللواتي طلقهن على ما شرح أولا.

(الجواب) وبالله التوفيق :

لا تقية على أحد في أن يطلق امرأته الطلاق الذي تذهب إليه الإمامية ، فإنه إذا طلقها تطليقة واحدة في طهر لإجماع فيه بمشهد من عدلين فقد فعل السنة وخلاف ذلك هو البدعة وإن وقع الطلاق معه عند المخالف.

إلا أنه يمكن أن يسأل عمن طلق نساء له أربعا بلفظ واحد.

والجواب : إنه إذا طلق جميعهن وهن في طهر لا جماع فيه بلفظ واحد بمشهد من عدلين فقد وقعت بهن تطليقة واحدة ، ولا يحل له أن يتزوج بأخرى إلا بعد أن يخرجن من العدة ويبن منه بالخروج منها.

المسألة الثانية عشر من الواسطيات

[جواز التمتع للمستمتع بها قبل انقضاء العدة]

هل يجوز للمستمتع بالامرأة إذا بانت عنه بخروج الأجل المسمى بينها وبينه أن يستمتع بها قبل انقضاء عدتها أو بعد ذلك ، أو تحرم عليه بالمتعة الأولى من

٤٣

إعادتها ومراجعة الاستمتاع بها ، وما الحكم والرخصة في ذلك؟

(الجواب) وبالله التوفيق :

يجوز للمستمتع بالمرأة بعد انقضاء عدتها منه أن يعاود الاستمتاع بها ، ويجوز له بعد انقضاء الأجل المضروب وقبل أن تعتد منه أن يعاود المتمتع. وإنما العدة شرط في إباحة نكاح غيره لها وليست شرطا في نكاحه هو إياها.

٤٤

(المسائل الرملية)

٤٥
٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم

(١)

[حكم الطلاق بعد ارتفاع الدم وإيلاء المرأة]

مسألة من المسائل الرملية ، قال :

إذا كان الطلاق لا يقع بالمرأة إلا وهي طاهر في طهر لا ملامسة فيه ، فما الحكم في رجل قصد إلى امرأة وهي طاهر فلامسها ثم آلى منها عقيب ملامستها وارتفع الدم عنها فتربصت به أربعة أشهر لم يقربها وجب عليه فيها مرافعته إلى الحاكم بعد الأجل فأمره بالكفارة فامتنع منها ، أيلزمه الطلاق وهي في طهر قد وقعت فيه الملامسة فيكون قد أفتى بضد ما يقتضيه المذهب ، أم يتركه على حاله لا يكفر ولا يطلق فيخالف الإجماع في ذلك؟

(الجواب) وبالله التوفيق :

إن الطلاق إنما لا يقع في طهر تخللته الملامسة إذا كانت المرأة ممن تحيض وتطهر ، فأما إذا ارتفع الدم عنها ويئست من الحيض ودام ارتفاع الدم (١) فإن

__________________

(١) في الأصل " وليس ارتفاع الدم ".

٤٧

الطلاق يقع بها على كل حال.

وإذا كان الأمر على ما أوضحنا وصادف انقضاء الأربعة أشهر مرافعة المرأة لزوجها إلى الحاكم اليائس من الحيض فالحاكم يأمره بالكفارة ، فإذا امتنع ألزمه الطلاق ، فإن طلق وقع طلاقه ، لأن طلاقه طلاق يائسة.

اللهم إلا أن يسأل عمن صادف مرافعة من زوجته إلى الحاكم بعد انقضاء الأجل حيضا وامتنع الزوج من الكفارة ، وقيل لنا : كيف تقولون ههنا أيلزمه الطلاق وهو لا يقع منه أو تمسك عن إلزامه فيكون غير مكفر ولا مطلق؟

والجواب عن ذلك :

أنا نقول : إنه ألزمه الطلاق بشرط طهارة زوجته ، فكأنه يقول له : قد ألزمتك وحكمت عليك بأن تطلق زوجتك إذا طهرت فقد صار الطلاق لازما لما امتنع من الكفارة لكن على الوجه المطلوب.

وهذا بين بحمد الله وتوفيقه.

(٢)

[حكم الخلاف في رؤية الهلال]

مسألة من المسائل الرملية :

ما القول في من طلب هلال شهر رمضان فلم يره ، أو رآه وجوز رؤية غيره له من قبل في بلد آخر وكانت رؤيته لا تعطي معرفة له ، أي شئ يعتقد وعلى أي شئ يقول؟

وكذلك إذا ظهر آخر الشهر لقوم واستتر عن قوم حتى وجب الصيام على من استتر عنهم والافطار على من ظهر لهم ، أليس يؤدي هذا إلى نقصانه عند بعض

٤٨

المكلفين وتمامه عند آخرين فتبطل حقيقة شهر رمضان في نفسه ، أو يكون له حقيقة عند الله تعالى لم ينصب لخلقه دليلا يتفقون به عليها ويعتقدونها على وجهها ، ويؤدي أيضا إلى اختلاف الأعياد وفساد التواريخ ومماثلة أهل الاجتهاد في الخلاف؟

(الجواب) وبالله التوفيق :

إن تكليف كل مكلف يختص به ولا يتعلق بغيره ، فليس بمنكر أن يختلف تكليف الشخصين في الوقت الواحد ، كما لا يمتنع اختلاف تكليف الشخص الواحد في الوقتين والوجهين وفي الوقت الواحد والوجه الواحد إذا كان التكليف على التخيير.

وإذا صحت هذه الجملة فما المانع من أن يكون تكليف من رأى هلال شهر رمضان الصوم وتكليف من لم يره ولا قامت حجة برؤيته الفطر ، وكذلك حكمها في رؤية الفطر.

وأي فساد في اختلاف التكليف إذا اختلفت وجوهه أو طرقه؟ أوليس الله تعالى قد كلف واجد الماء الطهارة به دون غيره وأسقط من فاقد الماء تكليف الطهارة به وكلفه التيمم بالتراب وجعل تكليفهما في صلاة واحدة مختلفا كما ترى ، ولم يقتض ذلك فسادا.

وكذلك تكليف المريض الصلاة من قعود والصحيح الصلاة من قيام ، فاختلف التكليف فيهما لاختلاف أسبابهما به.

ومن طلب جهة القبلة وغلب في ظنه بأمارة لاحت له أنها في بعض الجهات وجب عليه أن يصلي إليها بعينها ، ومن طلبها في تلك الحال وغلب في ظنه بأمارة أخرى أنها في جهة سواها وجب عليه أن يصلي إلى خلاف الجهة الأولى. وكل واحد منهما مؤد فرضه وإن اختلف التكليف.

٤٩

ولو ذهبنا إلى ما ذكر مما يختلف فيه التكليف من ضروب الشرائع لطال القول واتسع.

ولسنا نعيب أصحاب الاجتهاد بالاختلاف في التكليف على ظن المسائل ، لأن الاختلاف إذا كان عن دليل موجب للعلم وحجة صحيحة لم يكن معيبا. وإنما عبناهم بالاجتهاد والقياس في الشريعة ، لأنه لا دليل عليهما ولا طريق إليهما.

٥٠

(شرح القصيدة المذهبة)

٥١
٥٢

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، وصلاته على سيدنا محمد نبيه وآله الطاهرين.

سأل الأستاذ الفاضل أبو الحسن علي بن شهفيروز أدام الله عزه تفسير قصيدة أبي هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الملقب بالسيد رضي الله عنه البائية التي أولها (هلا وقفت على المكان المعشب) وإيضاح معانيها ومشكل ألفاظها.

وأنا أجيب إلى ذلك على ضيق وقتي وتقسيم فكري وكثرة قواطعي.

ومن الله أستمد المعونة والتوفيق في كل قرب وطلب.

(١)

هلا وقفت على المكان المعشب

بين الطويلع (١) فاللوى من كبكب

المعشب : هو المكان الكثير العشب ، والعشب معروف ، ومنه مكان معشب

__________________

(١) في بعض النسخ " ظويلع " وهو لهجة بعض المناطق العربية.

٥٣

وعشيب وعاشب. وجمع العشب أعشاب.

والطويلع : ماء لبني تميم في ناحية الضمان. ويكون مصغرا من أحد شيئين : أما أن يكون من (طلع على القوم) أي أشرف عليهم ، وأما من قولهم (اطلع الرجل) إذا قاء ، والطلعاء القئ. فإن كان الأول فهو تصغير (طالع) لأشراف موضعه من الوادي الذي هو فيه وعلوه ، وإن كان من الثاني فهو تصغير على الأصل كأنه قال اطلع الرجل أي قاء ، فطلع القئ ، كما أنهم قالوا : أتاع الرجل إذا قاء أيضا ، كما قال القطامي :

وظلت تعبط الأيدي كلوما

تمج عروقها العلق المتاعا

قالوا : أتاع القئ ، نفسه. وإذا كان الاسم على ما قلنا طالعا ، فإن تصغيره (طويلع) إلا أن التصغير دخله بعد أن صار اسما ، لأن الصفة لا تصغر.

واللوى مقصورا : انحناء بعد منقطع الرملة ، وأما اللواء بالمد فهو الذي يعقد للوالي.

وأما (كبكب) فهو جبل معروف ، وهو المطل على عرفات ، وهو فعلل من الكبة وهي معظم الحرب. وكذلك كبة النار معظمها وجاحمها ، ومنه قوله تعالى (وكبكبوا فيها هم والغاوون) (١) ، ومعناه فكببوا ، كقولك فتحت الأبواب إذا أردت تكثير الفعل. ويجوز أن يكون المعنى : ألقوا على وجوههم فيها.

ويمكن أيضا أن يكون اشتقاق (كبكب) من المتكبب ، وهو المجتمع المتلون.

فإن قيل : كيف يقول (بين الطويلع فاللوى من كبكب) والكلام يدل على تقارب الموضعين ، لأنه قال : هلا وقفت على المكان المعشب ، بين كذا وكذا ، وقد قلتم إن الطويلع بناحية الضمان ، وكبكب جبل مطل على عرفات وبينهما بون

__________________

(١) سورة الشعراء : ٩٤.

٥٤

بعيد؟

قلنا : ليس يمتنع أن يأمره بالوقوف على كل مكان معشب بين هذين الموضعين وأن تباعدا. ويجوز أيضا أن يكون أمره بالوقوف على مكان بعينه معشب بين الطويلع فكبكب وأن تباعد ما بينهما ، وهذا أحسن.

(٢)

فنجاد توضح فالنضايد فالشظا

فرياض سخة فالنقا من جونب

النجاد : جمع نجد ، وهو الطريق المرتفع. والنجد أيضا : الأرض المستوية وجمعها نجود. ونجاد السيف حمائله. والنجاد أيضا اللجام.

وتوضح : موضع مشهور ، قال النابغة :

الواهب الماية الأبكار زينها * كالعين ترعى في مسالك أهضب وتوضح بالحمى حمى. كانت إبل الملوك ترعاه ، فلذلك ذكره النابغة وهو من (وضح الأمر) إذا بان وانكشف ، ومنه وضح الصبح : إذا بان وظهر.

وأما (النضائد) فمشتقة من نضدت الشئ : إذا عبأت بعضه إلى بعض. والنضد ما نضدت من متاع البيت بعضه على بعض. والنضد أيضا الشريف من الرجال وجمعه النضاد. والنضائد أعمام الرجل وأخواله.

والشظا : موضع يشبه أن يكون سمي بذلك لبروزه وظهوره ، من قولهم شظي الفرس وتشظى شظا : إذا تحرك شظاه ، وهو عصبة بين الوظيف والابجر. ويجوز أن يكون مشتقا من المشقة والشدة ، من قولهم : شظي الأمر شظا وشظوظا إذا شق واشتد.

٥٥

وأما (سنحة) فمشتقة من السنح بمعنى الاعتراض ، يقال سنح سنوحا إذا عرض سنح الطريق متنه. والسانح ما أولاك ميامنه ، والبارح ما أولاك مياسره من الوحش والطير(١).

وأما (النقا) فهو قطعة من الرمل تنقاد محدودبة به ، والتثنية نقوان ونقيان لغتان.

وأما (جونب) فهو اسم موضع بلا شك ، إلا أنني لست أعرف جهته وناحيته إلى الآن ، وقد تصفحت ما يجب أن يكون ذكره فيه فلم أجد ، وإن وجدت مستقبلا ما يدل على هذا الموضع بعينه وجهته استأنف ذكره بمشيئة الله تعالى.

(٣)

طال الثواء على منازل أقفرت

من بعد هند والرباب وزينب

أما (الثواء) فهو الإقامة ، يقال ثويت بالمكان وأثويت. والثوية : المنزل الذي يثوى إليه ، والثوي الضيف. والثوية أيضا : عين تنبعث من حجارة للراعي يرجع إليها ليلا.

وأقفرت : بمعنى خلت من أهلها ، يقال أرض قفر وقفرة للتي لا شئ بها.

__________________

(١) هذا على نسخة " سنحة " بالنون والحاء المهملة ، وأما على نسخة " سخة " بالسين المفتوحة وتشديد الخاء المعجمة فهو ماءة في رمال عبد الله بن كلاب ، أو " سخنة " بضم السين وسكون الخاء المعجمة ونون فهو بلدة في برية الشام يسكنها قوم من العرب. أنظر : معجم البلدان ٣ / ١٩٦.

٥٦

(٤)

أدم حللن بها وهن أوانس

كالعين ترعى من مسالك أهضب

الأدم من الرجال والنساء : البيض إلى السمرة ، ومن الإبل والضباع : البيض إلى الحمرة.

وقوله (أوانس) يعني النساء ، وقد مضى ذكرهن في البيت الأول.

والعين : بقر الوحش ، الواحدة عيناء ، سميت بذلك لكبر عينها.

وأهضب : جمع هضبة ، وهو ما ارتفع من الأرض.

(٥)

يضحكن من طرب بهن تبسما

عن كل أبيض ذي غروب أشنب

الطرب : ما يستخف الإنسان من فرح أو حزن ، قال الشاعر :

وأدالوا طربا في أمرهم

طرب الواله أو كالمختبل

وقوله (يضحكن تبسما) مناقض ، لأن الضحك الاستغراب والمبالغة إلى غاية لا يدركها التبسم ، إلا أنه أقامه مقامه فأجرى عليه اسمه (١).

__________________

(١) في الهامش : قوله " أقامه مقامه فأجرى عليه اسمه " لعل الشاعر البليغ المجمع على بلاغته ، أراد أن هؤلاء الغواني المشبب بهن موصوفات بغاية وقوة الحياء ، مصونات عن كل خصلة مبتذلة ، فإذا غلبهن عجب من شئ لم يدرك منهن ما يدرك من غيرهن من الاعلان بالضحك الذي يسمع للعجب ، وإنما يدرك منهن التبسم. وهذا غاية المدح فيهن ، مفيد معنى الكناية المطلوب. والله أعلم.

٥٧

(والغروب) جمع غرب ، وهو من كل شئ حده ، وإنما أراد تحديد الأسنان وذلك من علامة حداثة السن

والشنب : برد الأسنان وعذوبتها ، يقال : رجل أشنب وامرأة شنباء.

(٦)

حور مدامعها كأن ثغورها

وهنا صوافي لؤلؤ لم يثقب

حور : جمع حوراء ، من الحور الذي هو شدة بياض العين وشدة سواد سوادها. وقيل بل هو أن يكون البياض محدقا بالسواد. وإنما يكون ذلك في البقر والظباء ، ويستعار للناس.

ووهن الليل : قريب من نصفه ، وأراد أن ثغورهن وصف من النساء (كذا) يعني يضئ في هذا الوقت من الليل كما يضئ الصافي من اللؤلؤ. وخص ما لم يثقب منه لأنه قبل الثقب لا يلبس ولا يستعمل ولا يستبذل فيتدنس بذلك.

(٧)

أنس حللن بها نواعم كالدمى

من بين محصنة وبكر خرعب

الأنس : جمع آنسة.

والدمى : جمع دمية ، وهي الصورة.

والمحصنة : العفيفة ، وهي أيضا ذات الزوج ، والمراد بها ههنا ذات زوج حتى يقابل قوله (بكر خرعب).

وأما (الخرعب) مق النساء والخرعبة : فهي الطويلة اللينة العصب.

٥٨

(٨)

لعساء واضحة الجبين أسيلة

وعث المؤزر جثلة المتنقب

اللعس : أن تشتد حمرة الشفة حتى تضرب إلى السواد ، امرأة لعساء ونساء لعس.

ووضح الجبين : بياضه وإشراقه.

والأسيلة : السهلة الخلد.

وقوله (وعث المؤزر) أي هي ثقيلة الردف مع لين و.. كالواعث من الرمل : وهو ما اجتمع منه في سهولة ولين.

فأما قوله (جثلة المتنقب) فالجثل : الكثيف والكثافة في الوجه ليس فيها جمال توصف الحسناء به ، وإنما توصف بالسهولة في الخد والوجه. وما أعلم إلى أي شئ ذهب في هذا المعنى (١).

(٩)

كنا وهن بنضرة وغضارة

في خفض عيش راغد مستعذب

النضرة : الحسن ، يقال نضر الشئ فهو ناضر أي حسن.

والغضارة : البهجة.

__________________

(١) في الهامش : قوله " وما أعلم إلى أي شئ ذهب " إذا كان المتنقب يصح اطلاقه على هن المرأة ، عمل بالاستعارة : شبه تستره وإخفاءه بالوجه المتنقب بالنقاب ، فأطلق عليه فالأمر ظاهر ، والكثافة في الهن والعظم مما تحمد به المرأة ، بل تمدح به حتى قالت الأعرابية : ـ

٥٩

والخفض : لين العيش.

والراغد : الواسع.

(١٠)

أيام لي في بطن طيبة منزل

عن ريب دهر حاير متقلب

طيبة : مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومن أسمائها : طيبة ويثرب والمدينة والدار والمسكينة وجابرة والمجبورة والمحبة والمحبوبة والعذراء والرعبوبة والقاصمة ويندد (١) ، فذلك ثلاثة عشر اسما.

ريب الدهر : خطوبه وطوارقه ، وأصل الريب والريبة الشك ، يقال رابني الدهر إذا خفت منه وشككت فيه ، في توجه الشر منه.

ومعنى (عن ريب دهر) أي بدلا وعوضا عن ريب دهر ، يقولون أعطيتك كذا من كذا أي بدلا عنه.

(١١)

فعفا وصار إلى البلا بعد البنا

وأزال ذلك صرف دهر قلب

عفا : بمعنى درس ، يقولون : عفا الموضع يعفو عفوا ، وعفا فهو عاف إذا درس. وعفا القوم يعفون : إذا كثروا ، وعفا الشعر وغيره إذا كثر.

__________________

ـ إن هنى لهن .. إن جلست فوق .. كالأرنب الراني ...

فلعل السيد الحميري يزيد هذا مع إنه ذكر إنها أسيلة الوجه أي الخد وإنها ثقيلة الردف. أو يقال إنه أراد به جثلة الشعر من الرأس.

(١) أنظر : " عمدة الأخبار في مدينة المختار " ٥٥١ للشيخ أحمد بن عبد الحميد العباسي.

٦٠