مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

السيّد علي الحسيني الميلاني

مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٢

مجرى ليس ، فيكون تلخيص الكلام : ليس يريد الله إلّا إذهاب الرجس على هذا الحد عن أهل البيت. فدل ذلك على أن إذهاب الرجس قد حصل فيهم. وذلك يدل على عصمتهم».

أقول :

وتوضيحه : أن في الآية المباركة ألفاظاً تتحقق الدلالة على العصمة بالنظر إليها مع التأمّل ، وهي :

١ ـ «إنّما» وهي تفيد الحصر ، فالله سبحانه حصر إرادة إذهاب الرجس عنهم.

٢ ـ «الإرادة» وهي في الآية الكريمة تكوينية ، من قبيل الإرادة في قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (١) لا تشريعية من قبيل الإرادة في قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (٢) ، لأنّ التشريعية تتنافى مع نصّ الآية بالحصر ، إذ لا خصوصيّة لأهل البيت في تشريع الأحكام لهم.

وتتنافى مع الأحاديث ، إذ النبيّ طبّق الآية عليهم دون غيرهم.

٣ ـ «الرجس» وهو في الآية : «الذنوب» و «القبائح».

وتبقى شبهة : إنّ الإرادة التكوينية تدلّ على العصمة ، لأنّ تخلّف المراد عن إرادته عزوجل محال ، لكنّ هذا يعني الالتزام بالجبر وهو ما لا تقول

__________________

(١) سورة يس ٣٦ : ٨٢.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٨٥.

١٢١

الإمامية به.

وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة ـ بناءً على نظرية : لا جبر ولا تفويض ، بل أمرٌ بين الأمرين ـ بما حاصله :

إنّ مفاد الآية أنّ الله سبحانه لمّا علم أنّ إرادة أهل البيت تجري دائماً على وفق ما شرّعه لهم من التشريعات ، لِما هم عليه من الحالات المعنوية العالية ، صحَّ له تعالى أنْ يخبر عن ذاته المقدَّسة أنّه لا يريد لهم بإرادته التكوينية إلّا إذهاب الذنوب عنهم ، لأنه لا يوجد من أفعالهم ، ولا يُقدرهم إلّا على هكذا أفعالٍ يقومون بها بإرادتهم لغرض إذهاب الرجس عن أنفسهم ...

ثمّ إنّه لو لا دلالة الآية المباركة على هذه المنزلة العظيمة لأهل البيت ، لَما حاول أعداؤهم من الخوارج والنواصب إنكارها ، بل ونسبتها إلى غيرهم ، مع أنّ أحداً لم يدّعِ ذلك لنفسه سواهم.

هذا ، ولم يُجب «الدكتور» عن هذا الاستدلال إلّا بأن قال : «وهو استدلال عقلي».

وقال : «قد انفرد اخواننا الشيعة الجعفرية بهذا القول ، وخالفوا أهل التأويل جميعاً».

١٢٢

ذكر الدكتور حديثين إزراءً بعليٍّ والزهراء

ثمّ ذكر أموراً لا تستحق الذكر ... ثمّ قال :

«ويزيد ذلك تأييداً ما روي بسندٍ صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنّه قال : أتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا نائم وفاطمة ، وذلك في السحر ، حتى قام على الباب فقال : ألا تصلّون؟ فقلت : مجيباً له : يا رسول الله ، إنما نفوسنا بيد الله ، فإذا شاء أن يبعثنا. قال : فرجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يرجع إلى الكلام ، فسمعته حين ولّى يقول ـ وضرب بيده على فخذه (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً.)

وفي روايةٍ أُخرى عن الإمام علي أيضاً قال : دخل عليَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى فاطمة من الليل ، فأيقظنا للصلاة. قال : ثمّ رجع الى بيته ، فصلّى هويّاً من الليل. قال : فلم يسمع لنا حسّاً قال : فرجع إلينا فأيقظنا وقال :

١٢٣

قوما فصلّيا. قال : فجلست وأنا اعرك عيني وأقول : إنا والله ما نصلّي إلّا ما كتب لنا ، إنما انفسنا بيد الله. فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا. قال : فولّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول ويضرب بيده على فخذه : ما نصلّي إلّا ما كتب لنا! ما نصلّي إلّا ما كتب لنا! (وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً.)

فهنا يتّضح حرص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على إذهاب الرجس عن أهل بيته وتطهيرهم تطهيراً ، وغضبه لما بدر من زوج الزهراء ، رضي الله تعالى عنهما».

أقول :

إن تصحيح «الدكتور» هذين الحديثين واستناده إليهما عجيب جدّاً!!

إنّ هذين الحديثين لا ينفيان عصمة علي والزهراء فحسب ، بل يدلّان على استهانتهما بعبادة الله وطاعته ، وبالرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ما لا يجوز صدوره من أقلّ فردٍ مسلم ملتزمٍ بالشريعة ، فكيف يرتضي الدكتور نسبته إلى أمير المؤمنين وإلى بضعة سيد النبيين؟!

ليس العجب من واضع هذين الحديثين ـ وهو رجل شرطي من شرطة بني أمّية ، كما سنعرفه ـ بل العجب من الدكتور قبوله لهما ، وهو من رجال التحقيق ، لا من أنصار بني أمّية وأتباعهم!!

سند الحديث الأوّل : «حدّثنا عبد الله ، حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحرّاني ، حدثنا محمّد بن سلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن أبيه ، قال : سمعت عليّاً يقول ...».

١٢٤

سند الحديث الثاني : «حدّثنا عبد الله قال : كتب إليَّ قتيبة بن سعيد : كتبت إليك بخطّي وختمت الكتاب بخاتمي يذكر : ان الليث بن سعد حدّثهم عن عقيل ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين : ان الحسين بن علي حدّثه عن علي بن أبي طالب ...» (١).

مدارهما على «الزهري» :

وهذان الحديثان ـ بغض النظر عن أنّهما ليسا من (المسند) بل من زياداته لعبد الله بن أحمد ، وعن سائر رواتهما ـ مدارهما على «الزهري».

وهذا الرجل الذي توثّقه مدرسة بني أُمية وتعتمد عليه ... كان شرطياً لبني أُمية :

روى الحافظ الذهبي بترجمة شعبة بن الحجاج ـ أمير المؤمنين في الحديث كما وصفه ـ قال : «أبو بكر ابن شاذان البغدادي : حدّثنا علي بن محمّد السوّاق ، حدّثنا جعفر بن مكرم الدقّاق ، حدّثنا أبو داود ، حدّثنا شعبة ، قال : خرجت أنا وهشيم إلى مكة ، فلما قدمنا الكوفة ، رآني هشيم مع أبي اسحاق فقال : من هذا؟ قلت : شاعر السبيع. فلما خرجنا جعلت أقول : حدّثنا أبو إسحاق ، قال : وأين رأيته؟ قلت : هو الذي قلت لك : شاعر السبيع. فلما قدمنا مكة ، مررت به وهو قاعد مع الزهري فقلت : أبا معاوية من هذا؟ قال : شرطي لبني أُمية. فلما قفلنا جعل يقول : حدّثنا الزهري ، فقلت وأين رأيته؟ قال : الذي رأيته معي ، قلت : أرني الكتاب. فأخرجه ، فخرّقته» (٢).

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ٧٧.

(٢) سير أعلام النبلاء ٧ / ٢٢٦.

١٢٥

وروى الذهبي عن خارجة بن مصعب أنه قال : «قدمت على الزهري وهو صاحب شرطة بني اميّة ، فرأيته ركب وفي يديه حربة وبين يديه الناس في أيديهم الكافركوبات فقلت : قبّح الله ذا من عالم ، فلم أسمع منه» (١).

وكان الزهري من أشهر المنحرفين عن علي أمير المؤمنين عليه‌السلام وكان يسبّه (٢).

وكان يضع الحديث عليه على لسان ولدِه ، وهذا منها.

كلّ ذلك خدمةً لبني أُمية وتشييداً لسلطانهم ... ولذا كتب إليه الامام علي ابن الحسين زين العابدين عليه‌السلام كتاباً يعظه ويحذّره من مغبّة ما هو فيه ، ويذكّره الله والدار الآخرة ... ولم ينفعه ...!! (٣).

هذا ، وكيف يصدّق الدكتور هكذا خبرٍ عن علي ، وهو هو؟!

أخرج الحاكم ـ ووافقه الذهبي ـ قال : «سمعت القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمّد بن المظفر الحافظ يقولان : سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول : سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول : سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه» (٤).

قلت : ولهذا وغيره كان كثير من أعلام الأصحاب يصرّحون بتفضيله على

__________________

(١) ميزان الاعتدال ١ / ٦٢٥.

(٢) شرح نهج البلاغة ٤ / ١٠٢.

(٣) إحياء علوم الدين ٢ / ١٤٣ ولم يصرّح باسم الإمام عليه‌السلام!! وهو مذكور في كتب أصحابنا عنه.

(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ / ١٠٧.

١٢٦

غيره من الأصحاب مطلقاً ، في حياة النبي وبعده (١).

وأمّا الزهراء فيكفي كونها بضعةً لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الأمر الذي من أجله فضَّلها غير واحدٍ من الأئمة على الشيخين (٢).

وعلى الجملة ... فإنّ وضع أمثال هذه الأحاديث للحطّ من شأنهما من أتباع بني أمّية كثير ... وليس بغريب ... وانما الغريب العجيب تصديق مثل الدكتور ذلك ، مع أنه ليس منهم!!

وهل يرتكب كلّ ذلك للإعراض عن السنّة الثابتة الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمخرّجة في الصحاح والمسانيد ومعاجم الحديث وكتب التفسير ... بلا أيّ معارضٍ ولا أيّ مخالف إلّا «عكرمة»؟!

اللهم إنّا نسألك السلامة والعافية في الدنيا والآخرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

__________________

(١) الاستيعاب في معرفة الأصحاب ٣ / ١٠٩٠ وقد تقدّم في المقدّمة.

(٢) منهم : الحافظ السهيلي ، كما في فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير ٤ / ٤٢١ ، وهو عبد الرحمن بن عبد الله ، العلّامة الأندلسي ، الحافظ العلم ، صاحب التصانيف ، برع في العربية واللغات والأخبار والأثر ، وتصدّر للإفادة ، من أشهر مؤلّفاته : الروض الأنف ـ شرح «السيرة النبوية» لابن هشام ـ توفّي سنة ٥٨١ ، له ترجمة في : مرآة الجنان ٣ / ٤٢٢ ، النجوم الزاهرة ٦ / ١٠١ ، العبر ٣ / ٨٢ ، الكامل في التاريخ ٩ / ١٧٢.

١٢٧
١٢٨

فهرس الموضوعات

كلمة المؤلّف................................................................... ٥

مقدّمة البحث................................................................. ١٣

الأقوال في المسألة........................................................... ١٥

ترجمة عكرمة................................................................ ١٩

١ ـ طعنة في الدين :....................................................... ١٩

٢ ـ كان من دعاة الخوارج :................................................. ٢٠

٣ ـ كان كذّاباً :........................................................... ٢٠

٤ ـ ترك الناس جنازته :.................................................... ٢١

ترجمة مقاتل :............................................................... ٢١

ترجمة ابن السائب :.......................................................... ٢١

ترجمة الضّحاك :............................................................. ٢٢

من الصحابة الرواة لحديث الكساء :........................................... ٢٥

١٢٩

من الأئمّة الرواة لحديث الكساء :.............................................. ٢٦

ولنا مع الدكتور موقفان :..................................................... ٢٧

من ألفاظ الحديث في الصحاح والمسانيد وغيرها............................... ٢٨

ممّن نصَّ على صحّة الحديث.................................................. ٥٣

روايات الطبري................................................................ ٥٥

مع الدكتور في أخبار الطبري................................................... ٦١

الحديث الأول وكلام الدكتور حوله :........................................... ٦٢

ترجمة عطيّة العوفي :.......................................................... ٦٥

١ ـ عطيّة من التابعين :.................................................... ٦٥

٢ ـ عطيّة من رجال البخاري في الأدب المفرد :................................ ٦٦

٣ ـ عطيّة من رجال أبي داود:............................................... ٦٦

٤ ـ عطيّة من رجال الترمذي :.............................................. ٦٧

٥ ـ عطيّة من رجال ابن ماجة :............................................. ٦٧

٦ ـ عطيّة من رجال أحمد في المسند :........................................ ٦٨

رأي أحمد في المسند :................................................... ٦٨

آراء العلماء في المسند :.................................................. ٧٠

٧ ـ توثيق عطيّة من قبل الأئمّة :............................................ ٧٢

٨ ـ طعن بعضهم في عطيّة بسبب تشيّعه :................................... ٧٢

٩ ـ النظر في الطاعن وكلامه :.............................................. ٧٣

١٠ ـ رأي أحمد في عطيّة :................................................. ٧٥

الكلمة الأخيرة :............................................................. ٧٩

موقف الدكتور من قول عكرمة :............................................... ٨٢

١٣٠

الحديث الثاني وكلام الدكتور حوله :........................................... ٨٣

الحديث الثالث وكلام الدكتور حوله............................................ ٨٤

الحديث الرابع والعاشر :...................................................... ٨٥

الحديثان الخامس والسادس :.................................................. ٨٧

الحديثان السابع والثامن :..................................................... ٨٧

الحديثان التاسع والحادي عشر وكلام الدكتور حولهما :............................ ٨٨

الحديث الثاني عشر وكلام الدكتور حوله :...................................... ٨٩

ترجمة خالد بن مخلَّد :........................................................ ٩٠

ترجمة موسى بن يعقوب :..................................................... ٩٢

الحديث الثالث عشر وكلام الدكتور حوله :..................................... ٩٣

ترجمة عبد الرحمن بن صالح :.................................................. ٩٤

ترجمة محمّد بن سليمان الأصبهاني :............................................ ٩٧

الحديث الرابع عشر وإغفال الدكتور إيّاه!....................................... ٩٧

الحديث الخامس عشر وإغفال الدكتور إيّاه!..................................... ٩٧

الحديث السادس عشر وكلام الدكتور حوله :.................................... ٩٨

ترجمة عبدالله بن عبد القدّوس :................................................ ٩٨

نتيجة البحث عن الروايات :.................................................. ٩٩

من قال باختصاص الآية بالخمسة من الأئمة................................... ١٠٠

كلام الإمام الطحاوي :..................................................... ١٠١

رأي الدكتور في كلام الإمام الطحاوي :....................................... ١٠٤

سقوط الاستدلال بالسياق :................................................ ١٠٥

النظر في رأي الدكتور في كلامٍ للترمذي....................................... ١٠٦

١٣١

استشهاد الدكتور بكلمات ابن تيميّة وابن كثير والقرطبي......................... ١٠٩

كلام ابن كثير :........................................................... ١٠٩

كلام ابن تيمية :.......................................................... ١١٢

كلام القرطبي :............................................................ ١١٣

جواب شبهة شمول الأية لباقي قرابة النبي..................................... ١١٦

حاصل معنى «آية التطهير» على ضوء الأحاديث............................... ١١٨

دلالة الآية على العصمة...................................................... ١٢٠

ذكر الدكتور حديثين إزراءً بعليّ والزهراء....................................... ١٢٣

مدارهما على «الزهري» :.................................................... ١٢٥

١٣٢