شفاء السّقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله

علي بن عبدالكافي بن علي أبوالحسن الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي [ تقي الدين السبكي ]

شفاء السّقام في زيارة خير الأنام صلى الله عليه وآله

المؤلف:

علي بن عبدالكافي بن علي أبوالحسن الأنصاري الخزرجي المصري الشافعي [ تقي الدين السبكي ]


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دائرة المعارف العثمانيّة
الطبعة: ٤
الصفحات: ٤٣٢

ولذلك يحاول في (الصارم) إيراد عبارات طويلة ومكررة ينقلها عن مؤلّفات ابن تيميّة ، ليثبت هذه المحاولة.

لكنّا :

١ ـ نجد نفس تلك العبارات التي نقلها ابن عبد الهادي ، مليئة بجمل صريحة في أن ابن تيميّة يعتقد أن : زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير ممكنة ، لأنّ القبر غير ظاهر ، ولأنّ الصحابة لم ينقل عن أحدهم القيام بزيارة القبر ، ولأنّ زيارة القبر ممنوعة منهيٌّ عنها لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «لا تجعلوا قبري عيداً» وحتى شكك في استعمال لفظ الزيارة ، وقال مرادهم «السلام».

ولأن ذلك من فعل المشركين والنصارى وعبادة للقبر.

وأمثال هذه التعليلات ، منثورة في كلماته التي نقلها عبد الهادي نفسه.

ومع ذلك كلّه : فإنّ عبد الهادي يدّعي ـ بكل وقاحة ـ أن ابن تيميّة لا يمنع الزيارة؟

واللطيف : أن ابن تيميّة حينما يجد في عبارة الفقهاء وإجماعهم على استحباب «زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» يقول : المراد زيارة مسجده.

ومع هذا : فإنّ عبد الهادي يقول : لا يمنع من أصل الزيارة!!

وأمّا نسبة الإمام السبكي فتوى المنع إلى ابن تيميّة :

فهي ليست منفردة ولا محصورة بالإمام ، بل كلّ من تعرّض للمسألة نسب إلى ابن تيميّة هذا القول البشع ، فانظر :

* إبراز الغيّ للإمام أبي الحسنات اللكهنوي.

* رفع المنارة للشيخ محمود ممدوح ص ٩٢.

* دفع شُبَه التشبيه للإمام الحصني.

ثانياً : يحاول ابن عبد الهادي ـ تبعاً لابن تيمية نفي كل نصّ يحتوي على لفظ

٤١

«الزيارة لقبر النبيّ» ويُناقش في أسانيد جميع الأحاديث والروايات ، حتى يصل إلى النتيجة التي يؤكّد عليها ابن تيمية : إنّها مكذوبة بل موضوعة.

وهذا الادّعاء ، لا بدّ أنّ يحكم فيه صيارفة نقد الحديث وجهابذة علم الجرح والتعديل ، وقد حكموا بأنّ في أحاديث الزيارة المقدّسة ما هو صحيح وحسن ، أيضاً ، وإن كان فيها ما قيل فيه إنه من «قسم الضعيف» إلّا أنّ من «الضعيف» ما يُعمل به ، خصوصاً في المسائل والأحكام الفرعية العمليّة ، والتي عمل الزيارة منها بلا ريب ، وقد عمل بذلك المحدّثون والفقهاء والاصوليون.

فما هذه المخالفات لهم منكم؟!

ثالثاً : يُحاول ـ تبعاً لابن تيمية ـ تعميم النهي في حديث : «لا تجعلوا قبري عيداً ولا تتخذوه وثناً ...» ليكون شاملاً لما يفعله المسلمون الموحّدون عند قبره الشريف من السلام والدعاء والتكريم والتعظيم ، ناسباً جميع أفعال المؤمنين عند القبر إلى الشرك وعبادة القبر ، وما إلى ذلك من الألفاظ المهولة!

ومن الواضح لدى كل مسلم يزور قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه ممتلئ بالإيمان بالله ورسوله ، والحبّ لهما ، ولا يدعوه إلى المجيء إلى ذلك القبر إلّا محض التوحيد والإيمان ، وامتلائه بالعقيدة الراسخة.

ورابعاً : حديث «لا تشدّ الرحال إلّا إلى ثلاثة ...» وهو عمدة ابن تيميّة وحزبه في منع الحجّاج القاصدين بعد أداء حجّهم إلى زيارة قبر نبيّهم ، وإزعاجهم في مقام النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعند المقصورة الشريفة بالضرب واللعن والتشريك والتكفير والدفش ، والتهديد.

بدعوى : أنّ الحديث يدلّ على حرمة قصد زيارة القبر لمن يسكن بعيداً عنه من البلاد النائية.

وقد انهالت الاعتراضات الإسلاميّة من المذاهب الفقهيّة ، وعلى مستويات

٤٢

أهل العلم والفكر من المسلمين على هذه الفتوى البشعة «منع السفر إلى مرقد الرسول» منذ طلوع نباتها الخبيث من رأس الشيطان في القرن الثامن أعني شيخ حرّان ، الممتلئ بمعاداة هذه الشعائر الإسلاميّة التي تدلّ على عظمة الرسول ومقامه في قلوب المؤمنين برسالته.

وكثرت المؤلّفات في عصر مبتدع تلك الفتوى ابن تيميّة وإلى يومنا هذا ، في الردّ عليها وتفنيدها وتزييفها ، وقد بلغت المئات ، وجمعناها في كتاب (معجم المؤلّفات الإسلاميّة في الردّ على بدع ودعاوى السلفيّة والوهابيّة).

وكتاب «شفاء السقام» للإمام التقيّ السبكيّ ، هو من أهم وأقدم ما ردّ عليه في عصره.

وقد عجز ابن تيميّة من الإجابة عمّا فيه ، بل كان يعظّم الإمام السبكي ويُعجبه كلامه في «شفاء السقام».

وابن عبد الهادي جرو ابن تيميّة ، حاول ـ عبثاً ـ في الصارم المنكي ـ من مواجهة الحجج والأدلة العلمية الواردة في شفاء السقام ، لكنّه أخفق! ولم يأت بطائل ، بل قد أصبح ما ألّفه وكتبه في (الصارم المنكي) محلّا لنقد العُلماء ، وتصدّوا له بالردّ والتنكيل ، كما ستقرأ في الفقرة التالية.

٥ ـ «الصارم المنكي» في نظر العلماء :

قال العلامة الكتاني في ترجمة ابن تيميّة ، وقوله بالمنع من زيارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمسافر إليها : انتدب للكلام معه فيها جماعة من الأئمة الأعلام ، فوّقوا إليه بها السهام : كالشيخ تقي الدين السبكي ، والكمال ابن الزملكاني ، وناهيك بهما؟

وتصدّى للرد على السبكي : ابنُ عبد الهادي الحنبلي ولكنّه : ينقل الجرح

٤٣

ويغفل عن التعديل ، وسلك سبيل العُنف ، والتشديد!؟

وقد ردّ عليه ، وانتصر للسبكي ، جماعة (١).

وقال العلامة المحدّث السيّد عبد العزيز ابن الصدّيق الغماري :

ابن عبد الهادي : سلك في الكتاب (/ الصارم) مسلك الإفراط الخارج عن قواعد أهل الحديث ، فيجبُ الحذر منه (٢).

زيادةً على سوء الأدب في التعبير مع التقيّ السبكيّ ، الحافظ ، الفاقة ، وإتيانه في حقّه بما لا يليق بأهل العلم سلوكه.

يُضاف إلى ذلك ما أتى به من القول الفاسد والرأي الباطل ، والخروج عن سبيل السلف في ذلك! وإن زعم أنه ينصر عقيدتهم؟!

ويكفيك من ذلك : أنّه ذكر الخلاف في مسألة النزول «هل يخلو العرش من الرحمن»! عند نزوله في ثلث الليل؟ أو لا؟ (٣)

وهذا مما لا ينبغي (٤) أن يذْكره في كتابٍ ، إلّا بليد لا يفقه ، ولا يدري ما يخرج من رأسه!

وأين يوجد عن السلف هذا التشبيه؟ حتى يُبنى عليه الخلاف في «خلوّ العرش» أو عدم خلوه؟

وهذا مما ينتقده أهل العلم على كثير من بُلداء أهل الحديث ، كما هو معلوم (٥).

__________________

(١) فهرس الفهارس ص ٢٧٧.

(٢) لكنه لم يرد في (كتب حذّر منها العلماء) للسلفيّ المغمور! بل هو مما يرغّب فيه السلفية!؟

(٣) انظر هذه السخافة في الصارم المنكي ص ٢٣٠ وقبلها وبعدها ما لا يقل سخافةً.

(٤) بل : لا يجوز ، ويحرم البتّةَ ، والاستثناء التالي منقطع ، فإن هذا لا ينبغي أن يُدعى كتاباً ، وهو بهذه الدرجة من السقوط! كما هو أكثر مؤلّفات السلفية المعاصرين.

(٥) راجع : التهاني في التعقّب على الصغاني ، لابن الصدّيق ص ٤٢.

٤٤

وقال العلامة المعاصر المحدّث الشيخ محمود سعيد ممدوح : بعد النظر في «الصارم المنكي» رأيتُ الهول فيه ، فتراه :

١ ـ يتعنّت أشدّ التعنُّت في ردّ الأحاديث.

٢ ـ تطويله للكلام يخرجه عن المقصود إلى اللغو والحشو مع التكرار المملّ.

٣ ـ يذكر أبحاثاً خارجة عن المقصود.

٤ ـ يُطيل الكتاب جدّاً ، ولو اختصر بحذف الخارج ، لجاء في جزء صغير.

٥ ـ أما تهجّمه على الإمام المجتهد التقيّ السبكيّ ، فحدِّثْ ولا حرج!؟ (١)

٦ ـ وأحياناً يأتي بتعليلات للأحاديث ، خارجة على قواعد الحديث.

٧ ـ وقد أكثر في كتابه من الدعاوى على التقيّ السبكي ، من غير برهان ، وعند المحاققة نجد الحقّ مع الإمام المجتهد السبكي (٢).

٨ ـ يجزم الواقف عليه بأن عبد الهادي قد ظلمه بصارمه ولم يُجِبْ على كثير من مباحثه (٣).

وقال المعلّق على ذيل تذكرة الحفّاظ ص ٣٥٢ عند ذكر الصارم المنكي لابن عبد الهادي : ولقد تهوّر فيه لابن تيميّة في شذوذه ، فوقع في أغلاط من حيث الكلام على الأحاديث والاستنباط منها.

«ولم تدخل الهوى شيئاً إلّا أفسدتْهُ».

__________________

(١) اقرأ نماذج من شتائمه في الفقرة التالية : قاموس شتائم ابن عبد الهادي!

(٢) لاحظ : رفع المنارة في تخريج أحاديث التوسل والزيارة ص ١٠ ـ ١١ ، وهو كتاب نفيس في موضوعه ، واعتنى بالرد على الصارم المنكي ، وحثالة حشوية العصر : بكر أبو زيد ، وعثيمين ، وأضرابهما من أجراء الوهابيّة ، واجَرائهم.

(٣) رفع المنارة ص ١٣.

٤٥

الردود على الصارم المنكي :

قال العلامة الكتاني :

وقد رد عليه ، وانتصر للسبكي جماعة ، منهم :

١ ـ الإمام عالم الحجاز في القرن الحادي عشر ، الشمس ، محمد بن علي بن علّان ، الصديقي ، المكي ، له : المبرد المبكي في ردّ الصارم المنكي.

٢ ـ ومن أهل عصرنا : البرهان إبراهيم بن عثمان السمنودي المصري سمّاه : نصرة الإمام السبكي بردّ الصارم المنكي.

٣ ـ وكذا الحافظ ابن حجر ، له : الإنارة بطرق حديث الزيارة (١).

وقال الكتاني أيضاً ، في ترجمة أبي الحسنات عبد الحي اللكنهوي الأنصاري الهندي : خاتمة علماء الهند ، وأكثرهم تأليفاً ، وأتمّهم تحريراً واطلاعاً وإنصافاً ، ولد (١٢٦٤ ه‍) وكلامه كلّه جواهر ودرر ، ومات (١٣٠٤ ه‍).

وله في مسألة زيارة القبر النبويّ ، وشدّ الرحال له ، عدّة مصنّفات ، منها :

٤ ـ الكلام المبرم في نقض القول المحكم.

٥ ـ الكلام المبرور في ردّ القول المنصور.

٦ ـ السعي المشكور في ردّ المذهب المأثور.

قال رحمه‌الله : ألّفتها ردّاً لرسائل مَنْ حجّ ولم يزر قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرم زيارة قبره المعهود في العصور الإسلامية.

وكتبه هذه الثلاثة هي كالردّ على (الصارم المنكي) لابن عبد الهادي الحنبلي الذي قال عنه : راجعته فوجدتُه منقلباً على نحر شيخه.

ودعوى أنه لم يقدر أحدٌ من المخالفين على معارضته! صادرةٌ عن الغفلة! فقد

__________________

(١) فهرس الفهارس ص ٢٧٧.

٤٦

ردّه على أحسن وجهٍ ابنُ علّان ، ورددتُ كثيراً من مواضعه في (السعيُ المشكور) (١).

٧ ـ وفي عصرنا الحاضر (١٤١٨ ه‍) ردّ عليه الاستاذ المحدّث الواعي الشيخ محمود سعيد ممدوح ، أفضل ردّ وأحسنه في كتابه القيّم «رفع المنارة في تخريج أحاديث التوسّل والزيارة» وقد نقلنا عنه في تعاليقنا ، وهو مطبوع طبعة ثانية في دار الإمام الترمذي ـ القاهرة ١٤١٨ ه‍.

٨ ـ ورددنا عليه ردّاً مركّزاً مفحماً في رسالة «زيارة القبر النبويّ المعظّم» وفّقنا الله لإصدارها.

٦ ـ قاموس شتائم ابن عبد الهادي :

المتتبّع في (الصارم المنكي) لا يجد فيه بعد المناقشات السنديّة المطوّلة ، غير المنقول عن ابن تيميّة في (الجواب الباهر) و (الرد على الأخنائي) كلاماً من ابن عبد الهادي ، غير ما أضافه من الشتائم والسباب.

ولقد تعوّد المدّعون للسلفيّة على التلفظ بألفاظ نابية ضدّ معارضيهم فهم لا يتورّعون من كلّ ما هو قذفٌ وسبٌّ وشتمٌ ، يربأ المسلمُ بنفسه أن يتفوَّهَ به ، ويتعاطاه السلفيّة! ويدّعون مع ذلك اتّباع السنة ، لكن يخالفونها حيث يجدونها تصرّح : «لا تكونوا سبّابين».

وقد أفرط ابن عبد الهادي الحنبلي التيمي ـ من أتباع ابن تيميّة ـ في مواجهة الإمام الورع التقيّ السبكيّ ، بكلّ ما جرى على فمه وخرج من رأسه ، يُحاول بذلك إرضاء نفسه ، لمّا يجدها قاصرة من مواجهة حجج الإمام ومحكم أدلته :

__________________

(١) فهرس الفهارس ص ٧٣٠.

٤٧

ونحن نورد هنا قائمة ببعض ما أورده في الصارم المنكي ، كي يتّضح ذلك لكلّ مسلم ورعٍ ، ويعرف بذاءة منطق هؤلاء المتمسلفين المدّعين لاتّباع الكتاب والسنة (١) :

ونترك القرّاء ليقارنوا بين هذا وبينما قرءوه في صدر هذه المقدمة ممّا قاله العلماء في الإمام السبكي :

قال ابن عبد الهادي (الصارم ١٣) لكون مؤلّف الكتاب : رجلاً ، ممارياً ، معجباً برأيه ، متّبعاً لهواه ، ذاهباً في كثير ممّا يعتقده إلى الأقوال الشاذّة ، والآراء الساقطة ، صائراً في أشياء مما يعتقده إلى الشبهِ المخيلة والحجج الداحضة وربما خرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها!

يقول (ص ١٤) ما حكاه من الافتراء العظيم والإفك المبين والكذب الصراح!

ويقول (الصارم ١٥) : لكنه يُطفّف ويداهن ويقول بلسانه ما ليس في قلبه ... شتمل عليه [الكتاب] من الظلم والعدوان والخطأ والخبط والتخليط والغُلوّ والتشنيع والتلبيس.

ويقول (ص ٢١) متضمّن للتحامل والهوى وسوء الأدب والكلام بلا علم.

وقال (الصارم ص ٤٤) : هذا المعترض المخذول.

وقال (الصارم ص ٦٥) ارتكب امراً يدل على جهله ، أو على أنّه رجلٌ متّبع لهواه.

وقال (الصارم ص ٦٦) : كلام المعترض مشتمل على الوهم والإبهام والخبط

__________________

(١) لاحظ كتاب (قاموس شتائم الألْباني تأليف العلامة الورع السيد حسن السقاف) والألباني واحد من دُعاة السفليّة البذيئة في عصرنا ، ويبدو من اتحاد سيرته مع إمامه ابن تيمية وابن عبد الهادي أنّهم خلقوا من طينة خبيثة واحدة ، نعوذ بالله منها.

٤٨

والتخليط ـ والتلبيس ... فهو جاهل مخطئ بالإجماع أو معاند صاحب هوى متّبع لهواه ، مقصوده الترويج والتلبيس وخلط الحقّ بالباطل.

ويقول (ص ٧١) : على ما في كلامه من الكذب وسوء الأدب ... من الجور والعدوان والظلم .. مما وقع فيه من التخليط والتلبيس.

(الصارم ٨٧) : كلام المعترض «مزوّق غير محقّق ولا مصدّق ، بل فيه من الوهم والإبهام والتلبيس والخَبط والتخليط ودفع الحقّ وقبول الباطل».

(الصارم ص ٢٨٥) جرأة المعترض وإقدامه على تكذيب ما لم يُحط بعلمه بغير برهان ، بل بمجرد الهوى والتخرّص ، وليس هذا ببدع منه ، فإنّه قد عرف منه مثل ذلك في غير موضع ... بل حمله فرط غلوّه ومتابعته هواه على نسبة أمور عظيمة لا احبّ ذكرها وهكذا عادته ودأبه يكذّب النصوص الثابتة أو يعرض عنها ، ويقبل الأشياء الواهية التي لم تثبت والامور المجملة الخفيّة ويتمسّك بها بكلتا يديه.

ويقول (ص ٢٩٥) صدرت منه عن الفهم الفاسد والهوى المتّبع.

ويقول (٣٣٤) ما تضمنه من الغلوّ والجهل والتكفير بمجرد الهوى وقلّة العلم أفلا يستحي من هذا مبلغ علم أن يرمي أتباع الرسول؟

ويقول (ص ٣٣٤) هذا المعترض وأشباهه من عبّاد القبور!؟

ويقول (ص ٣٤١) في هذا الكلام من التلبيس والتمويه والغلو والتخليط والقول بغير علم!

واعلم أنّ هذا المعترض من أكثر الناس تلبيساً وخلطاً للحقّ بالباطل!

إلى غير ذلك ممّا كاله ابن عبد الهادي وسوّد صحائف أعماله من الشتائم!! على الإمام السبكي الذي وصفوه بأنه «شيخ الإسلام» من أوعية العلم ، كان صادقاً متثبّتاً خيّراً ديّناً متواضعاً ـ وهذا كلّه من كلام الذهبي ـ التقي البرّ العليّ القدر ، جمّ

٤٩

الفضائل ، حسن الديانة ، صادق اللهجة ، جمع الزهد والورع والعبادة الكثيرة ، ... والشدّة في دينه ، له عدالة الأصل وأصالة القول ... ومكانة الدين والفضل!

أهكذا تسبّه ، وتتجاوز على مقامه! يا ابن عبد الهادي!

٧ ـ نصيحة للمغترين بالسلفيّة في عصرنا :

وبعد معرفتنا بالعيان عظمة الإمام السبكي ، وموقعه المقبول لدى طوائف الأمة من علمائها خاصّة ، ومؤرّخيها عامّة ، حتى أعداءه وخصومه الحنابلة والتيميّة ، لم يجرءوا أن يَنْبِسُوا ـ ضدّهُ ـ ببنت شَفَهْ!

وبعد معرفتنا بما أقدم عليه ابن عبد الهادي الحنبليّ ، في غمط حقّ السبكي ممّا أدى إلى تذمّر العلماء. والفضلاء ، وجميع القرّاء المنصفين ، وذمّهم لطريقته المتعنّتة ، والجافية ، والخاطئة ، فردّوه وانتقدوه ، وقد بتر الله عمره ، لما تجاسر على شيخ الإسلام السبكي وإمام عصره!

نرى من الواضح بطلان ما عليه سُفليّة العصر ، من أَجْراء الوهابيّة واجَرائهم ، من الاغترار بما لفّقه ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي) فنجدهم يرفعون عقيرتهم بما فيه ، ويفتخرون به ، كالعِنِّين يفتخر بهن أبيه!

ولكن نحن ندعو العقلاء ، إلى الاعتبار من تاريخ ابن عبد الهادي وما خلّفه بهذا الكتاب (/ الصارم) لنفسه من العار والمذمّة والشنار. كما بتر الله عمره ، لما تجاسر على الحقّ وعلماء عصره ، وخالف المسلمين كافة ، بتوجيه الإهانة إلى زائري مرقد النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم!

ندعوهم أن يعتبروا بذلك ، وأن يتركوا الجدال بالباطل ، والتمادي في الغيّ ، باتّباع الحزب السلفيّ الجاهل.

وأن يعودوا إلى صفّ الامّة الإسلاميّة ، ويتأمّلوا ـ لا بعين السخْط ـ كلمات

٥٠

علماء الامة الأفاضل.

وأنْ يُقارنوا بأنفسهم ـ لا بإرشاد المطاوعة ، ولا المُتَدكْتِرين السلفية ـ بين الأقوال ، كما جاء في كتابي شفاء السقام ، والصارم!

وأن يلتزموا الورع والتقوى ، في تصرفاتهم وأحكامهم على الكتب وعلى الناس!

فإنّ وراءهم عقبةً كئوداً ، وسوف يُسألون عما كانوا يفعلون ، ويعتقدون.

وفي البرزخ سوف يواجهون منكراً ونكيراً ، ويحاسَبون!

فليتركوا كل فعل وكلمة تؤدّي إلى التفرقة والاختلاف بين المسلمين ، وتشتيت كلمة امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الموحّدين!

ولا يصدّوا الناس عن زيارة قبر النبيّ المعظم ، ولا يهينوا المؤمنين ، باتهامهم بالشرك والبدعة والشتائم!

فإنّ الله لهم بالمرصاد ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون!

٨ ـ محتوى الكتاب ومادّته :

رتّب المؤلّف كتابه على عشرة أبواب :

احتوى «الباب الأول» على «الأحاديث الواردة في الزيارة» وفيها لفظ من مادّة الزيارة : زارَ ، زائر ، زيارتي ، فزار ، زارني ، يزرني ، يزر.

وعنون لخمسة عشر حديثاً ، بنصوص مختلفة ، لكنّها كلّها تحتوي على الحثّ على زيارة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما يدلّ على زيارة القبر النبويّ المعظم بالخصوص ، بعد وفاته ، أو بالعموم ، أو بالإطلاق.

وقد بحث في كل حديث عن مصادره وسنده وضبط نصّه ، وتوثيق رجاله ، بكلّ دقّة.

٥١

حتّى أنّه يُسْند إلى المؤلّفين بطرق السماع أو القراءة المباشرة على مشايخه ، وإلى النسخ ، ويذكر بلاغات القراءة والتحديث ، كل ذلك للتأكد من الضبط والتوثيق.

وهذه الطريقة التي كانت معتمدةً لدى القدماء ، وقلّ مَنْ استخدمها في زمان الإمام السبكي.

والهدف من ذلك التأكّد من صحّة النسخ وضبطها ، لتكون النصوص قابلة للاعتماد في الاستدلال ، بشكلٍ لا يتطرّق إليه الريب ، بخلاف المعتمدين على النسخ الرائجة المبتذلة التي يتلاقفها الورّاقون ، فإن اعتمادها من شأن الصُّحفيين غير الموثوقين.

وبالرغم من جلالة عمل الإمام السبكيّ هذا ، فإنّه لم يَرُقْ ابن عبد الهادي الحنبلي في الصارم (ص ١٦ و ٤٠) فراح يهرّج عليه بقوله : أطال بذكر الأسانيد وتكرارها منه إلى مؤلّفي الكتب كالطبراني والدارقطني وغيرهما ، وحشد فيه بتعداد الطرق إليهم والرواية بالإجازات المركّب بعضها على بعض ... وذكر طباق السماع وأسماء السامعين ، ونحو ذلك مما يكبّر حجم الكتاب ، وليس إلى ذكره كبير حاجة.

نقول : وهكذا تنقلب الأسانيد ، عند الحنبلي إلى «حشد ليس إليه كبير حاجة»؟ مع أنّها أعمدة الحديث ، والدين؟

ولكنّه الهوى يحسّن للسلفية القبيح! ويقبّح الحسن المليح؟!

وهذا الجهد العلمي ، لا يهمّ الصحفيين الذين يهتمون بما يوافق أهواءهم ، أما تصحيح النسخ وضبطها وهي من أهم الامور عند العلماء ، لرفع ما يقع فيها من التصحيف والتحريف والسهو والغلط ، فلا يهتمّ به إلّا الجهابذة الأتقياء المتقنون.

ثمّ إنّ المؤلّف ـ وعلى أساس مما وصلته بالطرق العلمية من النسخ المتقنة ـ يتطرق إلى دلالات الأحاديث ، بشكل علميّ منطقي رائع.

وقد أبدى إعجاب العلماء في دقّته في النقل من المصادر والكتب ، وهو ما

٥٢

لاحظناه عند تخريجاتنا لمنقولاته ، فوجدنا الأمانة التامة ، والمحافظة على اختلافات الألفاظ حتى في الكلمة الواحدة.

وأما في علم الرجال ، وفقه الحديث ، وفنون العلم الاخرى فهو علّامة نَيْقَد بصير.

وفي «الباب الثاني» أورد الأحاديث الدالة على المراد ، من دون احتوائها على لفظٍ من مادّة «زار».

فذكر ما فيه السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا «الصلاة عليه».

وذكر فصلاً في علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمن يصلّي عليه ، وسماعه سلام مَنْ يسلّم عليه من قرب ، وإبلاغ الملائكة إليه سلام البعيد.

وفي دلالة كلّ ذلك على المراد يورد المناقشات والاحتمالات ، ويبحث بحريّة من دون تعنّت.

وعقد «الباب الثالث» لذكر «ما ورد في السفر إلى زيارته صريحاً وبيان أن ذلك لم يزل قديماً وحديثاً».

فأثبت فيه قيام الصحابة والتابعين ، ومَنْ بعدهم ، بالسفر وشدّ الرحل إلى قبر الرسول الأعظم من دون تحرّج ، بل بكل رغبةٍ وشوق.

رادّاً بذلك على مزعومة ابن تيمية بعدم قيام الصحابة والتابعين ومَنْ يسمّيهم السلف ، بذلك.

وفي «الباب الرابع» : ذكر تقرير الفقهاء للسفر إلى زيارة القبر الشريف.

ناقلاً عن فقهاء جميع المذاهب الأربعة هذا الحكم ، وما ذكروه في كتب مناسك الحجّ من استحباب الزيارة وحكاية الإجماع على ذلك.

وفي هذا الباب ذكر حديث العُتْبي ، وحكاية مالك مع المنصور العبّاسي ، مما هو مشهور ومذكور في المؤلّفات.

٥٣

ثمّ أورد أقاويل المانعين وما استندوا إليه :

من كراهة مالك للفظ «زيارة القبر وزيارة النبيّ» ونسبة المنع إلى أهل البيت ، وحديث «لا تجعلوا قبري عيداً ...».

وردّ عليها ردّاً قويماً مفحماً.

وفي «الباب الخامس» قرر كون زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قربة.

واستدلّ على ذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس.

وذكر أنواع الزيارة وأحكامها ، وزيارة النساء للقبور ، وأخيراً ذكر اجتماع الأغراض الشرعية في زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثمّ ذكر جهة القربة في زيارة القبور ، وانتهى إلى أن زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قربة ، لحثّ الشرع عليها وترغيبه فيها.

وعقد «الباب السادس» في «كون السفر إلى الزيارة قربة» من وجوه : الكتاب ، والسنة والإجماع ، وأن وسيلة القربة قربة.

وفي الوجه الأخير فصّل البحث عن أن قواعد الشرع معتبرة بالمقاصد ، واستدلّ على ذلك بأبواب كثيرة من الفقه.

ثمّ ذكر الحكم في المقدمة ، والفرق بينها وبين الوسيلة ، واعتبارات السفر في مسألة الزيارة.

وعقد «الباب السابع» لذكر شُبَه الخصم وتتبُّع كلماته ودفع ما فيها من الأوهام ، في فصلين :

الأول في ذكر شُبَهِهِ ودفعها ، وهي :

الاستدلال بحديث «لا تشدّ الرحال» فذكر ألفاظه ومصادره ثمّ ذكر دلالته ومعناه ، ثمّ ذكر محطّ البحث عند الفقهاء في شدّ الرحال إلى المساجد ، وعنوان المسألة في كتب الفقه.

٥٤

وأورد ذكر فتاوى مُخْتَلَقَةً منسوبة إلى علماء بغداد أنّهم ايّدوا فتوى ابن تيمية بمنع شد الرحال إلى الزيارة الشريفة.

ثمّ إنّ المؤلّف نقل نصّ فتوى لابن تيميّة جاء فيها التصريح بمنع أصل الزيارة للقبر النبوي الشريف ، ولو بغير شدّ رحلٍ ولا سفرٍ.

وأجاب عمّا فيها من الشبه :

والشبهة الثانية : عدم مشروعية أصل الزيارة ، وأنّها من البدع إلى آخر ما ذكره ابن تيمية من عدم فعل الصحابة والتابعين لها.

فردّ عليها المؤلّف بورود التشريع للزيارة بالنصّ الصحيح ، وعدم وجود دليل عند ابن تيمية لما نفاه من فعل الصحابة والتابعين.

والشبهة الثالثة : ربطه بين الزيارة والشرك.

فقد فصّل المؤلّف في ردّ هذا التخيّل ، وأن الزيارة لا ترتبط بالشرك ، ولا يقصد بها سوى التبرّك والتعظيم ، والشرك لا يكون إلّا بالعبادة واتخاذ الندّ والوثن ، وليس شيء من هذا متصوّراً في زيارة القبر النبويّ.

وأما الفصل الثاني فعقده لتتبّع كلماته.

فنقل أولاً نصّ الفتيا الرسمية التي كتبها ابن تيميّة ، ووصلت إلى قضاة المذاهب الأربعة في مصر ، فحاكموه على أساسها وسجنوه من أجلها ، وكتب القضاة أحكامهم عليها.

ثمّ بدأ بالردّ عليها فقرةً ، فقرةً ، بما لم يبق لها قيمة علمية.

ثمّ عقد الباب الثامن في التوسل والاستغاثة والتشفّع بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ذكر جواز التوسّل بالنبيّ ، وأنّه على ثلاثة أنواع :

قبل خلقه ، كتوسّل آدم وعيسى عليهما‌السلام به.

والتوسّل به بعد خلقه ، وذكر حديث الأعمى المتوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٥٥

والتوسّل به بعد موته ، كما في حديث عثمان بن حنيف.

ثمّ حديث الاستسقاء بمعنى طلب الدعاء منه.

والتوسّل بعد موته بالشفاعة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وذكر الاستغاثة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعقد الباب التاسع ، لذكر حياة الأنبياء عليهم‌السلام بعد موتهم وفي قبورهم ، في فصول :

الفصل الأوّل : في ما ورد في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

الفصل الثاني : في حياة الشهداء.

الفصل الثالث : في سماع سائر الموتى لسلام الأحياء وكلامهم وإدراكهم وحياتهم وعود الروح إلى الجسد في القبر.

الفصل الرابع : الفرق بين الشهداء وغيرهم ، في هذه المسألة.

الفصل الخامس : كيفية حصول السماع ، للميت؟

و «الباب العاشر» خصّصه لمسألة «الشفاعة».

وذكر أنّ وجه تعرّضه لها هو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أوّل حديث ذكر في الكتاب : «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

وقد أشبع الكلام حولها ، فذكر مصادرها وأحاديثها ، وفصّل في ما تدلّ عليه من أنواعها وعددها ، وذكر شرح الحديث الطويل في التجاء الناس ـ يوم القيامة ـ إلى الأنبياء وتوسّلهم بالنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعصمة الأنبياء وترتيب الشفاعات ، والمقام المحمود ، كلّ ذلك في فصول.

وختم الكتاب بجمع النصوص المحتوية على الألفاظ المأثورة بالصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأورد (٦٥) نصّاً.

والحقّ أنّ الإمام السبكيّ لم يعرض لبحثٍ فيخرج منه إلّا أشبعه بالدقّة

٥٦

والتحقيق ، وكما قال الحافظ ابن حجر : «لا تقع له مسألة مشكلة أو مستغربة إلّا ويجمع شتاتها» بأفضل ما يتوقّع! ويُغني القارئ له عمّا سواه.

٩ ـ عملنا في الكتاب :

(١) التحقيق :

قمنا بجمع نسخ الكتاب المطبوعة (١) ، وهي :

١ ـ طبعة مصر الاولى عام (١٣١٨ ه‍) بالمطبعة الكبرى الأميرية ، ببولاق مصر المحميّة ، بالقسم الأدبي.

طبعت بمعرفة الشيخ فرج الله التركي الكردستاني وشركائه. في مجلد يحتوي على :

١ ـ كتاب شفاء السقام في زيارة خير الأنام (كتابنا هذا).

ـ ويليه كتاب : نفحات القرب والاتصال ، بإثبات التصرّف لأولياء الله تعالى ، والكرامات بعد الانتقال. لشيخ الإسلام شهاب الدين أحمد الحسيني الحمويّ.

ـ ويليه أيضاً : رسالة في إثبات كرامات الأولياء للعلامة السجاعي.

ـ ومعها جواب سؤال عن كرامات الأولياء ، للعلامة الشوبري.

ـ وفي مقدمة الكتاب تأليف (تطهير الفؤاد عن دَنَس الاعتقاد) للعلامة محمد بخيت المطيعي.

٢ ـ وطبعة الهند عام ١٤٠٣ ه‍ الطبعة الثالثة ، تحت إدارة السيّد شرف الدين أحمد مدير دائرة المعارف العثمانية وسكرتيرها قاضي المحكمة العليا سابقاً.

__________________

(١) لقد اطّلعنا على وجود نسخ مخطوطة للكتاب ، لكنّا لم نتمكّن من الوقوف عليها ، منها نسخة يكي جامع ١٤ (٢٦٤) بخط المصنّف ، وطوبقبو سراى ٢ / ٢٣٢ ـ ٢٩٦٣ ـ ٣٢٤ ألف ـ ١٦٤ و/ ٧٧٥ ه‍ ، كلاهما في تركيا لاحظ الفهرس الشامل ص ١٠٣٢ رقم ٦٥٤.

٥٧

بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية ، بحيدرآباد الدكن ـ الهند.

(٢) فقمنا بمقارنة النسختين ، وانتخاب الصحيح في المتن ، والإشارة إلى المخالفة في الهامش.

ثمّ التقويم والتقطيع والتنقيط ، حسب أحدث الأساليب العلمية المتداولة.

(٣) وقمنا بالتخريج الواسع للأحاديث والأقوال حسب المصادر والمراجع المذكورة في الأصل ، والمتيسّرة الحصول لنا ، ولو بواسطة الكتب الاخرى.

(٤) لقد راجعنا ما أورده ابن عبد الهادي في (الصارم المنكي) حرفياً من عبارة كتابنا هذا ، ومتابعة ما أورده عليه باسم الردّ ، وإراءة ما زيّفه من النقل ، وما حرّفه من الكلم ، بما يعدّ محاكمة عملية له ، ومقارنة بين الكتابين.

وسيقف المطالع على تحريفات فظيعة قام بها ابن عبد الهادي يَرْبؤُ العالم الورع المتقي لله ، بنفسه أنّ يقوم بها.

(٥) أضفنا على جملة الصلاة والسلام على النبي الأعظم كلمة (وآله) اتّباعاً لسنّته في تعليم الصلاة عليه كما تدل عليه النصوص المنقولة في خاتمة الكتاب ، وابتعاداً عن الصلاة البتراء المنهيّ عنها في بعض الأحاديث.

(٦) وأخيراً وضعنا العناوين المناسبة لمواضيع الكتاب وبحوثه ، بين المعقوفات ، إضافة على ما كتبه المؤلّف للأبواب والفصول ، لتمكين القرّاء من معرفة ما يحتويه الكتاب ، وسهولة الوصول إلى ما فيه.

(٧) نظمنا الفهارس الضرورية للتسهيل على القارئ.

ونحمد الله تبارك وتعالى على التوفيق لإنجاز هذا العمل ، ونسأله الرضا عنّا بفضله وإحسانه ، وأن يُتحفنا بالقبول بمنه وإفضاله ، إنّه ذو الجلال والإكرام.

٥٨

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي منّ علينا برسوله ، وهدانا به إلى سواء سبيله ، وأمرنا بتعظيمه وتكريمه وتبجيله ، وفرض على كلّ مؤمن أن يكون أحبّ إليه من نفسه وأبويه وخليله ، وجعل اتّباعه سبباً لمحبّة الله وتفضيله ، ونصب طاعته عاصمة من كيد الشيطان وتضليله ، ويغني عن جملة القول وتفصيله ، رفعُ ذكره وما أثنى عليه في محكم الكتاب وتنزيله ، صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاة دائمة بدوام طلوع النجم وافوله.

أمّا بعد ، فهذا كتاب سمّيته «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» ورتّبته على عشرة أبواب :

الأوّل : في الأحاديث الواردة في الزيارة.

الثاني : في الأحاديث الدالّة على ذلك وإن لم يكن فيها لفظ «الزيارة».

الثالث : فيما ورد في السفر إليها.

الرابع : في نصوص العلماء على استحبابها.

الخامس : في تقرير كونها قربة.

السادس : في كون السفر إليها قربة.

٥٩

السابع : في دفع شُبَه الخصم وتتبّع كلماته.

الثامن : في التوسّل والاستغاثة.

التاسع : في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

العاشر : في الشفاعة ؛ لتعلّقها بقوله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

وضمّنت هذا الكتاب الردّ على من زعم : أنّ أحاديث الزيارة كلّها موضوعة؟! (١) وأنّ السفر إليها بدعة غير مشروعة؟!

وهذه المقالة أظهر فساداً من أن يردّ العلماء عليها ، ولكنّي جعلت هذا الكتاب مستقلّاً في الزيارة وما يتعلّق بها ، مشتملاً من ذلك على جملة يعزّ جمعها

__________________

(١) أوّل من ابتدع هذا القول ، واجترأ على الحكم بالوضع على أحاديث الزيارة ، هو أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية الحرّاني ، وسيأتي نقل كلامه ص ١٠٩ ، ولاحظ : العقود الدريّة ص ٣٣٦ ، ومجموع فتاوى ابن تيمية ٢٧ / ١٨٩ قال بحروفه : «وما ذكروه من الأحاديث في زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فكلّها ضعيفة! ، باتفاق أهل العلم بالحديث!! بل هي موضوعة!!!

لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئاً منها ، ولم يحتج أحدٌ من الأئمة بشيء منها!!!» انتهى كلامه.

وكلّها دعاوى باطلة وكذب على أهل الحديث والأئمة وأهل السنن ، كما سيتّضح لك في هذا الكتاب ، فراجع (ص ٧٩ ـ ٨٠) ، وراجع الباب (٧) منه خاصة.

وكذلك عمل جروه ابن عبد الهادي فقال : وجميع الأحاديث التي ذكرها ... في هذا الباب ليس فيها حديث صحيح بل كلّها ضعيفة واهية ، وقد بلغ الضعف ببعضها!! إلى أن حكم عليه الأئمة الحفاظ بالوضع! كما أشار إليه شيخ الإسلام! الصارم المنكي ص ٢١.

وقد بدا تحريفه في كلمة (بعضها) مع أن شيخ إسلامه ابن تيمية أظهر الحكم فيها كلّها بقوله : «بل هي موضوعة!!».

وقد غفل ابن عبد الهادي عن هذه الحيلة ، وعادَ ، وصرّح كشيخه ـ بانّها كلها موضوعة في الصارم ص ١١٤ فظهر بذلك دَجَلُهُ وسوء صنيعه!

وكتب السيّد

٦٠