مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

السيّد علي الحسيني الميلاني

مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٢

«ما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث التي رويت عن عطيّة في المسند».

أي : إن أحمد يرى ضعف حديث عطيّة ، لكنّه روى أحاديث آية التطهير في الخمسة وفضائل أهل البيت والتمسّك بالعترة عن عطيّة وأمثاله لتساهله في الفضائل.

لكن هذا الجواب غير مسموع ، ولو كلّف «الدكتور» نفسه وراجع روايات أحمد عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري فقط ، لوجد فيها الفضائل ، والأحكام في الحلال والحرام ، والتفسير ، والمواعظ ...

وبتعبير آخر : إنّ هذا الجواب من «الدكتور» يؤكّد الأدلّة التي أقمناها على وثاقة عطية عند أحمد وغيره من الأئمة ، والبيان الذي ذكرناه لقصّة روايته على الكلبي ـ إنْ صحّت ـ ... لأنّ المفروض أنه «قد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا» هذا هو المفروض ... وقد وجدنا أحمد يروي عن عطيّة الحلال والحرام ...

فهل «الدكتور» يجهل هذا؟ أو يتجاهله؟!

نعم ... إن أحمد كما روى حديث نزول آية التطهير في الخمسة ، وحديث التمسك بالعترة عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري ... وهما من أحاديث الفضائل ، كذلك روى عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري ... من أحاديث الحلال والحرام بكثرة ...

ففي نظرةٍ سريعة في الجزء الثالث ، في مسند أبي سعيد الخدري ، الذي يبدأ

٨١

من الصفحة (٢) وينتهي في صفحة (٩٨) ، نجد روايته عنه في الصفحات : ٧ ، ٩ ، ١٠ ، ١٣ ، ١٤ ، ١٧ ، ٢٠ ، ٢١ ، ٢٢ ، ٢٧ ، ٣١ ، ٣٢ ، ٣٨ ، ٣٩ ، ٤٠ ، ٤٢ ، ٤٣ ، ٤٥ ، ٥٤ ، ٥٥ ، ٦٥ ، ٧٣ ، ٧٤ ، ٨٠ ، ٨٣ ، ٨٩ ، ٩٣ ، ٩٧ ، ٩٨ ...

فمثلاً في الصفحة (٤٣) روى عنه حديثاً في حكم الأضحية.

وفي الصفحة (٤٥) حديثاً في أن الجنين ذكاته ذكاة أُمّه.

وفي الصفحة (٥٤) و (٧٣) في حكم غسل الجنابة ...

وهكذا ...

هذا في رواياته عن عطيّة عن أبي سعيد الخدري ... ولو وجدنا متّسعاً لعددنا روايات أحمد عن عطيّة عن غير أبي سعيد من الصحابة ، لا سيّما ما كان منها في الاحكام والحلال والحرام .. إلّا أن في ما ذكرنا غنىً وكفاية.

فإذا ثبتت وثاقة «عطيّة» على ضوء كلمات القوم ... وكان الخبر «من الأخبار التي تبيّن أن الآية الكريمة تعني هؤلاء» باعتراف الدكتور ... كان الحديث دليلاً تامّاً للقول باختصاص الآية بالخمسة الأطهار ، والحمد لله رب العالمين.

موقف الدكتور من قول عكرمة :

ثمّ قال الدكتور بالنسبة إلى ما حكاه الطبري عن عكرمة :

«أمّا الخبر الأخير فذكر أيضاً عن عكرمة عن ابن عباس. وقال عكرمة : من شاء باهلته أنها نزلت في شأن نساء النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. فإن كان المراد أنهنَّ رضي الله تعالى عنهنّ كنّ سبب النزول دون غيرهن ، فهذا

٨٢

يتّفق مع ما ذهب إليه كثير من المفسرين ، ولا عبرة بمعارضة رواية عطيّة. وإنْ اريد أنهن المراد فقط دون غيرهنّ ، فهذا معارض بكثير من الأخبار. ولذلك فالخبر لا يقبل إلّا على الوجه الأول».

أقول :

هنا ملاحظات :

أولاً : إن هذه العبارة التي ذكرها : «فإنْ كان المراد ...» هي من كلام ابن كثير في تفسيره ، وقد كان الأولى له أن ينسب الكلام الى قائله!

وثانياً : إنّه ناقش في وثاقة «عطيّة» وأطنب ، فكان من الحق أنْ يذكر النقاش في «عكرمة» ولو مع الدفاع عنه والردّ على ما قيل فيه ...

وقد عرفت أن هذا الرجل لا يجوّز الاعتماد عليه إلّا من كان على شاكلته.

وثالثاً : إن هذا الذي حكي في تفسير الطبري عن «عكرمة» إنّما هو قول من عنده ، وليس راوياً له عن ابن عباس أو غيره! ... وقد تقدّم نصّ عبارة الطبري.

الحديث الثاني وكلام الدكتور حوله :

قال : «وأخبار الطبري الأُخرى منها : ما رواه عن أُمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذات غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن فأدخله معه. ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.)

وهذا الخبر يقتصر على الحسن ، ولكنه ـ بلا شك ـ لا يمنع كون غيره من أهل

٨٣

البيت. وروى الامام مسلم عنها روايةً مماثلةً وفيها دخول باقي الخمسة الأطهار».

أقول :

وهنا ملاحظات :

١ ـ لقد أسقط الدكتور من هذا الخبر جملة : «ثمّ جاء علي فأدخله معه».

٢ ـ إنه لم يناقش في سنده ، فهو يعترف بصحته.

٣ ـ إن هذا الخبر الصحيح سنداً والواضح دلالةً ـ لا سيّما بقرينة رواية مسلم ـ بيانٌ تام من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمراد من «أهل البيت» في «آية التطهير» وعلى المسلمين قاطبةً التسليم بما جاء به النبي والانقياد له.

الحديث الثالث وكلام الدكتور حوله :

قال : «وروى الطبري عن أنس : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر كلّما خرج الى الصلاة ، فيقول : الصّلاة أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.)

وهذا الحديث الشريف كذلك ، لا يمنع شمول الآية لغير من ذكر».

أقول :

هنا ملاحظات :

٨٤

أولاً : حديث مروره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببيت فاطمة كلّما خرج إلى الصلاة ، وخطابه أهل البيت بالآية المباركة ... رواه عدّة من الصحابة ، منهم :

١ ـ أُمّ سلمة.

٢ ـ أبو سعيد الخدري.

٣ ـ عبد الله بن عباس.

٤ ـ أبو الحمراء ـ خادم رسول الله ـ.

٥ ـ أبو برزة.

٦ ـ معقل بن يسار.

وثانياً : عدم مناقشة الدكتور في سند حديث الطبري يدل على قبوله له.

وثالثاً : إنّ هذا الحديث يمنع شمول الآية لغير أهل البيت الذين خاطبهم مدّة ستة أشهر فيما رواه أنسٌ ، أو تسعة أشهر ، أو بعد كل فريضة ، فيما رواه غيره ... فإنّ فعله هذا والتزامه به يؤكّد ما فعله من قبل في حديث الكساء ، حيث لم يأذن لغيرهم بالدخول تحته ... في ما رواه كبار الأئمّة والحفّاظ كما رأيت.

الحديث الرابع والعاشر :

قال الدكتور : «وروى عدّة روايات عن أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت : «كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندي ، وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، فجعلت لهم خزيرة ، فأكلوا وناموا ، وغطّى عليهم عباءة أو قطيفةً ثمّ قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وفي رواية اخرى : أنه صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أجلسهم على كساء ، ثمّ

٨٥

أخذ بأطرافه الأربعة بشماله ، فضمه فوق رءوسهم ، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه فقال : هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

وهاتان الروايتان تتّفقان مع رواية الامام مسلم عن أُمّ المؤمنين عائشة في دخول الخمسة في الآية. ولكنّ هذا لا يحتّم عدم دخول غيرهم».

أقول :

وهنا ملاحظات :

الأُولى : إنه لم يناقش في سند الحديثين.

والثانية : إنه أورد الحديث الأول بلفظه الكامل. أمّا الحديث الثاني فقد نقصه ولم يذكر منه مورد الحاجة! والحديث هو :

«عن أبي هريرة ، عن أُمّ سلمة ، قالت : جاءت فاطمة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببرمة لها قد صنعت فيها عصيدةً تحلّها على طبق ، فوضعته بين يديه فقال : أين ابن عمّك وابناك؟ فقالت : في البيت. فقال : ادعيهم. فجاءت إلى علي فقالت : أجب النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أنت وابناك. قالت أُمّ سلمة : فلمّا رآهم مقبلين مدّ يده إلى كساءٍ كان على المنامة ، فمدّه وبسطه وأجلسهم عليه ، ثمّ أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمّه فوق رءوسهم ، وأومأ بيده اليمنى إلى ربّه فقال : هؤلاء أهل البيت ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً».

والثالثة : إن قوله : «ولكنّ هذا لا يحتّم عدم دخول غيرهم» مردود بما جاء في نص الحديث العاشر ، فالنبيّ صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أمر فاطمة

٨٦

باحضار علي وابنيه ، وأجلسهم على الكساء ... ولم يقل لأمّ سلمة ـ الحاضرة في الدار ـ شيئاً ، كما أنها لم تطلب الجلوس على الكساء معهم أصلاً ...

فظهر السبب في عدم إيراد «الدكتور» الحديث بكامله!!

الحديثان الخامس والسادس :

أغفلهما «الدكتور»!!

وقد اشتهر عن أبي الحمراء حديث مرور النبي بباب فاطمة عليها‌السلام وقوله : «الصلاة ، الصلاة (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فقد رواه عنه الأئمة بأسانيد متكاثرة ، فكان من الأحاديث الثابتة القطعيّة.

فلما ذا الإغفال من «الدكتور»؟!

الحديثان السابع والثامن :

قال الدكتور : «وذكر الطبري روايتين عن واثلة بن الأسقع تتفقان مع الروايات الثلاث السابقة ، وتدخلانه هو مع أهل البيت ...» فذكر الحديثين.

أقول :

إنّه يذكر هذين الحديثين في حين لا يذكر المتن الكامل للحديث العاشر! ويغفل حديث المرور ببيت فاطمة عن أبي الحمراء!

٨٧

إنّه ليس في هذين الحديثين ما يدلّ على دخول واثلة مع «أهل البيت»!

إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما الكساء على الخمسة فقط وبيّن أنهم المراد من «أهل البيت» في الآية المباركة ... كلّ ذلك في حضور غير هؤلاء الخمسة ... يقول واثلة : قلت : يا رسول الله ، وأنا؟ قال : وأنت. وفي الأُخرى : فقلت من ناحية البيت : وأنا يا رسول الله من أهلك؟ قال : وأنت من أهلي ...

فهو ـ بحسب هذا الحديث ـ من أهل النبي ، ولكنْ ليس من «أهل البيت» في «آية التطهير» ولو كان هو ـ أو غيره ـ منهم لأدخله من أوّل الأمر.

هذا مفاد هذا الحديث ... وهكذا فهِم الأئمة الأعلام ـ كالطحاوي ـ منها ، وسنورد عبارته ...

وأمّا بحسب ما أخرجه الحاكم في المستدرك ـ وصحّحه على شرط مسلم ـ عن واثلة بن الأسقع ، فليس في لفظه : «فقلت : يا رسول الله ...» وهذا شاهد آخر على عدم دخول واثلة في «أهل البيت» بالمعنى المقصود منه في «آية التطهير».

الحديثان التاسع والحادي عشر وكلام الدكتور حولهما :

وذكر «الدكتور» الحديثين التاسع والحادي عشر الصريحين في عدم دخول الزوجات.

فقال : «ينتهي الاسناد إلى عطيّة عن أبي سعيد عن أُمّ سلمة. وقد بيّنت ضعف عطيّة ورواياته عن أبي سعيد».

٨٨

أقول :

قد بيّنت ما في كلامه بالتفصيل ... فالسند معتبر على ضوء ما ذكرنا والدلالة واضحة ، فالبيان تام.

الحديث الثاني عشر وكلام الدكتور حوله :

وذكر «الدكتور» الحديث الثاني عشر الصريح كذلك في عدم دخول الزوجات ، فتكلّم فيه لاشتمال السند على رجلين :

١ ـ خالد بن مخلّد. قال : «وهو متكلّم فيه ، وثّقه عثمان بن أبي شيبة وابن حبان والعجلي ، وقال ابن معين وابن عدي : لا بأس به. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه. وقال الآجري عن أبي داود : صدوق ولكنه يتشيّع. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه : له أحاديث مناكير. وقال ابن سعد : كان متشيّعاً منكر الحديث في التشيع مفرطاً ، وكتبوا عنه للضرورة. وقال صالح بن محمّد جزرة : ثقة في الحديث إلّا أنه كان متّهماً بالغلو. وقال الجوزجاني : كان شتّاماً معلناً لسوء مذهبه. وقال الأعين : قلت له : عندك أحاديث في مناقب الصحابة؟ قال : قل في المثالب أو المثاقب ـ يعني بالمثلّثة لا بالنون ـ وحكى أبو الوليد الباجي في رجال البخاري عن أبي حاتم أنه قال : لخالد بن مخلّد أحاديث مناكير ويكتب حديثه. وقال الازدي : في حديثه بعض المناكير وهو عندنا في عداد أهل الصدق. وذكره الساجي والعقيلي في الضعفاء.

من هنا نرى أن ما يرويه خالد بن مخلّد متّصلاً بمذهبه الشيعي لا يحتج به.

وقد يقال : كيف لا يحتج به وهو من شيوخ البخاري؟ فأقول : من الثابت أن

٨٩

له مناكير ـ كما قال الامام أحمد بن حنبل وغيره ـ والامام البخاري يعرف متى يكتب ومتى يترك. ولذا جاء في كتاب (توجيه النظر إلى أصول الأثر) لطاهر ابن صالح بن أحمد الجزائري الدمشقي (ص ١٠٣) في الحديث عن خالد بن مخلّد : «أما المناكير فقد تتبّعها أبو أحمد بن عدي من حديثه وأوردها في كامله ، وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري ، بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد ، وهو حديث أبي هريرة : من عادى لي وليّاً. الحديث».

٢ ـ موسى بن يعقوب. قال : «وهو متكلم فيه أيضاً ، وثّقه ابن معين وابن حبان وابن القطّان ، وقال الآجري عن أبي داود : هو صالح ، وقال ابن عدي : لا بأس به عندي ولا برواياته. وقال علي ابن المديني : ضعيف الحديث منكر الحديث. وقال النسائي : ليس بالقوي. وقال أحمد : لا يعجبني».

ترجمة خالد بن مخلَّد :

أقول : ان «خالد بن مخلَّد» متكلَّم فيه كما قال ، ولكن إذا كان المقصود الاعتماد على من لم يتكلَّم فيه أصلاً فحسب ، فلا يوجد في الأئمة والرواة من لم يتكلَّم فيه ... حتّى البخاري ومسلم ... هذا أوّلاً.

وثانياً : إنَّه قد تقرر عند القوم عدم الاعتناء بالقدح المستند إلى الاختلاف في الاعتقاد. وقد قدّمنا عبارة الحافظ ابن حجر في المقدمة ، فلاحظ.

وثالثاً : انه ليس القدح في «خالد بن مخلَّد» إلّا لتشيعه ، نصّ على ذلك الحافظ ابن حجر حيث قال : «خ م ت س ق (١) ـ خالد بن مخلَّد القطواني

__________________

(١) هذه الرموز «خ» البخاري ، «م» مسلم ، «ت» للترمذي ، «س» للنسائي ، «ق» لابن ماجة القزويني.

٩٠

الكوفي ، أبو الهيثم ، من كبار شيوخ البخاري. روى عنه وروى عن واحدٍ عنه. قال العجلي : ثقة وفيه تشيع. وقال ابن سعد : كان متشيعاً مفرطاً. وقال صالح جزرة : ثقة إلّا أنه يتشيّع. وقال ابو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به.

قلت : أما التشيع فقد قدمنا أنّه ـ إذا كان ثبت الأخذ والأداء ـ لا يضره سيّما ولم يكن داعيةً الى رأيه» (١).

أقول :

فالرجل من كبار شيوخ البخاري ....

ومن قال : «في حديثه بعض المناكير» فقد نصّ في نفس الوقت على أنه «صدوق» ... ومن هنا يظهر أن رواية المناكير لا تضرّ ... ثمّ من الذي خلصت جميع رواياته عن رواية منكرة؟!

على أنّ هذا الحديث ليس من المناكير قطعاً.

رابعاً : الكلام الذي نقله عن (توجيه النظر إلى أصول الأثر) هو للحافظ ابن حجر ، فإنه قال بعد : «أما التشيّع ...» في العبارة التي نقلناها عنه : «وأمّا المناكير فقد تتبّعها أبو أحمد ابن عدي من حديثه وأوردها في كامله وليس فيها شيء ممّا أخرجه له البخاري ، بل لم أر له عنده من افراده سوى حديث واحد وهو حديث أبي هريرة : من عادى لي ولياً. الحديث. وروى له الباقون سوى أبي داود».

__________________

(١) مقدمة فتح الباري في شرح البخاري : ٣٩٨. وقد أوردنا هذا في مقدمة الكتاب أيضاً.

٩١

وإنْ شئت فراجع كتاب (اصول النظر) فقد جاء (في ص ١٠٠) ما نصّه : «وقد اتبع الحافظ ابن حجر هذا الفصل بفصلٍ آخر يناسبه ، قال في أوّله : الفصل التاسع : في سياق أسماء من طعن فيه من رجال هذا الكتاب (يعني البخاري) مرتّباً لهم على حروف المعجم ، والجواب عن الاعتراضات موضعاً موضعاً ...» ثمّ قال الجزائري (ص ١٠١) : «وقد أحببت أنْ أُورد من هذا الفصل شيئاً ليقف المطالع على مسلكهم في البحث عن حال الرجال ، الذي هو من أهمّ المباحث عند أهل الأثر ...» إلى أن قال (ص ١٠٣) : «حرف الخاء (خ م ت س ق) : خالد بن مخلّد القطواني الكوفي ، أبو الهيثم ، من كبار شيوخ البخاري ... قلت : أمّا التشيّع ، فقد قدّمنا ... وأمّا المناكير ، فقد تتبّعها أبو أحمد ابن عدي ... وروى له الباقون سوى أبي داود».

لكن الدكتور نسب الكلام الى الجزائري ليتسنّى له ـ بزعمه ـ إسقاط صدر الكلام «وأما التشيع ...» وذيله : «وروى له الباقون سوى أبي داود». فحيّا الله العلم والتحقيق والأمانة!.

ترجمة موسى بن يعقوب :

وأما موسى بن يعقوب فقد راجعنا ترجمته في (تهذيب التهذيب) (١) كما أمر «الدكتور» فوجدناه :

١ ـ من رجال البخاري في (الأدب المفرد) وهذا الكتاب ـ وإنْ لم يلتزم فيه بالصحَّة ـ لكنه من البعيد جداً أن يروي فيه عمّن لم يثبت عنده صدقه.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ١٠ / ٣٣٧.

٩٢

٢ ـ من رجال الكتب الأربعة ... وهي من الصحاح الستّة.

٣ ـ وثّقه : يحيى بن معين ، والقطان ، وابن حبان.

٤ ـ قال أبو داود : صالح. وقال ابن عدي : لا بأس به عندي ولا برواياته.

أقول :

وهذا القدر كافٍ لأن نحتج بروايته ... إذ العمدة صدقه ووثاقته عندهم ، والقدح فيه إنما كان من ناحية حفظه. ولذا قال ابن حجر الحافظ نفسه :

«صدوق سيّئ الحفظ» (١).

الحديث الثالث عشر وكلام الدكتور حوله :

وأورد الحديث الثالث عشر ـ الصريح كذلك في عدم دخول الزوجات ـ وتكلّم في سنده لاشتماله على :

١ ـ عبد الرحمن بن صالح. فقال : «هو من شيعة الكوفة ومتكلّم فيه : وثّقه أبو حاتم وابن حبان وغيرهما. وقال موسى بن هارون : كان ثقة وكان يحدّث بمثالب أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وقال الآجري عن أبي داود : لم أر أن أكتب عنه ، وضع كتاب مثالب في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : وذكره مرّةً أُخرى فقال : كان رجل سوء. وقال ابن عدي : معروف مشهور في الكوفيين ، لم يذكر بالضعف في الحديث ولا اتّهم إلّا

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ / ٢٨٩.

٩٣

أنه محترق فيما كان فيه من التشيّع».

٢ ـ محمّد بن سليمان الأصبهاني. قال : «ذكره ابن حبان في الثقات ، وقال أبو حاتم : لا بأس به يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن عدي : مضطرب الحديث قليل الحديث ، ومقدار ما له قد أخطأ في غير شيء منه. وضعّفه النسائي».

ترجمة عبد الرحمن بن صالح :

أقول :

أمر «الدكتور» بالرجوع إلى «تهذيب التهذيب» (١) ونحن نرى ذكر العبارة كاملةً لنعرف الرجل معرفةً تامّةً (٢) ، قال :

«وعنه : إبراهيم بن إسحاق الجزري ، وأبو زرعة ، وأبو حاتم ، وعباس الدوري ، وعبد الله بن أحمد الدورقي ، وعثمان بن خرزاذ ، ومحمّد بن غالب تمتام ، ويعقوب بن سفيان ، وأبو قلابة الرقاشي ، وأحمد بن علي البربهاري ، وأبو بكر ابن أبي خيثمة ، وابراهيم بن فهد ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وأبو يعلى أحمد ابن علي بن المثنى ، وآخرون.

قال يعقوب بن يوسف المطوعي : كان عبد الرحمن بن صالح رافضيّاً يغشى أحمد بن حنبل فيقرّبه ويدنيه فقيل له فيه ، فقال : سبحان الله رجل أحب قوماً من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ثقة. وقال سهل بن علي

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٦ / ١٧٨ ، تهذيب الكمال ١٧ / ١٧٧.

(٢) ولنعرف «الدكتور» ونقدّر سعيه في العلم والتحقيق!

٩٤

الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول : [يقدم] عليكم رجل من أهل الكوفة يقال له عبد الرحمن بن صالح ، ثقة صدوق شيعي لأنْ يخرّ من السماء أحب إليه من أن يكذب في نصف حرف. وقال محمّد بن موسى البربري : رأيت يحيى بن معين جالساً في دهليزه غير مرة يكتب عنه. وقال الحسين بن محمّد بن الفهم : قال خلف بن سالم لابن معين : نمضي إلى عبد الرحمن بن صالح؟ فزجره وقال : عنده سبعون حديثاً ما سمعت منها شيئاً. وقال ابن محرز عن ابن معين : لا بأس به. وقال أبو حاتم : صدوق. وقال موسى بن هارون : كان ثقةً وكان يحدّث بمثالب أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه. وقال في موضع آخر : خرقت عامة ما سمعت منه. وقال أبو القاسم البغوي : سمعته يقول : أفضل هذه الأمّة بعد نبيّها أبو بكر وعمر. وقال عبد المؤمن بن خلف عن صالح بن محمّد : كوفي إلّا أنه كان يقرض عثمان. وقال علي بن محمّد بن حبيب عن صالح ابن محمّد : صدوق. وقال الآجري عن أبي داود : لم أر أنْ اكتب عنه ، وضع كتاب مثالب في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. قال : وذكره مرة اخرى فقال : كان رجل سوء. وذكره ابن حبّان في الثقات. وقال ابن عدي : معروف مشهور في الكوفيين لم يذكر بالضعف في الحديث ولا اتّهم فيه إلّا أنه محترق فيما كان فيه من التشيع. وقال الحضرمي وغيره : مات سنة ٢٣٥».

هذه هي الكلمات في حقّ هذا الرجل ، وفيها :

١ ـ «كان يغشى أحمد بن حنبل فيقرّبه ويدنيه ، فقيل له فيه ، فقال : سبحان الله ، رجل أحب قوماً من أهل بيت النبي وهو ثقة» فأحمد كان مع علمه بعقيدة الرجل «يقرّبه ويدنيه» ويجيب عما قيل فيه ويدافع عنه.

و «الدكتور» لم ينقل هذا أصلاً.

٩٥

كما أن ابن حجر ـ أو الطابع لكتابه ـ حرّف كلام أحمد ، إذ العبارة هي : «سبحان الله ، رجل أحب قوماً من أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقول له لا تحبّهم؟! هو ثقة» (١).

٢ ـ شهادة يحيى بن معين بثقته وصدقه وأنه «لأنْ يخرّ من السماء أحبّ إليه من أن يكذب في نصف حرف» و «يحيى بن معين» هو هو في الجرح والتعديل عندهم.

وهذا أيضاً أسقطه «الدكتور»!

٣ ـ شهادة أبي حاتم بصدقه.

وهذا أيضاً أسقطه «الدكتور».

وقال الحافظ الذهبي عن أبي حاتم : أنّه «إذا وثّق رجلاً فتمسّك بقولهِ ، فإنّه لا يوثّق إلّا رجلاً صحيح الحديث» (٢).

٤ ـ توثيقات الآخرين.

٥ ـ وأنّ السبب في تكلّم البعض فيه هو «التشيّع» وأنه «كان يحدّث بمثالب الأزواج والأصحاب». وقد عرفنا أنّ هذا لا يوجب الطرح ، لا سيّما وقد علمنا أنّه «لا يكذب في نصف حرف».

٦ ـ ولما ذكرنا قال الحافظ بترجمته : «صدوق ، يتشيّع» (٣).

__________________

(١) تهذيب الكمال ١٧ / ١٨٠.

(٢) سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٤٧.

(٣) تقريب التهذيب ١ / ٤٨٤.

٩٦

ترجمة محمّد بن سليمان الأصبهاني :

و «محمّد بن سليمان بن الأصبهاني» من رجال هذا الحديث عند الترمذي في صحيحه ، كما في الاحاديث المتقدّمة عنه.

وهو من رجال النسائي وابن ماجة ، كما في (تهذيب التهذيب) (١) وغيره.

ولم يرمَ بشيءٍ إلّا الاضطراب والخطأ في الحديث ، ولذا قال الحافظ ابن حجر : «صدوق ، يخطئ» (٢).

فالرجل صادق ... باعتراف الأئمة الأعلام ورواياتهم عنه بلا كلام.

الحديث الرابع عشر وإغفال الدكتور إيّاه!

وأغفل الدكتور الحديث عن الامام علي زين العابدين عليه‌السلام الذي هو نصٌّ في أن «أهل البيت» في «آية التطهير» «هم» فقط.

وإغفاله إياه دليلٌ على صحّة سنده عنده أيضاً!!

الحديث الخامس عشر وإغفال الدكتور إيّاه!

وهو الحديث الصحيح عن سعد بن أبي وقاص ... وقد أوضحنا صحته سنداً في السابق ... ودلالته واضحة جداً ....

فكان من اللازم أنْ يغفله «الدكتور»!!

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ / ١٧٨.

(٢) تقريب التهذيب ٢ / ١٦٦.

٩٧

الحديث السادس عشر وكلام الدكتور حوله :

وأورد الحديث السادس عشر ـ الصريح في عدم دخول الزوجات ـ وتكلّم فيه من ناحية السند فقط ، لاشتماله على «عبد الله بن عبد القدوس».

قال : «وهو شيعي متكلَّم فيه ، حكي عن محمّد بن عيسى أنه قال : هو ثقة ، وقال البخاري : هو في الأصل صدوق إلّا أنه يروي عن أقوام ضعاف ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : ربما اغرب. وقال عبد الله بن أحمد : سألت ابن معين عنه فقال : ليس بشيء ، رافضي خبيث. وقال محمّد بن مهران الجمال : لم يكن بشيء كان يسخر منه يشبه المجنون ، يصيح الصبيان في أثره. وقال أبو داود : ضعيف الحديث كان يرمى بالرفض ، قال : وبلغني عن يحيى أنه قال : ليس بشيء. وقال أبو أحمد الحاكم : في حديثه بعض المناكير. وضعّفه النسائي والدار قطني».

ترجمة عبد الله بن عبد القدّوس (١) :

أقول :

أوّلاً : الرجل من رجال البخاري في التعاليق ... وهل من دأب البخاري الرواية عن الكاذبين في التعاليق؟!

وثانياً : الرجل من رجال صحيح الترمذي.

وثالثاً : تصريح البخاري بكونه صدوقاً يكفي في الاحتجاج به ... مضافاً إلى توثيق ابن حبّان وغيره.

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٥ / ٢٦٥.

٩٨

ورابعاً : كونه رافضياً لا يضرّ وإلّا لم يحكم البخاري بصدقه ... وكذا غير ذلك مما في بعض الكلمات.

وخامساً : ولِما ذكرنا حكم الحافظ بصدقه فقال : «صدوق ، رمي بالرفض ، وكان أيضاً يخطئ» (١).

نتيجة البحث عن الروايات :

قد عرفنا ـ إلى الآن ـ أنَّ حديث اختصاص «آية التطهير» ب «الخمسة الأطهار» مخرَّج في الصحاح ، كصحيح مسلم ، وصحيح الترمذي ، وصحيح ابن حبّان ، والخصائص للنسائي ، وفي المسانيد ، كمسند أحمد بن حنبل ، وفي المستدرك على الصحيحين وتلخيصه للذهبي ، وفي كتب الحديث المشهورة والتفاسير المعتبرة ...

وعرفنا أنّ غير واحدٍ من الأئمة الأعلام ينصّون على صحّته ، ...

لكنّ «الدكتور» أغفل كلّ ذلك ....

واقتصر «الدكتور» على روايات الطبري ـ مع إغفال بعضها كذلك ـ وقد عرفنا اندفاع مناقشاته في أسانيدها ...

لقد أقمنا الحجّة التامّة للقول باختصاص الآية بالخمسة الطاهرة.

ولم يكن هناك أيّ دليلٍ على ما يخالف هذا القول ، إلّا ما حكي عن «عِكرمة» وأضرابه الّذين عرفناهم.

__________________

(١) تقريب التهذيب ١ / ٤٣٠.

٩٩

مَن قال من الأئمة باختصاص الآية بالخمسة

ومن هنا نرى أنّ جماعةً من الأئمة يصرّحون باختصاص الآية المباركة بالخمسة الطاهرة ... منهم : الإمام الحافظ ابن حبان صاحب الصحيح ، ومنهم : الإمام الحافظ الكبير أبو جعفر الطحاوي (١) ، وهذه عبارته :

__________________

(١) أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سلامة المصري الحنفي ـ المتوفّى سنة ٣٢١ ـ توجد ترجمته مع الثناء البالغ في : طبقات أبي إسحاق الشيرازي : ١٤٢ ، والمنتظم ٦ / ٢٥٠ ، ووفيات الأعيان ١ / ٧١ ، وتذكرة الحفّاظ ٣ / ٨٠٨ ، والجواهر المضيّة في طبقات الحنفية ١ / ١٠٢ ، وغاية النهاية في طبقات القرّاء ١ / ١١٦ ، وحسن المحاضرة وطبقات الحفّاظ : ٣٣٧ ، وغيرها.

وقد عنونه الحافظ الذهبي بقوله : «الطحاوي الإمام العلّامة ، الحافظ الكبير ، محدِّث الديار المصرية وفقيهها» قال : «ذكره أبو سعيد ابن يونس فقال : عداده في حجر الأزد ، وكان ثقة ثبتاً فقيهاً عاقلاً لم يخلّف مثله» قال الذهبي : «قلت : من نظر في تواليف هذا الإمام علم محلّه من العلم وسعة معارفه ...» سير اعلام النبلاء ١٥ / ٢٧ ـ ٣٢.

١٠٠