رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

فقال «قد ابتعته» لا يكون قوله «ابتع مني» إيجابا حتى يقول «قد بعتك» ، فكذلك لا يكون قوله «بعني» قبولا حتى يقول «اشتريت» ، وكذلك القول في النكاح.

والعلة الجامعة بين الأمرين أن الإيجاب غير مفهوم من لفظ الأمر ، وكذلك القبول لا يفهم من لفظ الأمر فلذا اعتبروا الإرادة وان قوله «بعني» يدل على الإرادة ومع هذا فلم يغن ذلك عن لفظ الإيجاب الصريح.

(٢)

[ألفاظ الطلاق]

مسألة خرجت في شهر ربيع الأخر سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، قال رضي الله عنه:

أن اعتمد بعض أصحابنا في أن الطلاق الثلاث بلفظ واحد ، غير أن من قال «أنت طالق ثلاثا» [كان](١) مبدعا مخالفا لسنة الطلاق ، فيجب أن لا يقع طلاقه كما لا يقع طلاق البدعة إذا كان في حيض أو طهر فيه جماع وما جرى مجرى ذلك.

الجواب :

ان تلفظه بالطلاق وقوله «أنت طالق» والشروط متكاملة ليس بدعة ، وانما أبدع إذا أتبع ذلك بقوله «ثلاثا» ، وقوله «ثلاثا» ملغى لا حكم له ، والطلاق واقع بقوله «أنت طالق» مع تكامل الشروط ، كما لو قال «أنت طالق» وشتمها ولعنها لكان مبدعا بذلك وطلاقه واقع لا محالة.

وليس كذلك الطلاق في الحيض ، لأنه منتهى عن التلفظ بالطلاق في وقت

__________________

(١) الزيادة منا.

٣٢١

الحيض ، والنهي بظاهره يقتضي الفساد في الشريعة ولا تتعلق به أحكام الصحة.

ومما يوضح ذلك : أنه لو قال لها «أنت طالق» ثم اتبع ذلك في المجلس أو بعده بقوله «وأنت طالق» لكان عندنا مبدعا وطلاقه واقعا لا محالة ، بإدخاله الطلاق على الطلاق من غير مراجعة بينهما.

ومع هذا فلا يقدر أحد من أصحابنا على أن يقول : ان تطليقة واحدة ما وقعت بقوله الأول «أنت طالق» وان اتبع ذلك لما هو مبدع فيه من التلفظ ثانيا بالطلاق فكذلك لا يمنع قوله «ثلاثا» الذي هو مبدع من التلفظ به من أن يكون قوله «أنت طالق» الذي لم يكن مبدعا واقعا.

(٣)

[استمرار الصوم مع قصد المنافي له]

مسألة ، قال رضي الله عنه :

كنت أمليت قديما مسألة أنظر منهما (١) أن من عزم في نهار (٢) شهر رمضان على أكل وشرب أو جماع يفسد بهذا العزم صومه ، ونظرت ذلك بغاية الممكن وقويته ، ثم رجعت عنه في كتاب الصوم من المصباح وأفتيت فيه بأن العازم على شيء مما ذكرناه في نهار شهر رمضان بعد تقدم نيته وانعقاد صومه لا يفطر به ، وهو الظاهر الذي تقتضيه الأصول ، وهو مذهب جميع الفقهاء.

والذي يدل عليه : أن الصوم بعد انعقاده بحصول النية في ابتدائه ، وانما يفسد بما ينافي الصوم من أكل أو شرب أو جماع ، ولا منافاة بين الصوم وبين عزيمة

__________________

(١) كذا في الأصل.

(٢) في الأصل «أن من عينهم لانهار».

٣٢٢

الأكل والشرب.

فإذا قيل : عزيمة الأكل وان لم تناف (١) الصوم فمتى تنافي نية الصوم التي لا بد للصوم منها ولا يكون صوما الا بها ، لأن نية الصوم إذا كانت عند الفقهاء كلهم هي العزيمة على الكف عن هذه المفطرات وعلى ما حددتموه في المصباح هي العزيمة على توطين النفس على الكف إذا صادفت هذه العزيمة نية الصوم التي لا بد للصوم منها أفسدت الصوم.

قلنا : عزيمة الأكل لا شبهة في أنها تنافي عزيمة الكف عنها ، لكنها لا تنافي حكم عزيمة الصوم ونيته وحكم النية نفسها ، لأن النية إذا وقعت في ابتداء الصوم استمر حكمها في باقي اليوم وان لم تكن مقارنة لجميع أجزائه وأثرت فيه بطوله. وعندنا ان هذه النية ـ زيادة على تلك ـ مؤثرة في كون جميع أيام الشهر صوما وان لم تكن مقارنة للجميع.

وقد قلنا كلنا ان استمرار حكم النية في جميع زمان الصوم ثابت وان لم تكن مقارنة لجميع أجزائه ، ولهذا جوزنا وجوز جميع الفقهاء أن يعزب عن النية ولا يجددها ويكون صائما مع النوم والإغماء. ونحن نعلم أن منافاة عزيمة الأكل لعزيمة الكف وكذلك منافاة النوم والإغماء لها.

ألا ترى أنه لا يجوز أن تكون النية عارية عنه في ابتداء الصوم ويكون مع ذلك صائما ، وكذلك لا يجوز أن يكون في ابتداء الدخول في الصوم نائما أو مغمى عليه ، ولم يجب أن ينقطع استمرار حكم النية بتجدد عزوب النية ولا يتجدد نوم أو إغماء مع منافاة ذلك لنية الصوم لو تقدم وقاربها. كذلك لا يجب إذا تقدم منه

__________________

(١) في الأصل «وان لم تتساق».

٣٢٣

الصوم بالنية الواقعة في ابتدائه ثم عزم في خلال النهار على أكل أو غيره من المفطرات لا يجب أن يكون مفسدا لصومه ، لأن حكم الصوم مستمر.

وهذه العزيمة لا تضاد بينها وبين استمرار حكم الصوم وان كانت لو وقعت في الابتداء لخرجت عن الانعقاد. وانما كان في هذا المذهب شبهة على الصائم تجديد النية في جميع أيام الصوم وأجزاء الصوم ، وإذا كانت لا خلاف بين الفقهاء وأن تجديد هذه النية غير واجب لم يبق شهرة في أن العزيمة عن الأكل في خلال النهار مع انعقاد الصوم لا يؤثر في فساد الصوم ، إذ لا منافاة بين هذه العزيمة وبين الصوم واستمرار حكمه ، وانما يفسد الصوم بعد ثبوته واستمرار حكمه لما نافاه من أكل أو شرب أو جماع أو غير ذلك مما اختلف الناس فيه.

وعلى هذا الذي قررناه لا يكون من أحرم إحراما صحيحا بنية وحصلت في ابتداء إحرامه عزم في خلال إحرامه على ما ينافي الإحرام من جماع أو غيره مفسدا لإحرامه ، بل حكم إحرامه مستمر لا يفسده الا فعل ما نافى الإحرام دون العزم على ذلك. وهذا لا خلاف فيه.

وكذلك من أحرم بالصلاة ثم عزم على شيء أو التفات أو على شيء من نواقض الصلاة لم يفسدها للعلة التي ذكرناها.

وكيف يكون العزم مفسدا كما يفسده الفعل المعزوم عليه الشرعي ، وقد علمنا أنه ليس في الشريعة عزم له مثل حكم المعزوم عليه الشرعي البتة.

ألا ترى [أن](١) من عزم على الصلاة لا يجوز أن يكون له حكم (٢) مثل حكم فعل الصلاة الشرعي ، وكذلك من عزم على الوضوء.

__________________

(١) الزيادة منا.

(٢) في الأصل «حظ».

٣٢٤

وانما اشترطنا الحكم الشرعي ، لأن العزم في الثواب واستحقاق المدح حكم المعزوم عليه ، وكذلك العزم على القبيح مستحق عليه الذم كما يستحق على الفعل القبيح ، وان وقع اختلاف في تساويه أو قصور العزم في ذلك عن المعزوم عليه.

ومما يدل على صحة ما اخترناه أنه لو كان عزيمة الأكل وما أشبهه من المفطرات يفسد الصوم لوجب أن يذكرها أصحابنا في جملة ما عددوه من المفطرات المفسدات للصوم التي رووها عن أئمتهم عليهم‌السلام وأجمعوا عليها بتوقيفهم حتى ميزوا ما يفطر ويوجب الكفارة وبين ما يوجب القضاء من غير كفارة ، ولم يذكر أحد منهم على اختلاف تصانيفهم ورواياتهم أن العزم على بعض هذه المفطرات يفسد الصوم ، ولا أوجبوا فيه قضاء ولا كفارة ، لو كان العزم على الجماع جاريا مجرى الجماع لوجب أن يذكروه في جملة المفطرات ويوجبوا فيه إذا كان متعمدا القضاء والكفارة كما أوجبوا متناوله من ذلك.

فان قيل : فما قولكم في من نوى عند ابتداء طهارته بالماء ازالة الحدث ثم أراد أن يطهر رأسه أو رجليه غير هذه النية فنوى بما يفعل النظافة وما يجري مجراها مما يخالف ازالة الحدث.

قلنا : إذا كانت نية الطهارة لا يجب إذا وقعت النية في ابتدائها أن تجدد حتى يقارن جميع أجزائها ، بل كان وقوعها في الابتداء يقتضي كون الغسل والمسح طهارة ، فالواجب أن نقول : متى غير النية لم يؤثر هذا التغيير في استمرار حكم النية الأولى. كما أنه لو عزم أن يحدث حدثا ينقض الوضوء ولم يفعله لا يجب أن يكون ناقضا لحكم الطهارة ولم يجر العزم على الحدث في الطهارة مجرى المعزوم نفسه.

وهذا الذي شبه مسألة الصوم وانا فرضنا من عزم على الفطر في خلال النهار وقلنا انه بهذا العزم لا يفسد صومه.

٣٢٥

وأيضا فإنه يمكن أن يفصل بين الوضوء وبين الصوم : بأن الصوم لا يتبعض ولا يكون بعض النهار صوما وبعضه غير صوم وما أفسد شيئا منه أفسد جميعه. وكذلك القول في الإحرام بالحج والدخول في الصلاة والوضوء يمكن فيه التبعيض وأن يكون بعضه صحيحا وبعضه فاسدا.

فلو قلنا انه إذا نوى ازالة الحدث وغسل وجهه ثم بدا له فنوى النظافة بما يفعله من غسل يديه أو غسل بدنه تكون هذه النية للنظافة لا لإزالة الحدث ولا تعمل فيه النية الأولى لجاز ، ولكنا نقول له أعد غسل يديك ناويا للطهارة وازالة الحدث ولا نأمره بإعادة تطهير وجهه بل البناء عليه. وهذا لا يمكن مثله في الصوم ولا في الإحرام ولا في الصلاة.

فإن قيل : وأكثر ما يقتضيه ما بينتموه أن يكون الصوم جائزا بقاء حكمه مع نية الفطر في خلال النهار ، فمن أين لكم القطع على أن هذه النية غير مفسدة على كل حال؟

قلنا : كلامنا الذي بيناه وأوضحناه يقتضي وجوب بقاء حكم الصوم طول النهار وان(١) وقعت في ابتدائه ، ونية الأكل غير منافية لحكم الصوم وانما هي منافية لابتداء نية الصوم كما قلنا في عزوب النية والجنون والإغماء ، وإذا كان حكم نية الصوم مستمرا والعزم على الأكل لا ينافي هذا الحكم على ما ذكرناه قطعنا على أنه غير مفطر ، لأن القطع على المفطر انما يكون بما هو مناف للصوم من أكل أو شرب أو جماع ، والعزيمة خارجة عن ذلك.

وأنت إذا تأملت في كلامنا هذا عرفت فيه حل كل شبهة تضمنتها تلك المسألة التي كنا أمليناها ونصرنا فيها أن العزم مفطر ، فلا معنى لأفرادها بالنقض.

وقد مضى في تلك المسألة الفرق بين تلك الصلاة وبين الإحرام والصوم ،

__________________

(١) في الأصل «وإذا».

٣٢٦

ولا فرق بين الجميع ، فمن قال ان العزم على ما يفسد الصوم يبطل الصوم يلزمه مثل ذلك في الصلاة ، ومن قال انه لا يبطله يلزمه أن يقول مثل ذلك في الصلاة والإحرام.

ومضى في تلك المسألة أن من فرق بنية دخوله في الصلاة العزم على المشي أو الكلام فيها تنعقد صلاته. وهذا غير صحيح ، لأنه يعني الصلاة في الشريعة تتضمن أفعالا وتروكا ، والأفعال كالركوع والسجود والقراءة والتروك كالكف عن الكلام والالتفات والمشي وما أشبه ذلك ، فكيف يجوز أن يكون عازما في ابتداء الصلاة على أن يتكلم أو يمشي وتنعقد صلاته، ومن جملة معاني الصلاة أن لا يتكلم.

ولو جاز هذا جاز أن تنعقد صلاته مع عزمه في افتتاحها العزيمة على حدث من بول أو غيره ، لأن الحدث وان أبطل الصلاة فالعزيمة عليه لا تبطلها ، لأنه لا منافاة بينه وبينها ، وبين عزمه على المشي منافاة لنية الصلاة من الوجه الذي ذكرناه.

(٤)

[اضافة الأولاد إلى الجد إضافة حقيقية]

مسألة :

ما تقول في رجل من ولد أبي طالب تزوج امرأة حسنية فرزقا مولودا فخرجت قسمة رسم مخرجها ان تفض على ولد فاطمة عليها‌السلام هل يستحق به هذا المولود من الحسنية أو الحسينية سهما لولادته من مولاتنا فاطمة صلوات الله عليها بما تقدم من قيام الدلالة من كتاب الله تعالى أن ولد البنت ولد الجد على الحقيقة ، تفتينا في ذلك مأجورا.

٣٢٧

الجواب :

ولد البنت يضافون الى جدهم إلى أمهم إضافة حقيقية ، فمن وصى بمال لولد فاطمة عليها‌السلام كان عاما في أولاد بنيها وأولاد بنتها ، والاسم يتناول الجميع تناولا حقيقيا.

(٥)

[تحديد نسبة الأولاد إلى الإباء]

مسألة :

ما تقول في من وقف على ولده وولد ولده ذكورهم وإناثهم بالسوية بينهم أبدا ما تناسلوا ، فتزوجت احدى بناته برجل من غير الواقف فرزق ولدا ، فهل يستحق من الوقف ما يستحق أولاد الرجل لصلبه بالدلالة القائمة من كتاب الله تعالى أن ولد البنت ولد الصلب حقيقة لا مجازا ، أفتنا في ذلك.

الجواب :

إذا أطلق الواقف القول بأن الوقف على ولده دخل فيهم ولد الأنثى البنت كدخول ولد الذكر ، لأن الاسم يتناول الجميع على سبيل الحقيقة. اللهم الا أن يستثنى اللفظ ويخصصه بما يخرج منه ولد البنت ، والا فالإطلاق يقتضي ما تقدم ذكره.

(٦)

[الفرق بين نجس العين ونجس الحكم]

مسألة :

سئل رضي الله عنه عن معنى قول القائل : هذا نجس العين وهذا نجس الحكم

٣٢٨

يبين ذلك. وهذا وقع نجس الحكم في الماء منجس أم لا؟

فأجاب بأن قال :

الأعيان لا تكون نجسة ، لأنها عبارة عن الأجسام ، وهي جواهر متركبة ، وهي مماثلة. فلو نجس بعضها تنجس سائرها ، وكان لا فرق بين الخنزير وبين غيره من الحيوان في النجاسة ، وقد علم خلاف ذلك. والتنجيس حكم شرعي ، ولا يقال نجس العين الا على وجه المجاز دون الحقيقة.

والذي يدور بين الفقهاء في قولهم «نجس العين» و «نجس الحكم» محمول على ضرب من تعارفهم ، وهو أن كل ما حكم بنجاسته في حال الحياة وحال الموت ولم يتغير أجزاء هذا الوصف عليه قالوا «نجس العين» كالخنزير ، وما اختلف حاله فحكم عليه في بعض الأحوال بالطهارة وبعض الأحيان بالنجاسة قالوا «نجس الحكم».

ألا ترى أن ما تقع عليه الذكاة كالشاة وغيرها يحكم بطهارته حيا وبنجاسته إذا مات، والكافر يحكم بنجاسته في حال كفره وبطهارته عند إسلامه ، فأجروا على ما اختلف حاله بأنه نجس الحكم وعلى ما لزمته صفة النجاسة في جميع الأحوال بأنه نجس العين.

وقد علمنا أن الجنب يجري عليه الوصف بأنه غير طاهر ، ومعلوم أن نجاسته حكمية. وأمثال هذا يتسع والمذكور منه فيه كفاية.

(٧)

[تنجس البئر ثم غور مائها]

مسألة :

بئر سقطت فيها نجاسة وغار ماؤها حتى لم يبق منه فيها شيء قبل التعرض

٣٢٩

لنزحها ثم ظهر فيها الماء بعد الجفاف ، ما حكم ذلك الماء الذي ظهر فيها من نجاسة أو طهارة؟

الجواب :

انني لست أعرف في هذه المسألة نصا ، والذي توجبه الأصول أن يقال : ان الماء الذي ظهر في البئر بعد الجفاف على أصل الطهارة وغير محكوم بنجاسة. والوجه في ذلك : أن الماء الذي حكمنا بنجاسته من أجل مخالطته لسنا نعلم أهو الماء الذي ألان في البئر بعد جفافها والا انه العائد (١) إليها ، لأنه جائز أن يكون ذلك الماء الظاهر في البئر انما هو من مواد لها وجهات انضب إليها ، وإذا لم يقطع على نجاسة هذا الماء فهو على أصل الطهارة.

وليس لأحد أن يقول : ظهور الماء عقيب الجفاف أمارة على أن العائد هو الماء الأول المحكوم بنجاسته. وذلك أن ما ذكر (٢) ليس بأمارة على عود الماء النجس ، لأن جواز ظهور الماء بعد جفاف البئر من مواد ينضب إليها واتصلت بها كتجويز ظهور الماء بعود الماء الأول إليها ، ولا ترجيح لإحدى الجهتين على الأخر ، فلا أمارة في ظهوره على أنه هو الماء الأول ، ولم يبق في أيدينا الا التجويز بنجاسة كل ما يجوز أن يكون خالطته بنجاسة.

فإن قيل : هذه بئر تعلق عليها الحكم بوجوب النزح فيجب أن ينزح على كل حال.

قلنا : يعنى وجب نزح البئر لا نزاح البئر نفسها ، لأن نزحها نفسها لا يمكن وانما يتعلق النزح بما فيها ، وإذا وجب نزح ماء بئر لأجل نجاسة ثم فقد ذلك الماء

__________________

(١) لعل الصحيح «أو أنه العائد».

(٢) في الأصل «وذكر أن ما ذكر».

٣٣٠

فقد زال الحكم بوجوب النزح عن هذه البثر.

وليس لأحد أن يقول : أن أرض البئر وجوانبها التي أصابها الماء النجس تنجس ، فإذا تجدد عليها ماء جديد يحكم بنجاسته. لأن هذا يقتضي غسل البئر بعد نزح مائها ، وهذا لا يقوله محصل.

[٨]

[استحقاق مدح الباري على الأوصاف]

مسألة خرجت في صفر سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، قال رحمه‌الله :

اعلم أنه لا يجب أن يوحش من المذهب فقد الذاهب اليه والعابر عليه ، بل ينبغي أن لا يوحش عنه الا ما لا دلالة يعضده ولا حجة تعمده.

ولما فكرت فيما يمضي كثيرا في الكتب من أن القديم تعالى يستحق المدح عليه أنه تعالى لا يفعل القبيح ، ورأيت أن إطلاق ذلك غير تفصيل وترتيب غير صحيح على موجب الأصول الممهدة.

والذي يجب أن يقال : انه تعالى من حيث أنه لم يفعل القبيح لا يستحق المدح التابع للأفعال لكنه يستحق المدح بذلك من حيث كان تعالى على صفات تقتضي إلا يختار فعل القبيح ، كما يستحق تعالى المدح بكونه قديما وعالما وحيا وقادرا ، وان كان هذا المدح الذي يستحقه ليس هو كالمدح المستحق على الأفعال.

والذي يدل على ما ذكرناه : أنه جل وعز لا يختار القبيح ، اما لثبوت الصارف عنه ، وهو كونه تعالى عالما بقبحه وأنه غني عنه ، أو من حيث أنه لا داعي إلى فعله ، على اختلاف عبارة الشيوخ عن ذلك ، فجرى مجرى من لا يختار القبيح منا بالإلجاء الى أن لا يفعله في أنه لا يستحق مدحا. ألا ترى أن أحدا لا يستحق المدح

٣٣١

بألا يقتل نفسه وولده ويتلف أمواله ، لأن ذلك مما لا يجوز وقوعه منه للصارف القوي عنه.

وليس لهم أن يفرقوا بين الأمرين بالإلجاء ويقولون : ان أحدنا ملجأ الى أن [لا](١) يقتل نفسه ويتلف ماله للمضرة التي تلحقه بذلك ، والقديم تعالى غير ملجأ الى أن لا يفعل القبيح.

لأن المضار التي بها يكون الإلجاء لا تجوز عليه ، وذلك أن المعول على المعاني دون العبارات ، وانما كان أحدنا ملجأ الى أن [لا] يقتل نفسه لثبوت الصارف القوي عن ذلك وانه ممن لا يجوز أن يختاره وحاله هذه.

وهذه حال القديم تعالى في كونه غير فاعل ، لأن ذلك انما اعتبر استعماله في من ألجأه غيره وحمله اما على أن يفعل أو على أن لا يفعل.

وقولهم في الكتب : أن الإلجاء إذا لم يكن من باب المنع فلا يحصل الا بالمضار الحاضرة. تحكم غير مسلم ، لأن الإلجاء في الموضع الذي ذكروه معلوم سقوط المدح فيه ، فيحتاج الى أن يعلل بأنه لم يسقط المدح فيه عن الفاعل ، وإذا فعلنا ذلك لم نجد علة إلا خلوص الصارف وأنه لا يجوز من العاقل والحال هذه أن يفعل ما خلص الصارف عن فعله.

وهذا بعينه ثابت في الأفعال القبيحة مع الله تعالى ، لأنه جل اسمه لا يجوز البتة أن يختار القبيح ، لأن علمه بقبحه وبأنه غني عنه صارف ، فلا يجوز معه وقوع القبيح على وجه من الوجوه ، فينبغي أن يسقط المدح كما يسقط في الموضع الذي ذكروه.

وليس بنا حاجة الى المضايقة في تسمية ذلك إلجاء ، فلا معنى للخلاف في العبارات.

__________________

(١) الزيادة منا.

٣٣٢

وكيف يجوز أن نقول : حكم الإلجاء مقصور على المضار الحاصلة. وعندنا ان هاهنا ضربا من الإلجاء بغير المضار ، وهو أن يعلم الله تعالى القادر أنه متى رام الفعل منعه منه.

فإذا قالوا : ان الإلجاء إذا لم يكن بالمنع ـ وهو وجه الذي ذكرتموه ـ فلا يكون بالمضار.

قلنا : إذا كان الإلجاء فلا يكون بالمضار وقد يكون بالوجه الذي سميتموه ، فألا جاز ثلاث وهو الوضع الذي أشرنا إليه ، لمساواته في الحكم للوجهين اللذين ذكرتموهما ، لأن الوجهين اللذين عنيتم انما كان لهما حكم الإلجاء لخلوه من الصارف والقطع على أن الفعل لا يجوز البتة وقوعه ، وهنا ثابت فيما ذكرناه.

فان قالوا : قد ثبت أن أحدنا لو استغنى بحسن عن قبيح ـ بأن يقدر وصول صاحبه الى درهم يعلم أنه يصل اليه بكل واحد من الصدق والكذب ـ فانا نعلم أنه لا يختار وحاله هذه الا الصدق ، ومع هذا فإنه يستحق المدح على امتناعه من القبيح مع ثبوت الصارف عنه ، وهو الاستغناء بالصدق عنه. فيعلم بذلك أن القديم تعالى يستحق المدح وإذا لم يفعل القبيح ، لأن الحالين واحدة.

قلنا : ومن الذي يسلم لكم أن أحدنا إذا استغنى بالصدق عن الكذب وحاله ما ذكرتم يستحقه بامتناعه من الكذب مدحا ، فدل على ذلك فإنه دعوى منكم ، وهيهات أن يتمكنوا من الدلالة عليه.

ولو جاز أن يستحق مدحا وحاله هذه على امتناعه من القبيح لجاز أن يستحق المدح على امتناعه من القبيح مع الإلجاء ، فأي فرق بين الأمرين والصوارف ثابتة والدواعي مرتفعة، والقطع على أنه لا يجوز أن يفعل القبيح وحاله هذه حاصل على أن أحدنا لو استحق المدح في هذا الموضع ـ وان القول أيضا الأصح

٣٣٣

أنه لا يجوز أن يستحقه ـ بينه وبين القديم تعالى [..](١) منفعة في الكذب وداع اليه على كل حال ، وان [..](٢) فيما يصل اليه بهما من النفع ، والقديم تعالى لا حاجة له ولا منفعة تتعلق بكل واحد من [..] أحدهما قبيح صارف خالص من فعله واستحقاق المدح مع ذلك بعينه (٣).

فان قالوا : فيجب على هذا أن لا يمدح من لا يفعل القبائح حتى يعلم من حاله أنه امتنع مع الحاجة إليها وأنه ليس بمستغن عنها.

قلنا : كذلك ، ومن الذي يقول ان كل ممتنع من القبيح لا لقبحه بل لغير ذلك لا يستحق مدحا ، فنحن لا نمدح الممتنع من القبيح الا بعد أن نعلم أنه امتنع منه لقبحه. وكذلك لا قدح إلا إذا علمنا له اليه داعيا ولا لمدحه مع خلوه من الصوارف عنه.

فان قالوا : فيجب [..] يستحق المدح من فعل الواجب.

قلنا : أما الضرب من المدح الذي يستحق على الأفعال فيجب أن لا يستحقه تعالى على فعل الواجب ، لأنه لا داعي له إلى الإخلال به كما قلناه في فعل القبيح لكنه يستحق على ذلك الضرب الأخر من المدح الذي تقدمت الإشارة إليه كما يستحق هذا القبيح بأن لا يفعل القبيح.

فان قيل : فكيف قولكم في استحقاقه تعالى المدح على الإحسان والتفضل.

قلنا : يجب أن يستحق بذلك المدح المستحق بمثله على الأفعال ، لأن الإحسان مما يجوز ـ وهو على ما هو عليه ـ أن يفعله وأن لا يفعله ، وليس اليه داع موجب لا بد معه من فعله ولا عن الامتناع منه صارف خالص لا بد من ارتفاعه معه ، والدواعي

__________________

(١) بياضات في الأصل.

(٢) بياضات في الأصل.

(٣) في الأصل «فعينه».

٣٣٤

والصوارف مترددة ، والدواعي إليه كونه إحسانا والصارف كونه غير واجب على الفاعل ، فإذا اختار فعله فلا بد من استحقاق المدح.

فان قالوا : فيجب مع امتناع (١) أحدنا من القبيح الذي يستغنى عنه بالحسن أن يستحق الضرب الأخر من المدح الذي قلتم ان القديم تعالى يستحقه على أنه لم يفعل القبيح.

قلنا : لا يجب ذلك ، لأن القديم تعالى انما لا يختار القبيح لكونه تعالى على صفات نفسه يقتضي ذلك يستحق بها المدح والتعظيم من كونه تعالى غنيا عالما ، وهذا غير ثابت في أحدنا. وانما اتفق لأمر عارض كان يجوز ألا يحصل استغناؤه عن القبيح بالحسن ، من غير أن يكون له في نفسه وجه لاستحقاق ضرب من ضروب المدح.

فان قيل : هذا الذي حررتم يخالف كل شيء سطره الشيوخ قديما في هذه المسألة.

قلنا : الذي ذكروه أنه تعالى يستحق المدح بألا يفعل القبيح ، وقد قلنا بذلك ودللنا عليه ، فما خالفنا ظاهر ما أطلقوه وان كانوا [..](٢) الضرب الأخر من المدح الذي من شأنه أن يسقط عن خلوص الصوارف فقد زلوا في ذلك ، والزلل جائز عليهم لا سيما في هذه المواضع [..](٣).

(٩)

[المنع من العمل بأخبار الآحاد]

مسألة خرجت في شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين ، قال رضي الله عنه :

__________________

(١) في الأصل «مع امتنع»

(٢) بياض في الأصل.

٣٣٥

فيما يجب الاعتماد في فساد العمل بأخبار الآحاد في الشريعة قوله تعالى (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) وقوله تعالى (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٢) ، وكل آية تنهى فيها عن الفعل من غير علم ، وهي كثيرة.

ولما كان بخبر الواحد في الشريعة عاملا به الظن من غير علم لصدق الراوي يوجب أن يكون داخلا تحت النهي.

فان قالوا : في العامل بخبر الواحد علم وهذا العلم بصواب العلم بقوله وحسنه وان لم يكن عالما بصدقه فلم يجب العلم من العمل (٣) ، وانما نهى تعالى عن العمل الذي لا يستند إلى شيء من العلم.

قلنا : الله تعالى نهى عن اتباع ما ليس لنا به علم ، [ولو علمنا](٤) بخبر الواحد فقد قفونا ما ليس له علم ، لأنا لا ندري أصدق هو أم كذب ، والعلم بصواب العمل عنده هو علم به ، وأقوى العلوم به العلم بصدقه ، وليس ذلك بموجود في العمل بخبر الواحد ، فيجب أن يكون النهي متناوله.

فان قيل : نهينا (٥) عن أن نقتفي ما ليس لنا به علم ، ونحن إذا عملنا بخبر الواحد فإنما اقتفينا بخبر قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يعبدنا بالعمل به والدليل الدال على ذلك ولم نتبع قول الخبر الواحد.

قلنا : ما اقتفينا الا بقول الخبر الواحد ولا عملنا الا على قوله ، لأن عملنا مطابقا لما أخبرنا به مطابقة يقتضي تعلقها به. وانما الدليل في الجملة عند من ذهب

__________________

(١) سورة الإسراء : ٣٦.

(٢) سورة البقرة : ١٦٩.

(٣) في الأصل «فلم يجب العمل من عمل».

(٤) زيادة منا.

(٥) في الأصل «لقينا».

٣٣٦

الى هذا المذهب الى وجوب العمل بخبر الواحد العدل وعلى طريق التفصيل انما نعمل بقول من أخبرنا بتحليل شيء بعينه أو تحريمه.

وبعد ، فلو سلمنا أنا مقتفون قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لكان لا بد من كوننا مقتفين أيضا قول المخبر لنا بالتحليل أو التحريم. ألا ترى أن قوله عليه‌السلام لو انفرد عن خبر المخبر (١).

فان قيل : هذا سيبطل بالشهادات ، وقيم المتلفات ، وجهة القبلة ، ومسائل لا تحصى.

قلنا : أخرجنا هذه المواضع كلها من ظاهر الآية بدليل وبقي موضع الخلاف متناولا حكمه للظاهر.

ويمكن أيضا أن يستدل على أن الظن عند خبر الواحد في الشريعة لا يجوز العمل عنده ، وكذلك في القياس الشرعي ، بأن الله تعالى ينهى في الكتاب عن اتباع الظن والعمل به ، وظاهر ذلك يقتضي العمل به ولا عنده في موضع من المواضع ، ولما دلت الأدلة الظاهرة على العمل عند الظنون في مواضع من الشريعة خصصنا ذلك بتناوله النهي وبقيت مسائل الخلاف يتناولها الظاهر ولا نخرجها منه الا بدليل ، ولا دليل يوجب إخراجها.

(١٠)

[الجسم لم يكن كائنا بالفاعل]

مسألة خرجت في ربيع الأول سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، دليل لم نسبق عليه على أن الجسم لم يكن كائنا بالفاعل (٢) قال ، رحمه‌الله :

__________________

(١) كذا ، والعبارة فيها نقص.

(٢) في الأصل «بأنها على».

٣٣٧

الذي يدل على ذلك : أنه لو كان الجسم كائنا بالفاعل لوجب أن يكون التأثير (١) في هذه الصفة من صفات الفاعل لا يجوز أن يؤثر في كون الجسم على صفة ، ولا يخلو من أن تكون تلك الصفة المؤثرة هي كون الفاعل قادرا أو كونه مريدا أو كارها ، كما تحصل هاتين الصفتين مؤثرتين في كون الخبر والأمر على ما هما عليه.

ولا يجوز أن يؤثر في كون الجسم كائنا في المحاذيات كون الفاعل مريدا أو كارها أو صفة من صفاته غير كونه قادرا ، لأنه قد يعرض (٢) في هذه الصفات كلها ويجعل الجسم كائنا ومتحركا وساكنا. ألا ترى أن النائم والساهي قد يخلوان (٣) من الإرادة والكراهة والعلوم ومع هذا يجعلان الأجسام مستقلة في المحاذيات.

فثبت أن التأثير بكونه قادرا ، وكونه قادرا صفة مؤثرة في الأحداث ، فيجب أن لا يؤثر سواه. ألا ترى أن كونه قادرا لا يؤثر في كون الفعل محكما ولا في كون الصوت خبرا وأمرا.

وحيث (٤) كانت هذه كلها أحوالا زائدة على الأحداث فيجب أن يؤثر كونه قادرا في كون الجسم كائنا لما ذكرناه.

(١١)

[النظر قبل الدلالة]

مسألة ، قال رضي الله عنه :

__________________

(١) في الأصل «ان يكون الرر».

(٢) كذا في الأصل.

(٣) في الأصل «قد يخلوا».

(٤) في الأصل «وامرأة من حيث».

٣٣٨

اعلم أن عادة الشيوخ جرت إذا ذكروا في كتبهم أن من الواجبات النظر في طريق معرفة الله تعالى أن يبتدءوا بالدلالة على أن كون النظر أولا قبل الدلالة على وجوبه. والظاهر يقتضي العكس فيما فعلوه.

وليس يجوز أن يكون الوجه في ذلك أن كون النظر لا سابقا وكونه واجبا صفتان له ، وأنت بالخيار في تقديم كل واحدة على الأخرى. وذلك أن كونه أول الواجبات يتضمن دعوى وجوبه وأوليته ، وليس يمكن أن يعلم أنه أول الواجبات فوجب لذلك تقديم الكلام في أوليته ، لانفصال الوجوب من الأولية وتعلق الأولية بالوجوب.

ولما فكرت في جهة العذر في ذلك لم أجد إلا ما أنا ذاكره ، وهو :

أن الدلالة على وجوب النظر مبنية على وجوب معرفة الله تعالى ، ومعرفة الله تعالى مبنية على أن اللطف في فعل الواجبات العقلية ، وهو العلم باستحقاق الثواب والعقاب على الطاعات والقبائح لا يتم إلا بمعرفة الله تعالى ، ومبني على أن اللطف واجب على الله تعالى إذا كان من فعله ، وإذا كان من فعلنا فواجب علينا ، فصار العلم بوجوب النظر في معرفة الله تعالى لا يتم الا بعد معارف كثيرة طويلة لا يمكن أن يدل عليه عاجلا من غير حوالة على ما يطول من أصول كثيرة ، وأخروا الكلام في وجوبه لما ذكرناه من تعلقه لما لا يمكن الكلام في هذا الموضع. والله أعلم.

[١٢]

[التاء في كلمة «الذات» ليست للتأنيث]

مسألة :

سئل رضي الله عنه عن التاء في قولنا «ذات القديم تعالى» [و] في قولهم

٣٣٩

«صفات الذات» و «ذات الباري» ، فقيل : هل التاء في «ذات» للتأنيث كقولنا «جاءتني امرأة ذات جمال» أو هي من نفس الكلمة كالتاء في قولنا «بات».

فأجاب فقال :

الجواب وبالله التوفيق :

ان صفات التأنيث لا تجوز عليه تعالى ، لأنها تقتضي النقص عن كمال التقصير ، ولا يجوز عليه تعالى ما يقتضي نقصا ويبقى كمالا.

وليس يعترض على هذا الذي ذكرناه قولهم «علامة» و «نسابة» ، لأن الهاء هاهنا ليست للتأنيث وانما هي للتأكيد وقوة الصفة.

وقولنا «ذات» لا يقتضي تأنيثا ، والتاء في اللفظ ليست للتأنيث بل هي من نفس الكلمة ، ولم يدل على ذلك الا أنه يستعمل في القديم تعالى منزه عن التأنيث.

ويدل على قولنا «ذات» ليست التاء الداخلة فيه للتأنيث : أنه وصف يجري [على] الذكر والأنثى وجميع الموجودات ويجري على المعدومات كلها عند أكثر المتكلمين ، فلو كان للتأنيث لما جرى على الذكر ولاختصت به المؤنثات ، ولما جرى أيضا على الأعراض وما يوصف به على الحقيقة بتأنيث ولا تذكير.

فوضح بذلك أنه لا يختص التأنيث وانما هو عبارة عن نفس الشيء وعينه ، فنقول : ذات يخالف الذوات كما نقول عين يخالف الأعيان.

وانما نعني بقولنا «امرأة [ذات] جمال» فالتاء للتأنيث لا محالة ، لأنها تختلف في المذكر والمؤنث ، فتقول «جاءني رجل ذو جمال وامرأة ذات جمال» ، فلو لم تكن للتأنيث لما اختلف مع التذكير ولا تخالف المذكر والمؤنث في الوصف بأنه ذات على ما بيناه. فالله أعلم بالصواب.

٣٤٠