رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

(مسألة في نكاح المتعة)

٣٠١
٣٠٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مسألة خرجت في محرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، قال الشريف المرتضى رحمه‌الله :

[دحض أدلة القائلين بفساد المتعة]

استدل بعضهم على [فساد] نكاح المتعة بأنه نكاح لا يصح دخول الطلاق فيه ، فوجب الحكم بفساده قياسا على كل الأنكحة الفاسدة.

فيقال للمستدل بذلك : هذه طريقة قياسية ، وقد دللنا في مواضع من كتبنا على أن القياس في أحكام الشريعة غير صحيح. وإذا سلم استظهارا صحة القياس جاز أن يقال لمن تعلق في ذلك : دل على صحة هذه العلة وان الحكم في الأصل متعلق بها.

فإذا قال : ما اعتاد الفقهاء المطالبة بذلك ، وانما تقع الدلالة على صحة علة الأصل عند المعارضة.

قلنا : ما امتنع محصل من أصحاب القياس من المطالبة بصحة العلة في الأصل ،

٣٠٣

وانما لجئوا الى المناقضة إذا أمكنت والمعارضة ، لأن بالمعارضة يخرج الكلام في صحة العلة وبأي شيء تعلق حكم الأصل ، والا فلو طولب المحتج بالطريقة القياسية ـ بأن يدل على صحة علته ـ لما قدر على دفع ذلك.

فان استدل على صحتها بالاطراد والانعكاس. فليس ذلك بحجة في صحتها ، وقد نص محصلو أصحاب القياس على أن الطرد والعكس لا يدل على صحة العلة وانما يدل على صحتها بيان تأثيرها في الحكم الذي علقت. وهيهات أن يبين صاحب هذه الطريقة تأثير إمكان الطلاق في صحة العقد.

[جواز انفصال بعض الاحكام عن بعض]

ثم يقال له : إمكان الطلاق حكم من أحكام النكاح ، كما أن التوارث من الزوجين حكم من أحكامه. وليس يجب إذا تعذر في بعض الأنكحة بعض أحكام النكاح أن يحكم بفساد العقد. ألا ترى أن نكاح الذمية عندكم صحيح والتوارث لا يثبت فيه ، وهو حكم من أحكام النكاح ، وليس يجب أن يقضى بفساد هذا العقد من حيث تعذر فيه هذا الحكم المخصوص.

فلو استدل مستدل على أن نكاح الذمية فاسد ، بأنه لا توارث فيه ، وقاسه على الأنكحة الفاسدة. ألستم انما كنتم تفزعون الى مثل ما ذكرناه ، من أنه غير ممتنع أن يعرض في بعض الأنكحة ما يمنع من حكم ثابت وفي غيره.

فإذا قلتم : المعنى الذي عرض في نكاح الذمية يمنع من التوارث معقول ، وهو اختلاف الملة.

قلنا : أليس هذا المانع من التوارث ـ وهو من أحكام النكاح كالطلاق ـ لا يمنع من صحة هذا النكاح.

٣٠٤

وبعد ، فالمانع من دخول الطلاق في نكاح المتعة أيضا مفهوم ، وهو أنه نكاح مؤجل إلى وقت بعينه. فلم يحتج الى طلاق ، لأن انقضاء المدة في ارتفاع هذا النكاح يجري مجرى الطلاق. فالطلاق انما دخل في النكاح المؤبد لأنه مستمر على الأوقات ، فيحتاج الى ما يقطع استمراره ويوجب الفرقة ، وليس كذلك المتعة.

فإن قالوا : لا نسلم أن التوارث حكم الأنكحة على الإطلاق ، بل هو نكاح منتفى الملة.

قلنا : ولا نسلم نحن أن إمكان الطلاق من حكم كل نكاح ، بل هو من أحكام النكاح المؤبد.

[العلل غير مطردة لكي يقاس عليها]

ثم يقال له : ما أنكرت أن يكون المتعة من الأنكحة الفاسدة : ان الطلاق لا يدخلها ولا ما يقوم مقامه في الفرقة ، وليس كذلك نكاح المتعة لأنه لا يدخله الطلاق ، فان فيه ما يقوم مقامه في وقوع الفرقة وهو انقضاء المدة.

وبعد ، فان موضع هذا القياس فاسد ، لأنه يقتضي فساد نوع من أنواع النكاح من حيث فيه شروط باقي أنواعه ، وقد علمنا أن البيع بيع موجود حاضر وبيع على جهة السلم، وليس نجد شروط السلم في بيع الموجود ولا شروط الموجود في السلم ، ولم يوجب ذلك فساد البيوع المختلفة. فكذلك الأنكحة المختلفة غير ممتنع اختلاف شروطها وان عم الجميع الصحة.

على أن هذه العلة لو كانت صحيحة لما اجتمعت (١) مع إباحة نكاح المتعة ، وقد علمنا بلا خلاف أن نكاح المتعة كان في صدر الإسلام مباحا ، وانما ادعى قوم

__________________

(١) في الأصل «لما اجتمع».

٣٠٥

أنه حظر بعد ذلك ونسخت إباحته ، فكيف تجتمع علة الحظر مع الإباحة.

وإذا كانت علة حظر هذا النكاح أن الطلاق لا يدخل فيه وكونه مما لا يدخله الطلاق قد كان حاصلا مع الإباحة المتقدمة بلا خلاف ، وذلك دليل واضح على فساد هذه العلة.

وما يفسد به هذا القياس كثير وفي هذا القدر كفاية.

٣٠٦

(نقد النيسابوري في تقسيمه للاعراض)

٣٠٧
٣٠٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مسألة :

قال رضي الله عنه :

تصفحت الأوراق التي عملها أبو رشيد سعيد بن محمد (١) في ذكر أنواع الأعراض وأقسامها وفنون أحكامها ، فوجدتها قد أخل بأيام (٢) كان يحب أن يذكرها كما ذكر ما يجري مجراها ، وأخل أيضا في تقسيماته بأقسام وتمثيلاته بأشياء لا بد من ذكرها.

واني أشير الى ذلك حتى تتكامل بما استدركته ولما تقدمه جميعا ما [لا بد منه](٣) في هذا الباب بمشيئة الله تعالى وعونه وحسن معونته.

__________________

(١) أبو رشيد سعيد بن محمد بن حسن بن حاتم النيسابوري ، من كبار المعتزلة وأخذ عن القاضي عبد الجبار المعتزلي وانتهت إليه الرئاسة بعده ، وكانت له حلقة في نيسابور ثم انتقل إلى الري وتوفى بها نحو سنة ٤٤٠ (الاعلام للزركلى ٣ ـ ١٠١).

(٢) كذا في الأصل ولعل الصحيح «بأشياء».

(٣) العبارة منا وبياض في الأصل.

٣٠٩

[أقسام الاعراض]

الأعراض على ضربين : [ما](١) يوجب أن يختص به حالا ، والأخر لا يوجب حالا وما يوجب حالا على ضربين : ضرب يوجب حال الحي ، والضرب الأخر يوجب الحال لمحله.

فأما الذي يوجب حالا لحي فأنواع : الاعتقادات ، والإرادات ، والكراهات ، والظنون ، والقدرة ، والحياة ، والشهوة وأضدادها ، والنظر.

وأما ما يوجب حالا لمحله فهو أنواع الأكوان. وأما ما لا يوجب لحي ولا لمحل فما عدا ما ذكرناه.

وينقسم ما لا يوجب حالا لمحل ولا حمله الى ضربين : فضرب يوجب لمحله حكما ، وضرب لا يوجب ذلك ، والأول هو التأليف إذا كان التزاما والاعتقادات ، والثاني ـ وهو ما لا يوجب حالا ولا حكما ـ هو : المدركات من الألوان ، والطعوم ، والأرياح ، والحرارة ، والبرودة ، والأصوات ، والآلام.

والأعراض على ضربين : ضرب يصح أن يتعلق بكل حي من قديم ومحدث ويوجب له حالا ، والضرب الأخر لا يصح أن يتعلق الا بالمحدث خاصة. وليس فيها ما يختص بالقديم تعالى ، ولا يصح تعلق جنسه ولا نوعه بالمحدث.

فأما ما يتعلق بكل حي من قديم أو محدث فالارادات والكراهات وما عداها من التعلقات ، لا يصح إذا يوجب حالا الا للمحدث دون القديم.

والأعراض على ضربين : ضرب لا يصح خلو الجواهر من نوعه ، وضرب يصح خلوها وتعريها من أجناسه وأنواعه.

__________________

(١) زيادة منا لاستقامة الكلام.

٣١٠

فالأول هو نوع الأكوان ، لأن الجواهر لا يصح مع وجودها أن تعرى من نوع الكون، لأن الجوهر مع تحيزه لا بد من اختصاصه بالجهة ولا يكون فيها ألا يكون.

والضرب الثاني هو ما عدا نوع الأكوان ، لأنه يصح أن تعرى الجواهر من كل ما عدا الأكوان من المعاني.

الإعراض على ضربين : ضرب يدل على حدوث الأجسام والجواهر ، والضرب الأخر لا يدل على ذلك. فالضرب الأول هو الأكوان لأنها المختصة ، فان الجواهر لا تخلو من نوعها. والثاني ما عدا الأكوان ، لأنه إذا جاز خلو الجواهر منها فلم تدل على حدوثها وان كانت هذه المعاني محدثة لتقدم الجوهر لها خالية منها.

والأعراض على ضروب ثلاثة : ضرب لا يكون الا حسنا أو لا قبح فيه ، والضرب الأول العلوم والنظر عند أبي هاشم ، فإنه يذهب الى أن العلم والنظر لا يكونان الا حسنين، وعند أبي علي أنه قد يجوز أن يكونا قبيحين ، بأن يكونا مفسدة.

والضرب الثاني : الجهل ، والظلم ، والكذب ، وارادة القبيح ، وكراهة الحسن ، والأمر بالقبيح والنهي عن الحسن ، وتكليف ما لا يطاق. وهذا الضرب كثير وانما ذكرنا الأصول.

وهذا الضرب على ضربين : أحدهما لا يمكن على حال من الأحوال ألا يكون قبيحا ، والثاني يمكن على بعض الوجوه ألا يكون قبيحا.

فمثال الأول الجهل المتعلق بالله تعالى ، كاعتقاد أنه جسم أو محدث. ومن مسلة (١) ما يعلق بالجهل بما لا يجوز تغير حاله وخروجه على صفته ، كاعتقاد أن

__________________

(١) كذا في الأصل.

٣١١

السواد متحيز وان الجوهر له ضد غيره من الأجناس.

ويجوز أن يلحق بهذا الضرب ارادة الجهل الذي ذكرناه أولا والأمر به ، لأنه كما لا يجوز تغير المراد عن قبحه لا يجوز قبح الإرادة المتعلقة به.

ومثال الضرب الثاني ـ وهو ما لا يمكن على بعض الوجوه ألا يكون قبيحا ـ الجهل المتعلق بما يجوز تغير حاله والظلم والكذب وباقي القبائح التي عددناها.

وانما قلنا ان الجهل المتعلق بما يجوز أن لا يكون قبيحا ولا جهلا ، لأنه إذا اعتقد أن زيدا في الدار في حالة مخصوصة ولم يكن فيها في تلك الحال فاعتقاده جهل ، الا أنه كان يمكن ألا يكون جهلا ، بأن يكون زيد في الدار في تلك الحال.

والضرر الذي هو ظلم كان يمكن أن يكون عدلا ، بأن يقع على خلاف ذلك الوجه، وقد يكون أيضا من جنسه ما ليس بظلم. وكذلك الكذب فيه الوجهان اللذان ذكرناهما معا.

وأما الضرب الثالث فهو باقي الإعراض ، لأن الحسن والقبح يمكن أن يدخل في الجميع على البدل.

وما يقبح من أعراض على ضربين : أحدهما يختص بوجه قبح لا يكون لغيره وان جاز أن يقبح للوجه الذي يعمه ويعم غيره. والضرب الأخر إنما يقبح لوجه مشاركة فيه كل القبائح.

فمثال الأول الألم إذا كان كذبا وارادة القبيح وكراهة الحسن ، لأن الظلم وجه قبيح يختص به ولا يشاركه في هذا الوجه سواه. وكذلك الكذب وارادة القبيح وكراهة الحسن.

وانما قلنا انه يجوز مع هذا الاختصاص أن يشارك باقي القبائح في وجه القبيح لأنه يجوز أن يعرض الظلم أو الكذب أو إرادة القبيح أو كراهة الحسن أن يكون

٣١٢

مفسدة أو عبثا ، فيقبح لذلك.

فأما مثال الضرب الثاني مما يقبح لوجه مشترك فهو سائر الأعراض ، لأنه لا شيء منها الا وقد يجوز أن تعرض فيه المفسدة أو يكون عبثا ، فيقبح لذلك.

واعلم انه لا يمكن أن تجتمع وجوه القبح كلها في عرض واحد حتى يكون عبثا ظلما كذبا ارادة بقبيح كراهة لحسن مفسدة عبثا لنا في هذه الوجه ، وأكثر ما يجتمع فيه من وجوه القبح أن يكون العرض مثلا ظلما كذبا ويتفق أن يكون مفسدة وعبثا. وكذلك القول في الكذب وارادة القبيح وكراهة الحسن إذا اتفق في كل كل واحد منها المفسدة والعيب ، فاعلم ذلك.

[إخلال النيسابوري في تقسيم الاعراض]

فأما الذي أخل بذكره في خلال تقسيمه ، فإنه لما قسم الأعراض في تماثل واختلاف وتضاد ذكر في قسمة التماثل الذي لا اختلاف فيه ولا تضاد التأليف والحياة والقيمة (١) والألم ، وأخل بذكر الحرارة والبرودة والرطوب واليبوسة. وهذه أجناس تجري مجرى ما ذكره في أنها متماثلة لا مختلف فيها ولا متضاد.

ولما ذكر قسم ما هو متماثل ومتضاد ولا يدخله المختلف الذي ليس بمتضاد ذكر الألوان والطعوم والأرياح وأخل بذكر الأصوات ، وهي عند أبي هاشم متماثلة ومتضادة بغير مختلف ليس بمتضاد.

فان اعتذر باعتذار هو أن الأصوات غير متضادة ، فقد كان يجب أن يذكرها في باب المتماثل والمختلف مع الاعتمادات والإرادات والكراهات والشهوة والبقاء والنظر ، ولا هاهنا ذكرها ولا هناك. فان [كان](٢) متوقفا في القطع بتضاد

__________________

(١) كذا في الأصل.

(٢) زيادة منا لاستقامة الكلام.

٣١٣

المختلف منها فقد كان يجب أن يذكر توقفه ، وأنها مع التوقف اما أن تكون داخلة في المختلف الذي ليس بمتضاد مع الاعتمادات والإرادات ومع الذي هي مختلفة كالألوان والأكوان ، وهذا إخلال.

ولما ذكر أقسام الأعراض المتعلقات وكيفيات تعلقه ذا أخل بقسمة من ضروب تعلقها كان ينبغي أن يذكرها ، وهي : ان المتعلقات على ضربين : ضرب متعلق بغير واحد تفصيلا من غير تجاوز له كالاعتقادات والظن والإرادة والكراهة والنظر ، والضرب الآخر يتعلق بما لا يتناهى كالشهوة والنفار والقدرة فيما يتعلق به من الأجناس أو الجنس الواحد في المحال والأوقات ، لأنها انما يتعلق بالواحد من غير تعدله (١) إذا كان الجنس والمحل والوقت واحدا.

وأخل بقسمة أخرى في المتعلقات ، لأنها على ضربين : أحدهما متعلق بمتعلقه على الجملة والتفصيل ، وهو الاعتقادات أو الإرادات أو الكراهات. والضرب الثاني لا يتعلق الا على طريق سبيل التفصيل ، وهو القدر والشهوات والنفار.

ولما ذكر كيفية تولد الأسباب المولدة وعلى النظر والاعتماد والكون أخل بقسمة في هذه المولدات كان يجب ذكرها ، وهي أن يقال : ان الأسباب المولودة على ضربين : ضرب تولد في الثاني ، والضرب الأخر تولد في حاله. فمثال الأول النظر والاعتماد ، ومثال الثاني الأكوان.

ولما ذكر قسمة ما يدرك من الأعراض وأن فيها ما يكفي في إدراكه محل الحياة وفيها ما يحتاج إلى بنية زائدة ، أخل لما ذكر أقسام ما لا يكفي في إدراكه محل الحياة بالاراييح ، فإنه ذكر الألوان والطعوم وترك ذكر الأراييح.

وأخل أيضا بقسمة في كيفية إدراك هذه المدركات واجب ذكرها هي : ان هذه

__________________

(١) كذا في الأصل.

٣١٤

الأعراض المدركات على ضروب : منها ما يدرك بمحله ، ومنها ما يدرك في محله ومنها ما يدرك محله من غير إدراك محله ولا انتقاله إلى حاسة الإدراك. فالأول هو الألم ، والثاني هو اللون والحرارة والبرودة والأصوات والطعوم والأراييح ، والثالث هو الألوان.

٣١٥
٣١٦

(مسائل شتى)

٣١٧
٣١٨

بسم الله الرّحمن الرّحيم

(١)

[صيغة البيع]

مسألة خرجت في محرم سنة سبع وعشرين وأربعمائة ، قال الشريف المرتضى رحمه‌الله :

عد الشافعي أن رجلا إذا قال لغيره «بعني كذا» فقال «بعتك» كان ذلك إيجابا وقبولا وانعقد البيع ، وقال في النكاح بمثل ذلك. ويحتاج عنده في البيع إذا كان «بعتك» أن يقول «اشتريت» حتى يكون قبولا صحيحا.

والذي يقوى في نفسي أن النكاح كالبيع في افتقاره الى صريح القبول ، فإذا قال له «زوجني» فقال له الولي «زوجتك» لا بد من أن يقول «قد قبلت هذا العقد». وكذلك إذا قال له في البيع «بعني» فقال «قد بعتك» لا بد من أن يقول المبتاع «قد اشتريت» حتى يكون قبولا.

والدليل على صحة ما ذهبنا اليه أن قوله «زوجني» أو «بعني» أمر وسؤال على حسب الحال في رتبة القائل والمقول له ، فإذا قال له «بعتك» أو «زوجتك»

٣١٩

لا بد له من قبول صريح ، وليس في قوله «بعني» أو «زوجني» ما ينبئ عن القبول ، لأن الأمر لا يفهم منه ذلك. ألا ترى أنه لو قال له «أتبيعني» أو قال «أتزوجني» قال الأخر «بعتك» فإن أحدا لا يقول ان ذلك يغني عن القبول ، فكذلك إذا قال «بعني» أو «زوجني».

فإن قيل : انما لم يغن «أتبيعني» عن القبول لأنه استفهام لا يدل على إرادة الأمر للمأمور به ، فقام مقام القبول دون الاستفهام.

قلنا : الأمر وان دل على الإرادة ولم يدل الاستفهام عليها فليس بقبول صريح. ألا ترى أنه لو قال مصرحا «أنا مريد للنكاح أو البيع» لم يكن ذلك قبولا ، فإذا كان التصريح بكونه مريدا لا يغني عن لفظ القبول فأجدر أن لا يغني عن لفظ القبول الأمر الذي يدل على الإرادة.

وانما ضاق الكلام على أبي حنيفة في هذه المسألة مع الشافعي ، لأن الشافعي يحمل البيع على النكاح ولم يختلفا في النكاح. ونحن نسوي بين الأمرين في أنه لا بد من قبول صريح فيهما ، فليس يتوجه كلام الشافعي علينا.

فان قال الناصر لأبي حنيفة : ان العادة بالسوم في البيع جارية ، فإذا قال له «بعني» فإنما هو مستام ، فإذا قال «بعتك» يحتاج الى قبول مجدد. وليس كذلك النكاح ، لأن العادة لم تجر فيه بالمساومة بقوله «زوجنيها» عن أن يقول «تزوجت».

قلنا : الخطبة في النكاح كالسوم في البيع ، وقد جرت العادة بأن يخطب الرجل ويعرض نفسه في عقد النكاح على غيره كما جرى في البيع بالمساومة ، فلا يجب أن يجعل قوله «بعني» ولا «زوجني» مفهوما منه القبول في الموضعين ولا بد من قبول صريح.

والذي يكشف عن صحة ما ذكرناه أنه لو قال له «ابتع مني هذا الثوب»

٣٢٠