مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

السيّد علي الحسيني الميلاني

مع الدكتور السّالوس في آية التطهير

المؤلف:

السيّد علي الحسيني الميلاني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ١٣٢

كلام الإمام الطحاوي :

«بابُ بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المراد بقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) من هم؟

حدّثنا الربيع المرادي ، حدّثنا أسد بن موسى ، حدّثنا حاتم بن إسماعيل ، حدّثنا بكير بن مسمار ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، قال : لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً عليهم‌السلام وقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي.

فكان في هذا الحديث أنّ المراد بما في هذه الآية هم : رسول الله وعليٌّ وفاطمة وحسن وحسين.

حدّثنا فهد ، حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن جعفر ، عن عبد الرحمن البجلي ، عن حكيم بن سعيد ، عن أُمّ سلمة ، قالت : نزلت هذه الآية في رسول الله وعليّ وفاطمة وحسن وحسين عليهم‌السلام (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.)

ففي هذا الحديث الذي في الأوّل».

ثمّ إنّه أخرج بأسانيد عديدة هذا الحديث عن أُمّ سلمة ، وفيها الدلالة الصريحة على اختصاص الآية بأهل البيت الطاهرين ، وهي الأحاديث التي جاء فيها أنّ أُمّ سلمة سألت : «وأنا معهم؟» فقال رسول الله : «أنتِ من أزواج النبيّ ، وأنتِ على خير ـ أو : إلى خير ـ».

وقالت : «فقلت : يا رسول الله ، أنا من أهل البيت؟ فقال : إنّ لكِ عند الله

١٠١

خيراً. فوددت أنّه قال نعم ، فكان أحبّ إليَّ ممّا تطلع عليه الشمس وتغرب».

وقالت : «فرفعت الكساء لأدخل معهم ، فجذبه رسول الله وقال : إنّكِ على خير».

قال الطحاوي : «فدلَّ ما روينا من هذه الآثار ـ ممّا كان من رسول الله إلى أُمّ سلمة ـ ممّا ذكرنا فيها لم يرد به أنّها كانت ممّا أُريد به ممّا في الآية المتلوّة في هذا الباب ، وأنّ المراد بما فيها هم : رسول الله وعليٌّ وفاطمة والحسن والحسين دون مَن سواهم ـ يدلّ على مراد رسول الله بقوله لأُمّ سلمة في هذه الآثار مِن قوله لها : أنتِ من أهلي :

ما قد حدّثنا محمّد بن الحجّاج الحضرمي وسليمان الكيساني ، قالا : حدّثنا بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، أخبرني أبو عمّار ، حدّثني واثلة ... فقلت : يا رسول الله ، وأنا من أهلك؟ فقال : وأنتَ من أهلي.

قال واثلة : فإنّها مِن أرجى ما أرجو!

وواثلة أبعد منه مِن أُمّ سلمة منه ، لأنّه إنّما هو رجل من بني ليث ، ليس من قريش. وأُمّ سلمة موضعها من قريش موضعها الذي هي به منه ، فكان قوله لواثلة : وأنتَ من أهلي ، على معنى : لاتّباعك إيّاي وإيمانك بي ، فدخلت بذلك في جملتي.

وقد وجدنا الله تعالى قد ذكر في كتابه ما يدلّ على هذا المعنى بقوله : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) (١) فأجابه في ذلك بأنْ قال :

__________________

(١) سورة هود ١١ : ٤٥.

١٠٢

(إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) (١) إنّه يدخل في أهله من يوافقه على دينه وإنْ لم يكن من ذوي نسبه.

فمثل ذلك أيضاً ما كان من رسول الله جواباً لأُمّ سلمة : «أنتِ من أهلي» يحتمل أن يكون على هذا المعنى أيضاً ، وأن يكون قوله ذلك كقوله مثله لواثلة.

وحديث سعدٍ وما ذكرناه معه من الأحاديث في أوّل الباب معقول بها مَن أهل الآية المتلوّة فيها ، لأنّا قد أحطنا علماً أنّ رسول الله لمّا دعا مِن أهله عند نزولها لم يبق مِن أهله المرادين فيها أحد سواهم ، وإذا كان ذلك كذلك استحال أن يدخل معهم فيما أُريد به سواهم. وفيما ذكرنا من ذلك بيان ما وصفنا.

فإنْ قال قائل : فإنّ كتاب الله تعالى يدلّ على أنّ أزواج النبيّ هم المقصودون بتلك الآية ، لأنّه قال قبلها في السورة التي هي فيها : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ ...) (٢) * فكان ذلك كلّه يؤذن به ، لأنّه على خطاب النساء لا على خطاب الرجال ، ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) الآية.

فكان جوابنا له : إنّ الذي تلاه إلى آخر ما قبل قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية .. خطاب لأزواجه ، ثمّ أعقب ذلك بخطابه لأهله بقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، فجاء به على خطاب الرجال ، لأنّه قال فيه : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ) وهكذا خطاب الرجال ، وما قبله فجاء به بالنون وكذلك خطاب النساء.

فعقلنا أنّ قوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية ، خطاب لمن أراده من الرجال بذلك ،

__________________

(١) سورة هود ١١ : ٤٦.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٢٨.

١٠٣

ليعلمهم تشريفه لهم ورفعه لمقدارهم أن جعل نساءهم ممّن قد وصفه لِما وصفه به ممّا في الآيات المتلوّة قبل الذي خاطبهم به تعالى.

وممّا دلّ على ذلك أيضاً ما حدّثنا ... عن أنس : أنّ رسول الله كان إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ) الآية.

وما قد حدّثنا ... حدّثني أبو الحمراء ، قال : صحبت رسول الله ...

في هذا أيضاً دليل على أنّ هذه الآية فيهم. وبالله التوفيق» (١).

رأي الدكتور في كلام الإمام الطحاوي :

ولم يورد «الدكتور» كلام الإمام الطحاوي ، بل أشار إليه وجعل يناقشه ...

فقال : «وممّن صيّر الآية لأهل الكساء خاصّة : أبو جعفر الطحاوي ، فقد انتهى الى هذا في كتابه (مشكل الآثار) وبنى رأيه على مجرَّد احتمالات ...».

أقول :

قد أوردنا كلام هذا الإمام العظيم في المسألة بنصه وكماله ، لينظر المحقّقون المنصفون فيه نظر تدبّر ، وليظهر لهم أن رأيه ليس مبنيّاً على مجرّد احتمالات كما يقول «الدكتور».

ولقد كان الأولى أن ينقل كلام الطحاوي ، كما فعل بالنسبة إلى كلام غيره ، كما سنذكر!

__________________

(١) مشكل الآثار ١ / ٣٣٢ ـ ٣٣٩.

١٠٤

سقوط الاستدلال بالسياق :

وتلخّص : أنّ الأدلّة ـ من السنّة وأقوال الصحابة وكلمات الأعلام من الأئمة ـ قائمة على القول باختصاص الآية بأهل الكساء ... وأنّه ليس في المقابل إلّا قول «عكرمة» وأمثاله ... وقد عرفناهم.

وبعد هذه الاحاديث الصحيحة والشواهد القويّة لا يبقى مجالٌ للاستدلال بالسياق ـ أي : وقوع آية التطهير ضمن الآيات التي خوطب بها زوجات النبيّ ـ للقول باختصاصها بالزوجات أو القول بمشاركتهنّ مع أهل الكساء فيها ... لأنّ السياق إنْ هو إلّا قرينة من القرائن ، والقرينة لا تقاوم الدليل الواحد ، فكيف بالأدلّة الكثيرة ...!

ولذا نرى كثيراً من القائلين بالقولين الآخرين ـ كابن تيميّة في (منهاجه) ، وسنذكر كلامه ـ لا يستدلّون بالسياق.

١٠٥

النظر في رأي الدكتور في كلامٍ للترمذي

وقال الدكتور : «وذكر الترمذي روايةً عن أُمّ سلمة وفيها : «وأنا معهم يا نبي الله؟ قال : أنت على مكانك ، وأنتِ إلى خير» ثمّ عقب على الحديث بقوله : «إنه غريب» (١).

وفي أبواب العلل يتحدّث عن «الغريب» فيقول :

«أهل الحديث يستغربون الحديث لمعان : رب حديث يكون غريباً لا يروى إلّا من وجهٍ واحد. ورب حديث إنما يستغرب لزيادةٍ تكون في الحديث ، وانما تصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه .. ورب حديث يروى من أوجهٍ كثيرة وانما يستغرب لحال الإسناد.

__________________

(١) في الهامش : كتاب المناقب من سننه ، باب مناقب أهل بيت النبي «ص».

١٠٦

ومعنى الحديث يتّفق مع ما جاء في صحيح مسلم. فلعل الترمذي استغربه من أجل هذه الزيادة».

أقول :

هذا كلام الدكتور ، ولقد أتعب نفسه!! ولكنْ هنا مؤاخذات وملاحظات :

أوّلاً : الشّيعة يستندون إلى جميع الأحاديث الواردة في الباب ، وعمدتها ثلاث طوائف وهي :

١ ـ حديث الكساء ، وأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أدخل عليّاً وفاطمة والحسنين فقط معه ، ولم يدخل غيرهم ... كالحديث عن عائشة في صحيح مسلم وغيره.

٢ ـ حديث مروره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببيت فاطمة وقوله مخاطباً أهله (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، كالحديث عن أنس وأبي الحمراء وغيرهما.

٣ ـ حديث طلب زوجته الدخول معه ، كعائشة حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها «تنحّي فإنك على خير» ... أخرجه ابن كثير وغيره ، وكأمّ سلمة ، وهو الحديث المشهور عنها.

فقول الدكتور : «الشيعة يستندون في استدلالهم على ما روي عن أُمّ المؤمنين أُمّ سلمة» غير صحيح.

وثانياً : لم يذكر «الدكتور» نصّ كلام الترمذي في كتاب المناقب ، وهذه عبارته بعد الحديث : «وفي الباب عن : أُمّ سلمة ، ومعقل بن يسار ، وأبي

١٠٧

الحمراء ، وأنس. قال : وهذا حديث غريب من هذا الوجه».

فأسقط منه جملة : «وفي الباب ...» و «من هذا الوجه»!

وثالثاً : لقد أورد الترمذي هذا الحديث وبنفس السند في (كتاب تفسير القرآن) وقال هناك بعده : «هذا حديث غريب من حديث عطاء عن عمر بن أبي سلمة» فأوضح هناك قوله «من هذا الوجه» في كتاب المناقب ، وبذلك يتّضح أن الاستغراب ليس «لزيادةٍ تكون في الحديث» كما توهّم الدكتور.

ورابعاً : على أنّ الترمذي قال : «وإنها تصحّ إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه» وحديثنا من هذا القبيل.

وخامساً : إن التعبير بالزيادة إنّما يصحّ فيما إذا علمنا بأنّ الذين رووا الحديث بدونها لم ينقصوا من الحديث ، أمّا إذا احتملنا بأن الجملة من صلب الحديث ـ ومن لم يروها فقد أسقطها متعمّداً أو لم تصل اليه بطريقٍ معتبر عنده ـ لم يصح التعبير بالزيادة ... فقول الدكتور : «فلعل الترمذي استغربه من أجل هذه الزيادة» فيه نظر.

وسادساً : وبغضّ النظر عن كلّ الوجوه ـ فإنّ الترمذي أخرج الحديث في (صحيحه) في مناقب فاطمة ونصّ بعده قائلاً : «هذا حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب ، وفي الباب عن ...» كما نقلناه في محلّه سابقاً ، ولذا صرّح غير واحدٍ من الحفاظ كالذهبي بأنّ الترمذي أخرج هذا الحديث وصحّحه.

فلما ذا يغفل الدكتور هذه الرّواية ، ويضع يده على التي قال في سندها : «غريب من هذا الوجه»؟! أهكذا يكون البحث والتحقيق؟! يا منصفون؟!

١٠٨

استشهاد الدكتور

بكلمات ابن تيميّة وابن كثير والقرطبي

ثمّ إن الدكتور استشهد بآراء ابن كثير ، وابن تيمية ، والقرطبي ، وهؤلاء من العلماء الأعلام من أهل السنّة بلا ريب ، ولكنّ من البديهي جداً أنّ آراءهم لا تكون حجةً على الشيعة الامامية الاثني عشرية ، والمفروض أنّه قد ألّف كتابه جواباً لهم.

على أن هذه الآراء اجتهادات في مقابلة النصوص الصحيحة الواردة في الصحاح والمسانيد وغيرها ، مع تصريح كبار الائمة بصحتها ...

مع ذلك كلّه ننظر فيما نقله الدكتور وقاله :

كلام ابن كثير :

قال الدكتور : «والحافظ ابن كثير ذكر الآية الكريمة وقال : إنها نص في

١٠٩

دخول أزواج النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في أهل البيت هاهنا ، لأنهنّ سبب نزول هذه الآية ، وسبب النزول داخل فيه قولاً واحداً ، إما وحده على قول ، أو مع غيره على الصحيح.

وذكر أخبار الطبري وأخباراً أُخرى ، ثمّ ذكر حديثاً في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم ، قال : قام فينا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم يوماً خطيباً بماءٍ يدعى خمّاً بين مكة والمدينة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ وذكّر ثمّ قال : أما بعد ، أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أنْ يأتيني رسول ربي فأُجيب وأنا تارك فيكم الثقلين ، أوّلهما كتاب الله تعالى وفيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحثّ على كتاب الله عزوجل ورغّب فيه ثمّ قال : وأهل بيتي. أُذكّركم الله في أهل بيتي ، أُذكّركم الله في أهل بيتي. ثلاثاً. فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال : ومن هم؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ، رضي الله عنهم.

وذكر ابن كثير رواية مسلم الأُخرى عن زيد أيضاً بنحو ما تقدم وفيها : فقلت له : من أهل بيته؟ نساؤه؟ قال : لا وأيم الله ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها. أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده.

ثمّ قال ابن كثير : هكذا وقع في هذه الرواية. والأولى أولى والأخذ بها أحرى. وهذه الثانية تحتمل أنه أراد تفسير الأهل المذكورين في الحديث الذي رواه ، إنما المراد بهم آله الذين حرموا الصدقة. أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط بل هم مع آله. وهذا الاحتمال أرجح جمعاً بينها وبين الرواية

١١٠

قبلها. وجمعاً أيضاً بين القرآن والأحاديث المتقدّمة إن صحت ، فإن في بعض أسانيدها نظراً. والله أعلم.

قال الدكتور : «ويؤيّد هذا الاحتمال الذي ذكره ابن كثير : أن السؤال في الحديث الأول فيه من التبعيضية «أليس نساؤه من أهل بيته»؟ وفي روايةٍ مماثلة عن زيد أيضاً في مسند الامام أحمد : قال حصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : إن نساءه من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. فهنا تأكيد أن نساءه من أهل بيته».

أقول :

١ ـ أمّا أنّ الآية «نص في دخول أزواج النبيّ ...» فينبني على كونهنّ «سبب نزول هذه الآية» وهذا أوّل الكلام ... إذ إنّ «آية التطهير» نازلة في قضية خاصّة وواقعةٍ معيّنةٍ ... كما أفادت النصوص الصحيحة الواردة عن أزواج النبي وكبار الصحابة.

٢ ـ وأمّا أن ابن كثير ذكر أخبار الطبري وأخباراً اخرى ، فقد تقدمت نصوص تلك الأخبار كلّها ، ولكن الدكتور لم يذكر شيئاً منها!! ... وكان من جملة ما رواه ابن كثير حديث الكساء عن عائشة وطلبها الدخول معهم وقول النبي لها : «تنحَّي»!! والحديث عن الامام السبط الحسن الصريح في اختصاص الآية بالخمسة الأطهار ، وكذا عن الامام السجاد زين العابدين.

٣ ـ لكنّ الدكتور أورد حديث الثقلين بلفظه! ويقصد من ورائه إثبات أنّ «الأزواج» من «أهل البيت» على ضوء قول زيد بن أرقم؟!

١١١

٤ ـ لكنه وابن كثير وجدا المنقول عن زيد بن أرقم مختلفاً متعارضاً ، ففي روايةٍ : «نساؤه من أهل بيته» وفي اخرى يقول : «لا وأيم الله ، إنّ المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثمّ يطلّقها فترجع إلى أبيها وقومها» فوقعا في مأزق.

٥ ـ فالتجأ إلى الاحتمال!!

٦ ـ لكنّ «الدكتور» أعرض عمّا ذكره الامام الطحاوي بزعم «انه مجرّد احتمالات» وهنا يبني كلامه على «الاحتمال» ويستنتج أن نساءه من أهل بيته.

كلام ابن تيمية :

قال الدكتور بعد كلام ابن كثير : «وبمثل هذا قال ابن تيميّة من قبل» ... وأرجع القارئ إلى المنتقى من منها ج الاعتدال ١٦٨ ـ ١٦٩.

أقول :

لما ذا لا ينقل الدكتور كلام ابن تيميّة ، مع أنه الإمام المقتدى له ولأمثاله من الكتّاب المعاصرين؟!

ونحن نورد هنا نصّ كلامه في (منهاجه) ليظهر الجواب عن هذا السؤال ، قال :

«فصل : وأمّا حديث الكساء فهو صحيح ، رواه أحمد والترمذي من حديث أُمّ سلمة ، ورواه مسلم في صحيحه ، من حديث عائشة ، قال : خرج النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم ذات غداة وعليه مرط مرجّل من شعر أسود ، فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثمّ جاء الحسين فأدخله ، ثمّ جاءت فاطمة

١١٢

فأدخلها ، ثمّ جاء علي فأدخله ، ثمّ قال : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.)

وهذا الحديث قد شركه فيه فاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم فليس هو من خصائصه. ومعلوم أنّ المرأة لا تصلح للامامة.

فعلم أن هذه الفضيلة لا تختص بالأئمة ، بل يشركهم فيها غيرهم» (١) انتهى موضع الحاجة.

هذه عبارة ابن تيمية. وفيها :

١ ـ الاعتراف بصحة الحديث الدالّ على نزول الآية المباركة في أهل الكساء دون غيرهم.

٢ ـ الاعتراف بأنه فضيلة.

٣ ـ الاعتراف بعدم شمول الفضيلة هذه لغير علي وفاطمة والحسن والحسين ، فأين قول عكرمة؟! وأين السياق؟! وأين ما ذهب اليه ابن كثير؟!

فهل دريت لما ذا لم ينقل الدكتور كلّ ما قال ابن تيميّة؟!

نعم ، لابن تيميّة ايراد على الاستدلال بالآية على العصمة ، سنذكر جواب علمائنا عنه.

كلام القرطبي :

ثمّ نقل الدكتور كلام القرطبي قائلاً :

__________________

(١) منهاج السنّة ٥ / ١٣.

١١٣

«وقال القرطبي : قوله تعالى : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ) هذه الألفاظ تعطي أن أهل البيت نساؤه. وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت من هم؟ فقال عطاء وعكرمة وابن عباس : هم زوجاته خاصة لا رجل معهنّ. وذهبوا الى أن البيت اريد به مساكن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لقوله تعالى : (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ). وقالت فرقة ـ منهم الكلبي ـ هم : علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة. وفي هذا أحاديث عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم. واحتجوا بقوله تعالى : (لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ) ، بالميم ، ولو كان للنساء خاصة لكان : عنكن ويطهركنّ. إلّا انه يحتمل أن يكون خرج على لفظ الاهل ، كما يقول الرجل لصاحبه : كيف أهلك؟ أي : امرأتك ونساؤك. فيقول : هم بخير. قال تعالى : (أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ.)

والذي يظهر من الآية أنّها عامّة في جميع أهل البيت من الأزواج وغيرهم ، وإنما قال : ويطهّركم ، لأن رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم وعليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً كان فيهم ، وإذا اجتمع المذكر والمؤنّث غلب المذكر. فاقتضت الآية أن الزوجات من أهل البيت ، لأن الآية فيهنَّ ، والمخاطبة لهن ، يدل عليه سياق الكلام. والله أعلم».

أقول :

لقد ارتضى الدكتور ما قاله القرطبي ... ولم يلتفت الى التناقض الموجود فيه!

١١٤

إنه قال : «وقد اختلف أهل العلم في (أهل البيت) من هم؟ فقال عطاء وعكرمة وابن عباس : هم زوجاته خاصة لا رجل معهنّ ، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم لقوله تعالى (وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ). وقالت فرقة ـ منهم الكلبي ـ : هم علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة. وفي هذا أحاديث عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم».

فقال في القول باختصاص الآية بالخمسة الأطهار «في هذا أحاديث عن النبي عليه‌السلام» ولم يُسند القول الآخر إلى النبي ولو بحديث ضعيف!!

ففي القول باختصاص قوله تعالى (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ ...) بالخمسة عليهم‌السلام أحاديث ... وعلينا أن نطيع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ما قال وفعل ، فأيّ معنى للسؤال : «فكيف صار في الوسط كلاماً منفصلاً لغيرهنّ ...»؟!

١١٥

جواب شبهة شمول الآية لباقي قرابة النبي

وبما ذكرنا ـ من أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي بيّن وعيّن المراد ب «أهل البيت» في الآية ، كما في الأحاديث الصحيحة ، وعلى الجميع متابعته واطاعته ـ تندفع شبهة طرحها الدكتور قائلاً :

«إذا كان لأحدٍ أن يتكلَّم في شمولها لهن (أي : شمول الآية للازواج) فليس هناك دليل على الاطلاق يخرج باقي قرابة رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فأي دليل يمنع شمولها لباقي بنات النبي؟ ومفارقتهنّ للحياة قبل نزول الآية لا يعني عدم إرادة تطهيرهن في حياتهن ، وما الذي يمنع دخول باقي ذرية أمير المؤمنين علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل عباس ، ...؟».

ونقول مرةً أُخرى :

هذه أحاديث صحيحة ، في صحيح مسلم ، والترمذي ، ومسند أحمد ،

١١٦

والمستدرك ، وتلخيص المستدرك ، وتفسير الطبري وو و... ونصّ الأئمة الأعلام على صحّتها ... تحكي قول النبي وفعله ... فإنّه مع وجود آخرين في الدار ـ من الأزواج وغيرهن ـ لم يدخل غير هؤلاء ... بل إنه أرسل فاطمة لتحضر عليّاً وابنيها ... وأدخلهم تحت الكساء ، وقال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي».

فلو كان اعتراضٌ فهو على النبيّ ... إذ كان بإمكانه ان يستدعي غير هؤلاء ، من قرابته أو غيرهم ... لكنّه لم يفعل ....

ولذا نقول : أن في «آية التطهير» معنىً خاصّاً ، لا بدّ من فهم ذلك المعنى والتوصّل إليه!!

١١٧

حاصل معنى «آية التطهير» على ضوء الأحاديث

وعلى الجملة ، فإنّ هذه الأحاديث أفادت أمرين :

الأول : إن المراد ب «أهل البيت» في «آية التطهير» هم : النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، لا يشركهم احد ، لا من الأزواج ولا من غيرهنّ مطلقاً.

أمّا الأزواج ، فلأنّ الأحاديث نصّت على أنّ النبيّ لم يأذن بدخول واحدةٍ منهنّ تحت الكساء.

وأمّا غيرهنّ ، فلأنّ النبيّ أمر فاطمة بأنْ تجيء بزوجها وولديها فحسب ، فلو أراد أحداً غيرهم ـ حتّى من الأُسرة النبويّة ـ لأمر بإحضاره.

وثانياً : إنّ الآية المباركة نزلت في واقعةٍ معيَّنة وقضيّةٍ خاصّة ، ولا علاقة لها بما قبلها وما بعدها ... ولا ينافيه وضعها بين الآيات المتعلّقة بنساء النبيّ ، إذ

١١٨

ما أكثر الآيات المدنية بين الآيات المكّية وبالعكس ، ويشهد بذلك :

١ ـ مجيء الضمير : «عنكم» و «يطهّركم» دون : عنكنّ ويطهّركنّ.

٢ ـ اتّصال الآيات التي بعد آية التطهير بالتي قبلها ، بحيث لو رفعت آية التطهير لم يختلّ الكلام أصلاً ... فليست هي عجزاً لآية ولا صدراً لأُخرى ... كما لا يخفى.

ثمّ ما ألطف ما جاء في الحديث جواباً لقول أُمّ سلمة : «ألستُ من أهل البيت؟» قال : «أنتِ من أزواج رسول الله»!! فإنّه يعطي التفصيل مفهوماً ومصداقاً بين العنوانين : عنوان «أهل البيت» وعنوان «الأزواج» أو «نساء النبيّ».

فتكون الآيات المبدوءة ـ في سورة الأحزاب ـ ب (يا نِساءَ النَّبِيِّ) (١) * خاصّةً ب «الأزواج» والآية (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) خاصّةً بالعترة الطاهرة.

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٢.

١١٩

دلالة الآية على العصمة

قال الدكتور : «وننتقل بعد هذا إلى دلالة الآية الكريمة على العصمة :

قال الطوسي : استدل أصحابنا بهذه الآية على أن في جملة أهل البيت معصوماً لا يجوز عليه الغلط ، وأن إجماعهم لا يكون إلّا صواباً. بأنْ قالوا : ليس يخلو ارادة الله لإذهاب الرجس عن أهل البيت بأنْ يكون هو ما أراد منهم من فعل الطاعات واجتناب المعاصي ، أو يكون عبارة عن أنه أذهب عنهم الرجس بأنْ فعل لهم لطفاً اختاروا عنده الامتناع من القبائح. والأول لا يجوز أن يكون مراداً ، لأن هذه الارادة حاصلة من جميع المكلّفين فلا اختصاص لأهل البيت في ذلك ، ولا خلاف أن الله تعالى خصّ بهذه الآية أهل البيت بأمرٍ لم يشركهم فيه غيرهم ، فكيف يحمل على ما يبطل هذا التخصيص ويخرج الآية من أن يكون لهم فيها فضيلة ومزية على غيرهم؟ على أن لفظة إنما تجري

١٢٠