شفاء السّقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله

علي بن عبدالكافي بن علي أبوالحسن الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي [ تقي الدين السبكي ]

شفاء السّقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله

المؤلف:

علي بن عبدالكافي بن علي أبوالحسن الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي [ تقي الدين السبكي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دائرة المعارف العثمانيّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

على طالبها.

وكنت سمّيت هذا الكتاب «شنّ الغارة على من أنكر سفر الزيارة» ثمّ اخترت التسمية المتقدّمة.

واستعنت بالله تعالى ، وتوكّلت عليه ، وهو حسبي ونعم الوكيل.

٦١
٦٢

الباب الأوّل

في

الأحاديث الواردة في الزيارة نصّاً

٦٣
٦٤

الحديث الأول : «من زار قبري وجبت له شفاعتي»

رواه الدارقطنيّ والبيهقيّ وغيرهما :

أخبرنا الحافظ أبو محمّد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى التونيّ الدمياطيّ رحمة الله تعالى ، بجميع «سنن الدارقطنيّ» سماعاً ، قال : أنا الحافظ أبو الحجّاج يوسف بن خليل بن عبد الله الدمشقيّ ، أنا ناصر بن محمّد بن أبي الفتح أبو برح القطّان ، أنا أبو الفتح إسماعيل بن الإخشيد السرّاج ، أنا أبو طاهر محمّد بن أحمد بن محمّد بن عبد الرحيم ، أنا أبو الحسن عليّ ابن عمر بن أحمد بن مهديّ الحافظ الدارقطنيّ رحمه‌الله ، قال : حدّثنا القاضي المحاملي ، حدثنا عبيد بن محمّد الورّاق ، حدثنا موسى بن هلال العبديّ ، عن عبيد الله بن عمر (١) ،

__________________

(١) قال الدولابي في الكنى ٢ / ٦٤ في ترجمة عبد الله العمري : حدثنا علي بن معبد بن نوح حدثنا موسى بن هلال قال حدثنا عبد الله بن عمر أبو عبد الرحمن أخو عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من زار قبري وجبت له شفاعتي ، قال : وما بين قبري ومنبري ترعة من ترع الجنة ـ.

عن المولوي محمد حسن الزمان الحيدرآبادي.

٦٥

عن نافع ، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» (١).

[روايته بتصغير «عبيد الله»]

هكذا في عدّة نسخ معتمدة من «سنن الدارقطنيّ» : «عبيد الله» مصغّراً ، منها نسخة كتبها عنه أحمد بن محمّد بن الحارث الأصفهانيّ ، وعليها طباق كثيرة على ابن عبد الرحيم فمن بعده إلى شيخنا.

وكذلك رواه الدارقطنيّ في غير السنن ، واتفقت روايته على ذلك في السنن وفي غيره من طريق ابن عبد الرحيم ، كما ذكرناه.

ومن طريق محمّد بن عبد الملك بن بشران ، ومن طريق أبي النعمان تراب بن عبيد أيضاً :

فأمّا رواية ابن بشران : فأخبرنا بها عثمان بن محمّد في كتابه إليّ من مكّة

__________________

(١) سنن الدارقطني (٢ / ٢٧٨) ح ١٩٤ كتاب الحجّ وفيه : عُبيد الله بن محمد الورّاق ، ولاحظ شعب الايمان للبيهقي (٣ / ٤٩٠) والدولابي في الكنى (٢ / ٦٤) والخطيب في تلخيص المتشابه (١ / ٥٨١) وغيرهم.

وأورده العقيلي في الضعفاء (٤ / ١٧٠) في ترجمة موسى بن هلال ، وانظر الكامل لابن عدي (٦ / ٢٣٥٠).

وقال ابن حجر في تلخيص الحبير (٧ / ٤١٧) حديثُ «من زار قبري فله الجنّة» رواه الدارقطني بلفظ «من زار قبري وجبت له شفاعتي» ورواه ابن خزيمة في صحيحه وقال : إن صحّ الخبر فإنّ في القلب من إسناده (!) ثمّ رجّح انّه عن رواية (عبد الله) العمري المكبّر الضعيف ، لا المصغّر الثقة ، وصرّح بأن الثقة لا يروي هذا الخبر المنكر!

وقال العقيلي : لا يصح حديث موسى ولا يتابع عليه ، ولا يصحّ في هذا الباب شيء!!

قال ابن حجر : وفي قوله «لا يُتابع عليه» نظر ، فقد رواه الطبراني ... إلى آخر كلام ابن حجر في تلخيص الحبير ، فراجع.

٦٦

شرّفها الله تعالى قال : أخبرنا الحافظ أبو الحسين يحيى بن عليّ القرشيّ بمصر ، وأبو اليمن بن عساكر بمكّة بقراءتي عليهما ، قالا : أنا أبو البركات الحسن بن محمّد بن الحسن الشافعيّ العدل ـ وهو جدّ أبي اليمن ، بدمشق ـ قال أبو الحسين : بقراءتي عليه ، وقال أبو اليمن : قراءةً عليه ـ قال : أنا عمّي أبو الحسين هبة الله بن الحسن بن هبة الله الفقيه الاصوليّ الحافظ ، أنا أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر ابن محمّد بن يوسف ، أنا أبو بكر محمّد بن عبد الملك بن بشران ، أنا أبو الحسن عليّ ابن عمر بن مهديّ الدارقطنيّ الحافظ ، حدثنا القاضي المحامليّ ، حدثنا عبيد الله بن محمّد الورّاق ، حدثنا موسى بن هلال العبديّ ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

هكذا أورده أبو اليمن بن أبي الحسن زيد بن الحسن في كتاب «إتحاف الزائر وإطراف المقيم للسائر (١) في زيارة سيّدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» وهو عندي عليه خطّ مصنّفه ، وقراءة أبي عمرو عثمان بن محمّد التوزريّ لجميعه عليه.

وكذلك أورده الحافظ أبو الحسين القرشيّ في كتاب «الدلائل المتينة (٢) في فضائل المدينة» وقد قرأه عليه التوزريّ أيضاً ، وسمعه أيضاً جماعة من شيوخنا على مصنّفه المذكور رحمه‌الله تعالى.

وأمّا رواية أبي النعمان تراب بن عبيد : فذكرها القاضي أبو الحسن عليّ بن الحسن الخلعيّ في فوائده ، وهي عشرون جزءاً ، قرأت منها بثغر الإسكندريّة سنة أربع وسبعمائة على الشيخ الفاضل المقرئ أبي الحسن (٣) ؛ يحيى بن أبي الفضل أحمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الباقي بن الصوّاف : الجزء الأوّل ، والثاني ،

__________________

(١) في (ه) : المسافر.

(٢) في (ه) : المبيّنة.

(٣) في (ه) : الحسين.

٦٧

وبعضَ الثالث.

وحدّثني بهذا القدر كلمة كلمة ، فإنّه كان قد عمّر وعمي وثقل سمعه ، فصرت أقرأ عليه لفظة ويعيدها ؛ لأتحقّق سماعه ، وناولني جميع الأجزاء الستّة الاولى ، والسادس عشر ، والسابع عشر ، والتاسع عشر ، بسماعه لذلك من ابن عماد سنة عشرين وستمائة.

وقرأت منها بدمشق على المسند أبي عبد الله محمّد بن أبي العزّ بن مشرف بن بيان (١) الأنصاريّ القدرَ الذي يرويه منها باتصال السماع ، وهو من أوّل الجزء الثامن إلى آخرها ، وذلك ثلاثة عشر جزءاً بسماعه من أبي صادق الحسن بن يحيى ابن صباح المخزوميّ المصريّ : أخبرنا ابن رفاعة.

والحديث المذكور في السابع من الفوائد المذكورة.

وأنا به شيخنا ابن الصوّاف المتقدّم ذكره ، والشريف أبو الحسن عليّ بن أحمد ابن عبد المحسن القرافيّ (٢) في كتابيهما إليّ من الثغر ، قالا : أنا أبو عبد الله محمّد بن عماد ابن محمّد الحرّاني ـ قال ابن الصوّاف : بقراءة والدي عليه وأنا أسمع سنة عشرين ، وقال القرافيّ : بقراءة والدي عليه وأنا أسمع عنه ثلاثين وستمائة ـ قال : أنبأنا أبو محمّد عبد الله بن رفاعة بن عدين (٣) السعديّ الفرضيّ.

(ح) وكتب إليّ عثمان بن محمّد من مكّة شرّفها الله تعالى : أنّه قرأ على الحافظ أبي الحسين يحيى بن عليّ القرشيّ في تصنيفه المسمّى «الدلائل المتينة (٤) في فضائل المدينة» قال : أنا القاضي أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عبد الله بن محمّد الشافعي

__________________

(١) في (ه) : بنان.

(٢) في (ه) : الغرافيّ ، ويأتي في ص ٢٦ : العراقيّ.

(٣) في (ه) : غدين.

(٤) في (ه) : المبيّنة.

٦٨

بقراءتي عليه بمصر ، وأبو عبد الله محمّد بن أبي المعالي الحرّاني بالإسكندرية قالا : أنا أبو محمّد عبد الله بن أبي الخير الشافعيّ الفرضيّ ، أنا القاضي أبو الحسن عليّ بن الحسن بن الحسين بن محمّد الشافعيّ المعروف ب «الخلعيّ» أنا أبو النعمان تراب بن عمر بن عبيد ، حدثنا أبو الحسن عليّ بن عمر الدارقطني ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل ، قال : حدثنا عبيد بن محمّد الورّاق ، حدثنا موسى بن هلال العبديّ ، عن عبيد الله ابن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

وممّن رواها من طريق الخلعيّ الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في تأريخه (١) في باب «أنّ من زار قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد وفاته كان كمن زار حضرته في حال حياته» :

أخبرنا بذلك عبد المؤمن بن خلف وعليّ بن محمّد وغيرهما مشافهة ، عن القاضي أبي نصر محمّد بن هبة الله الشيرازيّ قال : أنا الحافظ أبو القاسم ابن عساكر قال : أنا خالي أبو المعالي محمّد بن يحيى القرشيّ القاضي بدمشق ، أنا أبو الحسن الخلعيّ ، أنا تراب بن عمر بن عبيد ، حدثنا أبو الحسن الدارقطنيّ ، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل ، حدثنا عبيد بن محمّد الورّاق ، حدثنا موسى بن هلال العبديّ ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

فقد اتفقت الروايات عن الدارقطنيّ عن المحامليّ على : (عُبيد الله) مصغّراً.

وكذلك رواه غير الدارقطنيّ عن غير المحامليّ عن عبيد بن محمّد :

أنا بذلك عبد المؤمن بن خلف وغيره إذناً ، عن أبي نصر الشيرازيّ ، أنا ابن عساكر ، أنا أبو القاسم الشحاميّ ، أنا أبو بكر البيهقيّ ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا

__________________

(١) تاريخ دمشق لابن عساكر

لاحظ مختصر ابن منظور (٢ / ٤٠٦).

٦٩

أبو الفضل محمّد بن إبراهيم ، حدثنا محمّد بن زنجويه العشيريّ ، حدثنا عبيد بن محمّد بن القاسم بن أبي مريم الورّاق ـ وكان نيسابوريّ الأصل سكن بغداد ـ حدثنا موسى بن هلال العبديّ ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

فقد ثبت عن عبيد بن محمّد روايته على التصغير ، وعبيد بن محمّد ثقة ، قاله الخطيب رحمه‌الله تعالى (١).

[متابعات وشواهد]

ورواه عن موسى بن هلال عن عبيد بن محمّد جماعة :

منهم : جعفر بن محمّد البزوريّ

قال العقيليّ في كتابه : حدثنا محمّد بن عبد الله الحضرميّ ، حدثنا جعفر بن محمّد البزوريّ ، حدثنا موسى بن هلال البصريّ ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زار قبري فقد وجبت له شفاعتي».

هكذا رأيته في نسخة عبيد الله (٢).

ومنهم : محمّد بن إسماعيل بن سَمُرة الأحمسيّ واختلف عليه

فروي عنه مصغّراً : كما رواه غيره ، أخبرنا بذلك عبد المؤمن وغيره إذناً ، عن أبي نصر ، أنا عليّ بن الحسن الحافظ ، أنا إسماعيل بن محمّد بن الفضل الحافظ ، أنا أحمد بن عليّ بن خلف ، أنا أبو القاسم بن حبيب ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن نصر بن نصير (٣) بن بكار البخاريّ ، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عبيد الله ، حدثنا محمّد بن

__________________

(١) تاريخ بغداد (١١ / ٩٧) رقم ٥٧٨٩.

(٢) الضعفاء الكبير للعقيلي (٤ / ١٧٠) ترجمة موسى بن هلال ، وفيه عبد الله.

(٣) في (ه) : نصر.

٧٠

إسماعيل الأحمسيّ ، عن موسى بن هلال ، عن عبيد الله.

[من رواه بتكبير «عبد الله»]

وروي عنه مكبّراً : أنا بذلك أقسيان (١) بن محفوظ بن محمود بن هلال بقراءتي عليه سنة ستّ وسبعمائة ، أنا أبو سعيد قايماز بن عبد الله المعظميّ ، أنا الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمّد السلفي ، أنا أبو سعيد أحمد بن الحسن بن أحمد بن عليّ بن الخصيب الخوانساريّ ، أنا أبو بكر أحمد بن الفضل بن محمّد المقرئ إمام الجامع بأصبهان ، حدثنا أبو بكر محمّد بن الحسن بن يوسف بن يعقوب الإمام ، حدثنا عبيد الله بن محمّد بن عبد الكريم الرازيّ ، حدثنا محمّد بن إسماعيل بن سَمُرة الأحمسيّ ، حدثنا موسى بن هلال العبديّ ، عن عبد الله بن عمر.

هكذا نقلته من خطّ الحافظ أبي محمّد عبد العظيم المنذري رحمه‌الله ، وهكذا قاله أبو أحمد بن عديّ في كتاب «الكامل» (٢) :

كما أنبأنا عبد المؤمن وآخرون ، عن أبي الحسن بن المقير ، عن أبي الكرم بن الشهرزوريّ ، أنا إسماعيل بن مسعدة الإسماعيليّ.

(ح) وأنا عبد المؤمن وغيره أيضاً ، عن ابن مميل ، أنا عليّ بن الحسن الدمشقيّ ، أنا أبو القاسم الشحاميّ ، أنا أبو بكر البيهقيّ ، أنا أبو سعيد المالينيّ.

(ح) قال الدمشقيّ : أنا أبو القاسم ابن السمرقنديّ ، أنا إسماعيل بن مسعدة ، أنا حمزة بن يوسف قالا : أنا أبو أحمد بن عديّ الحافظ ، حدّثنا محمّد بن موسى الحلوانيّ.

(ح) قال الدمشقيّ : وأخبرنا عليّ بن إبراهيم الخطيب ، أنا رشأ بن

__________________

(١) علق في (ه) : التصحيح ممّا سيأتي ، وفي المطبوع السابق : ابن محيل ، وهو خطأ.

(٢) الكامل في الضعفاء لابن عدي (٦ / ٢٣٥٠) ترجمة موسى بن هلال.

٧١

لطيف (١) ، أنا الحسن بن إسماعيل ، حدثنا أحمد بن مروان ، حدثنا محمّد بن عبد العزيز الدينوريّ.

قالا : حدثنا محمّد بن إسماعيل بن سَمُرة ، حدثنا موسى بن هلال ، حدثنا عبد الله بن عمر.

وكذلك كتب إليّ عثمان بن محمّد من مكّة شرّفها الله تعالى : أنّه قرأ على الحافظ يحيى بن عليّ : أنا الحافظ عليّ بن المفضّل قراءةً عليه غير مرّة ، والقاضي أبو القاسم حمزة بن عليّ بن عثمان المخزوميّ قالا : أنا الحافظ أبو طاهر السلفيّ.

(ح) وأنبأنا جماعة عن جماعة عنه ، أنا أبو إبراهيم الخليل بن عبد الجبّار ، أنا سليم بن أيّوب ، أنا أحمد بن عبد الله المعدّل بالري ، أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازيّ ، حدثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ ، حدثنا موسى بن هلال ، عن عبد الله بن عمر.

ومرّض الحافظ يحيى بن عليّ القرشيّ هذه الرواية ، وذكر أنّ الصواب «عبيد الله» بالتصغير.

ورأيت في «تأريخ ابن عساكر» (٢) بخطّ أبي عبد الله البرزاليّ : المحفوظ عن ابن سَمُرة «عبيد الله».

قال أبو أحمد بن عديّ في كتاب «الكامل» فيما أنبأنا جماعة بالإسناد المتقدم إليه : عبد الله أصحّ (٣).

وفيما قاله نظر.

[رأي المؤلّف بترجيح رواية التصغير]

والذي نرجّح أن يكون «عبيد الله» لتظافر روايات عبيد بن محمد كلّها ،

__________________

(١) في (ه) : لظيف.

(٢) تاريخ ابن عساكر

(٣) الكامل لابن عدي (٦ / ٢٣٥٠) ترجمة موسى بن هلال.

٧٢

وبعض روايات ابن سَمُرة ، ولما سنذكره من متابعة مسلمة الجهنيّ لموسى بن هلال ، كما سيأتي في الحديث الثالث.

ويحتمل أن يكون الحديث عن عبيد الله وعبد الله جميعاً ، ويكون موسى سمعه منهما ، وتارة حدّث به عن هذا ، وتارة عن هذا.

وممّن رواه عن موسى عن عبد الله : الفضلُ بن سهل ؛ فيما أنا أبو محمد الدمياطيّ وغيره إذناً عن أبي نصر : أنا ابن عساكر أنا أبو سعيد (١) أحمد بن محمّد البغداديّ ، أنا أبو نصر محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنا أبو سعيد الصيرفيّ ، أنا أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن أحمد الصفّار ، حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا ، حدثنا الفضل بن سهل ، حدثنا موسى ابن هلال ، حدثنا عبد الله بن عمر.

وهكذا قاله أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسينيّ في كتاب «أخبار المدينة» قال : حدثنا رجل من طلبة العلم ، حدثنا الفضل بن سهل ... فذكره.

قال حفيد صاحب الكتاب الحسن بن محمّد بن يحيى في موضع آخر منه : يعني أبا بكر.

وكذلك رواه ابن الجوزيّ في «مثير العزم (٢) الساكن» (٣) ونقلته من خطّه قال : أنبأنا الحريريّ ، أنا الخيّاط ، أنا ابن دُرُست ، حدثنا ابن صفوان ، حدثنا أبو بكر القرشيّ ؛ وهو ابن أبي الدنيا ... فذكره.

وهذه الطريق إن صحّت ، تحمل على أن الحديث عنهما ، كما قدّمناه ، فإنّه لا تنافي في ذلك.

__________________

(١) في (ه) : سعد.

(٢) كذا في كتابنا ، وسيتكرر ذكر هذا الكتاب بهذا الاسم ، وهو المذكور في مؤلفات ابن الجوزي ، وقد ذكره الحصنيّ في (دفع شبه التشبيه ص ١٤٣ و ١٧٠ و ١٨٣ و ١٨٧ و ١٩٣) باسم «مثير الغرام الساكن» فلاحظ.

(٣) مثير العزم الساكن ، لابن الجوزي.

٧٣

[الاعتماد على رواية «عبد الله»] (١)

على أنّ عبد الله المكبّر روى له مسلم مقروناً بغيره ، وقال أحمد رحمه‌الله : صالح.

وقال أبو حاتم : رأيت أحمد بن حنبل يحسن الثناء عليه (٢).

وقال يحيى بن معين : ليس به بأس ، يكتب حديثه ، وقال : إنّه في نافع : صالح (٣).

وقال ابن عديّ : لا بأس به صدوق (٤).

وقال ابن حبّان : كان ممّن غلب عليه الصلاح حتّى غلب عن ضبط الأخبار

__________________

(١) يلاحظ أن ابن عبد الهادي في ردّه على المؤلّف في سند هذا الحديث ضعّفه ، نظراً إلى ما قاله الجارحون ، ولم يُعر اهتماماً لما ذكره هؤلاء الأعلام : أحمد ، وابن معين ، وابن حبان وحتى ابن عدي! قال الاستاد العلّامة محمود سعيد ممدوح في (رفع المنارة ص ٧٩. لاحظ ص ٣١٤) : بعد النظر في الصارم المنكي رأيت الهَوْل ، فتراه يتعنّت أشدّ التعنّت في ردّ الأحاديث عند كلامه على الرجل ، ويطوّل الكلام جدّاً ، ناقلاً ما يراه يؤيّد رأيه ـ وهو الجرح! ـ ولا يذكر من التعديل إلّا ما يوافقه!! كما فعل مع عبد الله بن عمر العمري ، وقال ممدوح : فالعمري حسن الحديث كما قال غير واحدٍ من الأئمة وهذا ابن عبد الهادي الذي أقام الدنيا ولم يقعدها! وحشد الأقوال في تضعيف (عبد الله) قد استدل بحديثه في تنقيح التحقيق (١ / ١٢٢)!

ثمّ انطلق العلّامة المحمود في دفع ما وجّه إلى الراوي في رفع المنارة (٣٨٠ ـ ٣١٨) فجزاه الله خيراً.

بينما الإمام السبكي : ذكر الجرح ـ رغم شهرته ـ وذكر وجهه ، إلى جنب الاعتماد ووجهه مفصّلاً.

ومع هذا فإن ابن عبد الهادي يتّهم الإمام السبكي بالتغافل عن الجرح! واللهُ يتولّى الصالحين.

وكتب السيّد

(٢) الجرح والتعديل للرازي

(٣) الكامل (٤ / ١٤٥٩) نقله عن ابن معين.

(٤) الكامل (٤ / ١٤٦١) ترجمة عبد الله بن عمر بن حفص العمري.

٧٤

وجودة الحفظ للآثار ، تقع المناكير في روايته ، فلمّا فحش خطؤه استحقّ الترك (١).

وهذا الكلام من ابن حبّان يعرّفك أنّه لم يتكلّم فيه لجرح في نفسه ، وإنّما هو لكثرة غلطه.

وأمّا حكمه باستحقاقه الترك ، فمخالف لإخراج مسلم رحمه‌الله تعالى له في المتابعات.

وليس هذا الحديث في مظنّة أن يحصل فيه التباس على عبد الله ؛ لا في سنده ، ولا في متنه ، فإنّه في نافع [صالحٌ] كما سبق ، وخصّيص به ، ومتن الحديث في غاية القصر والوضوح ، فاحتمال خطئه فيه بعيد ، والرواة جميعهم إلى موسى بن هلال ثقات لا ريبة فيهم ، وموسى بن هلال قال ابن عديّ : أرجو أنّه لا بأس به (٢).

وأمّا قول أبي حاتم الرازيّ فيه : «إنّه مجهول» فلا يضرّه ؛ فإنّه إمّا أن يريد جهالة العين ، أو جهالة الوصف :

فإن أراد جهالة العين ـ وهو غالب اصطلاح أهل هذا الشأن في هذا الإطلاق ـ فذلك مرتفع عنه ؛ لأنّه قد روى عنه أحمد بن حنبل ، ومحمّد بن جابر المحاربيّ ، ومحمّد بن إسماعيل الأحمسيّ ، وأبو اميّة محمّد بن إبراهيم الطرسوسيّ ، وعبيد بن محمّد الورّاق ، والفضل بن سهل ، وجعفر بن محمد البزوريّ ، وبرواية اثنين تنتفي جهالة العين ، فكيف برواية سبعة؟!

وإن أراد جهالة الوصف فرواية أحمد عنه ترفع من شأنه ، لا سيّما مع ما قاله ابن عديّ فيه.

وممّن ذكره في مشايخ أحمد رحمه‌الله تعالى أبو الفرج ابن الجوزيّ ، وأبو إسحاق الصريفينيّ ، وأحمد رحمه‌الله لم يكن يروي إلّا عن ثقة.

__________________

(١) كتاب المجروحين لابن حبان.

(٢) الكامل (٦ / ٢٣٥٠).

٧٥

وقد صرّح الخصم بذلك في الكتاب الذي صنّفه في (الردّ على البكريّ) بعد عشر كراريس منه ، قال : إنّ القائلين بالجرح والتعديل من علماء الحديث نوعان :

منهم من لم يرو إلّا عن ثقة عنده ، كمالك ، وشعبة ، ويحيى بن سعيد ، وعبد الرحمان بن مهديّ ، وأحمد بن حنبل ، وكذلك البخاريّ وأمثاله (١).

وقد كفانا الخصم بهذا الكلام مئونة تبيين أنّ أحمد لا يروي إلّا عن ثقة ، وحينئذٍ لا يبقى له مطعن فيه.

وأمّا قول العقيليّ : إنّه لا يتابع عليه ، وقول البيهقيّ : سواء قال : عبيد الله ، أم عبد الله ، فهو منكر عن نافع عن ابن عمر ، لم يأتِ به غيره.

فهذا وما في معناه يدلّك على أنّه لا علّة لهذا الحديث عندهم إلّا تفرّد موسى به ، وأنّهم لم يحتملوه له ؛ لخفاء حاله ، وإلّا ، فكم من ثقة يتفرّد بأشياء ويُقبل منه؟!

وأمّا بعد قول ابن عديّ فيه ما قال ، ووجود متابع ، فإنّه يتعيّن قبوله ، وعدم ردّه.

ولذلك ـ والله أعلم ـ ذكره عبد الحقّ رحمه‌الله (٢) في «الأحكام الوسطى» و «الصغرى» وسكت عنه.

وقد قال في خطبة «الأحكام الصغرى» : إنّه تخيّرها صحيحة الإسناد ، معروفة عند النقّاد ، قد نقلها الأثبات ، وتداولها الثقات.

وقال في خطبة «الوسطى» وهي المشهورة اليوم ب «الكبرى» : إنّ سكوته عن الحديث دليل على صحّته فيما يعلم ، وإنّه لم يتعرّض لإخراج الحديث المعتلّ كلّه ،

__________________

(١) الرد على البكري ، لابن تيمية ، لم نعثر عليه في ما طبع لابن تيمية من مجموع الفتاوي وغيره ، لكن ذكر اسمه في عداد (مجموع مؤلفاته ص ٦١ رقم ٢) وقال المؤلف : قطعة منه ، ومصدره : برلين الغربية رقم (٣٩٦٨) وقال يعرف بالاستغاثة.

(٢) هو عبد الحقّ الاشبيلي ، لاحظ رفع المنارة (ص ٢٨٠).

٧٦

وأخرج منه يسيراً ممّا عمل به أو بأكثره عند بعض الناس ، واعتمد وفزع إليه الحفّاظ عند الحاجة إليه ، وإنّه إنّما يعلّل من الحديث ما كان فيه أمر أو نهي ، أو يتعلّق به حكم ، وأمّا ما سوى ذلك فربّما في بعضها سمح ، وليس منها شيء عن متّفق على تركه.

وسبقه الحافظ أبو عليّ بن السكن إلى تصحيح الحديث الثالث ، كما سنذكره ، وهو متضمّن لمعنى هذا الحديث.

وقول ابن القطّان : إنّ قول ابن عديّ صدر عن تصفّح روايات موسى بن هلال ، لا عن مباشرة أحواله.

لا يضرّ أيضاً ؛ لأنّ كثيراً من جرح المحدّثين وتوثيقهم على هذا النحو ، بل هو أولى من ثبوت العدالة المجرّدة من غير نظر في حديثه ، وقد وجدنا لرواية موسى بن هلال متابعة وشواهد من وجوه سنذكرها.

وبذلك تبيّن : أنّ أقلّ درجات هذا الحديث أن يكون حسناً إن نوزع في دعوى صحّته ، فإنّ الحسن قسمان :

أحدهما : ما في إسناده مستور لم تتحقّق أهليّته ، وليس مغفّلاً كثير الخطأ ، ولا ظهر منه سبب مفسّق ، ومتن الحديث مع ذلك روي مثله أو نحوه من وجه آخر.

وأقلّ درجات موسى بن هلال رحمه‌الله تعالى أن يكون بهذه الصفة ، وحديثه بهذه المثابة.

والقسم الثاني للحسن : أن يكون راويه مشهوراً بالصدق والأمانة ، لم يبلغ درجة رجال الصحيح ؛ لقصوره في الحفظ ، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يُعدّ ما ينفرد به حديثه منكراً ، وهذا قد يقتضي إطلاق اسم «الحسن» على بعض ما سنذكره من الأحاديث أيضاً.

وليس لقائل أن يقول : إن هذا يقتضي سلب اسم «الحسن» عن الحديث الذي

٧٧

نحن فيه.

فإنّ ما ذكرناه ليس اختلافاً في حدّ الحسن ، بل هو تقسيم له ، والحديث الحسن صادق على كلّ من النوعين.

[قوّة الحديث بتضافر الإسناد]

ثمّ إنّ الأحاديث التي جمعناها في الزيارة ، بضعة عشر حديثاً ممّا فيه لفظ «الزيارة» غير ما يستدلّ به لها من أحاديث اخر ، وتظافر الأحاديث يزيدها قوّة ؛ حتّى أنّ الحسن قد يترقّى بذلك إلى درجة الصحيح.

والضعيف قسمان :

قسم يكون ضعف راويه ناشئاً من كونه متّهماً بالكذب ونحوه ، فاجتماع الأحاديث الضعيفة من هذا الجنس لا يزيدها قوّة.

وقسم يكون ضعف راويه ناشئاً من ضعف الحفظ ، مع كونه من أهل الصدق والديانة ، فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر ، عرفنا أنّه ممّا قد حقّقه ، ولم يختلّ فيه ضبطه له ، هكذا قاله ابن الصلاح رحمه‌الله وغيره (١).

فاجتماع الأحاديث الضعيفة من هذا النوع يزيدها قوّة ، وقد يترقّى بذلك إلى درجة الحسن أو الصحيح.

ولهذا لمّا تكلّم النوويّ رحمه‌الله في أنّ ميقات ذات عرق ، هل هو منصوص عليه ، أو مجتهد فيه؟ صحّح أنّه منصوص عليه ، وذكر عن جمهور أصحابنا تصحيحه للأحاديث الواردة فيه ، وإن كانت أسانيد مفرداتها ضعيفة ، فمجموعها يقوّي بعضه بعضاً ، ويصير الحديث حسناً ، ويحتجّ به ، هكذا ذكره في «شرح المهذّب» في

__________________

(١) علوم الحديث لابن الصلاح (ص ٣٤) في التنبيه الثاني من النوع الثاني وهو (الحسن).

٧٨

كتاب الحجّ (١).

فهذه مباحث في إسناد هذا الحديث :

أوّلها : تحقيق كونه من رواية «عُبيد الله» المصغّر ، وترجيح ذلك على ما رواه عن «عَبد الله» المكبّر.

وثانيها : القول بأنّه عنهما جميعاً.

وثالثهما : على تقدير التنزّل وتسليم أنّه عن عبد الله المكبّر وحده ، فإنّه داخل في قسم الحسن ؛ لما ذكرناه.

ورابعها : على تقدير أن يكون ضعيفاً من هذا الطريق وحده ـ وحاشا لله ـ فإنّ اجتماع الأحاديث الضعيفة من هذا النوع يقوّيها ، ويوصلها إلى رتبة الحسن.

وبهذا بل بأقلّ منه ، يتبيّن افتراء من ادعى أنّ جميع الأحاديث الواردة في الزيارة موضوعة.

فسبحان الله!! أما استحى من الله ومن رسوله في هذه المقالة التي لم يسبقه إليها عالم ولا جاهل؟ لا من أهل الحديث ، ولا من غيرهم؟

ولا ذكر أحد موسى بن هلال ولا غيره من رواة حديثه هذا بالوضع ، ولا اتهمه به فيما علمنا!

فكيف يستجيز مسلم أن يطلق على كلّ الأحاديث التي هو واحد منها : «أنّها موضوعة» ولم ينقل إليه ذلك عن عالم قبله ، ولا ظهر على هذا الحديث شيء من الأسباب المقتضية للمحدّثين للحكم بالوضع.

ولا حكم متنه ممّا يخالف الشريعة.

فمن أيّ وجه يحكم بالوضع عليه لو كان ضعيفاً؟! فكيف وهو حسن

__________________

(١) شرح المهذب للنووي (٧ / ١٩٤ ـ ١٩٥).

٧٩

أو صحيح؟!

ولنقتصر على هذا القدر ممّا يتعلّق بسند هذا الحديث الأوّل.

[دلالة الحديث]

وأمّا متنه فقوله : «وجبت» معناه حقّت وثبتت ولزمت ، وأنّه لا بدّ منها ؛ لوعده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تفضّلاً منه.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «له» إمّا أن يكون المراد له بخصوصه ؛ بمعنى أنّ الزائرين يخصّون بشفاعة لا تحصل لغيرهم عموماً ، ولا خصوصاً.

وإمّا أن يكون المراد أنّهم يفردون بشفاعة ممّا تحصل لغيرهم ، ويكون إفرادهم لذلك تشريفاً وتنويهاً بهم بسبب الزيارة.

وإمّا أن يكون المراد أنّه ببركة الزيارة ، يجب دخوله في عموم من تناله الشفاعة ، وفائدة ذلك البشرى بأنّه يموت مسلماً.

وعلى هذا التقدير الثالث يجب إجراء اللفظ على عمومه ؛ لأنّا لو أضمرنا فيه شرط الوفاة على الإسلام ، لم يكن لذكر الزيارة معنى ؛ لأنّ الإسلام وحده كافٍ في نيل هذه الشفاعة.

وعلى التقديرين الأوّلين يصحّ هذا الإضمار.

فالحاصل : أنّ أثر الزيارة إمّا الوفاة على الإسلام مطلقاً لكلّ زائر ، وكفى بها نعمة ، وأمّا شفاعة خاصّة بالزائر أخصّ من الشفاعة العامّة للمسلمين.

وقوله : «شفاعتي» في الإضافة إليه تشريف لها ؛ فإنّ الملائكة والأنبياء والمؤمنين يشفعون ، والزائر لقبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له نسبة خاصّة منه ، فيشفع فيه هو بنفسه ، والشفاعة تعظم بعظم الشافع ، فكما أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من غيره ، كذلك شفاعته أفضل من شفاعة غيره.

٨٠