مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

السيّد علي الحسيني الميلاني

مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٢

مع الدكتور في أخبار الطبري

لقد أغفل الدكتور عدّةً من أخبار الطبري ، فلما ذا؟! أليس لوضوح دلالتها وصحّتها سنداً؟!

فالحديث عن سعد بن أبي وقاص مثلاً ، هو عن :

«محمّد بن المثنّى» ثقة ثبت ، من رجال الكتب السّتة (١) عن :

«أبو بكر الحنفي» وهو : عبد الكبير بن عبد المجيد (٢) ، من رجال الكتب الستة (٣) عن :

__________________

(١) تقريب التهذيب ٢ / ٢٠٤.

(٢) تهذيب الكمال ١٨ / ٢٤٣ ـ ٢٤٤.

(٣) تقريب التهذيب ١ / ٥١٥.

٦١

«بكير بن مسمار» صدوق ، من رجال مسلم والترمذي النسائي (١) عن :

«عامر بن سعد» ثقة ، من رجال الكتب الستة (٢) عن :

«سعد بن أبي وقاص» ، وهو الصحابي الكبير.

وهذا الحديث ممّا أُغفل!! ... فما هكذا تورد يا سعد الابل!!

الحديث الأول وكلام الدكتور حوله :

قال الدكتور : «قال محمّد بن جرير الطبري : حدّثني محمّد بن المثنّى ...» فأورد الحديث الأول كما نقلناه عن تفسير الطبري ثمّ قال : «وذكر الطبري بعد هذا كثيراً من الأخبار التي تبيّن أنّ الآية الكريمة تعني هؤلاء المذكورين أو بعضهم. ثمّ ذكر أخيراً ما روي عن عكرمة من أنها نزلت في نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصةً.

والخبران : الأول والأخير فيهما نظر.

فأمّا الأول ففي سنده عطيّة عن أبي سعيد الخدري ، وعطيّة هذا هو «عطيّة ابن سعد بن جنادة العوفي».

تحدث عنه الإمام أحمد بن حنبل وعن روايته عن أبي سعيد فقال بأنه ضعيف الحديث ، وأن الثوري وهشيماً كانا يضعفان حديثه ، وقال : بلغني أن عطيّة كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير ، وكان يكنيه بأبي سعيد فيقول :

__________________

(١) تقريب التهذيب ١ / ١٠٨.

(٢) تقريب التهذيب ١ / ٣٨٧.

٦٢

قال أبو سعيد فيوهم أنه الخدري.

وقال ابن حبان : سمع عطيّة من أبي سعيد الخدري أحاديث ، فلما مات جعل يجالس الكلبي ، فإذا قال الكلبي : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كذا ، فيحفظه ، وكناه أبا سعيد ، وروى عنه ، فإذا قيل له : من حدثك بهذا؟ فيقول : حدّثني أبو سعيد ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري ، وإنما أراد الكلبي ، قال : لا يحل كتب حديثه ، إلّا على التعجب. وقال الإمام البخاري في حديث رواه عطية : أحاديث الكوفيين هذه مناكير ، وقال أيضاً : كان هشيم يتكلّم فيه.

وقد ضعّفه النسائي أيضاً في الضعفاء ، وكذلك أبو حاتم. ومع هذا كلّه وثّقه ابن سعد فقال : كان ثقة إن شاء الله ، وله أحاديث صالحة ، ومن الناس من لا يحتج به.

وسئل يحيى بن معين : كيف حديث عطية؟ قال : صالح. وما ذكره ابن سعد وابن معين لا يثبت أمام ما ذكر من قبل.

وقد يقال هنا : إن الإمام أحمد روى عن عطيّة في مسنده ، فإذا كان يرى ضعف حديثه فلما ذا روى عنه؟

والجواب : أن الإمام أحمد إنما روى في مسنده ما اشتهر ، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم. ويدل على ذلك أن ابنه عبد الله قال : قلت لأبي : ما تقول في حديث ربعي ابن خراش عن حذيفة؟ قال : الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد؟ قلت : نعم ، قال : الأحاديث بخلافه ، قلت : فقد ذكرته في المسند؟ قال : قصدت في المسند المشهور ، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلّا

٦٣

الشيء بعد الشيء اليسير.

وقد طعن الإمام أحمد في أحاديث كثيرة في المسند ، ورد كثيراً مما روى ولم يقل به ، ولم يجعله مذهباً له.

وعند ما عدّ ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث أخرجها الإمام أحمد في مسنده ، وثار عليه من ثار ، ألف ابن حجر العسقلاني كتابه «القول المسدد في الذبّ عن المسند» ، فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي ، ثمّ أجاب عنها ، ومما قال : الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام ، والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع ، وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا. وهكذا حال هذه الأحاديث.

وما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث التي رويت عن عطيّة في المسند.

فالخبر الأول ـ إذن ـ ضعيف».

أقول : إنّ هذا الذي قاله في «عطيّة العوفي» هنا قد قاله حرفاً بحرفٍ في رسالته التي نشرها حول حديث الثقلين بعنوان «حديث الثقلين وفقهه» (١) وقد أجبنا عنه بأن :

الطعن في «عطية» عجيب جدّاً ، لأنّه إن كان المطلوب كون الرجل مجمعاً على وثاقته حتى تقبل روايته ، فلا إجماع على عطيّة ، بل لا اجماع حتى على

__________________

(١) حديث الثقلين وفقهه ، الدكتور علي أحمد السالوس ، ط دار إصلاح ١٤٠٦. ولاحظ : حديث الثقلين تواتره وفقهه ، نقد لِما كتبه الدكتور السالوس. ط قم إيران ١٤١٣.

٦٤

البخاري ، وأمثاله (١) ، ... إذنْ ، لا بدَّ من التحقيق والنظر الدقيق ، لنعرف من روى عن عطيّة واعتمد عليه ، ولنفهم السبب في طعن من طعن فيه ...

ترجمة عطيّة العوفي :

لقد أمر «الدكتور» بالرجوع إلى (تهذيب التهذيب) و (ميزان الاعتدال) وعند ما نرجع إلى الأول منهما وهو أجمع الكتب الرجالية للأقوال (٢) نجد :

١ ـ عطيّة من التابعين :

إنه يروي عن : أبي سعيد ، وأبي هريرة ، وابن عباس ، وابن عمر ، وزيد بن أرقم.

وقد رويتم في الصحيح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «خير القرون قرني ثمّ الذين يلونهم» (٣).

وفي (معرفة علوم الحديث) : «النوع الرابع عشر من هذا العلم معرفة التابعين ، وهذا نوع يشتمل على علومٍ كثيرة ، فإنهم على طبقاتٍ في الترتيب ، ومهما غفل الإنسان عن هذا العلم لم يفرّق بين الصحابة والتابعين ، ثمّ لم يفرّق أيضاً بين التابعين وأتباع التابعين. قال الله عزوجل : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا

__________________

(١) قد أورد الحافظ الذهبي ، البخاري في كتاب (المغني في الضعفاء) فراجع.

(٢) تهذيب التهذيب ٧ / ٢٠٠.

(٣) أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم. جامع الاصول ٩ / ٤٠٤.

٦٥

عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.) وقد ذكرهم رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ... فخير الناس قرناً بعد الصحابة من شافه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وحفظ عنهم الدين والسنن ، وهم قد شهدوا الوحي والتنزيل ...» (١).

٢ ـ عطيّة من رجال البخاري في الأدب المفرد :

والبخاري ـ وانْ لم يخرج عن عطيّة في كتابه المعروف بالصحيح ـ أخرج عنه في كتابه الآخر (الأدب المفرد) ... وهذا الكتاب وانْ لم يلتزم فيه بالصحّة لكنْ من البعيد أن يخرج فيه عمّن يراه من الكذّابين!!

٣ ـ عطيّة من رجال أبي داود :

وأبو داود السجستاني أخرج عنه في كتابه الذي جعلوه من الصحاح الستة ، وقال الامام الحافظ إبراهيم الحربي لمّا صنف أبو داود كتابه : «أُلين لأبي داود الحديث كما أُلين لداود الحديد» نقله قاضي القضاة ابن خلّكان (٢) وفي المرقاة في شرح المشكاة : «قال الخطابي شارحه : لم يصنّف في علم الدين مثله ، وهو أحسن وضعاً وأكثر فقهاً من الصحيحين. وقال أبو داود : ما ذكرت فيه حديثاً أجمع الناس على تركه. وقال ابن الأعرابي : من عنده القرآن وكتاب أبي داود لم يحتج معهما إلى شيء من العلم البتة. وقال الناجي : كتاب الله أصل

__________________

(١) معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري : ٤١.

(٢) وفيات الأعيان ٢ / ١٣٨.

٦٦

الإسلام وكتاب أبي داود عيد الإسلام ، ومن ثمَّ صرّح حجة الإسلام الغزالي باكتفاء المجتهد به في الأحاديث ، وتبعه أئمة الشافعيّة على ذلك» (١).

فهذا طرف من كلمات القوم في وصف كتاب أبي داود الذي أخرج فيه عن عطيّة العوفي.

٤ ـ عطيّة من رجال الترمذي :

والترمذي أيضاً أخرج عن عطيّة في كتابه المعدود من الصحاح الستّة عندهم ، والذي حكوا عنه أنه قال : «صنّفت هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به ، وعرضته على علماء العراق فرضوا به ، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به ، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلّم» (٢).

٥ ـ عطيّة من رجال ابن ماجة :

وابن ماجة القزويني أيضاً أخرج عن عطيّة في كتابه الذي نصَّ ابن خلكان على كونه أحد الصحاح الستة (٣) ، وقد نقل عن ابن ماجة قوله : «عرضت هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه وقال : أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع أو أكثرها. ثمّ قال : لعلّه لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً ممّا في إسناده ضعف» (٤).

__________________

(١) المرقاة في شرح المشكاة ١ / ٢٢.

(٢) انظر مقدّمة الشيخ أحمد محمّد شاكر لصحيح الترمذي.

(٣) وفيات الأعيان ٢ / ٤٠٧.

(٤) تذكرة الحفاظ ٢ / ١٨٩.

٦٧

٦ ـ عطيّة من رجال أحمد في المسند :

وأحمد بن حنبل أخرج عنه فأكثر ، ومن ذلك روايات آية التطهير وحديث الثقلين ، ولا بدَّ من البحث هنا في جهاتٍ :

الأولى : في رأي أحمد في مسنده وأنه هل شرط فيه الصحيح أو لا؟

والثانية : في رأي العلماء في مسند أحمد.

والثالثة : في رأي أحمد في عطية.

أما رأيه في عطيّة فسنتكلّم عليه عند ما نتعرّض لطعن من طعن فيه.

رأي أحمد في المسند :

أمّا رأي أحمد بن حنبل في مسنده فقد ذكر الحافظ السيوطي عن بعض العلماء : أن أحمد شرط في مسنده الصحيح (١). وذكر قاضي القضاة السبكي بترجمة أحمد من (طبقاته) عن عبد الله بن أحمد قال : «قلت لأبي : لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال : عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّةٍ عن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم رجع إليه».

قال السبكي : «قال أبو موسى المديني : لم يخرج إلّا عمّن ثبت عنده صدقه وديانته ، دون من طعن في أمانته. ثمّ ذكر باسناده إلى عبد الله ابن الامام أحمد رحمه‌الله قال : سألت أبي عن عبد العزيز بن أبان ، قال : لم أخرج عنه في المسند شيئاً ، لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته».

__________________

(١) تدريب الراوي ١ / ١٧١ ـ ١٧٢.

٦٨

وأورد السبكي ما ذكره المديني بإسناده إلى حنبل بن اسحاق قال : «جمعنا عمّي ـ يعني الإمام أحمد ـ لي ولصالح ولعبد الله ، وقرأ علينا المسند ، وما سمعه معنا ـ يعني تماماً ـ غيرنا ، وقال لنا : إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فارجعوا إليه ، فإنْ كان فيه وإلّا ليس بحجة».

قال السبكي : «قال أبو موسى : ومن الدليل على أنّ ما أودعه الإمام أحمد رحمه‌الله مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً ، لم يورد فيه إلّا ما صحَّ عنده : ما أخبرنا به أبو علي الحداد ، قال : أنا أبو نعيم وأنا ابن الحصين وأنا ابن المذهّب ، قال : أنا القطيعي ، حدثنا عبد الله ، قال : حدّثني أبي ، حدثنا محمّد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن أبي التياح ، قال : سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة ، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أنه قال : يهلك أمتي هذا الحي من قريش. قالوا : فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال : لو أنّ الناس اعتزلوهم. قال عبد الله : قال أبي في مرضه الذي مات فيه : اضرب على هذا الحديث ، فإنه خلاف الأحاديث عن النبي. يعني قوله : اسمعوا وأطيعوا. وهذا مع ثقة رجال إسناده حين شذّ لفظه مع الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه. فكان دليلاً على ما قلناه» (١).

وقال شاه ولي الله الدهلوي بعد ذكر طبقةٍ من الكتب : «وكاد مسند أحمد يكون من جملة هذه الطبقة ، فإنّ الإمام أحمد جعله أصلاً يعرف به الصحيح والسقيم. قال : ما ليس فيه فلا تقبلوه» (٢).

__________________

(١) طبقات الشافعية الكبرى ٢ / ٣١ ـ ٣٣.

(٢) حجة الله البالغة : ١٣٤.

٦٩

آراء العلماء في المسند :

وقال جماعة من أعلام الحفّاظ بصحّة أحاديث المسند كلّها ، ومنهم :

الحافظ أبو موسى المديني.

وقاضي القضاة السبكي.

والحافظ أبو العلاء الهمداني.

والحافظ عبد المغيث بن زهير الحربي ، وله في ذلك مصنَّف.

والحافظ ابن الجوزي عدّ المسند من دواوين الإسلام ، وذكره قبل الصحيحين. وهذه عبارته في مقدمة كتابه الموضوعات :

«فمتى رأيت حديثاً خارجاً عن دواوين الإسلام كالموطّإ ومسند أحمد والصحيحين وسنن أبي دواد والترمذي ونحوها ، فانظر فيه. فإنْ كان له نظير في الصحاح والحسان فرتّب أمره ، وإنْ ارتبت فيه فرأيته يباين الأصول فتأمّل رجال اسناده ، واعتبر أحوالهم من كتابنا المسمّى بالضعفاء والمتروكين ، فإنك تعرف وجه القدح فيه» (١).

وقاضي القضاة السبكي ، في كتابه الذي ألّفه في زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتعرّض فيه للردّ على ابن تيمية ، قال في البحث حول حديث : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» بعد ذكر أنه في مسند أحمد : «وأحمد رحمه‌الله لم يكن يروي إلّا عن ثقة ، وقد صرّح الخصم ـ يعني ابن تيمية ـ بذلك ، في الكتاب الذي صنّفه في الردّ على البكري ، بعد عشر كراريس

__________________

(١) الموضوعات ١ / ٩٩.

٧٠

منه ، قال : إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان ، منهم من لم يرو إلّا عن ثقة عنده كمالك ... وأحمد بن حنبل ...

وقد كفانا الخصم مئونة تبيين أن أحمد لا يروي إلّا عن ثقة.

وحينئذٍ لا يبقى له مطعن فيه» (١).

وقال الحافظ جلال الدين السيوطي : «قال شيخ الإسلام ـ يعني ابن حجر العسقلاني ـ في كتابه : تعجيل المنفعة في رجال الأربعة : ليس في المسند حديث لا أصل له إلّا ثلاثة أحاديث أو أربعة ، منها حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفاً ، قال : والاعتذار عنه أنه ممّا أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهواً ، أو ضرب وكتب من تحت الضرب».

قال السيوطي : «وقال في كتابه : تجريد زوائد مسند البزار : إذا كان الحديث في مسند أحمد لم نعزه إلى غيره من المسانيد».

قال : «وقال الهيثمي في زوائد المسند : مسند أحمد أصح صحيحاً من غيره».

قال : «وقال ابن كثير : لا يوازي مسند أحمد كتاب مسند في كثرته وحسن سياقاته ...».

قال : «وقال الحسيني في كتابه التذكرة في رجال العشرة : عدة أحاديث المسند أربعون ألفاً بالمكرر» (٢).

وقال الدكتور أحمد عمر هاشم ـ استاذ الحديث بجامعة الأزهر ـ في تعليقه

__________________

(١) شفاء الاسقام في زيارة خير الأنام ١٠ ـ ١١.

(٢) تدريب الراوي ١ / ١٣٩.

٧١

على كتاب تدريب الراوي في هذا الموضع : «وللشيخ ابن تيميّة في ذلك كلام حسن ، فقد ذكر في التوسّل والوسيلة : انه إنْ كان المراد بالموضوع ما في سنده كذّاب ، فليس في المسند من ذلك شيء ، وإنْ كان المراد ما لم يقله النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لغلط راويه وسوء حفظه ، ففي المسند والسنن من ذلك كثير».

٧ ـ توثيق عطيّة من قبل الأئمّة :

هذا ، وبالاضافة إلى كلّ ما تقدّم ... نجد في ترجمة عطية :

وثّقه ابن سعد وقال : له أحاديث صالحة.

وقال الدوري عن ابن معين : صالح.

ووثّقه الحافظ سبط ابن الجوزي (١).

وقال الحافظ أبو بكر البزار : يعدّ في التشيع ، روى عنه جلّة الناس.

وأبو حاتم وابن عدي ـ وإنْ ضعّفاه ـ قالا : يكتب حديثه.

٨ ـ طعن بعضهم في عطيّة بسبب تشيّعه :

ثمّ إنّ المستفاد من كلمات القوم بترجمة عطية : إن السّبب العمدة في تضعيفه هو تشيّعه ، فعند ما نراجع تهذيب التهذيب نجد :

إن الجوزجاني لم يضعّفه وإنما قال : «مائل». وعن ابن عدي : «قد روى عن جماعةٍ من الثقات ، ولعطيّة عن أبي سعيد أحاديث عدّة وعن غير أبي سعيد ، وهو مع ضعفه يكتب حديثه ، وكان يعدّ مع شيعة أهل الكوفة». والبزار لم

__________________

(١) تذكرة خواص الأمة : ٤٢.

٧٢

يضعّفه وإنما ذكر تشيّعه ونصَّ على أنه مع ذلك فقد روى عنه جلّة الناس ، والساجي قال : «ليس بحجة» ولم يذكر لقوله دليلاً إلّا : «كان يقدّم عليّاً على الكل».

وقال ابن حجر : «قال ابن سعد : خرج عطيّة مع ابن الاشعث ، فكتب الحجاج الى محمّد بن القاسم أنْ يعرضه على سبّ علي ، فإنْ لم يفعل فاضربه أربعمائة سوط واحلق لحيته ، فاستدعاه فأبى أنْ يسب ، فأمضى حكم الحجاج فيه ، ثمّ خرج إلى خراسان ، فلم يزل بها حتى ولي عمر بن هبيرة العراق ، فقدمها فلم يزل بها إلى أنْ توفي سنة ١١١».

٩ ـ النظر في الطاعن وكلامه :

لقد ضُرب الرجل أربعمائة سوطاً وحلقت لحيته ... بأمر من الحجّاج ... ثمّ جاء من لسانه وسوط الحجاج شقيقان فقال عنه : «مائل» أو ضعّفه ، أو اتّهمه ... وما ذلك كلّه إلّا لأنّه أبى أنْ يسبَّ عليّاً ...!!

لقد عرفت في المقدمة أنّ التشيع لا يضرّ بالوثاقة ، كما نصّ عليه الحافظ ابن حجر العسقلاني في (شرح البخاري) ، وبنى عليه في غير موضع ، منها في ترجمة خالد بن مخلّد حيث قال : «أمّا التشيّع فقد قدّمنا أنّه إذا كان ثبت الأخذ والأداء لا يضرّه ، لا سيّما ولم يكن داعيةً إلى رأيه» (١).

والجوزجاني الذي قال عن عطيّة «مائل» : كان ناصبيّاً منحرفاً عن علي عليه‌السلام ، وكان يطلق هذه الكلمة على الرواة الشيعة ... فاستمع إلى ابن

__________________

(١) مقدمة فتح الباري : ٣٩٨.

٧٣

حجر يقول :

«خ د ت : إسماعيل بن أبان الورّاق الكوفي ، أحد شيوخ البخاري ولم يكثر عنه ، وثّقه النسائي ، ومطين ، وابن معين ، والحاكم أبو أحمد ، وجعفر الصائغ ، والدار قطني ، وقال في رواية الحاكم عنه : أثنى عليه أحمد وليس بقوي.

وقال الجوزجاني : كان مائلاً عن الحق ولم يكن يكذب في الحديث. يعني : ما عليه الكوفيون من التشيع.

قلت : الجوزجاني كان ناصبياً منحرفاً عن علي ، فهو ضد الشيعي المنحرف عن عثمان. والصواب موالاتهما جميعاً ، ولا ينبغي أنْ يسمع قول مبتدع في مبتدع» (١).

أقول :

فلا يسمع قول الجوزجاني في عطيّة وأمثاله إلّا ناصبي منحرف عن علي!!

وأيضاً : قد عرفت ـ في المقدمة ـ تنبيه الحافظ ابن حجر على عدم الاعتداد بالطعن بسبب الاختلاف في العقائد قائلاً : «واعلم أنه وقع من جماعةٍ الطعن في جماعةٍ بسبب اختلافهم في العقائد ، فينبغي التنبّه لذلك وعدم الاعتداد به إلّا بحق» (٢).

وقد ذكرنا أنّ الحافظ ابن أبي حاتم الرازي أورد إمامهم الأكبر البخاري في كتاب (الجرح والتعديل) ، وأورده الحافظ الذهبي في كتاب (المغني في الضعفاء)

__________________

(١) مقدمة فتح الباري : ٣٨٧.

(٢) مقدمة فتح الباري : ٣٨٢.

٧٤

لطعن جماعةٍ من الأئمة في البخاري بسبب اختلافه معهم في مسألة اللفظ ، وهي من أهم المسائل في العقائد ... حتى تضجّر العلّامة السبكي والعلّامة المنّاوي من فعل الحافظ الذهبي هذا!!

وممّا يؤكّد ما ذكرنا من كون الرجل من رجال الصحاح ، وأنّ تضعيف بعضهم إيّاه إنما هو لأجل الاختلاف في العقائد ، وأنه لا يعتدّ به : حذف الحافظ ابن حجر اسم عطيّة العوفي من ميزان الاعتدال ، وعدم ذكره في (لسان الميزان) ، مشيراً إلى أنّه لا ينبغي الاصغاء إلى تكلّم الجوزجاني ومن كان على شاكلته ... في مثل عطيّة التابعي الثقة المعتمد عليه في الكتب المعوّل عليها عندهم ...

١٠ ـ رأي أحمد في عطية :

بقي أنْ نعرف رأي أحمد في عطيّة الذي أكثر عنه في المسند :

جاء في تهذيب التهذيب عن أحمد أنه قال : «هو ضعيف الحديث. ثمّ قال : بلغني أن عطيّة كان يأتي الكلبي فيسأله عن التفسير ، وكان يكنّيه بأبي سعيد فيقول : قال أبو سعيد.

قال أحمد : وحدّثنا أبو أحمد الزبيري : سمعت الكلبي يقول : كنّاني عطيّة أبو سعيد».

أقول :

هنا نقاط نضعها على الحروف ، أرجو أن يتأمّلها المحقّقون المنصفون ، بعد

٧٥

الالتفات إلى ما ذكرناه حول ـ رأي أحمد في المسند ـ وبعد البناء على ثبوت هذا النقل عن أحمد الذي أكثر من الرواية عن عطيّة عن أبي سعيد :

١ ـ إنّ السبب في قوله : «ضعيف الحديث» هو ما ذكره قائلاً : «بلغني ...» ثمّ نظرنا فإذا في الجملة اللاحقة يذكر السند الذي بلغه الخبر به وهو : «أبو أحمد الزبيري سمعت الكلبي يقول ...».

٢ ـ هذا الكلبي هو : محمّد بن السائب المفسّر المشهور ، ووفاته سنة (١٤٦) (١) وقد عرفت أن عطيّة مات سنة (١١١) (٢) ، وهذا ما يجعلنا نتردّد في أصل الخبر ، ففي أيّ وقت حضر عطيّة التفسير عند الكلبي؟ وأيّ مقدارٍ سمع منه؟

٣ ـ قال ابن حجر : «قال ابن حبّان ـ بعد أنْ حكى قصته مع الكلبي بلفظ مستغربٍ فقال : سمع من أبي سعيد أحاديث ، فلمّا مات جعل يجالس الكلبي يحضر بصفته ، فإذا قال الكلبي : قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم كذا فيحفظه ، وكنّاه أبا سعيد ، ويروي عنه ، فإذا قيل له : من حدّثك بهذا؟ فيقول : حدّثني أبو سعيد ، فيتوهّمون أنه يريد أبا سعيد الخدري ، وانما أراد الكلبي ـ قال : لا يحلّ كتب حديثه إلّا على التعجّب».

يفيد هذا النقل :

(أ) أنّ السبب في تضعيف ابن حبّان أيضاً هو هذه القصّة ...

__________________

(١) انظر : العبر وغيره حوادث ١٤٦.

(٢) وهو قول ابن سعد ومطيّن والذهبي. قال الذهبي في تاريخ الإسلام : «وقال خليفة : مات سنة ١٢٧. وهذا القول غلط».

٧٦

(ب) أنّ القصة ـ إنْ كان لها أصل ـ قد زاد القوم عليها أشياء من عندهم.

(ج) أنّ هذا اللفظ مستغرب بحيث التجأ ابن حجر إلى الطعن فيه.

واعلم أنّ «الدكتور» أورد اللفظ المذكور عن ابن حبان بواسطة ابن حجر وأسقط كلمة «بلفظٍ مستغرب»!!

٤ ـ إنّ الكلبي المذكور رجل قد أجمعوا على تركه ، متّهم عندهم بالكذب والرفض ، قال ابن سعد : «قالوا : ليس بذاك ، في روايته ضعيف جداً» (١).

وقال الذهبي في وفيات سنة (١٤٦) : «فيها : محمّد بن السائب أبو نضر الكلبي الكوفي ، صاحب التفسير والأخبار والأنساب ، أجمعوا على تركه ، وقد اتهم بالكذب والرفض. قال ابن عدي : ليس لأحدٍ أطول من تفسيره» (٢).

وفي طبقات المفسّرين : «محمّد بن السائب بن بشر الكلبي ، أبو النضر الكوفي النسابة المفسر ، روى عن : الشعبي وجماعة. وعنه : ابنه ، وأبو معاوية ، ويزيد ، ويعلى بن عبيد ، وخلف. متهم بالكذب ، ورمي بالرفض. قال البخاري : تركه القطّان وابن مهدي. قال مطيّن : مات سنة (١٤٦).

أخرج له : أبو داود في المراسيل ، والترمذي وابن ماجة في التفسير.

وله تفسير مشهور ، وتفسير الآي الذي نزل في أقوامٍ بأعيانهم ، وناسخ القرآن ومنسوخه» (٣).

__________________

(١) تهذيب التهذيب ٩ / ١٥٩.

(٢) العبر ١ / ١٥٨.

(٣) طبقات المفسرين ٢ / ١٤٩.

٧٧

فأقول :

إذا كان هذا الرجل مجمعاً على تركه ومتّهماً بالكذب والرفض ، فكيف روى عنه الجماعة وحتى بعض أصحاب الصحاح؟!

الواقع : إنهم كانوا يعتمدون عليه في التفسير ، فقد ذكر ابن حجر عن ابن عدي : «حدّث عنه ثقات من الناس ورضوه في التفسير» ولذا روى عنه الترمذي وابن ماجة في التفسير كما عرفت ، ولم يكونوا يعتمدون عليه في الحديث ، كما عرفت من عبارة ابن سعد حيث قال : «في روايته ضعيف جداً» ، بل إنّ مثل عطيّة الذي لازم جماعةً من كبار الصحابة وروى عنهم في غنىً عن الرواية عن الكلبي.

لكنّهم حيث كانوا يأخذون منه التفسير كانوا يحاولون التستّر على ذلك ... لأنّه كان يفسّر الآي ويذكر الأقوام الذين نزلت فيهم بأعيانهم ـ ولعلّه لذا رمي بالكذب والرفض ـ وكذلك كان عطيّة ، فإنّه كان يكنّيه لئلّا يعرف الرجل فتلاحقه السلطات ، لا لغرض التدليس والتلبيس ...

ويشهد بذلك كلام قاضي القضاة ابن خلكان بترجمة الكلبي : «روى عنه سفيان الثوري ومحمّد بن اسحاق ، وكانا يقولان : حدّثنا أبو النصر ، حتى لا يعرف» (١). فلو كان ما يفعله عطيّة مضراً بوثاقته لتوجّه ذلك بالنسبة إلى سفيان وابن إسحاق ...

بل لَتَوَجّه الطعن في البخاري وكتابه المشهور بالصحيح ، فإنّه كان يروي عن «محمّد بن يحيى الذهلي» ـ الذي طرد البخاري من نيسابور ، وكتب إلى

__________________

(١) وفيات الأعيان ٣ / ٤٣٦.

٧٨

الري ضدّه ، فترك أئمة القوم في الري الحضور عنده والسماع منه ـ فقد جاء بترجمة الذهلي : «أن البخاري يروي عنه ويدلّسه كثيراً ، لا يقول : (محمّد بن يحيى) بل يقول : (محمّد) فقط ، أو (محمّد بن خالد) أو (محمّد بن عبد الله) ينسبه إلى الجد ويعمّي اسمه ، لمكان الواقع بينهما» (١).

فهذا واقع الحال في رواية عطيّة عن الكلبي إن ثبت أصل القضية.

ويؤكّد ما ذكرنا توثيق ابن سعد وابن معين وغيرهما عطيّة ، وروايتهم عنه ، فلو كان صنيع عطيّة مضراً بوثاقته لما وثّقوه ولا رووا عنه.

ولا سيّما أحمد وأرباب الصحاح ... ويحيى بن معين الذي روى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وسائر الأئمة ، وقد وصفوه بإمام الجرح والتعديل وجعلوه المرجع إليه في معرفة الصحيح والسقيم ، وربّما قدّموا رأيه على رأي البخاري في الرجال ...

الكلمة الأخيرة :

وأخيراً ... لو كان أحمد يرى ضعف حديث عطيّة ، فلما ذا روى عنه بكثرة في المسند الذي عرفت رأيه فيه؟

لقد تنبّه «الدكتور» إلى هذا الاعتراض فانبرى للجواب عنه ، وقال :

«وقد يقال هنا : إذا كان الامام أحمد يرى ضعف حديث عطيّة فلما ذا روى عنه؟ والجواب : ان الإمام أحمد إنما روى في مسنده ما اشتهر ، ولم يقصد

__________________

(١) سير أعلام النبلاء ١٢ / ٢٧٥.

٧٩

الصحيح ولا السقيم. ويدل على ذلك انّ ابنه عبد الله قال : قلت لأبي : ما تقول في حديث ربعي بن خراش عن حذيفة؟ قال : الذي يرويه عبد العزيز بن أبي رواد؟ قلت : نعم. قال : الأحاديث بخلافه. قلت : فقد ذكرته في المسند؟! قال : قصدت في المسند المشهور ، فلو أردت أن أقصد ما صحّ عندي لم أرو من هذا المسند إلّا الشيء بعد الشيء اليسير. وقد طعن الامام أحمد في أحاديث كثيرة في المسند ، وردَّ كثيراً ممّا روى ، ولم يقل به ، ولم يجعله مذهباً له.

وعند ما عدّ ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث أخرجها الإمام أحمد في مسنده ، وثار عليه من ثار ، ألّف ابن حجر العسقلاني كتابه (القول المسدّد في الذبّ عن المسند). فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي ، ثمّ أجاب عنها ، وممّا قال : الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شيء من أحاديث الاحكام في الحلال والحرام. والتساهل في ايرادها مع ترك البيان بحالها شائع. وقد ثبت عن الامام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا في الفضائل ونحوه تساهلنا. وهكذا حال هذه الأحاديث.

وما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث التي رويت عن عطيّة في المسند».

نقول :

هذه عبارة «الدكتور» كما هي بلا زيادةٍ ولا نقصان.

والمهمّ فيها هو الجواب عن السؤال ... والجواب هو قوله :

٨٠