رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]

رسائل الشريف المرتضى - ج ٤

المؤلف:

علي بن الحسين الموسوي العلوي [ الشريف المرتضى علم الهدى ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القرآن الكريم
المطبعة: مطبعة الخيام
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

(٦٤)

وجزاه خير جزاء مرسل أمة

أدى رسالته ولم يتهيب

جزاه : دعا له ، لما كان منه عليه السلام من الصبر على تجرع الغصص ، والصبر على مدافعة الأعداء ، والذب عن نبيه عليه السلام.

ويقال : إن المشركين لما فاتهم الظفر بالنبي صلى الله عليه وآله على الفراش ، وعرفوا أنه قد فارق مكة ، طلبوه على سائر الطرق وقفوا أثره.

(٦٥)

قالوا اطلبوه فوجهوا من راكب

في مبتغاه وطالب لم يركب

معنى قوله (قالوا اطلبوه) أن المشركين لما فاتهم الظفر به على الفراش ، واخفق قصدهم ، وأكدى سعيهم ، وعلموا أنه قد فارقهم وفاتهم ، أمروا بطلبه. وضاق الشعر عن أن يقول : فوجهوا من طالب راكب وطالب لم يركب ، فاقتصد على نفي الركوب عن الطالب الثاني ، إشعارا بأنه أراد بالطالب الأول الراكب.

(٦٦)

حتى إذا قصدوا لباب مغارة

ألفوا عليه نسيج غزل العنكب

يقال : إنهم لما قفوا أثر النبي صلى الله عليه وآله ، دلهم الأثر إلى الغار ،

١٠١

وهي المغارة التي ذكرها في الشعر ، فأرسل الله العناكب فنسجت على باب الغار. فلما هموا أن يلجوا الغار ، قال بعضهم لبعض : لو كان دخل هاهنا أحد لأفسد نسج العنكبوت. فذلك قوله في البيت الذي يأتي (ما في المغار لطالب من مطلب) ، فرجعوا وكان ذلك من معجزاته صلى الله عليه وآله.

يقال للذكر من العناكب : العنكبوت. وذلك في لغة أهل اليمن.

(٦٧ ـ ٦٨)

صنع الإله له فقال فريقهم

ما في المغار لطالب من مطلب

ميلوا فصدهم المليك ومن يرد

عنه الدفاع مليكه لم يعطب

إنما أراد أن القوم لما رأوا نسيج العنكبوت على باب الغار أشعرهم ذلك بأنه لم يلجه والج ، ولا دخل إليه داخل ، فيئسوا من تفتيشه والدخول إليه.

وهذه إحدى معجزاته صلى الله عليه وآله التي تفوق الاحصاء.

(٦٩)

حتى إذا أمن العيون رمت به

خوص الركاب إلى مدينة يثرب

معنى (أمن العيون) انقطع عنه التتبع والطلب.

وخوص الركاب : من الخوص في العين ، والعين الخوصاء عندهم : التي ضاق مشقها. ويقال بل هي الغائرة. ويقال : قد خوصت تخوص خوصا. وبئر خوصاء : إذا غار ماؤها ونعجة خوصاء : وهي التي اسودت إحدى عينيها وابيضت

١٠٢

الأخرى. ويقال : خوص رأسه أي وقع فيه الشيب ، وقيل إذا استوى بياض الشعر وسواده.

الركاب : الإبل.

يثرب : من أسماء المدينة على ساكنها السلام ، وقد تقدم ذلك.

(٧٠)

فاحتل دار كرامة في معشر

آووه في سعة المحل الأرحب

آووه : أنزلوه وأحلوه. يقولون أويت إلى الموضع آوى أويا. وأويت في الرحمة تأوية وأواية ، فأنا آوي له.

المحل الأرحب : هو الواسع.

(٧١ ـ ٧٣)

وله بخيبر إذ دعاه لراية

ردت عليه هناك أكرم منقب

إذ جاء حاملها فأقبل متعبا

يهوى بها العدوي أو كالمتعب

يهودي بها وفتى اليهود يشله

كالثور ولى من لواحق أكلب

 (ش ١) هذه قصة يوم خيبر ، مشهورة. وروى أبو سعيد الخدري رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل عمر إلى خيبر فانهزم هو ومن معه ، حتى جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله يجبن أصحابه ويجبنونه ، فبلغ

١٠٣

ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله كل مبلغ ، فبات ليلته مهموما ، فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية ، فقال : لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار ، فتعرض لها المهاجرون والأنصار ، ثم قال : أين علي؟ فقالوا : يا رسول الله هو أرمد ، فبعث إليه سلمان وأبا ذر ، فجاءا به وهو يقاد لا يقدر على فتح عينيه ، وقال : اللهم أذهب عنه الرمد والحر والبرد وانصره على عدوه فإنه عبدك يحبك ويحب رسولك ، ثم دفع إليه الراية ، فقال حسان بن ثابت : يا رسول الله أتأذن لي أن أقول فيه شعرا؟ فأذن له، فقال :

وكان علي أرمد العين يبتغي

دواء فلما لم يحس مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة

فبورك مرقيا وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم ماضيا

كميا محبا للرسول مواليا

يحب إلهي والرسول يحبه

به يفتح الله الحصون الأوابيا

فأصفى بها دون البرية كلها

عليا وسماه الوزير المؤاخيا

فقال : إن عليا عليه السلام لم يجد بعد ذلك أذى في عينيه ، ولا أذى حر ولا برد.

وفي رواية أخرى : إن الراية أعطاها رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر فعاد منهزما يجبن أصحابه ويجبنونه في ذلك اليوم ، ثم أعطاها في اليوم الثاني عمر فرجع بها منهزما يجبن أصحابه ويجبنونه وقد جرح في رجله ، فلما كان في اليوم الثالث دفعها إلى علي عليه السلام وقال ما حكيناه في الرواية الأولى.

والذي قاله النبي صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام حين سلم الراية إليه يقتضي ظاهره التقديم والتعظيم في الصفات التي وصفه بها على من تقدمه ممن سلمت الراية إليهم أولا.

١٠٤

والمنقب : جمع منقبة ومناقب أيضا. والمنقبة : طريق الخير والفضل. والمنقب والنقب أيضا : الطريق الضيق.

والعدوي : عمر بن الخطاب ، لأنه من ولد عدي بن كعب بن لؤي بن غالب.

والهوي في السير : المضي بسرعة.

وأخو اليهود : مرحب لعنه الله.

والشل : الطرد ، ورجل شلول ومشل : سواق وسريع.

واللواحق : التوابع المدركات ، ويقال للفرس : لاحق الأقراب إذا لحق بطنه بظهره فهو من الضمر. واللأقراب : الخواصر.

(ش ٢) أما قصة غزو خيبر فمشهورة مذكورة ، وكان فيها لأمير المؤمنين عليه السلام البلاء العظيم ، والعناء الجسيم.

وروى أبو سعيد الخدري إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل عمر إلى خيبر فانهزم ومن معه ، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله يجبن أصحابه ، فبلغ ذلك من رسول الله كل مبلغ ، فبات ليلته مهموما ، فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية ، فقال (صلى الله عليه وآله) : لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، كرار غير فرار. فتعرض لها جميع المهاجرين والأنصار ، فقال : أين علي؟ فقالوا : هو يا رسول الله أرمد ، فبعث إليه أبا ذر وسلمان ، فجاءا به يقاد ولا يقدر على فتح عينيه من الرمد ، فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وآله تفل في عينيه وقال اللهم أذهب عنه الحر والبرد وانصره على عدوه ، فإنه عبدك يحبك ويحب رسولك غير مراء. ثم دفع إليه الراية ، فاستأذنه حسان بن ثابت أن يقول فيه شعرا فأذن له ، فقال :

وكان علي أرمد العين يبتغي

دواء فلم يحسن هناك مداويا

١٠٥

شفاه رسول الله منه بتفلة

فبورك مرقيا وبورك راقيا

وقال سأعطي الراية اليوم صارما

كميا محبا للرسول مواليا

يحب النبي والرسول يحبه

به يفتح الله الحصون الأوابيا

فأصفى بها دون البرية كلها

عليا وسماه الوزير المؤاخيا

فيقال : إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يجد بعد ذلك أذى حر ولا برد.

وفي رواية أخرى غير هذه : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى الراية أولا أبا بكر، فانهزم وانهزم الناس معه. ثم بعث من غد عمر ، فرجع منهزما وقد جرح في رجليه ، فحينئذ دفعها إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال ما كتبناه في الرواية الأولى.

وهذه حالة تقتضي غاية التعظيم ونهاية التقديم. وفي الشيعة من جعل مخرج هذا الكلام دالا بظاهره على نفي الصفات المذكورة في أمير المؤمنين عليه السلام عمن تقدمه ، ويقولون : إن بعض الملوك لو أرسل إلى غيره رسولا ففرط الرسول في رسالته وحرفها ، فغضب المرسل وأنكر فعله ، ثم قال : لأرسلن رسولا حقيقا بحسن القيام بأداء رسالتي غير محرف لها ولا مفرط فيها ، لكان ظاهر كلامه يقتضي انتفاء هذه الصفات عن الرسول الأول.

أما المنقب : فجمع منقبة ، وهي الفضيلة ، وهو الطريقة الجميلة. ويقولون : فيه مناقب حسان ، الواحدة منقبة ، أي طريق من طرق الخير. والمنقبة أيضا : الطريق الضيق يكون بين الدارين لا يمكن أن يسلك. ويقال : منقب ومنقبة للطريق : إذا كان في موضع غليظ.

ومنقبة الفرس : حيث ينقب البيطار.

وقوله (يهوي بها العدوي) أراد عمر بن الخطاب ، لأن عمر من ولد عدي

١٠٦

ابن كعب بن لؤي بن غالب.

والهوي في السير : المضي فيه.

وفتى اليهود : يعني مرحبا.

الشل : الطرد هاهنا ، ورجل شلول : مثل سواق سريع.

اللواحق من الكلاب (١ : يحتمل هاهنا الضوامر ، لأن الفرس يوصف بأنه لاحق إذا لحق بطنه بظهره من شدة الضمر. والوجه الآخر. أن يريد باللواحق : البوالغ المدركات لأوطارها.

(٧٤)

غضب النبي لها فأنبه بها

ودعا أخا ثقة لكهل منجب

معنى أنبه : وبخه وبكته. والهاء في (أنبه) راجعة إلى عمر.

وعنى بقوله (أخا ثقة) أمير المؤمنين عليه السلام.

والكهل المنجب : هو أبوه ، تقول العرب : أنجب الرجل إنجابا فهو منجب : إذا ولد ولدا نجيبا فاضلا.

(٧٥)

رجل كلا طرفيه من سام وما

حام له بأب ولا بأبي أب

ويروى أجلى ، والأجلى الذي انحسر الشعر عن رأسه. يقولون : أجلح لمن

__________________

(١) كذا ، ولعل الصحيح أن يقول : اللواحق من الفرس.

١٠٧

انحسر الشعر عن مقدم رأسه ، فإذا زاد على ثلث الرأس فهو أجله ، فإذا بلغ النصف فهو أجلى. ومنه قيل : أجلى عن المكان ، إذا انكشف عنه فهو مجل. فإن عم الرأس فهو أصلع (١).

فأما قوله (كلا طرفيه من سام) إلى آخره : فإنما يريد أن أمير المؤمنين عليه السلام ما ولده من كلا طرفيه حام ، لأن حاما والد السودان وساما والد البيضان. وأم أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ، وهو أول هاشمي ولد في الإسلام بين هاشميين ، وليس في أمهاته وإن بعدن وعلون من هو من ولد حام.

وعرض السيد في قوله هذا بعمر بن الخطاب ، لأن صهاك أمه حبشية ، وطئها عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب ، فجاءت بنفيل ابن عبد العزى. هذا في رواية الهيثم بن عدي الطائي وأبي عبيدة معمر بن المثنى وغيره.

وقال قوم آخرون : إن صهاك أم الخطاب بن نفيل ، وخالف آخرون في أم الخطاب وذكروا أنها من فهم بن عيلان.

وأراد السيد فضل [نسب] أمير المؤمنين عليه السلام على نسب من ذكره.

فإن قيل : في ولادة حام معرة ومنقصة ، فكيف تطرق هذا على كثير من أئمتكم عليهم السلام فقد ولدتهم الإماء ، من أبي الحسن موسى إلى صاحب الزمان (ع)؟

قلنا : ما عير السيد بولادة الإماء ، وإنما عير بولادة حام ، وليس كل أمة من ولد حام. وأمهات من ذكر من أئمتنا عليه السلام وإن كن إماء ، فلسن من أولاد

__________________

(١) لم نعرف مناسبة التعليقة هذه مع البيت المشروح.

١٠٨

حام. فأم أبي الحسن موسى (ع) بربرية ، وقيل إنها أندلسية اسمها حميدة. وأم علي بن موسى (ع) مرسية تسمى الخيزران. وأم أبي جعفر عليه السلام قيل إنها مرسية تسمى سكينة ، وقيل بربرية. وأمهات العسكريين (ع) والقائم عجل الله فرجه ، مولدات لسن من ولد حام.

على أنه لو كان على أصعب الوجوه في أمهات بعض أئمتنا من ولد حام لما كان في ذلك نقص ولا عيب ، لأن السيد فضل أمير المؤمنين عليه السلام على من لم يلده حام ، وما ألحق نقصا في الذين من ولد حام ، وليس كل فضيلة تنعلق بالدين يكون فقدها نقصانا فيه. ونحن نعلم أن للحسن والحسين عليهما السلام الفضيلة العظمى ، لأن أمهما فاطمة (ع) بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وليس هذا لغيرهما من الأئمة. فإن كان لا نقص يلحق بفقد هذه الفضيلة [.] (١).

(٧٦)

من لا يقر ولا يرى في نجدة

فإن وصارمه خضيب المضرب

النجدة : هي شدة البأس ، يقال : رجل نجد ونجد ، ورجال أنجاد. وقد نجد الرجل من هذا المعنى. واستنجد بي فلان وأنجدته : استغاثني فأغثته. وقد نجد الرجل ينجد : إذا عرق من عمل أو كرب. ونجدت الرجل : إذا غلبته. والنجدة : القتال.

وقول السيد (ولا يرى في نجدة) يليق بالوجوه الثلاثة المذكورة في النجدة ، وأليقها بكلامه النجدة التي هي القتال.

__________________

(١) كذا ، العبارة غير تامة والموضوع ناقص.

١٠٩

والصارم : السيف القاطع. وإنما يكون صارمه خضيب المضرب لكثرة الضرب واسالة النجيع عليه.

(٧٧)

فمشى بها قبل اليهود مصمما

يرجو الشهادة لا كمشي الأنكب

الشهادة : خروج النفس في طاعة الله تعالى أو قربته إليه ، لأنه لا يسمى من في معصيته ولا في طاعة معصيته شهيدا.

ووجدت بعض ثقات أهل اللغة يحكي في كتابه أن الشهيد هو الحي ، وأظنه ذهب إلى قوله تعالى (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) (١).

ومعنى يرجو الشهادة : أي الفوز برضوانها وثوابها ، والجزاء على تصبره وحسن احتسابه.

الأنكب : هو المايل المنحرف ، والنكب : هو أن يصيب البعير خلع فيمشي منحرفا. وقد نكب نكبا فهو انكب.

ويقولون نكب الرجل : إذا تحرك. ونكب عن الطريق تنكيبا : عدل عنه. ونكب نكوبا : مثله. ورجل ناكب ورجال ناكبون. ونكب الرجل : أصابته نكبة ، أي نازلة. نكب : إذا أصيب منكبه. والنكب والنقب : واحد.

وريح نكباء : تقع بين ريحين ، وقد نكبت تنكب نكوبا ، وهي التي بين الصبا والدبور.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١٦٩.

١١٠

(٧٨)

تهتز في يمنى يدي متعرض

للموت أروع في الكريهة محرب

يريد : يمشي بها وهي تهتز ، يعني الراية.

الأروع : مأخوذ من الروع ، وهو الفزع. ويقال : ناقة روعاء : حديدة القلب ورجل أروع : إذا راعك بشجاعته وحسن منظره. وامرأة روعاء : تروع الناس بجمالها.

الكريهة : اسم الحرب.

المحرب : الحسن البلاء في الحرب. المحرب بفتح الميم : المنزل. المحراب بكسر الميم : الغرفة.

(٧٩)

في فيلق فيه السوابغ والقنا

والبيض تلمع كالحريق الملهب

الفيلق : الداهية ، ومنه قيل للكتيبة (فيلق).

السوابغ : الدروع ، وإنما سميت بذلك لتمامها وطولها. وإنما أراد بذلك الدروع السوابغ ، فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه.

(٨٠)

والمشرفية في الأكف كأنها

لمع البروق بعارض متحلب

المشرفية : السيوف. ويقال إنها نسبت إلى مشرف اسم رجل ، ويقال إنها

١١١

منسوبة إلى قرى من أرض العرب تدنو إلى الريف ، وإنما أراد : كأن لمعانها لمعان البروق.

العارض : السحاب ، وكل شئ بدا لك فهو عارض.

المتحلب : صفة السحاب الماطر.

(٨١)

وذوو البصاير فوق كل مقلص

نهد المراكل ذي سبيب سلهب

البصاير : جمع بصيرة ، وهي الاستبصار واليقين. والبصيرة في غير هذا الدفعة من الدم. ويقال هو ما كان منه على الأرض دون الجسد. والبصيرة : الترس ، وجمعه بصاير.

والقلص : مأخوذ من التميز في الثياب وغيرها. ووصف الفرس بذلك لتميز لحمه وارتفاعه عن قوائمه.

ونهد المراكل : غليظها ، ويريد بالمراكل القوائم. ويقال : نهد الرجل ينهد نهدا : إذا شخص. وأنهدته : أنهضته. ويقال للفرس : نهد ، لأنه ينهد في العدو وينهض.

ويقال النهد : الحسن الخلق التام الجسم.

وسمي نهد الجارية نهدا لبروزه وشخوصه عن صدرها.

ويقال : طرح فلان نهده مع القوم إذا أعانهم.

والسبيب والسبيبة : خصل الشعر ، وإنما أراد هنا شعر الذنب.

وسلهب : أي طويل.

١١٢

(٨٢)

حتى إذا دنت الأسنة منهم

ورموا قبالتهم سهام المقنب

المقنب : جماعة الخيل ليست بالقليلة ولا الكثيرة.

(٨٣)

شدوا عليه ليرجلوه فردهم

عنه بأسمر مستقيم الثعلب

ويروى : شدوا عليه ليزحلوه.

الشد : هو القصد والاعتماد ، ويقولون شددت عليه لأضربه أي قصدته واعتمدته.

ومعنى يرجلوه : يحطونه عن فرسه ، ويجعلونه راجلا.

ومعنى ليزحلوه : أي ينحونه ، من قولهم زحل إذا تنحى ، ورجل زحل وامرأة زحلة : من التنحي عن الأمر قبيحا كان أو حسنا.

ومعنى هوى : سقط.

والأسمر هاهنا : الرمح.

وثعلب الريح : ما دخل منه في السنان. والثعلب أيضا : مخرج الماء من الدار والحوض.

والثعلب والثعلبان : الذكر من الثعالب. والثعلبية : من عدو الخيل أشد من الخبب. والثعلبية : موضع معروف.

١١٣

(٨٤ ـ ٨٦)

ومضى فأقبل مرحب متذمرا

بالسيف يخطر كالهزبر المغضب

فتخالسا مهج النفوس فاقلعا

عن جري أحمر سائل من مرحب

فهوى بمختلف القنا متجدلا

ودم الجبين بخده المتترب

قوله (متذمرا) يحتمل أمرين :

أحدهما : من معنى الشجاعة ، ويقولون رجل ذمر وقوم أذمار ، وذمر وذمير وهو الشجاع المفكر ، كأنه أقبل متشجعا مقدما متهجما.

والأمر الآخر : مأخوذ من الحث ، يقولون : ذمرته ذمرا إذا حثثته. فكأنه قال : أقبل حاثا لنفسه.

وقوله (يخطر) مأخوذ من قولهم خطر البعير يخطر : إذا مشى فضرب بذنبه يمينا وشمالا. والخطر : السبق. ورجل له خطر : أي قدر ، والجمع أخطار.

الهزبر : الأسد.

المهجة : النفس.

وفي استدراك قوله (عن جري أحمر سائل من مرحب) بلاغة ، لأنه لو أطلق لاحتمل أن يكون الدم السائل من كل واحد منهما.

ومعنى هوى : سقط.

ومختلف القنا : المواضع التي تختلف فيها جهات الطعن.

والمتجدل : الواقع على الأرض ، مأخوذ من الجدالة ، وهي الأرض السهلة.

وإنما وصف الخد بأنه متترب بما علاه ولصق به من تراب.

١١٤

(٨٧)

أجلى فوارسه وأجلي رجله

عن مقعص بدمائه متخضب

معنى أجلى فوارسه وأجلى رجله : أي انكشف الفرسان والرجالة عن مقعص.

والمقعص : المقتول. والقعص. القتل. يقال ضربه فأقعصه ، ومات قعصا : إذا أصابته ضربة أو رمية فمات مكانه.

(٨٨ ـ ٨٩)

فكأن زوره العواكف حوله

من بين خامعة ونسر أهدب

شعث لغامظة دعوا لوليمة

أو ياسرون تخالسوا في منهب

(ش ١) زوره : الذين يزورونه ، يريد النسور وما يجري مجراها من الجوارح التي تقع على القتلى.

الخوامع : الضباع لأنها تخمع أي تعرج ، الواحدة خامعة.

وصفهم بأنهم عواكف لطول مقامهم عليه يأكلون لحمه.

ووصف النسر بأنه أهدب لتكاثف ريشه وشيوعه.

والأصل في الشعث : النقصان ، ويقال رجل أشعث الرأس إذا كان بعيد [العهد] بالدهن.

اللغامظة : جمع لغموظ ، وهو الشره الحريص على الأكل ، ويقال للطفيلي لغموظ.

١١٥

والياسرون : المقامرون ، مأخوذ من الميسر. والميسر : المقامرة ، والجمع إيسار.

والمنهب : موضع [النهب].

(ش ٢) أراد بزوره النسور وما سواها من الجوارح التي تقع على القتلى وتتبع مطارحهم وتأكل لحومهم ، ووصفها بأنها عواكف لطول مقامها على اعتراق عظامهم وانتهاك جلودهم ، لأن العكوف هو طول المقام.

والخامعة : الضبع لأنها تخمع ، والخمع والخماع : العرج. والخمع : الذئب وجمعه أخماع. وإنما سمي اللص خمعا تشبيها بالذئب في مكره ودهائه.

والنسر : جارح معروف ، وإنما وصفه بأنه أهدب لسبوغ ريشه ولحوقه بالأرض.

والأصل في الشعث : النقصان ، ورجل أشعث الرأس : إذا كان بعيد العهد بالدهن.

اللغامصة : جمع لغموص ، وهو الشهوان الحريص على الأكل ، ويقال فيه لغموط ولغموظ. وهو أيضا الطفيلي. وامرأة لغموظة كذلك.

والعلوس بالعين والغين : الأكول الحريص ، ورجل معلس : شديد الأكل.

والياسرون : مأخوذ من (الميسر) وهو القمار ، وجمعه : أيسار. وكانوا ييسرون

في الجاهلية على الجزور. والياسر : الجزار الذي يلي قمة الجزور. والياسر أيضا : الذي يرمي القداح.

المنهب : موضع النهب.

١١٦

(٩٠ ـ ٩١)

فاسأل فإنك سوف تخبر عنهم

وعن ابن فاطمة الأغر الأغلب

وعن ابن عبد الله عمرو قبله

وعن الوليد وعن أبيه الصقعب

 (ش ١) : يعني فاطمة بنت أسد.

الأغر : الأبيض الوجه ، والغرة : الوجه ، معروفة. يوصف بذلك الكريم النجيب.

الأغلب : الغليظ العنق ، يوصف به الأسد. ووصف الرجل استعارة ، فإن الأغلب : الغليظ العنق مع قصر فيها.

وأراد بابن عبد الله : عمرو بن عبد ود بن مضر بن مالك بن حنبل بن عامر ابن لؤي بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن الياس بن مضر ، ويقال له (فارس يليل) ، لأنه أقبل في ركب حتى إذا كانوا في يليل ، وهو واد قريب من بدر يدفع إليهم ، خرجت عليهم بنو بكر بن عبد مناف ، فعرضت لهم تريد أخذهم ، فقال لأصحابه : النجاة فإني سوف أشغلهم عن لحاقكم ، فمضوا ووقف في وجوه بني بكر يحاربهم حتى فات أصحابه ، ودفع القوم عنهم ، فعرف بذلك وسمي (فارس يليل) باسم ذلك المكان (١).

فلما حضر الأحزاب المدينة أمر النبي صلى الله عليه وآله بحفر الخندق وكان قد أشار بحفره سلمان الفارسي رضي الله عنه ، فلما رأته العرب قالوا : هذه مكيدة فارسية. واسم الموضع الذي حفر فيه الخندق (المذاد) ، فامتنعت العرب أن تعبره ، فلم يجزعه أحد منهم غير عمرو بن عبد ود ، وضرار بن الخطاب الفهري

__________________

(١) أنظر تاج العروس ٨ / ١٧٨ ، معجم البلدان ٥ / ٤٤١.

١١٧

وعكرمة بن أبي جهل ، ونوفل بن عبد الله بن المغيرة ، وفي ذلك يقول الشاعر :

عمرو بن ود كان أول فارس

جزع المذاد وكان فارس يليل

ولما جزع عمرو الخندق (١) دعا إلى البراز وقال :

ولقد بححت من النداء

بجمعهم هل من مبارز؟

ووقفت إذ جبن الشجاع

بموقف البطل المناجز

إني كذلك لم أزل

متسرعا نحو الهزاهز

إن الشجاعة والسماحة

في الفتي خير الغرائز

فأحجم المسلمون عنه ولم يخرج إليه أحد ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا عليه السلام وأمره بالخروج إليه ودفع إليه ذا الفقار. ويقال : إن جبرائيل عليه السلام هبط به ، ويقال : بل هبط بجريدة من الجنة فهزها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فتحولت في يده سيفا ، فناوله عليا عليه السلام وأمر بالمبارزة ، فلما توجه إليه قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله: خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره.

فدعاه علي عليه السلام إلى المنازلة وقال : يا عمرو إنك كنت عاهدت الله لقريش ألا يدعوك رجل منهم إلى خلتين إنك أجبت إلى إحداهما. قال عمرو : أجل. قال : فإني أدعوك إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وإلى الإسلام. فقال : لا حاجة لي فيما دعوت إليه. قال : فإني أدعوك إلى المبارزة والنزال ، وكان عمرو نديما لأبي طالب ، فقال عمرو : يا ابن أخي ما أحب أن أقتلك. فقال علي عليه السلام : فأنا أحب أن أقتلك.

فجاء عمرو ونزل عن فرسه وعرقبه ، ثم أقبل إلى علي عليه السلام فتجاولا ، ثم ثارت بينهما غبرة سترتهما عن أعين الناس ، فجزع النبي صلى الله عليه وآله

__________________

(١) الارشاد للمفيد ص ٤٦ ، المناقب لابن شهر أشوب ١ / ١٩٦.

١١٨

والمسلمون لذلك جزعا شديدا ، فلم يشعروا فإني بالتكبير ، فعرفوا أن عليا عليه السلام قتله. ثم انجلت الغبرة ، فإذا علي على صدره يجتز رأسه ، فكبر المسلمون وهزم الأحزاب بذلك فعرج جبريل وهو يقول : لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي.

وروى عمرو بن عبيد عن الحسن بن أبي الحسين : إن عليا عليه السلام أقبل وفي يده رأس عمرو حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعا له المسلمون ، وقام إليه أبو بكر وعمر فقبلا رأسه.

وروي عن أبي بكر بن عياش أنه قال : ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أعز منها. يعني ضربته لعمرو بن عبد ود ، وضربة عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله. قال الشاعر :

جبريل نادى في الوغى

والنقع ليس بمنجلي

والمسلمون بأسرهم

حول النبي المرسل

والخيل تعثر بالجماجم

والوشيج الذبل

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

وقالت أم كلثوم بنت عمرو بن عبد ود ترثي أباها :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

لكنت أبكي عليه آخر الأبد

لكن قاتله من لا يعاب به

وكان يدعى قديما بيضة البلد

وأما الوليد ـ الذي ذكره في البيت ـ فهو الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. وكان من قصته أنه خرج يوم بدر عتبه بن ربيعة بن عبد شمس ، وشيبة بن ربيعة أخوه ، والوليد بن عتبة بن ربيعة يطلبون البراز ، فخرج إليهم عدتهم من الأنصار ، فناسبوهم فلما عرفوهم قالوا : لا حاجة لنا فيكم ، إنما نريد أكفاءنا من قريش.

١١٩

فأمر النبي صلى الله عليه وآله حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أن يخرج إلى عتبة ، وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب أن يخرج إلى شيبة بن ربيعة وعلي بن أبي طالب إلى الوليد بن عتبة ، فناسبوهم لما خرجوا إليهم فعرفوهم وقالوا : أكفاء كرام.

وكان الثلاثة من رؤساء قريش وسادات المشركين : فأما حمزة وعلي فقتلا مبارزيهما ، وأما عبيدة وشيبة فاختلفا ضربتين ، ضرب كل منهما صاحبه ، وأدرك علي شيبة فقتله ، واحتمل عبيدة وقد انقطعت رجله ، فجاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فمات بعد انصرافهم من بدر بالصفراء ، ودفن بها رضي الله عنه.

وقال أسيد بن أبي أياس بن زنيم بن صحبة بن عبيد بن عدي من الديل يحرض المشركين من قريش على قتل علي عليه السلام ويغريهم به شعرا :

في كل مجمع غاية أخزاكم

جذع أبر على المذاكي القرح

لله دركم ولما تنكروا

قد ينكر الحر الكريم ويستحي

هذا ابن فاطمة الذي أفناكم

ذبحا وقتلة قعصة لم يذبح

أعطوه خرجا واتقوا بضريبة

فعل الذليل وبيعة لم تريح

أين الكهول وأين كل دعامة

في المعضلات وأين زين الأبطح

أفناكم ضربا وطعنا يفتري

بالسيف يعمل حده لم يصفح

وكان لواء قريش في أحد مع طلحة بن أبي طلحة فقتله علي عليه السلام ، فقال الحجاج بن علاط السلمي في ذلك :

لله أي مذبب عن حرمة

أعني ابن فاطمة المعم المخولا

جادت يداك له بعاجل طعنة

تركت طليحة للجبين مجدلا

وشددت شدة باسل فكشفتهم

بالحرب إذ يهوون أخول أخولا

١٢٠