رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

[١٣]

[منع كون الصفة بالفاعل]

مسألة :

استدل من منع من كون الصفة بالفاعل ، بأن قال : لو كانت بالفاعل لكان متى قدر على جعل الذات على صفة يكون عليها بالفاعل. ألا ترى أن [من] قدر منا على جعل الصوت خبرا فهو قادر على أن يجعله أمرا ونهيا وخبرا عن كل مخبر عنه من حيث كانت هذه الصفات أجمع بالفاعل. فلو كان الجسم مستقلا بالفاعل لكان كونه أسود وأبيض بالفاعل ، لأن الطريق واحد.

وهذا الدليل معترض ، بأن يقال : ما أنكرتم أن يكون انتقاله بالفاعل وكونه أسود وأبيض بمعنى ، لأن الصفات التي تجوز على الذات ينقسم استنادها : فتارة تستند الى الفاعل ، فما الذي يمنع عن استناد الانتقال الى الفاعل والسواد والبياض إلى العلة. وإذا كنا نجوز ذلك يمكن القطع على أن السواد إذا كان لعلة كان الانتقال كذلك.

وليس يعصم من هذا السؤال قولهم : ان الصفتين إذا كانت كيفية استحقاقهما واحدة لم يجز أن يكونا مستحقين من وجهين مختلفين ، فلما كان الجسم يستحق كونه أسود يستحق كونه منتقلا في باب الصحة والجواز والشروط ، وجب متى كانت هذه الصفة بالفاعل أن تكون الأخرى كذلك.

وان كانت لمعنى فكذلك ، لأن الاشتراك في كيفية الاستحقاق ـ وهو حصول الصفة على وجه الجواز ـ انما يدل على أن الصفة ليست للنفس ، فإذا انتفى بالاشتراك في هذه الكيفية كون الصفة مستندة الى النفس ، وانقسم بعد ذلك بما يمكن استناد الصفة اليه : فتارة يكون بالفاعل ، وأخرى بالعلة.

٣٤١

فمتى علمنا بالدليل أن العلة أثر بها قطعنا بذلك ، ومتى دل على أن الفاعل أثر بها حكمنا به ، ومتى جوزنا في البعض أن يكون الفاعل هو المؤثر والبعض العلة وجب التوقف وترك القطع.

وهذه حالنا في انتقال الجسم وكونه أسود ، لجواز أن يستند الانتقال الى الفاعل والسواد الى المعنى. فلا سبيل بالاعتبار الذي اعتبر على أن يقطع على أن الانتقال لا يجوز استناده الى الفاعل من غير توسط معنى.

[١٤]

[الدليل على أن الجوهر ليس بمحدث]

مسألة :

ومما استدلوا بها على أن الجوهر لا يكون محدثا ، بمعنى أن ذلك لو وجب فيه لكان المعنى الذي يحتاج إليه في حدوثه يفتقر الى معنى ، لمشاركته له في العلة التي احتاج اليه من أجلها ، وهي حدوثه مع جواز ألا يحدث. وذلك يؤدي الى إثبات ما لا نهاية له من إثبات الحوادث ، وهو مستحيل.

وهذا الدليل يعترض بمثل المسألة الأولى ، لأنه يمتنع أن يكون حدوث بعض المحدثات لعلة حدوث البعض الأخر بالفاعل.

وقولهم : انهما إذا اشتركا في كيفية الاستحقاق لم يجز أن يقتضي أحدهما أمرا والأخر سواه. باطل ، لأن المشاركة في كيفية الاستحقاق جواز الحدوث يمنع من استناد الصفة إلى النفس ، وإذا بطل استنادها الى النفس لم يمتنع انقساما يستند اليه ، فيكون في بعض الذوات بالفاعل وفي بعض بالعلة.

وهذا أمر متلبس لا سبيل إلى العلة ، بل الشك في ذلك والتجويز هو الواجب

٣٤٢

الى أن يدل دليل.

(١٥)

[إبطال قول «ان الشيء شيء لنفسه»]

مسألة :

لا يجوز أن يقال ان الشيء شيء لنفسه. لأن ذكر المعلوم بأنه شيء ليس بصفة لاشتراك الموجود والمعدوم والأجناس المختلفة في إجراء هذا الاسم عليها.

فان قيل : فلما تصفون الموجود بأنه موجود لنفسه واجراء ذلك في القديم تعالى.

قيل له : لأن الوجود صفة ، فجاز أن يستند الى النفس.

فان قيل : فما تقولون في العرض.

قيل : اجراء هذا الاسم على ما ليس بصفة وان كان غير قولنا عرض أنه الذي لا؟؟؟(١) له كلية الأجسام ، وهذا الحكم فليس بصفة.

(١٦)

[النسبة بين الافعال وما هو لطف منها]

مسألة :

أن يسأل سائل عن وجه المناسبة بين الأفعال في العقل وبين ما هو لطف فيها من الشرعيات.

__________________

(١) كذا في الأصل.

٣٤٣

فالجواب : انا إذا علمنا كون هذه الأفعال ـ أعني الشرعيات ـ واجبة علمنا أن لها وجها (١) ومناسبة بين ما هي لطف وان لم يتعين لنا وجه المناسبة ، غير أنهم قد بينوا ما يمكن أن يكون وجها على طريق الاستظهار [..](٢) وقالوا :

انه يمكن أن يكون الوجه أن في الشرعيات من ذكر الله تعالى والرجوع اليه والتمسك بطاعته وتوطين النفس عليها ، مثل الذي يجب على المكلف في التكليف العقلي أن يفعله ، فإذا عزم على هذا الفعل ووطن نفسه على الاستكثار وسارع الى مثله في العقليات.

والوجه الثاني في هذه الأفعال من تحمل المشقة على وجوه مخصوصة مثل ما في تلك الأفعال.

وهذا يسقط استبعاد من يستبعد كونها تصلح في العقليات ، وقالوا : انا لا نقطع على أنها مصلحة لأي وجه من هذين الوجهين. وانما أوردنا ليزيل ما يتوهم ويستبعد من المناسبة.

وبينوا : إن الطريقة في ذلك كالطريقة في الآلام والغموم والمعالجات ، وذلك أن من نزلت به الآلام فتلف لها وطلب التخلص منها بالمكاره والعلاج واحتمى من الملاق (٣) طلبا للسلامة منها يكون أقرب الى مفارقة المعاصي وفعل الطاعات وتحمل المشقة فيها ، ليتخلص من العقاب الدائم ويستحق الثواب الدائم.

ثم لم يجز أن يعرف التفصيل في ذلك ، ولا أن يقطع على أن هذا هو الوجه دون غيره. وبينوا ذلك أيضا بأن الإنسان إذا قارف ذنبا وجب عليه التوبة منه ، قد

__________________

(١) في الأصل «ان لها وجوب».

(٢) بياض في الأصل.

(٣) كذا في الأصل.

٣٤٤

حصل ليزيل من نفسه العقاب.

ولا فرق بين أن يعرف عين الفعل وبين أن لا يعرفه ، في أن وجه وجوب التوبة قد حصل له وقد تمكن من تلافي ما كان منه ، فكذلك القول في المصالح ، لأنها انما تجب لما يتضمن من إزالة المضرة واجتناب المنفعة على ما بين.

[١٧]

[دور العقل والسمع في النوافل]

مسألة :

إذا قلنا : ان النوافل انما يتعلقها لذلك السمع ، وهو استحقاق الثواب عليها وان تركها لا يستحق العقاب عليه ، فلا بد من بيان أن السمع هو الكاشف عن ذلك وأن العقل لا مدخل له فيه.

وذلك أنه قد تقرر كونها لما فيها من المشقة قبيحة ، فلو لم يكن فيها بعض وجوه المصالح لعرضنا لاعتقاد يجري مجرى الجهل ، لأنه كان يجب لو لا البيان أن نعتقدها قبيحة منا ومن حقها أن تكون حسنة.

والوجه الذي ذكر في حسنها : أنها مسهلة للفرائض ، فكأن المكلف إذا مرن على فعلها واعتادها يكون اقدامه على الواجب أسهل وعلى النفار من فعله أبعد ، فيكون وجها مقويا داعيا الى فعل الفرائض.

وعلى هذا ورد الشرع في أن يأمر الصبي بالصلاة في حال ويضربه على فعله في حال ، لكي يعتاد ويمرن عليها.

فإذا كان ما يتقدم التكليف يؤثر هذا التأثير ، فإن تأثر (١) النوافل على هذه الحد

__________________

(١) في الأصل «فلا تؤثر».

٣٤٥

في حال التكليف أقرب.

وهذه الطريقة متعارفة ، لأن من يتحمل المشقة فيما لا يجب عليه يكون الواجب عليه أسهل عنده وأقرب الى فعله.

وقد قيل : ان النوافل مسهلة لأمثالها من العقليات من الإحسان والتفضل ، واعتبر قائل ذلك أنها لو كانت مقربة الى فعل الواجبات الشرعية لوجبت كما وجبت الشرعيات لتقربها من الواجبات العقلية. وفي هذا نظر.

(١٨)

[الدليل على أن الجواهر مدركة]

مسألة :

استدل على أن الجواهر مدركة : بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لو خبر بأن زيدا في الدار وكون جسم مخصوص فيها ، ثم أدركناه على حد ما أخبر به تقوى العلم بذلك ، فلو لا أن الإدراك تناوله لما وجب قوة العلم لما كان متناول الخبر والإدراك واحدا ، إذ لو كان مختلفا لما أوجب ذلك.

(١٩)

[دفع شبهة للبراهمة في بعث الأنبياء]

شبهة للبراهمة :

قالوا : لو حسنت البعثة لكان من يبعثه الله تعالى لأداء الرسالة يقطع على أنه سيبقى حتى يؤديها ، لأنه متى لم يقطع على ذلك جوز ألا يكون تعالى مزيحا لعلة المبعوث إليهم في مصالحهم. وقطعه على البقاء مفسدة ، لأنه إغراء بالمعاصي على

٣٤٦

ما يقولون بمثله في سائر المكلفين وكما يذكرونه في تعريف الصغائر وتعريف غفران الكبائر. وهذا يجوز أن يكون بعثة الرسول لا تنفك من القبيح ، فإذا ثبت أنه لا يجوز أن يستصلح المبعوث إليهم باستفساد المبعوث فيجب قبح البعثة.

الجواب :

ان الرسول فيما كلفه من أداء الرسالة بمنزلته في سائر ما كلفه في أنه يعلم أنه سيبقى بشرط ، وهذا السؤال لأنه إذا جوز في سائر ما كلف لأنه قد علم بحكم النقل أن تكليفه على شريطة ، وإذا لم يقطع على حصولها جوز أن لا يكون مكلفا وان كان يعلم أن تلك الشريطة متى ثبتت كان مكلفا.

وليس كذلك حال أداء الرسالة ، لأنه قد يعلم أن البعثة بها أرادها الى المبعوث إليهم ، فمتى لم يمكن من الا (١) لم يزح علة المبعوث إليهم في المصالح ، فيعلم لعقله؟ أنه يمكن من التأدية محصل من ذلك الإغراء.

فيقال له : وان علم في الرسالة أنها مصلحة للغير وأنه متى لم يعلمها ذلك الغير لم يكن مزاح العلة فإنه يجوز متى لم يكن من الا (٢) ان يؤمر بها غيره فيزاح علته ، لأن الذي يعلمه بالعقل أنه لا بد من إزاحة علة المكلف ثم لا يعلم أن ذلك يكون [..](٣) قبل غيره ، كما لا يعلم أنه يكون بالمشافهة دون الخبر وشكه في [..](٤) لا نمنع من حصول اليقين من له ولا يؤدي الى فساد.

فان قيل : فيجب على هذا الجواب أن لا يعلم الرسول أنه قد حمل الرسالة لا محالة.

قيل : هو يعلم ذلك وانما يشك هل كلف [..](٥) في الأحوال المتراخية أم لا ، مع علمه بأنه قد كلف لا محالة ان بقي على شرائطه.

__________________

(١) كذا في الأصل.

(٢) كذا في الأصل.

(٣) بياض في الأصل.

(٤) بياض في الأصل.

(٥) بياض في الأصل.

٣٤٧

فإن قيل : انما حمل الرسالة حتى يؤدي ، فيجب أن يقطع ثبوت الأول.

قيل له : ان من سلك هذه الطريقة يقول : انما حملها لكي يؤدي ان بقي على صفات المكلف ، ولا يطلق الا ما أوردت إطلاقا ، كما يقول في رد الوديعة عند المطالبة انه مكلف ذلك ان بقي متمكنا ، وان لم يتمكن لم يجب الا أن يكون مكلفا في الأول على الشرط الذي ذكرناه.

فان قيل : الغرض فيما يفعله من مقدمات الوديعة وصولها الى [..](١) ، فالغرض بتحمل الرسالة العزم على تأديتها الى من بعث الرسول اليه.

جواب آخر :

إذا قلنا انه يعلم [..](٢) الرسالة فلا يجب بذلك الإغراء ، لأن الإغراء يختلف باختلاف المكلفين ، فمن علم من [..](٣) على الطاعة لكونه معصوما والعلم بحاله في إيثاره التمسك بما يلزمه فعله بذلك لا يكون [..](٤) من حاله خلاف ذلك يكون إغراء في حقه ، فتختلف أحوال المكلفين بحسب المعلوم من أحوالهم ، فلا يجب [..](٥) قدروه من الفساد.

ولمن حكم بأن في المعاصي صغائر أن يفرق بين العلم بصغير المعصية والعلم [..](٦) أن يقول : العلم بصغير المعصية يقتضي أن لا يستضر بفعلها ضررا يعتقد بمثله مع ما له فيها من الشهوة ، فيكون ذلك إغراء. وكذلك القول في تعريف القرآن.

وليس كذلك إذا علم أنه سيبقى يجوز معه ألا يختار التوبة ، فالمخالفة قائمة من الاقدام على المعاصي ، فلذلك جاز أن تختلف أحوال المكلفين فيه.

__________________

(١) بياضات في الأصل.

(٢) بياضات في الأصل.

(٣) بياضات في الأصل.

(٤) بياضات في الأصل.

(٥) بياضات في الأصل.

(٦) بياضات في الأصل.

٣٤٨

وانما يصير الاعلام بالتبعية إغراء إذا انضافه الى العلم بأنه مأمور (١) لا محالة وان أقدم على المعاصي.

ويمكن أن يقال : انه يأمن ألا يستكثر من الطاعات فتفوته المنافع العظيمة والخوف من فوات المنفعة كالخوف من فوات المضرة.

ووجدت عبد الجبار بن أحمد قد ذكر في هذا فضلا في المعنى ، وهو أن قال : ان الرسول يقطع على أنه سيبقى الى أن يؤدي الرسالة التي حملها ، ثم بعد يعود حاله الى أنه في كل وقت مستقبل يجوز أن يبقى وأن يقطع تكليفه ، وكذلك كانت أحوال الأنبياء تنتهي الى هذه الطريقة. وذلك يزيل ما نذكره من الإغراء ، لأن الوجل والخوف انما يزولان عنه متى علم انتهاء (٢) تكليفه ، فأما إذا لم يعلم فالخوف قائم.

وهذا الجواب يعترض ، بأن يقال : إنما ألزمت الإغراء في الحال التي يقطع فيها المكلف على أنه سيبقى لا محالة ، وهي الحال التي يعلم فيها بقاؤه إلى حين الأداء. فأما بعد هذه الى الحال فلا قطع للنبي عليه‌السلام على البقية والإغراء ليس بحاصل ، فإذا علم انتهاء تكليفه عادت الحال إلى الإغراء. فيعلم أن هذا الجواب ليس بصحيح.

(٢٠)

[معنى النفع في الضرر]

مسألة :

قال رضي الله عنه :

__________________

(١) في الأصل «بأنه مسمور».

(٢) في الأصل «على انتهاء».

٣٤٩

ان الألم يحسن إذا لم يكن ظلما ولا عبثا ولا مفسدة ، وان حد الظلم ما يعرى عن نفع يوفى عليه ودفع ضرر يزيد عليه.

ومن رأيت هذا مضروبا والظاهر أنه ذو استحقاق وزيد فيه ولا كان على وجه المدافعة فإن ذكر القصد والحد ، فقيل الألم المقصود متى يعرى من الوجوه الثلاثة كان ظلما لم يدخل المدافعة ، لأن الألم فيها غير مقصود ولو قصد لكان قبيحا وظلما.

ولا بد من بيان وجه قولهم : نفع في الضرر تجري الألم.

والظاهر أن الظن يقوم مقام العلم في هذه الوجوه (١) كلها للاستحقاق ، فان الخلاف بين أبي علي وأبي هاشم : فذهب أبو هاشم الى أن الظن فيه أيضا يقوم مقام العلم ، واستدل بأنا نذم العاصي إذا غاب عنا وان جوزنا أن يكون قد تاب لظن العلم ، وقال أبو علي في هذا الموضع : وانما يحسن الظن مشروطا لا مطلقا.

وقول أبي علي كأنه أقوى ، ويجب أن يراد به الوجوه التي يقصد بالألم ، فيحسن عليها أن يفعل للاعتبار ، ومعنى الاعتبار أن يفعل المؤلم عنده اما طاعة أو ممتنع أو من معصية.

وهذا الوجه كان [..](٢) من هذه الوجوه ، لأن الله تعالى إذا فعل الألم للاختبار [..] الحاصل عليه ، بل العوض كالمانع والأصل الاعتبار ، فبالعوض يخرج من أن يكون عبثا.

وهذا الوجه خاصة لا يصح الا من القديم تعالى خاصة دون غيره من العباد ، لأنه جل اسمه المكلف لهم ، فازاحة (٣) علتهم بالإطلاق واجبة عليه وغيره من العباد

__________________

(١) في الأصل «الوجود».

(٢) بياض في الأصل.

(٣) في الأصل «فاناحة».

٣٥٠

وليس بمكلف لغيره فيلزمه الطاعة. فصار هذا الوجه خاصة يختص بالقديم تعالى من الوجوه المشتركة بيننا وبين القديم تعالى.

فعلم الألم بوجه الاستحقاق ، فان الله تعالى يعاقب العصاة ويؤلمهم لهذا الوجه كما يرم العاصي (١) وان عمه ذلك [..](٢) لهذا الوجه ، فصار هذا الوجه مشتركا والأول خاصا به تعالى. فأما باقي الوجوه التي ذكرناها فنختص نحن بها دونه ، فلا يصح دخول شيء منها فيما يدخله تعالى من الآلام.

أما الظن فيستحيل عليه تعالى لأنه عالم لنفسه.

وأما فعل الألم لدفع الضرر فإنما يحسن منا إذا كنا لا نتمكن من دفعه الا به ، ولهذا لا يحسن أن يخرج الغريق من الغمرة بأن يكسر يده إلا إذا لم يتمكن من إخراجه إلا كذلك ، فان تمكنا من إخراجه بغير كسر يده فأخرجناه كا [..](٣) من يده ضمنا كسر يده. ولما كان القديم تعالى قادرا على دفع كل ضرر قل أم كثر من غير أن يفعل شيئا من الآلام ارتفع هذا الوجه أيضا من جملة أفعاله.

وأما فعل الآلام فلا يحسن إلا إذا كان لا يوصل الى النفع الا به ، ولهذا لا يحسن منا أن نتعب نفوسنا في طلب الأرباح ونحن نقدر على الوصول إليها من غير ألم ولا تعب. ولما كان القديم تعالى قادرا على إيصال [..](٤) يريد إيصاله من المنافع من غير مقدمة ألم لم يحسن منه أن يؤلم لإيصال النفع. فلذا قلنا : ان الاعتبار هو المقصود والنفع تابع.

فصار المحصل من هذه الجملة التي ذكرناها أن الوجوه التي يقع عليها الألم فيخرج من أن يكون ظلما فيها مشتركة بين القديم تعالى وبيننا وهو الاستحقاق فقط ، ومنها ما يختصه تعالى وهو الاعتبار ، ومنها ما يختصنا وهو باقي الوجوه من فعله

__________________

(١) كذا في الأصل.

(٢) بياض في الأصل.

(٣) بياض في الأصل.

(٤) بياض في الأصل.

٣٥١

لرفع الضرر أو للنفع.

وإذا كان غير مقصود فعلى سهل المدافعة ، لأن هذا الوجه أيضا لا يليق بالقديم تعالى، لأنه قادر على دفع كل ألم يقصده الظاهر من غير فعل شيء من الآلام ، ولأنه تعالى لا يصح أن يقع منه ألم غير ألم ، والآلام في المدافعة لا تكون مقصودة.

وتأمل هذه الجملة ، فإن فيها فوائد كثيرة لا تمضي (١) في الكتب وما بسطناها في الذخيرة بحسن التوفيق.

واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها تنقسم : فمنها ما إذا حصل تكامل منه بحصوله حسن إلا [..](٢) في حسنه إلى غيره ، ومنها ما لا يتكامل بذلك الوجه حسنه بل يقف كمال حسنه على غيره.

فمثال الوجه الأول الاستحقاق ، فإنه يحسن لكونه مستحقا من غير زيادة عليه ، وكذلك يحسن الألم لدفع ما هو أعظم منه ويتكامل بذلك حسنه ، وكذلك إذا وقع غير مقصود على وجه [..](٣) فإنه يحسن هذا الوجه ويتكامل به حسنه.

ومثال القسم الثاني الاعتبار ، فان الاعتبار لا يتكامل حسنه وانما [..](٤) من أن يكون عبثا ، والنفع الزائد يخرج من أن يكون ظلما.

ومثال هذا الوجه من الألم أيضا النفع ، فإنه ينقسم ، فان فعلناه يضرنا ، نظرنا فان كان ممكنا أن نوصل ذلك الغير الى النفع من غير ألم قبح الألم لكونه عبثا وان كان فيه نفع. مثاله : ان استأجر الأجير بالأجرة الوافرة التي يرضى بها لاستيفاء الماء من نهر الى آخر ، فإنه يكون عبثا وان لم يكن ظلما ، ولا بد فيه من عوض زائد على إيصال النفع.

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) بياض في الأصل.

(٣) بياض في الأصل.

(٤) بياض في الأصل.

٣٥٢

وأما القسم الثالث ـ وهو ما تفعله نفوسنا من الألم ـ فيتكامل حسنه بالنفع الزائد من غير زيادة عليه ، ومن شرطه أن يكون ذلك النفع لا يحصل الا بتقديم هذا الألم. ومثاله : إتعاب اما معلوما واما مظنونا.

وكل وجه من هذه الوجوه التي ذكرنا أن [..](١) شيء عوض فيه المفسدة قبح لأجلها ، لأن المفسدة متى عرضه غيرت وجوب الواجبات كلها وصارت [..](٢) فأولى أن يكون الألم كذلك في الوجوه التي يحسن عليه الألم.

وإذا قيل : وإذا كانت المفسدة تغير وجوب الواجبات فما الذي يؤمنكم أن يكون رد الوديعة أو قضاء الدين مفسدة في بعض الأوقات.

فالجواب عن ذلك : انه لو كان شيء مفسدة في بعض الأوقات لوجب على الله تعالى أن يبينه لنا ويميزه ، فلما لم يفعل ذلك علمنا أن جميع الأوقات متساوية في وجوب ذلك كله. وهذا بين.

(٢١)

[معنى قول النبي «من أجبا فقد أربى»]

مسألة :

الإجباء في اللغة العربية هو بيع الزرع (٣) قبل أن يبدو صلاحه ، يقال : أجبا الرجل يجبى إجباء فعل ذلك.

فمعنى ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله «من أجبا فقد أربى» : أن من باع الزرع قبل أن يبدو صلاحه ـ وقد نهى عن ذلك وحظر عليه ـ

__________________

(١) بياض في الأصل.

(٢) بياض في الأصل.

(٣) في الأصل «هو بياع الزوج».

٣٥٣

يجري مجرى من أربى ، لأنه فاعل المعصية محظور عليه ، وان لم يكن بيع ما لم يبدو صلاحه ربي في الحقيقة ولا معناه معناه غير أنه جار مجراه في الحظر والمعصية ، وجار مجرى قول القائل «من زنى فقد سرق» ، أي هو عاص مخالف لله تعالى ، كما أن ذاك هذه حاله (١).

(٢٢)

[اللفظة الدالة على الاستغراق]

مسألة :

ان سأل سائل فقال : إذا لم يكن عندكم في لغة العرب لفظة هو حقيقة في الاستغراق، فمن أي وجه علم تناول الوعيد بالخلود كافة على جهة التأبيد.

فإن قلتم : انما علم ذلك من قصد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ضرورة.

قيل لكم : والنبي من أي وجه علم ذلك.

فان قلتم : اضطره الملك الى ذلك.

قيل لكم : والملك من أين علم ذلك ، ومع كونه مكلفا لا يصح أن يضطره الله سبحانه الى قصده.

الجواب :

انا انما قلنا في المحاورة وأنه لا لفظ موضوع فيها لذلك ، إذا كان هذا غير ممتنع أن يكون في لغة الملائكة لفظ موضوع للاستغراق يفهمون به مراد الحكيم سبحانه في الخطاب ، وإذا صح ذلك وخاطبهم الله بذلك صح أن يضطر الملك النبي «ص» الى مراد الله تعالى منه في الاستغراق.

__________________

(١) في الأصل «هدنة حاله».

٣٥٤

ويمكن أيضا أن يغني الله تعالى بعض ملائكته بالحسن عن القبيح ويضطره الى علم مراده باستغراق كافة الكفار في تأييد العقاب وتناوله سائر الأوقات ، ويضطر ذلك الملك غيره من الملائكة ، ويضطر من اضطره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى ذلك.

٣٥٥

فهرست المجموعة

جوابات المسائل المصريات

(١٤ ـ ٣٥)

الحوادث لا يمكن حدوثها الا بمحدث............................................. ١٧

في الرعد والبرق والغيم........................................................... ١٨

الدليل على حياة الفاعل......................................................... ١٩

تعقل من لا مثل له ولا ضد...................................................... ١٩

تعقل فاعل من دون لمس........................................................ ٢٠

القدرة على خلق الأجسام....................................................... ٢١

القدرة على الاختراع من غير مباشر............................................... ٢١

وقوع الخير والشر من فاعل واحد................................................. ٢٢

تعقل الشئ من دون أن يكون جسما............................................. ٢٢

حدوث شئ ولا من شئ........................................................ ٢٣

الإضافة إلى الطبع مضاف إلى العرض............................................. ٢٣

استغناء الطبائع أو عدمه......................................................... ٢٤

تمثيل جبرئيل في صورة دحية الكلبي................................................ ٢٥

٣٥٦

معنى الصفة في القديم تعالى...................................................... ٢٦

كلام الله تعالى كيف يكون...................................................... ٢٧

حول الكعبة والميثاق والعقل والروح................................................ ٢٨

أول ما خلق الله تعالى........................................................... ٣٢

حقيقة الفراغ وهل له نهاية....................................................... ٣٢

تكليف أهل جابرق وجابرسا..................................................... ٣٣

تكليف الأطفال يوم القيامة...................................................... ٣٤

عقاب من قاتل إماما............................................................ ٣٤

الملائكة والجن بعد انتهاء التكليف................................................ ٣٥

جواب المسائل الواسطيات

(٣٧ ـ ٤٤)

انكاح النواصب والغلاة.......................................................... ٣٩

ميراث أهل الذمة............................................................... ٤٠

الصلاة في ثوب إبريسم ممزوج.................................................... ٤٠

عدة وفاة الذمي................................................................ ٤١

المرأة المتسامحة في نفسها عن مراعاة الطلاق......................................... ٤١

لا حد للمستمتعات في العدد.................................................... ٤٢

طلاق المضطر ثلاثا كم يعد...................................................... ٤٣

جواز المتمتع المستمتع بها قبل انقضاء العدد........................................ ٤٣

المسائل الرملية

(٤٥ ـ ٥٠)

حكم الطلاق بعد ارتفاع الدم وايلاء المرأة.......................................... ٤٧

حكم الخلاف في رؤية الهلال..................................................... ٤٨

٣٥٧

شرح القصيدة المذهبة

(٥١ ـ ١٣٩)

مقدمة الشريف المرتضى......................................................... ٥٣

بدء القصيدة المذهبة............................................................ ٥٣

بعض وقائع طلحة والزبير........................................................ ٦٥

انحراف الزبير عن الحرب وتوبته................................................... ٧١

قصة رد الشمس على علي عليه‌السلام................................................. ٧٨

قصة الراهب مع أمير المؤمنين في طريق الصفين..................................... ٨٥

أمير المؤمنين وصي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله).............................................. ٩٣

بعض فضائل علي عليه‌السلام......................................................... ٩٥

قصة غزوة خيبر............................................................... ١٠٣

فضل نسب أمير المؤمنين على نسب غيره........................................ ١٠٨

مقتل عمر بن عبد ود في غزوة الأحزاب.......................................... ١١٧

نصب علي عليه‌السلام في غدير خم................................................. ١٣٠

شئ من ترجمة السيد الحميري................................................... ١٣٨

الشهاب في الشيب والشباب

(١٤١ ـ ٢٧٥)

مقدمة الشريف المرتضى........................................................ ١٤٣

أبيات أبي تمام في الشيب والشباب.............................................. ١٤٦

أبيات البحتري في الشيب والشباب............................................. ١٥٩

أبيات الشريف الرضي في الشيب والشباب....................................... ١٧٨

أبيات الشريف المرتضى في الشيب والشباب...................................... ٢١٢

الزيادة في كتاب الشيب والشباب............................................... ٢٦١

٣٥٨

مسألة في معجزات الأنبياء عليهم السلام

(٢٧٧ ـ ٢٩٩)

بعض عقائد أسلاف المجبرة والمشبهة............................................. ٢٧٩

وجه عدم اظهار المعجزات على أيدي غير الأنبياء................................. ٢٨١

لا يجوز كذب الرسول في اخباره................................................. ٢٨٢

استحالة القبيح على القديم تعالى................................................ ٢٨٣

عدم جواز اظلال الله تعالى عن الدين............................................ ٢٨٤

تقسيم خاطئ في المعلومات..................................................... ٢٨٥

نفي الإظلال ليس من التعجيز في الفعل......................................... ٢٨٧

معنى الظلال والهدى والحسن والقبح............................................. ٢٨٩

وصف القديم تعالى بما لا يوصف................................................ ٢٩٠

نقل كلام الشيخ المفيد......................................................... ٢٩١

معجزية القرآن الكريم.......................................................... ٢٩٣

مناقشة الكلابية في كلام الله تعالى............................................... ٢٩٤

مسألة نكاح المتعة

(٣٠٠ ـ ٣٠٦)

دحض أدلة القائلين بفساد المتعة................................................ ٣٠٣

جواز انفصال بعض الأحكام عن بعض.......................................... ٣٠٤

العلل غير مطردة لكي يقاس عليها.............................................. ٣٠٥

نقد النيسابوري في تقسيمه للاعراض

(٣٠٧ ـ ٣١٥)

أقسام الأعراض............................................................... ٣١٠

اخلال النيسابوري في تقسيم الأعراض........................................... ٣١٣

٣٥٩

مسائل شتى

(٣١٧ ـ ٣٥٥)

صيغة البيع................................................................... ٣١٩

ألفاظ الطلاق................................................................ ٣٢١

استمرار الصوم مع قصد المنافي له............................................... ٣٢٢

إضافة الأولاد إلى الجد إضافة حقيقية............................................ ٣٢٧

تحديد نسبة الأولاد إلى الاباء................................................... ٣٢٨

الفرق بين نجس العين ونجس الحكم.............................................. ٣٢٨

تنجس البئر ثم غور مائها...................................................... ٣٢٩

استحقاق مدح الباري على الأوصاف............................................ ٣٣١

المنع من العمل بأخبار الآحاد................................................... ٣٣٥

الجسم لم يكن كائنا بالفاعل.................................................... ٣٣٧

النظر قبل الدلالة............................................................. ٣٣٨

التاء في كلمة " الذات " ليست للتأنيث......................................... ٣٣٩

منع كون الصفة بالفاعل....................................................... ٣٤١

الدليل على كون الجوهر ليس بمحدث........................................... ٣٤٢

ابطال قول " ان الشئ شئ لنفسه".............................................. ٣٤٣

النسبة بين الافعال وما هو لطف منه............................................ ٣٤٣

دور العقل والسمع في النوافل................................................... ٣٤٥

الدليل على أن الجواهر مدركة................................................... ٣٤٦

دفع شبهة للبراهمة في بعث الأنبياء.............................................. ٣٤٦

معنى النفع في الضرر.......................................................... ٣٤٩

معنى قول النبي " من أجبا فقد أربى"............................................. ٣٥٣

اللفظة الدالة على الاستغراق................................................... ٣٥٤

٣٦٠